فصل: الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: التَّأْخِيرُ مَعَ الْإِمْكَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْحَالَةُ الثانيةُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ:

وَفِي الْكِتَابِ لَا يَنْبَغِي إِخْرَاجُ زَكَاةِ عَيْنٍ وَلَا مَاشِيَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ إِلَّا بِيَسِيرٍ فَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ لِعَامَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي الْيَسِيرِ خِلَافٌ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ إِذَا جَوَّزْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ نَحْوُ الشَّهْرِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْيَوْمَانِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْعَشْرَةُ وَقِيلَ نِصْفُ الشَّهْرِ وَهَذَا الْخلاف يخْتَص بِالْعينِ وَالْمَاشِيَةِ وَأَمَّا الْحَرْثُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ فِيهِ وَخَالَفَنَا الْأَئِمَّةُ فِي التَّعْجِيلِ وَأَجَازَهُ ح عَنْ سِنِينَ وَفِي الْحَرْثِ وَالثِّمَارِ قَبْلَ ظُهُورِهِمَا وَفِي أبي دَاوُد أَن الْعَبَّاس سَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيل صدقته قبل أَن يحل فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ إِذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ جَائِزٌ كَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِتَقَدُّمِ الْحَلِفِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقصاص قبل الزهوق لتقديم الْجرْح فَكَذَلِك هَاهُنَا لِمَا تَقَدَّمَ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ النِّصَابُ لَا يَضُرُّ فُقْدَانُ الْحَوْلِ وَلِذَلِكَ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَنْعِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ وَقِيَاسًا عَلَى الدُّيُونِ فَإِنَّ الْحَوْلَ حَقٌّ لِلْأَغْنِيَاءِ فَإِذَا أَسْقَطُوهُ سَقَطَ كَأَجَلِ الدَّيْنِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُحْتَمَلُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّاعِي أَوْ يُعَجِّلُ لَهُ السَّاعِي أَوْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ قَصْدَ الْحِنْثِ عِنْدَنَا يَقُومُ مَقَامَ الْحِنْثِ إِذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَلَمْ يَفْقِدِ الشَّرْطَ وَبَدَّلَهُ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَفْوِ تَفُوتُ بِالْمَوْتِ فَجَعَلَ لَهُ استدراكها وَهَاهُنَا لَا تَفُوتُ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا شائية الْعِبَادَةِ وَلِذَلِكَ افْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ النِّصَابَ إِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ إِنْ قُلْتُمْ إنَّ الْمُعْطَى وَاجِبٌ لَا يَكُونُ الْحَوْلُ شَرْطًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا يَحِلُّ لِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَهُوَ لَمْ يُعْطَ لَهُ فَتَبْطُلُ حِكْمَةُ التَّعْجِيلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ عَجَّلَ بِالْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ وَهَلَكَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَخَذَهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ ذَبَحَ شَاةً مِنَ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لِاحْتِمَالِ نِيَّةِ النَّدَمِ فَيُتَّهَمُ فِي الرُّجُوعِ قَالَ سَنَدٌ إِذَا دَفَعَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ مِنْ عِشْرِينَ وَبَقِيَ الْبَاقِي إِلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ زَكَاةٌ مَفْرُوضَةٌ وَقَالَهُ ش لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ يُقَدَّرُ بَقَاؤُهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَوْ كَانَتِ الْمَاشِيَةُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَوَلَدَتْ شَاةُ الصَّدَقَةِ فِي يَدِ الْفَقِيرِ سَخْلَةً وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاج شاق أُخْرَى لِتَجَدُّدِ النِّصَابِ وَقَالَ ح فِي الْأَوَّلِ لَا تَكُونُ زَكَاةً وَيَسْتَرِدُّهَا مِنَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَى نِصَابٍ عِنْدَهُ وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّاعِي قَبْلَ إِيصَالِهِ إِلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لِوُقُوعِهِ الْمَوْقِعَ فَلَوْ تَغَيَّرَتْ حَالُ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِمَوْتٍ أَوْ رِدَّةٍ قَالَ ح إِنْ كَانَ بِيَدِ الْإِمَامِ اسْتَرْجَعَهُ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ دَفَعَ كِرَاءِ مَسْكَنٍ فَانْهَدَمَ وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْفَقِيرِ بِمَوْتٍ أَوْ ردة فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وح وَقَعَتِ الْمَوْقِعَ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَخْذِ وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُ رَبُّهَا فَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ زَرْعِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ لِلْوُجُوبِ بالطيب فَلَو عجل زَكَاة مَاشِيَة ثمَّ جَاءَ السَّاعِي عِنْدَمَا وجده دون مَا دَفعه للْمَسَاكِين إِذا عجلها بِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ فَقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ لَا.

.الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: التَّأْخِيرُ مَعَ الْإِمْكَانِ:

فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ سَبَبُ الْإِثْمِ وَالضَّمَانِ فَلَوْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا زَكَاةَ.

.الباب الثَّامِن فِي صرف الزَّكَاة وَالنَّظَر فِي الْمَصْرِفِ وَأَحْكَامِ الصَّرْفِ:


.النَّظَرُ الْأَوَّلُ: فِي الصّرْف:

وَهُوَ الطَّوَائِفُ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} التَّوْبَة 60 فَحَصَرَهَا بِصِيغَةِ إِنَّمَا فِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ الْإِعْطَاءُ لَهُ إِجْمَاعًا كَاسْتِحْقَاقِ الْجَمَاعَةِ لِلشُّفْعَةِ إِذَا غَابُوا إِلَّا وَاحِدًا أَخَذَهَا وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كلهَا أَجزَأَهُ صنف عِنْد مَالك وح وَقَالَ ش يجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إِذَا وُجِدُوا وَاسْتَحَبَّهُ إِصْبَع لَيْلًا يَنْدَرِسَ الْعِلْمُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَصَالِحِ سَدِّ الْخَلَّةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْغَزْوِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَةِ دُعَاءِ الْجَمِيعِ بِالْكَثْرَةِ وَمُصَادَفَةِ وَلِيٍّ فِيهِمْ قَالَ سَنَدٌ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اسْتِيعَابِ آحَادِهِمْ بل قَالَ ش يدْفع ثَلَاثَة مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَلِلْإِمَامِ إِذَا جَمَعَ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ هَاتَانِ الصورتان تهدمان مَا يَقُوله الشَّافِعِي من التَّمَلُّك وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} هَلْ هِيَ لِلتَّمْلِيكِ كَقَوْلِنَا الْمَالُ لِزَيْدٍ أَوْ لِبَيَانِ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالثَّمَانِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الطَّلَاق أَيِ الطَّلَاقُ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الزَّمَانِ وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ» أَيْ وُجُوبُ الصَّوْمِ مُخْتَصٌّ بِهَذَا السَّبَبِ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا تَعَرُّضٌ لِمِلْكٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لظَاهِر اللَّفْظ بذينك الصُّورَتَيْنِ وَمن قَالَ بِالتَّمْلِيكِ يَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ بِهِمَا وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْفُقَرَاءِ وَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَلِهَذِهِ الْأَصْنَافِ شُرُوطٌ تَعُمُّهَا وَشُرُوطٌ تَخْتَصُّ بِبَعْضِهَا:

.فَالْعَامَّةُ أَرْبَعَةٌ:

.الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ:

إِلَّا مَا يُذْكَرُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

.الشَّرْطُ الثَّانِي: خُرُوجُهُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ الْوَاجِبَةِ نَفَقَتُهُمْ:

وَفِي الْكِتَابِ لَا يُعْطِيهَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَلَا يَلِي هُوَ إِعْطَاءَهُمْ وَيُعْطِيهِمْ مَنْ يَلِي تَفْرِيقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ قَالَ سَنَدٌ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ فَقَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ يُوَفِّرُ نَفَقَتَهُ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِنَفَقَتِهِ فَيُدْفَعُ لَهُمْ خمس ركازه على الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ الدَّفْعُ لَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَمَنْ لَا تَجِبْ نَفَقَتُهُمْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ وَقَالَ ابْن حبيب لَا يُجزئهُ إعطاؤها لمن تلْزم نَفَقَتُهُ وَلَا لِمَنْ يُشْبِهُهُمْ كَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَبَنِي الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ لَهُمُ النَّفَقَةُ وَيلْزمهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ إِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَقَطَعَ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِمْ نَفَقَتَهُ لَمْ تُجْزِئْهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ عَلَى مَا كَانَ الْتَزَمَهُ بِزَكَاتِهِ قَالَ وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَهُ قَطْعَ النَّفَقَةِ عَنْهُمْ فَيَكُونُ غَيْرُهُمْ أَوْلَى فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ نَفَقَتَهُ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَة قَالَه ملك وَرُوِيَ عَنْهُ لَا بَأْسَ إِذَا وَلِيَ هُوَ تَفْرِيقَهَا أَنْ يُعْطِيَ أَقَارِبَهُ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ش لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَيُلَاحَظُ عَدَمُ الْإِخْلَاصِ بِدَفْعِ الذَّمِّ عَنْ نَفْسِهِ وَخَشْيَةِ أَنْ يُعْطِيَ لَهُمْ وَلَيْسُوا أَهْلًا فَرْعٌ وَيَلْحَقُ بِالْقَرَابَةِ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ لَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ زَكَاتَهَا لِزَوْجِهَا وَقَالَهُ ح لِأَنَّهُ يَتَّسِعُ بِهَا فَيَكُونُ وِقَايَةً عَن نَفَقَة الزَّوْجَة وَكَرِهَهُ أَشهب وش وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا فِي نَفَقَتِهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ فِيهِ أَجْرَانِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ دَفَعَ الزَّوْجُ زَكَاتَهُ إِلَيْهَا لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا غَنِيَّةٌ بِنَفَقَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إِذَا أَعْطَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ جَازَ لِعَدَمِ عَوْدِ الْمَنْفَعَةِ قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّفْعَ لِلْأَبِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ جَائِزٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ فَقِيرٌ.

.الشَّرْطُ الثَّالِثُ: خُرُوجُهُمْ عَن آل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

قَالَ سَنَد الزَّكَاة مُحرمَة على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْمَاعًا وَمَالِكٌ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى قَرَابَتِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحِلُّ لَهُمْ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاع وَلما فِي مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ دُونَ مَوَالِيهِمْ وَقَالَهُ ح وَاسْتَثْنَى بَنِي أَبِي لَهَبٍ وَزَادَ ش وَأَشْهَبُ بَنِي عبد الْمطلب لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى دُونَ الْعَرَبِ لما حرمُوا مِنَ الزَّكَاةِ وَقَالَ أَصْبَغُ هُمْ عِتْرَتُهُ الْأَقْرَبُونَ آلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهَاشِمٍ وَعَبْدِ مَنَافٍ وَقُصَيٍّ دون مواليهم وَالْأول اظهر فَإِن الأول إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَدْنَيْنِ وَقَالَ ابْنُ نَافِع مواليهم مِنْهُم لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعْنَاهُ فِي الْبر وَالْحُرْمَة كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» وَقَالَ ابْن نَافِع وش وح تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبَةُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَجوز ابْن الْقَاسِم التَّطَوُّع لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَةٌ» ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدْفَعَانِ مِنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِي الْجَوَاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَوَّزَ لَهُمُ الْوَاجِبَةَ دُونَ التَّطَوُّعِ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ فِيهَا فَتَكُونُ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ.

.الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْحُرِّيَّةُ:

لِأَنَّ الْعَبْدَ مَكْفِيٌّ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْبَاجِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى حِرَاسَتِهَا وَسَوْقِهَا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ وَقُدِّمَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لِعُمُومِهَا وَالْعَامُّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْخَاصِّ.
وَلْنَتَكَلَّمِ الْآنَ عَلَى:

.الْأَصْنَافِ وَشُرُوطِهَا الْخَاصَّةِ فَنَقُولُ:


.الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: الْفَقِيرُ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ الْيَسِيرَ لَا يَكْفِيهِ لِعَيْشِهِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِي ثمنهما عَن غَيْرِهِمَا فَيُعْطَى وَإِلَّا فَلَا قَالَ سَنَدٌ مَذْهَبُ الْكِتَابِ تُرَاعَى الْحَاجَةُ دُونَ قَدْرِ النِّصَابِ مِنْ غير الْعين فَإِن من ملك من نِصَابا نم الْعَيْنِ فَهُوَ غَنِيٌّ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَا يَأْخُذُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَ نِصَابَ الْعَيْنِ وَلم يحدده من غَيْرِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مَعَ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ إِذَا فَضَلَ عَنْ قِيمَةِ الْمَسْكَنِ وَرُوِيَ جَوَازُ الْأَخْذِ مَعَ النِّصَابِ مِنَ الْعَيْنِ وَأَمَّا الْمُسْتَغْنِي بِقُوَّتِهِ وَصَنْعَتِهِ فَعَلَى مُرَاعَاةِ الْقُوَّةِ لَا يُعْطي شَيْئا وَقَالَهُ ش قَالَ ملك وح يُعْطَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَصَلَ إِلَى الْآنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُجْزِئُ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي دَاوُدَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٌّ وَالصَّحِيحُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَنْ لَهُ قُوَّةُ صِنَاعَةٍ تَكْفِيهِ لَا يُعْطَى لِقِيَامِ الصَّنْعَةِ مَقَامَ الْمَالِ وَمَنْ لَا تَكْفِيهِ يُعْطَى تَمَامَ الْكِفَايَةِ وَمَنْ كَسَدَتْ صَنْعَتُهُ يُعْطَى وَمَنْ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ وَلَا يَجِدُ فِي الْمَوْضِعِ مَا يَتَحَرَّفُ بِهِ يُعْطَى وَمَنْ وَجَدَ مَا يَتَحَرَّفُ لَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخلاف ويؤكد الْمَنْع إِنَّمَا هِيَ مُوَاسَاةٌ فَلَا تَحِلُّ لِلْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ كَمُوَاسَاةِ الْقَرَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِتَأْكِيدِ الْقَرِيبِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تُشْتَرَطُ الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنِ السُّؤَالِ وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ ابْنِهِ وَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى.

.الصِّنْفُ الثَّانِي: الْمِسْكِينُ:

قَالَ سَنَدٌ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْفَقِيرِ وَقَالَهُ ح وَقَالَ الشَّافِعِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الْفَقِيرُ أَشَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ} الْكَهْف 79 فَجَعَلَ لَهُمْ سَفِينَةً وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ إِذَا انْكَسَرَتْ وَذَلِكَ شَأْنُ الْمَوْتِ وَقَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ هُمَا سَوَاءٌ لِمَنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ فعلى هَذَا تكون الْأَصْنَاف سَبْعَة وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ عَنِ السُّؤَالِ مَعَ الْحَاجَةِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ فِي الْأَبْوَابِ وَالطُّرُقِ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْلِمٍ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ هُوَ الطَّوَّافُ» الْحَدِيثَ لَنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} الْبَلَد 16 وَهُوَ الَّذِي أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ هُوَ الطَّوَّافُ عَلَى النَّاسِ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ قَالُوا فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسُ شَيْئًا» وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ **وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يتْرك لَهُ سبد

فَجعل لَهُ حلوبا قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَقِيرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْتُ لَهُ فِقْرَةً مِنْ مَالِي أَيْ أَعْطَيْتُهُ فَيَكُونُ الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْمَالِ وَالْمِسْكِينُ مِنَ السُّكُونِ وَلَوْ أَخَذَ الْفَقِيرُ مِنَ الَّذِي قَالُوهُ فَالَّذِي سَكَنَ عَنِ الْحَرَكَةِ أَقْرَبُ لِلْمَوْتِ مِنْهُ وَأما الْآيَة فَالْمُرَاد بالمساكين المقهورون كَقَوْلِه تَعَالَى {ضربت عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} الْبَقَرَة 61 وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْغِنَى وَمَعْنَى الْآيَةِ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِدَفْعِ الْملك عَن غصب سفينهم وَورد عل الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِسْكِينِ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ أَيِ الْمِسْكِينِ الْكَامِلِ الْمَسْكَنَةِ وَلَا يلْزم من نَعته بِصفة الْكَمَالِ نَفْيُهُ مُطْلَقًا وَاللَّامُ تَكُونُ لِلْكَمَالِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَجَعَلَهَا فِي اسْمِ اللَّهِ لَهُ وَعَنِ الْبَيْت إِن الحلوبة لم يُتمهَا لَهُ إِلَّا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي لِقَوْلِهِ كَانَتْ فِي زَمَنِ مَنْ سَمَّاهُ فَقِيرًا فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان غَنِيًّا.

.الصِّنْفُ الثَّالِثُ: هُوَ الْعَامِلُ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ نَحْوُ السَّاعِي وَالْكَاتِبِ وَالْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمْ أَمَّا الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَالْفَقِيهُ وَالْقَارِئُ فَرِزْقُهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ وَالْخُمْسِ وَالْعُشْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ يَسُوقُهَا وَيَرْعَاهَا وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ غَنِيًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي الْمُوَطَّأِ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْعَامِلِ عَلَيْهَا أَوِ الْغَارِمِ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فأهدى الْمِسْكِين للغني» وَأَجَازَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ آل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّهَا أُجْرَةٌ لَهُ فَلَا تُنَافِي الْغِنَى وَكَوْنُهَا أَوْسَاخَ النَّاسِ يُنَافِي آلَ الْبَيْتِ لِنَفَاسَتِهِمْ وَلِكَوْنِهَا قُرْبَةً تُنَافِي الْكُفَّارَ وَالْعَبِيدَ لِخَسَاسَتِهِمْ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ الْعَدَالَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ.