فصل: النَّوْعُ السَّابِعَ عشر مداواة الْأَمْرَاض وَالتَّمْرِيضُ وَالرِّفَادُ نَحْوُهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.النَّوْعُ السَّادِس عشر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَاب لَكُمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حسن وَفِي الْجَوَاهِر إِنَّمَا يومر بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ:
أَنْ يَعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ.
الثَّانِي:
أَنْ يَأْمَنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِنْكَارُهُ الْمُنْكَرَ إِلَى مُنْكَرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَنْهَى عَن شرب الْخمر فيؤول نَهْيُهُ عَنْهُ إِلَى قَتْلِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ.
الثَّالِثُ:
أَن يغلب على ظَنّه أَن إِنْكَاره الْمُنكر مُزِيلٌ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَنَافِعٌ وَفَقْدُ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَفَقْدُ الثَّالِثِ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ وَيَبْقَى الْجَوَازُ وَالنَّدْبُ ثُمَّ مَرَاتِبُ الْإِنْكَارِ ثَلَاثٌ أَقْوَاهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فَيُغَيِّرُ بِلِسَانِهِ إِنِ اسْتَطَاعَ وَلْيَكُنْ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَوَعْظٍ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَمَرَ مِنْكُمْ بِمَعْرُوفٍ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ انْتَقَلَ لِلرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْإِنْكَار بِالْقَلْبِ وَهِي أضعفها قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من رأى مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الصِّحَاحِ نَحْوُهُ وَفِيهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل سُؤال سُؤَالٌ قَدْ نَجِدُ أَعْظَمَ النَّاسِ إِيمَانًا يَعْجَزُ عَنِ الْإِنْكَارِ وَعَجْزُهُ لَا يُنَافِي تَعْظِيمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِيمَانَهُ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنِ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إِلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ أَوْ نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَجْزِ عَنِ الْقُرْبَةِ نَقْصُ الْإِيمَانِ بِهَا كَالصَّلَاةِ فَمَا معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ الْجَوَابُ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ الْوَارِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} أَي صَلَاتكُمْ للبيت الْمُقَدّس وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِيمَان سَبْعٌ وَخَمْسُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» وَأَقْوَى الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ إِزَالَةُ الْيَدِ ثُمَّ الْقَوْلُ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الْإِزَالَةِ وَإِنْكَارُ الْقَلْبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إِزَالَةٍ فَهُوَ أَضْعَفُهَا أَوْ يُلَاحَظُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْإِزَالَةِ فَيَبْقَى مُطلقًا وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَ مُحَمَّد ابْن يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ ضُرِبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَصْحَابُهُ فِي أَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَضُرِبَ رَبِيعَةُ وَحُلِقَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ هَذَا وَضُرِبَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَأُدْخِلَ فِي تَبَّانٍ مِنْ شَعْرٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَغْبِطُ رِجَالًا لَمْ يُصِبْهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى وَدَخَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عبد الرَّحْمَن وَعِكْرِمَة ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي السِّجْنِ وَقَدْ ضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّا نَخَافُ عَلَى دَمِكَ فَقَالَ اخْرُجَا عَنِّي أَتُرَانِي أَلْعَبُ بِدِينِي كَمَا لَعِبْتُمَا بِدِينِكُمَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ تَكَلَّمُوا بِالْحَقِّ تُعْرَفُوا بِهِ وَاعْلَمُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ قَالَ مَالِكٌ يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْمُرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ فَإِنْ عَصَوْا كَانُوا شُهُودًا عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَيَأْمُرُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَخْفِضُ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مَا أَمَرَ أَحَدٌ وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ الْمُلَابِسُ لَهُ عَاصِيًا بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسًا لِمَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّفْعِ أَوْ تَارِكًا لِمَصْلَحَةٍ وَاجِبَةِ الْحُصُولِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا أَمْرُ الْجَاهِلِ بِمَعْرُوفٍ لَا يِعْرِفُ إِيجَابَهُ أَوْ نَهْيُهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَهُ وَثَانِيهَا قَتْلُ الْبُغَاةِ وَثَالِثُهَا ضَرْبُ الصِّبْيَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَرَابِعُهَا قَتْلُ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا صَالُوا عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ وَلم يُمكن دفعهم إِلَّا بِقَتْلِهِم وخامسا أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يَعْفُوَ وَيُخْبِرَ الْوَكِيلَ فَاسِقٌ بِالْعَفْوِ أَوْ مُتَّهَمٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ فَأَرَادَ الْقِصَاصَ فَلِلْفَاسِقِ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْقَتْلِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَسَادِسُهَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ جَارِيَةٍ فَبَاعَهَا فَأَرَادَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَطَأَهَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا فَأَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُهُ وَلَوْ بِالْقَتْلِ وَسَابِعُهَا ضَرْبُ الْبَهَائِمِ لِلتَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّرَاسِ وَالْجِمَاحِ.
فرع:
قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا عَلَى الْفَوْرِ فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ مِثَالُهُ أَنْ يَرَى جَمَاعَةً تَرَكُوا الصَّلَاةَ يَأْمُرُهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُومُوا لِلصَّلَاةِ.
فرع:
مَنْ أَتَى شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاكِهِ الْحُرْمَةَ وَإِنِ اعْتَقَدَ بِحِلِّيَّتِهِ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُدْرِكُ الْحِلِّ ضَعِيفًا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ كَوَاطِئِ الْجَارِيَةِ بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ عَطَاءٍ وشارب النَّبِيذ مُعْتَقدًا مَذْهَب أبي حنفية وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمًا وَلَا تَحْلِيلًا أُرْشِدَ لِاجْتِنَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ.

.النَّوْعُ السَّابِعَ عشر مداواة الْأَمْرَاض وَالتَّمْرِيضُ وَالرِّفَادُ نَحْوُهُ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا مرض العَبْد بعث الله ملكَيْنِ فَقَالَ انْظُرُوا مَاذَا يَقُول لعواده فَإِن هُوَ إِذا جاؤه حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ أَنا شفيته أبدلته لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَفِيهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مُصِيبَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةُ وَإِنْ صَغُرَتْ إِلَّا أُوجِرَ بِهَا أَوْ كُفِّرَ بِهَا من خطاياه» شكّ الرَّاوِي وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ قَالَ عُثْمَان بن أبي العَاصِي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِي وَجَعٌ كَادَ يُهْلِكُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِّي مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا وَأَصَابَ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُرْحٌ فَاحْتَقَنَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَدَعَا بِرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارٍ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيكما أطيب فَقَالَا أَوَفِي الطِّبِّ خَيْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا عَاد الرجل الْمَرِيض خَاضَ للرحمة فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَهُ قَرَّ فِيهَا وَكُلُّهَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقَالَ أَجَلْ كَمَا يوعك رجلَانِ مِنْكُم لم يرد بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَكِّيَ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَخَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَدَدَ السَّبع بالدواء قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قرب لم تحلل أَو كيتهن لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ النَّفْثُ شِبْهُ الْبَصْقِ وَلَا يُلْقِي شَيْئًا كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ الزَّبِيبِ بَلْ يَسِيرًا مِنَ الرِّيقِ وَالثَّفْلُ إِلْقَاءُ الرِّيقِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفُثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَعنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بقل هُوَ الله أحد وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ الَّذِي يَرْقِي بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ وَالَّذِي يَكْتُبُ وَيَعْقِدُ فِيمَا يُعَلِّقُ عَقْدًا وَالَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَكَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدَّ كَرَاهَةً لِمُشَابَهَتِهِ لِلسِّحْرِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ شَرّ النفاثات فِي العقد} وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَثِيرَةَ الِاسْتِرْقَاءِ حَتَّى تَرْقِيَ الْبَثْرَةَ الصَّغِيرَةَ قَالَ مَالِكٌ يَنْهَى الْإِمَامُ الْأَطِبَّاءَ عَنِ الدَّوَاءِ إِلَّا طَبِيبًا مَعْرُوفًا وَلَا يُشْرَبُ مِنْ دَوَائِهِمْ إِلَّا مَا يعرف وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ أَيْ أَعْلَمَهُمْ إِيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهِ وَعنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُعَالَجَةِ وَمِنَ الْمُعَالَجَةِ الْجَائِزَةِ حِمْيَةُ الْمَرِيضِ وَحَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرِيضًا حَتَّى كَانَ يَمُصُّ النَّوَى مِنَ الْجُوعِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَكْتَوُونَ مِنَ الذَّبْحَةِ وَاللَّقْوَةِ وَذَاتِ الْجنب وَهُوَ يعلم بهم وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» وَهُوَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَأَمَرَ بِالْأَخْذِ بِالْأَفْضَلِ وَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ قَالَ هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يكتؤون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» قَالَ الْبَاجِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ التَّوَكُّلُ مِنَ التَّدَاوِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْبُرْءِ قَالَ غيريه لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ التَّوَكُّلُ أَفْضَلُ مِنَ الكي والمداواة والرقا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مازال يَرْقِي نَفْسَهُ إِلَى آخِرِ مَرَضِ مَوْتِهِ وَكَوَى وَأَمَرَ بِالْكَيِّ وَلَا يَتْرُكُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَفْضَلَ طُولَ عُمُرِهِ وَمُتَابَعَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى ذَلِكَ يَأْبَى الْأَفْضَلِيَّةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اسْتِعْمَالًا لِلطِّبِّ وَقَالَ فِي الرُّطَبِ وَالْقِثَّاءِ يُذْهِبُ حَرَّ هَذِهِ بَرْدُ هَذِهِ وَكَانَ يُكْثِرُ الرِّيَاضَةَ وَاسْتِعْمَالَ الطِّيبِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدَحًا مِنْ مَاءِ الْغسْل وَهُوَ يَجْلُو الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَالْكُلَى وَيُنَقِّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَيُثِيرُ الْحَرَارَةَ وَكَانَ يَتَدَاوَى حَتَّى يَتَدَاوَى بِالْخَوَاصِّ الَّتِي يَتَوَهَّمُ نَفْعَهَا فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي سَبْعِ قِرَبٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْإِعْرَاضِ لِمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الْمُتَوَكِّلِينَ وَكَانَ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَيَطْلُبُ فَضْلَهُ فِي أَسْبَابِهِ الْجَارِيَةِ بِهَا عَادَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَدَبِ وَالتَّوَكُّلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَالصِّدِّيقِينَ وَخَوَاصِّ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَاجَاتِ مِنَ الْكَيِّ وَغَيْرِهَا تَارَةً تُسْتَعْمَلُ مَعَ تَعَيُّنِ أَسْبَابِهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِاسْتِعْمَالِهَا وَتَارَةً مَعَ الشَّكِّ فِيهَا مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَمَا يَفْعَلُ التَّرْكُ لِلْكَيِّ لِتَهَيُّجِ الطَّبِيعَةِ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إِيلَامٌ وَعَيْبٌ حِينَئِذٍ فَحَسُنَ الْمَدْحُ بِتَرْكِهِ أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى فَلَا وَهَذَا طَرِيقٌ صَالِحٌ للْجمع بَين فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ وَخَوَاصِّهِ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي نَفْيِ المداواة لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمُطْلَقُ يَتَأَدَّى بِصُورَةٍ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ نَقَلَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي لَا يَسْتَرْقُونَ بِالتَّمَائِمِ كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ وَالثَّالِثُ لَا يَسْتَرْقُونَ عِنْدَ النَّاسِ تَنْبِيهٌ فِي الصَّحِيحِ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَذِبُ الْبَطْنِ وَكَيْفَ يُوصَفُ الْعَسَلُ بِقَطْعِ الْإِسْهَالِ مَعَ أَنَّهُ مُسْهِلٌ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ شِفَاهُ فِي الْعَسَلِ وَلَكِنْ بَعْدَ تَكَرُّرِهِ إِلَى غَايَةٍ يُحْجَبُ فَلَمَّا لَمْ يُكَرِّرْهُ وَلَمْ يَحْصُلِ الْبُرْءُ صَدَقَ اللَّهُ فِي كَوْنِهِ جَعَلَ الشِّفَاءَ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَةِ الْمُنَاوَلَةِ وَكَذَبَ الْبَطْنُ لِأَنَّهُ بِظَاهِرِ حَالِهِ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ شِفَائِي وَهُوَ شِفَاءٌ لَهُ وَإِنَّمَا الْمُنَاوَلَةُ لَمْ تَقَعْ على الْوَجْه الائق وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْإِسْهَالَ قَدْ يَكُونُ عَنْ سَدَّةٍ كَمَا تَقَرَرَ فِي عِلْمِ الطِّبِّ فَمُدَاوَاتُهَا بِمَا يَجْلُوهَا وَيُحَلِّلُهَا كَمَا يُدَاوَى فِي الزَّحِيرِ الْكَاذِبِ بِالْمُسَهِّلَاتِ وَبِالْمُسَخِّنَاتِ الْمُفَتِّحَةِ الْحُمَّيَاتِ الْكَائِنَةَ عَنِ السَّدَدِ وَهُوَ كَثِيرٌ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ الْمُدَاوَاةُ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا الْغَالِبُ الْمُدَاوَاةُ بِالضِّدِّ فَلَوْ كَرَّرَ لَانْحَلَّتِ السَّدَّةُ وَانْقَطَعَ الْإِسْهَالُ.
فرع:
قَالَ الْبَاجِيُّ تُغْسَلُ الْقُرْحَةُ بِالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ إِذَا غَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنِّي لَأَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُدْخِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَنْ يُرِيدُ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ وَالْبَوْلُ عِنْدَهُ أَخَفُّ وَلَا يُشْرَبُ بَوْلُ الْإِنْسَانِ لِيَتَدَاوَى بِهِ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» أَيْ لَمْ يُشَرِّعْ كَمَا قَالَ تَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} أَيْ لَمْ يُشَرِّعْ وَإِلَّا فَجَعْلُ الْخَلْقِ مَوْجُودٌ وَلَا بَأْسَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ الثَّمَانِيَةِ قِيلَ لَهُ كل مَا يُؤْكَل لحمله قَالَ لَمْ أَقُلْ إِلَّا الْأَنْعَامَ الثَّمَانِيَةَ وَلَا خَيْرَ فِي أَبْوَالِ الْأُتُنِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْس بالكير من اللقوة.

مَسْأَلَة:
فِي الصِّحَاحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا أُوتِيَتْ بِامْرَأَةٍ قد حمت صبَّتْ المَاء بَينهَا وَبَين حبيبها قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ شُرْبَ الْمَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ فُضَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْمَاءَ الْعَذْبَ الْبَارِدَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَشْرِبَةِ الْبَسِيطَةِ وَأَنَّ شُرْبَهُ يَمْنَعُ عَادِيَةَ الْحُمَّيَاتِ الْحَادَّةِ وَيُسَكِّنُ لَهَبَ الصَّفْرَاءِ وحر العفوفة وَيُرَطِّبُ مَا جَفَّ مِنْ رُطُوبَةِ الْجَسَدِ وَيُيَبِّسُ الصَّفْرَاءَ وَحَرَارَةَ الْحُمَّيَاتِ وَهُوَ سَرِيعُ الِانْحِدَارِ خَفِيفٌ عَلَى الْعَلِيلِ وَثَانِيهِمَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحُمَّى الْحَادِثَةِ عَنْ سُوءِ مِزَاجٍ حَارٍّ عَنْ مَادَّةٍ فَإِذَا حُمَّ بِالْمَاءِ مِنْ خَارِجٍ بَرُدَ مِزَاجُهُ وَاعْتَدَلَ فَتَزُولُ الْحُمَّى قَالَ فِي الْقَبَسِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الْأَطْرَافِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُنْعِشُ الْقُوَّةَ وَيُنْهِضُ النَّفْسَ مِنْ غَيْرِ اسْتِصْحَابٍ وَأَمَّا الْحُمَّى الْكَائِنَةُ عَنِ الْمَوَادِّ الْعَفِينَةِ مَتَى حُمَّ صَاحِبُهَا اسْتَصْحَبَ الْجَسَدُ وَاحْتَقَنَتِ الْأَبْخِرَةُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَهْيِيجِ الْمَوَادِّ وَإِحْدَاثِ الْحُمَّيَاتِ وَرُبَّمَا قُتِلَ وَقَدْ وَقَعَ كَثِيرًا لِلْمَحْمُومِينَ حُمُّوا فَمَاتُوا وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي الطِّبِّ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَحْوَالِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ مُطَرِّفٌ إِنْ كَانَ الْمَرْضَى كَالْمَجْذُومِينَ وَنَحْوِهِمْ مَرَضُهُمْ يَسِيرٌ لَا يُخْرَجُونَ مِنَ الْقُرَى وَالْحَوَاضِرِ وَإِنْ كَثُرَ اتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ موضعا كَمَا صنع مرضى مَكَّة عد التَّنْعِيمِ مَنْزِلَتُهُمْ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنَ الْأَسْوَاقِ لِحَاجَاتِهِمْ والتطرف لِلْمَسْأَلَةِ إِذَا لَمْ يُرْزَقُوا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ أَصْبَغُ يُخْرَجُونَ مِنَ الْحَوَاضِرِ وَإِذَا أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِمْ أُلْزِمُوا بُيُوتهم أَو التنحي إِن شاؤا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّنَحِّي إِذَا كَثُرُوا أَعْجَبُ إِلَيَّ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ وَيُمْنَعُ الْمَجْذُومُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمِنَ الْجُمُعَةِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ التَّطَبُّبُ قَبْلَ نُزُولِ الدَّاءِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ جَائِزٌ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ صَوْنًا لِلْجِسْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ قَالَ وَأَرَى إِنْ خَشِيَ نُزُولَهُ جَازَ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ عِيَادَةُ الْمَرِيض مُؤَكد طلبَهَا لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي غُرْفَةِ الْجَنَّةِ» وَلِمَا فِيهَا من التأنيس وَالْخَيْر والألفة وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ» عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَرُبمَا وجده مُحْتَاجا لشَيْء فيسد خلته قَالَ التَّمْرِيضُ فَرْضُ كِفَايَةٍ صَوْنًا لِلْمَرِيضِ عَنِ الضَّيَاعِ فَأَوْلَى النَّاسِ الْقَرِيبُ ثُمَّ الصَّاحِبُ ثُمَّ الْجَارُ ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَرِهَ مَالِكٌ الرُّقَى بِالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَاسْتَخَفَّ أَنْ يَنْجُمَ الشَّيْءُ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِ حَدِيدَهُ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النُّجُومِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ بِالِاهْتِدَاءِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْخَيْطِ يُرْبَطُ فِي الْأُصْبُعِ لِلتَّذْكَارِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ وَجَوَّزَ تَعْلِيقَ الْخَرَزَةِ مِنَ الْحُمْرَةِ وَأَجَازَ مَرَّةً تَعْلِيقَ التَّمَائِمِ من الْقُرْآن وَكَرِهَهَا مَرَّةً فِي الصِّحَّةِ مَخَافَةَ الْعَيْنِ أَوْ لِمَا يُتَّقَى مِنَ الْمَرَضِ وَأَجَازَهَا مَرَّةً بِكُلِّ حَالٍ وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ وَمَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا أَوْدَعَ اللَّهُ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهَا فِي الْمَرَضِ دُونَ الصِّحَّةِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا عُلِّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ بِتَمِيمَةٍ وَأَمَّا الرُّقَى فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ مُطْلَقًا لِلسُّنَّةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا التَّمَائِمُ بِالْعِبْرَانِيِّ وَمَا لَا يُعْرَفُ فَيَحْرُمُ لِلْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ لِمَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْكُفْرِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَنْ بِهِ لَمَمٌ فَقِيلَ لَهُ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا صَاحِبَكَ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهَذَا وَهَذَا مِنَ الطِّبِّ وَكَانَ مَعْدِنٌ لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ بِالْجِنِّ فَأَمَرَهُمْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَرْفَعُونَ بِهِ أَصْوَاتَهُمْ فَفَعَلُوا فَانْقَطَعَ ذَلِك عَنْهُمْ.