فصل: النّظر الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الثَّالِثُ فِي التَّعْزِيرِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالنَّظَرُ فِي مُوجِبِهِ وَجِنْسِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ أَمَّا مُوجِبُهُ فَهُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ أَوْ حَقِّ آدَمِيٍّ وَأَمَّا قَدْرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ فَلَا يُقَدَّرُ أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ بَلْ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الإِمَام على قدر الْجِنَايَة وَيلْزم الِاقْتِصَار على دون الْحُدُود وَلَا لَهُ النِّهَايَةُ إِلَى حَدِّ الْقَتْلِ وَأَمَّا جِنْسُهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِسَوْطٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَكَانَ الْخُلَفَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ يُعَامِلُونَ بِقَدْرِ الْجَانِي وَالْجِنَايَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ عَلَى قَدَمَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَحَافِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ تُنْزَعُ عِمَامَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَلُّ إِزَارُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ لَهُ وَالْمَقُولُ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لَهُ أَوْ عُرِفَ بِالْأَذَى وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ أهل فَعُقُوبَتُهُ أَشَدُّ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْخَمْرِ فَعُقُوبَتُهُ أَخَفُّ إِلَّا أَنْ تُخَفَّ الْجِنَايَةُ جِدًّا فَلَا يُعَاقَبُ وَيُزْجَرُ بِالْقَوْلِ إِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ لَهُ قدر مُعَرفا بِالْخَيْرِ وَالْمَقُولُ لَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ زُجِرَ بالْقَوْل قَالَ مَالك وَقد يَتَجَافَى السُّلْطَانُ عَنِ الْفَلْتَةِ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ قَالَ يَا سَارِقُ نُكِّلَ أَوْ قَالَ سَرَقَ مَتَاعِي وَالْمَقُولُ فِيهِ يُتَّهَمُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ والأنكل وَإِنْ نَادَاهُ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَنَحْوَهُ نُكِّلَ وَيَا برون أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ بِمَا يُؤْذِيهِ نُكِّلَ وَيَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّفَاعَةُ فِي النَّكَالِ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ صِرْفٍ قَالَ مَالِكٌ إِذَا انْتَهَى لِلْإِمَامِ وَالْجَانِي مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالْمُرُوءَةِ وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً تَجَافَى الْإِمَامُ عَنْهُ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْأَذِيَّةِ فَلَا يُقِلُّهُ ولينكله قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر وَظَاهر هَذَا الْإِطْلَاقَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ إِذَا قَامَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ لَمْ يُعَزَّرْ وَلَمْ يَفْصِلْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ أَطْلَقُوا عَدَمَ الْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِ الْقِيَامِ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيل.
فرع:
قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّفْعِ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْآدَابُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَفِي الزُّنَاةِ الْجَهْلُ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ وَأَمَّا الْمُسْتَوْفِي لِلتَّعْزِيرِ فَهُوَ الْإِمَامُ وَالْأَبُ وَالسَّيِّدُ وَيُؤَدَّبُ الصَّغِيرُ دُونَ الْكَبِيرِ وَيُؤَدِّبُهُ مُعَلِّمُهُ وَصَاحِبُهُ وَيُعَزِّرُ السَّيِّدُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الله تَعَالَى والزنج فِي النُّشُوز وخما يُشْبِهُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَنْعِ حَقِّهِ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَوْ جُعِلَ لِعَامَّةِ النَّاسِ لَأَدَّى لِتَوَاثُبِ السُّفَهَاءِ للأذية وَكَثْرَة الْهَرج والفتن وَالتَّعْزِير جَائِر بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ سَرَى ضُمِنَتْ عَاقِلَتُهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ بِاجْتِهَادٍ وَالْحَدُّ مُقَدَّرٌ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ تَتْرُكِ الْمَرْأَةُ النُّشُوزَ إِلَّا بِضَرْبٍ مُخَوِّفٍ لَمْ يَجُزْ تَعْزِيرُهَا أَصْلًا.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَتَى كَانَ الْجَانِي يَنْزَجِرُ بِالْكَلِمَةِ أَوْ بِالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الْأَذِيَّةَ مَفْسَدَةٌ يَقْتَصِرُ مِنْهَا عَلَى مَا يَدْرَأُ الْمَفَاسِدَ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ بِالْعُقُوبَةِ اللَّائِقَةِ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ بَلْ بِالْمُخَوِّفَةِ حَرُمَ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا اللَّائِقُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ بِغَيْرِ فَائِدَة وَأما الزِّيَادَة الْمهْلكَة فَإِن سَببهَا لم يُوجد والصغر وَالْكِبَارُ فِي تِلْكَ سَوَاءٌ.
فرع:
فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا بَلَغَ التَّعْزِيرُ قَدْرَ الْحَدِّ ضُرِبَ عُرْيَانًا.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ (ح) لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدُّ الْعَبْدِ بَلْ يُنْقَصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَالتَّعْزِيرُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إِلَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنّه أَن غير الضّر بمصلحة مِنَ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ وَعِنْدَ (ش) قَوْلَانِ فِي الْمُجَاوَزَةِ بِهِ وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَضَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَوَّرَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَقَشَ خَاتَمَهُ مِثْلَ نَقْشِ خَاتَمِهِ فَجَلَدَهُ مِائَةً فَشُفِّعَ فِيهِ فَقَالَ أذكرني الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَكَانَ رَجُلٌ يَأْتِي النَّاسَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ فَيَقُولُ {وَالذَّارِيَاتِ ذَروا} وَيَقُول {والنازعات غرقا} مَا الذَّارِيَاتُ مَا النَّازِعَاتُ مَا الْفَارِقَاتُ مَا الْحَامِلَاتُ مَا الذَّارِيَاتُ وَكَانَ يُتَّهَمُ بِالْحَرُورِيَّةِ فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيهِ فَأَمَرَ بِإِقْدَامِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَمَّ تَسْأَلُ تَسْأَلُ عَنِ الذَّارِيَاتِ وَالنَّازِعَاتِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَرِيدِ النَّخْلِ حَتَّى أَدْمَى جَسَدَهُ كُلَّهُ ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى كَادَ يَبْرَأُ فَضَرَبَهُ وَسَجَنَهُ فَعَلَ ذَلِك مِرَارًا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ كُنْتَ بريد قَتْلِي فَأَوْجِزْ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الدَّوَاءَ فَقَدْ بلغ الدَّوَاء مِنِّي فَأَطْلَقَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُجَالِسَ أَحَدًا إِلَى أَنْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنَّهُ قَدْ حَسُنَ حَالُهُ فَأَمَرَ بِمُجَالَسَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَقَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأمر بِهِ لجلد مِائَةَ جَلْدَةٍ وَقَالَ لَا تَقْبَلُوا لَهُ شَهَادَةً وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحُدُودَ مُخْتَلِفَةً بِحَسَبِ الْجِنَايَات فالزنا أعظم جِنَايَة وقوبة مِنَ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةُ أَعْظَمُ مِنْهُمَا وَالْحِرَابَةُ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تَخْتَلِفَ التَّعَازِيرُ وَتَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَاتِ فِي الزَّجْرِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مُوجِبِ الْحَدِّ زَادَ التَّعْزِيرُ احْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلْدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ مِنْ حُدُود الله تَعَالَى» وَاحْتَجَّ (ش) بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَزِّرِ الْأَنْصَارِيَّ لَمَّا قَالَ لَهُ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِكُمْ لِأَنَّكُمْ تَزِيدُونَ عَلَى الْعَشْرِ أَوْ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ أُمُورًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ من الشعيرة إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا مِنَ الْمُوبِقَاتِ فَكَانَ يَكْفِهِمْ قَلِيل التَّعْزِير ثمَّ تتَابع النالس فِي الْمَعَاصِي حَتَّى زَوَّرُوا خَاتَمًا عَلَى خَاتَمِ عُمَرَ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ وَلَمْ يُرِدْ نَسْخَ حُكْمٍ بَلِ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ يَسْتَقِلُّ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ حَقُّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَهُ تَرْكُهُ أَوْ لِأَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا الِاهْتِضَامَ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ إِذَا اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا وَقَدْ يَجِبُ غَيْرُ الْمُقَدَّرِ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَنَصِيبِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ يَجِبُ.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ شَتمه جده أَو عَمه أَوْ خَالُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ تأديبا وَلم ير الْأَخ مثلهم قائدة التَّعْزِيرُ قِيلَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِهَانَةِ وَالْإِكْرَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} وَقِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ الْمَنْعُ فَتَعْزِيرُ الْجُنَاةِ مَنَعُهُمْ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْجِنَايَاتِ وَتَعْزِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعُهُ مِنَ الْمَكَارِهِ.

.الْجِنَايَةُ الْخَامِسَةُ: الْحِرَابَةُ وَالنَّظَرُ فِي صِفَةِ الْمُحَارِبِينَ:

وَفِي أحكامهم:

.النّظر الأول:

وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُشْتَهِرُ بِالسِّلَاحِ لِقَصْدِ السَّلْبِ مُحَارِبٌ كَانَ فِي مصر أَو فقر لَهُ شَوْكَةٌ أَمْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا تَتَعَيَّنُ آلَةٌ مَخْصُوصَةٌ حَبْلٌ أَوْ حَجَرٌ أَوْ خَنْقٌ بِالْيَدِ أَوْ بِالْفَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحَارِبٌ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَكُلُّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ فَهُوَ مُحَارِبٌ أَوْ حمل السِّلَاح بِغَيْر عدوة وَلَا فَائِدَة وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْغِيلَةِ بِأَنْ يَخْدَعَ رَجُلًا أَوْ مَشَى حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذُ مَا مَعَهُ وَإِنْ دَخَلَ دَارًا بِاللَّيْلِ فَأَخَذَ مَالًا مُكَابَرَةً وَمَنَعَ الِاسْتِغَاثَةَ فَهُوَ مُحَارِبٌ وَالْخَنَّاقُ وَسَاقِي السُّمِّ لِأَخْذِ الْمَالِ مُحَارِبٌ وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ أَحَدًا على مَا مَعَه فَهُوَ محَارب فَهَل ذَلِكَ بَحُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الطَّرِيقَ إِلَى مَدِينَتِهِمُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَإِن خَرجُوا تجارًا إِلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَقَطَعَ بَعْضُهُمُ الطَّرِيقَ عَلَى بَعْضٍ بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ قَطَعُوهَا عَلَى أَهْلِ ذِمَّةٍ دَخَلُوا إِلَى أَرْضِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ دَارَكَ لِيَأْخُذَ مَالَكَ فَهُوَ مُحَارِبٌ.
تَمْهِيدٌ:
فِي التَّنْبِيهَاتِ أَخْذُ الْمَالِ حَرَامًا عَشَرَةُ أَضْرُبٍ حِرَابَةٌ إِنْ أَخَذَهُ بِمُكَابَرَةٍ وَمُدَافَعَةٍ وَغِيلَةٌ أَخَذَهُ بَعْدَ قَتْلِ صَاحِبِهِ بِحِيلَةٍ مُهْلِكَةٍ لِيَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ إِلْقَائِهِ فِي مُهْوَاةٍ أَو نَحوه وغصب وَهُوَ أَخْذُ ذَوِي الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ مِمَّنْ لَا قدرَة لَهُ عَلَى دَفْعِهِ وَقَهْرِهِ وَهُوَ نَحْوُ الْغَصْبِ وخيانة أَخذه من الودائع وَنَحْوهَا وسرقة أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ أَمَانَةٍ عَلَى الْإِخْفَاءِ مَنْ حرزه اختلاسا وَهُوَ أَخْذُ السَّارِقِ وَأَهْلُهُ يَعْلَمُونَ وَخَدِيعَةٌ بِأَنْ يَأْخُذَهُ بِاخْتِيَارِكَ وَإِيهَامٍ وَتَعَدٍّ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَتَجَاوَزُ الْمَسَافَةَ ولمقدار الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهِ وَجَحَدَ فِي الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا وَاسْمُ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي اللُّغَةِ وَلكُل وَاحِد مِنْهَا حكم فِي الشَّرْع حلى حِيَالِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ سَقَى السَّكْرَانَ إِنَّمَا يَكُونُ مُحَارَبَةً إِذَا كَانَ مَا سَقَاهُ يَمُوتُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا لَقِيَهُ عِنْدَ الْعَتَمَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَلْوَةٍ فنشر ثَوْبه ونزعه مِنْهُ لَا قطع لعيه إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا لِأَنَّهُ مُخْتَلِسٌ وَلَا قَطْعَ عَلَى مُخْتَلِسٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ أَصْبَغُ إِذَا قَعَدَ اللُّصُوصُ بِقَوْمٍ فَعَلِمَ بِهِمِ الْإِمَامُ فَأَخَذَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِمْ مَنْ قَعَدُوا لَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُمْ تَلَصُّصٌ فَلَيْسُوا مُحَارِبِينَ فَإِنْ عَلِمُوا بِهِمْ فَامْتَنَعُوا مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُمْ فَهُمْ حِينَئِذٍ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ يَجْرِي فِيهِمْ حُكْمُ الْمُحَارِبِينَ وَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ بِالْقُوَّةِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَلَا يُخْشَى مِنْهُمْ قِتَالٌ أَوْ مَنَعُوهُمْ فَهُمْ غُصَّابٌ غَيْرُ مُحَارِبِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ خَوْفٌ وَإِنْ أَخَذُوا بِالْقَهْرِ ثُمَّ قَتَلُوا خَوْفَ أَنْ يُطْلَبُوا لَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ بَلْ مُغْتَالُونَ وَإِنْ سَأَلَهُ طَعَامًا فَأَبَى فَكَتَّفَهُ وَنَزَعَ مِنْهُ الطَّعَامَ وَثَوْبَهُ قَالَ مَالِكٌ مُحَارِبٌ وَهُوَ مِمَّنْ يُضْرَبُ وَيُنْفَى وَالْمُحَارِبُ فِي الْمَدِينَةِ مُحَارِبٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِصِدْقِ الِاسْمِ دُونَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيهَا الْغَصْبُ وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَةً يُرِيدُونَ الْقَرْيَةَ كُلَّهَا عِنَادًا وَإِعْلَانًا فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَلَوْ عُلِمَ بِالسَّارِقِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ سِرًّا فَقَاتَلَ حَتَّى نجا بِهِ فَهُوَ سَارِق وَلَا قِتَالُهُ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ قبل أَخذه فقاتل حَتَّى نجا بِهِ فَهُوَ سَارِق وَلَا قِتَالُهُ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى أَخَذَهُ فَهُوَ مُحَارِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ عَبْدِ الْمَلِكِ.

فَرْعٌ:
فِي النَّوَادِرِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَا لِطَلَبِ مَالٍ وَلَا عَدَاوَة وَلَا نابده وَلَا بِدَيْنٍ قَالَ أَمْنَعُ هَؤُلَاءِ يَمْشُونَ إِلَى مَكَّةَ أَوِ الشَّامِ فَهُوَ مُحَارِبٌ لِأَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيق وأخاف السَّبِيل.

.النَّظَرُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهِمْ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} فَجَعَلَ تَعَالَى الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ كَالْقَتْلِ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ وَبَيَّنَ الْفَسَادَ فَقَالَ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينقوا من الأَرْض} فَمُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِخَافَةُ السَّبِيلِ وَهُوَ السَّعْيُ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَكُرِّرَتِ الْحِرَابَةُ بِلَفْظَيْنِ تَأْكِيدًا.
فرع:
فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ مَالِكٌ جِهَادُهُمْ جِهَادٌ وَنُنَاشِدُ الْمُحَارِبَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ عَاجَلَهُ قَاتَلَهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَدَعُهُ وليبادر إِلَى الْقِتَالِ قَالَ مَالِكٌ يَدْعُوهُ إِلَى التَّقْوَى فَإِنْ أَبَى قَاتَلَهُ وَإِنْ يَطْلُبْ مِثْلَ الطَّعَامِ وَمَا خَفَّ فَلْيُعْطُوهُ وَلَا يُقَاتِلُوهُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً قَالَ سَحْنُونٌ أَرَى أَنْ لَا يُعْطَوْا شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ وَلَا يُدْعَوْا وَلْيُظْهِرْ لَهُمُ الصَّبْرَ وَالْجَلَدَ وَالْقِتَالَ بِالسَّيْفِ فَهُوَ أَقْطَعُ لِطَمَعِهِمْ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ مَنْ حَارَبَ مِنَ الذِّمَّةِ أَوِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَمْ يَقْتُلُوا خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَرُبَّ مُحَارِبٍ لَمْ يَقْتُلْ أَعْظَمُ فَسَادًا فِي حِرَابِهِ مِمَّنْ قَتَلَ فَإِذَا نَصَبَ وَعَلَا أَمْرُهُ وَأَخَافَ وَحَارَبَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَأَخَذَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ خُيِّرَ فِي قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ يَدِهِ وَرَجْلِهِ وَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَتْلِ قَطْعٌ وَلَا ضَرْبٌ وَلَا يُضْرَبُ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وَلَا يَسْتَوِي الْمُحَارِبُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ بِعَصًا فَيُؤْخَذُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بِحَضْرَةِ الْخُرُوجِ وَلَمْ يُخِفِ السَّبِيلَ وَلَا أَخذ مَالا فَيَكْفِي الضَّرْب وَالنَّفْي والسحن فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَفو عَنهُ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى وَنَفَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُحَارِبًا مِنْ مِصْرَ إِلَى شَفَتَ وَيُنْفَى مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى فدك وخيبر ويسحن هُنَاكَ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ قُتِلَ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَرجله والصلب مَعَ الْقَتْل فيصلب حَيا وَثمّ يُطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ وَالْعَبْدُ مِثْلُ الْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْفَى لِحَقِّ سَيِّدِهِ فِي خِدْمَتِهِ وَفِي الْمُقدمَات معنى قَول مَال فِي التَّخْيِير إِنَّه يفعل مَا هُوَ أقرّ للصَّوَاب فذوا الرَّأْي يقْتله لِأَن الْقطع لَا يدْفع مضرته وَذُو الْقُوَّةِ فَقَطْ يَقْطَعُهُ مِنَ الْخِلَافِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفِي ضَرَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ وَأُخِذَ عِنْدَ خُرُوجِهِ فَالضَّرْبُ وَالنَّفْيُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بِهَوَاهُ وَمَتَى قَتَلَ فلابد من قَتْلِهِ وَيَنْحَصِرُ التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ وَقَطْعِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إِنْ نَصَبَ نَصْبًا شَدِيدًا أَوْ عَلَا أَمْرُهُ وَطَالَ زَمَانُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ إِلَّا بِالْقَتْلِ وَخَالَفَنَا الْأَئِمَّة فَقَالُوا الْآيَة للتَّرْتِيب فَلَا يقْتله إا لَمْ يَقْتُلْ وَلَا يَقْطَعُهُ إِذَا لَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ خَيَّرَهُ (ح) بَين الْقَتْل فق أَوْ مَعَ الْقَطْعِ وَلَا يُصْلَبُ أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَالَ (ش) يَتَعَيَّنُ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى الْقَطْعِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ الْمَالَ تَعَيَّنَ النَّفْيُ وَيُقَدِّرُونَ الشَّرْطَ مُكَرَّرًا فِي الْآيَةِ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَتَّلُوا إِنْ قَتَلُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إِنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ (ح) نَفْيُهُ حَبْسُهُ بِبَلَدِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ (ش) نَفْيُهُ أَنْ يَطْلُبَهُ الْإِمَامُ أَبَدًا وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ لَنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِضْمَارِ وَإِرَادَةُ الْحَقِيقَةِ وَهِيَ التَّخْيِيرُ الَّذِي هُوَ مُسَمًّى وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زَنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ» وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْمُحَارِبِ فَلَا يُقْتَلُ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عُقُوبَتَانِ كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْآيَةِ مُحَارَبَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ الْحِرَابَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلِأَنَّ عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّخْيِيرِ الْبِدَايَةُ بِالْأَخَفِّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِي التَّرْتِيبِ بِالْأَشَدِّ نَحْوَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَقَدْ بَدَأَ هَا هُنَا بِالْأَشَدِّ فَتَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ عِظَمَ الْعُقُوبَةِ يَتْبَعُ عِظَمَ الْجِنَايَةِ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْقَتْلُ إِلَّا حَيْثُ الْقَتْلُ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَامٌّ وَالْآيَةُ خَاصَّةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّا لَمْ نُعَلِّقْ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ عُقُوبَتَيْنِ بَلْ صِفَةُ كُلِّ مُحَارِبٍ إِلَى عُقُوبَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْحِرَابَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ حِرَابَةٌ لَهَا عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ كَالزِّنَا وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مُحَارَبَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا لِمَعْصِيَتِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَيكون الْمَعْنى وَاحِدًا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا أشكوا بثي وحزني إِلَى الله} والحزن البث وَعَبس وَبسر وَمَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى اهْتِمَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ فِي التَّرْتِيبِ أَنْ يُذْكَرَ بِصِيغَةِ إِنْ وَالتَّخْيِيرِ بِصِيغَةِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَشَدَّ وَأَضْعَفَ وَقَدْ وُجِدَتْ أَوْ هَاهُنَا فَتَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا بَدَأَ هَاهُنَا بِالْأَشَدِّ إِشَارَةً إِلَى عِظَمِ رُتْبَةِ الْحِرَابَةِ فِي الْجِنَايَاتِ.
قَاعِدَةٌ:
لِلتَّخْيِيرِ فِي الشَّرِيعَةِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ الْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ كَتَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ فَمَتَى قُلْنَا الْإِمَامُ مُخَيّر فِي صرب بَيْتِ الْمَالِ وَفِي أَسَارَى الْعَدُوِّ أَوِ التَّعْزِيرِ أَوِ الْمُحَارِبِينَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ سَبَبُهُ بِرُجْحَانِ مَصْلَحَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إِلَى وَاجِبٍ وَيُشْبِهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَخْيِيرُ السَّاعِي بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَخْذُهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى رُجْحَانِ مَصْلَحَتِهِ لوُجُوب السَّبَبِ الْوَاحِدِ الْمُقْتَضِي لَهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ الْحَاضِرُ مِنَ الْإِبِلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ إِلَّا الْأَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ إِلَّا أَنَّ بَذْلَ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَنُوَّابِهِمْ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا دُونَ السِّنِّ الْوَاجِبِ مَعَ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ إِنَّمَا اقْتَضَى السِّنَّ الْمَتْرُوكَةَ وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ مِنْ وَجْهٍ وَمُبَاحٍ مِنْ وَجْهٍ نَحْوَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ خُيِّرَ بَيْنَهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ وَمُبَاحٌ مِنْ وَجْهٍ نَحْوَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ وَقَدْ يَكُونُ خُصُوصُ الْعِتْقِ أَوِ الطَّعَامِ مَنْدُوبًا فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ لَا عَلَى مَعْنَى تَرْكِ الْوَاجِبِ بَلِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَاجِبَةٌ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا لَا من جِهَة خصوصها بِخِلَاف تَخْيِير الْوُلَاة يعق أَبَدًا فِي وَاجِبٍ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ فِيمَا يُعِينُهُ سَبَبُهُ وَفِي الْقَسَمِ أَوِ الْمُبَاحِ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ الدائر بَينا لواجب وَالْمَكْرُوهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَالْقَصْرُ وَاجِبٌ وَالْإِتْمَامُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَشَهْرِ الْقَضَاءِ فَالْوَاجِبُ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مِنْ بَابِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَكَذَلِكَ الْجُمُعَةُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ قُلْنَا الْقَصْرُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا خُيِّرَ بَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْقَصْرُ وَالْمُبَاحِ الَّذِي فَهُوَ الْإِتْمَامُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ أَن الْقصر الَّذِي هُوَ الركعتان لابد مِنْهُمَا إِجْمَاعًا وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِمَا أَمْ لَا فَالْخُصُوصُ وَاجِبٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ وَاجِبًا فِي خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي التَّخْيِيرِ أَبَدًا بَيْنَ سَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا جُزْءُ الْآخَرِ كَتَخْيِيرِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بَيْنَ ثُلُثِهِ وَنِصْفِهِ وَثُلُثَيْهِ فَالثُّلُث لابد مِنْهُ وَمَا زَادَ مَنْدُوبٌ وَالتَّخْيِيرُ وَاقِعٌ فِيهِ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالتَّنْبِيهَاتِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَنْ يَقُولُ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ إِلَّا بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ.
فرع:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ النَّفْيُ عِنْدَ مَالِكٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا نَفْيَ عَلَى النِّسَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الزِّنَا وَيُكْتَبُ لِلْوَالِي بِحَبْسِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِخِلَافِ الزِّنَا وَنَفَقَتُهُمَا فِي حَمْلِهِمَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا وَقَاتِلُ النَّفْسِ يُحْبَسُ فِي مَوْضِعِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ ابْنا لقاسم يصلب حَيا وَيقتل فِي الْخَشَبَة فيسيل دَمه مربوطا عَلَيْهَا من قَوْلهم تمر مصلب إِذا كَانَ شَعْرُهُ سَائِلًا وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْتَلُ قَبْلَ الصَّلْبِ ثُمَّ يُصْلَبُ فَالتَّخْيِيرُ وَاقِعٌ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ لَا بَيْنَ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ فَعَلَى رَأْيِ أَشْهَبَ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الصَّلْبِ وَيُخْتَلَفُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِيُتْرَكَ عَلَى الْخَشَبَةِ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْكِلَابُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُصَلَّى خَلْفَ الْخَشَبَةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ مَصْلُوبًا وَقَالَ سَحْنُونٌ يُنْزَلُ مَنْ عَلَيْهَا وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ وَفِي إِعَادَتِهِ لَهَا لِيَرْتَدِعَ الْمُفْسِدُونَ قَوْلَانِ وَقَالَ (ح) يُتْرَكُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُنْزَلُ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَقَدْ تَوَفَّى مَعْنَى النَّصِّ وَالزِّيَادَةُ مُثْلَةً مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْقَطْعُ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى فَإِن عَاد قطعت يَده الْيُسْرَى ورحله الْيُمْنَى فَإِنْ كَانَ أَشَلَّ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى أَوْ مَقْطُوعَهُمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى حَتَّى يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ وَقَالَ أَشْهَبُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا الْمُسْتَحِقَّةِ لِلْحِرَابَةِ وَفِي النَّفْيِ ثَلَاثَةُ أَقْوَال فَعَن مَالك السحن وَقَالَهُ سُفْيَانُ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُنْفَى إِلَى بَلَدٍ أَقَلُّهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَيُسْجَنُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَطْلُبُهُمُ الْإِمَامُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَهُرُوبُهُمْ مِنْهُ هُوَ النَّفْيُ وَإِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ لَا يُنْفَى فِي النَّوَادِرِ مَتَى قُتِلَ قُتِلَ بِالسَّيْفِ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَسْقُطُ عَنِ الْمَرْأَةِ النَّفْيُ وَالصَّلْبُ وَعَلَى قَول مَالك إِن النَّفْي الْحَبْس بِالْبَلَدِ نفي وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا تُنْفَى قَالَ وَأَرَى إِنْ وَجَدَتْ وَلِيًّا أَوْ جَمَاعَةً مَرْضِيِّينَ وَقَالَتْ أَخْرُجُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَأُسْجَنُ فِيهِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَحَدُّ الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ وَالْقَتْلُ بِانْفِرَادِهِ والصلب وَالْقَتْل وَيخْتَلف فينفيه كَمَا فِي الْمَرْأَةِ قَالَ وَأَرَى إِنْ قَالَ سَيّده أرْضى بنفيه وَلَا يقطع أَنِّي يُسَوَّى بِالْحُرِّ وَالْحَدُّ أَرْبَعَةٌ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ بِانْفِرَادِهِ أَوِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوِ النَّفْيُ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ وَأَمَّا الصَّبِيُّ لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَمْ يُنْبِتْ فَيُعَاقَبُ وَلَا يُحَدُّ فَإِنْ أَنْبَتَ الْإِنْبَاتُ الْبَيِّنُ فَخِلَافٌ فِي حَدِّهِ وَالْمَجْنُونُ يُعَاقَبُ لِلِاسْتِصْلَاحِ كَمَا تُؤَدَّبُ الْبَهِيمَةُ لِلرِّيَاضَةِ وَإِنْ خَفَّ جُنُونُهُ حُدَّ وَإِنْ حَارَبَ وَقْتَ إِفَاقَته ثمَّ حن أُخِّرَ حَتَّى يُفِيقَ كَالسَّكْرَانِ لِسَكْبِهِ الْعُقُوبَةَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُقُوبَاتِ الْأَرْبَعِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي الْمُحَارِبِ الْوَاحِدِ أَوْ كُلُّ مُحَارِبٍ تَتَعَيَّنُ لَهُ عُقُوبَةٌ وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ إِذَا عَظُمَ فَسَادُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ أَخَذَ بِالْحَضْرَةِ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا يُخَيِّرُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ وَكَذَلِكَ إِذَا عَظُمَ أَمْرُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنْ قَتَلَ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفس بِالنَّفسِ} وَخُيَّرَ أَبُو مُصْعَبٍ فِيهِ وَإِنْ قَتَلَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَيُقْتَلُ الْمُحَارِبُ بِالسَّيْفِ أَوِ الرُّمْحِ بِغَيْرِ تَعْذِيبٍ وَلَا يُرْمَى بِشَيْءٍ مِنْ عَالٍ وَلَا حِجَارَةٍ وَإِنْ رَأَى صَلْبَهُ صَلَبَهُ قَائِمًا لَا منكوسا وَتطلق يدا وَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ فَلَا بَأْسَ قَالَ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الصَّلْبَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْقَتْلِ وَلَيْسَ يُصْلَبُ وَلَا يُقْتَلُ فَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَصْلِبَهُ فَمَاتَ لَمْ يَصْلِبْهُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي الْحَبْسِ فَلَهُ صَلْبُهُ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِذَا صُلِبَ وَقُتِلَ أُنْزِلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنِ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ إِعَادَتَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِلْخَشَبَةِ لِمَزِيدِ فَسَادِهِ أَعَادَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى قُطِعَ الْيَدُ الْيُمْنَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ يَدَانِ قُطِعَتِ الْيُمْنَى وَحْدَهَا وَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا رِجْلَانِ قُطِعَتِ الْيُسْرَى وَحْدَهَا وَالضَّرْبُ مَعَ النَّفْيِ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ بَلْ بِحَسَبِ الْحَالِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي السِّجْنِ بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ كالمكره بالسحن بَلْ تَعْتَمِدُ عَلَى الْقَرَائِنِ فَإِنْ عُلِمَتْ تَوْبَتُهُ قبل طُولَ السِّجْنِ حَدٌّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالنَّفْيُ عِنْدَنَا إِلَى أَسْوَانَ قَالَ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي السحن فَلَا يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلَّا وَقْتَ طَعَامِهِ قَالَ وَأَرَى إِنْ عُوقِبَ بِالنَّفْيِ ثُمَّ عَادَ حُدَّ بِالْقَطْعِ أَوِ الْقَتْلِ لِأَنَّ النَّفْيَ لَمْ يَزْجُرْهُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْقَطْعِ إِلَى الْأَمْرِ الْخَفِيفِ ورجي فِي نَفْيه صَلَاحه نفذ ذَلِك أَو مُتَمَادِيًا عَلَى حِرَابَتِهِ فَالْقَطْعُ أَوِ الْقَتْلُ وَإِنْ قُطِعَ فِي الثَّالِثَةِ قَتَلَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ أَبْقَاهُ إِنْ ضَعُفَ شَرُّهُ وَمَتَى رُجِيَ صَلَاحُهُ بِغَيْر الْقَتْل لميقتل.
فرع:
فِي الْكِتَابِ قَلِيلُ الْمَالِ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ مِثْلُ كَثِيرِهِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ.
فرع:
قَالَ إِنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ دُونَ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ وَلِلْأَوْلِيَاءِ الْعَفْوُ أَوِ الْقَتْلُ فِيمَنْ قَتَلَ وَكَذَلِكَ الْجِرَاحُ فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَتَلُوا رَجُلًا وَلِيَ أَحَدُهُمْ قَتْلَهُ وَأَعَانَهُ الْبَاقُونَ قُتِلُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ تَابُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا فَلِلْوَلِيِّ مَا تَقَدَّمَ من الْعَفو وَالْقصاص وَيَأْخُذ الدِّيَة مَتى شَاءَ وَقَدْ قَتَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَبِيئَةً كَانَ نَاطُورًا لِلْبَاقِينَ فَإِنْ وَلِيَ أَخْذَ الْمَالِ وَالْبَاقُونَ لَهُ قُوَّةٌ وَاقْتَسَمُوهُ وَتَابَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَلِ أَخْذَ الْمَالِ ضَمِنَ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ تَابُوا مُعْدَمِينَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَحُدُّوا أُخِذَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يُتْبَعُوا كَالسَّرِقَةِ وَيَمْتَنِعُ عَفْوُ الْأَوْلِيَاءِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَفْوُ الْإِمَامِ إِذَا أُخِذُوا قبل التَّوْبَة وتحرما لشفاعة لِأَنَّهُ حَدٌّ بَلَغَ الْإِمَامَ وَإِنْ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَتَلُوا ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أُقِيدَ مِنْهُ وَتُعْرَفُ تَوْبَةُ الْمُحَارِبِ الذِّمِّيِّ بِتَرْكِ مَا كَانَ فِيهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ نِسَاءٌ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ وَلَا يَكُونُ الصَّبِيُّ مُحَارِبًا حَتَّى يَحْتَلِمَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ أُخِذَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يُرِيدُ إِن كانيسرهم مُتَّصِلًا مِنْ يَوْمِ أَخْذِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قَالَ لَمْ يُتْبَعُوا بِشَيْءٍ كَالسَّرِقَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَالْأَحْسَن عِنْدَمَا لَك فِي تَوْبَة الْمُحَارب أنيأتي السُّلْطَانَ وَتَصِحُّ عِنْدَ جِيرَانِهِ بِاخْتِلَافِهِ لِلْمَسْجِدِ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَكُونُ اتيانه للسلطات تَائِبًا تَوْبَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تقدروا عَلَيْهِم} فَإِنِ امْتَنَعَ بِنَفْسِهِ حَتَّى أُعْطِيَ الْأَمَانَ فَقِيلَ يَنْفَعُهُ كَالْكَافِرِ وَقِيلَ لَا يَنْفَعُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَا بُدَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَكُونُ الْأَمَانُ تَوْبَةً وَإِنْ سَأَلَهُ لِأَنَّ تَأْمِينَ الْكَافِرِ لَيْسَ إِسْلَامًا فَإِنْ قَالَ الْوَالِي لِأَحَدِهِمْ لَكَ الْأَمَانُ عَلَى أَنْ تُخْبِرَنِي مَا صَنَعْتُمْ وَمَنْ كَانَ مَعَكُمْ لَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ قَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ وَأَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ إِقْرَارُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا وَإِذَا تَابَ وَهُوَ عَبْدٌ وَعَفَا الْأَوْلِيَاء فَهِيَ جِنَايَة فِي رقتبه وَإِنْ خَرَجَ الْمُحَارِبُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَطْعٌ أَوْ قَتْلٌ وَكَذَلِكَ إِنْ قَتَلَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ وَلَا قَوَدٌ بَلِ الْإِمَامُ يُقِيمُ الْحَدَّ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ لَا يقتلهُمْ وَمكن أَوْلِيَاء الْمَقْتُول مِنْهُم فعفوا بعض ذَلِكَ وَاقْتَصَّ مِنْهُمْ وَهَذَا إِذَا قَتَلُوا حِرَابَةً وَأَمَّا غِيلَةً فَيُنَفَّذُ الْعَفْوُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ مَوْطِنُ خِلَافٍ وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْحِرَابَةِ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَعَنْ أَشْهَبَ لَا يُقْتَلُ فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا الْقَاتِلُ أَوْ مُعِينٌ أَوْ مُمْسِكٌ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَغَيْرُهُمْ يُضْرَبُ عَلَيْهِ وَيُحْبَسُ سَنَةً وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ كَانَ فِي الْغِيلَةِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ كَانُوا لَا يَعْدُونَ عَلَى الْمَالِ إِلَّا بِالْكَثْرَةِ ضَمِنَ بِكُلِّ وَاحِدٍ الْجَمِيعَ أَوْ يَقْوَى عَلَيْهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فَحِصَّةُ كُلُّ وَاحِدٍ فَقَطْ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ قَتْلِ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا لِأَنَّ قَبْلَهَا قَبُولُ التَّوْبَةِ مِنْهُ تَرْغِيبٌ لَهُ وَحَسْمٌ لِفَسَادِهِ وَبَعْدَهَا هُوَ عَاجِزٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَقُّ اللَّهِ وَزَجْرًا لِأَمْثَالِهِ وَعِنْدَنَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تسْقط بِالتَّوْبَةِ كالسرقة وَالْخمر الزِّنَا وَقَالَهُ (ح) وَعِنْدَ (ش) قَوْلَانِ وَاشْتُرِطَ فِي السُّقُوطِ مُضِيُّ مُدَّةٍ تَظْهَرُ فِيهَا التَّوْبَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهَا بِسَنَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ مُدَّةٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا فِيهَا لَبَاشَرَ الْمَعْصِيَةَ وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي الْحِرَابَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ لَنَا النُّصُوصُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحُدُودِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَاعِزٍ «إِنَّهُ تَابَ وَرُجِمَ» وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ السَّلَام على ر جمه شَيْئًا وَقَالَ فِي الْغَامِدِيَّةِ «تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» وَرَجَمَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَقُولُ لَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ بِالتَّوْبَةِ فِي الْحَالِ كَالْمَقْذُوفِ وَالْمُحَارِبِ لَكِنَّ الْمُدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا تَكُونُ مُسْتَقْبَلَةً وَقِيَاسًا عَلَى الْقَذْفِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحِرَابَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَعَلَى الرِّدَّةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَفْسَدَتَهَا عَظِيمَةٌ فَرُغِّبَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ بِأَنْ جُعِلَتْ تَوْبَتُهُمَا تُزِيلُ حَدَّهُمَا تَرْغِيبًا فِي التَّوْبَةِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ فِي الْحِرَابَةِ فَلِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهَا كَالْقَذْفِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي صِفَةِ التَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَنْ يَتْرُكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْإِمَامَ أَوْ يَكْفِي إِلْقَاءُ السِّلَاحِ وَيَأْتِي الْإِمَامَ طَائِعًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي يَتْرُكُ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُ فِي مَوْضِعِهِ وَتظهر تَوْبَته لجيرانه وَأما إِن ألْقى السِّلَاح وَأَتَى الْإِمَامَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الْحِرَابَةِ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ قَبْلَ إِتْيَانِهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الثَّالِثُ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِتْيَانِهِ الْإِمَامَ فَإِنْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ وَفِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْحَدُّ فَقَطْ وَالْحَدُّ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ دُونَ حُقُوقِ النَّاسِ وَيَسْقُطُ ذَلِكَ مَعَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ رُدَّ وَيَسْقُطُ ذَلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ إِلَّا مَالٌ وُجِدَ بِعَيْنِهِ.
تَنْبِيهٌ:
اشْتَرَكَ الْقَذْفُ وَالْحِرَابَةُ فِي اشْتِمَالِهِمَا عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لَكِنْ فِي الْقَذْفِ لِمُعَيَّنٍ فَيُمَكَّنُ مِنْ إِسْقَاطِهِ وَفِي الْحِرَابَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَذَّرُ إساقاطه بَعْدَ الْقُدْرَةِ وَغُلِّبَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مُلَاحَظَةِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فَرَغَّبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي التَّوْبَةِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ مَنْ حَارَبُوهُ إِنْ كَانُوا عُدُولًا يَتَعَذَّرُ غَيْرُهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنِ اعْتَرَفُوا بِالْحِرَابَةِ وَالْمَالِ لِلرِّفْقَةِ انْتُزِعَ مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا سَلَّمَهُ لَهُ أَصْحَابُهُ وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ تَحَالَفَا وَاقْتَسَمَا فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدٌ انْتُظِرَ طَالِبُهُ وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا من الرّفْقَة والأخر من غَيرهَا يبْدَأ الَّذِي مِنَ الرِّفْقَةِ وَيَحْلِفُ إِنْ أَتَى الْآخَرُ بِشَيْءٍ وَإِنِ ادَّعَى الْمُحَارِبُونَ الْمَتَاعَ وَأَقَرُّوا بِالْحِرَابَةِ تُرِكَ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَدَّعِهِ غَيْرُهُمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرِّفْقَةِ لِأَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَبٍ لِابْنِهِ فِي الْمَالِ وَتُقْبَلُ مَعَ غَيْرِهِ إِنْ قَتَلَ ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ لِأَنَّهُ حَدٌّ لَا قِصَاصٌ لَا يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ وَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّوْبَةِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيِّ لأَنهم إِن قَالُوا فِي قَطَعْنَا عَلَيْكُمْ فَقَدْ تَقْوَى التُّهْمَةُ وَإِنْ أَقَرُّوا فَقَدْ صَدَّقُوهُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ صَدَّقُوهُمْ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَادَّعَوْا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مُنِعَتِ الشَّهَادَةُ لِلْعَدَاوَةِ وَإِذَا حُبِسَ الْمُحَارِبُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْفَسَادِ أَخْرَجَهُ وَأَشْهَرَهُ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ الْمُسَافِرُونَ فَيَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَإِنْ عَظُمَتْ شُهْرَتُهُ حَتَّى يُعْرَفَ بِاسْمِهِ كَذَلِكَ فَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ قَاطِعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَأَشْهَدَ أَخَذَ الْمَالَ وَالْقَتْلَ وَغَيْرَهُ قُتِلَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعَيَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا اسْتَفَاضَ ذَلِكَ أَدَّبَهُ وَحَبَسَهُ فَإِنِ افْتَرَقَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمُ الْمَتَاعَ وَأَتَى مَنِ ادّعى عينه انْتَظَرَ بِهِ قَلِيلًا فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ غَيْرُهُ حَلَفَ وَأَخَذَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَيَضْمَنُهُ إِنْ أَتَى أَحَدٌ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَهُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ لِمَنِ ادَّعَاهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إِذَا وَصَفَهُ كَمَا تُوصَفُ اللُّقَطَةُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَلْزَمُ كَفِيلًا وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَنَكَلَا عَنِ الْحَلِفِ لَمْ يأخذاه بِخِلَافِ النُّكُولِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَعْدُوهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَإِنْ قَالَ الْمُحَارِبُ الْمَتَاعُ لِي وَهُوَ كَثِيرٌ لَا يَمْلِكُ مِثْلَهُ صُدِّقَ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ فِي النُّكَتِ إِذَا دُفِعَ لَهُ الْمَتَاعُ وَضَمِنَهُ وَهَلَكَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَضْمَنُهُ إِنْ أَخْذَهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ثُمَّ جَاءَ مَا هُوَ أَقْطَعُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا شَهِدُوا لأَنْفُسِهِمْ مَعَ الشَّهَادَة لغَيرهم كَقَوْلِهِم أخذُوا مَا رِفَاقِنَا وَمَالَنَا رُدَّتِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَالَهُمْ يَسِيرًا فَيَجُوزُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مُحَارِبٍ فَقَتَلَهُ أَحَدٌ قَبْلَ تَزْكِيَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ زُكِّيَتْ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَنَى عَلَى حَقِّ الْإِمَامَةِ وَإِلَّا قتل لِأَن الأَصْل الذَّخِيرَة.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ وَلَّى اللِّصُّ مُدْبِرًا لَا يُتْبَعُ وَلَا يُقْتَلُ إِلَّا إِنْ قَتَلَ وَيُقْتَلُ الْأَمِيرُ مِنَ اللُّصُوصِ إِذَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ وَمَتَى قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ سَحْنُونٌ يُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ وَيُجْهَزُ عَلَيْه وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْهَزُ عَلَيْهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ.
فرع:
فِي الْمُقَدِّمَاتِ إِنِ ارْتَدَّ وَحَارَبَ فِي رِدَّتِهِ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ وَلَا يُنَفَّذُ عَفْوُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحِرَابَةَ حَقُّهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَارَبَ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحر ب فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُحَارِبُ فِي رِدَّتِهِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ وَقَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَحِرَابَتُهُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ لَا يُتْبَعُ بِمَا صَنَعَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ سَقَطَ حُكْمُ الْحِرَابَةِ وَحْدَهُ وَيُغَرَّمُ الْمَالَ وَيُتْبَعُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَالْمُسْتَهْلِكِ بِغَيْرِ حِرَابَةٍ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَدِّ إِذَا فَعَلَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهَذَا أَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمَرَّةً نَظَرَ لِلْقَوَدِ وَالدِّيَةِ يَوْمَ الْفِعْلِ وَمَرَّةً يَوْمَ الْحُكْمِ وَمَرَّةً فَرَّقَ فَجَعَلَ الْقَوَدَ يَوْمَ الْفِعْلِ وَالدِّيَةَ يَوْمَ الْحُكْمِ فَعَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْفِعْلِ فِي الْجِنَايَةِ وَالدِّيَةِ إِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا عَمْدًا أُقِيدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ يَوْمَ الْفِعْلِ وَالْكَافِرُ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ أَوْ خَطَأٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَعَلَى مُلَاحَظَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ يُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ دُونَ النَّصْرَانِيِّ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَهُمَا خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْحُكْمِ مُسْلِمٌ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَاتَلَنَا وَأَسَرْنَاهُ اسْتَتَابَهُ الْإِمَامُ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُ وَإِنْ أَبَى قَتَلَهُ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْحِرَابَةِ فَإِنْ تَابَ لَزِمَهُ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ النَّاسِ وَلَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ رِدَّتُهُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ ظَفِرْتَ بِاللِّصِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فَارْفَعْهُ إِلَى الْإِمَامِ وَإِلَّا فَالسَّتْرُ أَحْسَنُ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ حُكْمُ الْمُحَارِبِ فِي الْغُرْمِ حُدَّ أَمْ لَا مُوسِرًا أَمْ لَا حُكْمُ السَّارِقِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا أَخَذَ وَوَفْرُهُ مُتَّصِلٌ لَزِمَهُ الْمَالُ وَصَدَاقُ الْمُكْرَهَةِ وَقِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ وَدِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ وَفْرُهُ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ.
فرع:
قَالَ الْجَرْحُ السَّارِي يَحْتَمِلُ الْقَتْلَ.
فرع:
قَالَ إِذَا اجْتَمَعَتْ عُقُوبَاتُ الْآدَمِيِّينَ كَالْقَذْفِ وَالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَطُلِبُوا جَمِيعًا جدل ثُمَّ قُتِلَ وَدَخَلَ الْقَطْعُ فِي الْقَتْلِ وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى مَا قَبْلَهُ.
فرع:
قَالَ إِذَا اشْتُهِرَ فُلَانٌ بِالْحِرَابَةِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ مَنْ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ أَنه فُلَانٌ الْمَشْهُورُ حُدَّ.