فصل: النَّوْع الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ شَدُّ الْأَوْتَارِ وَنَحْوِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ تَرْكُ الْإِنْسَانِ مَا لَا يَعْنِيهِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُرَى إِلَّا مُحَصِّلَا حَسَنَةً لِمَعَادِهِ أَوْ دِرْهَمًا لِمَعَاشِهِ وَيَتْرُكُ مَا لَا يَعْنِيهِ وَيَتَحَرَّسُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَقِفُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيُقَلِّلُ الرِّوَايَةَ جَهْدَهُ وَيُنْصِفُ جُلَسَاءَهُ وَيُلِينُ لَهُمْ جَانِبَهُ وَيَلْتَزِمُ الصَّبْرَ وَيَصْفَحُ عَنْ زَلَّةِ جَلِيسِهِ وَإِنْ جَالَسَ عَالِمًا نَظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ وَيُنْصِتُ لَهُ عِنْدَ الْمَقَالِ وَإِنْ رَاجَعَهُ رَاجَعَهُ تَفَهُّمًا وَلَا يُعَارِضُهُ فِي جَوَابِ سَائِلٍ سَأَلَهُ فَإِنَّهُ يلبس بذلك على السَّائِل ويزري بالمسؤول وَبِقَدْرِ إِجْلَالِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَنْتَفِعُ بِهِ وَمَنْ نَاظَرَهُ فِي عِلْمٍ فَبِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ وَحُسْنُ التَّأَنِّي وَجَمِيلُ الْأَدَبِ مُعِينَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَالِمُ أَوْلَى النَّاسِ بِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنِ الدَّنَاءَةِ وَإِلْزَامِهَا الْخَيْرَ وَالْمُرُوءَةَ وَلَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لَا يَلِيقُ بِهِ فَإِنِ ابْتُلِيَ بِالْجُلُوسِ فَلْيَقُمْ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِرْشَادِ مَنِ اسْتَحْضَرَهُ وَوَعْظِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ وَمِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى إِجْلَالُ الْعَالِمِ الْعَامِلِ وَالْإِمَامِ الْمُقْسِطِ وَمِنْ سِمَةِ الْعَالِمِ أَنْ يَعْرِفَ زَمَانَهُ وَيُقْبِلَ عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُتَحَذِّرًا مِنْ إِخْوَانِهِ فَلَمْ يُؤْذِ النَّاسَ قَدِيمًا إِلَّا مَعَارِفُهُمْ وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِمَدْحِهِمْ.

.النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ:

عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْن دِينَار فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ مَنْ سَمَّاهَا يَثْرِبَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا الْمَدِينَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَسَمَّاهَا الْمُنَافِقُونَ يَثْرِبَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَهْلَ يثرب} قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ اسْمُهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَاسْمُهَا بَعْدَهُ الْمَدِينَةُ وَطَابَةُ وَطَيْبَةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِهَا حُجَّةٌ فِيمَا طرقه النَّقْلُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا مَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ النَّخعِيّ لَو رَأَيْت الصَّحَابَة يتوضؤون إِلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْتُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَأَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ كَوْنُ إِجْمَاعِهَا حُجَّةً وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ التَّفْضِيلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ بِأَدِلَّةِ ذَلِكَ مُفَصَّلًا.

.النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْفِرَارِ مِنَ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ:

فِي الصِّحَاحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالْوَبَاءِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ الْبَاجِيُّ لَا يُقْدَمُ عَلَى الْوَبَاءِ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالنَّفْسِ وَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ اسْتِسْلَامٌ لِقَدَرِ اللَّهِ وَالرِّجْسُ الْعَذَابُ وَأَوَّلُ وُقُوعِ الطَّاعُونِ كَانَ عَذَابًا وَهُوَ الْيَوْمُ شَهَادَةٌ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَحَدُ التِّسْعَةِ الشُّهَدَاءِ وَيَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ بِلَادِ الْوَبَاءِ لِغَرَضٍ آخَرَ غَيْرِ الْفِرَارِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالْقُدُومِ عَلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ نَهْيُ إِرْشَادٍ لَا تَحْرِيمٍ مِنْ بَابِ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحل الممرض على المصح لَيْلًا يَقَعَ فِي نَفْسِهِ إِنْ مَا أَصَابَهُ شَيْءٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدَمْ لَنَجَا مِنْهُ بَلْ لَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى ويؤجر إِذا قدم عَلَيْهِ مُعْتَقدًا أَن أَنَّ مَا أَصَابَهُ بِقَدَرِ اللَّهِ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ يُصِيبُهُ وَيُؤْجَرُ إِنْ لَمْ يَقْدَمْ عَلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلنَّهْيِ النَّبَوِيِّ قَالَ فَهَذَا وَجْهُ تَخْيِير مَالك وَكَذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ بَلِ الْمُقَامُ أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا لِلْقَدَرِ وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ» وَهُوَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ تَخْرُجُ فِي التَّرَاقِي وَالْآبَاطِ وَفِي كَوْنِ الْأَفْضَلِ الْمُقَامَ بِبَلَدِ الْوَبَاءِ أَوِ الْخُرُوجَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْرُجَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَشَارَ بِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ بِالشَّامِ وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْقُدُومِ وَالْخُرُوج عَنهُ قَالَه عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْقُدُومِ وَعَدَمُ الْخُرُوجِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُنِعَ مِنَ الْقُدُومِ عَلَى الْوَبَاءِ لِأَنَّ هَوَاءَ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَدْ عَفِنَ وَصَارَ مَفْسُودًا مَسْمُومًا وَالْقُدُومُ عَلَى مُهْلِكَاتِ النُّفُوسِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّ الْهَوَاءَ الْمَسْمُومَ وَغَيْرَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ تَعَلَّقَ بِأَهْلِهَا عُلُوقًا شَدِيدًا بِوَاسِطَةِ التَّنَفُّسِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِمْ فَلَا يَشْعُرُ بِهَا لِلْخُرُوجِ إِلَّا وَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ فِي جِسْمِ الْخَارِجِ مَا يَقْتَضِيهِ مِزَاجُهُ الْخَاصُّ بِهِ وَذَلِكَ الْهَوَاءُ كَمَا أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَتَهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْخُرُوجُ فَهُوَ عَبَثٌ وَالْعَبَثُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَرُبَّمَا أَضَرَّهُ السَّفَرُ بِمَشَقَّتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَوْنًا لِلْهَوَاءِ عَلَى الْمَوْتِ وَالْمَرَضِ.

.النَّوْعُ السَّابِع وَالْعشْرُونَ الْغناء:

وَقِرَاءَة الْقُرْآن بالألحان وَنَحْوِهِ، وَفِي الْبَيَانِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} أَنَّهُ الْغِنَاءُ وَاسْتِمَاعُهُ بِشِرَاءِ الْمُغَنِّيَةِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ذَاتَ لَهْوِ الْحَدِيثِ أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى يُحِبُّهُ أَوْ يَخْتَارُهُ {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ يَشْتَرِي أَحَادِيثَ الرُّومِ وَفَارِسَ وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا فيلهيهم بهَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلُ أَثْمَانِ الْمُغَنِّيَاتِ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُهُنَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنِ اشْتَرَى الْمُغَنِّيَةَ لَا يُرِيدُهَا لِعَمَلِهَا الْغِنَاءَ وَلَمْ يَزِدْ فِي ثَمَنِهَا لِغِنَائِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَثَمَنُ الْمُغَنِّيَاتِ حَرَامٌ فَإِنِ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا لِأَجْلِ غِنَائِهَا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ مَكْرُوهٌ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يَحْرُمُ جَمِيعُ الثَّمَنِ بَلِ الزَّائِدُ لِأَجْلِ الْغِنَاءِ كَالْبَائِعِ خَمْرًا وَثَوْبًا صَفْقَةً وَاحِدَةً تَحْرُمُ حِصَّةُ الْخَمْرِ فَقَطْ.
فرع:
فِي الْمُقَدِّمَاتِ إِنِ اشْتَرَاهَا فَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً وَالْغِنَاءَ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهَا هَلْ لَهُ الرَّدُّ قَوْلَانِ قَالَ وَالَّذِي أَرَاهُ إِنْ كَانَت رفيعة للاتخاذ لَهُ الرَّد لخوف لخوق ذَلِكَ بِالْوَلَدِ وَإِلَّا فَلَيْسَ عَيْبًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.النَّوْع الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ شَدُّ الْأَوْتَارِ وَنَحْوِهَا:

على الدَّوَابّ، وَفِي مُسلم نهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَدِّ الْأَوْتَارِ عَلَى الْخَيْلِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ إِلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ قَالَ الْبَاجِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِالْأَوْتَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَتَرِ فَإِنْ قَلَّدَ الْجِمَالَ لَا لِلْعَيْنِ جَازَ وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِبِلِ يَعْتَقِدُ أَنَّ شَدَّ ذَلِكَ يَرُدُّ الْعَيْنَ وَالْقَدَرَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَحْرِيمِ التَّعْلِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ شَيْئًا مِنَ التَّمَائِمِ خَوْفَ الْعَيْنِ وَجَوَّزَهُ لِلسَّقِيمِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالْفُقَهَاءِ جَوَازُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَفْصِدَ خَوْفَ ضَرَرِ الدَّمِ قَبْلَ الْمَرَضِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ قَبْلَ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا بِالدُّعَاءِ وَالْحِرْزِ وَقيل فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقَلِّدُوا الْخَيْلَ الْأَوْتَارَ مَعْنَاهُ لَا تَرْكَبُوهَا فِي الثَّأْرِ وَطَلَبِ الْفِتَنِ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْجَرَسَ لِصَوْتِهِ وَقَالَ هُوَ أَشَدُّ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْعَوْذَةِ فِيهَا الْقُرْآن وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا خُرِزَ عَلَيْهَا جِلْدٌ وَلَا خَيْرَ فِي رَبْطِهِ بِالْخَيْطِ وَتُبَاحُ قشرة الْأَشْجَار وَعنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرُ الَّتِي يَصْحَبُهَا جَرَسٌ لَا تَصْحَبُهَا الْمَلَائِكَةُ قيل هُوَ لجلجل الْكَبِيرُ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْأَجْرَاسُ وَالْقَلَائِدُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِلْحَدِيثِ وَكُلَّمَا عَظُمَ الْجَرَسُ كَانَ أَشَدَّ كَرَاهَةً وَيُحْتَمَلُ فِي تَعْلِيلِهِ شَبَهُهُ بِالنَّاقُوسِ وَقِيلَ إِنَّمَا يُكْرَهُ الْوَتَرُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ قَدْ تَخْتَنِقُ بِهِ فِي شَجَرَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْخَيْطُ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا.

.النَّوْع التَّاسِعُ وَالْعشْرُونَ السوائب والبحار:

قَالَ صَاحب الْبَيَان قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوَّلُ مَنْ نَصَبَ النُّصُبَ وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ وَغَيَّرَ عَهْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَلَقَد رَأَيْته فِي النَّار يجر نَصبه يُؤْذِي أهل النَّار برائحته وَأَوَّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحَائِرَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِج عمد إِلَى ناقتين لَهُ فجذع أذنيهما وَحَرَّمَ أَلْبَانَهُمَا وَظُهُورَهُمَا ثُمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشَرِبَ أَلْبَانهَا وَركب ظهورهما وَلَقَد رَأَيْته وإياهما يخبطانه بأخفافهما ويعضانه بأفواههما» قَالَ صابح الْبَيَانِ كَانُوا إِذَا النَّاقَةُ تَابَعَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أُنْثَى لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ سُيِّبَتْ فَلَمْ تُرْكَبْ وَلَا يُجَزُّ وَبَرُهَا وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ وَمَا أَنْتَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثًى شُقَّ أُذُنُهَا وَخُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمِّهَا فِي الْإِبِلِ لَا يُرْكَبُ ظَهْرُهَا وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ فَهِيَ الْبَحِيرَةُ ابْنَةُ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةُ الشَّاةُ تُنْتِجُ عَشْرَ إِنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ جُعِلَتْ وَصِيلَةً وَكَانَ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ إناثهم إِلَّا أَن يَمُوت مِنْهَا شَيْء فيشركون فِي أَكْلِهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ الْحَامِي الْفَحْلُ يَتِمُّ لَهُ عَشْرُ إِنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ فَيُحْمَى ظَهْرُهُ فَلَا يُرْكَبُ وَلَا يُجَزُّ وَبَرُهُ وَيُخَلَّى فِي إِبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لغير ذَلِكَ فَالسَّائِبَةُ مِنَ السَّيَابِ وَالْبَحِيرَةُ مِنَ الْبَحْرِ وَهُوَ الشَّقُّ وَمِنْهُ الْبَحْرُ لِأَنَّهُ شَقٌّ فِي الأَرْض والحام مِنَ الْحِمَى وَهُوَ الْمَنْعُ وَالْوَصِيلَةُ مِنَ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ أَرْبَابَهَا بِوَلَدِهَا وَقَالَ قَتَادَةُ الْبَحِيرَةُ النَّاقَةُ تَلِدُ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ فَإِنْ كَانَ الْخَامِسُ ذكرا كَانَ للرِّجَال دون النِّسَاء أَو اثنى شَقُّوا أُذُنَهَا وَأَرْسَلُوهَا لَا يُنْحَرُ لَهَا وَلَدٌ وَلَا يشرب لَهَا لبن وَلَا تركب والسايبة النَّاقة تسبب وَلَا تُمْنَعُ حَوْضًا تَشْرَبُ فِيهِ وَلَا مَرْعًى تَرْتَعُ فِيهِ وَالْوَصِيلَةُ الشَّاةُ تَلِدُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ فَإِن كَانَ السَّابِع ذكرا ذيح وَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ وَقِيلَ الْوَصِيلَةُ الشَّاةُ تَلِدُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ فَيَذْبَحُونَ السَّابِعَ إِنْ كَانَ جَدْيًا وَإِنْ كَانَ عنَاقًا فاستحويهما كِلَيْهِمَا وَقَالُوا الْجَدْيُ وَصِيلَةُ أُخْتِهِ فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} وَسِرُّ التَّحْرِيمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِذَلِكَ وَكَيْفِيَّتِهِ فَمُثِّلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارُ فِي الدُّنْيَا فَرَأَى فِيهَا عَمْرًا مُمَثَّلًا فِيهَا يَجُرُّ قَصَبَهُ وَهِيَ مَصَارِينُهُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ.

.النَّوْعُ الثَلَاثُونَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى:

قَالَ صَاحب الاستذكار اخْتلف فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» فَقِيلَ الْخِلْقَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} أَيْ خَالِقَهَا أَيْ فَارِغٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَقِيلَ الِاسْتِقَامَةُ كَقَوْلِ مُوسَى للخضر {أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس} وَكَانَ طفْلا وَقِيلَ الْإِسْلَامُ قَالَهُ عَامَّةُ السَّلَفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} أَيْ دِينَ اللَّهِ وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ كَمَا تناتج الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَا هَلْ تُحِسُّ مِنْ جذعا أَيْ خُلِقَتْ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ وَكَذَلِكَ الْمَوْلُودُ خُلِقَ سَلِيمًا مِنَ الْكُفْرِ وَقِيلَ الْبَدْأَةُ أَيْ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَا ابْتَدَأَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ من الشَّقَاء أَو السَّعَادَة والفاطر المتبدئ ويعضده قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ فريقا هدى وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة} وَقِيلَ الْفِطْرَةُ الْإِيمَانُ طَوْعًا وَكَرْهًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِلذُّرِّيَّةِ يَوْمَ الْبَذْرِ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بلَى} فَأَهْلُ السَّعَادَةِ قَالُوهَا عَنْ عِلْمٍ وَأَهْلُ الشَّقَاءِ قَالُوهَا عَنْ إِكْرَاهٍ وَجَهْلٍ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكرها} قَالُوا وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ}.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَتْ طَائِفَةٌ أَوْلَادُ النَّاسِ كُلِّهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ الْأَطْفَالُ إِذَا مَاتُوا مَوْكُولُونَ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ مِنْ نَعِيمٍ وَعَذَابٍ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا بِهِ عَامِلِينَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي الْمَشِيئَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا من الْمُسلمين من يَمُوت لَهُ ثَلَاث مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ» وَقِيلَ الْأَطْفَالُ كآبائهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَقِيلَ أَوْلَادُ الْكُفَّارِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ يُمْتَحَنُونَ بِنَارٍ تُؤَجَّجُ لَهُمْ مَنْ دَخَلَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِلَّا دَخَلَ النَّارَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ الْكَلَامَ فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ فِي الْفِطْرَةِ وَسِتَّةٌ فِي الْأَطْفَالِ.

مَسْأَلَةٌ فِي التَّنَعُّمِ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْعَجَمِ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَعُّمَ بِالْمُبَاحِ يُسْأَلُ عَنْهُ وَعَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ يَوْمِكُمْ هَذَا وَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا مَعَكَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عته {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} قَالَ مَالِكٌ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْمَدِينَةِ مُنْخُلٌ يُنْخَلُ بِهِ دَقِيقٌ بَلْ يُطْحَنُ الشَّعِيرُ ثُمَّ يُنْفَضُ فَمَا طَارَ طَارَ وَمَا بَقِيَ بَقِيَ وَلَكِنَّهُمُ اتَّسَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفُتُوحَاتِ فَكَانَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فَكَانَتْ تَرِكَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ بَعْدَ أَدَاءِ دَيْنِهِ وَهُوَ مِائَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ وَكَانُوا فِي الْحَالَيْنِ مَشْكُورِينَ صَبَرُوا عِنْدَ الْقِلَّةِ وَجَادُوا عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَكُتِبَتْ لَهُمْ أُجُورُ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ وَكَانَ مَالُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْف يقطع بالفؤس وَنَابَ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ فِي نَصِيبِهَا مِنَ الثّمن ثَمَانِينَ أَلْفًا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى عَلَى أَرْبَعِةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ الْغِنَى أَفْضَلُ وَقِيلَ الْفَقْرُ وَقيل الكفاف وَقيل الْوَقْف وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَقُومُ فِي كُلِّ حَالَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا أَمَّا مَنْ لَا يَقُومُ بِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَالَةَ الْأُخْرَى أَفْضَلُ لَهُ فَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى» وَالْفَقْرُ وَالْغِنَى لَيْسَا حَسَنَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِآثَارِهِمَا فِي النَّاسِ قَالَ وَالَّذِي أَرَاهُ تَفْضِيلَ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ وَتَفْضِيلَ الْفَقْرِ عَلَى الْكَفَافِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {واسألوا الله من فَضله} وَقَوله تَعَالَى {ووجدك عائلا فأغنى} وقَوْله تَعَالَى {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ} وقَوْله تَعَالَى {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ وفضلا} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ» وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَكَانَ يَدَّخِرُ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قبل ذَلِك وَنهي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن إِضَافَة الْمَالِ وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَكُلُّ مَا يتَصَوَّر من الْفَقِير من الصَّبْر والرضى يُتَصَوَّرُ مِنَ الْغَنِيِّ فِي الْإِيثَارِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الْغَنَى مِنَ الْقُرُبَاتِ يُتَصَوَّرُ مِنَ الْفَقِيرِ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْتُ إِنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْكَفَافِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَفَافِ يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْكَفَافِ وَالْفَقِيرُ يُؤْجَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ الصَّبْرُ وَالرِّضَا احْتَجُّوا لِتَفْضِيلِ الْفَقْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْر حِسَاب} وَبِأَنَّ الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَام وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفُقَرَاءُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ أَيْسَرُ حسابا وَأَقل سؤالا لَا من أبن اكْتَسَبْتَ وَفِيمَا أَنْفَقْتَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يُسَاوُونَهُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْإِيسَارِ وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى وَعَنِ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْقِهِمْ لِلدُّخُولِ أَنْ تَكُونَ دَرَجَتُهُمْ أَعْلَى وَلَا مُسَاوِيَةً وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ أَكْثَرُ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عُلُوُّ الدَّرَجَةِ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ نَعِيمًا لِقَوْمٍ وَعَذَابًا لِقَوْمٍ فَالْمُحْسِنُ يُجِيبُ بِحَسَنَاتِهِ فَيَنْعَمُ بِذَلِكَ والمسيء يُجيب عَن السُّؤَال بِفِعْلِهِ الْقَبِيح وَتَصَرُّفِهِ الدَّنِيءِ فَيَتَعَذَّبُ بِجَوَابِهِ فَلَا يَضُرُّ الْغَنِيَّ الشاكر السُّؤَال بل يَنْفَعهُ وَاحْتج مفضل الْكَاف بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ ازرق آلَ مُحَمَّدٍ الْكَفَافَ وَاجْعَلْ قُوتَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا» وَدَخَلَ عَبَّادٌ عَلَى ابْنِ هُرْمُزَ فِي بَيْتِهِ فَرَأَى فِيهِ أَسِرَّةً ثَلَاثَةً عَلَيْهَا ثَلَاثُ فُرُشٍ وَوَسَائِدُ وَمَجَالِسُ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا هَذَا فَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ وَلَيْسَ الَّذِي تَقُولُ بِشَيْءٍ أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَى هَذَا وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَمَا فَضَلَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَلَبِسَ مِنْ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَأَكَلَ مِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَرَكِبَ مِنْ جَيِّدِ الْمَرَاكِبِ فَحَسَنٌ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي مُسْلِمٍ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى «يَا عَبْدِي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحِسَابُ وَالْمُسَاءَلَةُ لايدخلان فِي الْمُبَاحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُسَاءَلَةَ تَكُونُ نَعِيمًا لِقَوْمٍ وَعَذَابًا لِقَوْمٍ وَكَذَلِكَ الْحِسَابُ عِنْدَ الطَّاعَاتِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُطِيعِ نَعِيمٌ لَهُ وَعِنْدَ الْعَاصِي عَذَابٌ لَهُ وَإِلَّا فَاللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَاءَلَةِ مَعْنًى وَلَا لِلْحِسَابِ مَعْنًى وَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمُبَاحِ لِانْتِفَاءِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ مُضَافٍ فِي قَوْله تَعَالَى {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} تَقْدِيرُهُ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ شُكْرِ النَّعِيمِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَتُسْأَلُنَّ عَنْ شُكْرِ نَعِيمِ يَوْمِكُمْ هَذَا وَشُكْرُ الله تَعَالَى طَاعَته وطاعته مسؤول عَنْهَا».
مَسْأَلَةٌ فِي الْحَيَاءِ:
فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ» قَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَى خُلُقُ الْإِسْلَامِ أَيْ شَأْنُهُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ وَجُعِلَ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِهِ وَالْمُرَادُ فِيهَا شُرِعَ الْحَيَاءُ فِيهِ دُونَ الْحَيَاءِ الْمُفْضِي لِتَرْكِ تَعْلُّمِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مستحي وَلَا مُتَكَبِّرٌ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَالْقِيَامُ بِحَقِّ الشَّهَادَةِ وَالْجِهَادُ فِي الله تَعَالَى وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ» أَيْ مِنْ جِنْسِهِ بَيْنَهُمَا جِنْسٌ عَامٌّ وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَحُثُّ عَلَى الْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ وَكَذَلِكَ الْحَيَاءُ يَحُثُّ عَلَى الْمَكَارِمِ وَيَنْهَى عَنِ الْمَسَاوِئِ.

مَسْأَلَةٌ فِي الْغَضَبِ:
فِي الْمُوَطَّأِ جَاءَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تغْضب وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» قَالَ الْبَاجِيُّ جَمَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَامِعَ الْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ الْآثَامَ وَعَلَى النَّاسِ فِي مُعَادَاتِهِ وَتَفُوتُ عَلَيْهِ مَصَالِحُ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَمَعْنَى لَا تغْضب لَا تمْضِي مَا يَبْعَثُكَ عَلَيْهِ غَضَبُكَ فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ آثَارُ الْغَضَبِ لَا الْغَضَبُ لِأَنَّهُ يَهْجِمُ عَلَى النَّفْسِ قَهْرًا عِنْدَ أَسْبَابِهِ وَيَتَفَاضَلُ النَّاسُ أَيْضًا فِي مُدَافَعَةِ الْغَضَبِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَبِسَبَبِ الْمُدَافَعَةِ لَا يَغْضَبُ مِنَ السَّبَبِ الْحَقِيرِ وَهَذَا فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا وَأَمَّا فِي الْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَقَدْ يَجِبُ الْغَضَبُ فِي الْجِهَادِ وَأَهْلِ الْعِنَادِ بِالْبَاطِلِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى الْخَيْرِ وَيَحُثُّ عَلَى تَرْكِ الشُّرُورِ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْكَ فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلِمَ مِنْهُ كَثْرَة الْغَضَب فخصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ وَالصُّرَعَةُ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ أَنْ يَصْرَعَ النَّاسَ كَالْهُزَأَةِ وَالضُّحَكَةِ وَالنُّوَمَةِ وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الشِّدَّةِ عَنْهُ فَإِنَّهُ بِالضَّرُورَةِ شَدِيدٌ بَلْ أَرَادَ نَفْيَ الشِّدَّةِ التَّامَّةِ أَوِ الشِّدَّةِ النَّافِعَةِ فَإِنَّ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ هُوَ أَعْظَمُ شِدَّةً وَانْفَتح نفعا عَظِيما كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْكَرِيمُ يُوسُفُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْ غَيْرِهِ بَلْ أَرَادَ إِثْبَاتَ مَزِيَّةٍ لَهُ فِي الْكَرَمِ مَنْفِيَّةٍ عَنْ غَيْرِهِ.

مَسْأَلَةٌ فِي الضِّيَافَةِ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ أَوَّلُ مَنْ ضَيَّفَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ تَعَالَى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيم الْمُكرمين} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ أُكْرِمُوا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَخَالَفَهُ جَمِيعُ الْفُقَهَاء لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُكْرِمْ وَالْإِكْرَامُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ قَالَ فَلْيُضِفْهُ اتَّجَهَ وَقَدْ يَجِبُ لِلْمُجْتَازِ الْمَضْرُورِ بِالْجُوعِ قَالَ مَالِكٌ الضِّيَافَةُ إِنَّمَا تَتَأَكَّدُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا ضِيَافَةَ فِي الْحَضَرِ لِوُجُودِ الْفَنَادِقِ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ الْقُرَى يَقِلُّ الْوَارِدُ إِلَيْهَا فَلَا مَشَقَّةَ بِخِلَافِ الْحَضَرِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَعْرِفَةِ وَمَنْ بَيْنَكُمَا مَوَدَّةٌ وَإِلَّا فَالْحَضَرُ والقرى سَوَاء قَالَ عِيسَى ابْن دِينَارٍ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَنْ يُتْحِفَهُ وَيُكْرِمَهُ جَهْدَهُ أَوْ تَخْتَصُّ الْجَائِزَةُ بِمَنْ لَمْ يُرِدِ الْمُقَامَ وَالثَّلَاثُ بِمَنْ أَرَادَهَا وَالزِّيَادَةُ صَدَقَةٌ أَيْ غَيْرُ مُتَأَكَّدَةٍ.

مَسْأَلَةٌ فِي الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ:
فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» قَالَ الْبَاجِيُّ يَكُونُ النَّاسُ فِي حَرِّ الشَّمْسِ إِلَّا مَنْ يُظِلُّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أَمْنَعُهُ مِنَ الْمَكَارِهِ وَأَصْرِفُ عَنْهُ الْأَهْوَالَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ حر وَلَا شمس وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي» وَفِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ طَاعَتِي يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَوْلُنَا أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ أَيْ بِسَبَبِ طَاعَةِ اللَّهِ يُحِبُّ وَبِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ يُبْغِضُ.

مَسْأَلَةٌ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ وَاقْتِنَائِهَا:
وَفِي الْمُوَطَّأ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ ضَرْعًا وَلَا زَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قِيرَاطَانِ قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ مَالِكٌ تُتَّخَذُ الْكِلَابُ لِلْمَوَاشِي قِيلَ لَهُ فَالنَّخَّاسُونَ الَّذِينَ يَدَعُونَ دَوَابَّهُمْ قَالَ هِيَ كَالْمَوَاشِي لَا تُتَّخَذُ خَوْفَ اللُّصُوصِ فِي الْبُيُوتِ إِلَّا أَنْ تَسْرَحَ مَعَ الدَّوَابِّ فِي الرَّعْيِ وَلَا يتَّخذ الْمُسَافِر كَلْبا يحسره وَسَبَبُ الْمَنْعِ تَرْوِيعُ النَّاسِ بِهَا وَتَجُوزُ لِلصَّيْدِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ قِيرَاطٍ وَقِيرَاطَيْنِ أَنَّ الْقِيرَاطَيْنِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي يَكْثُرُ تَرْوِيعُهُ لِلنَّاسِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ مَالِكٌ تُقْتَلُ الْكِلَابُ مَا يُؤْذِي مِنْهَا وَمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَالْفُسْطَاطِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهَا حَالَ حَيَاتِهَا وَلَا تُتَّخَذُ عَرَضًا وَلَا تقتل جوعا وَلَا عطشا لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» وَقَالَ (ش) لَا تُقْتَلُ الْكِلَابُ وَهَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن قتل الْكلاب إِلَّا الْأسود البيهم وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ نَسْخَهُ إِمَّا لِعَدَمِ بُلُوغِ النَّاسِخِ لَهُ أَوْ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ.

مَسْأَلَةٌ فِيمَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ:
وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِنَعْجَةٍ تُحْلَبُ «مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثمَّ قَالَ من يحلب هَذِه فَقَالَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ احْلُبْهَا» قَالَ الْبَاجِيُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا يَقْبُحُ مِنْهَا وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَسْمَائِهِمْ لِيُنَادِيَهُمْ بِهَا أَوْ لِيَتَفَاءَلَ بِهَا وَغَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ ابْنَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةَ فَسَمَّاهَا جَمِيلَةَ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الطِّيَرَةِ أَنَّ الطِّيَرَةَ لَيْسَ فِي لَفْظِ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ مَا يُكْرَهُ بَلْ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ الْفَاسِدِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَالْمَنْعُ فِي الْأَسْمَاءِ لِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ الْقُبْحُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِمُخَالَفَةِ الدِّينِ كَمَا كَرِهَ اسْمَ امْرَأَةٍ اسْمُهَا بَرَّةُ فَقَالَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب قَالَ مَالك وَلَا يُسمى بياسمين وَلَا بِمَهْدِيٍّ وَلَا جِبْرِيلَ وَالْهَادِي أَقْرَبُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ يَقُولُ اللَّهُ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} يَقُولُ هَذَا اسْمِي يس قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قِيلَ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ هُوَ اسْمُ الْقُرْآنِ فَعَلَى هَذَيْنِ تَمْتَنِعُ التَّسْمِيَةُ بِهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ يَا إِنْسَانُ بِالْحَبَشِيَّةِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِفْتَاحٌ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ كَلَامَهُ فَعَلَى هَذَيْنِ تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِهِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ للْخلاف فِيهِ وَفِي المنتفى نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن نسمي رفيقنا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ ثَمَّ هُوَ فَتَقُولُ لَا وَقَدْ تَمْتَنِعُ التَّسْمِيَةُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعَاظُمِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخْنَعَ الْأَسْمَاءِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِشَاهٍ شَاهْ مَالِكِ الْأَمْلَاكِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَلْحَقُ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بحياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سموا باسمي وَلَا تتكنوا بكنيتي وَإِمَّا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» فَنَهَى أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ أَحَدًا أَبَا الْقَاسِمِ لِأَنَّ رَجُلًا نَادَى رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ وَهَذَا عدم بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ يُكَنَّى بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَحَدَّثُونَ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا رَأَوْا خَيْرًا وَرُزِقُوا وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَسْمَاءِ مَا فِيهِ عبودية لله تَعَالَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحَبُّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» وَالْكُنَى عَلَى ضَرْبَيْنِ صَادِقَةٌ وَكَاذِبَةٌ نَحْوُ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو إِبْرَاهِيم لإسماعيل فَأخْبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُنْيَتَهُ صَادِقَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْكُنْيَةُ أَبُو الْقَاسِمِ وَهُوَ قَاسِمُ الْغَنَائِمِ لَا أَبُو الْقَاسِمِ قُلْنَا الْأَبُ هُنَا لَيْسَ عَلَى بَابِهِ كَالِابْنِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ السَّبِيلَ وَالْقِسْمَةُ أَشْبَهَتْ مُلَازَمَةَ الِابْنِ أُمَّهُ أَوِ الْأَبِ ابْنَهُ وَمِنْهُ أَبُو الْفَضْلِ وَأَبُو الْمَكَارِمِ.

مَسْأَلَةٌ فِي الرِّفْقِ بالمملوك:
فِي الْمُوَطَّأ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للملوك كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ قَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَى بِالْمَعْرُوفِ مَا يَلِيق بِهِ فِي حَاله ونفاده فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُسَاوِيَ سَيِّدُهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّسْوِيَةِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَنَحْوِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ بَيْعُ عَبْدِهِ إِذَا اشْتَكَى الْغُرْبَةَ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ يَا سَيِّدِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَاب} {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قِيلَ لَهُ يَقُولُونَ السَّيِّدُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إِنَّ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

مَسْأَلَةٌ فِي تَحَرِّي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ وَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُ مُهْلِكُكَ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا يَلْزَمُكَ أَنْ تَصْدَعَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ لما ترجوه من الصدْق والفلاح وتحشاه مِنَ الْفَسَادِ فَالْكَذِبُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَتَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ ظَنَنْتَ الْهَلَاكَ فَإِنْ تَيَقَّنْتَهُ فَتَسْكُتُ وَلَا يَحِلُّ لَكَ الْكَذِبُ إِلَّا أَنْ تُضْطَّرَ إِلَى ذَلِكَ بِالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُكَ الصدْق وَإِن خِفْتَ عَلَى نَفْسِكَ فِيمَا عَلَيْكَ مِنَ الْحُقُوقِ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِ وَالْكَذِبُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ كَذِبٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ نَحْوُ طَارَ الْغُرَابُ فَيَحْرُمُ إِجْمَاعًا وَكَذِبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ نَحْوُ فَعَلَ زَيْدٌ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تُخَلِّصُ مِنْهُ التَّوْبَةُ بِخِلَافِ الثَّانِي بَلْ يُحَلِّلُهُ صَاحِبُهُ أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَكَذِبٌ لَا يَضُرُّ أَحَدًا يَقْصِدُ بِهِ خَيْرًا نَحْوُهُ فِي الْحَرْبِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذِبُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ فِيمَا يَعِدُهَا بِهِ وَيَسْتَصْلِحُهَا بِهِ فَقَدَ جَوَّزَتْهُ السُّنَّةُ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ إِلَّا الْمَعَارِيضُ وَقِيلَ مَعَارِيضُ الْقَوْلِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ قَالَ وَأَرَاهُ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِلْغَازِ فَيُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ فَيُعَرِّضُ عِرْضَهُ لِلْفَسَادِ وَكَذِبٌ فِي دَفْعِ مَظْلَمَةٍ لِظَالِمٍ يُرِيدُ أَحَدًا بِالْقَتْلِ أَوِ الضَّرْبِ فَيُنْكِرُ مَوْضِعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ فَيَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّفْعِ عَنِ الْمَعْصُومِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جنَاح عَلَيْك قَالَ الْبَاجِيّ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ يُرِيدُ كَذِبًا يُنَافِي الشَّرْعَ أَمَّا الْإِصْلَاحُ فَلَا وَقَوْلُهُ أَعِدُهَا يَحْتَمِلُ أَعِدُهَا وَأَنَا أُرِيدُ الْوَفَاءَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْكَذِبُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَاضِي وَالْخُلْفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ قَابِلٌ لِلْوُقُوعِ عَلَى وَفْقِ الْوَعْدِ وَالْمَاضِي تَعَيَّنَ كَذِبُهُ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إخلاف الْوَعْد كذب وَإِنَّمَا أنكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ صُورَةَ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْكَذِبَ أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَمَّا جَاءَ بِلَفْظٍ حَسَنٍ أَذِنَ لَهُ.

مَسْأَلَة عَذَاب الْعَامَّة بدنوب الْخَاصَّةِ:
وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبْثُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَعَارَضَ هَذِهِ النُّصُوصَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَة وزر أُخْرَى} وقَوْله تَعَالَى {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.

مَسْأَلَةٌ فِي سُؤَالِ الْعَطَاءِ مِنَ النَّاسِ:
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ دينية أَو دينوية وَجَبَتْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْمَشَقَّةُ دُونَ الْحَاجَةِ نُدِبَ إِلَيْهَا إِذْ يَجُوزُ لَهُ احْتِمَالُ الْمَشَقَّةِ أَوْ لِشَهْوَةٍ كُرِهَتْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا أُبِيحَتْ وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَمَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ هِيَ الْآخِذَةُ لِأَنَّهَا يَدُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ المتفقة مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي.

مَسْأَلَةٌ فِي التَّوَاضُعِ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِر سَبِيل» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَفِي رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ إِذَا رَفَعَ بِنَفْسِهِ ضَرَبَهُ بِهَا وَقَالَ انْخَفِضْ خَفَضَكَ اللَّهُ وَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ بِهَا وَقَالَ ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللَّهُ.

مَسْأَلَةٌ فِي التَّحَلُّل من الظَّالِم:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ تَسَلَّفَ مِنْكَ وَهَلَكَ لَا مَالَ لَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ تُحَلِّلَهُ بِخِلَافِ الَّذِي يَطْلُبُكَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي التَّحَلُّلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ التَّحْلِيلُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ فَلْيَقُمْ فَيَقُومُونَ الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ» وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجره على الله} الثَّالِثُ تَفْرِقَةُ مَالِكٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ للحسنات يَوْم الْقِيَامَة وَجه التَّفْرِقَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاس} فَرَأى مَالك أَن ترك المحالة عُقُوبَةٌ وَزَجْرٌ لَهُ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَالْعَفْوُ عَنِ الظَّالِمِ وَالصَّفْحُ عَنْهُ أَفْضَلُ فِي بَدَنِهِ وَمَالِهِ.

مَسْأَلَةٌ فِي رَفْعِ الْيَدِ فِي الدُّعَاءِ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يَرْفَعُهُمَا جِدًّا قَالَ وَأَجَازَ الرَّفْعَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدُّعَاءِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَعَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِمَا وَعَنْهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

مَسْأَلَةٌ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْحَوَائِطِ وَنَحْوِهَا:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ الْمَارُّ بِالْبَسَاتِينِ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا لِأَنَّ أُجَرَاءَهَا يَطْعَمُونَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ مِنَ الرُّعَاةِ إِذَا لَمْ يَطْعَمْهُ أَرْبَابُ الْمَاشِيَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْحَوَائِطَ فَوَجَدَ ثَمَرَةً فِي الْأَرْضِ فَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ رَبُّهَا وَلَا يَأْكُلُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَائِطِ صَدِيقَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ لقَوْله تَعَالَى {أَو صديقكم} فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّدِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ لِلْمُحْتَاجِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا جُذَّتِ النَّخْلُ وَبَقِيَ فِيهَا شَيْءٌ إِنْ عَلِمْتَ طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهَا لَكَ أَكْلُهُ وَأَخْذُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَذِنَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يرَاهُ فَلَا بُد من إِذْنه وَلَعَلَّه يَسْتَحِي مِنْهُ أَوْ يَخَافُهُ.

مَسْأَلَةٌ فِيمَا يُتَعَلَّمُ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ:
قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ يَتَعَلَّمُ مِنْهَا مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ وَأَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَمَا مَضَى مِنْهُ وَلِيَهْتَدِيَ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَعْرِفَ مَوَاضِعَهَا مِنَ الْفَلَكِ وَأَوْقَاتِ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر} وَأَمَّا مَا يُفْضِي إِلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَوَقْتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اشْتِغَالٌ بِغَيْرٍ مُفِيدٍ وَكَذَلِكَ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْكُسُوفَاتِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ بِالْحِسَابِ فَيُزْجَرُ عَنِ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ الْمُنَجِّمُ مِنَ الْغَيْبِ مِنْ نُزُولِ الْأَمْطَارِ أَوْ غَيْرِهِ فَقِيلَ ذَلِكَ كفر يقتل بِغَيْر اسْتِتَابَة لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بالكوكب وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِك كَافِر بِي مُؤمن بالكوكب وَقِيلَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقِيلَ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ وَلَيْسَ اخْتِلَافًا فِي قَوْلٍ بَلْ بِاخْتِلَافِ حَالٍ فَإِنْ قَالَ إِنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَقِلَّةٌ بِالتَّأْثِيرِ قُتِلَ وَلَمْ يستتب إِن كَانَ يسرته لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَإِنْ أَظْهَرَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ عِنْدَهَا زُجِرَ عَنْ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ الْكَاذِبِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ قَالَ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيمَا يُصِيبُونَ فِيهِ أَن ذَلِك على وَجه الْغَالِب هُوَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا نَشَأَتْ سَحَابَةٌ بَحْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ».

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُعَلَّمُ أَبْنَاءُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْكِتَابَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الْبَاطِلِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والعدوان}.

مَسْأَلَةٌ:
الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِمُ الْمَدَارُ وَهُمُ الْبَرَكَةُ وَأَسْمَاؤُهُمْ مُهِمَّةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ نُظِمُوا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَلَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ ** فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنِ الْحَقِّ خَارِجَةْ

فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ ** سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَةْ


مَسْأَلَةٌ فِيمَا فِيهِ التَّيَامُنُ:
قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهُ وَقَالَ إِذَا توضأتم فابدؤوا بأيمانكم» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشَمَالِهِ وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ» فَكَانَتْ يَده الْيُمْنَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامِهِ وَطَهُورِهِ وَالْيُسْرَى لِحَاجَتِهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْأَذَى قَالَ فَإِنْ فَعَلَ مَا يُفْعَلُ بِالْيُمْنَى بِالشِّمَالِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَأْثَمْ وَالَّذِي لِلشِّمَالِ الأذي كُله وَقد نهي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ بَاطِنَ قَدَمَيْهِ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلَا بَاطِنَ قَدَمَيْهِ وَلَا يَتَمَخَّطَ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَتَمَخَّطُ بِيَمِينِهِ وَيَنْزِعُ الْأَذَى مِنْ أَنْفِهِ بِيَمِينِهِ وَامْتَخَطَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِيَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ بِشِمَالِكَ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ يَمِينِي لِوَجْهِي وَشِمَالِي لِحَاجَتِي وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

مَسْأَلَةٌ مَا يُؤْتَى مِنَ الْوَلَائِمِ:
قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةُ الْإِجَابَةِ إِلَيْهَا وَهِي الْوَلِيمَة فِي النِّكَاح لأَمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَمُسْتَحَبُّ الْإِجَابَةِ وَهِيَ الْمَأْدُبَةُ وَهِيَ الطَّعَامُ يُعْمَلُ لِلْجِيرَانِ لِلْوِدَادِ وَمُبَاحَةُ الْإِجَابَةِ وَهِيَ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مَذْمُومٍ كَالْعَقِيقَةِ لِلْمَوْلُودِ وَالنَّقِيعَةِ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَالْوَكِيرَةِ لِبِنَاءِ الدَّارِ وَالْخُرْسِ لِلنِّفَاسِ وَالْإِعْذَارِ لِلْخِتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَكْرُوهٌ وَهِيَ مَا يُقْصَدُ بِهَا الْفَخر والمحمدة لَا سِيمَا أهل الْفضل والهيآت لِأَنَّ إِجَابَةَ مِثْلِ ذَلِكَ يَخْرِقُ الْهَيْبَةَ وَقَدْ قِيلَ مَا وَضَعَ أَحَدٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ أَحَدٍ إِلَّا ذَلَّ لَهُ وَمُحَرَّمُ الْإِجَابَةِ وَهِيَ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْقَاضِي.

مَسْأَلَةٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَا تُنَزَّهُ عَنْهُ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} فَتُنَزَّهُ عَمَّا عَدَا هَذَا وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ تُنَزَّهُ الْمَسَاجِدُ عَنْ عَمَلِ الصِّنَاعَاتِ وَأَكْلِ الْأَلْوَانِ وَالْمَبِيتِ فِيهَا إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لِلْغُرَبَاءِ وَمِنَ الْوُضُوءِ فِيهَا وَاللَّغَطِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَقْذَارِ كُلِّهَا والنجاسات وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صيانكم وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَاجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِهَا» وَفِي الْكِتَابِ يُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ وَيَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ عَمِلَهُ لِلسَّكَنِ أَوْ مَخْزَنًا لِأَنَّ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ وَلَهُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فِي الْحُرْمَةِ فَلَا يُجَامَعُ وَلَا يُبَالُ فِيهِ وَيَأْكُلُ مَا لَا يُزَفِّرُ وَلَا يَجْمَعُ الذُّبَابَ وخفف فِي مَسَاجِد الْقرى فِي الطَّعَام وَالْمَيِّت لِلْأَضْيَافِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَسْجِدِ وَجوز مَالك التعزيز بِالْأَسْوَاطِ الْيَسِيرَةِ بِخِلَافِ الْكَثِيرَةِ وَالْحُدُودِ وَجَوَّزَ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَجَوَّزَ أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا ثَوْبًا عَلَيْهِ أَوْ سِلْعَةً تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهَا وَجَوَّزَ مَالِكٌ كَتْبَ الْمُصْحَفِ فِيهِ وَكَرِهَ سَحْنُونٌ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ فِيهِ قَالَ الْبَاجِيُّ إِنْ مَنَعَهُ لَعِلَّةِ التَّوَقِّي جَازَتْ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ أَوْ لِأَنَّهُ صَنْعَةٌ مُنِعَتْ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ لَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ الْبُنْيَانِ تَحْتَ الْمَسْجِدِ قَالَ سَنَدٌ إِنْ بَنَيْتَ مَسْجِدًا فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَبْنِيَ تَحْتَهُ مَسْجِدًا مُنِعَ لِتَعَيُّنِ النَّفَقَةِ لِلْمَسْجِدِ وَإِنْ بَنَيْتَ مَسْجِدًا عَلَى شُرُفٍ فَأَرَادَ آخَرُ أَنْ يَنْقُبَ تَحْتَهُ بَيْتًا مُنِعَ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَنْقُبَ بَيْتًا يَرْتَفِقُ بِهِ الْمَسْجِدُ جَازَ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْبَيْتِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بَلْ يَدْخُلُهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِ سَطْحِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يُرْفَعُ فِي السَّمَاءِ وَلَا يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا وَلَوْ كَانَ تَحْتَهَا مَطْمُورَةٌ أَوْ سَرَبٌ امْتَنَعَ التَّنَفُّلُ قَالَ وَقَوْلُهُ لَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ أَمَّا إِذَا بَنَى فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يُبِيحُهُ لِلنَّاسِ يَجْمَعُ فِيهِ أَهْلَ بَيْتِهِ وَمَنْ يَتَضَيَّفُ بِهِ فَيُورَثُ وَيُغَيَّرُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَمِمَّا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنَ الْبِدَعِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِيهِ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أمرت بتَشْديد الْمَسَاجِد» قَالَ ابْن عَبَّاس أما وَالله لنزخرفنها كَمَا زخرفت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ فِي مَسْجِدِهِ بَلْ عَرِيشٌ كعريش أخي مُوسَى ثمام وحشبات وَالْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا زَيَّنُوا مَسَاجِدَهُمْ فَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ قَالَ مَالِكٌ وَكَرِهَ النَّاسُ مَا عُمِلَ فِي مَسْجِد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفُسَيْفِسَاءِ يَعْنِي الْفُصُوصَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُكْتَبُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ قُرْآنٌ وَلَا غَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَحْسِينُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَتَجْصِيصُهَا مُسْتَحَبٌّ وَالْمَكْرُوهُ تَزْوِيقُهَا بِالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ وَالْكِتَابَةُ فِي قبلتها وَالِابْن نَافِع وَابْن وهب تزين الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُهَا بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ مِثْلِ الْكِتَابَةِ فِي قِبْلَتِهَا مَا لَمْ يَكْثُرْ حَتَّى يَصِلَ لِلزَّخْرَفَةِ الْمنْهِي عَنْهَا.
فرع:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَرِهَ مَالِكٌ الدُّعَاءَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَرَاهَةً شَدِيدَة لِأَنَّهُ بِدعَة وَكره الْإِتْيَان بالمراوح بتروح بِهَا الْقَوْمُ لِأَنَّهَا رَفَاهِيَةٌ وَالْمَسَاجِدُ مَوْضِعُ عِبَادَةٍ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ.
فرع:
قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْحَوَادِثِ وَالْبِدَعِ كَرِهَ مَالِكٌ الْقَصَصَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي أَدْعُ اللَّهَ وَأَقُصَّ وَأُذَكِّرِ النَّاسَ فَقَالَ عُمَرُ لَا فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَتُرِيدُ أَنَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَاعْرِفُوا بِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُجْلَسُ إِلَيْهِمْ وَإِنَّهُ لَبِدْعَةٌ وَلَا يَسْتَقْبِلُهُمُ النَّاسُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُلْفَى خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَيَقُولُ مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا صَوْتُ قَاصِّكُمْ وَلَمْ يَظْهَرِ الْقُصَّاصُ إِلَّا بَعْدَ زَمَانِ عُمَرَ وَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدَ أَخْرَجَ الْقُصَّاصَ مِنْهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحَسَنِ يَتَكَلَّمُ فِي عُلُومِ الْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَاسْتَمَعَ لَهُ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِعَانَةُ رَجُلٍ فِي حَاجَةٍ خَيْرٌ مِنَ الْجُلُوسِ لِقَاصٍّ.
فرع:
قَالَ وَلَا يُتَحَدَّثُ بِالْعُجْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا قِيلَ إِنَّهَا خِبٌّ وَلَا يَرْقُدُ شَابٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ لَهُ بَيْتٌ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُيُوتٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِالْقَايِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ وَالنَّوْمِ لِلْحَاضِرِ الْمُقِيمِ وَلَا يَتَّخِذُهُ سَكَنًا إِلَّا رَجُلٌ تَبَتَّلَ لِلْعِبَادَةِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ إِذَا كَانَ وُضُوؤُهُ وَمَعَاشُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ فِرَاشًا فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْلِسَ عَلَيْهِ وَالْوِسَادَةَ يَتَّكِئُ عَلَيْهَا وَقَالَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَرَخَّصَ فِي الْمُصَلَّيَاتِ وَنَحْوِهَا مِنَ النِّخَاخِ وَحُصْرِ الْجَرِيدِ وَكَانَتْ إِلَّا مَا تَعَلَّقَ فِي الْمَسْجِد على عهد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأضياف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمساكني يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيُجْعَلُ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَاءُ الْعَذْبُ للشُّرْب وَكَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيكرهُ قتل القفلة وَدَفْنُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَقْتُلُهَا بَيْنَ النَّعْلَيْنِ وَلَا يَطْرَحُهَا مِنْ ثَوْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ الْبُرْغُوثُ وَهُوَ أَخَفُّ قَالَ مَالِكٌ وَلْيَصُرَّهَا حَتَّى يَقْتُلهَا خَارج الْمَسْجِد وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَبْصُقُ عَلَى حَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَيَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْفِرَ لِلْبُصَاقِ وَيَدْفِنَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَصْبَاءُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفِنَهُ فِيهِ فَلَا يَبْصُقُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَتَنَخَّمُ تَحت النَّعْل إِلَّا أَن لَا يَصِلَ إِلَى التَّنَخُّمِ تَحْتَ الْحَصِيرِ قَالَ مُحَمَّدُ ابْن أَبِي مَسْلَمَةَ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَنَخَّمُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَبْصُقُونَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُحَصَّبَ وَبَعْدَمَا حصب وَأول من حصب عمر ابْن الْخطاب قَالَ مَالك وَيُنْهِي السُّؤَال عَنِ السُّؤَالِ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ جُلُوسَ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ لِلدُّعَاءِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ تُصَلَّى النَّافِلَةُ فِي مَسْجِدِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُتَقَدَّمُ فِي الْفَرْضِ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيَبْتَدِئُ الدَّاخِلُ بِالرُّكُوعِ وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالسَّلَامِ فَوَاسِعٌ قَالَ ابْن الْقَاسِم الرُّكُوع أحب إِلَيّ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ لِرَجُلٍ حَسَنِ الصَّوْتِ اقْرَأْ عَلَيْنَا لِأَنَّهُ شِبْهُ الْغِنَاءِ قِيلَ لَهُ فَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا قَالَ أَحَادِيثُ سَمِعْتُهَا وَأَنَا أَنْفِيهَا وَهَؤُلَاءِ يَتَحَدَّثُونَ ذَلِكَ يَكْتَسِبُونَ بِهِ قَالَ إِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ إِذَا أَرَادُوا حُسْنَ صَوْتِهِ أَمَّا إِذَا قَصَدُوا رِقَّةَ قُلُوبِهِمْ لِسَمَاعِ قِرَاءَتِهِ الْحَسَنَةِ فَلَا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ خَشْيَةَ الذَّرِيعَةِ لِلْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَكَذَلِكَ يَكْرَهُ تَقْدِيمَهُ لِلْإِمَامَةِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ قَوْمًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لِيُغَنِّيَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا» وَكَرِهَ مَالِكٌ الِاجْتِمَاعَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُنَافَسَةِ فِي حُسْنِ الصَّوْتِ وَالتَّلْحِينِ وَلَا يَقْرَأُ جَمَاعَةٌ عَلَى وَاحِدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْفَهْمِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ غَلَطَهُ وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِمَاعُ لَهُ وَكَذَلِكَ آيَةٌ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَآيَةٌ مِنْ أُخْرَى وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لِعَدَمِ الِاسْتِمَاعِ وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالِاجْتِمَاعُ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعَةٌ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ وَأَمَّا جَمَاعَةٌ عَلَى وَاحِدٍ فَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.

مَسْأَلَةٌ:
عَلَى الْمُسْتَشَارِ لِلْمُسْتَشِيرِ أَنْ يُعْمِلَ نَظَرَهُ وَلَا يُشِيرَ إِلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «المستشار مؤتمن» قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالدّين النَّصِيحَة قبل لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» قُلْتُ يَحْسُنُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْمُشِيرِ سَبْعَةُ شُرُوطٍ الْعَقْلُ الْوَافِرُ لِأَنَّهُ النُّورُ الَّذِي يَهْدِيهِ وَالْمَوَدَّةُ حَتَّى تَنْبَعِثَ الْفِكْرَةُ وَأَنْ يَكُونَ سَعِيدًا لِأَنَّ الَّذِي فِي خُمُولَةٍ رَأْيُهُ مِنْ جِنْسِ حَالِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِكَ فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَشَرْتَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ يُحِبُّهُ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهِ كَمَا يُشِيرُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمَكَّاسُ يُشِيرُ بِالْمَكْسِ وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْصِيلِ مَفَاسِدِهَا وَمَصَالِحِهَا وَيُرَجِّحَ بَيْنَهَا وَأَن لَا يَكُونَ ضَجِرًا لِأَنَّ الضَّجِرَ لَا يَطُولُ فِكْرُهُ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَى جَمِيعِ جِهَاتِ الْمُسْتَشَارِ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ دَيِّنًا لِأَنَّ الدِّينَ مِلَاكُ الْأَمْرِ ونظام الْمصَالح هـ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ هُوَ أَحَقُّ بِهِ إِنْ كَانَ إِتْيَانُهُ قَرِيبًا وَإِنْ بَعُدَ فَلَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَان وَإِن قَامَ مِنْهُ على أَن لَا يَرْجِعَ إِلَيْهِ وَرَجَعَ عَنْ قُرْبٍ فَحَسُنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَيُقَامُ لَهُ عَنْهُ وَإِنْ قَامَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ وَجَبَ الْقِيَامُ لَهُ مِنْهُ إِنْ رَجَعَ بِالْقُرْبِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ لَا يُثَابُ عَلَى مَا عمل من خير خَال كفره لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَهُوَ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِعَمَلِهِ حَالَةَ كفره الشُّكْر وَالثنَاء لَا التَّقَرُّب وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحكيم ابْن حِزَامٍ لَمَّا قَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنَّا نتحنث بهَا فِي الجاهية من صَدَقَة وعتاقة وصلَة رحم لَنَا فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» فَحُمِلَ عَلَى الْخَيْرِ الَّذِي سَأَلَهُ فِي دُنْيَاهُ مِنَ الْمَحْمَدَةِ وَالشُّكْرِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ.
تَنْبِيهٌ:
الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَنَحْوِهِ لَا يَعُمُّ لِأَنَّ مِنَ الْأَوَّلِ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ كَحِفْظِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَعْظِيمِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ الْكَافِرُ أَنْ يَفْعَلَهَا بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ لِلثَّنَاءِ وَالشُّكْرِ ثُمَّ لَوْ فَرَضْنَا مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ آمَنَ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كُلِّهَا إِلَّا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا وَيَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ وَكَذَلِكَ الْمُقَابِلُ الَّذِي كَفَرَ بِظَاهِرِهِ فَقَطْ فَيُحْتَاجُ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَى مُدْرَكٍ غَيْرِ هَذَا.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَانَةً حَدَّثَنِي أَوْ نَائِمَةً اضْطَجَعَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَرَأَيْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَمُوسَى بْنَ مَيْسَرَةَ وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ لَا يُكَلِّمُ أَحَدٌ صَاحِبَهُ بَعْدَ الصُّبْحِ اشْتِغَالًا بِالذِّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا يَكْرَهُونَهُ بَعْدَهَا وَالسُّنَّةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ خَشْيَةَ النَّوْمِ عَنْهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا لِتَسْتَرِيحَ الْحَفَظَةُ وَكِلَاهُمَا النَّهْيُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا النَّوْمُ ثَلَاثَةٌ نَوْمُ خَرَقٍ وَنَوْمُ خُلُقٍ وَنَوْمُ حُمْقٍ فَنَوْمُ الْخَرَقِ نَوْمَةُ الضُّحَى يَكُونُ النَّاسُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَهُوَ نَائِمٌ وَنَوْمُ الْخُلُقِ نَوْمَةَ الْقَائِلَةِ وَنَوْمُ الْحُمْقِ حِينَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ النَّوْمَ بعد الْعَصْر لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه» وعورض بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ وَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوضع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلَيٍّ فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فَرُدَّ عَلَيْهِ شُرُوقَهَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يَقُومُ لَيْلَهَا لَا يَفْتُرُ وَيَصُومُ نَهَارَهَا لَا يُفْطِرُ وَمَنْ رَابَطَ فُوَاقَ نَاقَةٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» وَالرِّبَاطُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى ثَغْرٍ يُقِيمُ لِحِرَاسَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الثَّغْرِ مِمَّنْ يُجَاوِرُهُ وَلَيْسَ مَنْ سَكَنَ الثَّغْرَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ مُرَابِطًا وَقِيلَ فِيهِ إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ لِأَنَّ الْجِهَادَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّبَاطَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي وَقْتِ الْخَوْفِ عَلَى الثَّغْرِ لَا مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ لَا تَدْخُلْ دِيَارَ ثَمُودَ وَعَادٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ وَلَا تَشْرَبْ من مَائِهِمْ وتجنب آثَارهم لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بَاكِينَ أَوْ مُتَبَاكِينَ وَعَجَنَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِمَائِهِمْ فَأَمَرَ الله فَأُطْعِمَ الْإِبِلَ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَكْتَبُ النَّصْرَانِيُّ لِأَنَّ الْكَاتِبَ يُسْتَشَارُ وَالنَّصْرَانِيُّ لَا يُسْتَشَارُ فِي الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَا يَسْتَكْتِبُ الْقَاضِي إِلَّا عَدْلًا مُسْلِمًا مَرْضِيًّا.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ مَالك لَا تكْتب الْمَصَاحِف على مَا أدثه النَّاسُ مِنَ الْهِجَاءِ الْيَوْمَ إِلَّا عَلَى الْكَتْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ بَرَاءَةٌ لَمَّا لَمْ يُكْتَبْ فِي أَوَّلِهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْمَصَاحِفِ الْأُولَى لَمْ يُكْتَبِ الْيَوْمَ قَالَ مَالِكٌ وَأَلَّفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ السُّوَرَ الطِّوَالَ وَحْدَهَا وَالْقِصَارَ وَحْدَهَا مَعَ أَنَّ النُّزُولَ لَمْ يَقَعْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بَلْ أَلَّفُوهُ عَلَى مَا سَمِعُوهُ مِنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَا يومر الصِّبْيَانُ أَنْ يَكْتُبُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَو السُّورَةِ ثُمَّ لَا يَكْتُبُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ بَلْ كُلَّمَا كَتَبُوا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَتَبُوهَا ابْتِدَاءً لِأَنَّهُمْ يَتَعَلَّمُونَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ إِمَامًا قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى أَنْ تُنْقَطَ الْمَصَاحِفُ وَلَا يُزَادَ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَأَمَّا مَصَاحِفُ صِغَارٌ يتَعَلَّم فِيهَا الصِّبْيَانُ فَلَا يَمْتَنِعُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ نَزَلَ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِ فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُثْبَتَ فِي أُمَّهَاتِ الْمَصَاحِفِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَكَرِهَ تَعْشِيرَ الْمُصْحَفِ بِالْحُمْرَةِ بِخِلَافِ السَّوَادِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي تَحْلِيَةِ أَغْشِيَتِهِ بِالذَّهَبِ فَكَرِهَهُ وَأَجَازَهُ وَأَجَازَ الْفِضَّةَ وَكَرِهَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ أَسْدَاسًا وَأَتْسَاعًا فِي الْمَصَاحِفِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَالَ لَا يُفَرَّقُ الْقُرْآنُ وَقَدْ جَمَعَهُ اللَّهُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي طَعَامِ الْفَجْأَةِ بِأَنْ يَغْشَى الرَّجُلُ الْقَوْمَ وَهُمْ يَأْكُلُونَ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَدْعُوهُ لَا يَأْكُلُ لَهُمْ شَيْئًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَوْمِ إِنْ ظَهَرَ بِشْرُهُمْ بِقُدُومِهِ أَكَلَ أَوِ الْكَرَاهَةُ وَإِنَّمَا دَعَوْهُ حَيَاءً لَا يَأْكُلُ وَإِنْ دَعَوْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ وَلَا كَرَاهَةٍ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ لَا يُكْرَهُ الْأَخْذُ بِالرُّخَصِ الَّتِي رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا كَالتَّعْجِيلِ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْحَجِّ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بَلِ الْأَفْضَلُ الْأَخْذُ بِهَا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ بِالْإِبَاحَةِ وَالْمَنْعِ فَإِنْ أَخَذَ بِالْمَنْعِ سَلِمَ وَإِنْ أَخَذَ بِالْإِبَاحَةِ خَشِيَ الْإِثْمَ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنَ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي للانقطاع لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا» وَقَالَ «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطْعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى».

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْجِنِّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ قُلْتُ وَحَكَى الْمُحَاسِبِيُّ قَوْلَيْنِ فِي التَّنْعِيمِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْذِيبِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لأملأن جنهم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي أَنَّ الْجِنَّ فِي الْجَنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَاتِ تَتَنَاوَلُهُمْ نَحْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جنَّات النَّعيم} {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} وَنَحْوَ ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ لَمْ يَكْرَهِ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَبُولُ وَكَرِهَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ لِلشَّابَّةِ الْعَزَبَةِ الْخِضَابَ وَالْقِلَادَةَ فَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَ لَهَا مَا لَكِ لَا تَخْتَضِبِينَ أَلَكِ زَوْجٌ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَاخْتَضِبِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِأَمْرَيْنِ إِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَلْتَخْضِبْ لِزَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زوج فلتختضب لخطابها.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الْمَقَاصِيرُ فِي الْجَوَامِعِ مَكْرُوهَةٌ وَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَهَا مَرْوَانُ حِينَ طَعَنَهُ الْيَمَانِيُّ فَجَعَلَهَا مِنْ طِينٍ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَدْ يُحَرِّمُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ عُقُوبَةً وَحِرْمَانًا أَوْ تَعَبُّدًا فَالْأَوَّلُ كَتَحْرِيمِ ذِي الظُّفُرِ وَالشُّحُومِ عَلَى الْيَهُودِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَلَوْ كَانَ لِمَفْسَدَتِهِ لَمَا حَلَّ لَنَا مَعَ أَنَّا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى ذَلِك بقوله {ذَلِك جزيناهم ببغيهم} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِم طَيّبَات أحلّت لَهُم} وَتَحْرِيمُ التَّعَبُّدِ كَتَحْرِيمِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَالدُّهْنِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهَا لَمْ تُحَرَّمْ بِصِفَتِهَا بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَمَا قَالَ الْغَيْرُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا الْتَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صلح الحديبة إِدْخَالَ الضَّيْمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دَفْعًا لِمَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ وَهِيَ قَتْلُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْحَالِّينَ بِمَكَّةَ فَاقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْكُفَّارِ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْقِتَالِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ إِسْلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء} وَكَذَلِكَ قَالَ {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أَيْ لَوْ تَمَيَّزَ الْكَافِرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

مَسْأَلَةٌ:
التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْفَوْرِ وَهِيَ تَمْحُو مَا تَقَدَّمَهَا مِنْ آثَامِ الذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى لَا تُسْقِطُ حُقُوقَ الْعِبَادِ وَلَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَيْسَ بِذَنْبٍ كَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْعِبَادَاتِ وَالْحُقُوقِ فِي الذِّمَمِ هُوَ تَكْلِيفُ تَشْرِيفٍ لَا إِثْمٌ وَعُقُوبَةٌ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ النَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَالْإِقْلَاعُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ عَمَّا تَابَ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ النَّدَمُ وَحْدَهُ تَوْبَةً فِي حَقِّ الْعَاجِزِ عَنِ الْعَزْمِ وَالْإِقْلَاعِ كَمَنْ كَانَ يَعْصِي بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ فَعميَ أَو بِالزِّنَا فجب لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَيجب النَّدَم وَحده وَعَلِيهِ حمل قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُعْظَمَهَا النَّدَم كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَج عَرَفَة» ويتسحب لِلتَّائِبِ إِذَا ذَكَرَ ذَنْبَهُ الَّذِي تَابَ مِنْهُ أَنْ يُجَدِّدَ النَّدَمَ عَلَى فِعْلِهِ وَالْعَزْمَ عَلَى عدم الْعود وَعَلِيهِ حمل قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُذْنِبُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ بَلْ ذَكَرَهُ لِمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُلُوِّ مَنْصِبِهِ ذَنْبٌ لِأَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَار سيآت المقربين وَذكره لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ استعظامه لأمرر بِهِ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ مَنْ لَا يَنْسَى الْحَقِيرَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَبَيْنَ مَنْ يَنْسَى الْعَظِيمَ مِنْ ذُنُوبِهِ فَلَا يَمُرُّ عَلَى بَالِهِ احْتِقَارًا لِذُنُوبِهِ وَجَهْلًا بِعَظَمَةِ رَبِّهِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ وُعِظَ فَأَعْرَضَ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَإِذَا كَانَتِ التَّوْبَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْفَوْرِ فَمَنْ أَخَّرَهَا زَمَانًا عَصَى بِتَأْخِيرِهَا فَيَتَكَرَّرُ عِصْيَانُهُ بِتَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَوْبَةٍ مِنْ تَأْخِيرِ التَّوْبَةِ وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ كُلِّ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنَ الطَّاعَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّوْبَةُ مَعَ مُلَاحَظَةِ تَوَحُّدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَفْعَالِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ مُتَعَذِّرٌ قُلْنَا عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ لَهُ كَسْبًا فَيكون ندمه عل كَسْبِهِ لَا عَلَى صُنْعِ رَبِّهِ وَمَنْ لَا يَرَى بِالْكَسْبِ يُخَصِّصُ وُجُوبَ التَّوْبَةِ بِحَالٍ... عَنِ التَّوَحُّدِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِعْلٌ لَهُ وَلَيْسَ فِعْلًا لَهُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْقُرْبَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْقَاصِرَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْمَعْرِفَةَ أَفْضَلُ مِنَ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ وَإِنَّمَا الْفَضْلُ عَلَى قَدْرِ الْمَصَالِحِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْقُرُبَاتِ.

مَسْأَلَةٌ:
الْأَجْرُ فِي التَّكَالِيفِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ إِذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ احْتِرَازًا مِنَ التَّصَدُّقِ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ وَهُمَا أَعْظَمُ بِمَا لَا يتقارب وشذ عَن الْقَاعِدَة قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الْوَزَغَةِ مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَكَثُرَتِ الْمَشَقَّةُ وَنَقَصَ الْأَجْرُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْأَجْرَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى تفَاوت الْمصَالح لأعلى تفَاوت المشاق فَإِنَّهُ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَطْلُبْ مِنَ الْعِبَادِ مَشَقَّتَهُمْ وَعَذَابَهُمْ وَإِنَّمَا طَلَبَ جَلْبَ الْمَصَالِحِ وَدَفْعَ الْمَفَاسِدِ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَجْهَدُهَا وَأَجْرُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ» لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشِقًّا كَانَ حَظُّ النَّفْسِ فِيهِ كَثِيرًا فَيَقِلُّ الْإِخْلَاصُ فِيهِ وَإِذَا كَثُرَتْ مَشَقَّتُهُ قَلَّ حَظُّ النَّفْسِ فَيَتَيَسَّرُ الْإِخْلَاصُ وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ فَالثَّوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ مُرَتَّبٌ عَلَى مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ لَا عَلَى مَرَاتِبِ الْمَشَقَّةِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا وَرَدَ مِنَ أَنَّ النَّوَافِلَ فِي الصَّلَاةِ تُكَمَّلُ بِهَا الْفَرَائِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْدِلَ النَّوَافِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ فَرْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ» فَفَضَّلَ الْفَرْضَ عَلَى النَّفْلِ وَإِنْ كَثُرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالْعِقَابَ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثُمُنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ يُرْبِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمِ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَإِنَّ قِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَعْدِلُ الصُّبْحَ.

فَصْلٌ:
فِي حِكَمٍ وَمَوَاعِظَ وَآدَابٍ وَسِيَاسَاتٍ وَحَزْمٍ وَيَقَظَةٍ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصَلَاحِ الْخُلُقِ وَطَاعَةِ الْخَالِقِ كَتَبَ بِكَثِيرٍ مِنْهَا بَعْضُ الْمُلُوكِ إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُودِعَهَا كِتَابِي هَذَا لِحُسْنِهَا نَقَلَهَا ابْنُ يُوسُفَ فِي جَامِعِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ كَتَبَ بَعْضُ الْمُلُوكِ إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِمَا فِيهِ رُشْدٌ وَنُصْحٌ اذْكُرْ نَفْسَكَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ وَمَا هُوَ نَازِلٌ بِكَ مِنْهُ وَمَا أَنْتَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَالْخُلُودِ فَأَعِدَّ لَهُ مَا يَسْهُلُ بِهِ ذَلِكَ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَهْلَ سُخْطِ اللَّهِ وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ أَلْوَانِ عَذَابِهِ وَشَدِيدِ نِقْمَتِهِ وَسَمِعْتَ زَفِيرَهُمْ فِي النَّارِ وَشَهِيقَهُمْ بَعْدَ كُلُوحِ وُجُوهِهِمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ وَيَدْعُونَ بِالثُّبُورِ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةُ إِعْرَاضِ اللَّهِ عَنْهُمْ بِوَجْهِهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِمْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَإِجَابَتِهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ طول الْغم {اخسؤا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} مَا تَعَاظَمَكَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا أَرَدْتَ بِهِ النَّجَاةَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ رَأَيْتَ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَنْزِلَتَهُمْ مِنْهُ وقربهم لَدَيْهِ وناضرة وُجُوهِهِمْ وَنُورَ أَلْوَانِهِمْ وَسُرُورَهُمْ بِمَا انْحَازُوا إِلَيْهِ لَعَظُمَ فِي عَيْنِكِ مَا طَلَبْتَ بِهِ صَغِيرَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحْذَرْ عَلَى نَفْسِكَ وبادر بهَا قبل أَن تسبق إِلَيْك وَإِيَّاكَ وَمَا تَخَافُ الْحَسْرَةَ فِيهِ غَدًا عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ وَخَاصِمْ نَفْسَكَ فِي مَهَلٍ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى نَفْعِهَا وَضَرْبِ الْحُجَّةِ عَنْهَا وَاجْعَلْ لِلَّهِ تَعَالَى نَصِيبًا مِنْ نَفْسِكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَار وامر بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْبِبْ عَلَيْهَا وَانْهَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَأَبْغِضْ عَلَيْهَا فَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يُقَدِّمُ أَجَلًا وَلَا يَقْطَعُ رِزْقًا أحسن لمن حولك وأتباعك لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ لَهُ خَوَلٌ فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِمْ» وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَسْتَبْدِلْ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ الْزَمْ أَدَبَ مَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ وَلَا تُقْنِطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ وَأكْرمهمْ فِي كنفك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِوَصِيَّةِ نُوحٍ لِابْنِهِ قَالَ لَهُ آمُرك بِاثْنَيْنِ وأنهكا عَنِ اثْنَيْنِ آمُرُكَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي كِفَّةٍ السَّمَوَات وَالْأَرْضُ فِي كِفَّةٍ وَزَنَتْهَا وَآمُرُكَ أَنْ تَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا عِبَادَةُ الْحَقِّ وَبِهَا تُقْطَعُ أَرْزَاقُهُمْ فَإِنَّهُمَا يُكْثِرَانِ لِمَنْ قَالَهُمَا الْوُلُوجَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَالْكِبْرِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْتَجِبُ مِنْهُمَا وَقَدْ وَرَدَ أَنِ الْجَبَّارِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ تَطَؤُهُمُ النَّاسُ لِتَكَبُّرِهِمْ عَلَى الله تَعَالَى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ سَهْلٍ لَيِّنٍ طَلْقِ الْوَجْهِ» وَلَا تَأْمَنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَاوِرْ فِي أَمْرِكَ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ وَقَالَ سَهْلٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْذَرْ بطانة السوء وَأهل الردى فِي نَفْسِكَ وَاسْتَبْطِنْ أَهْلَ التَّقْوَى مِنَ النَّاسِ تَكَلَّمْ إِذَا تَكَلَّمْتَ بِخَيْرٍ أَوِ اسْكُتْ اتَّقِ فُضُولَ الْمنطق أَكْرِمْ مَنْ وَادَّكَ وَكَافِئْهُ بِمَوَدَّتِهِ وَلَا تَأْمُرْ بِحَسَنٍ إِلَّا بَدَأْتَ بِهِ وَلَا تَنْهَ عَنْ قَبِيحٍ إِلَّا بَدَأْتَ بِتَرْكِهِ وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فِي غَيْرِ اللَّهِ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظلمك وَأعْطِ من حَرمك لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا أَفْضَلُ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا لَا تُكْثِرِ الضحك لِأَن ضحكه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَسُّمًا لَا تَمْدَحْ بِكَذِبٍ اتْرُكْ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي السِّرِّ مَا لَا يَجْمُلُ بِكَ أَنْ تَفْعَلَهُ فِي الْعَلَنِ وَاتَّقِ كُلَّ شَيْءٍ تَخَافُ فِيهِ التُّهْمَةَ فِي دِينِكَ أَوْ دُنْيَاكَ أَقْلِلْ طَلَبَ الْحَوَائِجِ إِلَى النَّاسِ لِأَنَّهُ يُخْلِقُ الْوَجْهَ وَالْحُرْمَةَ أَحْسِنْ لِأَقَارِبِكَ وَأَهْلِكَ فَإِنَّ فِيهِ طول أَجلك وسعة رزقك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَأُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» وَاللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الطَّلْقَ الْوَجْه وَيكرهُ العبوس قَالَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«اتَّقِ شَتْمَ النَّاسِ وَغِيبَتَهُمْ» خُذْ عَلَى يَدِ الظَّالِم وامنعه من ظلمه لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَشَى مَعَ مَظْلُومٍ حَتَّى يُثْبِتَ لَهُ حَقَّهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ وَمن مَشى مَعَ ظَالِم يعنيه على ظلمه أزل اله قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ» اتَّقِ اتِّبَاعَ الْهَوَى فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَطُولَ الْأَمَلِ فَإِنَّهُ ينسي الْآخِرَة أنصف النَّاس فِي نَفْسِكَ وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانِكَ اقْبَلْ عُذْرَ من اعتذر إِلَيْك لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ صَاحِبِ مَكْسٍ وصل مَنْ قَطَعَكَ وَلَا تُكَافِئْهُ بِسُوءِ فِعْلِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِن أساؤوا فَأَحْسِنْ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَدٌ ظَاهِرَةٌ ارْحَمِ الْمِسْكِينَ وَالْمُضْطَرَّ وَالْغَرِيبَ وَالْمُحْتَاجَ وَأَعِنْهُمْ مَا اسْتَطَعْتَ احْذَرِ الْبَغْيَ وَلَا تَظْلِمِ النَّاسَ فَيَقِيَهُمُ اللَّهُ مِنْكَ فَمَا ظلمت أحدا أَشَدَّ مِنْ ظُلْمِ مَنْ لَا يَسْتَعِينُ إِلَّا بِاللَّه قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعَوَاتُهُمُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تَظْهَرُ فَوْقَ الْغَمَامِ فَيَقُولُ لَهَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» لِتَكُنْ عَلَيْكَ السكنية وَالْوَقار فِي منطقك ومجلسك ومركبك لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» ادْفَعِ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ إِذَا غَضِبْتَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَاذْكُرْ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} إِذَا رَكِبْتَ دَابَّتَكَ فَقُلْ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} اجْعَل سفرك يَوْم الْخَمِيس لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَبَّهُ إِذَا وَدَّعْتَ مُسَافِرًا فَقُلْ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَيسر لَك الْخَيْر حَيْثُ مَا كُنْتَ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ كَذَلِك كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ إِذَا أَصَابَكَ كَرْبٌ فَقُلْ يَا حَيُّ يَا قيوم بِرَحْمَتك أستغيث كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول وَاحْتَرِزْ مِمَّنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالنَّمِيمَةِ وَتَبْلِيغِ الْكَلَامِ عَن النَّاس وَعَلَيْك بِالصبرِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبْر مَعَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ لَا تُمَارِ أَحَدًا وَإِنْ كُنْتَ مُحِقًّا أَدِّبْ مَنْ حَوْلَكَ عَلَى خُلُقِكَ حَتَّى يَكُونُوا لَكَ أَعْوَانًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَإِذَا تَعَلَّمْتَ عِلْمًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُهُ وَسَكِينَتُهُ وَسَمْتُهُ وَوَقَارُهُ ارْدُدْ جَوَابَ الْكِتَابِ إِذَا كُتِبَ إِلَيْكَ فَإِنَّهُ كَرَدِّ السَّلَامِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاس أفش الصَّدَقَة فَإِنَّهَا تدفع ميتَة السِّرّ لَا تضطجع على بَطْنك لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا ضجعة يبغضه اللَّهُ أَخْفِ مَا أَرَدْتَ بِهِ اللَّهَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ اتَّقِ التَّزْكِيَةَ مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَلَا تَرْضَ بِهَا مِنْ أَحَدٍ يَقُولُهَا فِي وَجْهِكَ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي مَدَحَ آخَرَ وَيُحِبُّ قَطْعَ عُنُقِهِ لَوْ سَمِعَهَا مَا أَفْلَحَ أَبَدًا اقْتَدِ فِي أُمُورِكَ بذوي الْأَسْنَان من أهل التقى لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خِيَارُكُمْ شُبَّانُكُمُ الْمُشَبَّهُونَ بِشُيُوخِكُمْ وَشِرَارُكُمْ شُيُوخُكُمُ الْمُشَبَّهُونَ بِشَبَابِكُمْ» لَا تُجَالِسْ مُتَّهَمًا عَلَيْكَ بِمَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَأَكْرمهَا أَكثر الْحَمد عِنْد النعم لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ فَقَالَ الْحَمد الله إِلَّا كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ إِنِ اعْتَرَاكَ الْغَضَبُ قَائِمًا فَاقْعُدْ أَو قَاعِدا فاضطجع لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ إِنْ خِفْتَ مِنْ أَحَدٍ فَقُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ الْمُمْسِكِ لِلسَّمَاوَاتِ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ مِنْ شَرِّ فُلَانٍ كُنْ لِي جَارًا مِنْ فُلَانٍ وَجُنُودِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ أَوْ يَطْغَى جَلَّ جَلَالُكَ وَعَزَّ جَارُكَ مَرَّاتٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِذَلِكَ إِذَا هَمَمْتَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَعَجِّلْهَا فَإِنَّكَ لَا تَأْمَنُ الْأَحْدَاثَ وَإِذَا هَمَمْتَ بِشَرٍّ فَأَخِّرْهُ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُكَ عَلَى تَرْكِهِ الزم الصمت لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يستكمل لأحد الْإِيمَان حَتَّى يحذر لِسَانِهِ إِذَا أَشْرَفْتَ عَلَى قَرْيَةٍ تُرِيدُهَا فَقُلِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَيْرَهَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّهَا وَوَيْلَهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهَا.

فَصْلٌ:
لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْأُدَبَاءِ الْعُقَلَاءِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا كُنْتَ قَاضِيًا أَوْ أَمِيرا فَلَا يكون شَأْنُكَ حُبَّ الْمَدْحِ وَالتَّزْكِيَةِ فَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْكَ فَيُتَحَدَّثُ فِي عِرْضِكَ بِسَبَبِهِ وَيُضْحَكُ مِنْكَ لِتَكُنْ حَاجَتك فِي الْولَايَة ثَلَاث خِصَال رضى رَبك ورضى سلطانك إِن كَانَ فَوْقه سُلْطَان ورضى صَالِحِ مَنْ وُلِّيتَ عَلَيْهِ اعْرِفْ أَهْلَ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ فِي كُلِّ كُورَةٍ وَلْيَكُونُوا إِخْوَانَكَ لَا تَقُلْ إِنِ اسْتَشَرْتَ أَظْهَرْتُ الْحَاجَةَ لِلنَّاسِ فَإِنَّكَ لَمْ تَرِدِ الرَّأْيَ لِلْفَخْرِ بَلْ لِلْمَنْفَعَةِ مَعَ أَنَّ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ لَكَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لَا يَهُنْ عَلَيْكَ أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْخَيْرِ وَلَا تُمَكِّنْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَذِيَّتِهِمْ عَرِّفْ رَعِيَّتَكَ أَبْوَابَكَ الَّتِي لَا يُنَالُ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا بِهَا وَالَّتِي لَا يَخَافُونَكَ إِلَّا من قبلهَا واجتهد فِي أَن لَا يَكُونَ مِنْ عُمَّالِكَ جَائِرٌ فَإِنَّ الْمُسِيءَ يَفْرَقُ مِنْ خِبْرَتِكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُ عُقُوبَتُكَ وَالْمُحْسِنَ يَسْتَبْشِرُ بِعَمَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعْرُوفُكَ وَلْتُعَرِّفْهُمْ مَا يَتَّقُونَ مِنْ أَخْلَاقِكَ أَنَّكَ لَا تُعَاجِلُ بِالثَّوَابِ وَلَا بِالْعِقَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْوَمُ لِخَوْفِ الْخَائِفِ وَرَجَاءِ الرَّاجِي عَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى مَا خَالَفَكَ مِنْ رَأْيِ أَهْلِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَسْهُلُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ وَلَا تَتْرُكْ مُبَاشَرَةَ عَظِيمِ أَمْرِكَ فَيَعُودُ شَأْنُكَ صَغِيرًا وَلَا تُبَاشِرِ الصَّغِيرَ مِنَ الْأَمْرِ فَتُضَيِّعَ الْكَبِيرَ وَأَنْتَ لَا تَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَتَفَرَّغْ لِلْمُهِمِّ وَكَرَامَتُكَ لَا تَسَعُ الْعَامَّةَ فَتَوَخَّ أَهْلَ الْفَضْلِ إِنَّكَ وَأَنْتَ عَاجِزٌ عَنْ جَمِيعِ مَصَالِحِكَ فَأَحْسِنْ قِسْمَةَ نَفْسِكَ بَيْنَهَا لَا تُكْثِرِ الْبِشْرَ وَلَا الْقَبْضَ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا سَخَفٌ وَالْآخَرَ كِبْرٌ لَيْسَ لِمَلِكٍ أَنْ يَغْضَبَ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ تَحْصُلُ مَقْصُودَةً وَلَا يَكْذِبَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِكْرَاهِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْخَلَ لِبُعْدِ عُذْرِهِ عَنْ خَوْفِ الْفَقْرِ وَلَا أَنْ يَحْقِدَ لِأَنَّ حِقْدَهُ خَطَرٌ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَلَا يُكْثِرَ الْحَلِفَ بَلِ الْمَلِكُ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ الْحَلِفِ لِأَنَّهُ لَا يُحْلَفُ لِلنَّاسِ إِلَّا لمهانة فِي نفس الْحَالِف أَو حَاجته لتصديق أَوْ عَيٍّ فِي الْكَلَامِ فَيَجْعَلُ الْحَلِفَ حَشْوًا أَوْ تُهْمَةٍ عَرَفَهَا النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْعِدُ نَفْسَهُ عَنْهَا أَحَقُّ النَّاسِ بِجَبْرِ نَفْسِهِ عَنِ الْعَدْلِ الْوَالِي لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ النَّاسُ يَنْسُبُونَ الْوَالِيَ إِلَى نِسْيَانِ الْعَهْدِ وَنَقْضِ الْوُدِّ فَلْيُكَذِّبْ قَوْلَهُمْ وَلْيُبْطِلْ عَنْ نَفْسِهِ صِفَاتِ السُّوءِ وَلْيَهْتَمَّ بِسَدِّ خَلَّةِ الْإِخْوَانِ وَرَدْعِ عَادِيَةِ السَّفَلَةِ إِنَّمَا يَصُولُ الْكَرِيمُ إِذَا جَاعَ وَاللَّئِيمُ إِذَا شَبِعَ لَا يُولَعُ الْوَالِي بِسُوءِ الظَّنِّ وَلْيَجْعَلْ لِحُسْنِ الظَّن عِنْده نَصِيبا وَلَا تُهْمِلِ التَّثَبُّتَ فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الصَّمْتِ أَوْلَى مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْكَلَامِ وَالْعَطِيَّةُ بَعْدَ الْمَنْعِ أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ وَأَحْوَجُ النَّاسِ للتثبت الْمُلُوك لِأَنَّهُ لَيْسَ لقَوْله دَافِعٌ وَلَا مُنْكِرٌ مُرْشِدٌ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّأْيِ رَأْيَانِ رَأْيٌ يُقَوِّي بِهِ سُلْطَانَهُ وَرَأْيٌ يُزَيِّنُهُ فِي النَّاسِ وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ إِنِ ابْتُلِيتَ بِصُحْبَةِ السُّلْطَانِ فَعَلَيْكَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَتَرْكِ الْمُعَاتَبَةِ وَلَا يَحْمِلُكَ الْأُنْسُ عَلَى الْغَفْلَةِ وَلَا التَّهَاوُنِ فِيمَا يَنْبَغِي فَإِذَا جَعَلَكَ أَخًا فَاجْعَلْهُ سَيِّدًا وَإِنْ زَادَ فَزِدْهُ تَوَاضُعًا وَإِذَا جَعَلَكَ ثِقَتَهُ فَأَقْلِلِ الْمَلَقَ وَلَا تُكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّعَاءِ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الْوَحْشَةَ إِلَّا أَنْ تُكَلِّمَهُ عَلَى رُؤُوس النَّاسِ فَتُبَالِغُ فِي تَوْقِيرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ صَلَاحَ رَعِيَّتِهِ فَأَبْعِدْهُ فَإِنَّكَ لَا تَعْدَمُ فَسَادَهُ إِنْ خَالَفْتَهُ أَوْ فَسَادَ الرَّعِيَّةِ إِنْ وَافَقْتَهُ فَإِنْ نَشِبْتَ مَعَهُ فَاصْبِرْ حَتَّى تَجِدَ للفراق سَبِيلا لَيْلًا تَسْأَلَ رِضَاهُ فَلَا تَجِدَهُ لَا تُخْبِرَنَّ الْوَالِيَ أَنَّ لَكَ عَلَيْهِ حَقًّا أَوْ تَقَدُّمَ يَدٍ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْسَى ذَلِكَ فَافْعَلْ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِغْضَةً وَاعْلَمْ أَنَّ السُّلْطَانَ إِذَا انْقَطَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ نَسِيَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ أَرْحَامَهُمْ مَقْطُوعَةٌ وَحِبَالَهُمْ مَصْرُومَةٌ إِلَّا عَمَّنْ رَضُوا عَنْهُ إِذَا ذُكِرْتَ عِنْدَهُ بِشَرٍّ فَلَا تُرِهِ احْتِفَالًا بِذَلِكَ وَلَا توقعه من نَفسك موقعا عَظِيما لَيْلًا تَظْهَرَ عَلَيْكَ الرِّيبَةُ بِمَا قِيلَ فِيكَ وَإِنِ احْتَجْتَ لِلْجَوَابِ فَإِيَّاكَ وَجَوَابَ الْغَضَبِ وَعَلَيْكَ بِجَوَابِ الْوَقَارِ وَالْحُجَّةِ لَا تَعُدَّنَّ شَتْمَ الْوَالِي شَتْمًا فَإِنَّ رِيحَ الْعِزَّةِ يَبْسُطُ اللِّسَانَ بِالْغِلْظَةِ مِنْ غَيْرِ سُخْطٍ لَا تَأْمَنَنَّ جَانِبَ الْمَسْخُوطِ عَلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَلَا يَجْمَعَنَّكَ وَإِيَّاهُ مَنْزِلٌ وَلَا مَجْلِسٌ وَلَا تُظْهِرْ لَهُ عُذْرًا وَلَا تُثْنِ عَلَيْهِ خَيْرًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْوَالِي مُبَاعَدَتُكَ مِنْهُ قَطَعَ عُذْرَهُ عِنْدَ الْوَالِي وَاعْمَلْ فِي الرِّضَا عَنْهُ فِي لُطْفٍ وَاطْلُبْ مِنْهُ وَقْتَ طِيبِ نَفْسِهِ لِجَمِيعِ مَقَاصِدِكَ إِذَا كُنْتَ ذَا جَاهٍ عِنْدَهُ فَلَا تَتَكَبَّرْ عَلَى أَهْلِهِ وَأَعْوَانِهِ وَلَا تُظْهِرِ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمْ لِتَوَقُّعِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ عِنْدَ وُقُوعِ الْمِحَنِ إِذَا سَأَلَ الْوَالِي غَيْرَكَ فَلَا تُجِبْ أَنْتَ فَإِنَّ ذَلِك سوء أديب على السَّائِل والمسؤول وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَكَ مَا سَأَلْتُكَ أَنْتَ وَإِنْ سَأَلَ جَمَاعَةً أَنْتَ مِنْهُمْ فَلَا تُبَادِرْ بِالْجَوَابِ فَإِنَّهُ خِفَّةٌ وَإِنْ سَبَقْتَ الْجَمَاعَةَ صَارُوا لِجَوَابِكَ خُصَمَاءَ يَعِيبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ وَيُفْسِدُونَهُ وَإِنْ أَخَّرْتَ جَوَابَكَ تَدَبَّرْتَ أَقَاوِيلَهُمْ فَكَانَ فِكْرُكَ أَقْوَى بِذَلِكَ فَيَكُونُ جَوَابُكَ أَحْسَنَ وَيَتَفَرَّغُ سَمْعُهُ لَكَ وَإِنْ فَاتَكَ الْجَوَابُ فَلَا تَحْزَنْ فَإِنَّ صِيَانَةَ الْقَوْلِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَكَلِمَةٌ صَائِبَةٌ فِي وَقْتٍ خَيْرٌ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ خَطَأٍ والعجلة منوطة بالزلل إِذا كلمك الْوَلِيّ فَلَا تَشْغَلْ طَرْفَكَ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِهِ وَلَا أَطْرَافَكَ بِعَمَل وَلَا قَلْبَكَ بِفِكْرٍ غَيْرِهِ اتَّخِذْ نُظَرَاءَكَ عِنْدَهُ إِخْوَانًا وَلَا تُنَافِسْهُمْ فَإِنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْحَسَدَةِ وَالْهَلَكَةِ وَلَا تَجْسُرَنَّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَإِنِ اعْتَرَفُوا لَكَ بِالْفَضْلِ فَإِن النَّفس محبولة عَلَى كَرَاهَةِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا فَيَرُدُّونَ عَلَيْكَ فَإِنْ رَادَدْتَهُمْ صِرْتَ مُنَاقِضَهُمْ وَهُمْ مُنَاقِضُوكَ وَإِنْ سَكَتَّ صِرْتَ مَرْدُودَ الْقَوْلِ إِيَّاكَ أَنْ تَشْكُوَ لِأَخِلَّائِهِ أَوْ خَدَمِهِ مَا تَجِدُهُ مِمَّا تَكْرَهُهُ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَاقِبَتُهُ مُخَوِّفَةٌ وَاحْتِمَالُ مَا خَالَفَكَ مِنْ رَأْيِهِ أَوْجَبُ مِنْ مُنَاقَضَتِهِ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَى نَفْسِكَ مُفَارَقَتُهُ وَلَا تَصْحَبِ السُّلْطَانَ إِلَّا بَعْدَ رِيَاضَةِ نَفْسِكَ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْهُ عِنْدَكَ وَلَا تَكْتُمْهُ سِرَّكَ وَلَا تُبِحْ سِرَّهُ وَتَجْتَهِدْ فِي رِضَاهُ وَالتَّلَطُّفِ فِي حَاجَتِهِ وَالتَّصْدِيقِ لِمَقَالَتِهِ وَالتَّزْيِينِ لِرَأْيِهِ وَقِلَّةِ الْقَلَقِ مِمَّا أساؤا لَك وَأكْثر نشر محاسنه وَأحسن السّتْر لمساويه وَتُقَرِّبُ مَا قَرَّبَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَتُبْعِدُ مَا بَاعَدَ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَالِاهْتِمَامَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ وَالْحِفْظَ لِمَا ضَيَّعَهُ مِنْ شَأْنِهِ وَالذِّكْرَ لِمَا نَسِيَهُ وَخَفِّفْ مَؤُنَتَكَ عَلَيْهِ ابْذُلْ لِصَدِيقِكَ دَمَكَ وَلِمَعَارِفِكَ رِفْدَكَ وَمَحْضَرَكَ وَلِلْعَامَّةِ بِشْرَكَ وَتَحِيَّتَكَ وَلِعَدُوِّكَ عَدْلَكَ وَصَبْرَكَ وَابْخَلْ بِدِينِكَ وَعِرْضِكَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا لِضَرُورَةِ وَالٍ أَوْ وَلَدٍ وَلِغَيْرِهِمَا فَلَا وَإِنْ سَمِعْتَ مِنْ صَاحِبِكَ كَلَامًا حَسَنًا أَوْ رَأْيًا فَانْسُبْهُ إِلَيْهِ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ لِنَفْسِكَ مَفْسَدَةٌ لَهُ وَعَارٌ عَلَيْكَ فَإِنْ فَعَلَ هُوَ ذَلِكَ فِي كَلَامِكَ فَسَامِحْهُ بِهِ وَآنِسْهُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا تَسْتَطِيعُ لَيْلًا يَسْتَوْحِشَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَشْرَعَ فِي حَدِيثٍ ثُمَّ تَقْطَعَهُ فَإِنَّهُ سَخَفٌ وَلَا تَشْرَعْ إِلَّا إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ يَكْمُلُ لَكَ وَافْهَمِ الْعُلَمَاءَ إِذَا اجْتَمَعْتَ بِهِمْ وَلْتَكُنْ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ مِنْ أَنْ تَقُولَ لَا تَأْلَمْ إِذَا رَأَيْتَ صَدِيقَكَ مَعَ عَدُوِّكَ فَقَدْ يَكْفِيكَ شَرَّهُ أَوْ سَتْرَ عَوْرَةٍ لَكَ عِنْدَهُ تَحَفَّظْ فِي مَجْلِسِكَ مِنَ التَّطْوِيلِ وَاسْمَعْ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَكُونُ عنْدك فِيهِ صَوَاب لَيْلًا يَظُنَّ جُلَسَاؤُكَ أَنَّكَ تُرِيدُ الْفَضْلَ عَلَيْهِمْ وَلَا تَدَّعِ الْعِلْمَ فِي كُلِّ مَا يَعْرِضُ فَإِنَّهُمْ إِنْ نَازَعُوكَ عَرَّضُوكَ لِلْجَهَالَةِ أَوْ تَرَكُوكَ فَقَدْ عرضتهم للْجَهْل وَالْعجز واستحي كُلَّ الْحَيَا أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّ صَاحِبَكَ جَاهِلٌ وَأَنَّكَ عَالِمٌ وَلَوْ بِالتَّعْرِيضِ وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا صَبَرْتَ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْكَ بِالْوَجْهِ الْجَمِيلِ وَكُنْ عَالِمًا كَجَاهِلٍ وَقَاطِعًا كَصَاحِبٍ وَإِذَا حَدَثَ بَيْنَ يَدَيْكَ مَا تَعْرِفُهُ فَلَا تُظْهِرْ مَعْرِفَتَهُ لِأَنَّهُ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَلْيُفْهَمْ عَنْكَ أَنَّكَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ تَفْعَلَ مَا لَا تَقُولُ مِنْ أَنْ تَقُولَ مَا لَا تَفْعَلُ فَفَضْلُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ عَارٌ وَفَضْلُ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ مَكْرُمَةٌ وَطِّنْ نَفْسَكَ عَلَى أَنَّكَ لَا تُفَارِقْ أَخَاكَ وَإِنْ جَفَاكَ وَلَيْسَ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَتى شِئْت طَلقتهَا بل هُوَ عِرْضُكَ وَمُرُوءَتُكَ فَمُرُوءَةُ الرَّجُلِ إِخْوَانُهُ فَإِنْ قَطَعَ الْأَخُ حِبَالَةَ الْإِخَاءِ فَلَا تَعْتَذِرْ إِلَّا لِمَنْ يَجِبُ أَنْ يَظْفَرَ لَكَ بِعُذْرٍ وَلَا تَسْتَعِنْ إِلَّا بِمَنْ تُحِبُّ أَنْ يَظْفَرَ لَكَ بِحَاجَةٍ وَلَا تُحَدِّثَنَّ إِلَّا مَنْ يَعُدُّ حَدِيثَكَ مَغْنَمًا مل لَمْ تَغْلِبْكَ الضَّرُورَةُ إِذَا غَرَسْتَ الْمَعْرُوفَ فَتَعَاهَدْ غرسك لَيْلًا تَضِيعَ نَفَقَةُ الْغَرْسِ مَنِ اعْتَذَرَ لَكَ فَتَلَقَّهُ بِالْبِشْرِ وَالْقَبُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَطِيعَتُهُ غَنِيمَةٌ إِخْوَانُ الصِّدْقِ خَيْرٌ مِنْ مَكَاسِبِ الدُّنْيَا زِينَةٌ فِي الرَّخَاءِ وَعُدَّةٌ عِنْدَ الشِّدَّةِ وَمَعُونَةٌ عَلَى الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ فَاجْتَهِدْ فِي اكْتِسَابِهِمْ وَوَاظِبْ عَلَى صِلَةِ أَسْبَابِهِمْ الْكَرِيمُ أَصْبَرُ قَلْبًا وَاللَّئِيمُ أَصْبِر جسما اجْتهد فِي أَن لَا تُظْهِرَ لِعَدُوِّكَ أَنَّهُ عَدُوُّكَ لِأَنَّهُ يَلْبَسُ السِّلَاحَ لَكَ بَلْ أَظْهِرْ صَدَاقَتَهُ تَظْفَرْ بِهِ وَيَقِلَّ شَره وَمن الحزم أَن تواخي إِخْوَانَهُ فَتُدْخِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ الْعَدَاوَةَ وَمَعَ السُّكُوتِ عَنهُ فأحص عوراته ومعاييه لَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ وَلَا تُشِعْ فَلَكَ لَهُ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعَطَاءِ سَرَفٌ وَبَعْضَ الْبَيَانِ عَيٌّ وَبَعْضَ الْعِلْمِ جَهْلٌ وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ وَلَا كُلُّ مَا يُقَالُ حَضَرَ أَوَانُهُ وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَ أَوَانُهُ حَضَرَ إِخْوَانُهُ وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَ إِخْوَانُهُ حَضَرَتْ أَحْوَالُهُ وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَتْ أَحْوَالُهُ أُمِنَ عَوَارُهُ فَحَافِظْ لِسَانَكَ مَا اسْتَطَعْتَ وَالسَّلَامُ وَقَدْ أَتَيْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا أَسْأَلُ اللَّهَ جلّ جَلَاله وتعاظمت أَنْ يَنْفَعَكُمْ بِهِ مَعَاشِرَ الْإِخْوَانِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا.