فصل: الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي وَقْتِ التَّيَمُّمِ:

قَالَ ابْنُ شَاسٍ إِنَّمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَالرَّاجِي يَتَيَمَّمُ آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالْآيِسُ أَوَّلَهُ وَالشَّاكُّ وَسَطَهُ وَرُوِيَ آخِرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ بَلْ وَسَطَهُ إِلَّا الرَّاجِي فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ وَقِيلَ آخِرَهُ إِلَّا الْآيِسَ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ وَنَبْسُطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَنَقُولُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَتَيَمَّمُ مُسَافِرٌ أَوَّلَ الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آيِسًا فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ يَتَيَمَّمَانِ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يَتَيَمَّمُ أَحَدٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَرِّقْ قَالَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ قَدْ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ فَيُمَكَّنُ الْمُكَلَّفَ مِنْ فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْأَعْذَارِ فَإِنْ سَقَطَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِعُذْرٍ كَالْمَجْدُورِ يَتَيَمَّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّأْخِيرِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ سَقَطَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ أَوْ لعدم المناول أَو عدم الْأَمْن االموصل إِلَيْهِ كَالْآيِسِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ يَتَيَمَّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عبد الحكم وَابْن الْمَاجشون وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَهُوَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الرَّاجِي فَيَتَيَمَّمُ آخِرَ الْوَقْتِ تَوَقُّعًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَة وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ تُتْرَكُ لِرُخْصَةِ الْجَمْعِ وَالطَّهَارَةُ لَا تُتْرَكُ لِرُخْصَتِهِ وَإِنَّمَا تُتْرَكُ لِلْعَجْزِ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرْتَجِي وَلَا يَيْأَسُ كَالْجَاهِلِ بِموضع المَاء يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْجَلَّابِ.
فَرْعٌ:
لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ إِلَّا أَرْبَعَةٌ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلُ:
الشَّاكُّ:
فَإِنَّهُ كَالْمُقَصِّرِ فِي حَدْسِهِ وَلَوْ أَنَّهَا نِهَايَتُهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ أُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ وَسَطَ الْوَقْتِ فَفَعَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ إِلَّا الْمُسَافِرَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ أَوَّلَهُ وَصَلَّى.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُسَافِرُ جُوِّزَ لَهُ تَرْكُ نِصْفِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى وَيُعِيدُ غَيْرُهُ كَالْفَاقِدِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءَ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَمْنَعُ النَّافِلَةَ فَإِذَا فَعَلَ أَجْزَأَ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُ وِجْدَانِ الْمَاءِ يَمْنَعُ مِنَ الصِّحَّةِ لَكَانَتْ فَاسِدَةً تُعَادُ أَبَدًا فَالْفَائِتُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إِنَّمَا هُوَ فَضِيلَةُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ يُعِيدُ لِتَحْصِيلِهَا قَالَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ أَبَدًا لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوِجْدَانِ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ تَنْزِيلًا لِلِاعْتِقَادِ مَنْزِلَةَ الرُّؤْيَةِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَبَيَّنَ فَسَادُ اعْتِقَادِهِ وَصِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِذَا قُلْنَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَهُوَ الْقَامَةُ الْأُولَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْغُرُوبُ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ إِلَى الِاصْفِرَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ مَنَافِيةٌ مُقَارَنَةً وَالصَّلَاةُ هَهُنَا بِغَيْرِ مُنَافٍ.
الثَّانِي:
النَّاسِي لِلْمَاءِ فِي رَحْلِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا ذَكَرَ النَّاسِي أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ الصَّلَاةِ قَطَعَهَا وَأَعَادَهَا بِالْوُضُوءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَعبد الْملك وَابْن عبد الحكم وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة الْمَشْهُور وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي وَفرق بعض أَصْحَابِهِ بَيْنَ النَّاسِي فَلَا يُجْزِئُهُ لِتَفْرِيطِهِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ فِي سَاقِيَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَيُجْزِيهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَقْطَعْ وَلَمْ يَقْضِ وَوَافَقَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الطَّرَّازِ وَالَّذِي فِي الْكِتَابِ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ. حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ سَقَطَ بِالْأَعْذَارِ كَاللُّصُوصِ وَالسِّبَاعِ وَتَقْلِيدِ إِنْسَانٍ فِي عَدَمِ الْمَاءِ وَالنِّسْيَانُ عُذْرٌ فَيَسْقُطُ وَإِخْبَارُ نَفْسِهِ كَإِخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ وَهُوَ نَاسٍ. حُجَّةُ الْوُجُوبِ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَا يُنَافِيهِ النِّسْيَانُ وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ الْعَدَمُ وَالتَّيَمُّمُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوُجُودِ لِلْآيَةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ وَقِيَاسًا عَلَى نِسْيَانِ الرَّقَبَةِ فِي مِلْكِهِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَعَلَى الْجَبِيرَةِ إِذَا صَحَّتْ وَنَسِيَ أَنْ يَنْزِعَهَا وَيَغْسِلَ مَا تَحْتَهَا وَعَلَى الْخُفِّ إِذَا نَسِيَ غَسْلَ مَا تَحْتَهُ وَالْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ نِسْيَانُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ إِنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَهَا لِأَنَّهُ مَعْنًى تُعَادُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ فِي الْوَقْتِ فَتُقْطَعُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَمَنْ نَسِيَ ثَوْبَهُ الطَّاهِرَ وَصَلَّى بِنَجِسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ.
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ:
لَوْ سَأَلَ رُفْقَتَهُ الْمَاءَ فَنَسُوهُ فَلَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَجَدُوهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِهِ مَنَعُوهُ لَا يُعِيدُ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْمَاءَ فِي رَاحِلَتِهِ وَاخْتَلَطَتْ فِي الْقَافِلَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَشْتَغِلُ بِشَدِّ مَتَاعٍ أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ فَيَعْرِضُ لَهُ ذَلِك كثيرا ولأصحاب الشَّافِعِي فِيهِ قَوْلَانِ.
الثَّالِثُ: الْخَائِفُ مِنَ اللُّصُوصِ.
الرَّابِعُ:
الْعَادِمُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ لِتَقْصِيرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ.
هَذَا حُكْمُ مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي تَقْدِيمِهِ فَلَا إِعَادَةَ وَمَنْ قَدَّمَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ فَقيل يُعِيد فِي الْوَقْت وَقيل وَبعده وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلِ التَّأْخِيرُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى أَوِ الْأَوْجَبِ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَالِمِ فَيُعِيدُ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الظَّانِّ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَمَنْ قدم مَا أَمر يتوسطه فَلَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ مَنْ أَمَرْنَاهُ بِإِعَادَةٍ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ أَعَادَ بَعْدَ الْوَقْتِ.

.الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ:

وَفِيهِ فُرُوعٌ عَشَرَةٌ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ الْآيِسُ مِنَ الْمَاءِ لَا يُعِيدُ خِلَافًا لطاووس لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ خَرَجَ رَجُلَانِ لِسَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا وَصَلَّيَا ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ وَقَالَ لِلْآخَرِ لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْقَصْرِ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَإِذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ لَا يُعِيدُونَ فَكَذَلِك هَهُنَا.
الثاني:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْله وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقْطَعُ. لَنَا أَنه مأذوق لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْأَصْلُ بَقَاء ذَلِك الْإِذْن وَلقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَطْلُبُوا أَعمالكُم} وَالْعَمَلُ كَانَ مَعْصُومًا قَبْلَ طَرَيَانِ الْمَاءِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ. حُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ قَدَرَ فَيَجِبُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الطَّهَارَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ. جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ ببطلانها. نقوض سنة: يَحْتَجُّ الْخَصْمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ تُعْتَقُ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَالْعُرْيَانِ يَجِدُ ثَوْبًا فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَائِهَا وَنَاسِي الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَالْوَالِي يَقْدَمُ عَلَى وَالٍ آخَرَ فِي إِتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَالْفَرْقِ بَيْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ وَبَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانيَِة أَنَّهُمَا دخلا بِغَيْر بدل وَهَهُنَا بِبَدَلٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ مَعَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَالَ إِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ قَالَ أَشْهَبُ تَتَمَادَى وَلَا تُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارًا وَلَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَلَا تُعِيدُ وَإِنْ قَدَرَتْ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ أَنَّ الْإِبْطَالَ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهِ وَفِعْلِهِ بِكَوْنِهِ قَصَدَ الْإِقَامَةَ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِلتَّفْرِيطِ لِنِسْيَانِهِ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ أَنَّ اسْتِنَابَةَ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ كَالْوَكِيلِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَهُوَ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَبْقَيْنَا الْأَوَّلَ لَتَرَكْنَا الِاحْتِيَاطَ لِلنَّاسِ كَافَّةً فِي جَمْعِهِمْ وَبَيْنَ السَّادِسَةِ أَنَّ نِسْيَانَ الصَّلَاةِ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَعَلَ الْوَقْتَ لِلْمَنْسِيَّةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَهَا» الْحَدِيثَ فَتَكُونُ الْحَاضِرَةُ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَ أَمَّا الْمُتَيَمِّمُ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا بشروطها فتجزئه.
الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ إِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ إِذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ إِلَّا أَبَا سَلَمَةَ«الصَّعِيدُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمْسِسْهُ بَشَرَتَهُ» وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ وَقَدْ آنَ أَنْ نَكْشِفَ عَنْهُ فَنَقُولَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُنَا التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مَعَ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ كَالرِّيحِ لِلْوُضُوءِ وَالْوَطْءِ لِلْغُسْلِ مَثَلًا وَالثَّانِي الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى نَتَطَهَّرَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَهُ الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ يَنْوِي الْمُتَطَهِّرُ رَفْعَ الْحَدَثِ فَإِنَّ رَفْعَ الْأَسْبَابِ مُحَالٌ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ فَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِي فَقَدِ ارْتَفَعَ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ ثَابِتَةٌ إِجْمَاعًا وَمَعَ الْإِبَاحَةِ لَا مَنْعَ فَهَذَا بَيَانٌ ضَرُورِيٌّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ. وَأَمَّا مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا» وَمِنْ إِيجَابِ الْغسْل على الْجنب إِذا وَجب الْمَاءُ وَمِنْ عَدَمِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَوَاتِ فَتَخَيُّلَاتٌ لَا تَحْقِيقَ لَهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِيَتَبَيَّنَ مَا عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنَ الْفِقْه لَا عَلَى الْخَبَرِ وَالْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا نَقُولُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِيهِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِلتَّقَرُّبِ مَا لَيْسَ فِي التُّرَابِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى التَّقَرُّبِ لَا أَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ. وَأَمَّا عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَوَاتٍ فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَفِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى أَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلنَّظَافَةِ وَأَصَالَتِهِ لَا لِبَقَاءِ الْحَدَثِ. وَقَدِ اشْتَدَّ نَكِيرُ صَاحِبِ الْقَبَسِ وَإِنَّهُ لَمَعْذُورٌ قَالَ رَفْعُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الْمُوَطَّأَ كِتَابُهُ الَّذِي كَانَ يُعْنَى بِهِ وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ طُولَ عُمُرِهِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِيهِ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ رَفْعُ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ مُغَيٌّ بِطَرَيَانِ الْمَاءِ كَمَا أَن رفع بِالْوضُوءِ مغي بِطَرَيَانِ الْحَدَثِ. وَكَذَلِكَ اشْتَدَّ تَعَجُّبُ الْمَازِرِيِّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَعَلَّ الْخِلَافَ فِي اللَّفْظِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى رَفْعِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم} وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَحَكَى فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ.
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ قَالَ وَفَائِدَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ وَطْءُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ بِهِ وَلُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِهِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَهُ وَإِمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ الْمُتَوَضِّئِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ زَادَ ابْنُ شَاسٍ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَتَكُونُ خَمْسَةً. نَظَائِرُ خَمْسَةٌ التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْغَسْلُ عَلَى الْأَظْفَارِ وَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عَدَمُ الرَّفْعِ.
الْخَامِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَإِمَامَةُ الْمُتَوَضِّئِ لَهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى أَصْلِنَا فَيُكَرَهُ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ كَصَاحِبِ السَّلَسِ وَالْإِجْزَاءِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ صَلَّى مُتَيَمِّمًا بِالْمُتَوَضِّئِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُومِئُ وَالْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ أَنَّ السُّجُودَ وَالْقِرَاءَةَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالْإِخْلَالُ بِهِمَا إِخْلَالٌ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالْمَأْمُومُ حِينَئِذٍ آتٍ بِصَلَاةٍ لَا سُجُودَ فِيهَا وَلَا قِرَاءَةَ لِأَنَّ الصَّلَاتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَاطَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِاسْتِبَاحَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ.
السَّادِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الصَّلَاةَ جَاهِلًا لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى لَا يُجزئهُ وَيُعِيد أبدا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَيُعِيد فِي الْوَقْت. وَجه الأول قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ فَلَا تَرْتَفِعُ وَلِأَنَّ الَّذِي نَوَاهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلصَّلَاةِ لِانْدِرَاجِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا نَوَى الْأَكْلَ أَوِ الشُّرْبَ وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ الِانْدِرَاجِ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ لِلْوُضُوءِ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْجَنَابَةِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا فَيَكُونُ بَدَلَهُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَوَجْهُ الْإِجْزَاءِ أَنَّ صُورَةَ التَّيَمُّمِ لَهُمَا وَاحِدَةٌ وَمُوجِبُهُ لَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ فَيُجْزِئُ كَالْوضُوءِ للريح عَن الوضوئ مِنَ الْمَسِّ. فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَهَا هَلْ يُجْزِئُهُ عَنِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُجْزِئُهُ.
السَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَيَمَّمَتِ الْحَائِضُ وَصَلَّتْ بَعْدَ طُهْرِهَا لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا مِنَ الْمَاءِ مَا يَغْتَسِلَانِ بِهِ جَمِيعًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا مِنَ الْمَاءِ مَا يَتَطَهَّرَانِ بِهِ مِنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. لَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ فَيَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى الصَّلَاةِ. حُجَّةُ الْجَوَازِ أَنَّهُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ طَهَارَةً لِغَيْرِهَا عَمَلًا بِارْتِفَاعِ الْمَنْعِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
الثَّامِنُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا تَيَمَّمَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ فَقَالَ رَجُلٌ وَهَبْتُ هَذَا الْمَاءَ لِأَحَدِكُمَا وَهُوَ يَكْفِي أَحَدَهُمَا قَالَ سَحْنُونُ مَنْ أَسْلَمَهُ لِصَاحِبِهِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُ التَّارِكِ لَهُ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمْ إِلَّا فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ كَالْجَيْشِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْبَاقِينَ وَإِنْ قَلَّ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ يُوجِبُ التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمْ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِد لَا يَقع بِهِ الكفارية بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ لِأَحَدِكُمَا فَإِنَّهُمَا لَوْ تَقَارَعَا عَلَيْهِ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا فَمَنْ أَسْلَمَهُ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ فَإِذَا كَانَ اثْنَانِ كَانَ ظَنُّ أَحَدِهِمَا لِحَوْزِهِ أَقْرَبَ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْعَدَدُ ضَعُفَ الظَّنُّ وَلَوْ وَجَدُوهُ فِي الصَّحْرَاءِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِمْ بِمَكَانٍ لَا ينسون فِيهِ إِلَى تَفْرِيطٍ فَإِنْ بَدَرَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَتَوَضَّأ بِهِ قَالَ سَحْنُون فِي العتيبة لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْبَاقِينَ فَلَوْ أَعْطَوْهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ اخْتِيَارًا قَالَ سَحْنُونُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَنْتَقِضُ تيممهم أَجْمَعِينَ وَقَالَ فِي الجموعة لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا تَيَمُّمُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ حَوْزِهِ لَا يُعَدُّونَ مَالِكِينَ لَهُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ مَنْ حَازَهُ كَالصَّيْدِ وَلَوْ سَلِمَ مِلْكُهُمْ فَالَّذِي يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِجَمِيعِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا وَجَدَ الرُّجَلَانِ فِي السَّفَرِ مِنَ الْمَاءِ كِفَايَةَ أَحَدِهِمَا فَيَتَشَاحَّانِ عَلَيْهِ يَتَقَاوَمَانِهِ لِأَنَّ الْمُقَاوَمَةَ شِرَاءٌ وَشِرَاءُ الْمَاءِ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا الْمُقَاوَمَةَ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا فَلَوْ كَانَا مُعْدَمَيْنِ كَانَ لَهُمَا التَّيَمُّمُ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُجِيبَا إِلَى الْقُرْعَةِ فَمَنْ صَارَ لَهُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ دَيْنًا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُوسِرِ الْوُضُوءُ بِهِ وَيُؤَدِّي لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى نَصِيبِهِ مِنْهُ فَيُقَسَّمُ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا تَلْزَمُ الْمُقَاوَمَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يَتَشَاحَّا وَأَمَّا إِنْ تَرَكَاهَا وَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا الْمَاءَ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ تَيَمُّمُ الدَّافِعِ قَالَ وَذَلِكَ بَعِيدٌ عِنْدِي.
قَاعِدَةٌ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: يُمْنَعُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ قَبْلَهُ وَطَارِئًا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي يُمْنَعُ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُهُ.
الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَإِنْ طَرَأَ عَلَى الصَّيْدِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ مَعَ التَّيَمُّمِ وَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي رَدِّ الْفُرُوعِ إِلَى أَقْرَبِ الْأُصُولِ إِلَيْهَا فَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ.
التَّاسِعُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ثُمَّ عَلِمَ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ قَالَ وَيُرِيد بِالنَّجسِ غَيْرَ الْمُتَيَقَّنِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ اتِّصَالِ تَيَمُّمِهِ بِصَلَاتِهِ. الْعَاشِرُ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا أَصَابَ الْمُتَيَمِّمَ بَوْلٌ وَلَا مَاءَ مَعَهُ مَسَحَهُ بِالتُّرَابِ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يزِيل الْعين.