فصل: الْجِنَايَةُ السَّابِعَةُ حَدُّ الشُّرْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْجِنَايَةُ السَّابِعَةُ حَدُّ الشُّرْبِ:

وَالنَّظَرُ فِي الْمُوجِبِ وَالْوَاجِبِ:

.النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي الْمُوجِبِ:

وَهُوَ شُرْبُ الْقَطْرَةِ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ اخْتِيَارًا مِنْ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ وَقَدْ تقدم فِي كتاب الْأَشْرِبَة أَكثر فقها ونذكرها هَا هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِّ وَفِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى:
فِي الْكِتَابِ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا مُسْكِرًا وَإِنْ قَتَلَ سَكِرَ أَمْ لَا حُدَّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّ بِهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ عَصِيرِ عِنَبٍ أَوْ زَبِيبٍ أَو نَبِيذ أَو تمر أَو تبين أَو حِنْطَة أَو الأسكركة قيل أَو يَجْعَل خبز فِي نَبِيذٍ يَوْمَيْنِ قَالَ كَرِهَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْأُسْكُرْكَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَضَبَطْنَاهُ أَيْضًا بِالسِّينِ الْمَضْمُومَةِ هُوَ شَرَابُ الذُّرَةِ وَالْجَذِيذَةُ بجيم مَفْتُوحَة وذالان معجمات أَوَّلُهُمَا مَكْسُورَةٌ بَيْنَهُمَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ هُوَ السَّوِيقُ وَالْجُذَاذُ التَّقْطِيعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} وَالْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ الَّذِي أَرْطَبَ بَعْضُهُ مِنْ جِهَةِ ذَنَبِهِ فَإِنْ أَرَطَبَ مِنْ جَانِبِهِ فَهُوَ فَوْكَةٌ وَفِي النُّكَتِ إِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ الَّذِي بِهِ رَائِحَةُ خَمْرٍ وَاثْنَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ رَائِحَةً حُدَّ كَقَوْلِهِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ إِذَا اخْتَلَفَ المعولون قَالَ ابْن يُونُس الأسركة شَرَابُ الْقَمْحِ.
الثَّانِيَةُ:
فِي الْجَوَاهِرِ يُحَدُّ حَدِيثُ الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ وَإِن لم يعلم التَّحْرِيم قَالَ مَالك وأخصابه إِلَّا أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ قَالَ فِي الْبَدَوِيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأِ الْكِتَابَ وَيَجْهَلُ هَذَا لَا يحد لنا أَن الْإِسْلَام قد قشا فَلَا يُجْهَلُ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ الْحَدَّ حُدَّ اتِّفَاقًا وَلَا حَدَّ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَمَنْ تَأَوَّلَ فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ وَرَأَى حِلَّ قَلِيلِهِ حُدَّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْعَالِمِ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ الْعَالِمُ فَلَا يُحَدُّ إِلَّا أَنْ يَسْكَرَ وَقَدْ جَالَسَ مَالِكٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ يَرَى شرب مُبَاحًا فَمَا دَعَا لِلْحَدِّ مَعَ تَظَاهُرِهِمْ بِشُرْبِهِ ومناظرتهم عَلَيْهِ.
تَمْهِيدٌ:
قَالَ مَالِكٌ أَحُدُّ الْحَنَفِيَّ فِي قَلِيلٍ مِنَ النَّبِيذِ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَقَالَ (ش) أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا مَالِكٌ فَبَنَى عَلَى أَنَّ الْفُرُوعَ قِسْمَانِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ فَيُنْقَضُ فِي أَرْبَعَةٍ مَا خَالف الْإِجْمَاع أَو الْقَوَاعِد كالشرحية فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوِ النَّصِّ الْوَاضِحِ كَالنَّبِيذِ فَإِنَّ النُّصُوصَ مُتَضَافِرَةٌ بِأَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَمْرِ جَلِيٌّ وَمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَلَا يُثْبِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِأَنَّ مَا لَا نُقِرُّهُ إِذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا نُقِرُّهُ إِذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلِذَلِكَ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ وَأَبْطَلْنَا التَّقْلِيدَ وَأَمَّا (ش) فَأَثْبَتَ التَّقْلِيد بانتقاء الْعِصْيَان وأمام الْحَدَّ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ لَا لِلْمُخَالَفَاتِ بِدَلِيلِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ اسْتِصْلَاحًا لَهَا مِنْ غَيْرِ عِصْيَانٍ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ يُسَلَّمُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ أَمَّا الْحُدُودُ بِعَدَدٍ فَلَمْ نَعْهَدْهُ فِي الشَّرْعِ إِلَّا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ وَلَا الْمُضْطَرُّ لِإِسَاغَةِ الْغُصَّةِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ.
الثَّالِثَةُ:
قَالَ يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالنَّجَاسَاتِ وَأَمَّا الدَّوَاءُ الَّذِي فِيهِ خَمْرٌ تَرَدَّدَ فِيهِ عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَاءٌ».
الرَّابِعَةُ:
قَالَ إِن ظَنّه غير مُسكر شراراآخر لم يحد وَإِن سكر كَمَا لَو وطىء أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ لَا يُحَدُّ.
الْخَامِسَةُ:
قَالَ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَثْبُتَ الْمُوجِبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ إِقْرَارٍ أَوْ شَهِدَ بِالرَّائِحَةِ مَنْ يَتَيَقَّنُهَا مِمَّنْ كَانَ شَرِبَهَا حَالَ كُفْرِهِ أَوْ فِسْقِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ لِلْعَدَالَةِ وَقَدْ يُعْرَفُ الشَّيْء إِذا الرَّائِحَةِ كَالزَّيْتِ وَالْبَانِ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ سَكْرَانُ إِذْ لَعَلَّهُ سَكْرَانُ مِنْ عِلَّةٍ وَقَدْ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَبِلَ فِيهِ شَهَادَةَ الْعُدُولِ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ شَرِبَ مُسْكِرًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الرَّائِحَةِ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَهُ الْحَاكِمُ فَيَصِيرُ كَالتُّرْجُمَانِ وَغَيْرُهُ يُقْبَلُ وَحْدَهُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَفِي النَّوَادِرِ وَإِنْ أُشْكِلَتِ الرَّائِحَةُ عَلَى الْإِمَامِ وَهُوَ حَسَنُ الْحَالِ تَرَكَهُ أَوْ سيء الْحَالِ اسْتَقْرَأَهُ مَا لَا يُغْلَطُ فِي مِثْلِهِ مِمَّا يُصَلَّى بِهِ مِنَ الْمُفَصَّلِ فَإِنِ اعْتَدَلَتْ قِرَاءَتُهُ تَرَكَهُ وَإِلَّا حَدَّهُ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ حُدَّ فِيهِ لِلتُّهْمَةِ وَعَنْ مَالِكٍ إِنْ شَكَّ فِي الرَّائِحَةِ أَهُوَ مُسْكِرٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ أُخِذَ عَلَى مَشْرَبَةٍ وَلَمْ يَسْكَرْ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا يَنْبِذُهُمْ وَهُوَ مُعْتَادٌ لِذَلِكَ ضُرِبَ سَبْعِينَ وَنَحْوَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا بِخَمْسِينَ وَنَحْوِهَا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ وَيُعَاقَبُ مَنْ حَضَرَ المَشَارِبَ وَإِنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَخْتَبِرُ الْإِمَامُ السَّكْرَانَ بِالرَّائِحَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ حَدٌّ انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ إِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ السُّكْرِ وَإِلَّا لَمْ يَتَجَسَّسْ عَلَيْهِ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْخَمْرِ حَدَّهُ وَفَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْهُ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ نَبِيذًا مُسْكِرًا حُدَّ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا شرب وَلَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ الْأَئِمَّةُ فِي الرَّائِحَةِ فَلَمْ يَحُدُّوا بِتَحَقُّقِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَضْمَضُ بِالْخَمْرِ لِلدَّوَاءِ وَيَطْرَحُهَا أَوْ يَظُنُّهَا غَيْرَ خَمْرٍ فَلَمَّا حَصَلَتْ فِي فِيهِ طَرَحَهَا أَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ نَبْقًا بَالِغًا أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ فَإِنَّ رَائِحَتَهُ تُشْبِهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ وَإِذَا احْتُمِلَ فَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّ الشُّرْبَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ حَيْثُ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ رِيحُ خَمْرٍ لَا تُفَّاحَ وَلَا نَبْقَ.

.النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْوَاجِبِ:

وَفِي الْكِتَابِ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَتَتَشَطَّرُ بِالرِّقِّ وَوَافَقَنَا ح وَأَحْمَدُ وَقَالَ ش أَرْبَعُونَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ تَعْزِيرًا لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالنَّعْلَيْنِ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ مَكَانَ كُلِّ نَعْلٍ سَوْطًا وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلْهُ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ وَقَالَ عَلِيٌّ فِي الْمَشُورَةِ إِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَحُدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وروى ابْن سعد عَن عَبَّاسٍ حَدُّ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ وَلِأَنَّهُ حَدُّ الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ حَدًّا لِلْحُرِّ كَالْخَمْسِينَ وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْعَقْلِ مَضْيَعَةٌ لِمَصَالِحَ الدَّارَيْنِ فَلَا تَقْصُرُ عَنِ الْقَذْفِ الْخَاصِّ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ يَجُوزُ كَالْمِائَةِ فَيَكُونُ حَدًّا وَإِلَّا لَمْ يُجْدِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ احْتَجُّوا بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ عَلِيًّا فِي زمَان عُثْمَان رَضِي اللهعنهما جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَرْبَعِينَ بِأَمْرِ عُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ لِجَرِيمَةٍ فَتَخْتَصُّ بِعَدَدٍ لَا يُشَارَكُ فِيهِ كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ وَإِلَّا لَمَا خَالَفَتْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَلْ وَكَّلَهُ لِلِاجْتِهَادِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ رَاجِحٌ فِي الِاجْتِهَادِ لِمَا تَقَدَّمَ وَعَنِ الثَّانِي بِالْقَلْبِ فَنَقُولُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يخْتَص بِأَرْبَعِينَ كَالزِّنَا وَالْقَذْف تَفْرِيغ فِي الْجَوَاهِرِ وَكَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فِي زَمَانٍ بَيْنَ زَمَانَيْنِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَيُضْرَبُ قَاعِدًا وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّ وَيُخْلَى لَهُ يَدَاهُ وَيُضْرَبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَتُضْرَبُ الْمَرْأَةُ قَاعِدَةً وَعَلَيْهَا مَا يَسْتُرُهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ وَاسْتُحْسِنَ أَنْ تُقْعَدَ فِي قُفَّةٍ وَالْمُسْتَنَدُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْحُدُودِ وَيُوَالَى بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يفرق على الْأَيَّام حَتَّى تحصل الْحِكْمَة بالنهاية إِلَّا أَنْ يُخْشَى مِنْ تَوَالِيهِ هَلَاكُهُ وَلَا يُجْلَدُ حَالَ سُكْرِهِ حَتَّى يُدْرِكَ الْأَلَمَ وَلَا الْمَرِيضُ إِنْ خِيفَ عَلَيْهِ وَيُؤَخَّرُ لِلْبَرْدِ فِي النَّوَادِرِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ أَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ يُحَدُّ وَيلْزم السجْن إِن كَانَ خَلِيعًا وَقَدْ فَعَلَهُ عَامِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِابْنٍ لَهُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ أُخِذَ فِي الْأَسْوَاق أدّى النَّاسَ يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَيُعْلَنُ ذَلِكَ ويشهر بذلك بِحَالهِ وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي الْحَرَمِ وَيُخْتَارُ لِلضَّرْبِ الرَّجُلُ الْعَدْلُ لَا الْقَوِيُّ وَلَا الضَّعِيفُ وَيُضْرَبُ قُدَّامَ الْقَاضِي احْتِيَاطًا وَيُطَافُ بِالْفَاسِقِ الْمُدْمِنِ وَيُعْلَنُ أَمْرُهُ ويفضح قَالَ ابْن الْقَاسِم وَضرب الْمَرْأَة دُونَ الرِّجَالِ وَيَجْلِدُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْده ويحضر لجلده رجلَيْنِ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يُقْذَفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تُقِيمُ الْمَرْأَةُ الْحَدَّ عَلَى مَمَالِيكِهَا وَإِنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الْحمل أخرت حَتَّى يتَبَيَّن أمرهَا والشارب فِي رَمَضَانَ جُلِدَ وَعُزِّرَ لِلشَّهْرِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ رَأَيْتَ مُعْلِنًا رَفَعْتَهُ لِلْإِمَامِ وَيُسْتَرُ عَلَى صَاحِبِ الزَّلَّةِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ رَأَيْتَ جَارَكَ عَلَى ذَلِكَ تَقَدَّمْ إِلَيْهِ وَانْهَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ ارْفَعْهُ لِلْإِمَامِ وَإِنْ دُعِيَ الْإِمَامُ لِبَيْتٍ فِيهِ فِسْقٌ أَجَابَ إِنْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي النَّهْيِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَجُلَانِ فَرَأَوْا حَدًّا لَمْ يَسَعْهُ السَّتْرُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَهُ سَتْرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْلِنًا فَيَرْفَعُهُ لِمَنْ فَوْقَهُ فَإِنْ أُنْهِيَ إِلَيْهِ أَن فرانا سَكرَان أَو على حد وَلم يَصح عِنْدَهُ أَوْ بِحَضْرَتِهِ فَلَا يُرْسِلُ خَلْفَهُ إِلَّا الْمُعْلن وَإِن بلغه أَن فِي بَيْتِ فُلَانٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْفِسْقِ كَشَفَهُ وَتَعَاهَدَهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَمْ لَا وَلَهُ نَقْلُهُ من مَكَانَهُ وتشريده وَغير الْمَشْهُور وَلَا يكشفه.

.كِتَابُ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ:

وَالنَّظَرِ فِي الْفِعْلِ وَمَرَاتِبِهِ ويندرج فِيهِ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ ثُمَّ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ ثُمَّ فِي إِفْسَادِ الْبَهَائِمِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَنْظَارٍ:

.النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي الْأَفْعَالِ وَمَرَاتِبِهَا:

وَفِي الْكِتَابِ إِنْ قَتَلَ عَبْدٌ رَجُلًا لَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنِ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ وَيَعْتَنِيَ السَّيِّدُ فَإِنْ دَفَعَ السَّيِّدُ لِأَخِيهِ نِصْفَ الدِّيَةِ تَمَّ فِعْلُهُ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَإِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ كَون العَبْد بَينهمَا أَو يردهُ فَإِن دره فَلَهُمَا الْقَتْلُ وَالْعَفْوُ وَإِنْ عَفَوَا خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ إِسْلَامِهِ أَوْ فِدَائِهِ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْعَبْدُ فِيمَا جَنَى» وَعَنْهُ أَيْضًا الدُّخُولُ مَعَ أَخِيهِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا لِشَرِكَتِهِمَا فِي الدَّمِ وَكَذَلِكَ إِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْقَاتِلَ وَزِيَادَةَ عَبْدٍ فَإِنْ دَفَعَ السَّيِّدُ لِغَيْرِ الْعَافِي نِصْفَ الدِّيَةِ تَمَّ فِعْلُهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْعَافِي لِأَخِيهِ نِصْفَ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ وَيَتِمُّ فِعْلُهُ فَإِنْ أَبَى رَدَّ الْعَبْدَيْنِ وَقُتِلَ الْقَاتِلُ إِنْ أَحَبَّا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّمِ وَقيل يدْخل مَعَ قَتْلِهِ فِي الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا ثَمَنُ الدَّمِ الَّذِي لَهُمَا فِي التَّنْبِيهَاتِ الْعَبِيدُ عِنْدَنَا ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ بَيْنَهُمْ فِي الْقِصَاصِ كَالْأَحْرَارِ بَيْنَهُمْ مَلَكَهُمْ وَاحِدٌ أَمْ لَا لِتَسَاوِيهِمْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ كَانُوا لِوَاحِدٍ فَلَا لِأَنَّهُ مُضَاعَفَةُ ضَرَرِ النَّاسِ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَعَ الْأَحْرَارِ مَنْ يُقْطَعُ فِي الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ إِنْ رَضِيَ الْوَلِيُّ وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ لِعَدَمِ التَّسَاوِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ يُقَادُ لِلْحُرِّ مِنَ الْعَبْدِ فِي الْجِرَاحِ إِنْ رَضِيَ الْحُرُّ وَلَا يُقَادُ لَهُ مِنَ الْحُرِّ وَإِنْ رَضِيَ الْحُرُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا عَمْدًا إِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ قَتله أَو استحياءه يَكُونُ عَبْدًا لَهُ وَإِنْ قَالَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ إِنَّمَا عَفَوْتُ لِيَكُونَ لِي نِصْفُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إِلَّا بِدَلِيلٍ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَهُ فِدَاءُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِسْلَامِ نِصْفِهِ لِلْآخَرِ وَإِنْ عَفَوْتَ عَنْ عَبْدٍ قَتَلَ عَمْدًا بَقِيَ لِمَوْلَاهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ رِقَّهُ فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ فِي فِدَائِهِ أَوْ إِسْلَامِهِ أَوْ قَتْلِ خَطَأٍ وَقِيمَتُهُ ثُلُثُ تَرِكَةِ الْقَتِيلِ جَازَ عَفْوُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ لَهُ فِي الدِّيَةِ الْعَبْدُ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ فَلَمَّا عَفَا صَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالتَّرِكَةُ مِائَتَانِ جَازَ أَوِ التَّرِكَةُ بِمِائَةٍ فَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ وَيُخَيَّرُ فِي فِدَاءِ الثُّلُثِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ إِسْلَامِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الثُّلُثِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوِ الدِّيَةُ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْعَبْدُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِالدِّيَةِ كَانَ الْوَاجِبُ لَهُ فِي الدِّيَةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ أَوْصَى لَهُ فَيَجْعَلُ فِي الثُّلُثِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَوْ قِيمَةُ الْكِتَابَةِ وَقِيلَ هَذَا لَا يُخَالِفُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَأَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَيُرَدَّ لِسَيِّدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَمْ يُخَيَّرْ لِلْوَرَثَةِ قَالَ أَشْهَبُ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي فِدَاءِ جَمِيعه بِثُلُثَيِ الدِّيَةِ لِأَنَّ ثُلُثَهَا عَنْهُ سَقَطَ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ يُسَلَّمُ جَمِيعُهُ بِثُلُثَيِ الدِّيَةِ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الْجِنَايَةِ التَّخْيِيرُ لَا شَيْءَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا لَو جرح عَبدك حرا جرحا دِيَتُهُ مِائَةٌ فَطَرَحَ عَنْكَ خَمْسِينَ فَلَكَ فِدَاءُ جَمِيعِهِ بِخَمْسِينَ أَوْ تُسَلِّمُ جَمِيعَهُ بِالْخَمْسِينَ وَكَالرَّهْنِ يَضَعُ الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ حَقِّهِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ بِمَا بَقِيَ وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إِلَّا ثُلُثُ أَو ثُلثي الدِّيَةِ وَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَسْلَمَ ثُلُثَيْهِ أَوِ افْتَكَّهُمَا بِثُلُثَيِ الدِّيَةِ وَثُلُثُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ بِالْوَصِيَّةِ أَسْلَمَ بَقِيَّتَهُ أَوْ فَدَاهُ بِخِلَافِ الْمَجْرُوحِ فَإِنَّهُ كَالرَّهْنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنَّمَا كَانَ لِلْأَوَّلِ الْعَوْدُ لِلْقَتْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ فَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لَهُ فَلَمَّا اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ذِمَّةٌ يَتْبَعُهَا عَادَ للْقَتْل بِخِلَافِ الْقَاتِلِ السَّيِّدِ الْعَبْدَ عَلَى إِنْ لَمْ يَجِدِ الْغَائِبُ دَفَعَ لِلْحَاضِرِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ إِنْ لَمْ يَجِدِ الثَّانِي لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً يَتْبَعُهَا.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِذا أعْتقهُ بَعْدَ عِلْمِكَ بِقَتْلِهِ لِرَجُلٍ خَطَأً وَأَرَدْتَ حَمْلَ الْجَنَابَة فَذَلِكَ لَكَ أَوْ قُلْتَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَلْزَمُ ذِمَّتَهُ حَلَفْتَ عَلَى ذَلِكَ وَرُدَّ عِتْقُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ وَكَذَلِكَ إِنْ جَرَحَ الْحُرَّ وَحَلَفْتَ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ مِثْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ وَجَدَ مُعِينًا عَلَى أَدَائِهَا نَفَذَ الْعِتْقُ وَإِلَّا بيع مِنْهُ بقدها وَعُتِقَ الْفَاضِلُ وَإِنْ كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِ أُسْلِمَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ حَلَفَ مَا أَرَادَ الْحَمْلَ ثُمَّ دَفَعَ الْأَرْش وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَفَسْخُهُ وَأُخِذَ الْعَبْدُ لِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِهِ قَالَ غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءُ الْمُبْتَاعُ دفع الأَرْض لَا يهم فَذَلِك لَهُم لِأَنَّهُ حَقهم وَيرجع على البَائِع بِالْأَقَلِّ بِمَا افْتَكَّهُ أَوِ الثَّمَنِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالسَّيِّدِ فغن افْتَكَّهُ الْبَائِعُ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ الْبَائِعُ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا فِي الْعَمْدِ وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا وَهُوَ كعيب ذهب فِي التَّنْبِيهَاتِ لِلسَّيِّدِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إِنْ عَلِمَ الْجِنَايَةَ وَالْحُكْمَ أَسْلَمَ فِي الْعِتْقِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ رَقِيقًا أَوْ يَفْدِيهِ وَيَمْضِي عِتْقُهُ وَفِي الْبَيْعِ إِنْ أَعْطَى الْجِنَايَةَ مَضَى الْبَيْعُ وَإِلَّا رَدَّهُ أويعلم الْجِنَايَةَ وَيَجْهَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِتْقُهُ وَلَا بَيْعه إِلَّا بعد تحمل الْجِنَايَة فَيحلف ماأراد التَّحَمُّلَ وَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْخِيَارِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ فِي البيع مَا تقدم.
الثَّالِث:
لَا يَعْلَمُ الْجِنَايَةَ وَلَا مَنَعَهُ عَنِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا رَضِيَ بِالتَّحَمُّلِ فَيَمْضِي عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ يَرْضَى وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ التَّحَمُّل لَكِن يخلف وَصِفَةُ أَيْمَانِهِ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بعد جَهْلِ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثِ مَا أَرَادَ تَحَمُّلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ هَذَا إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَقَدْ يُقَالُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا رَضِيَ بِاتِّبَاعِهِ وَكَذَلِكَ إِن وظىء بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَحَمَلَتْ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ مَلِيءٌ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَخَذَهَا أَهْلُ الْجِنَايَةِ فَإِنْ عَلِمَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِتَحَمُّلِ الْجِنَايَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحَمْلِهَا فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ وَعَلَيْهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ فِي الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَخَذَهَا أَهْلُ الْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ تُحْمَلْ لَا يَكُونُ وَطْؤُهُ رِضًا بِالْجِنَايَةِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَفِي النُّكَتِ إِذَا بِيعَ وَافْتَكَّهُ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ فَلِلْأَصْلِ إِنِ افْتَكَّهُ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ فَعُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَأَكْثَرَ فَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى بَقِيَ لِلْبَائِعِ فَضْلٌ وَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِتَمَامِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي الرَّد بِالْعَيْبِ فِي الْعَمْدِ يُرِيدُ جِنَايَةَ عَمْدٍ فِي الْمَالِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَمَّا فِي الْقِصَاصِ بِقَدْرٍ لَا يَنْفَعُ الْبَيَانُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُقْتَصُّ مِنْهُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ يُبَاعُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَيُعْتَقُ مَا فَضَلَ يُرِيدُ لَا مَالَ للسَّيِّد وَإِلَّا يكمل عَلَيْهِ عتق جَمِيعه قَالَ مُحَمَّد وَيَنْبَغِي إِن كَانَ مُوسِرًا وَفِي الْعَبْدِ فَضْلٌ أَلَّا يَحْلِفَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَمْلَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ إِذَا صُدِّقَ بِيعَ بَعْضُهُ فِي الْجِنَايَةِ وَعُتِقَ بَاقِيهِ فَيَلْزَمُهُ التَّقْوِيمُ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَإِنْ كَرِهَ قَالَ التُّونُسِيُّ الْعُهْدَةُ مُشْكِلَةٌ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّهُمْ إِنْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إِذَا اسْتَحَقَّ وَالْبَائِعُ لَوْ أَسْلَمَهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فَاسْتَحَقَّ رَجَعَ الْمُسَمَّى لِلْمُشْتَرِي وَأَجَازَ أَهْلُ الْجِنَايَةِ الْبَيْعَ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ فَإِنْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ أَهْلِ الْجِنَايَةِ أَدْرَكَهُ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِإِسْلَامِهِ فَسَقَطَتِ الْعهْدَة فَإِذا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَالْمُشْتَرِي مَلِيءٌ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا عَلِمَ الْبَائِعُ بِالْجِنَايَةِ وَبَاعَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ إِنْ أَجَازُوا الْبَيْعِ قَال ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِك إِذَا حَلَفَ لَمْ يُرِدْ حَمْلَ الْجِنَايَةِ رُدَّ عِتْقُ الْعَبْدِ وَخُيِّرَ السَّيِّدُ فِي الِافْتِكَاكِ فَإِنِ افْتَكَّهُ كَانَ حرا لِأَنَّهُ أعْتقهُ أَو أسلمه وَله مَال أَو نَحوه معيبا بِقدر الْعتْق وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَمْلَ الْجِنَايَةِ رُدَّ عِتْقُهُ وَخُيِّرَ السَّيِّدُ فِي افْتِدَائِهِ وَيَبْقَى لَهُ عَبْدًا أَوْ يُسَلِّمُهُ عَبْدًا وَعَنِ الْمُغِيرَةِ إِذَا أَعْتَقَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ كَإِيلَادِ الْأَمَةِ وَإِنْ جَرَحَ رَجُلَيْنِ فَعَلِمَ بِأَحَدِهِمَا فَأعْتقهُ رَضِيَ فَحَمَلَ الْجِنَايَةَ وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَامَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إِعْطَاءُ الْآخَرِ الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ جرحه أَو نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ إِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْخُذُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ نِصْفَهُ لِمَا حَدَثَ فِيهِ مِنَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَنَى فَوَهَبَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَدَاءِ الْجِنَايَةِ وَحَلَفَ مَا أَرَادَ حملهَا فغن الْجِنَايَةَ أَوْلَى بِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ أَعْتَقَهُ وَالْجِنَايَةُ أَكْثَرُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحَمْلِهَا وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مَالٌ يَقُومُ بِالْجِنَايَةِ أُخِذَ مِنْهُ وَعُتِقَ أَوْ وُجِدَ من يغيثه وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبْدَأُ بِأَخْذِ مَالِهِ أَوْ يَتَخَيَّرُ السَّيِّدُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّيِّدَ يَفْتَدِيهِ لِلرِّقِّ يُبْتَدَأُ بِمَالِهِ وَبِمَنْ يُعِينُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَفْتَدِي لِعَدَمِ تَخْيِيرِ السَّيِّدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَفِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنِ الْجِنَايَةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَيُعْتَقُ الْبَاقِي وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُ يَسْتَكْمِلُ عَلَيْهِ مَا قَابَلَ الْجِنَايَةَ وَقِيلَ يُسَلَّمُ كُلُّهُ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الأَصْل فِي جِنَايَة أَن لَا يُبَاع إِلَّا بعد حَقّهَا وَالْأول يَقْتَضِي أَن لَا يُسْتَكْمَلَ عَلَى الْمُعْتِقِ وَإِلَّا لَا يُسْتَكْمَلُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ وَإِنَّمَا أُعْتِقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ بَابِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ لِأَنَّ السَّيِّدَ بَرِيءٌ مِنْهُ بِالْبَيْعِ فَعِتْقُ الْبَاقِي أَوْلَى مِنْ رِقِّهِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِنْ جَنَى فَقَالَ أَبِيعُهُ وَأَدْفَعُ الْأَرْشَ عَنْ ثَمَنِهِ مُنِعَ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَوْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ ثِقَةٍ فَلْيُؤَخَّرِ الْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَإِلَّا فَدَاهُ أَوْ أَسْلَمَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَعَيُّنُهُ لِلْجِنَايَةِ فَإِنْ بَاعَ وَدَفَعَ دِيَةَ الْجُرْحِ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَالْأَحْسَنُ إِجَابَتُهُ لِلْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَ حَقَّهُ سَقَطَ مَقَالُهُ وَاخْتُلِفَ إِذَا أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ وَأَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ نَقْضَ الْبَيْعِ فَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الْجِنَايَةَ فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْعَقْدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْفِدَاءِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَأَسْلَمَهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فَصَارَ مِلْكًا لَهُمْ فَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِرِضَاهُمْ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ إِنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ عَلَى الْجِنَايَةِ وُقِفَ فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ أَوِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إِلَى إِجَازَةِ الْبَيْعِ أَخَذُوهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَة لم تسلم وَابْنهَا مَعَهَا إِذْ يَوْمَ الْحُكْمِ يَسْتَحِقُّهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ تُسَلَّمُ بِمَا لَهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَالَهُ أَشهب فِي الْوَطْء وَالْمَالِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ الْمُغِيرَةُ إِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا فِي الْجِنَايَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ مَاتَتْ فَأَهْلُ الْجِنَايَةِ أَحَقُّ بِمَالِهَا إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ السَّيِّدُ الْأَرْشَ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْجِنَايَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَة وزر أُخْرَى} إِلَّا أَنْ يَتَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُجِيعَهُ فَيَسْرِقُ فَفِي كَوْنِ الْجِنَايَةِ حِينَئِذٍ فِي رَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ قَوْلَانِ وَقَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى حَاطِبٍ لَمَّا أَجَاعَ عَبِيدَهُ حَتَّى سَرَقُوا بَعِيرًا بِقِيمَةِ الْبَعِيرِ وَثَنَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةً فَإِنْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِذَلِكَ فللمجني عَلَيْهِ اتِّبَاع السَّيِّد قولا وَاحِدًا يتبع بهَا الْعَبْدُ فَيُفْدَى مِنْهُ أَوْ يُسَلَّمُ وَاخْتُلِفَ إِذَا أسلمه وَله مَال فسلمه بِمَالِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَالْعِتْقِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَجْنِي تُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهَا وَقِيلَ تُقَوَّمُ بِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ مَالٍ وَإِنْ جَنَتْ حَامِلًا أُسْلِمَتْ عَلَى هَيْئَتِهَا وَالْحَمْلُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُسْلَمِ الْوَلَدُ لِانْفِصَالِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَإِنْ حَمَلَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ وَضَعَتْ فَخِلَافٌ وَالْإِسْلَامُ أَحْسَنُ لِتَجَدُّدِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَعَلَى قَوْلٍ لَا يُسلمهُ إِذا جنت حَامِلا وَالِاسْتِثْنَاء لتجد بعد فِيهِ هَا هُنَا أخف من الِاسْتِثْنَاء فِي الْبَيْعِ وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الَّذِي كَانَ لَهُمْ هُوَ نَفْسُ الْقَاتِلِ وَقَدْ أَخَذُوهَا وَاخْتُلِفَ إِذَا عَفَوْا عَنْهُ وَأُسْلِمَ إِلَيْهِمْ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُسَلَّمُ مَالُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْقَتْلِ إِلَّا رَقَبَتَهُ وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِيَسْتَحْيُوهُ فَقَتَلُوهُ اسْترْجع المَال مِنْهُم.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِذَا جَنَى الْمَأْذُونُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ تِجَارَةٍ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَابْتَاعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ بِالثَّمَنِ فَلَيْسَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ أَخْذُهُ إِلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ لِلْمُبْتَاعِ وَلَوْ أسلمه سَيّده أَو لَا بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ صَارَ لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَبَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنِ الْعَبْدِ وَعَمَّنْ يَصِيرُ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ فِي رَقَبَتِهِ فِي النُّكَتِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا بِيعَ فِي الْمَغْنَمِ وَوَجَدَهُ سَيِّدُهُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي يَفْتَكُّهُ إِنْ أَحَبَّ بِالثَّمَنِ وَالْجِنَايَةُ فِيهَا أَو يُسلمهُ بِخِلَاف قَول سَحْنُون إِنَّمَا يقبله بِالْأَرْشِ بَين الْجِنَايَةِ أَوِ الثَّمَنِ لِلُزُومِ الْجِنَايَةِ لَهُ قَبْلَ الْأَسْرِ فَإِنْ صَارَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمَغْنَمِ ثُمَّ جَنَى ثُمَّ قَامَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وأتى السَّيِّدُ خُيِّرَ السَّيِّدُ الْأَوَّلُ بَيْنَ افْتِكَاكِهِ وَإِسْلَامِهِ فَإِنِ افْتَكَّهُ بِالَّذِي صَارَ فِي السَّهْمِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَقْلَ جِنَايَتِهِ وَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ لِلَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِمَّا صَارَ لَهُ فِي السَّهْمِ افْتَكَّهُ بِالْأَرْشِ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ الْأَوَّلُ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِذَلِكَ خُيِّرَ الَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ فِي إِسْلَامِهِ لِلْمَجْرُوحِ أَوْ يَفْتَكُّهُ بِالْعَقْلِ فَإِنْ جَنَى ثُمَّ غنم ثمَّ جنى بديء الْآخَرُ قَالَ التُّونُسِيُّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ أَن المُشْتَرِي دَفَعَ الْجِنَايَةَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ كَمَنْ جَنَى عَبْدُهُ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ وَأَسْلَمَهُ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي دَفْعَ الْأَرْشِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيرجع البَائِع بِالْأَقَلِّ وَقد يكون المُشْتَرِي هَا هُنَا يُخَالِفُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمَالِكِ الَّذِي جَنَى عَبْدُهُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَخَذَهُ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَةِ فَرَجَعَ على البَائِع مِنْهُ بِالْأَقَلِّ وَهَا هُنَا إِذَا فَدَاهُ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ فَحَلَّ أَهْلُ الْجِنَايَةِ مَحَلَّ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ وَقد يُقَال المُشْتَرِي هَا هُنَا أَقْوَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ فَصَارَتْ شُبْهَةً بِالشِّرَاءِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنَّ أَهْلَ الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا لَمْ يَفْدِهِ صَارَ مِلْكًا لَهُمْ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ إِنَّ أَهْلَ الْجِنَايَةِ مَلَكُوهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْعَبْدُ فِيمَا جَنَى» وَقَدْ أَسْنَدَهُ كَالشِّرَاءِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِنْ جَنَى فَلَمْ يُحْكَمْ فِيهِ حَتَّى جَنَى جِنَايَاتٍ فَإِمَّا فَدَاهُ بِدِيَاتِهِمْ أَجْمَعَ أَوْ أَسَلَمَهُ إِلَيْهِمْ فَيَتَحَاصَصُوا فِيهِ بِقَدْرِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى فَدَاهُ ثَانِيَةً أَوْ أَسْلَمَهُ لِلْحَدِيثِ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْقَوْلِ إِنَّهُ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى مِلْكٌ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْتَدِيَ مِنْهُ يُخَيَّرُ الْأَوَّلُ إِذَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ مِنَ الثَّانِي فَإِنْ جَنَى ثُمَّ جُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ أَوْ يُسلمهُ وَمَا أَخذ فِي جِنَايَته وَقبل نَقْصِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي فِدَائِهِ بِحِصَّةِ الْعَبْدِ أَوْ يُسْلِمُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ بِمَا أَخَذَ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ وَيَكُونُ الْفَضْلُ فَإِن جنى ثمَّ حني عَلَيْهِ ثمَّ حَنى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ أَسْلَمَهُ أَسْلَمَ مَعَهُ دِيَةَ جُرْحِهِ فَكَانَ ذَلِكَ لِلْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ وَيَقْتَسِمَانِ الْعَبْدَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَتَيْنِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْأَوَّلِ مِمَّا أَخَذَ شَيْءٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَتَحَاصَّانِ فِي الْعَبْدِ وَدِيَّةِ الْجُرْحِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ أَسْلَمَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةِ الْجُرْحِ الَّتِي كَانَتْ وَجَبَتْ لِلْعَبْدِ وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُهَا لِأَنَّهُ جَرَحَ الْأَوَّلَ صَحِيحًا فَلَهُ نِصْفُهُ صَحِيحًا وَجَرَحَ الثَّانِي مَقْطُوعَ الْيَدِ فَلَهُ نِصْفُهُ كَذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ دِيَةُ الْجُرْحِ الأول الْحَرج الأول ينْسب لِلْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَهُ فَقَدْ أَخَذَ الْمَجْرُوحُ ثلث حَقه وَيضْرب فِي العَبْد فِي الثُّلثَيْنِ وَيضْرب للثَّانِي بِجُرْحِهِ كُلِّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ للسَّيِّد فِي قِيمَةِ جُرْحِهِ بِالْخِيَارِ لِأَنَّ الْعُضْوَ الذَّاهِبَ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْضُ الْجِنَايَةِ وَقَدْ أَخذ البعوض عَنْهُ فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ مَا يَنُوبُهُ وَيَحُطُّ عَنِ الثَّانِي.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَجَنَى قَبْلَ الْقَضَاءِ لِتَكْمِيلِهِ لَمْ يَكُنْ كَالْحُرِّ إِذْ لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ قَبْلَ الْحُكْمِ رُقَّ بَاقِيهِ بَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ نِصْفِ الْأَرْشِ وَيُكْمِلُ عِتْقَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ نِصْفُ الْأَرْشِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقِيَامِ فَنِصْفُ الْأَرْشِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي إِسْلَامِ النِّصْفِ الرَّقِيقَ أَوْ يَفْدُونَهُ وَيَكُونُ لَهُمْ رِقًّا فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَلِيءُ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَجَنَى قَبْلَ التَّقْوِيمِ خُيِّرَ الْمُتَمَسِّكُ فِي فدَاء شِقْصِهِ وَتَقْوِيمِهِ عَلَى الْمُعْتَقِ أَوْ يُسْلِمُهُ فَيُقَوِّمُهُ الْمُسلم إِلَيْهِ على الْمُعْتق بقمته يَوْمَ الْحُكْمِ مَعِيبًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ مَلَكَهُ وَيُتْبَعُ الْعَبْدُ لَا الْعَاقِلَةُ بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَنْ عَبْدٍ فَإِنْ وَهَبَ الْمُتَمَسِّكُ حِصَّتَهُ مِنْهُ لِرَجُلٍ بَعْدَ العبق فَالتَّقْوِيمُ لِلْمَوْهُوبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ بِمَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةً مَجْهُولَةً وَهُوَ غَرَرٌ وَلَا غَرَرَ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ جَنَى الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَوْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ مِنْهُ وَلِلْعَبْدِ أَوْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمُعَتَقِ مِنْهُ وَتَبْقَى حِصَّةُ الْعَبْدِ فِيمَا يَأْخُذُ مِنْ أَرْشٍ بِيَدِهِ كَمَا لَهُ وَكَانَ ملكه يَقُولُ يَأْخُذُ مَنْ لَهُ رِقٌّ فِيهِ الْأَرْشَ كُلَّهُ كَأَرْشِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَخْتَلِفُ فِي صِفَةِ التَّقْوِيمِ إِذَا لَمْ يُقَّوَّمْ حَتَّى جَنَى فَإِنِ افْتَدَاهُ قُوِّمٌ قِيمَةً وَاحِدَةً وَيُقَالُ كَمْ قِيمَةُ جَمِيعِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى بَيْعِ جَمِيعِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ تِلْكَ الْقِيمَةِ إِن كَانَت مائَة خَمْسِينَ فَإِنْ أَسْلَمَهُ زِيدَ تَقْوِيمُ نِصْفِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهُ عَتِيقٌ فَإِنْ قِيلَ ثَلَاثُونَ فَلَهُ عِشْرُونَ وَهِيَ فَضْلُ مَا بَيْنَ نصف قِيمَته قبل العبق وَبَعْدَهُ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ الْبَاقِي يَوْمَ يقوم على أَن نس = صفه «الْبِئْرُ جُبَارٌ» وَإِنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاشِيَةٍ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَعَطِبَ بِهَا رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حَفْرُهَا وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ لِمَصْلَحَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا عَطِبَ فِيهَا أَوْ لِيَقَعَ فِيهَا سَارِقٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ضَمِنَ السَّارِقَ وَغَيْرَهُ أَوْ لِيَقَعَ فِيهَا سَبُعٌ لَمْ يضمن السَّارِق وَلَا غَيره لِأَنَّهُ لَهُ فِعْلَ ذَلِكَ شَرْعًا وَكَذَلِكَ إِنْ رَبَطَ كَلْبًا لِيَعْقِرَ إِنْسَانًا أَوْ لِيَصِيدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ حَفَرَ فِي دَارِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ضَمِنَ الْحَافِرُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الدَّارِ إِلَّا أَن يعلم صَاحبهَا فَيُخَير أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَدَاقَةٌ فَهُوَ كَالْإِذْنِ قَاعِدَةٌ أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ الْإِفْسَادُ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ أَوِ التَّسَبُّبِ كَوَقْدِ النَّارِ بِقُرْبِ الزَّرْعِ أَوْ وَضْعِ الْيَدِ غَيْرِ مُؤَمَّنَةٍ كَالْغَاصِبِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.
تَنْبِيهٌ:
ضَمَانُ جِنَايَاتِ الْعَبْدِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ أَتَتْ بِهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَقْصِدُ الْفَسَادَ فَتُؤْخَذُ رَقَبَتُهُ فَيَقَعُ الْإِضْرَارُ بِالسَّيِّدِ وَهُوَ لَمْ يجز وَلَا يَتَأَلَّمُ الْعَبْدُ وَقَدْ جَنَى وَالْقَوَاعِدُ لَا يُعَاقَبُ غَيْرُ الْجَانِي.
قَاعِدَةٌ:
الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ إِجْمَاعًا مِمَّنْ هُوَ مُكَلَّفٌ أَوْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّكْلِيفِ كَالتَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الرَّضِيعِ فَإِنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ.
قَاعِدَةٌ:
إِذْنُ الْمَالِكِ الْمَأْذُونِ لَهُ شرعا أَن يَأْذَن مسْقط للضَّمَان وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ إِذَا حَوَّلَ الْوَدِيعَةَ مِنْ زَاوِيَةِ بَيْتِهِ إِلَى زَاوِيَةِ بَيْتٍ آخَرَ وَالْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ إِذَا عَرِيَ عَنْ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي التَّصَرُّفِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ شَالَ شَيْئًا فَسَقَطَ عَلَى الْوَدِيعَةِ ضَمِنَهَا لِانْفِرَادِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فَاتِحُ بَابه فَكسر حَلقَة قلَّة زيته يَضْمَنُ لِانْفِرَادِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالصَّائِدُ أُذِنَ لَهُ فِي الصَّيْد فَإِن أفسد بِهِ ضمن لانفرد الْإِذْن الشَّرْعِيّ والمضطر أُذِنَ لَهُ فِي الصَّيْدِ فَإِنْ أَفْسَدَ بِهِ ضَمِنَ لِانْفِرَادِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُضْطَرُّ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي أَكْلِهِ طَعَاما وَيضمنهُ لِانْفِرَادِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فَيَتَخَلَّصُ أَنَّهُ إِنِ اجْتَمَعَ الْإِذْنَانِ فَلَا ضَمَانَ كَالْمُودِعِ أَوِ انْتَفَيَا ضَمِنَ كَالْغَصْبِ أَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ فَقَطْ ضَمِنَ فَهِيَ أَرْبَعَة أَقْسَامٍ يَضْمَنُ فِي وَاحِدٍ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِذْنَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الْآخَرِ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَيَجْتَمِعَانِ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ.
قَاعِدَةٌ:
الْجَوَابِرُ وَالزَّوَاجِرُ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ تُوجَدُ الزَّوَاجِرُ بِلَا جَبْرٍ كَالْحُدُودِ وَالْجَوَابِرُ بِلَا زَجْرٍ كَتَضْمِينِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ نَحْوَ كَفَّارَةِ الظِّهَار وتضمين الْغَصْب وَجَزَاءِ الصَّيْدِ فِي قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا وَغَاصِبِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الدِّمَاءِ إِن شَاءَ تَعَالَى فَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ تَتَخَرَّجُ فُرُوعُ الْجِنَايَاتِ فِي الضَّمَانَاتِ فَتَأَمَّلْهَا وَاسْتَعْمِلْهَا فِي مَوَارِدِهَا تَحْكُمُ الضَّمَانَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ إِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِمَا فِيهَا فَهدر لِأَن الرّيح تغلبهم غلا أَنْ يُعْلَمَ قُدْرَتُهُمْ عَلَى صَرْفِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ قَدَرُوا مَعَ هَلَاكِهِمْ ضَمِنَتْ عَوَاقِلُهُمُ النُّفُوسَ وَالْمَالَ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ وَفَّرُوا نُفُوسَهُمْ فَإِن لم يروهم لظلمة اللَّيْل وَلَو رأوهمم لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنُوا وَإِنِ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَهَلَكَا وَفَرَسَاهُمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ وَقِيمَةُ فَرَسِهِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْفَارِسَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَرَسِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّفِينَةِ وَقِيلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لإشراكه فِي نَفْسِهِ قَالَ وَلَوْ لَزِمَ هَذَا إِذَا عَاشَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْ عَاقِلَتَهُ إِلَّا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَلَكَانَ الَّذِي يَهْوِي فِي الْبِئْرِ قَاتِلًا لنَفسِهِ مَعَ حافرها ولكان الواطىء عَلَى الْحَسَكِ وَقَدْ نَصَبَهَا رَجُلٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ مَعَ نَاصِبِهَا وَبِالْمَشْهُورِ قَالَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنِ اصْطَدَمَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَمَاتًا فَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ وَدِيَةُ الْحُرِّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَيَتَقَاصَّانِ فَإِن زاج ثَمَنُ الْعَبْدِ عَلَى الدِّيَةِ فَلِسَيِّدِهِ الزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْحُرِّ أَوْ دِيَةُ الْحُرِّ أَكْثَرُ لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَالْفَضْلُ فِيهِ وَقَالَ أَصْبَغُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَال الْحر يُؤْتى السَّيِّدُ وَيُقَالُ لَهُ افْتَكَّ قِيمَتَهُ بِدِيَةِ الْحُرِّ أَوْ أَسْلِمْهَا فَإِنْ أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْحُرِّ غَيْرُهَا وَإِنْ فَدَاهَا فَبِجَمِيعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْجِنَايَات وَإِن اصطدم رجلَانِ أَو راكبان فوطىء أَحَدُهُمَا عَلَى صَبِيٍّ فَقَطَعَ إِصْبَعَهُ ضَمِنَاهُ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرًا فِيهِ بِالِاصْطِدَامِ قَالَ أَشهب حافروا الْبِئْرِ تَنْهَارُ عَلَى أَحَدِهِمْ تَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْبَاقِي دِيَتِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ هَدَرٌ لِأَنَّ لِلْمَقْتُولِ شِرْكًا فِي قَتْلِ نَفْسِهِ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ قَاتِلَ نَفْسِهِ وَإِنْ مَاتُوا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِشَرِكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قتل نَفسه قَالَ مَالك عَن ارْتَقَى فِي الْبِئْرِ فَأَدْرَكَهُ آخَرُ فِي أَثَرِهِ فَخَرَّا فَهَلَكَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَسْفَلِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ بِفِعْلِهِ قَالَ مَالِكٌ رُبِطَتْ مَرْكَبٌ فِي صَخْرَةٍ وَرُبِطَ بِهَا أُخْرَى وَرُبِطَ ثَالِثٌ بِأَحَدِهِمَا فجره الثَّالِث حَتَّى كَادُوا يفرقون فَرجوا الثَّالِثَ خَوْفَ الْغَرَقِ فَهَلَكَ بِمَا فِيهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا لِخَوْفِهِمُ الْهَلَاكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ طَلَبْتَ غَرِيقًا فَخَشِيتَ الْمَوْتَ فَأَفْلِتْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ وَإِنْ عَلَّمْتَهُ الْعَوْمَ فَخِفْتَ الْمَوْتَ عَلَيْكَ فَأَفْلَتَّهُ ضَمِنْتَ دِيَتَهُ لِأَنَّكَ أَنْشَبْتَهُ وَعَنْهُ لَا ضَمَان كالغريق فَإِن ترجى فِي بِئْرٍ فَطَلَبَكَ تُدْلِي لَهُ حَبْلًا فَرَفَعْتَهُ فَلَمَّا أَعْجَزَكَ خَلَّيْتَهُ فَمَاتَ ضَمِنْتَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ إِنْ أَمْسَكْتَ لِرَجُلٍ حَبْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْبِئْرِ فَانْقَطَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ لِعَدَمِ صُنْعِكَ أَوِ انْفَلَتَ مِنْ يَدِكَ ضَمِنْتَ.
فرع:
قَالَ إِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّاقِطِ وَإِنْ سَقَطَ عَلَى غُلَامٍ فَانْشَجَّ الْأَسْفَلُ وَانْكَسَرَ الْأَعْلَى ضَمِنَ الْأَعْلَى شَجَّةَ الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى هَدَرٌ وَإِنْ دَفَعَ رَجُلًا فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَعَلَى الدَّافِعِ الْعَقْلُ دُونَ الْمَدْفُوعِ لِأَنَّهُ آلَةٌ وَإِنْ دَفَعَهُ فَطَرَحَهُ فَوَقَعَتْ يَدُهُ تَحْتَ سَاطُورِ جَزَّارٍ فَقِيلَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَزَّارِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَقِيلَ عَلَى عَاقِلَةِ الطَّارِحِ لِأَنَّهُ الْقَاصِدُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ قَادَ بَصِيرٌ أُعْمَى فَوَقَعَ الْبَصِيرُ فِي الْبِئْرِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْأَعْمَى فَمَاتَ الْبَصِيرُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى وَقَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.