فصل: الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.كتاب الْجِنَايَات:

وَهِي سَبْعَة: الْبَغي وَالرِّدَّة وَالزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالشُّرْبُ وَأَصْلُهَا مِنَ الْجَنْيِ كَأَنَّ مَنْ فَعَلَ أَحَدَهَا فَقَدِ اسْتَثْمَرَ أَخْلَاقَهُ كَمَا تُجْنَى الثَّمَرَةُ مِنَ الشَّجَرَةِ.

.الْجِنَايَةُ الْأُولَى فِي الْبَغْيِ:

وَالنَّظَرِ فِي صِفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَحْكَامِهِمْ:

.النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِهِمْ:

وَأَصْلُهَا لُغَةً الطَّلَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا ردَّتْ إِلَيْنَا} أَيْ مَا نَطْلُبُ وَفِي الْجَوَاهِرِ خَصَّصَهُ الشَّرْعُ بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغِي خَلْعَهُ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ أَوْ يَمْنَعُ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ وَوَافَقَنَا الْأَئِمَّةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ غَيْرَ أَنَّهُمْ نصوا على اشْتِرَاطِ الْكَثْرَةِ الْمُحْوِجَةِ لِلْجَيْشِ وَأَنَّ الْعَشَرَةَ وَنَحْوَهَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِأَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ لَمَّا جَرَحَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلْحَسَنِ إِنْ بَرِئْتُ رَأَيْتُ رَأْيِي وَإِنْ مِتُّ فَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْ لِفِعْلِهِ حُكْمَ الْبُغَاةِ وَاشْتَرَطُوا التَّأْوِيلَ مَعَ الْكَثْرَةِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ فَجَعَلُوا الشُّرُوطَ ثَلَاثَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَحِلِّينَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَقَالَ (ش) و (ح) ومتأخرو الْجِنَايَات هُمْ بُغَاةٌ وَلِمَالِكٍ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ فَعَلَى تكفيرهم يكونُونَ بغاة.

.النَّظَرُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهِمْ:

وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ:
الْأَوَّلُ وُجُوبُ قِتَالِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تفيئ إِلَى أَمر الله} وفيهَا أَربع فَوَائِد:
الأولى أَنه تَعَالَى لَمْ يُخْرِجْهُمْ بِالْبَغْيِ عَنِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ.
الثَّانِيَةُ:
ثُبُوتُ قِتَالِهِمْ لِأَنَّ الْأَمر للْوُجُوب.
الثَّالِثَة:
سُقُوط قِتَالهمْ إِذا فاؤوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ.
الرَّابِعَةُ:
جَوَازُ قِتَالِ كُلِّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا عَلَيْهِ وَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَانَعِي الزَّكَاةِ بِتَأْوِيلٍ وَقَاتَلَ عَلِيٌّ رَضِي الله عَنهُ الْبُغَاة الَّذين امْتَنعُوا من بيعَته وهم أَهْلُ الشَّامِ وَطَائِفَةٌ خَلَعَتْهُ وَهُمْ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا خَرَجُوا بَغْيًا وَرَغْبَةً عَنْ حُكْمِ الْإِمَامِ دَعَاهُمُ الْإِمَامُ إِلَى الْحَقِّ فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَجَازَ لَهُ سَفْكُ دَمِهِمْ حَتَّى يُقِرَّهُمْ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ هَزِيمَتُهُمْ وَأُمِنَتْ دَعْوَتُهُمْ فَلَا يَقْتُلْ مُنْهَزِمَهُمْ وَلَا يُذَفِّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ بِالذَّالِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ مَا يُسْرِعُ بِهِ إِلَى قَتله وَقَالَهُ الْأَئِمَّة فَإِن لم يَأْمَن رجوعهم قتل مُنْهَزِمُهُمْ وَجَرِيحُهُمْ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي لله قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى مِنْ أُمَّتِي فَقُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَن لَا يتبع مدبرهم وَلَا يُجهز بِالرَّأْسِ الْمُقدمَة عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُقَسَّمُ فيئهم» وَلِأَن الْعِصْمَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَإِنْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» وَيَقْتُلُ الرَّجُلُ فِي قِتَالِهِمْ أَخَاهُ وَقَرِيبَهُ مُبَارَزَةً وَغَيْرَ مُبَارَزَةٍ وَجَدَّهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَمَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ قِتَالُ ضَرُورَةٍ وَلَا أُحِبُّ قَتْلَ الْأَب وَحده عمدا مُبَارَزَةً أَوْ غَيْرَهَا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} وَقَالَ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشكر لي ولوالديك الي الْمصير وَإِن جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تطعهما} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ انْدَرَجَ فِي الْمُوصَى ببره لِأَنَّهُ لَا يَأْمر بالشرك إِلَّا كَافِر وَقَالَ أَصْبَغُ يَقْتُلُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَإِذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَكَانُوا أَهْلَ بَصَائِرَ وَتَأْوِيلٍ أَوْ أهل عصبية من الإِمَام الْعدْل ينصب المجانيق عَلَيْهِم وَيَقْطَعُ مَيْرَتَهُمْ وَمَاءَهُمْ أَوْ يُرْسِلُ الْمَاءَ عَلَيْهِمْ لِيُغْرِقَهُمْ كَالْكُفَّارِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَلَا يرميهم بالنَّار إِلَّا أَن لَا يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَلَا ذُرِّيَّةٌ فَلَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرَى رَأْيَهُمْ وَيَكْرَهُ بَغْيَهُمْ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إِذَا حَضَرَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يُقَاتِلُ فَقَالَ ابْن حَنْبَل وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ عَلِيًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَى أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ السَّجَّادِ وَقَالَ إِيَّاكُمْ وَصَاحِبَ الْبُرْنُسِ وُصِفَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بِآيَاتِ رَبِّهِ ** قَلِيلِ الْأَذَى فِيمَا تَرَى الْعَيْنُ مُسْلِمِ

هَتَكْتُ لَهُ بِالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ** فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ

عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعًا ** عَلِيًّا وَمَنْ لَمْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يُظْلَمِ

يُنَاشِدُنِي حَامِيم وَالرمْح ساجر ** فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ

وَكَانَ السَّجَّادُ حَامِلَ رَايَةِ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ يُقَاتِلُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلِيٌّ قَتْلَهُ وَلِأَنَّهُ مُبَارَزَةٌ لَهُمْ أَوْ يُلَاحِظُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَعْصُومُ الدَّمِ إِلَّا مَا أَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِهِ فَتَوَجَّهَ الْخِلَافُ وَإِذَا اسْتَعَانَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ بِالذِّمَّةِ رُدُّوا إِلَى ذِمَّتِهِمْ وَوُضِعَ عَنْهُمْ مِثْلَ مَا وُضِعَ عَنِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَإِنْ قَاتَلَ النِّسَاءُ مَعَ الْبُغَاةِ بِالسِّلَاحِ فَلَنَا قَتْلُهُنَّ فِي الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْنَ إِلَّا بِالتَّحْرِيضِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ فَلَا يُقْتَلْنَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلْنَ أَحَدًا بِذَلِكَ وَإِنْ أُسِرْنَ وَقَدْ كُنَّ يُقَاتِلْنَ قِتَالَ الرِّجَالِ لَمْ يُقْتَلْنَ إِلَّا أَن يكن قد قتلن قَالَ الشَّيْخ يُرِيدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
نَظَائِرُ:
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يُقْصَدَ بِالْقِتَالِ رَدْعُهُمُ الْقَهْرِيُّ وَيُكَفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُقْتَلَ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيهِمْ وَلَا يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بمشرك وَلَا يوادعهم عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبَ عَلَيْهِمُ الرَّعَّادَاتُ وَلَا تحرق عَلَيْهِم المساكن وَلَا يقطع شَجَرُهُمْ وَقِتَالُ الْمُحَارِبِينَ قِتَالُ الْبُغَاةِ إِلَّا فِي خَمْسٍ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ وَيُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِمْ وَمَا أَخَذُوهُ من الْخراج والزكوات لَا تَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ.
الثَّانِي:
فِي الْجَوَاهِر إِن ولوا قَاضِيا وَأخذُوا الزَّكَاةَ أَوْ أَقَامُوا حَدًّا نَفَّذَ عَبْدُ الْمَلِكِ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ وَرَدَّهُ ابْن الْقَاسِم كُله بِعَدَمِ صِحَة الْولَايَة.
فرع:
قَالَ وَلَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إِنْ كَانُوا خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَأَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَمُخَالِفِةِ السُّلْطَانِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ يَلْزَمُهُمُ النَّفْسُ وَالْمَالُ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ وَلَا يَضْمَنُ الْمُرْتَدُّونَ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ بَشِيرٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ وَأَنَّ مَا أَتْلَفَتْهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَنَّهُ يُضْمَنُ وَقَالَ (ح) مَا أَتْلَفَهُ الْبُغَاةُ لَا يُضْمَنُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ الدُّخُول بدار الْحَرْب وَبعد اللحوق بدار الْحَرْب يُضْمَنُ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْبُغَاةِ وَعِنْدَ (ش) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ لَنَا فِي الْمُرْتَدِّينَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلْمُرْتَدَّيْنِ مُسَيْلِمَةَ وطليحة وَغَيْرِهِمَا تَدُونُ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ فَقَالَ عُمَرُ وَلَا يَدُونَ قَتْلَانَا وَإِنَّمَا أَصْحَابُنَا عَمِلُوا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَجْرُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ إِجْمَاعًا وَلَنَا فِي الْبُغَاةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا - إِلَى قَوْله - فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} وَالْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَالسَّبْعِ وَالصَّائِلِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَلِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُحِقُّ فَلَا يَضْمَنُ الْمُبْطِلُ كَالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ احْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ الْبَاقِيَةِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الْآخَرِ فِي إِتْلَافِ الْعُدْوَانِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا كَغَيْرِ الْبَاغِي وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْقِتَالِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِهِمْ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَمْتَنِعُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ التَّالِفِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي رَدِّ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْغَرَامَةِ فِي التَّالِفَةِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي بِالْفَرْقِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ وَتَحَقُّقِ الْقَصْدِ لِلْفَسَادِ وَهُوَ جَوَابُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَعَنِ السَّادِسِ أَنَّهُمْ إِذَا امْتَنعُوا كَانُوا أضرّ على الْإِسْلَام فيتلافوا بِإِسْقَاطِ التَّبِعَاتِ إِذَا رَجَعُوا.
الرَّابِعُ:
قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا حَرِيمُهُمْ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَيُؤَدَّبُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا قُتِلَ بِهِ إِنْ كَانُوا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ قَائِمَةٌ اسْتَعَانَ الْإِمَامُ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ عَلَى قِتَالِهِمْ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَيُرَدُّ لِرَبِّهِ إِذَا زَالَتِ الْحَرْبُ وَلَا يُسْتَعَانُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَائِمَةٌ وَيُرَدُّ إِلَيْهِمْ أَوْ لِأَهْلِهِمْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْهُمْ.
الْخَامِسُ:
قَالَ إِذَا سَأَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْإِمَامَ الْعَدْلَ التَّأْخِيرَ أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ أَوْ يُدْلُوا بِحُجَّةٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُمْ وَلَهُ تَأْخِيرُهُمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَا لم يقاتلوا فِيمَا أخذُوا أَو يفسدوا فَلَا يُؤَخِّرُهُمْ حِينَئِذٍ.
السَّادِسُ:
فِي النَّوَادِرِ إِذَا قَتَلَ الْبُغَاةُ أَوِ الْكُفَّارُ رَهَائِنَنَا لَمْ نَقْتُلْ رهائنهم ونردهم اليهم وَكَذَلِكَ فعله مُعَاوِيَةُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ نَسْتَرِقُّهُمْ وَلَا نَرُدُّهُمْ.
السَّابِعُ:
قَالَ قَتْلَانَا فِي الْقِتَالِ كَالشُّهَدَاءِ وَقَتْلَاهُمْ يُتْرَكُونَ إِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَإِلَّا دُفِنُوا بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ غير الإِمَام.
الثَّامِن:
لَا يبْعَث بالرؤس لِلْآفَاقِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ.
التَّاسِعُ:
مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ مِنَ الْبُغَاةِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِيرَاثُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَجَّلْ مَا أَجَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيحرم.
الْعَاشِر:
قَالَ إِن ألجأونا إِلَى دَار الْحَرْب لم يجز أَن يغزوا بِمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ.
الْحَادِيَ عَشَرَ:
قَالَ إِذَا اقْتَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَتَانِ لَا نَقْدِرُ نَحْنُ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَلَا نُقَاتِلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُنْضَبِطِينَ لِلْقِتَالِ الْمَشْرُوعِ.
الثَّانِيَ عَشَرَ:
إِنْ سَبَوْا مُشْرِكِينَ قَدْ صَالَحْنَاهُمْ حَرُمَ عَلَيْنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْهُمْ وَنُقَاتِلُهُمْ لِخَلَاصِهِمْ وَكَذَلِكَ مَنْ صَالَحَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنَ الْكُفَّارِ بِخِلَافِ لَوِ اسْتَعَانُوا بِهِمْ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَة لَيْسَ تَأْمِينًا.
تَنْبِيهٌ:
الْأَصْلُ فِي الْإِتْلَافِ إِيجَابُ الضَّمَانِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ الْبُغَاةُ تَرْغِيبًا فِي الرُّجُوع إِلَى الْحق والحكام لَيْلًا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْوِلَايَاتِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ.

.الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ:

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا وَالنَّظَرُ فِي حَقِيقَتِهَا وَحُكْمِهَا.

.النَّظَرُ الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَتِهَا:

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُكَلَّفٍ وَفِي غَيْرِ الْبَالِغِ خِلَافٌ إِمَّا بِاللَّفْظِ أَو بِالْفِعْلِ كإلقاء الْمُصحف فِي الْقَاذُورَاتِ وَلِكِلَيْهِمَا مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا إِلَّا عَلَى التَّفْصِيلِ وَلِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ وَالْأَصْلُ حَمْلُهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} وَفِي هَذَا الطَّرَفِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى:
فِي الْجَوَاهِرِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ إِنْ عُرِفَ أَنَّهُ عَنْ ضِيقٍ نَالَهُ أَوْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ عُذِّرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُعْذَرُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ عَنْ ضِيقٍ وَقَالَهُ (ش) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَشْرُوعٌ كَمَا فِي الْحَرْبِيِّينَ جَوَابُهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فِيهِمْ لِعَدَمِ الْعَهْدِ أَمَّا الذِّمِّيُّ فَعَهْدُهُ يَمْنَعُ الْإِكْرَاهَ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ إِسْلَامٌ حَقِيقِيٌّ مَعَ اخْتِيَارٍ قَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْخَوْفِ قَالَ مُحَمَّد فِي النَّصْرَانِيِّ يَصْحَبُ الْقَوْمَ فِي سَفَرٍ فَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي وَرُبَّمَا أَمَّهُمْ فَلَمَّا أَمِنَ قَالَ تحصنت بِالْإِسْلَامِ لَيْلًا توخذ بَنَاتِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ إِنْ أَشْبَهَ مَا قَالَ وَيُعِيدُونَ مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَدَارَى عَنْهَا وَعَنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُعِيدُ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ أَوْ فِي مَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ آمِنٌ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ إِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُعِيدُوا صَلَاتَهُمْ وَإِلَّا قُتِلَ وَأَعَادُوا.
قَاعِدَةٌ:
الْإِكْرَاهُ مُسْقِطٌ لِاعْتِبَارِ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَالرِّدَّةُ سَبَبُ الْإِهْدَارِ وَالْإِسْلَامُ سَبَبُ الْعِصْمَةِ فَيَسْقُطَانِ مَعَ الْإِكْرَاهِ غَيْرَ أَنَّ (ش) اشْتَرَطَ الْإِكْرَاهَ عَلَى غَيْرِ الذِّمِّيِّ يَقْضِي بِإِسْقَاطِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْزَمَهُ عَلَى الطَّلَاقِ. وَإِلَّا لَا يَسْقُطُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَسْبَاب وَنحن نلاحظ الْمَعْنى فَمَتَى ألجئ للشيئ بِالْخَوْفِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُكْرِهُ لَهُ عُدَّ إِكْرَاهًا فِيهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُقُوعُ التَّصَرُّفِ عَلَى خِلَافِ الدَّاعِيَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَأَنَّهُ صَارَ كَالْآلَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الدَّاعِيَةِ مَنْسُوبٌ لِلْمُكْرِهِ لَا لَهُ.
الثَّانِيَةُ:
فِي النَّوَادِرِ قِيلَ لِرَاهِبٍ أَنْتَ عَرَبِيٌّ عَرَفْتَ فَضْلَ الْإِسْلَامِ فَمَا مَنَعَكَ مِنْهُ قَالَ كُنْتُ مُسْلِمًا زَمَانًا وَلَمْ أَرَهُ خَيْرًا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا وَقَالَ عِنْدَ الْإِمَامِ كُنْتُ كَاذِبًا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُسْتَتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مَنْ رَآهُ يُصَلِّي وَلَوْ رَكْعَةً.
الثَّالِثَةُ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ قَالَ أَسْلَمْتُ مَخَافَةَ الْجِزْيَةِ أَوْ أَمْرٌ أُظْلَمُ فِيهِ قُبِلَ مِنْهُ وَلَيْسَ كَالْمُرْتَدِّ وَلَوِ اشْتَرَى مُسْلِمَةً فَأُخِذَ مَعَهَا فَقَالَ أَنَا مُسْلِمٌ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْأَدَبُ دُونَ السَبْعِينَ سَوْطًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
الرَّابِعَةُ:
قَالَ إِنِ ارْتَدَّ وَلَدُ الْمُسْلِمِ الْمَوْلُودُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَقَلَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْعَذْابِ فَإِنِ احْتَلَمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ قُتِلَ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ ثُمَّ يَرْتَدُّ وَقَدْ عَقَلَ ثُمَّ يَحْتَلِمُ على ذَلِك وَفرق بَينهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك الْمُرْتَدِّ وَجَعَلَهُمْ أَشْهَبُ سَوَاءٌ وَيُرَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ وَقَالَ (ش) لَا تَنْعَقِدُ رِدَّةُ الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا اسلامها وَلَهُ فِي السَّكْرَانِ بِمَعْصِيَةٍ قَوْلَانِ وَمَنَعَ (ح) فِي السَّكْرَانِ الْإِسْلَامَ وَالرِّدَّةَ وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَصِحُّ إِسْلَامُ الصَّبِيِّ وَرِدَّتُهُ غَيْرَ أَنَّ (ح) قَالَ تَبِينُ امْرَأَتُهُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ وَلَا يُقْتَلُ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُقْتَلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلِاسْتِتَابَةِ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله» الحَدِيث و صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَأول الصِّبْيَانِ إِسْلَامًا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَكَذَلِكَ الزُّبَيْرُ ابْنُ ثَمَانٍ وَهُوَ كَثِيرٌ وَإِذَا صَحَّ إِسْلَامُهُ فَكَذَلِكَ رِدَّتُهُ لِأَنَّهُمَا مَعْنيانِ يتقرران فِي الْقلب كَالْبَالِغِ احْتَجُّوا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ وَلَا طَلَاقُهُ وَلَا عُقُودُهُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ كَالْمَجْنُونِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ رَفْعَ الْقَلَمِ رَفْعُ الْإِثْمِ وَنَحْنُ لَا نُؤَثِّمُهُ حِينَئِذٍ بَلْ نَعْتَبِرُهُ شَيْئًا يَظْهَرُ أَمْرُهُ بعد الْبلُوغ وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ أَعْظَمُ خَطَرًا فَاعْتُبِرَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنْ قَاسُوا عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ قَتْلًا بَعْدَ الْبُلُوغِ قَرِيبًا بذلك ويؤكد مَا قُلْنَاهُ أَن الْأَسْبَاب الْعَقْلِيَّة مُعْتَبِرَةٌ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاخْتِطَافِ وَإِحْبَالِ الْإِمَاءِ وَالْكَفْرُ وَالْإِيمَانُ فِعْلَانِ لِلْقَلْبِ فَاعْتُبِرَا.
قَاعِدَةٌ:
خِطَابُ التَّكْلِيفِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يَفْتَقِرُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ صُوَرِهِ وَهُوَ وَضْعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ كَالتَّطْلِيقِ بِالْإِعْسَارِ وَالتَّوْرِيثِ بِالْأَسْبَابِ وَالضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ وَالزَّكَاةِ بِمِلْكِ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اعْتِبَارُ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ مِنَ الصِّبْيَانِ لِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ لِلْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْقَتْلُ وَالْبُيُوعُ وَالْعُقُودُ وَالتَّصَرُّفَاتُ كُلُّهَا لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ غَيْرَ أَنَّ ثَمَّ فُرُوقًا وَأَسْرَارًا نَذْكُرُهَا فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَنَا فَنُنَبِّهُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى فُرُوعِهَا وَالسَّعْيِ فِي الْفِرَقِ مِمَّا اسْتُثْنِيَ عَنْهَا فَإِنَّهَا جَلِيلَةٌ.
تَنْبِيهٌ:
الطَّلَاقُ وَالْعُقُودُ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فَوَاتُ مَصَالِحَ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْمُعَوِّضَاتِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا رِضَاهُ الْمُطَابِقُ لِلْمَصْلَحَةِ غَالِبًا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَمَالِ الْعَقْلِ الْمُدْرِكِ لِذَلِكَ فَلَمْ يُعْتَبَرْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ رِضَاهُ الْمُعْتَبَرُ مُعْتَبَرًا فِيهَا إِذْ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ كَالْجِنَايَاتِ بِالْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا سِرُّهَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ وَالتَّفْصِيلُ يُذْكَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ طَلَّقْتَ النَّصْرَانِيَّةَ وَغَفَلْتَ عَنْ وَلَدِهَا مِنْكَ حَتَّى احْتَلَمَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ تُرِكَ وَكَذَلِكَ إِنْ أَسْلَمَ وَتَرَكَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ حَتَّى كَبِرَ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِتَعَيُّنِ إِسْلَامِهِ الْحُكْمِيِّ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِسْلَامِ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً لِاسْتِقْلَالِهِ بِالنَّظَرِ حِينَئِذٍ وَإِن مَاتَ أَبوهُ وقف مِيرَاثه وَإِن ثَبَتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَصْرَانِيًّا لَمْ يَرِثْهُ وَإِلَّا وَرِثَ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَ أَيْضًا إِن كَانَ وَقْتَ الْإِسْلَامِ ابْنَ سِتٍّ فَهُوَ مُسْلِمٌ قَالَ مَالِكٌ إِنْ أَسْلَمَ وَالْوَلَدُ مُرَاهِقٌ وُقِفَ الْمِيرَاثُ إِلَى الْبُلُوغِ إِنْ أَسْلَمَ وَرِثَ وَإِلَّا تُرِكَ وَلَمْ يَرِثْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ إِنْ قَالَ لَا أسلم وَإِن احْتَلَمت وَإِنْ أَسْلَمَ الْآنَ لَمْ يُعْطَ الْمِيرَاثَ لِلْبُلُوغِ وَالْمُرْتَدُّ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا توكل ذَبِيحَتُهُ قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ رَأَى عَدَمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَانَتْ رِدَّتُهُ فُرْقَةً مِنِ امْرَأَتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْأول قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَعَقَلَ الْإِسْلَامَ وَارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَاتَ وِرِثَهُ أَهْلُهُ لِضَعْفِ إِسْلَامِهِ لِأَنَّ مَالِكًا يُكْرِهُهُ بِالضَّرْبِ وَإِنْ بَلَغَ وَالْمُغِيرَةُ يَقْتُلُهُ إِنْ تَمَادَى بعد البلغ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِهِ إِذَا بَلَغَ وَتَمَادَى قَالَ مَالِكٌ إِنْ تَزَوَّجْتَ نَصْرَانِيَّةً فَلَمَّا بَلَغَ أَوْلَادُهَا قَالُوا لَا نُسْلِمُ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُونَ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَبَعِهِمْ لِأُمِّهِمْ.
الْخَامِسَةُ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِخِلَافِ نِسْبَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ مِمَّا هُوَ دِينُهُمُ الَّذِي أُقِرُّوا عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ وَمَنْ تَزَنْدَقَ مِنْهُمْ لَا يُقْتَلُ لِخُرُوجِهِ مِنْ كُفْرٍ إِلَى كُفْرٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَهُ وَلَا أَخَذَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَكَذَلِكَ مَنْ عَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ نَقَصَهُ لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ رِدَّةٌ وَقَبِلَ تَوْبَته (ش) و (ح) واتفقا عَلَى أَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَرَجِ فَالسَّبُّ أَوْلَى بِالْمُنَافَاةِ ثُمَّ هَذَا الْقَتْلُ عِنْدَنَا حَدٌّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَتَوْبَةِ الْقَاذِفِ ونعرض للْكَلَام فِي الْقَذْف فَنَقُول هومعنى يُرَاعَى فِيهِ الْإِحْصَانُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يعْتَبر فِي الْقَتْل كَالزِّنَا وَلَمْ يُتَصَوَّرِ الْقَتْلُ إِلَّا فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن الْحُرْمَة لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ قَاذِفَ الْعَبْدِ لَا يُحَدُّ وَحُرْمَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تُسَاوِي حُرْمَةَ أُمَّتِهِ فَيَكُونُ حَدُّهَا الْقَتْلَ احْتَجُّوا بِأَنَّ حُرْمَةَ اللَّهِ أَعْظَمُ وَتَوْبَتُهُ تُقْبَلُ وَلِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الرِّدَّةِ وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ حَدَّهَا وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّامُّ عَلَيْكَ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَقْتُلِ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتِ الشَّاةَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّسْوِيَةَ أَوْ نُفَرِّقُ بِأَنَّ الْبَشَرَ قَابِلٌ لِلنَّقْصِ فَكَانَ التَّأْثِيرُ فِيهِ أَعْظَمَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى يَدِ مُدَّعِي الرُّبُوبِيَّةِ كَالدَّجَّالِ وَلَمْ يُظْهِرْهَا عَلَى يَدِ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُبْطِلُ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَالْكُفْرِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ لَا تَسْقُطُ بِهَا كَالْقَذْفِ وَالْمَالِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كَالْقَذْفِ وَالرِّدَّةِ مَفْسَدَتُهُمَا خَاصَّةٌ بِالْمُرْتَدِّ وَمَفْسَدَةُ هَذَا تَتَعَدَّى لِلْأُمَّةِ وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الذِّمِّيِّ بالجزية على سبّ المعبود بِخِلَاف الْأَنْبِيَاء وَالْجَوَاب عَن الثَّالِثِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُمْ أَهْلُ عَهْدٍ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ أَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَتِ الْمُوَادَعَةُ مَشْرُوعَةً وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الرَّابِعِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهَا قُتِلَتْ وَإِنْ قُلْنَا قَتْلُهُ كُفْرٌ لَمْ تُقْبَلِ التَّوْبَةُ مِنَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ تَفْرِيعٌ، قَالَ أَصْبَغُ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ إِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا أَوْ مُظْهِرًا فَلِلْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْن الْقَاسِم وَمَالك لَا يُقْتَلُ السَّابُّ الْكَافِرُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ وَلَكِنْ إِنْ أَسْلَمَ فَذَلِكَ تَوْبَتُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنَّ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ نَقَصَهُ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُم} قَالَ مَالِكٌ إِنْ قَالَ الْكَافِرُ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ الْآنَ فِي الْجنَّة فَمَاله لَمْ يُغْنِ عَنْ نَفْسِهِ حِينَ كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ قَالَ لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحُوا مِنْهُ وَأَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْبَةِ الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَدٌّ وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعْتَبَرُ إِسْلَامُهُ وَلَا يُجْعَلُ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ لِأَنَّا لَا نُعْطِيهِمُ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِنَا وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُنَا قَتَلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَوْ بذل الْحَرْبِيّ الْجِزْيَة على إطهار السَّبِّ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَمْ نَقْبَلْهُ وَحَلَّ لنا دَمه فَكَذَلِك يُحَلُّ دَمُهُ بِالسَّبِّ الطَّارِئِ وَيَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْهُ فِي السب بِإِسْلَامِهِ وَلَا يسْقط الْقَتْل بِقَتْلِنَا لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ قَالَ رِدَاءُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسِخٌ يُرِيدُ عَيْبَهُ قُتِلَ وَإِنْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ يُعَيِّرُونَ بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَمَ يُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ عَرَّضَ بِذِكْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا يَنْبَغِي إِذَا عُوقِبَ أَهْلُ الذُّنُوبِ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَخْطَأَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَنَا وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْظُرُوا لَنَا كَاتِبًا يَكُونُ أَبُوهُ عَرَبِيًا فَقَالَ كَاتِبُهُ قَدْ كَانَ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِرًا فَقَالَ لَهُ جَعَلْتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَثَلًا لَا تَكْتُبْ لِي أَبَدًا قَالَ سَحْنُونٌ إِنْ خَاصَمْتَهُ فَأَغْضَبْتَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ فَقَالَ الطَّالِبُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ هَلْ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَالَ لَا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ وَالضِّيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُصِرًّا عَلَى السَّبِّ بَلْ تَكَلَّمَ على وَجه قَالَ أَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ وَقَالَ الْحَارِثُ يُقْتَلُ وَسَبُّ الْمَلَائِكَةِ كَسَبِّ الْأَنْبِيَاء وَعَن ابْن الْقَاسِم فِي الْكتاب أَو الْمَجُوسِيّ يَقُول إِن مُحَمَّد لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْنَا بَلْ إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَقُولُهُ وَنَحْوَ هَذَا يُقْتَلُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ جَاهِلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ سَحْنُونٌ يُكْرَهُ قَوْلُكَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِن قَالَ ديننَا خير من دِينُكُمْ دِينُ الْحَمِيرِ أَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ كَذَلِكَ يَعِظُكُمُ اللَّهُ فِيهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ وَإِنَّ سَبَّ فَقَتَلْتَهُ غَيْظًا وَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ وَإِلَّا فَعَلَيْكَ دِيَتُهُ وَضَرْبُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ وَإِنْ سَبَّ أَحَدٌ مُعَاوِيَةَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ نَسَبَهُ لِلضَّلَالِ وَالْكُفْرِ قُتِلَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُسَافَهَةِ النَّاسِ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا وَإِنْ قَالَ إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَخطَأ فِي الْوَصِيّ اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَقِيلَ مَنْ كَفَّرَ صَحَابِيًّا أُوجِعَ ضَرْبًا وَعَنْ سَحْنُونٍ إِنْ كَفَّرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا قُتِلَ وَيُنَكَّلُ فِي غَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي فِي الشِّفَا مَنْ سَبَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ أَوِ الِازْدِرَاءِ أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ يُقْتَلُ كَالسَّابِّ وَيَسْتَوِي التَّصْرِيحُ وَالتَّلْوِيحُ وَكَذَلِكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ وَكَذَلِكَ إِن نسب لَهُ سجعا أَوْ هَجْرًا مِنَ الْقَوْلِ أَوْ عَيَّرَهُ بِشَيْءٍ مما جَرَى مِنَ الْبَلَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنَ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنِ ابْنِ كِنَانَةَ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي السَّابِّ الْمُسْلِمِ فِي صَلْبِهِ حَيًّا أَوْ قَتْلِهِ وَيُقْتَلُ مَنْ قَالَ هُوَ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ أَوْ كَانَ أَسْوَدَ وَإِنْ قِيلَ لِرَجُلٍ لَا وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ فَعَلَ اللَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ كَلَامًا قَبِيحًا فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَقَالَ أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ وَقَالَ أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبِ سَحْنُونٍ يُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ التَّأْوِيلُ لِصَرَاحَةِ اللَّفْظِ وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِي عِقَابِ عَشَّارٍ قَالَ لرجل أُدي واشك للنَّبِي وَقَالَ إِنْ جَهِلْتُ فَقَدْ جَهِلَ بِالْقَتْلِ وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِ ابْنِ حَاتِمٍ الْمُتَفَقِّهِ وَصَلْبِهِ لِتَسْمِيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الْمُنَاظَرَةِ بِالْيَتِيمِ وَخَتَنِ حَيْدَرَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَرَمٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ نقص لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي خَاصَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَيُقْتَلُ مَنْ نَقَّصَهُ بِسَهْوٍ أَوْ سِحْرٍ أَوْ هَزِيمَةِ بَعْضِ جُيُوشِهِ أَوْ شِدَّةٍ مِنْ زَمَانِهِ أَوْ مَيْلٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ وَمَنْ لَمْ يَقْصِدِ الِازْدِرَاءَ وَلَا يَعْتَقِدْهُ فِي تَكَلُّمِهِ بِالسَّبِّ أَوِ اللَّعْنِ أَوِ التَّكْذِيبِ أَوْ إِضَافَةِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَوْ نَفْيُ مَا يَجِبُ لَهُ مِمَّا هُوَ نَقْصٌ فِي حَقِّهِ وَظَهَرَ عَدَمُ تَعَمُّدِهِ وَقَصْدُ السَّبِّ إِمَّا لِجَهَالَةٍ أَوْ لِضَجَرٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ قِلَّةِ ضبط لِسَان وتهور فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَهُوَ سَلِيمُ الْعَقْلِ إِلَّا لِلْإِكْرَاهِ وَبِهِ أَفْتَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ فِي عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي نَفْيِهِ الزُّهْدَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ وأَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَنَظَرَ إِلَى أَنَّ السَّكْرَانَ إِنَّمَا يَنْطِقُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ صَاحِيًا وَلِأَنَّهُ حَدٌّ لَا يُسْقِطُهُ السُّكْرُ كَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَجَمِيعِ الْحُدُودِ وَأَمَّا الْقَاصِدُ لِذَلِكَ الْمُصَرِّحُ فَأَشْبَهُ بِالْمُرْتَدِّ وَيَقْوَى الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ أَوْ مُسْتَتِرًا فَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ التَّوْبَةُ وَمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ مُرْتَدٌّ لِكُفْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا اسْتُتِيبَ إِنْ أَعْلَنَ ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ مَنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أبي سُلَيْمَان من قَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ وَأَنَّهُ كَانَ بِتَاهَرْتَ قُتِلَ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ لَهُ وَتَبْدِيلُ صِفَتِهِ وَمَوْضِعِهِ كُفْرٌ وَاللَّفْظُ الْمُجْمَلُ الَّذِي يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى غَيْرِهِ وَيَتَرَدَّدُ فِي حَالِ الْمُطْلَقِ هَلْ أَرَادَهُ مُكْرَهًا أَمْ لَا فَقِيلَ يُقْتَلُ رِعَايَةً لِحِمَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ حِمَايَةً لِلدَّمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ لَهُ صلى الله على مُحَمَّد وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ لَيْسَ كَالسَّابِّ لِأَجْلِ الْغَضَبِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ كَلَامُهُ الشَّتْمَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ دون الْمَلَائِكَة بل مُخَاطبَة فَقَط وَقَالَ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَغَيْرُهُ يُقْتَلُ وَتَوَقَّفَ الْقَابِسِيُّ فِي الْقَائِلِ كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانِ وَلَوْ كَانَ نَبيا مُرْسلا وَشَدَّهُ بِالْقُيُودِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَ الْبَيِّنَةَ عَمَّا يَدُلُّ عَلَى مَقْصِدِهِ هَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَلَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ لَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ الْعُمُومُ وَفِي مُتَقَدِّمِي الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ مَنِ اكْتَسَبَ الْمَالَ فَوَقَعَ التَّرَدُّدُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الْقَائِلِ لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ وَلَعَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي آدَمَ وَقَالَ إِنَّمَا أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ يُؤَدَّبُ بِاجْتِهَادِ السُّلْطَانِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ مَنْ حَرَّمَهُ لَا وَمن قَالَ لَا بيع حَاضر لباد ان عذر بِالْجَهْلِ أُدِّبَ الْأَدَبَ الْوَجِيعَ كَأَنَّهُ أَرَادَ مَنْ حَرَّمَهُ مِنَ النَّاسِ وَكَذَلِكَ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ مَعَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعَدَدِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَبَائِهِ أَسَاءَ فَيُزْجَرُ عَنْهُ وَإِنْ عُلِمَ قَصْدُهُ الْأَنْبِيَاءَ قُتِلَ وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ لَوْ قَالَ لهاشمي لعن الله بني هَاشم ولتمن قَالَ لَهُ أَتَتَّهِمُنِي فَقَالَ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ فَكَيْفَ أَنْتَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُقْتَلُ لِبَشَاعَةِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَوَقَّفَ ابْنُ مَنْظُورٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنِ اتَّهَمَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَطَالَ الْقَاضِي تَصْفِيدَهُ وَاسْتَحْلَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَكْذِيبِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا بَلْ ذَكَرَ بَعْضَ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُجَّةً وَمَثَلًا لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ لِبَعْضِ حَالِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي بَلْ لِرَفْعِ نَفْسِهِ قَصْدَ الْهَزْلِ كَقَوْلِهِ إِنْ قِيلَ فِيَّ الْمَكْرُوهُ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ أَذْنَبْتُ فَقَدْ أَذْنَبَ وَكَيْفَ أَسْلَمُ مِنَ الْأَلْسِنَةِ وَلَمْ يَسْلَمِ الْأَنْبِيَاءُ وَقَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرَ النَّبِيُّ وَصَبَرَ النَّبِيُّ أَكْثَرَ مِنِّي وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
أَنا فِي أمة تداركها الله ** غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودَ

وَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ:
كُنْتَ مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ ** غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فيكما من فَقير

وَآخر الْبَيْت شَدِيد وَدَاخِلٌ فِي الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
هُوَ مِثْلُهُ فِي الْفَضْلِ إِلَّا أَنَّهُ ** لَمْ يَأْتِهِ بِرِسَالَةٍ جِبْرِيلُ

هُوَ تَشْبِيهٌ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ تَفْضِيلٌ عَلَيْهِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَشَدُّ وَقَوْلِ الْآخَرِ:
فَرَّ مِنَ الْخُلْدِ وَاسْتَجَارَ بِنَار ** فَصَبر الله فؤاد رضوَان

وقوا الآخر:
كَأَن أَبَا بَكْرٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا ** وَحَسَّانَ حَسَّانٌ وَأَنت مُحَمَّد

فَهَذِهِ وَنَحْوهَا إِن درىء بِهَا الْقَتْلُ فَفِيهَا الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ بِحَسَبِ شَنَاعَةِ الْمَقَالَةِ وَحَالِ الْقَائِلِ فِي نَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أَوْ لَا وَلَمْ يَزَلِ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الرَّشِيدُ عَلَى أَبِي نواس:
فَإِنْ يَكُ بَاقِي سِحْرِ فِرْعَوْنَ فِيكُمْ ** فَإِنَّ عَصَا مُوسَى بِكَفِّ خَضِيبٍ

وَقَالَ لَهُ يَا بن اللَّخْنَاءِ أَنْتَ الْمُسْتَهْزِئُ بِعَصَا مُوسَى وَأَخْرَجَهُ مِنْ عَسْكَرِهِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ:
كَيْفَ لَا يُدْنِيكَ مِنْ أَمَلٍ ** مَنْ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ نَفَرِهِ

لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ وَلَا يُضَافُ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا عُيِّرَ بالفقر فَقَالَ قد رعى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يُؤَدَّبُ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ أَنْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ إِذَا قَالَ فِي قَبِيحِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ أَوْ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ يُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالذَّمِّ الْمُخَاطَبَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَمَالِكٍ يَغْضَبُ لِغَضَبِ اللَّهِ فَهُوَ أَخَفُّ أَدَبًا وَكُلُّ مَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ إِذَا نَدِمَ قَائِلُهُ لَمْ يُؤَدَّبْ وَأَمَّا إِنْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ حِكَايَةً عَنِ الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ لِلشَّهَادَةِ أَو للنَّفْي عَنْ قَائِلِهَا لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُخْشَى اتِّبَاعُهُ فَحَسَنٌ وَإِلَّا فَلَا يُحْكَى فَإِنَّ التَّفَكُّهَ بِالْأَعْرَاضِ مُحَرَّمٌ وَمَنْ كَانَ مُولَعًا بِذَلِكَ وَرِوَايَةِ هَجْوِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُقْتَلُ وَلَا يَنْفَعُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ الْإِجْمَاعُ فِي تَحْرِيمِ هَجْوِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكِتَابَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُحْرِزُونَ لِدِينِهِمْ مِنْ أَحَادِيثِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ ذَلِكَ وَقَدْ كُرِهَ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ سُورَةَ يُوسُفَ لِضَعْفِ مَعْرِفَتِهِنَّ وَلَا يُرْوَى مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى التَّأْوِيلِ إِلَّا الصَّحِيحُ بَلْ كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ مَا لَيْسَ فِيهِ عمل ومشهور الْمَذْهَب قتل العاب حَدًّا لَا كُفْرًا لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَعِنْدَ (ح) خِلَافٌ وَالسَّابُّ الْمُعْتَقِدُ حِلَّهُ كَافِرٌ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ السب كفرا كَالتَّكْذِيبِ وَيُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّابِّ بَلْ شَهِدَ الْوَاحِدُ أَوْ لَفِيفُ النَّاسِ أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَوْ تَابَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَوْبَته فيعزر بِقَدْرِ حَالِهِ وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي السحن وَشِدَّةِ الْقُيُودِ إِلَى غَايَةِ انْتِهَاءِ طَاقَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ لِضَرُورَتِهِ وَصَلَاتِهِ فَإِنْ أَثْبَتَ عَدَاوَةَ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُبْرَزَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَلَا يُعْرَضُ لَهُ وَإِلَّا اجْتُهِدَ فِي تَنْكِيلِهِ وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ بِغَيْرِ مَا بِهِ كَفَرَ قُتِلَ وَوَقَعَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامٌ وَظَوَاهِرُ ظَاهِرِهَا أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِيمَا بِهِ كَفَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلُ سَقَطَ الْقَتْلُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْوِيلِ بِالتَّوْبَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَائِلِ لَقِيتُ فِي مَرَضِي مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ قِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَى الْجَوْرِ وَقِيلَ يُبَالَغُ فِي تَنْكِيلِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الشَّكْوَى لَا السَّبُّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَشْعَرِيِّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَصَدُوا التَّعْظِيمَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّنْقِيصُ لَازِمٌ لمذهبهم وَلَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مَنْ نَفَى الرُّبُوبِيَّةَ أَوِ الْوَحْدَانِيَّةَ أَوْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ أَوْ هُوَ دَهْرِيٌّ أَوْ مَانَوِيٌّ أَوْ صَابِئٌ أَوْ حُلُولِيٌّ أَوْ تَنَاسُخِيٌّ أَوْ مِنَ الرَّوَافِضِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ قَدِيمٍ أَوْ مُصَوَّرٍ أَوْ صَنَعَ الْعَالَمَ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَيْءٍ أَوِ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْعُرُوجَ إِلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ أَوْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ قَالَ بِنُبُوَّةِ عَلِيٍّ أَوْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ وَأَنَّهُمْ خَاطَبُوا الْخَلْقَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ نَذِيرٌ فَإِنَّ فِيهِ تَجْوِيزُ اتِّصَافِهِ بِوَصْفِ الْكُلِّيَّةِ وَنَحْوِهَا مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} أَوْ قَالَ بِتَخْصِيصِ الرِّسَالَةِ لِلْعَرَبِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ أَوْ يَصْعَدُ السَّمَاءَ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا أَوْ قَالَ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ أَوْ كَفَّرَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانِ الدِّينِ أَوْ يَسْعَى لِلْكَنَائِسِ بِزِيِّ النَّصَارَى أَوْ قَالَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ طرقي النَّهَارِ أَوْ قَالَ بِسُقُوطِ الْعِبَادَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ أَنْكَرَ مَكَّةَ أَوِ الْبَيْتَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ قَالَ الِاسْتِقْبَالُ حَقٌّ وَلَكِنْ لِغَيْرِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ أَوْ يُخَالِطُ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَحَدَ صِفَةَ الْحَجِّ أَوِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ زَادَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ قَالَ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ أَوْ قَالَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مَعْهُودَانِ وَكَذَلِكَ الْقَائِلُ الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كَغَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يُكَفَّرُ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ لِتَوْهِينِ نَقْلِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ فَيُكَفَّرُ وَأَمَّا إِنْكَارُهُ الْإِجْمَاعَ الْمُجَرَّدَ الَّذِي لَيْسَ طَرِيقُهُ التَّوَاتُرَ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ عَلَى تَكْفِيرِهِ لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ الْجَامِعِ لِلشَّرَائِطِ.
قَاعِدَةٌ:
الْكُفْرُ هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إِمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوِ التَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ بِزِيِّ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ أَوْ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَقَوْلُنَا خَاصٌّ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا انْتِهَاكٌ وَلَيْسَتْ كُفْرًا وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ بِذَلِكَ إِرَادَةَ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيُكْفَرَ فِيهَا أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إِسْلَامِ مَنْ أَتَى يُسْلِمُ وَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ لِلْعَدُوِّ وَإِنْ كَانَ إِرَادَةَ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ حُرْمَةُ اللَّهِ بِدَلَالَةِ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ أَو للْوَلَد فِي أَن الأول كُفْرٌ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِمْ {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ بِالْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ إِنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي النَّهْيِ وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ قَالَ صَاحِبُ الشِّفَا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ وَلَمْ يُنْكِرْهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يُكَفَّرُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلِيَّ وَحَدِيثُ السَّوْدَاءِ فَأَكْثَرُ النَّاسِ لَوْ كُوشِفُوا عَنِ الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا.
فرع:
فِي الشِّفَا: إِذَا تَزَنْدَقَ الذِّمِّيّ لَا يقتل عِنْد مَال لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إِلَى كُفْرٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ عَلَيْهِ.
فرع:
قَالَ السَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ مَا عُلِمَ أَنَّهُمَا قَالَاهُ فِي حَالٍ لَا يُمَيِّزَانِ فِيهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَمَا قَالَاهُ فِي حَالِ الْمَيْزِ وَإِنْ فُقِدَ الْعَقْلُ الْمُوجِبُ لِلتَّكْلِيفِ أَدِّبَا وَيُوَالَى أَدَبُهُمَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُؤَدَّبَانِ عَلَى قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمَا اسْتِصْلَاحًا لَهُمَا كَالْبَهَائِمِ تُرَاضُ قَالَ الْقَابِسِيُّ إِنْ قَالَ السَّكْرَانُ أَنَا اللَّهُ إِنْ تَابَ أُدِّبَ وَإِنْ عَادَ لِقَوْلِهِ طُولِبَ مُطَالَبَةَ الزِّنْدِيقِ فَإِنَّهُ كُفْرُ الْمُتَلَاعِبِينَ.
فرع:
قَالَ إِنْ أَتَى بِسَخِيفِ الْقَوْلِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكُفْرِ وَالِاسْتِخْفَافِ كَالْقَائِلِ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ بَدَأَ الْخَرَّازُ يَرُشُّ جُلُودَهُ أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِالْأَدَبِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ سَبٌّ هَذَا إِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ أَمَّا الْفَلْتَةُ الْوَاحِدَةُ فَالْأَدَبُ. وَأَفْتَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَائِلِ لِرَجُلٍ لَمَّا نَادَاهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا وَقَالَهُ سَفَهًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ بَعْضِ الْجَاهِلِيَّةِ:
رَبَّ الْعباد مالنا وَمَالك ** قَدْ كُنْتَ تَسْقِينَا فَمَا بَدَا لَكَ

أَنْزِلْ علينا الْغَيْث لَا أبالك

وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا تُهَذِّبُهُ الشَّرِيعَةُ وَالْعِلْمُ فَيُعَلَّمَ وَيُزْجَرَ.
فَرْعٌ:
قَالَ وَكُلُّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ إِنْ أَجْمَعَتِ الْأَمَةُ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ مَلَكٌ وَإِلَّا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى الْقَتْلِ بَلِ الْأَدَبِ بِقَدَرِ حَالِ الْمَقُولِ فِيهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانَ الْمَقُولِ إِنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الدَّاسِرِ وَزَرَادَشْتَ الَّذِي تَدَّعِي الْمَجُوسُ وَالْمُؤَرِّخُونَ نبوته وَأما إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ عَالِمًا لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ خلاف أَو جَاهِلا زجر عَن الخوص فِيهِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُؤْمِنُونَ فَضْلًا وَأَنَّ الْمُرْسَلَ مِنْهُمْ مَعْصُومٌ وَاخْتُلِفَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِ الْمُرْسَلِ وَالصَّوَابُ عِصْمَةُ الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ فِي هاروت وماروت وخبرهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ إِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَعْصِي وَيَسْتَحَقُّ الْعِقَابَ وَلَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى {لَا يعصون الله مَا أَمرهم} يُحْمَلُ عَلَى جُمْهُورِهِمْ وَالْمَعْصُومِينَ مِنْهُمْ وَكَلَامُهُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْقَاضِي.
فرع:
قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ يُقْتَلُ الْقَائِلُ الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَإِنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ بَعْدَ التَّأْوِيلِ فِي صَرْفِهَا لِلْبَاطِلَةِ.
فرع:
قَالَ مَالِكٌ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَيُشَهَّرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِحَقِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
السَّادِسَةُ:
فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يقتل المتنبي أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَعْلَنَهُ.
السَّابِعَةُ:
قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةٌ وَقَدْ يَمُوتُ الْمَسْحُورُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طبعه وعادته وَإِن لم يباشره وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَصْحَابُ (ح)
إِنْ وَصَلَ إِلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْقَدَرِيَّةُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يعلمُونَ النَّاس السحر} وَمَا لَا حَقِيقَة لَهُ لَا يعلم وَيلْزم صُدُور الْكفْر من الْمَلَائِكَة لِأَنَّهُ قرىء الْملكَيْنِ بِكَسْر اللَّام أَو مَلِكَانِ وَأُذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ لِيُفَرَّقَ بَيْنَ السَّحَرِ وَالْمُعْجِزَةِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ صَعَدَا إِلَى السَّمَاء وقولهما {فَلَا تكفر} أَيْ لَا تَسْتَعْمِلْهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذِ الْمَالَ وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يكون معنى قَوْله تَعَالَى {يعلمُونَ النَّاس} أَيْ يَقَعُ التَّعْلِيمُ لَا عَنِ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُمَا {إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُحِرَ فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يخيل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَمَا يَأْتِيهِنَّ الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَخَبَرُ السِّحْرِ وَوُقُوعُهُ كَانَ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِيبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْعِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ حَقِيقَةً لَأَمْكَنَ السَّاحِرُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إِلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ ينْهض إِلَى كل الْمَفَاسِد وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي أَن أَنَّ إِضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّحَرَةِ فَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْحِكَمِ إِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ السَّاحِرُ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إِنْ أَظْهَرَهُ وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنِ اسْتَسَرَّ فَلِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ وَمِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْقُدَمَاءِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنَ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَلَا يَلِي قَتْلَهُ إِلَّا السُّلْطَانُ فَإِنْ سَحَرَ الْمُكَاتَبُ أَوِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ لَمْ يَلِ سَيِّدُهُ قَتْلَهُ بَلِ الْإِمَامُ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ الْمُسْلِمَ سِحْرُهُ فَيَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَيُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ فَيُؤَدَّبُ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا فَيُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالسَّابِّ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ ذَهَبَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ سِحْرًا وَلَمْ يُبَاشِرْ أُدِّبَ تَهْدِيدًا لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يُكَفَّرْ وَإِنَّمَا رَكَنَ لِلْكُفْرِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ السِّحْرِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ الصقها أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إِنْ كَانَ سحرًا قتل وَإِلَّا فَلَا وَاخْتلف الْأَولونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهُ افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْ يَقَعُ بِهِ التَّغْيِيرُ وَالضَّنَى وَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَأَبْغَضَ وَأَحَبَّ وَأَوْجَبَ الصِّلَة وَفِيه أدوية مثل المراءي وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ وَنَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ على الْفَوْر والعمى والصم وَنَحْوُهُ وَتَعَلُّمُ الْغَيْبِ مُمْتَنِعٌ وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى مَالِهِ وَنَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ بَيْنَ السَّحَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مَا بَلَغَ فِيهِ الْقِبْطُ وَقَطَعَ فِرْعَوْنُ أَيْديهم وأرجلهم وَلم يتمكنوا من الدفاع عَن أنفسهم والهروب والتبديل وَحكى ابْن الْمَجُوسِيّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يَسْتَدِقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكُوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ قَالَ القَاضِي وَلَا يعق فِيهِ إِلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ وَأَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَصِلُ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَلَا إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَجَازَ هَذَا عَقْلًا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ كُفْرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِن اعْتقد أَنه تخيل وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَصِفُهُ فَإِنْ وَجَدْنَا فِيهِ مَا هُوَ كُفْرٌ كَالتَّقَرُّبِ لِلْكَوَاكِبِ أَو يعْتَقد أَنه تَفْعَلُ مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِيهِ كُفْرًا فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كُفْرٌ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ قَالَ سِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَتَلْتُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْإِقْرَارَ وَقَالَ (ح) إِنْ قَالَ قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَنَا مَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تكفر} أَيْ بِتَعْلِيمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَو نقُول مَا هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الدُّخُولُ كُفْرًا وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نصدقه قَالَ فَهَذَا معنى قَول أَصْحَابنَا لِأَن السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إِلَيَّ الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ وَالسِّحَرُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إِذا أَرَادَ سحر سُلْطَان لبرج الْأسد وَالْجَبَابِرَةِ وَالْأُسُودِ أَسْأَلُكَ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ احْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَالسِّحْرُ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ الْإِنْسَانُ أَنَا تَعَلَّمْتُ كَيْفَ يُكْفَرُ بِاللَّهِ لِأَتَجَنَّبَهُ أَوْ كَيفَ يزنى ويحصن وَلَا أَفْعَلُهُ لَمْ يَأْثَمْ وَالْجَوَابُ لَا نُكَفِّرُهُ بِهِ بَلْ بِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عِلْمُهُ إِلَّا بمباشرته كضرب الْعود وَنَحْوه عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْتَلُ كُلُّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
تَنْبِيهٌ:
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ يَرْمُونَ الْكَلْبَ بِالْحَجَرِ فَيَعَضُّهُ الْكَلْبُ فَيَجْعَلُ الْحَجْرَ فِي زِيرِ الشُّرْبِ بَعْدَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا أُنْزِلَتْ فَيُحْدِثُ أَثَرًا مَخْصُوصًا وَمِنْ هَذَا النَّحْوِ كَثِيرٌ مِمَّا يَعْتَمِدُهُ الْمَغَارِبَةُ وَكثير من النَّاس فِي الْمحبَّة والبغضة وَالرَّحِيلِ وَالْعَقْدِ عَنِ الْوَطْءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِهِ تَعَالَى مُضَافَةً إِلَى تَضْمِيمِ الْفَاعِلِ عَلَى تَأْثِيرِ ذَلِكَ وَخَاصِّيَّةِ نَفْسِهِ فَتَحْصُلُ تِلْكَ الْآثَارُ وَيُسَمُّونَهُ عِلْمُ الْمِخْلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ تَكْفِيرُهُمْ بِالْقُرْآنِ وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ عِنْدَهَا ذَلِك فَإِنَّهُم جربوه فوجدوه كَالْعَقَاقِيرِ وَلَا لِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ بِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ فَهِيَ قَرِيبٌ مِنَ الْكُفْرِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ اعْتِقَادَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا تَفْعَلُ بِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ وَتَبْعُدُ كَثِيرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَقْرِيبًا من دَعْوَى إلاهية لَهَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَقَرَ عبد كثير وَبِالْجُمْلَةِ وَالتَّكْفِيرُ بِهِ لَيْسَ مُشْكِلًا بَلْ نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةُ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي إِيمَانِهِ قَبْلَ السِّحْرِ كَحَالِهِ بَعْدَهُ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ مُتَوَقَّعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ لِأَجْلِ إِيمَانٍ يُتَوَقَّعُ بَلْ لِكُلِّ حَالٍ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ قَبْلَ سَبَبِهِ وَإِنَّ قُطِعَ بِوُقُوعِهِ كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا نُرَتِّبُ أَحْكَامَهُ قَبْلَهُ مِنَ الْفِطْرِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِ الْمُتَرَدِّدِ لِلْكَنَائِسِ وَنَحْوِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَافْتَرَقَ الْبَابَانِ فَالَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطَّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنَ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَهُ (ش) وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمُشْكِلٌ فَتَأَمَّلْهُ فَلَيْسَ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ بِسَهْلٍ وَلَا الْقَضَاءُ بِالتَّفْكِيرِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَتَحَسَّرُونَ عَلَيْهَا وَلَقَدْ وَجَدْتُ عِنْدَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ كُرَّاسًا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالْبِغْضَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَتَعَانَاهَا فَأَفْتَى أَصْحَابُنَا بِتَكْفِيرِهِ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَمْرٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ بَلْ تَحْرِيمُ هَذَا الْبَاب مُطلقًا مُشكل إِلَّا بعض تَفْصِيل طلا فَمَنْ سَعَى فِي مَحَبَّةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِغَضَةٍ بَيْنَ زَانِيَيْنِ بِقُرْآنٍ يُتْلَى يَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ أَوْ يُنْدَبَ إِلَيْهِ فَضْلًا عَنِ التَّحْرِيمِ.