فصل: الْأَدَبُ الثَّالِثُ وَأَوَّلُ مَا يَنْظُرُ فِيهِ بَعْدَ وِلَايَتِهِ الْمَحْبُوسُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الرَّابِعُ فِي آدَابِ الْقُضَاة:

وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَدَبًا:

.الْأَدَبُ الْأَوَّلُ مَوْضِعُ جُلُوسِهِ:

وَفِي الْكِتَابِ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَلِأَنَّهُ يُرْضَى فِيهِ بِالدُّونِ مِنَ الْمَجْلِسِ وَتَصِلُ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ وَلَا يُقِيمُ فِيهِ الْحُدُودَ وَنَحْوَهَا بِخِلَافِ خَفِيفِ الْأَدَبِ وَأَصله قَوْله تعإلى {وَهل أَتَاك نبؤا الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب} وَقضى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفات بَعْدَهُ فِيهِ وَاسْتَحَبَّهُ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ وَكَرِهَهُ ش لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَنبُوا صِبْيَانكُمْ مَسَاجِد كم وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَحُدُودَكُمْ وَسَلَّ سِيُوفِكُمْ وَبَيْعكُمْ وَشِرَاء كم وَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ يُتْبَعُ فِيهَا الْفُجُورُ وَالتَّكَاذُبُ وَالسَّبُّ وَالظُّلْمُ وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَرْبَابُ الْقَاذُورَاتِ وَلَمْ يُوضَعِ الْمَسْجِدُ لِذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ مُخَصص لهَذَا الْعُمُوم وَأما الْحيض فيمنعن ويأكلن أَوْ يَأْتِينَ الْحَاكِمَ فِي بَيْتِهِ وَالْجُنُبُ يَغْتَسِلُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ دون حَاجتهم احتجب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ وَالْمَسْجِدُ أَبْعَدُ عَنِ الْحِجَابِ وَأَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ فَيُسْتَحَبُّ قَالَ التُّونُسِيُّ قَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ أَحْسَنُ مَجَالِسِ الْقَاضِي رَحَبَاتُ الْمَسْجِدِ الْخَارِجَةُ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيقٍ فِي غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْقُضَاةِ لَا يَجْلِسُونَ إِلَّا فِي الرَّحَبَاتِ خَارِجًا إِمَّا عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ وَإِمَّا فِي رحبة دَار مَرْوَان وَمَا كَانَت تسمى الارحبة الْقَضَاءِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِيَصِلَ إِلَيْهِ الْيَهُودِيُّ وَالْحَائِضُ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَمِنَ الْعَدْلِ أَن يكون منزل القَاضِي سط الْمِصْرِ لِيَصِلَ النَّاسُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَطْرَافِ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَيَكُونَ مَجْلِسُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَفِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ ثَلَاثَةُ أَقُوَالٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْمَسْجِدُ وَعَنْهُ الرِّحَابُ الْخَارِجَةُ وَنَقَلَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ التُّونُسِيُّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤْمَرُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَنْزِلِهِ حَيْثُ أَحَبَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالرِّحَابُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنِ الْخُصُومَاتِ وَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى الْمُسْتَحَبُّ الرِّحَابُ الْخَارِجَةُ عَنِ الْمَسْجِدِ قَالَ أَشْهَبُ يَقْضِي حَيْثُ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ حَتَّى يَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنِ النَّظَرِ وَالْفَهْمِ فَلْيَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَاتَّخَذَ سَحْنُونٌ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ يَقْعُدُ فِيهِ النَّاسُ وَلَا يَقْضِي فِي طَرِيقِ مَمَرِّهِ إِلَّا أَنْ يَعْرِضَ لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِهِ فِيهِ فَيَأْمُرُ فِيهِ وَيَنْهَى مِنْ غَيْرِ فَصْلِ حُكْمٍ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَعَنْ أَشْهَبَ يَقْضِي وَهُوَ يَمْشِي إِذَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ كَمَا يَقْضِي وَهُوَ متكيء قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَيُسْتَحَبُّ جُلُوسُهُ بِالرِّحَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ فَوَافَقَ الْبَاجِيَّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَالُوهُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْقُضَاةِ لَا يَجْلِسُونَ إِلَّا فِي الرَّحَبَاتِ فَدَلَّ أَنَّ الْعَمَلَ ذَلِكَ وَالْعَمَلُ عِنْدَهُ مُقَدَّمٌ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ لَا تُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ وَالْحُدُودُ تُقَامُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ إِجْمَاعًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْحُيَّضُ وَالْيَهُودُ.

.الْأَدَبُ الثَّانِي زَمَانُ جُلُوسِهِ:

قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ يَتَخَيَّرُ وَقْتًا يَجْلِسُ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ رِفْقٌ لِلنَّاسِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ بَين العشائين وَلَا فِي الْأَسْحَارِ إِلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ أَمْرٌ يُرْفَعُ إِلَيْهِ فَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيَسْجِنُ أَمَّا عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِمَّا يُشْخَصُ فِيهِ الْخُصُومُ فَلَا لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ ضَيِّقَةٌ عَنْ ذَلِكَ كَالشَّوَارِعِ فِي الْبِقَاع وَجوز أَشهب الحكم بَين العشائين قَالَ فَمَعْنَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك لما فِي إِحْضَار البيانات عَلَى الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ إِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقَدْ شَاعَتِ الْآجَالُ فِي الْقَضَاءِ وَالْآمَالِ وَاسْتِقْصَاءِ الْحُجَجِ وَهُوَ يُنَافِي الْقَضَاءَ بِاللَّيْلِ وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ فَيَقْضِيَ النَّهَارَ كُلَّهُ وَلْيَقْعُدْ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ أَخَافُ أَنْ يكثر فيخطىء قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ يَقْضِي بَيْنَ العشائين إِذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَلَا يُكَلِّفُ الْكَافَّةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ بَعْدَ أَذَانِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ قَالَ التُّونُسِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ أَيَّامَ النَّحْرِ وَلَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا مَا قَارَبَهُ مِمَّا يَضُرُّ فِيهِ بِالنَّاسِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَكَذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ الطِّينِ وَالْوَحْلِ وَيَوْمَ خُرُوجِ االناس لِلْحَجِّ بِمِصْرٍ لِكَثْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ يَوْمَئِذٍ بِتَوْدِيعِ الْحَاجِّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيَكُونُ وَقْتُهُ مُعَيَّنًا لَا يُقَدِّمُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِيَعْلَمَهُ النَّاسُ وَكُلُّ الْأَوْقَاتِ الَّتِي قِيلَ لَا يَجْلِسُ يَجْلِسُ إِذَا عَرَضَتْ ضَرُورَة.

.الْأَدَبُ الثَّالِثُ وَأَوَّلُ مَا يَنْظُرُ فِيهِ بَعْدَ وِلَايَتِهِ الْمَحْبُوسُونَ:

لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَيُطْلِقُ مَنْ حُبِسَ فِي ظُلْمٍ أَوْ تَعْزِيرٍ وَبَلَغَ حَدَّهُ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الأوصياء وكوافل الْأَطْفَال إِذْ رَافع لِوَقَائِعِهَا إِلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ يَنْبَغِي لَهُ إِذَا قعد للْقَضَاء يَأْمر مناديا نَادِي عَنْهُ فِي النَّاسِ أَنَّ كُلَّ يَتِيمٍ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا وَكِيلَ وَكُلَّ سَفِيهٍ مُسْتَوْجِبٌ لِلْوِلَايَةِ مُنِعَتِ النَّاسُ مِنْ مُتَاجَرَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَمَنْ عَلِمَ مَكَانَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فليرفعه إِلَيْنَا لنولي عَلَيْهِ ويحجر فَمَنْ دَايَنَهُ بَعْدَ مُنَادِي الْقَاضِي أَوْ بَاعَ مِنْهُ أَوِ ابْتَاعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ.

.الْأَدَبُ الرَّابِعُ:

فِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِينَ وَمَنْ نَكَّرَ مَعَهُمْ يَنْظُرُ فِي تَرْتِيبِ الْكِتَابِ وَالْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ وَيَكُونُ الْكَاتِبُ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَقَالَ أَصْبَغُ وَيَكُونُ مَرْضِيًّا مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ يُخْشَى تَغْيِير الْقَضَاء وتبديل الْأَسْمَاء والتنميم عَلَى الْقَاضِي وَلَا يَغِيبُ لَهُ عَلَى كِتَابٍ احْتِيَاطًا وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ دُونَ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ اسْتَبَانَ حُكْمًا وَالْكَاتِبُ كَالْآلَةِ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَوْ تَرْجَمَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَيْرِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالْكَافِي فِي التَّرْجَمَةِ شَاهِدًا وإمرأتان وَرَوَى أَشْهَبُ يُتَرْجِمُ لِلْقَاضِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ وَاثْنَانِ أَحَبُّ إِلَيْنَا وَلَا يُتَرْجِمُ كَافِرٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مَسْخُوطٌ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِ الْمُتَرْجِمِ فَاشْتَرَطَ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ تَرْجَمَةَ امْرَأَةٍ عَدْلَةٍ كَالرِّوَايَةِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إِذَا تَعَذَّرَ مُتَرْجِمٌ مِنَ الرِّجَالِ قَالَا وَامْرَأَتَانِ وَرَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا وَأَصْلُ الْكتاب أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ كُتَّابٌ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزيد ابْن ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ كَثِيرُ الْأَشْغَالِ وَالنَّظَرِ فَلَا يَتَفَرَّغُ يَكْتُبُ بِيَدِهِ وَوَافَقَنَا الْأَئِمَّةُ عَلَى السَّلَامَةِ وَعَدَالَتِهِ وَقَالُوا يَكُونُ فَقِيهًا فَطِنًا فَاضِلًا لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ وَالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ ونزيها لَيْلًا يُسْتَمَالَ بِالرُّشَى وَبِنَوْعٍ غَيْرِهَا عَلَى التَّحَامُلِ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَأَمَّا الْمُتَرْجِمُ عَنِ الْخُصُومِ وَالشُّهُودِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ ش كَوْنَهُ اثْنَيْنِ وَاكْتَفَى ح بِوَاحِدٍ وَمَنَعَ الْعَبْدَ لِأَنَّ تَلَايَتَهُ إِخْبَارٌ لَا شَهَادَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا بَلْ يَقُولُ هُوَ يَقُولُ كَذَا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُفْتِي وَقَاسَهُ ش عَلَى مَا إِذَا شَهِدَ عَلَى إِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْفَهْمِ مِنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ وَهُوَ إِذَا لَمْ يَطَّلِعِ اشْتُرِطَ اثْنَانِ فَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُفْهَمْ.
قَاعِدَةٌ:
يَقَعُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ كَثِيرًا أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ فَمَا ضَابِطُ حَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَهُمَا فَرْعُ تَصَوُّرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُضْبَطَا فَاشْتُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الْخَبَرِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهَا شَهَادَةً فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ قَبْلَ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فَلَوِ اسْتَفَدْنَاهَا مِنَ الْعَدَدِ لَزِمَ الدَّوْرُ فَنُبَيِّنُ الْآنَ الْحَقِيقَتَيْنِ فَنَقُولُ مُتَعَلِّقُ الْخَبَرِ فِي الشَّرْعِ مِنَ الْعَدْلِ حَيْثُ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ احْتِرَازًا مِنَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا فَإِنْ كَانَ عَامَّا فَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ وَالرِّوَايَةُ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَلْقِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ سِرُّ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الشَّهَادَةِ إِنَّمَا كَانَ لِتَوَقُّعِ الْعَدَاوَةِ الْبَاطِنَةِ بَيْنَ الْعَدْلِ وَبَيْنَ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَاشْتُرِطَ الْعَدَدُ اسْتِظْهَارًا وَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي مُعَادَاةِ النَّاسِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَالْعُمُومُ سِرُّ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَهُوَ ضَابِطُ الرِّوَايَةِ وَإِنَّ تَعَلَّقَ بِالْخُصُوصِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ ثُمَّ تَقَعُ فُرُوعٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا لِأَجْلِ الشَّائِبَتَيْنِ هَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهَادَةِ أَوِ الْخَبَرِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ رُؤْيَةِ رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَخُصُّ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَشْبَهَ الرِّوَايَةَ فَيُقْبَلُ الْوَاحِدُ قَالَهُ ش وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَة أشبه الشَّهَادَة فَيشْتَرط لعدد وكلك الْمُتَرْجِمُ وَالْقَائِفُ وَالْمُقَدَّمُ لِمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا الْكَشْفُ وَالتَّحْقِيقُ عَزِيزٌ كُنْتُ أَطْلُبُهُ عِدَّةً مِنَ السِّنِينَ حَتَّى وَجَدْتُهُ لِلْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَتَأَمَّلْهُ.
فرع:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ يُوَلِّي حَاسِبًا ثِقَةً يَقْسِمُ وَيُخْبِرُهُ بِمَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيَقْبَلُ قَوْلَهُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ مُخْبِرٌ.
فرع:
قَالَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْبَلُ قَوْلُ الطَّبِيبِ الْكَافِرِ فِي الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ الْحَاضِرَيْنِ لِأَنَّهُ عِلْمٌ يَأْخُذُهُ عَمَّنْ يُبْصِرُهُ مَرْضِيٌّ أَوْ مسخوط وَاحِد أَو اثْنَيْنِ فَإِنْ غَابَ الْعَبْدُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَقْبَلْ إِلَّا الشَّهَادَةَ بِشُرُوطِهَا وَكَذَلِكَ يَقْبَلُ فِي عُيُوبِ الْأَمَةِ وَاحِدَةً مَرَضِيَّةً مِنَ النِّسَاءِ فَإِنْ فَاتَتِ الْأَمَةُ لَمْ يَقْبَلْ إِلَّا امْرَأَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَالْقِيَاسُ فِي الْجِرَاحِ يَكْفِي وَاحِدٌ إِذَا أَمَرَهُ الْإِمَامُ يَنْظُرُ ذَلِكَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طَبِيبًا جَازَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعُيُوبِ وَمَا فَاتَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا مَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ.

.الْأَدَبُ الْخَامِسُ:

فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَقْضِي فِي حَالَةِ غَضَبٍ وَلَا جُوعٍ وَلَا حَالَةٍ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْغَضَبُ فِيهَا أَوْ يُدْهَشُ عَنْ تَمَامِ الْفِكْرِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يُكْثِرُ الْجُلُوسَ جِدًّا وَإِذَا دَاخَلَهُ هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ ضَجَرٌ فَلْيَقُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَمِنْ ذَلِكَ الشَّبَعُ الْكَثِيرُ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَاخْتُلِفَ إِذَا ضَجِرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُحَدِّثُ جُلَسَاءَهُ لِيُرَوِّحَ قَلْبَهُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْحُكْمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقُومُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَلَا يحكم مُتكئا لِأَنَّهُ استخفاف بالحاضرين وللعلم حُرْمَتِهِ.
تَمْهِيدٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ وَمَا خَفَّ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ دُونَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ وَعَلَى هَذَا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ الْحُكَّامِ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ تَصِيرُ لَهُ أُمُورٌ ضَرُورِيَّةٌ هِيَ عِنْد غَيره تحْتَاج فكرا كثيرا فيبح الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَكَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْعَظِيمَةُ النَّظَرِ إِذَا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهَا عَنْ قُرْبٍ بِفِكْرٍ مُسْتَوْعِبٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا حِينَئِذٍ إِلَى فِكْرٍ.
قَاعِدَةٌ:
وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَالْمَنَاطُ الْعِلَّةُ فَإِنِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْ أَوْصَافٍ مَذْكُورَةٍ فِي صُورَةِ النَّصِّ كَمَا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فِي تَصْرِيحِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَوْصَافِ بِإِفْسَادِ رَمَضَانَ فَهُوَ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ أَوْ مِنْ أَوْصَافٍ لَمْ تُذْكَرْ كَمَا فِي حَدِيثِ بَيْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ فَهُوَ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ أَوِ اتُّفِقَ عَلَيْهَا وَحَصَلَ التَّنَازُعُ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْقِ فَهُوَ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ كَالتَّنَازُعِ فِي كَوْنِ التِّينِ مُقْتَاتًا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الِاقْتِيَاتَ الْعِلَّةُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ قِيَاسُ عَدَمِ الْفَارِقِ فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ الْقَاضِي فِي الْغَضَبِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ كَالشَّبَعِ وَالْجُوعِ هُوَ مِنْ بَابِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ لِأَنَّا لَمْ يُغْنِ وَصْفًا مَذْكُورَةً بل أخرجنَا من الْمَذْكُور وَصْفًا آخَرَ وَهُوَ تَشْوِيشُ فِكْرٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْأَعرَابِي على مذهبا لِأَنَّا أَخَذْنَا إِفْسَادَ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ واقعت.الْأَدَبُ السَّادِسُ:

قَالَ اللَّخْمِيُّ يُقَدِّمُ الْخُصُومَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ اسْتَحَقَّ بِسَبْقِهِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون} قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْمُسَافِرِ وَكَالسَّبْقِ إِلَى الْمَجَالِسِ وَالْأُمُورِ الْمُبَاحَاتِ أَوْ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْأَوَّلِ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي بِطَائِقَ وَخُلِطَتْ فَمَنْ خَرَجَ اسُمُهُ بُدِئَ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقُرْعَةِ لِأَنَّهُ تَطْيِيبٌ لِلنُّفُوسِ.
فرع:
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَا يُقَدَّمُ فِي الدَّعَاوَى وَالْفَتَائِكِ إِلَّا بِدَعْوَى وَاحِدَةٍ وَقَالَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ فَإِذَا قَالَ الْأَوَّلُ لِي آخَرُ قَدَّمَ عَلَيْهِمَا الْأَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ فِي الثَّانِيَةِ مَا يَأْتِيهِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قُدِّمُوا فِي وَاحِدَةٍ فَلَوْ قُدِّمَ وَاحِدٌ فِي اثْنَتَيْنِ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ مَأْمُورٌ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ} وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ بِالنَّقْلِ وَوَافَقُونَا عَلَى تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِينَ بِشَرْطِ الْقِلَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْهُمُ الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة.