فصل: الشَّرْط الثَّانِي: قَبُولُ الْمَنْفَعَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمَنْفَعَة:

وَلَهَا ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ:
أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً جَائِزَةَ الدَّفْعِ لِلْعَبْدِ مُتَقَوِّمَةً مَمْلُوكَةً غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ بِالْأَصَالَةِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا حَاصِلَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعْلُومَةً فَتُذْكَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِمَدَارِكِهَا وَفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْإِبَاحَةُ:

احْتِرَازًا مِنَ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَى الْعِوَضِ.
فَرْعُ:
ثُبُوتِهِ عَلَى المعوض وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرمت عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا».
قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: بَيْعُ أَوَانِي الذَّهَبِ جَائِزٌ إِذَا اشْتَرَاهَا لِبَيْعِهَا مِنَ الذِّمَّةِ أَوْ مِمَّنْ يَتَّجِرُ فِيهَا كَثِيَابِ الْحَرِيرِ الْمَخِيطَةِ لِلرِّجَالِ أَوْ لِيَدَّخِرَهَا لِلزَّمَانِ لِتُبَاعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الِانْتِفَاعِ وَالِاسْتِصْنَاعُ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: اقْتِنَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ مُحرم قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: لَوْ لَمْ يَجُزِ اتِّخَاذُهَا لَفُسِخَ بَيْعُهَا وَقَدْ أَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ: قَالَ ابْنُ شَاسٍ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا بِخِلَافِ اتِّخَاذِهَا بَلْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَنْعِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى مُتلفها مِنْ غَيْرِ جَوْهَرِهَا فَالْمُخَالِفُ يُجِيزُ الْإِجَارَةَ وَيُوجب الضَّمَان وَفِي الْكِتَابِ: يُكْرَهُ لِلْأَعْزَبِ إِجَارَةُ الْحُرَّةِ لَيْسَ بَينه لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرِمٌ أَوْ أَمَةٌ يَخْلُو مَعَهَا أَوْ يُزَامِلُهَا فِي الْمَحْمَلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُحْرَمُ فِي الْأَعْزَبِ كَانَ مَأْمُونًا أَمْ لَا لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَخْلُو رجل بِامْرَأَة لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرِمٌ» وَيَجُوزُ فِي الْمَأْمُونِ ذِي الْأَهْلِ وَتَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونِ ذِي الْأَهْلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَجَالَّةً لَا رَغْبَةَ لِلرِّجَالِ فِيهَا أَوْ شَابَّةً وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِجَارَةُ الحمَّامات لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانُوا يَدْخُلُونَ مُسْتَتِرِينَ وَلِلنِّسَاءِ إِذَا كُنَّ يَسْتَتِرْنَ فِي جَمِيعِ أَجْسَادِهِنَّ وَمَمْنُوعَةٌ إِذَا كُنَّ يَتْرُكْنَ السُّتْرَةَ جُمْلَةً وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا إِذَا كُنَّ يَدْخُلْنَ بِالْمِئْزَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة كَالرّجلِ بِالنِّسْبَةِ للرجل أَمْ لَا وَفِي التِّرْمِذِيَّ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ» وَأَطْلَقَ (ش) وَ (ح) جَوَازَ الْإِجَارَةِ لِلْحَمَّامِ وَكَرِهَهَا أَحْمَدُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَمَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّفْصِيلِ أَلْيَقُ فَإِنَّ حَاجَةَ أَكْثَرِ النَّاسِ تَدْعُو إِلَى دُخُولِهَا لِطُهْرِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَمُدَاوَاةِ الْأَمْرَاضِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ قد نقل الْإِجْمَاع على امْتنع دُخُولِهَا مَعَ مَنْ لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ.
فرع:
قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيَمْتَنِعُ إِجَارَةُ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ إِذَا كَانَ يُفْعَلُ فِيهَا الْمُحَرَّمَاتُ كَبَيْعِ الْخُمُورِ وَالْمَغْصُوبِ وآلات الحروب لِأَن الْغَالِب الْيَوْم أَن لَا يُقَاتل بهَا إِلَّا الْمُسلمُونَ فَإِن تَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ فَإِنْ أَجَرَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ يُرَابِي فِيهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِينِهِمْ إِنْ عَمِلَهُ هُوَ وَالذِّمَّةُ وَإِلَّا لَمْ يُؤَاجِرْ وَيَمْتَنِعُ مِنْ ذِمِّيٍّ يَبِيعُ الْخَمْرَ فِيهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا الْعَهْدَ عَلَى إِعْلَانِ الْخَمْرِ وَلَا يُؤَاجِرُ دَارَهُ مِمَّنْ يَعْمَلُهَا كَنِيسَةً فَإِنْ نَزَلَ فَسَخَ مِنَ الْقِيَامِ وَتَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ إِنْ فَاتَ وَقِيلَ: إِذَا أَجَرَهُ لِلْخَمْرِ فَفَاتَ لَمْ يَفْسَخْ أَوْ دَابَّتَهُ لِلرَّوَاحِ إِلَى الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا إِنَّمَا الْمُنْتَفِعُ فَعَلَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَلَوْ أَجَرَ الذِّمِّيُّ لِيَبِيعَ خَلًّا فَبَاعَ خَمْرًا لَا يَخْتَلِفُ لِمُسَاوَاةِ الْخَمْرِ وَالْخَلِّ فِي الضَّرَرِ فَلَوْ أَكْرَاهُ لِيَسْكُنَ فَبَاعَ الْخَمْرَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الكري قُوِّمَتِ الدَّارُ ثَلَاثَ قِيَمٍ: لِلسُّكْنَى وَقِيمَةُ مَا يَضُرُّ كَمَضَرَّةِ الْخَمْرِ وَقِيمَتُهُ مَعَ الْخَمْرِ وَتَصَدَّقَ بِمَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْخَمْرِ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ كَأَنَّهُ فَسْخُ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي لَمَّا عَلِمَ بِالثَّانِي وَقِيلَ: لَا يَتَصَدَّقُ فَلَوْ أكره لِبَيْعِ الْخَمْرِ فَصَرَفَ ذَلِكَ لِلسُّكْنَى كَانَ الْكِرَاءُ لِلْمَكْرِيِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَإِقْرَارُ الثَّانِي عَقْدٌ آخَرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الثَّانِي أقل فيحط عَنهُ مَا بَين الكرائين قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ تَعَدَّى عَلَى الْحَانُوتِ فَبَاعَ فِيهَا الْخَمْرَ تَعَدِّيًا أَخَذَ كِرَاءَهَا إِنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي ذِمِّيًّا وَلَا شَيْءَ لَهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ شَرْعًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَكْسِبُ إِلَّا بِثَمَنِ الْخمر وَفِي الْكتاب: لَا يكْرِي دَابَّته لتركيب لِعِيدِهِمْ وَشَاتَهُ لِتُذْبَحَ لِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ: تَقُومُ الدَّارُ بِغَيْرِ شَرْطِ كَوْنِهَا كَنِيسَةً وَيَتَصَدَّقُ بِمَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ إِنْ بَاعَ وَبِالْكِرَاءِ كُلِّهِ إِنْ أَجَرَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ وَإِجَارَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: لِرِعَايَةِ الْخَنَازِيرِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ تُفْسَخُ أَبَدًا فَإِنْ فَاتَ تَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ وَعَلَى الْخِدْمَةِ وَالْمِهْنَةِ تُفْسَخُ أَبَدًا فَإِنْ فَاتَا لَمْ يَتَصَدَّقْ لِأَنَّهَا قُبَالَةُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ وَإِنَّمَا مُنعت لِوَصْفٍ خَارِجٍ وَهُوَ إِهَانَةُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى شَيْءٍ لَا يَكُونُ فِيهِ تَحْتَ يَد الذِّمِّيّ وَلَا مهنة كَالْقِرَاضِ وَالْحِرَاسَةِ فَإِذَا نَزَلَ مَضَى الْمُسَمَّى وَيُكْرَهُ فِي الْكِتَابِ: أَنْ يَكُونَ عَامِلَ قِرَاضٍ لِلذِّمِّيِّ وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِجَارَتَهُ لِلْحِرَاسَةِ لَهُ وَالْحَرْثِ وَالْبناء لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّلَامُ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعلى عَلَيْهِ» قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا وَقَعَ كِرَاءُ الْعَبْدِ أَوِ الشَّاةِ لَا يُرَدُّ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ خَارِجَةٌ من أَرْكَانِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَكَكِرَاءِ الْحَانُوتِ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْعِنَبِ يُعْصَرُ خَمْرًا يُفْسَخُ وَالْفرق: أَن مَنَافِع الدَّابَّة تَنْقَضِي قبل المعصبة وَالشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ ذَكِيَّةٌ يَجُوزُ أَكْلُهَا وَالْمَنَافِعُ تَسْتَوْفِي عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ فِي دَارِ الْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا فَتُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةُ الْمَنْفَعَةَ وَلَوْ أَجَرَهُ عَلَى زِقِّ زَيْتٍ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا تَزِيدُ الْأُجْرَةُ لِكَوْنِهِ خَمْرًا وَالْعَقْدُ بَينهَا بَاقٍ فِي زِقٍّ ثَانٍ فَإِنْ قَالَ: خَمْرًا فَوَجَدَهُ زَيْتًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ: يَجُوزُ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ إِبْعَادُهَا لَا هِيَ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمَيْتَةِ بِجِلْدِهَا لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ وَإِنْ دُبغ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ كِرَاءُ أَرْضِ الْجِزْيَةِ ذَاتِ الْخَرَاجِ لِمَا فِيهَا مِنَ الذِّلَّةِ فَإِنْ أَكْرَيْتَهَا فَأَخَذَ السُّلْطَانُ مِنْكَ الْخَرَاجَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الذِّمِّيُّ أَدَّاهُ رَجَعْتَ عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا مَظْلَمَةٌ عَلَيْكَ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ: تَمْتَنِعُ عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ الصَّحِيحَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ السَّالِمَةِ لِتَحْرِيمِ إِفْسَادِ الْأَعْضَاءِ شَرْعًا.
فَرْعٌ:
كَرِهَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ: نَقْطُ الْمَصَاحِفِ بالحُمرة والصفر وَمُقْتَضَاهُ كَرَاهَةُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا.

.الشَّرْط الثَّانِي: قَبُولُ الْمَنْفَعَة:

احْتِرَازًا من النِّكَاح فَإِنَّهُ مُبَاحٌ يَتَعَذَّرُ بَدَلُهُ شَرْعًا وَمَا تَعَذَّرَ بَدَلُهُ امْتَنَعَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ فَرْعُ انْتِقَالِ الْمُعَوَّضِ.

.الشَّرْط الثَّالِث: كَون الْمَنْفَعَة مُتَقَومَة:

احْتِرَازًا مِنَ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِئْجَارَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِتَزْيِينِ الحوانيت وكل مَا لَا يرف خَشْيَةَ السَّلَفِ بِزِيَادَةِ الْأُجْرَةِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ إِذَا كَانَ رَبُّهَا حَاضِرًا مَعَهَا وَجَوَّزَهُ الْأَئِمَّةُ مُطْلَقًا إِلَّا (ش) مَنَعَهُ لِعَدَمِ التَّقْوِيمِ وَمَنَعَ الطَّعَامَ لِلزِّينَةِ وَالتُّفَّاحَةَ لِلشَّمِّ بِخِلَافِ التُّفَّاحِ الْكِبَارِ وَمَنَعَ الْأَشْجَارَ لِلتَّجْفِيفِ كُلُّ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّقْوِيمِ.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِجَارَةُ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ لِلشَّيْءِ الْيَسِيرِ أَجَازَهَا مَالِكٌ مَرَّةً وَكَرِهَهُ أُخْرَى لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْكِتَابِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْمُصْحَفِ كَبَيْعِهِ وَعَلَى كِتَابَتِهِ وَعَلَى تَعْلِيمِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَعَلَى الْحِذَاقِ أَوْ تَعْلِيمِهِ كُلِّهِ أَوْ جُزْئِهِ بِكَذَا لِأَنَّهُ مُتَقَارِبٌ عُرْفًا وَقَالَهُ (ش) غَيْرَ أَنه اشْتِرَاط التَّحْدِيدَ بِالسُّوَرِ أَوْ بِالزَّمَانِ لِتَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كتاب الله».
ومنح (ح) وَأَحْمَدُ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ وَكُلَّ مَا فِيهِ قُرْبَةً تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لِمَا فِي التِّرْمِذِيَّ قَالَ عُثْمَانُ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: آخِرِ مَا عُهِدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ اتَّخَذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا وَلِأَنَّهَا قُرب يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى آخِذِ الْأُجْرَةِ وَالْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ لَا يَجْتَمِعَانِ لِشَخْصٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ تَرْكَ الْأَخْذِ أَفْضَلُ إِجْمَاعًا فَالْأَمْرُ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَخْذِ أَوْ قُبَالَةُ تَعْيِينِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَتْ قُبَالَةَ أَصْلِ القُربة فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَإِنْ كَانَتْ قُرباً لَكَنْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِعْلُهَا بِالْأُجْرَةِ لِلتَّعْيِينِ وَجَوَّزَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْخَطِّ وَالْحِسَابِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ لِأَنَّ فِعْلَ هَذِهِ لَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُهُ عَلَى أَهْلِيَّةِ التَّقَرُّبِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ وَمَنَعَ (ش) الْإِجَارَةَ فِي الصَّلَاةِ وَكُلِّ عِبَادَةٍ تَمْتَنِعُ النِّيَابَةُ فِيهَا بِخِلَافِ تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا وَالْأَجِيرُ نَائِبٌ فَحَيْثُ جَازَ النَّائِبُ جَازَ الْأَجِيرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَتَجُوزُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَقَطْ وَعَلَيْهَا مَعَ الْقُرْآنِ مُشَاهَرَةً وَلَهُ اشْتِرَاطُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مَعَ أُجْرَتِهِ كُلَّ فطر وأضحى قَالَ: وَأَكْرَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ كَمَا أَكْرَهُ بَيْعَ كُتُبِهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ إِجَارَةَ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ وَقَالَهُ (ح) فِيهِ وَفِي الْكِتَابِ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهَا فِعْلُهُ فَلَا يُعْطَى عَلَى فَعْلِ نَفْسِهِ أَجْرًا وَالثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ لِلْوَرَقِ وَالْخَطِّ وَفِي الْإِجَارَةِ لِنَفْسِ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَيْسَ مُتَقَوِّمًا.
قَاعِدَة:
الْإِجَارَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْبَيْعِ فَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ إِجَارَتُهُ وَالْأَعْيَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا اتُفق عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَقَبُولِهِ لِلْمَلِكِ وَالْمَالِيَّةِ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَمَا اتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهِ وَقَبُولِهِ لِلْمَالِيَّةِ إِمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا كَالْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ لِعَدَمِ الْقِيمَةِ فِيهِ عُرْفًا كَالنَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ وَالتَّوَجُّهِ تِلْقَاء الْهَوَاء أَو التفرج عَلَى الرِّيَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنَ الثَّانِي وَهُوَ نَحْوُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ بِيعَتِ الْمَصَاحِفُ أَيَّامَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُنْكِرِ الصَّحَابُةُ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِجَازَةُ ابْنِ حَبِيبٍ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ يُبْطِلُ مَنْعَ إِجَارَةِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ كَالْمُعَلِّمِ وَاسْتِعْمَالُ بَدَنِ الْمُعَلِّمِ كَاسْتِعْمَالِ الْمُصْحَفِ عَنْ صَاحِبِهِ وَثَمَرِهِ وَوَرَقِهِ وَجِلْدِهِ لَكَنَّ الْمُعَلِّمَ يَنْتَفِعُ بِزِيَادَةِ حِفْظِهِ بِالتَّعْلِيمِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: اشْتِرَاطُ السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ وَلَيْسَ لِأَبِ الصَّبِيِّ إِخْرَاجُهُ حَتَّى يَتِمَّ الشَّرْطُ إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ لِلْمُعَلِّمِ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّرْكُ قَالَ سَحْنُون: وَيحمل النَّاس فِي الحٍ ذاق وَغَيْرِهَا عَلَى الْعَوَائِدِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا شَرْطًا والحِذاق عَلَى قَدْرِ حَالِ الْأَبِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْقُرْآنِ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْخَتْمَةُ وَتَوَقَّفَ فِي الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ تَبَعٌ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ نَزْعِ مَالِ الْمُعْتَقِ إِلَى أَجَلٍ إِذَا قَرُبَ وَلِأَبِيهِ إِخْرَاجُهُ إِذَا بَلَغَ الرُّبُعَ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَلِّمِ مِنْ أُجْرَةِ الْخَتْمَةِ وَإِنَّمَا لَهُ إِذَا قَارَبَهَا لِشِبْهِهَا بالجُعالة قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُقْضَى بِالْحِذَاقِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يَضُرُّ الْغَلَط الْيَسِير بِخِلَاف إِن يَكُنَ مُسْتَمِرًا فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا يُحْسِنُ الْهِجَاءَ وَإِذَا شَرَطَ الْمُعَلِّمُ أَنَّ لَهُ فِي الْحِذْقَةِ كَذَا فَأخْرجهُ الْأَب فَعَلَيهِ الْحِذْقَةُ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْهَا وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحِذْقَةِ إِلَّا السُّوَرِ الْيَسِيرَةِ فَأَخْرَجَهُ فَلَهُ الْحِذْقَةُ لِأَنَّ الْيَسِيرَ تَبَعٌ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ حَقُّ الْأَعْيَادِ لِأَنَّهَا مُكَارَمَةٌ فِي أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ مَكْرُوهَةٌ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِنْ كَانَ عُرْفًا كَالشَّرْطِ وَكَرِهَ مَالِكٌ تَعْلِيمَ الْمُشْرِكِينَ الْخَطَّ لِأَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى إِلْقَاءِ الشُّبَهِ إِذَا كَبِرُوا وَكَرِهَ تَعْلِيمَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكُفَّارِ كِتَابَهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَأَجَازَ غَيْرُ مَالِكٍ بَيْعَ الْفِقْهِ وَالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ لِأَنَّهُ اشغال لِلْمُعَلِّمِ وَأَخْذَ مَنَافِعِهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِنَّمَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ إِذَا عَيَّنَ مُدَّةً دُونَ مَا يُتَعَلَّمُ فِيهَا أَوْ مَا يُتَعَلَّمُ مِنْ حِذْقَةٍ وَشَيْءٍ مَعْلُومٍ كَرُبُعٍ وَنِصْفٍ أَوِ الْجَمِيعِ دُونَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ وَالْجُمَعُ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ لِلْغَرَرِ فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ يَجْهَلُ تَعَلُّمَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَسدتْ الْإِجَارَة أَو الْغَالِب التَّعْلِيم فِيهَا فأجيز وَمُنِعَ فَإِنِ انْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءَ: فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى وَفِي الْجَلَّابِ: مَنَعَ الْإِجَارَةَ إِلَّا مُدَّةً مَعْلُومَةً لِأَنَّ أَفْهَامَ الصِّبْيَانِ تَخْتَلِفُ فَقَدْ لَا يَتَعَلَّمُ الْجُزْءَ إِلَّا فِي مُدَّةٍ بَعِيدَةٍ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: تُكْرَهُ إِجَارَةُ قُسام الْقَاضِي وحُسابهم وَكَانَ خَارِجَةُ وَمُجَاهِدٌ لَا يَأْخُذَانِ أَجْرًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَجْرَتُهُ جَائِزَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِذَا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ وَيُمْنَعُ إِذَا كَانَ من أَمْوَال وَهَلْ هِيَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ أَوِ الْعَدَدِ؟ قَوْلَانِ قَالَ: وَأَرَى فِي الْقَاسِمِ وَالْكَاتِبِ وَالسِّمْسَارِ أَنَّهَا عَلَى الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ الْيَوْمَ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا أَوْ بَيْتًا فَيَكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ فَإِن نَزَلَ قُضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَيْتِ مُتَقَوِّمَةٌ وَيَجُوزُ كِرَاءُ دَارِهِ عَلَى أَنْ تَتَّخِذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ وَالنَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْبَانِي وَتَرْجِعُ الْأَرْضُ لِرَبِّهَا قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ: إِنْ أَبَاحَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ بِنَائِهِ صَارَ حبُساً لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يُبِحْهُ بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكْرِيَهُ فَلَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مَعْنَى مَنْعِهِ كإجازة الْمُصْحَفِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَلَوْ سَلَّمَ الْبَيْتَ لِمُكْتَرِيهِ لَكَانَ كَالْأَرْضِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ كِرَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقًا أَوْ يَكُونَانِ تَكَلَّمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَوْ يَكُونُ الْغَيْرُ تَكَلَّمَ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ ابْتِدَاءً قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: إِنَّمَا مُنِعَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ حُبْسُهُ وَالْحُبْسُ لَا يُؤَاجِرُ وَإِذَا أَخَذَ بَانِي نَقْضِ الْمَسْجِدِ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ كَاسْتِحْقَاقِ أَرْضٍ بَعْدَ بِنَائِهَا مَسْجِدًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ خَرَجَ هُنَاكَ لِلَّهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهُنَا مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ كَمَنْ دَفَعَ فَرَسَهُ لِمَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ غَزْوَةً فَإِنْهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ دَفْعُ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَقْلُوعًا لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِبَقَائِهِ عَلَى صُورَةِ الْمَسْجِدِ وَإِذَا لَمْ يَنْفَعْ إِلَّا بَعْدَ النَّقْضِ فَصَاحِبُهُ أَوْلَى بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَنَا أُبقيه مَسْجِدًا مُؤَبَّدًا فَلَهُ أَخْذُهُ فَتَجِبُ تَبْقِيَتُهُ مَسْجِدًا قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا بَنَى مَسْجِدًا فَحِيزَ عَنْهُ أَوْ صَلَّى النَّاسُ فِيهِ زَالَ مِلْكُهُ فِيهِ وَإِنْ بَنَاهُ لِيُكْرِيَهُ جَازَ وَلَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ صَلَّى النَّاسُ فِيهِ وَإِنْ بنى ليصلى فِيهِ وَلم يُجز عَنْهُ وَلَا صَلَّى النَّاسُ فِيهِ وَامْتَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لَمْ يُجْبَرْ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِجْبَارِهِ أَوْ كَانَ عَلَى الْعَادَةِ حَبْسًا فَهَلْ يُمْضَي حَبْسًا أَوْ مِيرَاثًا قِيَاسًا عَلَى الصَدَقَاتِ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي خُرُوجِهَا حَتَّى مَاتَ؟ قَوْلَانِ وَإِذَا أَكْرَى الْأَرْضَ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا مُدَّة فانقضت فللباني نقض مَالا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَا يُوَافِقُ بِنَاءَ الدِّيَارِ وَمَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَمْ يَحْبِسْهُ: كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا وَاخْتُلِفَ إِذَا حَبَسَهُ هَلْ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ.
فَرْعٌ:
فِي الْكتاب تكره على تعلم الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَكِتَابَتِهِمَا وَإِجَارَةُ كُتُبِهِمَا كَمَا يُكْرَهُ بَيْعُ كُتُبِهِمَا وَهِيَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَجَازَهَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَلِيق بذوي المروآت بخلاق شِعْرِ الْهِجَاءِ وَالْخَمْرِ وَالْخَنَا.
فَرْعٌ:
تُكْرَهُ عَلَى الْحَجِّ وَالْإِمَامَةِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِمَامَةِ لِأَنَّهَا عَلَى الْإِقَامَةِ بِالْمَسْجِدِ وَلُزُومِ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِمَامَةِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْإِجَارَةَ عَلَى الْإِمَامَةِ لِالْتِزَامِهِ مَوْضِعًا مَخْصُوصًا وَإِذَا جَوَّزْنَا فِي الْأَذَانِ فَأَخَلَّ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ هَلْ يُسْقِطُ حِصَّةَ ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَجَازَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْإِمَامَةِ إِذَا جُمِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ فِي عَقْدٍ هُوَ كَالْغَرَرِ تَبَعًا لَا مُسْتَقِلًّا.
فَرْعٌ:
تُكْرَهُ إِجَارَةُ الدُّفِّ وَالْمَعَازِفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من عمل الْخَيْرِ وَكَانَ يُضَعِّفُهُ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ ضَرْبُ التَّنْبِيهَاتِ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُبَاحٌ لَكَنْ لَيْسَ كل مُبَاح تصح إِجَازَته قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِي الدُّفِّ الْمُبَاحِ وَمَعْنَى يُضَعِّفُهُ أَيْ يُضَعِّفُ قَوْلَ غَيْرِهِ.