فصل: الْولَايَة السَّابِعَة ولَايَة الْحِسْبَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْولَايَة السَّابِعَة ولَايَة الْحِسْبَة:

وَهِيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوط أَن يكون عَالما بِهِ وَإِن لَا يُؤَدِّيَ إِلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ وَأَنْ يُفِيدَ إِنْكَارُهُ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلِينَ يَنْفِي الْجَوَازَ وَانْتِفَاءَ الثَّالِثِ يَنْفِي الْوُجُوبَ وَيَبْقَى النَّدْبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ آحَادِ النَّاسِ وَالْمُحْتَسِبِ الْمُوَلَّى مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إِنَّ فَرْضَهُ فَرْضُ عَيْنٍ لَهُ لِأَجْلِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ عَلَى النَّاسِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّشَاغُلُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لِلِاسْتِعْدَاءِ وَلَا يُسْتَعْدَى لِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ إِجَابَةُ مَنِ اسْتَعْدَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ الْبَحْثُ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ لِيَصِلَ إِلَى إِنْكَارِهَا وَيَفْحَصُ عَمَّا تَرَكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الظَّاهِرِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ الْبَحْثُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ أَعْوَانًا لِقَهْرِ الْمُعَانِدِينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ التَّعْزِيرُ فِي الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَيَرْتَزِقُ عَلَى الْحِسْبَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقَاضِي لِأَنَّهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْعَوَائِدِ كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ بِالْمُنْكَرَاتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِلَّا فَيَنْهَى عَنِ الْمَعْرُوفِ ويأمربالمنكر وَهُوَ لايشعر وَالْحِسْبَةُ مُرْتَفِعَةٌ عَنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَمَقْصُورَةٌ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ وَزَائِدَةٌ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ فَيُوَافَقُ فِي جَوَازِ الِاسْتِعْدَاءِ وَسَمَاعِ دَعْوَى الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فَقَطْ النَّجْشُ وَالتَّطْفِيفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَالثَّانِي الْغِشُّ وَالتَّدْلِيسُ فِي بَيْعٍ أَوْ ثَمَنٍ وَالثَّالِثُ الْمَطْلُ بِالدَّيْنِ مَعَ الْمُكْنَةِ وَاخْتَصَّ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُنْكَرِ الظَّاهِرِ الَّذِي نُصِبَ لَهُ لِأَنَّهُ مَوْضُوعُ مَنْصِبِ الْحِسْبَةِ فِي عُرْفِ الْوِلَايَاتِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي يُوَافِقُ فِيهِ إِلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْخُرُوجَ مِنَ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي جَازَ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى فِيهَا إِذَا وَجَبَتْ بِالْإِقْرَارِ وَالْمُكْنَةِ وَالْيَسَارِ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْمُوسِرَ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا مُنْكَرًا هُوَ مَنْصُوبٌ لِإِزَالَتِهِ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي قُصُورِهَا عَنِ الْقُضَاةِ فَلَا يَسْمَعُ عُمُومَ الدَّعَاوَى الْخَارِجَةِ عَنْ ظَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ إِلَّا أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إِلَيْهِ بِنَصٍّ صَرِيحٍ يَزِيدُ عَلَى مَنْصِبِ الْحِسْبَةِ فَيَكُونَ قَاضِيًا وَمُحْتَسِبًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُعْتَرَفِ بِهَا بِخِلَافِ مَا جُحِدَ لِاحْتِيَاجِهِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَلَيْسَ مَنْصِبَهُ وَالْوَجْهَانِ الزَّائِدَانِ لَهُ عَلَى الْأَحْكَامِ فَتَعَرُّضُهُ لِوُجُوهِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ يُنْهَ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي وَلَهُ مِنَ السَّلَاطَةِ وَالْحِمَايَةِ فِي الْمُنْكَرَاتِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ الرَّهْبَةُ وَمَوْضُوعَ الْقَضَاءِ النَّصَفَةُ وَهُوَ بِالْأَنَاةِ وَالْوَقَارِ أَوْلَى فَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي إِلَى السَّلَاطَةِ خَرَجَ عَنْ مَنْصِبِهِ الَّذِي وَلِيَهُ وَتُشَابِهُ الْحِسْبَةُ وِلَايَةَ الْظَالِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَتُخَالِفُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ فَتُشَابِهُهَا فِي الرَّهْبَةِ وَجَوَازِ التَّعَرُّضِ لِلِاطِّلَاعِ وَتُخَالِفُهَا أَنَّ مَوْضِعَ وِلَايَةِ الْمَظَالِمِ فِيمَا عجز عَنهُ الْقُضَاة والحسبة ممارحة غرم الْقُضَاةُ فَرُتْبَةُ الْمَظَالِمِ أَعْلَى وَلِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يُوَقِّعَ لِلْقُضَاةِ وَالْمُحْتَسِبَةِ وَالْمُحْتَسِبُ لَا يُوَقِّعُ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا وَيَجُوزُ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يَحْكُمَ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَحْكُمَ إِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْجُمُعَاتِ وَيُؤَدِّبَ عَلَيْهَا فَإِن رأى الْقَوْم أَن جمعتهم تنعقدا وَرَأى خلَافَة لايعارضهم فَإِن رأى إنعقادها وَلم يؤده فيأمرهم لَيْلًا تُعَطَّلَ الْجُمُعَةُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَقِيلَ لَا يَأْمُرُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَذْهَبُهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وُجُوبًا إِنْ قُلْنَا هِيَ فَرْضٌ وَإِلَّا فَنَدْبًا وَيُنْدَبُ إِلَى أَمْرِ النَّاسِ بِالْأَذَانِ وَالْجَمَاعَاتِ إِذَا تَرَكَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِآحَادِ النَّاسِ إِذَا تَرَكَ ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْبَلَدِ وَوَعِيدُهُ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ بِحَسَبِ شَوَاهِدِ الْحَالِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَجْمَعُوا حَطَبًا وَآمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا وَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنْزِلِ قَوْمٍ لَا يَحْضُرُونَ الْجَمَاعَةَ فَأُحَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ وَيَنْهَى مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاة عَن وَقتهَا سَببهَا حَثَّهُ عَلَى فِعْلِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْدِيبٍ أَوْ تَهَاوُنًا زَجَرَهُ وَأَمَرَهُ بِفِعْلِهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ عَنِ النَّاسِ فِيمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ فِي الطِّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَيَأْمُرهُمْ بَينا صورهم واصلاح سرهم وَعِمَارَةِ مَسَاجِدِهِمْ وَمُرَاعَاةِ بَنِي السَّبِيلِ مِنْ ذَوِي الْمُكْنَةِ إِذَا لَمْ يَقُمْ بَيْتُ الْمَالِ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُلْزِمُ وَاحِدًا مُعَيَّنًا مِنَ الْمَالِ مَالا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ بَلْ يَقُولُ يُخْرِجُ كُلٌّ مِنْكُمْ مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَيُعِينُ بَعْضَهُمْ بِلَا مَصْلَحَةٍ فَإِذَا حَصَلَتْ كِفَايَةُ الْمَصْلَحَةِ شَرَعَ فِيهَا وَأَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ لَا تَلْزَمُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ يُوَسَّعُ فِيهَا مَا لَا يُوَسَّعُ فِي الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ لِعُمُومِ الضَّرَرِ وَإِذَا عَمَّتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ فَلَا بُد من اسْتِئْذَان السُّلْطَان لَيْلًا يَفْتَاتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ إِذَا عَمَّتْ لَيْسَتْ مِنْ مَعْهُودِ الْحِسْبَةِ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ أَوْ يُخْشَى ضَرَرٌ وَلَهُ الْأَمْرُ بِالْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ كَالْمَطْلِ بِالدَّيْنِ مَعَ الْمُكْنَةِ وَلَا يَحْبِسُ فِيهِ لِأَنَّ الْحَبْسَ حُكْمٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحَاكِمٍ وَلَهُ أَنْ يُلَازِمَ عَلَيْهَا وَلَا يَأْخُذَ نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ لِافْتِقَارِهِ إِلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَفَالَةُ مَنْ تَجِبُ كَفَالَتُهُ مِنَ الْأَطْفَالِ حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ فَيَأْمُرُ حِينَئِذٍ بِهَا عَلَى شُرُوطِهَا وَيَأْمُرُ الْأَوْلِيَاءَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى وَالصَّالِحِينَ مِنْ أَكْفَائِهِمْ إِذَا طَلَبْنَ وَإِلْزَامِ النِّسَاءِ أَحْكَامَ الْعِدَدِ وَلَهُ تَأْدِيبُ مَنْ خَالَفَتْهُ فِي الْعِدَّةِ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا يُؤَدِّبُ مَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَمَّا مَنْ نَفَى وَلَدًا قَدْ ثَبَتَ فِرَاشُهُ وَلُحِقَ نَسَبُهُ أَخَذَهُ بِأَحْكَامِ الْآبَاءِ وَعَزَّرَهُ عَلَى الْبَاقِي وَيُلْزِمُ السَّادَةَ حُقُوقَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَحُقُوقَ الْبَهَائِمِ مِنَ الْعَلَفِ وَعَمَلِ الطَّاقَةِ وَمَنْ أَخَذَ لقيطا فقصر فِي كفَالَته الزمه بهَا أَوْ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ وَكَذَلِكَ وَاجِبُ الضَّوَالِّ فَهَذَا أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ غَيْرِ عِبَادَةٍ عَنْ وَضْعِهَا وَلَا يَأْخُذُ بِالتُّهَمِ كَمَا يُحْكَى عَنْ مُحْتَسِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ بِنَعْلَيْهِ هَلْ تَدْخُلُ بِهِمَا بَيْتَ الطَّهَارَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَرَادَ إِخْلَافَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُ غُسْلٍ أَوْ لَمْ يُصَلِّ أَوْ لَمْ يَصُمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لَكِنْ تَجُوزُ التُّهْمَةُ لَهُ وَالْوَعْظُ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ رَآهُ يَأْكُلُ فِي رَمَضَان سَأَلَهُ عَن السَّبَب فَإِن لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا أَدَّبَهُ وَكَذَلِكَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِذَا عَلِمَ لَهُ عُذْرًا إِذَا جَاهَرَ بِفِطْرِهِ لِأَنَّهُ عرض نَفسه للتُّهمَةِ واقتداث الْجَاهِلِ بِهِ وَأَمْرُ الزَّكَاةِ لِعُمَّالِهَا دُونَهُ وَيُنْكِرُ عَلَى الْمُتَعَرِّضِ لِلصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ وَيُؤَدِّبُهُ فَلَوْ رَأَى عَلَيْهِ آثَارَ الْغِنَى أَعْلَمَهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يكون فَقِيرا فِي الْبَاطِن وَمن فوى العتار مَنَعَهُ مَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَيُعَزِّرُ مَنْ تَعَرَّضَ لِعِلْمِ الشَّرْعِ مِنْ فَقِيهٍ أَوْ وَاعِظٍ وَخَشِيَ اغْتِرَارَ النَّاسِ بِهِ فِي سُوءِ تَأْوِيلٍ أَوْ تَحْرِيف جَوَاب أنكر عَلَيْهِ وَأظْهر أمره النَّاس وَمَنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْتَبِرَهُ فَقَدْ أَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقصاص ومربا لحسن وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فَاخْتَبَرَهُ فَقَالَ لَهُ مَا عِمَادُ الدِّينِ قَالَ الْوَرَعُ قَالَ وَمَا آفَتُهُ قَالَ الظُّلْمُ قَالَ تَكَلَّمِ الْآنَ إِنْ شِئْتَ وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ مَظَانِّ الرَّيْبِ فَقَدْ نَهَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ ثُمَّ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَئِنْ كُنْتُ تَقِيًّا لَقَدْ ظَلَمْتَنِي وَإِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ فَمَا أَعْلَمْتَنِي فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا شَهِدْتَ عَزْمَتِي قَالَ مَا شَهِدْتُ لَكَ عَزْمَةً فَأَلْقَى إِلَيْهِ عمر الدرة وَقَالَ افتص مِنَى فَقَالَ لَا أَقْتَصُّ الْيَوْمَ قَالَ فَاعْفُ قَالَ لَا أَعْفُو فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ فَتَغَيَّرَ لَوْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَأَنِّي أَرَى مَا كَانَ أَسْرَعَ مِنِّي قَدْ أَسْرَعَ فِيكَ قَالَ أَجَلْ قَالَ فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ وَيَنْهَى عَنْ وُقُوفِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي طَرِيقٍ خَالٍ وَلَا يُعَجِّلُ بالتأديب لَيْلًا يَكُونَ مَحْرَمًا وَلْيَقُلْ لَهُ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ فَصُنْهَا عَنِ الرَّيْبِ أَوْ أَجْنَبِيَّةً فَخَفِ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ خَلْوَةٍ تُؤَدِّيكَ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَيُؤَدِّبُ الذِّمِّيَّ عَنْ إِظْهَارِ الْخَمْرِ وَيُبْطِلُ آلَاتِ اللَّهْوِ حَتَّى تَصِيرَ خَشَبًا وَيُؤَدِّبُ عَلَى الْمُجَاهَرَةِ بهَا وبالسكرا وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَيُخَلِّي النَّاسَ فِي سَتْرِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَيَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ إِذَا عَرَفَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا لَا يُخْبِرُ بِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بسترالله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَةَ وَجْهِهِ نُقِمْ عَلْيَهُ حَدَّ اللَّهِ أَمَّا مَعَ الْإِمَارَةِ فَيَجُوزُ لما يرْوى أَن الْمُغيرَة بن شبعة كَانَتْ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ بِالْبَصْرَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرَةَ وَسَهْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ وَزِيَادَ بْنَ عُمَيْرٍ فَرَصَدُوهُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَهَجَمُوا عَلَيْهِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَضِيَّةَ الْمَشْهُورَة للَّتِي حَدَّ فِيهَا أَبَا بَكَرَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَيُنْكِرُ الْعُقُودَ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهَا دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ الْخِلَافُ فِيهَا ضَعِيفًا وَهَى ذَرِيعَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْأَنْكِحَةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَضْعُفَ الْخِلَافُ وَتَكُونَ ذَرِيعَةً لِلزِّنَى كالمتعة وَله اختبار من يكتال للنَّاس وحرث وَاخْتِبَارُ الْقُسَّامِ وَالزُّرَّاعِ لِلْقُضَاةِ لِأَجْلِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ كَمَا أَنَّ اخْتِبَارَ الْحَرَّاثِينَ فِي الْحَرْثِ وَالْأَسْوَاقِ إِلَى الْأَمْرِ فَإِنْ وَقَعَ فِي التَّطْفِيفِ تَجَاحُدٌ فَالْقُضَاةُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحْكَامٌ وَالتَّأْدِيبُ فِيهِ لِلْمُحْتَسِبِ فَإِنْ تَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ جَازَ لِاتِّصَالِهِ بِحُكْمِهِ وَيُنْكِرُ عَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ الشَّائِعَ بِالْمَكَايِيلِ الَّتِي لم تولف فَإِنْ تَرَاضَى بِهَا اثْنَانِ لَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ وَمَتَى كَانَ حَقُّ آدَمِيٍّ صَرَفَ كَالتَّعَدِّي عَلَى جِدَارِ الْجَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَجَاحُدٌ زَالَ الْمُنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَأَمْرُهُمَا لِلْقُضَاةِ وَمَنْ ظَلَمَ أَجِيرًا مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ مِنْهُ وَإِلَّا فَلِلْقُضَاةِ وَلَهُ أَنْ يُقِرَّ مِنَ الْأَطِبَّاءِ وَالصُّنَّاعِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ النَّاسِ وَيُلْزِمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِلبْس الغيارا وَالْمُجَاهَرَةِ بِدِينِهِمْ وَيَمْنَعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَذَاهُمْ وَيَمْنَعُ مَنْ يُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ وَيَضُرُّ بِالضُّعَفَاءِ وَذَوِي الْحَاجَةِ كَمَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ لله عَلَى مُعَاذٍ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُمْ لَا يُؤَدِّبُهُ عَلَيْهَا بَلْ يَعْزِلُهُ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ فَالْحَاكِمُ لَا يَحْتَجِبُ عَنِ الْأَحْكَامِ وَوَافَقْنَا الْمُعَالِجَ أَوْ غير ذَلِك أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُ أَرْبَابَ السُّفُنِ مِنْ حَمْلِ مَا لَا تَسَعُهُ وَيُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَمِنَ السَّيْرِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الرِّيحِ وَإِذَا حُمِلَ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ حُجِزَ بَيْنَهُمْ بِحَائِلٍ وَإِذَا اخْتُصَّ بَعْضُ الْأَسْوَاقِ بِمُعَامَلَةِ النِّسَاءِ اعْتَبَرَ سِيرَتَهُ وَأَمَانَتَهُ وَيُزِيلُ مِنْ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَبْعَدْ فِيهِ وَكَذَلِكَ الرَّوَاشِنُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يستضربه النَّاسُ وَيَجْتَهِدُ فِيمَا يَضُرُّ بِمَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْعُرْفِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعِيَّ مُرَاعًى فِيهِ أَصْلُ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِالشَّرْعِ وَالْعُرْفِيُّ ثَبَتَ أَصْلُهُ بِالْعُرْفِ وَيَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمَوْتَى حَيْثُ يُمْنَعُ وَمِنْ خِصَاءِ الْحَيَوَان حَيْثُ يمْنَع ويؤدب عَلَيْهِ إِن ااستحق عَنهُ قَود أَوديَة أخده لمستحقه مالم يَكُنْ فِيهِ تَنَاكُرٌ وَيَمْنَعُ مِنَ الْكَسْبِ بِالْكِهَانَةِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالْمُنْكَرَاتُ كَثِيرَةٌ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ فُرُوعًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فرع:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ مِنْ أَخْذِ الْحجام شُعُور النَّاس ليزور النساب بِهِ شُعُورَهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَعَرٌ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ قَالَهُ مَالِكٌ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يُخْرِجُ مِنَ السُّوقِ مَنْ يَغِشُّ النَّاسَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِلْغِشِّ وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِك يُعَاقَبُ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ وَالْإِخْرَاجِ مِنَ السُّوقِ إِنْ كَانَ مَعْتَادًا وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَتَهُ وَتُعْلَمَ صِحَّتُهَا وَغَيْرُ الْمُعْتَادِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَرْجِعُ بَعْدَ مُدَّةٍ يُرْجَى أَنَّهُ تَابَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ وَقِيلَ لَا يُؤَدَّبُ بِالْإِخْرَاجِ إِلَّا إِذَا كَانَ إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ عُرِفَ وَإِلَّا فَلَا وَأَصْلُ الْإِخْرَاجِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب إِلَى أَمر الأجناد أَن لَا يُتْرَكَ النَّصَارَى بِأَعْمَالِهِمْ جَزَّارِينَ وَلَا صَرَّافِينَ حَذَرًا مِنْ غِشِّ الْمُسْلِمِينَ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا وَجَدَ الزَّعْفَرَانَ مَغْشُوشًا لَا يُحْرَقُ وَيَتَصَدَّقُ بِاللَّبَنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ إِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي غَشَّهُ وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَانُ وَالْمِسْكُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِك فِي الشَّيْء الْخَفِيف دون الْكثير لَيْلًا تَذْهَبَ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ وَسَوَّى مَالِكٌ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا إِنْ غَشَّ غَيْرَهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ بَلْ تُبَاعُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ أَنْ يَغِشَّ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمِسْكُ يُبَاعُ مِنَ الْمَأْمُونِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التَّفْرِقَةِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَطْرُ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ أَنَّ فِيهَا غَرَامَةَ مِثْلَيْهَا وَجَلَدَاتٍ نَكَالًا وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا فَلِمَنْ أَخَذَهُ مِثْلُهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ غَيْرُهُ مُحْتَجًّا لِمَالِكٍ إِنَّ الْعُقُوبَاتِ بِالْأَمْوَالِ بَاقِيَةٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إِذَا قُتِلَ عَمْدًا وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ.
فرع:
قَالَ مَالِكٌ لَا يُبَاعُ الْقَمْحُ مَغْلُوثًا وَيُغَرْبَلُ إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَتُسْتَحَبُّ الْغَرْبَلَةُ إِنْ كَانَ يَسِيرا.
فرع:
قَالَ مَالِكٌ يُمْنَعُ الْجَزَّارُ مِنْ نَفْخِ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ طَعْمَهُ وَيُؤَدَّبُ إِنْ فَعَلَهُ قَالَ يَعْنِي النَّفْخَ بَعْدَ السَّلْخِ لِيُظْهِرَ سِمَنَ اللَّحْمِ فَهُوَ غِشٌّ وَيُعْتَبَرُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ قَبْلَ السَّلْخِ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يُمْنَعُ الرَّجُلُ مِنْ إِعْطَاءِ وَلَدِهِ فِي كُتَّابِ الْعَجَمِ يَتَعَلَّمُ كِتَابَةَ الْعَجَمِيَّةِ وَيُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ تَعْلِيمِ النَّصَارَى الْخَطَّ وَغَيْرَهُ لِأَنَّ فِي التَّعْلِيمِ فِي كُتَّابِ الْعَجَمِ إِظْهَارَ الرَّغْبَةِ لَهُمْ وَذَلِكَ من توليهم وإعزارهم وَتَعْلِيم الْمُسلم لَهُم الْخط ذريعا لقرائتهم الْقُرْآن فيكذبونه ويهزأون بِهِ وَجَعَلَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلشَّهَادَةِ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَكْتَبُ النَّصْرَانِيُّ لِأَنَّهُ يُسْتَشَارُ وَالنَّصْرَانِيُّ لَا يُسْتَشَارُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يُمْنَعُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وَيَقُولُ الشَّمْسُ تَكْسِفُ غَدًا وَالرَّجُلُ يَقْدِمُ غَدًا فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أُدِّبَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ لَيْسَ فِي مَعْرِفَةِ الْكُسُوفِ مِنْ جِهَةِ الْحِسَابِ ادِّعَاءُ غَيْبٍ وَلَا ضَلَالَةٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُنْضَبِطٌ بِحِسَابِ حَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَمِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ وَرُبَّمَا سَمِعَهُ الْجَاهِلُ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَيَضُرُّ فِي الدِّينِ فَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ فَسَادِ الْعَقَائِدِ وَأَمَّا إِخْبَارُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ فَقِيلَ ذَلِكَ كُفْرٌ فَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي» الْحَدِيثَ وَقِيلَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ قَالَ أَشْهَبُ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ فَقَطْ قَالَ وَعِنْدِي هَذَا لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ بِحَسَبِ أَحْوَالٍ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ النُّجُومَ فَعَّالَةٌ لِذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَبْشِرٌ بِذَلِكَ فَشُهِدَ عَلَيْهِ قُتِلَ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَغَيْرُ مُسْتَبْشِرٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ كَافِرٌ غَيْرُ زِنْدِيقٍ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عِنْدَهَا أُدِّبَ وَقَدَحَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يَحِلُّ تَصْدِيقُهُ فِيمَا يَقُولُ قَالَهُ سَحْنُونٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لَا يَعْلَمُ من السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا من ارتضى من رَسُول}.
تَنْبِيهٌ:
إِذَا قَالَ إِنَّهَا فَعَّالَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ الْحَيَوَانَاتُ كُلُّهَا تَفْعَلُ بِذَاتِهَا وَتَسْتَقِلُّ بِتَصَرُّفَاتِهَا وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ وَلَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَمَا الْفَرْقُ وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عِنْدَهَا فَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عِلْمِ الْغَيْبِ لِأَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إِذَا سلم كَانَ هَذَا كالإخبار بِمُجَرَّدِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَلِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعِلْمُ بِالْغَيْبِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَحْتَاجُ فِي عِلْمِهِ إِلَى الْأَسْبَابِ بَلِ النِّزَاعُ مَعَ هَذَا الْقَائِلِ فِي الرَّبْطِ فَقَطْ فَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَادِّعَاؤُهُ إِيَّاهُ جَهْلٌ لِادِّعَاءِ عِلْمِ غَيْبٍ كَمَا لَو ادّعى أَن المَاء يغرق وَالنَّارَ تَرْوِي لَيْسَ هَذَا مِنَ ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ فِي شَيْءٍ وَقَدْ يُخْبِرُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَيْهِم السَّلَام بالمغيبات بِنَاءً عَلَى كَشْفٍ أَوْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ أَوْ ظَنٍّ غَالِبٍ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فَهَذَا سَبَبٌ أَوْجَبَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ لَمَّا قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتِي قَالَ ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أَرَاهَا جَارِيَةً فَأَخْبَرَ بِأَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ أُنْثَى مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُول {وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام} مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَالصِّدِّيقُ يَعْلَمُهُ بِسَبَبِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ الْفَقِيهُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِمَّا لَا يُكَفِّرُ بِهِ وَمَا وَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِاللَّهِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ وَيَحْصُلُ لَهُ فَهْمُ الْمَنْقُولَاتِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يُنْهَى الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يُعَالِجُ الْمَجَانِينَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْجَانَّ مِنَ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَخْلِطُ الطَّيِّبَ مِنَ الْقَمْحِ أَوِ الزَّيْتِ أَوِ السَّمْنِ بِرَدِيئِهِ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ غِشٌّ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ عِنْدَ الْبَيْعِ الْخَلْطَ وَصِفَةَ الْمَخْلُوطَيْنِ وَقَدْرَهُمَا وَيُبَاعُ مِمَّنْ لَا يُغَشُّ بِهِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَالزِّيَتَيْنِ أَمَّا الْقَمْحُ بِالشَّعِيرِ وَالطَّعَامُ بِالْغَلَّةِ وَالسَّمِينُ مَعَ الْمَهْزُولِ فَلَا يُبَاعُ الْكَثِيرُ مِنْهُ حَتَّى يُمَيَّزَ أَوْ يُفَرَّقَا وَيَجُوزُ فِي الْقَلِيلِ وَقِيلَ إِنْ خَلَطَهُ لِلْبَيْعِ مُنِعَ أَوْ لِلْأَكْلِ جَازَ فِي الْيَسِيرِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ يَمْنَعُ مَنْ يَبِيعُ لِلصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُمْ أَمْ لَا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا.
فرع:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحَالُ بَيْنَ الْمَجْذُومِ الْبَيِّنِ الْجُذَامِ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ إِذَا كَانَ يَضُرُّ بِهْمْ كَمَا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرَّةِ امْرَأَتِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ إمائه لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ الْحَدِيثَ وَقَدْ رَأَى عمر رَضِي الله عَنهُ إمرأته مجذوبة تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا يَا أَمَةَ اللَّهِ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ فَجَلَسَتْ وَسَحْنُونٌ يَقُولُ ضَرَرُهُنَّ أَعْلَى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِهِ الْحَالُ إِلَى الزِّنَى أَوِ الْعُنَّةِ.
قَاعِدَةٌ:
كُلُّ حُكْمٍ مُرَتَّبٍ عَلَى عُرْفٍ وَعَادَةٍ يَبْطُلُ عِنْدَ زَوَالِ تِلْكَ الْعَادَةِ كَإِيجَابِ النُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَات والحنث بالأمور المترفات وَصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ فِي عُيُوبِ الْبِيَاعَاتِ تُعْتَبَرُ فِي ذَلِك كُله إِجْمَاعًا فَإِذَا تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ إِجْمَاعًا وَوِلَايَةُ الْحِسْبَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ ضَابِطُ مَا يَنْدَرِجُ فِيهَا مِمَّا لَا يَنْدَرِجُ مِنَ الْأَحْكَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ فِيمَا يَعْرِضُ لمتوليها فَكَذَلِك قَلِيل هَذَا لِلْمُحْتَسِبِ دُونَ الْقَاضِي وَهَذَا لِلْقَاضِي دُونَ الْمُحْتَسِبِ فَلَوِ اخْتَلَفَتِ الْعَوَائِدُ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الِاخْتِصَاصَاتُ فَاعْلَم ذَلِك الله عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.