فصل: الفصل الثَّانِي: فِي ذَات اللّقطَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.كتاب اللّقطَة:

وَفِي التَّنْبِيهَاتِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ اللَّامِ وَهُوَ مَا الْتُقِطَ وَأَصْلُ الِالْتِقَاطِ وُجُودُ الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَطَلَبٍ وَفِي الْقَبَسِ رُوِيَتِ اللُّقَطَةُ مَفْتُوحَةَ الْقَافِ وَسَاكِنَتَهَا قَالَ وَسُكُون أَوْلَى لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ فِي بَابِ فُعْلَةٍ وَفُعْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمُ الْمَالِ الْمُلْتَقَطِ فِي قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَاسْمُ الْمُلْتَقَطِ عِنْدَ الْخَلِيلِ لِأَنَّهُ وَزْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ الْهُمَزَةِ وَاللُّمَزَةِ وَالضُّحَكَةِ وَبِإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ اللَّامِ وَأَصْلُهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ للذئب قَالَ فضَالة الْإِبِل قَالَ مَالك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقَهَا وَرُوِيَ وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَجِئْتُ بِهَا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا ثُمَّ جِئْتُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا آخَرَ فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ فِي الْبُخَارِيِّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ حِينَ عَظَّمَ حُرْمَةَ مَكَّةَ فَقَالَ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ فَوَائِدُ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ الْعِفَاصُ الْوِكَاءُ الَّذِي فِيهِ الشَّيْءُ الْمُلْتَقَطُ وَالْوِكَاءُ مَمْدُودٌ الْخَيْطُ أَوِ الشَّيْءُ الَّذِي يشد وَقَالَ بَعضهم وَالْقصر وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ غَيْرُهُ أَصْلُ الْعِفَاصِ الْجِلْدُ الَّذِي يَشَدُّ بِهِ رَأَسُ الْقَارُورَةِ فِي النُّكَتِ قِيلَ الْعَكْسُ الْعِفَاصُ الْخَيْطُ وَالْوِكَاءُ الْخِرْقَةُ قَالَ وَالْأول أصوب وَفِي التَّنْبِيهَات حذاوها أَخْفَافُهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الصَّلَابَةِ فَأَشْبَهَتِ الْحِذَاءَ الَّذِي هُوَ النَّعْلُ وَسِقَاؤُهَا كَرِشُهَا لِكَثْرَةِ مَا تَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ تَكْتَفِي بِهِ الْأَيَّامَ فَأَشْبَهَ السِّقَاءَ الَّذِي هُوَ الْقِرْبَةُ وَكِلَاهُمَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُنْشِدُ اسْمٌ لِمُعَرِّفِ اللُّقَطَةِ أَوِ الضَّالَّةِ وَالنَّاشِدُ اسْمٌ لِلْمُنَادِي الَّذِي يَطْلُبُهَا وَالضَّالَّةُ اسْمٌ لِلْمُلْتَقَطِ مِنَ الْحَيَوَانِ خَاصَّةً وَالْجمع ضوال يُقَال لَهَا الهوامي وَالْهَوَافِي وَالْهَوَامِلُ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ سُؤَالُ السَّائِلِ عَنِ اللُّقَطَةِ إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ مَا يفعل بهَا وَعنهُ اجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة يحْتَمل أَن يكون عَاما يَأْخُذُهُ أَمْ لَا وَجَوَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعين الأول دون الثَّانِي وَالْكَلَامُ فِي الِالْتِقَاطِ وَذَاتِ اللُّقَطَةِ وَأَحْكَامُهَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:

.الفصل الْأَوَّلُ: فِي الِالْتِقَاطِ:

فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ أَخْذُ مَالٍ ضَائِعٍ لِيُعَرِّفَهُ سَنَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَتَمَلَّكُهُ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ إِذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ قَالَ اللَّخْمِيّ وَهُوَ وَاجِب ومستجبومحرم وَمَكْرُوهٌ بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقَطِ وَالْوَقْتِ وَأَهْلِهِ وَمِقْدَارِ اللُّقَطَةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مَأْمُونًا وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانَ إِذَا نَشَدَهَا وَهِيَ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءٍ لَا يخْشَى عَلَيْهِم مِنْهُمْ وَلَهَا قَدْرٌ فَأَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا صِفَةُ حَالِ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذْهَا وَلِأَنَّهَا أحوط لصَاحِبهَا خوفًا أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءٍ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأُمَنَاءِ أَخَذُهُ لَهَا وَاجِبٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ وَصَوْنُ النَّفْسِ وَاجِبٌ فَكَذَلِكَ الْأَمْوَال ولنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ إِذَا نُشِدَتْ أَخَذَهَا أَوِ الْوَاجِدُ غَيْرُ أَمِينٍ حَرُمَ أَخْذُهَا لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ لِضَيَاعِ مَالِ الْمُسلم وَإِن حَقِيرَةً كُرِهَ أَخْذُهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمِ الِاحْتِفَالِ بِهِ هَذَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فَعَنْ مَالِكٍ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الدَّنَانِيرِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَنْبَغِي تَرْكُ اللُّقَطَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنَ حِينَ رَدَّ الْكِسَاءَ وَقَوْلِهِ فِي الْآبِقِ إِنْ كَانَ لِمَنْ لَا يَقْرُبُهُ فَلَا يَقْرُبُهُ وَمَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَقَالَ لَا أُحِبُّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَدْرٌ وَإِذَا كَانَ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ فِي الطَّرِيقِ وُضِعَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ يُعْرَفُ فِيهِ أَوْ فِي مَدِينَةٍ انْتَفَعَ بِهِ وَعَرَّفَهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ حَرُمَ الْأَخْذ أَو خافها كره وروى أَشهب الْوُجُوه فِيهَا لَهُ بَالٌ وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ كَالدِّرْهَمِ وَعَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهِيَّةُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي لُقَطَةِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَفْضَلُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا الْأَفْضَلُ أَخذهَا لِأَنَّهَا وَسِيلَة لحفظ المَال الْغَيْر قَالَه مَالك فِي أحد قوليه وَمَاله بَالٌ أَخْذُهُ أَفْضَلُ وَتَرْكُ الْحَقِيرِ أَوْلَى قَالَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ أَمَّا بَيْنَ خَوَنَةٍ وَلَا يُخْشَى مِنَ الْإِمَامِ إِذَا عُرِّفَتْ فَالْأَخْذُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبَيْنَ خَوَنَةٍ وَيُخْشَى مِنَ الْإِمَامِ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا بِحَسْبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّ الْخَوْفَيْنِ أَشَدُّ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ لُقَطَةُ الْحَاجِّ فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ كُلُّهُ.
قَاعِدَةٌ:
خَمْسٌ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ عَلَى حِفْظِهَا وَوَافَقَهَا فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْمِلَلِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى النَّفْسُ وَالْعَقْلُ فَتَحْرُمُ الْمُسْكِرَاتُ بِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الشَّرَائِعُ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ فَحَرَّمْنَاهُ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وأباحة غَيرنَا لعدم الْمفْسدَة والأغراض فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ وَالسِّبَابُ وَالْأَنْسَابُ فَيَحْرُمُ الزِّنَا وَالْأَمْوَالُ فَتَحْرُمُ إِضَاعَتُهَا وَالسَّعْيُ فِي ذَلِكَ بِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ.
قَاعِدَةٌ:
وَكُلُّ فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَإِزَاحَةِ الْأَذَى عَن الطَّرِيق فَهِيَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ كَالْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الدِّيوَانِ فَعَلَى هَذَا يَتَّجِهُ الْأَخْذُ وَوُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ هَلَاكِ الْمَالِ وَعِنْدَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْهَلَاكِ بَيْنَ الْأُمَنَاءِ يَكُونُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا خَافُوا غَيْرَهُمْ عَلَى اللُّقَطَةِ وَمَنْدُوبًا فِي حَقِّ هَذَا الْمُعَيَّنِ وَخُصُوصِهِ كَمَا قُلْنَا فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ وَغَيْرِهَا وَأَصْلُهَا فَرْضٌ وَفِعْلُ هَذَا الْمُصَلِّي الْمَخْصُوصُ يُنْدَبُ ابْتِدَاءً لِلشَّرْعِ فَإِذَا شَرَعَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَفِي اللُّقَطَةِ عَنْ ش النَّدْبُ وَالْوُجُوبُ قِيَاسًا لِلْأَوَّلِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْإِنْقَاذِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقَالَ ح أَخْذُهَا مَنْدُوبٌ إِلَّا عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ فَتَجِبُ وَعَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ الْكَرَاهِيَّةُ لِمَا فِي الِالْتِقَاطِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْوَاجِب مِنَ التَّعْرِيفِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى كَتَوَلِّي مَالِ الْيَتِيمِ وَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى التَّسَبُّبَ لِلْ فِي التَّكْلِيفِ وَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا} أَي ظلوما لنَفسِهِ بتوريطها وتعريضها وتعريفها للعقاب وجهولا بالعواقب وَالْحرَام فِيهَا وَالْأَمَانَة هَا هُنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ التَّكَالِيفُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَصَّلَ وَقَسَمَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إِلَّا أَصْحَابَنَا بَلْ كُلَّهُمْ أَطْلَقُوا.

.الفصل الثَّانِي: فِي ذَات اللّقطَة:

وَفِي الْجَوَاهِر هِيَ مَال مغصوم من كل حمَار أَو حَيَوَان صَغِير فَالْأول احتراز مِنَ الْحَرْبِيِّ وَالثَّانِي مِمَّا مَعَهُ مَالِكُهُ وَالْحَيَوَانُ الصَّغِير احْتِرَازًا مِنَ الْآبِقِ فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ لِلْإِمَامِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ اللُّقَطَةِ وَلَا يُسَمَّى لُقَطَةً وَفِي هَذَا الْفَصْلِ ثَمَانِيَةُ فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ وَكَذَلِكَ تَصَاوِيرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تُوجَدُ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَأَمَّا تُرَابُ سَاحِلِ الْبَحْرِ يُغْسَلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَالزَّكَاةُ كَالْمَعْدِنِ قَالَ التُّونِسِيُّ فِي الْكِتَابِ فِي مَرَاكِبِ الرُّومِ تَكَسَّرَتْ وَأُخِذَ مَا فِيهَا لَيْسَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَيَرَى فِيهِ الْإِمَامُ رَأْيَهُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إِذَا أَخَذُوا فِيمَا وُجِدَ فَهُوَ لِلْإِمَامِ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ وَلَا شَيْءَ لِوَاجِدِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْإِمَامُ فِي الْمَرَاكِبِ فَأَمْرُ الْعُرُوضِ لِلْإِمَامِ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لِمَنْ وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ وَفِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ لمُسلم عرف كاللقطة أَو الْمُشرك فَأَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ وَإِنْ شُكَّ لِمَنْ هُوَ عُرِّفَ ثُمَّ تُصُدِّقَ بِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَفِي الْكِتَابِ مَا عَطِبَ فَلِرَبِّهِ دُونَ وَاجِدِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَعْدِنٍ صَحَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَنْ يُقَالَ هُوَ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ تَكَلَّفَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي زَيْتُونِ الْجَبَلَ يَرْفَعُ مِنْهُ خَمْسَة أَو سُقْ وَهُوَ فَائِدَةٌ لَا زَكَاةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَّرَهُ بِالْحَرْثِ وَمَلَكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكَّى نَشَأَ عَنِ الْمِلْكِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ مَاتَتْ رَاحِلَتُكَ فِي الْفَلَاةِ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَحَمَلَهَا لِمَنْزِلِهِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِكَ وَإِذَا طَرَحَ قَوْمٌ أَمْتِعَتَهُمْ خَوْفَ الْغَرَقِ فَيَأْخُذُهَا قَوْمٌ مِنَ الْبَحْرِ قَالَ مَالِكٌ هِيَ لِأَصْحَابِهَا وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ إِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَهِيَ لَهُ أَوْ قَذَفَهَا الْبَحْرُ فَلِصَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ وَعَنْهُ هِيَ لِوَاجِدِهَا وَإِنْ قَذَفَهَا الْبَحْرُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحبهَا كنت على الرُّجُوعِ إِلَيْهَا فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحَظُ أَنَّ الْبَحْرَ كَالْمُكْرِهِ لِعِلَّتِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْمِلْكَ كَالْغَصْبِ أَوِ الْغَارِقُ فِي الْبَحْرِ يُعْرِضُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إِيَاسًا مِنْهُ فَهُوَ كَالْبُرَّةِ السَّاقِطَةِ لَا يُعَرِّجُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا وَهِيَ مُبَاحَةٌ إِجْمَاعًا وَالْفرق بَينهَا وَبَين طرح الْبَحْر وضال الْفَلَاةِ أَنَّ الْبُرَّةَ وَنَحْوَهَا لِمَا ظُفِرَ بِهَا فِي يَدِ الْوَاجِدِ لَمْ تَتَوَفَّرِ الرَّغْبَةُ عَلَى أَخْذِهَا وَهُوَ دَلِيلُ تَحْقِيقِ إِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَلَوْ ظُفِرَ بِهَذِهِ الْهَوَالِكِ فِي الْبَحْرِ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى الْمِيلِ إِلَيْهِ وَانْتِزَاعِهِ وَالْقُلُوبُ مَعْمُورَةٌ بِهِ قَبْلَ وِجْدَانِهِ وَهُوَ دَلِيلُ قُوَّةِ شِبْهِ الْغَصْبِ قَالَ وَرَأى إِن أرسل الدَّابَّة على أَن لَا يعود إِلَيْهَا وأحيابها وَأَخَذَهَا وَقَامَ عَلَيْهَا فَهِيَ لَهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ فَوَصَلَهَا حَيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا وَإِنْ تَرَكَهَا لِيَعُودَ لَهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَيْهَا إِلَّا وَقَدْ هَلَكَتْ فَهِيَ لِصَاحِبِهَا كَالشَّاةِ قَوْله وَتَركه صَاحبه على أَن لَا يَعُودَ إِلَيْهِ فَهُوَ لِمَنْ نَقَلَهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ لِمَا عَلِمَ الْعَدُوُّ أَنَّ تَرْكَهُ لِيَعُودَ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ بَدْوًا بِهِ لِيَحْمِلَهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْغَرَقُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ كَانَ فِي مَرْسَى وَمَضَى صَاحِبُهُ لِيَعُودَ لِإِخْرَاجِهِ فَهُوَ لَهُ وَإِن تَركه على أَن لَا يَعُودَ فَلِآخِذِهِ وَهُوَ أَدْخُلُ فِي هَذَا مِمَّا تَرَكَ فِي الْبَرِّ هَلَاكَهُ إِذَا تَرَكَ فَهُوَ كَالشَّاةِ فِي الْمَضْيَعَةِ وَالْبَحْرُ كَالذِّئْبِ مَعَ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ مَشَقَّةِ الْعَطَشِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَإِنْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ فَنَقَلْتَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّهُ إِنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَكُنْ لَكَ التَّعَرُّضُ لَهُ أَوْ يُخْشَى فَسَادُهُ كَالْمَتَاعِ فَعَلَيْكَ نَشْرُهُ وَإِيدَاعُهُ وَلَوْ مَرَرْتَ فِي سَفِينَةٍ بِمَتَاعٍ لِقَوْمٍ غَرِقُوا وَهُمْ عَلَى المَاء كَانَ عَلَيْك دَفعه كاللقطة إِن كَانَت مارا بِرِبْح لَا يَضُرُّكَ الْإِمْسَاكُ لِأَخْذِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَرْتَ بِآدَمِيٍّ حَيٍّ.
قَاعِدَةٌ:
إِذَا تَلِفَ الْمِلْكُ فِي عين استصحب بِحَسب الْإِمْكَان وَلذَلِك قُلْنَا المظطر يَأْكُلُ طَعَامَ الْغَيْرِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ اقْتَضَتْ إِبَاحَةُ الْأَكْلِ دُونَ سُقُوطِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُهْجَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَأَلْغَيْنَا الْمِلْكَ فِي الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ اخْتِلَاطُ مَالِكَ الْمثْلِيّ بِمثلِهِ لغير كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ لِغَيْرِكَ يُسْقَطُ مِلْكُكَ عَنِ التَّعْيِينِ فَتَبْقَى شَرِيكًا بِمَا يُسَمَّى زَيْتًا فِي الْمُخْتَلَطِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْلُكَ لِغَيْرِ الْمُخْتَلَطِ اسْتِصْحَابًا لِلْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَقَالَ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ش وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ اسْتَصْحَبْنَا الْمِلْكَ فِي مَتَاعِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.
قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ:
مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ نَقَلَهَا صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِر فِي الْإِجَازَة تَنْزِيلًا لِلِسَانِ الْحَالِ مَنْزِلَةَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَإِذَا كَانَ شَأْنُكَ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ بِنَفْسِكَ أَوْ بنائبك وتستأجر عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْكَ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّ حَالَكَ لَمْ يَقْتَضِ إِذْنًا فِي دَفْعِ أُجْرَةٍ فِي ذَلِكَ وَالْأَئِمَّةُ جَعَلُوا الدَّافِعَ مُتَبَرِّعًا حَتَّى يُوجَدَ إِذْنٌ بِلِسَانِ الْمَقَالِ وَوَافَقُونَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِلِسَانِ الْحَالِ فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ النَّقْدِ إِذَا غَلَبَ فِي الْبَلَدِ عَلَى غَيْرِهِ وَتَعْيِينِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَتُحْمَلُ إِجَارَةُ الْقُدُومِ عَلَى النَّجْرِ دُونَ الْحَفْرِ وَالثَّوْرِ عَلَى الْحَرْثِ دُونَ الرُّكُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ الْعُرْفُ الْعَامُّ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْعُرْفِ الْخَاصِّ لِعُمُومِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَامَّ إِنَّمَا قُضِيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الظُّهُورِ فِي الدَّلَالَةِ وَالظُّهُورِ فِي الْعُرْفِ الْخَاصِّ بَلْ قَدْ يَقْوَى ظَاهِرُ حَالِ زَيْتٍ فِي مَقْصُودٍ أَكْثَرَ مِنْ قُوَّةِ الْعَامِ وَرُبَّمَا انْتَهَى إِلَى الْقَطْعِ وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِلْعُمُومِ فِي إِثَارَةِ الظَّنِّ بِسَقْطِ اعْتِبَارِ الْفَرْقِ وَسَقْطِ مَا قُلْنَاهُ وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ التَّعْيِينُ بِبِسَاطِ التَّحَسُّنِ لِأَنَّهُ عُرْفٌ خَاصٌّ بِحَقٍّ نَعْتَبِرُهُ دُونَ ش وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فَلِأَجْلِهَا قُلْنَا عَلَى رَبِّ الْمَتَاعِ أُجْرَةُ الْحَمْلِ إِلَّا أَن يرجع بدوا بِهِ لِحَمْلِهِ وَقَالَ ش الْعَنْبَرُ حَيْثُ يُوجَدُ الْعَنْبَرُ لِوَاجِدِهِ كَالصَّيْدِ وَإِنْ بَعُدَ عَنِ السَّاحِلِ فَهُوَ لُقَطَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سُقُوطُهُ عَنْ مَالِكٍ وَتَحَاشِي الْغَرَقِ عَلَى السَّاحِلِ لُقَطَةٌ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِذَا وَجَدَ الصَّيَّادُ دُرَّةً فِي سَمَكَةٍ فَهِيَ لَهُ لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ بَاعَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ رَدَّهَا لِلصَّيَّادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا دَنَانِيرُ فَهِيَ لُقَطَةٌ وَالْعَنْبَرُ على سَاحل الْبَحْر لَهُ وَالدَّابَّة فالمهلكة لِمُحْيِيهَا دُونَ مَالِكِهَا خِلَافًا لِ ش وَوِفَاقًا لَنَا وَاحْتَجَّ لِتَأْوِيلِهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ وَلِأَن القَوْل بِأَنَّهَا ال تُمْلَكُ عَلَى الْمَالِكِ الْأَوَّلِ تَضْيِيعٌ لَهَا وَإِهْلَاكٌ لِلْحَيَوَانِ لِأَنَّ لِوَاجِدِهِ تَضْعُفُ دَاعِيَتُهُ لِأَخْذِهِ وَقَالَ فِي الْمُنَاخِ لَا يملك لِأَن نَفسه بِخِلَاف الْجَوَاز وروفي العنبر عَن عمر ابْن عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ بَحْرَ عَدَنٍ أَلْقَى عَنْبَرَةً مِثْلَ الْبَعِيرِ فَأَخَذَهَا نَاسٌ فَكُتِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا الْخمس وَيدْفَع إِلَيْهِم بِقِيمَتِهَا وَإِنْ بَاعُوهَا اشْتَرَوْهَا مِنْهُمْ فَأَرَدْنَا أَنْ نَزِنَهَا فَلم نجد ميزانا نخرجها فبطناها اثْنَتَيْنِ فَوَجَدْنَاهَا ستتمائة رَطْلٍ فَأَخَذْنَا خُمُسَهَا وَدَفَعْنَا إِلَيْهِمْ سَائِرَهَا ثُمَّ اشتريناها بِخَمْسَة آلف دِينَارا وَبَعَثْنَاهَا إِلَيْهِ فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى بَاعَهَا بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي الْخَشَبَةِ يَطْرَحُهَا الْبَحْرُ قَوْلَانِ تَرْكُهَا أَفْضَلُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَأْخُذُهَا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِرَبِّهَا وَإِذَا وَقَعَتْ سَمَكَةٌ فِي السَّفِينَةِ وَفِيهَا جَمَاعَةٌ فَهِيَ لِلَّذِي سَقَطَتْ إِلَيْهِ كَانَ رَبَّ السَّفِينَةِ أَمْ لَا.
الْفَرْع الثَّانِي: فِي الْكتاب مَالا يَبْقَى مِنَ الطَّعَامِ أُحِبُّ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَلَمْ يُؤَقِّتْ مَالِكٌ لِتَعْرِيفِهِ حَدًا وَإِنْ أَكَلَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُضَمَّنْهُ كالشاة يجدهَا فِي الفلاة إِلَّا أَن بجدها فِي غَيْرِ الْفَيَافِي وَخَيَّرَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَاجِدَ الطَّعَامِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَغُرْمِ بَدَلِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ الْفَيَافِي يَبِيعُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَخَذَ ثَمَنَهُ قَالَ مُطَرِّفٌ مَا لَا يَبْقَى مِنَ الطَّعَامِ إِذَا الْتُقِطَ فِي الْحَضَرِ وَحَيْثُ النَّاسُ الصَّدَقَةُ بِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِبَاحَةِ انْتِفَاعِ غَيْرِ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَيُضْرَبُ فِي مَنْفَعَةِ مَالِكِهِ وَهُوَ ثَوَابُ الْآخِرَةِ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ تُرِكَ لِلْفَسَادِ وَإِنْ أكله ضمنه لِأَنَّهُ صون بِهِ مَالهُ وَضِيعَ ثَمَنُهُ إِلَّا فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَا نَاسَ وَهُوَ لَا يَبْقَى وَلَا يُحْمَلُ كَالشَّاةِ فِي الْفَلَاةِ وَأَكْلُهُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْ طَرْحِهِ احْتِرَامًا لِرِزْقِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى وَيَتَزَوَّدُ ضَمِنَهُ فِي الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ قَالَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي الطَّعَامِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إِذَا كَانَ حَيْثُ النَّاسُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ أَكَلَهُ غَرِمَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَغْرَمُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ لَا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فال اللَّخْمِيُّ أَرَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْقَلِيلِ فَلَا يُضَمَّنُ فِي الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنِّي أجد الثَّمَرَة عَلَى الطَّرِيقِ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لَأَكَلْتُهَا وَالْكَثِيرُ يُضَمَّنُ لِأَنَّ الْغَالِبَ طَلَبُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الدَّلْوِ وَالْحَبْلِ يُنْتَفَعُ بِهِ وَالتَّصَدُّق أحسن لِأَنَّهُ كَذَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَحْفُلُ بِهِ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ يُعَرِّفُ الْغَنَمَ فِي أَقْرَبِ الْقُرَى وَلَا يَأْكُلُهَا وَفِي الْفَلَوَاتِ يَأْكُلُهَا وَلَا يَغْرَمُهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هِيَ لَك أَو لأخيك أَو الذِّئْب وَالْبَقَرُ بِمَوْضِعِ الْخَوْفِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ وَبِمَوْضِعِ الْأَمْنِ كَالْإِبِلِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الشَّاةُ فِي الْمَضْيَعَةِ كَالذَّهَبِ فِي الِالْتِقَاطِ وَالتَّعْرِيفِ يُخَيَّرُ مُلْتَقِطُهَا بَيْنَ أَكْلِهَا فِي الْحَالِ أَوْ يُمْسِكُهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ يَبِيعُهَا وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا لَهُ وَقَالَ ش وح مَتَى أَكَلَهَا ضَمِنَهَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَّا وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنْ أَخَذْتَهَا ضَمِنْتَ قِيمَتَهَا عَلَى أَخِيكَ فَانْتَفَعْتَ أَنْتَ وَانْتَفَعَ هُوَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَفَاتَتِ الْمَنْفَعَتَانِ فَتَكُونُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ مُنَوَّعًا إِلَى مَا يَحْصُلُ مَصْلَحَتَيْنِ وَإِلَى مَا يَفُوتُهُمَا فَالْحَدِيثُ مُنَفِّرٌ عَنِ التَّرْكِ لَا مُسَوٍّ بَين الْآخِذ وَبَين الذِّئْب وَثَانِيهمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ التَّسْوِيَةُ وَقَدْ عَطَفَ الْأَخَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ لِأَخِيكَ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ الشَّاةِ هَذَا بِالِانْتِفَاعِ وَالْأَخُ بِالْقِيمَةِ وَعَلَى قَوْلِكُمْ لَا تَسْوِيَةَ بَلْ يخْتَص النَّفْع بالآخذ وثالثهما أَنَّ الذِّئْبَ لَا يمْلكُ وَقَدْ عُطِفَ عَلَى الْآخِذِ وَالْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ التَّسْوِيَةُ وَلَا يَمْلِكُ الْآخِذُ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ كَانَ الْمِلْكُ لِصَاحِبِهَا عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ وَرَابِعُهَا لَوْ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ لَكَانَ مُعَارَضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَاغْرِمْهَا لَهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِنْ وَجَدَهَا فِي الْحَضَرِ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَضْمَنُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ لَا مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَمَلًا بِالْعَطْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ وَعَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا تَقَعُ التَّسْوِيَةُ فَيَلْزَمُ خِلَافَ الْقَاعِدَةِ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَهَا الْمَعْطُوفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا أَكَلَ فَكَذَلِكَ الْآخِذُ عَمَلًا بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّسْوِيَةِ وَثَانِيهُمَا أَنَّ الْأَخَ وَإِنْ عُطِفَ فَكَذَلِكَ الذِّئْبُ عُطِفَ أَيْضًا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ أَكَلَ كَذَلِكَ الْآخِذُ عَمَلًا بِالْعَطْفِ الْمُسَوِّي عَنِ الثَّالِثِ لَمْ يَسْقُطْ الْمِلْكُ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ هِيَ لَكَ إِنْ أَخَذْتَهَا أَوْ لِأَخِيكَ إِنْ أَخَذَهَا أَوِ الذِّئْبِ إِنْ تَرَكْتُمَاهَا فَمِلْكُ صَاحِبِهَا بِشَرْطٍ هُوَ مَفْقُودٍ فَيَنْتَفِي مِلْكُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ عَنِ الرَّابِعِ مَنْعُ الصِّحَّةِ عَنِ الْخَامِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّهَا فِي الْحَضَرِ لم تبطل مَا ليتها لِلْقُدْرَةِ عَلَى صَوْنِهَا بِالْبَيْعِ وَلَا يَجِدُهَا الذِّئْبُ بِخِلَاف الفلاة وَهُوَ الْجَواب عَن الْخَامِس ثمَّ إِن الحَدِيث وجد فِيهِ إِتْلَافه كَذَا مَا يُفْسِدُ الْمِلْكَ لِمَنْ يَقْبَلُ الْمِلْكَ وَهُوَ الْوَاجِدُ فَيُفِيدُ أَنَّ لَهُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ أَصْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَكَمَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لِلذِّئْبِ فَإِنْ قَالُوا الذِّئْبُ لَا يَمْلِكُ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ عَيْنُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ مُخَالَفَتُهُ فِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ إِعْمَالُ الدَّلِيلِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَنَا أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هِيَ لَكَ» وَالْمُبْتَدَأُ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ فَتُخَصُّ الشَّاةُ لِلْوَاجِدِ دُونَ الْمَالِكِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَالِكُ بِوَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ تَفْرِيعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَضَالَّةُ الْإِبِلِ فِي الْفَلَاةِ يَتْرُكُهَا فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا وَلَا يَأْكُلُهَا وَلَا يَبِيعُهَا وَأَن لم يجد صَاحبهَا خلاف بِالْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ وَإِنْ رَفَعْتَهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَتْبَعُهَا بَلْ يَفْعَلُ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبِيعُهَا وَيُفَرِّقُ ثَمَنَهَا لِأَرْبَابِهَا وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ يُعَرِّفُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا تَصَدَّقَ بِهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَقُّ وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الشَّاةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا أَخَذَهَا مَا لَمْ يَأْكُلْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَالِهِ قَالَ التُّونِسِيُّ إِذَا رَدَّ الْإِبِلَ بَعْدَ أَخْذِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ اقْتَضَى مَنْعَ الْأَخْذِ فَالرَّدُّ فِعْلُ الْوَاجِبِ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِ الْأَمْنِ لَمْ تَكُنْ لَهُ نَفَقَةٌ وَإِنَّمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إِذَا أَسْلَمَ الْبَعِيرَ رَبَّهُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَأَخَذَهُ فَلَا يَأْخُذُهُ إِلَّا بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ هُنَالِكَ لَمَاتَ وَلَوْ كَانَتِ الْإِبِلُ بِمَوْضِعِ خَوْفٍ مِنَ السِّبَاعِ لَكَانَتْ مِثْلَ الْغَنَمِ وَجَازَ أَكْلُهَا لِذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا فَرَّقَ وَلَمْ يُحَدِّدْ فِي تَعْرِيف الدَّوَابّ شَيْئا وَقيل سنة وَالْأول إِنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا عَرَّفَهَا سَنَةً قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَ الْإِبِلِ عَامٌ فِي الْأَزْمَانِ وَعَنْهُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِزَمَانِ الْعَدْلِ وَصَلَاحِ النَّاسِ وَأَمَّا زَمَانُ فَسَادِ النَّاسِ فَتُؤْخَذُ وَتُعْرَفُ فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ بِيعَتْ وَوُقِفَ ثَمَنُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا تُصُدِّقَ بِهِ عَنْهُ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا فَسَدَ الزَّمَانُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُلْتَقَطُ الْكَلْبُ بِالْمَكَانِ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ وَقَالَهُ ش قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَإِنْ وَجَدَ شَاةً اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فَهِيَ كَاللُّقَطَةِ يُتَصَدَّقُ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا ضَمِنَهَا لَهُ وَلَهُ شُرْبُ لَبَنِهَا لِأَنَّهُ يَرْعَاهَا قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ السَّنَةِ ضَمِنَهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ مَوْتَهَا فَيُزَكِّيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهُ وَعَنْهُ إِنْ ذَبَحَهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَأَكَلَهَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ فَلَوْ قَدِمَ بِالشَّاةِ مِنَ الْفَلَاةِ حَيَّةً لِلْأَحْيَاءِ وَجَبَ تَعْرِيفُهَا وَيُضَمِّنُهَا لِأَهْلِ قَرْيَةٍ يُعَرِّفُونَ بِهَا وَلَا يَأْكُلُهَا الْآنَ وَهِيَ لُقَطَةٌ حِينَئِذٍ وَقَالَ غَيْرُهُ مَنْ وَجَدَ طَعَامًا فِي فَيَافِي الْأَرْضِ فَحَمَلَهُ لِلْعُمْرَانِ بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ وَإِنْ أَكَلَهُ بَعْدَ قُدُومِهِ ضَمِنَهُ وَعَلَى هَذَا القَوْل يضمن اللَّحْم إِن أكله خلافًا لأصبع وَعَنْ مَالِكٍ إِذَا وَجَدَ الشَّاةَ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ فَعَرَّفَهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ رَبُّهَا تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنُسْلِمُهَا مِثْلَهَا وَأَمَّا اللَّبَنُ وَالزُّبْدُ فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَهُ ثَمَنٌ بِيعَ وَصُنِعَ بِثَمَنِهِ مَا يُصْنَعُ بِثَمَنِهَا وَيَأْكُلُ من ذَلِك بِقدر علوفتها وبموضع لَا ثَمَنَ لَهُ وَالصُّوفُ وَالسَّمْنُ فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ أَوْ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا لَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّهَا شَيْئًا وَعَنْ مَالِكٍ ضَالَّةُ الْبَقَرِ كَالْغَنَمِ إِذَا وَجَدَهَا بِالْفَلَاةِ أَكَلَهَا وَلَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ وَجَدَهَا فِي قُرْبِ الْعُمْرَانِ عَرَّفَهَا وَيُكْرِيهَا فِي عَلُوفَتِهَا كِرَاءً مَأْمُونًا قَالَ أَشْهَبُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ لَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ الْإِبِلُ وَلْيُخَلِّهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِبِلِ مَنَعَةٌ فَهِيَ كَالْغَنَمِ يَأْكُلُهَا إِذَا وَجَدَهَا بِالْفَلَاةِ وَلَا يَغْرَمُهَا لِرَبِّهَا وَقَوْلُهُ فِي الْخَيْلِ وَمَا مَعَهَا يُتَصَدَّقُ بِهَا يُرِيدُ بِهَا أَوْ ثَمَنِهَا وَالْوَاجِدُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضَ النَّفَقَةَ وَالنَّفَقَةُ لَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَهَا رَبُّهَا فِي النَّفَقَةِ فَإِنْ أَسْلَمَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا وَدَفْعُ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَنْبَغِي أَخْذُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْ تَسْتَغْرِقُهَا فَتَهْلَكُ عَلَى رَبِّهَا وَعَنْ مُطَرِّفٍ لَهُ إِنْ تَرَكَهَا مِنْ مَوْضِعٍ وَجَدَهَا إِلَى مَوْضِعِهِ فَأَمَّا فِي حَوَائِجِهِ فَلَا فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَإِنْ أَحَبَّ بَيْعَهَا رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ كَانَ مَأْمُونًا إِلَّا فِيمَا خَفَّ مِنَ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ فَيَلِيهِ وَيُشَهِّرُهُ وَقَالَهُ أصبغ قَالَ اللحابي لِضَالَّةِ الْغَنَمِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ عَلَى بُعْدٍ مِنَ الْعِمَارَةِ وَهِيَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ الْوَاحِدُ أَوِ اثْنَانِ وَمَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِشِرَائِهَا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ مَعَهُ غَنَمٌ أَوْ بِقُرْبِ عِمَارَةٍ أَوْ فِي الْقَرْيَةِ نَفْسِهَا فَالْأَوَّلُ لِوَاجِدِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَالْقِيَاسُ إِذَا نَقَلَهَا حَيَّةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَقَلَهَا بَعْدَ أَنْ بَقِيَتْ مِلْكَهُ وَإِنْ كَانَ فِي رِقَّةٍ بَاعَهَا وَوَقَفَ ثَمَنَهَا وَإِنْ أَكَلَهَا ضَمِنَهَا فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتِ الْمَوَاشِي كَغَيْرِهَا وَقِيلَ يَضْمَنُهَا قَالَ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَمْوَالِ لِمَالِكِهَا وَإِنْ كَانَ مَعَه غنم ضمنهَا إِلَيْهِ سنة اخْتِيَارا وَإِن ذَبحهَا قبل السّنة ضَمِنَهَا وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ لَحْمِهَا وَإِنْ وُجِدَتْ قُرْبَ قَرْيَةٍ ضَمَّهَا إِلَيْهِ وَعَرَّفَهَا فَإِنْ لَمْ يفعل وأكلها ثمَّ تبين أَيهَا لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ضَمِنَهَا وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَنْ مَالِكٍ يَضْمَنُهَا أَكَلَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَهُوَ أَحْسَنُ لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ وَجَدَهَا فِي قَرْيَةٍ فَلُقَطَةٌ كَالْأَمْوَالِ فَكَانَ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ تَرْكُ الْإِبِلِ لِأَنَّهُ زَمَنُ النُّبُوَّةِ وَالصَّحَابَةِ ثُمَّ كَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ لِعَدَمِ الْإِخَافَةِ وَصَلَاحِ النَّاسِ وَلَمْ يَتْرُكْ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَدْلِهِ وَفَسَادِ النَّاسِ ثُمَّ فَسَدَ السُّلْطَانُ وَالنَّاسُ فَتُؤْخَذُ وَلَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ قَالَ وَهُوَ حَالُ النَّاسِ الْيَوْمَ تُعَرَّفُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا بِيعَتْ إِنْ يُخْشَى السُّلْطَانُ إِنْ عُرِّفَتْ لَمْ تُؤْخَذْ وَتُرِكَتْ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ إِلَّا عَلَى الثَّمَنِ أُهْمِلَتْ حَيْثُ وُجِدَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ فِيهِ السِّبَاعُ أُخِذَتْ وَعُرِّفَتْ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي بُلُوغِهَا بِخِلَافِ الشَّاةِ إِلَّا أَنْ يُخَافَ السُّلْطَانُ فِي تَعْرِيفِهَا فَتُتْرَكُ فَلَعَلَّ صَاحِبَهَا يُدْرِكُهَا قَبْلَ السَّبُعِ وَالْبَقر وَالْخَيْل وَالدَّوَاب إِن كَانَت فِي موض رَعْيٍ وَمَا أَمِنَ مِنَ السِّبَاعِ امْتَنَعَ أَخْذُهَا وَمَتَى انْخَرَمَ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أُخِذَتْ وَلَيْسَ لَهَا صَبْرٌ عَلَى الْمَاءِ كَالْإِبِلِ أَمَّا مَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهَا حَيْثُ بِيعَتْ فَعَنْ مَالِكٍ لَا يَبِيعُهَا إِلَّا الْإِمَامُ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ بَاعَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا وَلَمْ تُفِتْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الثَّمَنُ قَالَ أَشْهَبُ لَيُنْقَضِ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا الثَّمَنُ إِذَا بِيعَتْ خَوْفَ الضَّيْعَةِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَلَا مُؤْنَةَ لَهُ فِي بَقَائِهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ الْأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةَ لِأَنَّ الْوَاجِدَ فَوَّتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ الدَّفْعُ لِلْإِمَامِ وَيُنْفِذُ بَيْعَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَلَّاهُ عَلَيْهَا فَهِيَ كَالْإِمَامِ قَالَ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَكُونُ حُكْمُ الثَّمَنِ وَوَقْفِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ حُكْمَ اللُّقَطَةِ وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ لَا تُلْتَقَطُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَالْخَيْلُ وَلَا مَا فِي أُذُنِهِ قُرْطٌ بِالْقَافِ وَهُوَ الَّذِي يُعَلَّقُ مِنَ الْحُلِيِّ فِي الْأُذُنِ مِنَ الْغِزْلَانِ أَوِ الْحَمَامِ للتَّمْلِيك وَجوزهُ ح قِيَاسا لغنم وَفِي أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ قَوْلَانِ وَجَوَّزَ ح الْتِقَاطَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا يلتقط مَا يمْتَنع بِنَفسِهِ عَن صعد كَذَا السِّبَاعُ وَيَرِدُ الْمَاءَ بِقُوَّتِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَوْ بِطَيَرَانِهِ كَالطَّيْرِ أَوْ سُرْعَتِهِ كَالظِّبَاءِ وَالْكِلَابِ وَالْفُهُودِ وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ سَوَاءٌ لِعِظَمِ أَجْسَامِهَا وَمَتَى أَخَذَهَا مُلْتَقِطٌ ضَمِنَهَا قَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ وَلِلْإِمَامِ حِفْظُهَا عَلَى أَرْبَابِهَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ النَّاظِرُ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ إِجْمَاعًا.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ يُدْفَعُ الْآبِقُ لِلْإِمَامِ يُوقَفُ سَنَةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلَّا بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ نَفَقَتَهُ وَبَقِيَّةُ ثَمَنِهِ لِصَاحِبِهِ يُدْفَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُبَاعُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَا يُطْلَقُ يَعْمَلُ وَيَأْكُلُ وَلَا يُجْعَلُ كَضَالَّةِ الْإِبِلِ لِأَنَّهُ يَأْبَقُ ثَانِيَةً.
فَائِدَةٌ:
فِي التَّنْبِيهَاتِ الْإِبَاقُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْمٌ لِلذِّهَابِ فِي اسْتِتَارٍ وَهُوَ الْهُرُوبُ وَالْأَبْقُ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا اسْمُ الْفِعْلِ قَالَ التُّونِسِيُّ لَوْ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَبْسِ.
فَائِدَةٌ:
وَبِيعَ قَبْلَ السَّنَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُطْلِقُهُ وَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِهِ فَهَذَا نَفْعٌ لِصَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ الْآبِقَ يُحْبَسُ سَنَةً ثُمَّ يُبَاعُ قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى ذَلِكَ لَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ ثُمَّ يُبَاعُ وَيُحْكِمُ الْحَاكِمُ صِفَتَهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِئَلَّا يَذْهَبَ فِي نَفَقَتِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْرُبُ الْآبِقَ وَلَا يَأْخُذُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَخٍ أَوْ لِمَنْ يُعرفُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ لِمَنْ يُعرفُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَخْذُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ كَانَ لِقَرِيبٍ اسْتُحِبَّ لَهُ أَخْذُهُ أَوْ بَعِيدٍ تَرْكُهُ أَحَبُّ وَأَمَّا تَرْكُهُ بَعْدَ أَخْذِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إِنْ أَرْسَلَهُ ضَمِنَهُ وَعَنْهُ إِرْسَالُهُ خَيْرٌ مِنْ بَيْعِهِ فَيَمْلِكُ ثَمَنَهُ أَوْ يَطْرَحُ فِي السِّجْنِ فَلَا يَطْعَمُهُ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ يَكْفِيهِ الرَّعْيُ وَقَدْ يَسْرِقُ الْعَبْدُ وَقَدْ فِي الْإِبَاقِ مَرَّةً أُخْرَى وَرُبَّمَا قَتَلَكَ وَمَفَاسِدُهُ كَثِيرَةٌ وَمَتَى كَانَ إِنِ انْصَرَفَ عَلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ فَلَا يَتْبَعُهُ إِنْ لَمْ تَخَفْ مِنْهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ لِمَنْ لَا يعرف لَا يقر بِهِ عل فَسَادِ السُّلْطَانِ أَخَذَهُ وَأَمَّا مَنْ يُعَرِّفُ فَيُرْسِلُهُ لَهُ بِغَيْرِ إِنْشَادٍ وَقَوْلُهُ تُعَرَّفُ سَنَةً يُرِيدُ إِذَا كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَدْلًا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِنْ دُفِعَ لِلسُّلْطَانِ بِيعَ قَبْلَ السَّنَةِ وَبَقِيَ التَّعْرِيفُ وَإِنْ بِيعَ بَعْدَ السَّنَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ حِينَئِذٍ وَلَا يُنْفِقُهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِأَنَّ لِلُّقَطَةِ مَوْضِعًا يَتَفَقَّدُهَا صَاحِبُهَا فِيهِ فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ وَلَمْ يَأْتِ ظَهَرَ الْعَوْزُ بِخِلَافِ السَّنَةِ فِي الْآبِقِ فَيُوقَفُ الثَّمَنُ عِنْدَهَا وَعِنْدَ أَمِينٍ وَوَافَقْنَا الْأَئِمَّةَ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْآبِقِ للْحِفْظ لَا للتمسك وَيَدْفَعُهُ لِلْإِمَامِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِفْظِهِ يَبِيعُهُ أَوْ يَأْخُذُهُ عَلَى حَسَبِ مَصْلَحَةِ مَالِكِهِ وَلَمْ أَرَ حَبْسَهُ إِلَّا لَنَا وَغَيْرُنَا لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ نَظَائِرُ الْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ وَالْمَجْنُونُ تُسْتَتَمُّ لَهُ سَنَةٌ وَالْمُعْتَرِضُ تُمْضَى لَهُ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَالْعُهْدَةُ لِلْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَعُهْدَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُرْتَابَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشُّفْعَةُ عَلَى رَأْيِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ يَزِيدُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالْيَتِيمَةُ إِذَا مَكَثَتْ فِي بَيْتِهَا اعْتُبِرَ رُشْدُهَا وَالْجُرْحُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مِنَ الْبُرْءِ لِاحْتِمَالِ سَرَيَانِهِ وانتفاضه فِي أَحَدِ الْفُصُولِ وَشَاهِدُ الطَّلَاقِ إِذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يُحْبَسُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ سَنَةً وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْإِعَادَةِ إِذَا حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ سَنَةً بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَامْتَنَعَ أَهْلُهُ مِنْ بَيْعِهِ يَنْتَظِرُ سَنَةً فَإِنْ بَاعُوهُ عَتَقَ بِالْوَصِيَّةِ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ بِالْآبِقِ مَنْ عَادَتُهُ طَلَبُ الضَّوَالِّ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْآبِقِ وَصُعُوبَتُهُ وَإِلَّا فَلَا جُعْلَ لَهُ وَلَهُ النَّفَقَةُ وَقَالَ ش هُوَ مُتَبَرِّعٌ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَقَالَ ح لَهُ فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَمَا دُونَهَا يُقَدَّرُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كُلُّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ شَرْطٍ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إِلَّا فِي الْآبِقِ وَالْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّالَّةِ خَوْفُ الذَّهَابِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَرُوِيَ الْجُعْلُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ إِذَا جَاءَ بِهِ مِنْ دَاخِلِ الْحَرَمِ دِينَارًا وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ مِنْ غير شَرط وَلَا مُسْتَند فِيهِ وح فِي جَعْلِهِ ذَلِكَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى جَعْلِهِ ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَذَلِكَ الْمَكَان والا يُلْزَمُ خِلَافَ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأُجْرَةَ بِقدر الْعَمَل فِي صُورَة النزاع.
تَفْرِيع:
قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّفَقَةُ دَاخِلَةٌ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَيُبْنَى الْجُعْلُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ فِدَائِهِ بِذَلِكَ وَإِسْلَامِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ شَأْنُهُ طَلَبَ الضَّوَالِّ وَخَرَجَ لِأَجْلِ هَذَا الْعَبْدِ وَصَاحِبُهُ مِمَّنْ لَا يَتَكَلَّفُ طَلَبَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ الْأَقَلَّ مِنْ جُعْلِ هَذَا وَجعل من كل يُرْجِيهِ لِطَلَبِهِ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفُرُوعِ الْأُوَلِ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَبِقَ الْمُكَاتَبُ لَمْ تُفْسَخْ كِتَابَتُهُ إِلَّا بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ وَيُلْزَمُ الْإِمَامُ قِيَاسًا عَلَى هُرُوبِ الْمَدْيُونِ قَبْلَ أَجَلِ الدَّيْنِ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ فِي التَّبْصِرَةِ عِتْقُ الْآبِقِ جَائِزٌ لَازِمٌ لِسَيِّدِهِ وَعِتْقُهُ إِلَى أَجَلٍ وَتَدْبِيرُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إِسْقَاطٌ لَا يُنَافِيهِ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَةِ يُفْسِدُ حُكْمَهَا بِالْغَرَرِ كَأَنَّ جَعْلَ الْأَجَلِ مِنْ يَوْمِ أَعْتَقَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ خِدْمَةُ بَقِيَّةِ الْأَجَلِ وَإِنْ جَعَلَ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ وُجُودِهِ جَازَ وَاسْتَبَقَ الْأَجَلُ وُجُودَهُ وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ مَوْقُوفَةً إِنْ وَجَدَهُ وَكَانَ قَصْدُهُ إِجْبَارَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَإِلَّا خُيِّرَ الْعَبْدُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وَفَائِدَةُ الْكِتَابَةِ الْآنَ انْعِقَادُهَا عَلَى السَّيِّدِ فَإِنْ قَبِلَهَا الْعَبْدُ لَمْ يكن للسَّيِّد الرُّجُوع وَإِن اعتقه على ظَاهر جَازَ وَيُمْنَعُ مِنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى تَعْلَمَ حَيَاتَهُ وَسَلَامَتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَقَالَ ابْنُ حبيب لَا يجْزِيه إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا يَوْمَ أَعْتَقَهُ وَيَوْمَ وَجَدَهُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ.
الْفَرْعُ الثَّامِنُ قَالَ إِذَا اشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ بَعْدَ إِبَاقِهِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْهَا فَهَلَكَ قَبْلَ وُصُولِهِ فَمِنْ سَيِّدِهِ وَيَغْرَمُ لِلْمَأْمُورِ مَا افْتَدَاهُ بِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ رد عتقه أَو وطيء الْأَمَةَ حُدَّ وَتُؤْخَذُ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ أَوْ لِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَضَمَانُهُ فِي الْهَالِكِ مِنْهُ لوضع يَده عَلَيْهِ بِغَيْر أَمرك وَأَمْضَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِتْقَ وَالْإِيلَادَ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَرَدَّهُمَا أَشْهَبُ وَقَالَ تُحَاسِبُهُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ مِنَ الثَّمَنِ قَالَ وَهُوَ أَصْوَبُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَوْتًا لَكَانَ عَلَيْهِ فَضْلُ الْقِيمَةِ يَوْمَ أُعْتِقَ أَوْ اولد لِأَنَّهُ أتلف ملكا غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ.