فصل: كِتَابُ الصِّيَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْل الْخَامِس: فِي الدّفن:

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ سَتْرُ سَوْآتِ الْأَمْوَاتِ بِالتُّرَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بقوله {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} والكفت الضَّم أَي تضم الْأَحْيَاء وتسترهم ببنائها وَالْأَمْوَاتَ بِتُرَابِهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عُمْقُهُ مِثْلُ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ احْفِرُوا لِي وَلَا تُعَمِّقُوا فَإِنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ أَعْلَاهَا وَشَرَّهَا أَسْفَلُهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ وَلَكِنِ الْوَسَطُ وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ وَفَضَّلَ (ش) الشَّقَّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُلْحِدَ وَصَاحِبَاهُ وَاحْتَجَّ بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ جَوَابُهُ أَنَّهَا سَبَخَةٌ تَنْهَارُ فَلِذَلِكَ لَا يُلْحِدُونَ وَلْيَكُنْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِدْخَالُ الْمَيِّتِ قَبْرَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أَفْضَلُ وَيَضَعُهُ فِي قَبْرِهِ الرِّجَالُ وَيَضَعُ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا مِنْ أَسْفَلَ وَمَحَارِمُهَا مِنْ أَعْلَى وَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْ قَوَاعِدِ النِّسَاءِ مَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَيُسْتَرُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ حَتَّى تُوَارَى فِي لَحْدِهَا وَلَيْسَ لِعَدَدِ الْمُبَاشِرِ لِلْمَيِّتِ حَدٌّ مِنْ شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ وَيُوضَعُ فِي اللَّحْد على يَمِين مُسْتَقْبل الْقِبْلَةِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُحَلُّ الْعَقْدُ مِنْ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ حَتَّى تَنْصَرِفَ عَنْهُ الْمَوَادُّ وَيُسْنَدُ رَأْسُهُ بِالتُّرَابِ وَكَذَلِكَ رِجْلَاهُ لِئَلَّا يَتَصَوَّبَ وَيُرْفَقُ بِهِ كَالْحَيِّ وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي اللَّحْدِ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ ثُمَّ يُنَضَّدُ اللَّبَنَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِمَا يَمْنَعُ التُّرَابَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ اللَّبِنُ ثُمَّ اللَّوْحُ ثُمَّ الْقَرَامِيدُ ثُمَّ الْآجُرُّ ثُمَّ الْحِجَارَةُ ثُمَّ الْقَصَبُ فَكُلُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ التُّرَابِ وَالتُّرَابُ أَفْضَلُ مِنَ التَّابُوتِ ثُمَّ يُحْثَى كُلُّ من أَرْبَعَ حَثَيَاتٍ وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُرْفَعُ إِلَّا بِقَدْرِ شِبْرٍ وَلَا يُجَصَّصُ وَلَا يُطَيَّنُ وَلَا بَأْسَ بِالْحَصْبَاءِ وَوَضْعِ الْحَجْرِ عَلَى رَأَسِ الْقَبْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَبْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ حَجَرًا وَقَالَ هَذَا أَعْرِفُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَجَازَ (ح) الْبُنْيَانَ نَحْوَ التُّرْبَةِ الْيَوْمَ وَخَصَّصَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْكَرَاهَةَ بِمَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَشْهَبُ وَتَسْنِيمُ الْقَبْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ رُفِعَ فَلَا بَأْسَ وَقَبْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُسَنَّمَةٌ وَقَالَهُ (ح) وَفِي الْجُلَّابِ يُسَطَّحُ وَلَا يُسَنَّمُ وَقَالَهُ (ش) وَيُرْفَعُ مِنَ الْأَرْضِ قَلِيلًا بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَقُبُورُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَسْطُوحَةٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يُدْفَنُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مَيِّتَانِ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَيُرَتَّبُونَ فِي اللَّحْدِ بِالْفَضِيلَةِ الْأَفْضَلُ لِلْقِبْلَةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ أَلَّا يَنْصَرِفَ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْقَبْرُ مُحْتَرَمٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُسَنَّمًا وَالطَّرِيقُ دُونَهُ وَإِنْ عَفَا فَوَاسِعٌ وَلَا تُنْبَشُ عِظَامُ الْمَوْتَى عِنْدَ حَفْرِ الْقُبُورِ وَمَنْ صَادَفَ قَبْرًا رَدَّ عَلَيْهِ تُرَابَهُ وَلَا يُزَادُ مِنْ قَبْرٍ عَلَى غَيْرِهِ وَيُنْبَشُ إِذَا كَانَ الْقَبْرُ أَوِ الْكَفَنُ مَغْصُوبًا أَوْ يَشِحُّ بِهِ رَبُّهُ أَوْ نُسِيَ مَعَهُ مَالٌ فِي الْقَبْرِ أَوْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَقِيلَ لَا يُخْرَجُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ وُضِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ أُلْحِدَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ رِجْلَاهُ مَوْضِعَ رَأْسِهِ أصلح ان أَمن التَّغَيُّر وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُبْقَرُ عَلَى جَنِينِ الْمَيِّتَةِ وَإِنِ اضْطَرَبَ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ إِنْ طُمِعَ فِي حَيَاتِهِ فَقِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ وَقِيلَ هُوَ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ فِي بَطْنِ الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنِ اسْتَطَاعَ النِّسَاءُ عِلَاجَهُ مِنْ مَخْرَجِهِ فَعَلْنَ وَلَمْ يَبْلُغْنِي الْبَقْرُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ رَأَيْتُ بِمِصْرَ رَجُلًا مَبْقُورًا عَلَى رمكة مبقورة قَالَ سَنَد وَإِذا أبقرت فَمِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى لِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِلْوَلَدِ وَيَلِي ذَلِك أخص أقاربها والزواج أَحْسَنُ فَإِنْ كَانَتِ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً حَامِلًا بِجَنِينٍ مُسْلِمٍ قَالَ مَالِكٌ تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ النَّصَارَى لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِلْجَنِينِ قَبْلَ وَضْعِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ يُجْعَلُ ظهرهَا إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا وَلَوْ بَلَعَ الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ جَوْهَرَةً صَغِيرَةً نَفِيسَةً أَوْ وَدِيعَةً خَوْفَ اللُّصُوصِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُشَقُّ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْجَنِينِ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَحْرِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَانْتُظِرَ بِهِ الْبَرُّ إِنْ أُمِنَ التَّغَيُّرُ وَإِلَّا رُمِيَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مُسْتَقْبِلًا مُحَرَّفًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَتُشَدُّ عَلَيْهِ أَكْفَانه وَلَا تُثْقَلُ رِجْلَاهُ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ فَالْأَوَّلُ لِيَصِلَ الْبَرَّ فَيُدْفَنَ وَالثَّانِي لِيَسْلَمَ مِنْ أَكْلِ الطُّيُورِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا جَوَازُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَقَدْ مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ وَدُفِنَا بِالْمَدِينَةِ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ تَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي مِلْكِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ دُفِنَ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَلَيْسَ لَهُ إِبْطَالُ حَقِّهِ مِنَ الْأَرْضِ الْمُسَبَّلَةِ وَيَحْمِلُ الْوَرَثَةُ أَثْمَانَهُ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَكَأَنَّهُ وَصَّى بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي لَمْ يَلْزَمْهُمْ بِذَلِكَ الْعُدُولُ عَنِ التَّرِكَةِ فَلَوْ حُفِرَ لَهُ قَبْرٌ فَدَفَنَ فِيهِ قَوْمٌ مَيِّتَهُمْ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قِيمَةُ الْحَفْرِ قَالَ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مَنْفَعَةُ الْحُفْرَةِ لَا عَيْنُ الْقَبْرِ وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَإِلَّا كَانَ يَجِبُ نَبْشُهُ وَفِي الْجُلَّابِ لَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور والآن فزوروها فَإِنَّهَا تذكر بِالآخِرَة».

.الْفَصْل السَّادِس: فِي التَّعْزِيَة:

قَالَ سَنَدٌ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلتَّعْزِيَةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَلَسَ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ حِينَ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخِلَافِ الْمَنْزِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا عَزَّى يَقُولُ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْبَاقِي وَآجَرَكَ فِي الْفَانِي وَكَرِهَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّعْزِيَةَ فِي النِّسَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ وَوَسَّعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَيُعَزَّى فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَالْمُتَجَالَّةُ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُعَزَّى مُسْلِمٌ بِابْنِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْء} وَقَالَ (ش) يُعَزَّى بِهِ كَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ وَبِالْمُسْلِمِ قَالَ سَحْنُونٌ يُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ بِقَوْلِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاكَ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ سُنَّةٌ وَهِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ وَيُسْتَحَبُّ إِعْدَادُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ مَا لَمْ يَكُنِ اجْتِمَاعُهُنَّ لِلنِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَبِي دَاوُدَ: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ مَا شَغَلَهُمْ».

.الباب الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ:

قَالَ سَنَد من حجد وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنَ الْخَمْسِ أَوْ رُكُوعَهَا أَوْ سُجُودَهَا كَفَرَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكُلُّ مَنْ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْوُجُوبِ وَلَمْ يُصَلِّ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْفَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُسْلِمٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَيُرْوَى وَبَيْنَ الْكُفْرِ جَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الْكُفْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَحُكْمُ الْكُفْرِ الْقَتْلُ فَظُنَّ بِقَتْلِهِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ وَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» وَهُوَ نَصٌّ فِي جَوَازِ دُخُولِ تَارِكِهَا الْجَنَّةَ فَلَا يَكُونُ كَافِرًا وَلِأَنَّهُ لَا يُكْفَرُ بِفِعْلِ مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِالضَّرُورَةِ إِجْمَاعًا فَلَا يَكْفَرُ بِتَرْكِ فِعْلِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ بِجَامِعِ مُخَالفَة ضرورى فِي الدّين ويروى أَن الشَّافِعِي قَالَ لِأَحْمَدَ إِذَا كَفَّرْتَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله بِأَيّ شَيْءٍ يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ إِنْ كَانَ إِسْلَامُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ وَاقِعَةً فِي زَمَنِ الْكُفْرِ فَلَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَسَكَتَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِذَا لَمْ يُكَفَّرْ فَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) حَدًّا خلافًا (ح) وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم} فَاشْتَرَطَ فِي تَرْكِ الْقَتْلِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِقَامَةَ الصَّلَاة وَلم يقمها فَيقْتل وَلِلْحَدِيثِ السَّابِق وَإِجْمَاع الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مَعَ أَبِي بكر رَضِي الله عَنْهُم حجَّة أبي حنيفَة قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زنا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَقَالَ التُّونِسِيُّ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْقَى مِنَ النَّهَارِ قَدْرُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ سَنَدٌ يَنْبَغِي أَن يُرَاعى رَكْعَة من الْعَصْر لاجملتها عَلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ قَالَ اللَّخْمِيُّ بَلْ قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ لِإِدْرَاكِ السُّجُودِ بِالرُّكُوعِ عِنْدَ أَشْهَبَ لِلْخِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إِذَا بَقِيَ رَكْعَةٌ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ أَوْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ أَوْ فَوَاتُ الِاخْتِيَارِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُنْخَسُ بِالْحَدِيدِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُصَلِّيَ قَالَ سَنَدٌ قِيلَ تُضْرَبُ عُنُقُهُ وَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ (ش) وَالْعِرَاقِيُّونَ مِنَّا لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ قَهْرًا فَهِيَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ قَالَ أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُبَالَغُ فِي عُقُوبَتِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ جَزْمِنَا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَقِيلَ يُقْتَلُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ وَاللَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْإِقَامَةَ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَفِي كَوْنِهَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ قَالَ وَأَرَى الْوُجُوبَ لِمَنْ يَجْهَلُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ وَالِاسْتِحْبَابَ لِمَنْ يَعْلَمُهُ وَقَدِ اسْتَتَابَ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَامَة الْأَسير ثَلَاثَة أَيَّام الْمَازرِيّ فَإِن امْتنع من فعل المنسيات من الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ وَقْتَ الذِّكْرِ لِلْمَنْسِيَّةِ كَوَقْتِ الْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَلَى الْمُخْتَارِ.

.كِتَابُ الصِّيَامِ:

قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاك قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي نذرت للرحمان صوما} أَيْ إِمْسَاكًا قَالَ النَّابِغَةُ:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ** تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلِكُ اللُّجُمَا

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَصَامَ الْفَرَسُ أَيْ أَقَامَ عَلَى غَيْرِ عَلَفٍ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمُتَقَدِّمُ عِنْدَهُ وَفَسَّرَهُ عِيَاضٌ بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ وَالصَّوْمُ ذَرْقُ النَّعَامَةِ وَالصَّوْمُ شَجَرٌ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إِنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ صَوْمٍ وَجَبَ فِي الْإِسْلَامِ فَقِيلَ عَاشُورَاءُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَوَّلُ مَا فُرِضَ مِنْ رَمَضَانَ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ ثُمَّ نُسِخَ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَأُوجِبَ الصِّيَامُ إِلَى اللَّيْلِ وَأُبِيحَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ أَوْ يَنَامَ فَيَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى الْفَجْرِ فَاخْتَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُز امْرَأَتَهُ فِي أَنَّهَا نَامَتْ وَوَطِئَهَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَاشْتُقَّتِ الشُّهُورِ مِنْ بَعْضِ عَوَارِضِهَا الَّتِي تَعْرِضُ فِيهَا فَرَمَضَانُ مِنَ الرَّمْضَاءِ الَّتِي هِيَ الْحِجَارَةُ الْحَارَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي فِي الْحَرِّ وَشَوَّالٌ من شيل الْإِبِل أذنا بهَا لِذُبَابٍ يَعْرِضُ لَهَا وَذُو الْقِعْدَةِ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَيُقْعَدُ فِيهِ عَنِ الْقِتَالِ وَذُو الْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ وَيُقَالُ ذُو قِعْدَةٍ وَذُو حِجَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ وَالْمُحَرَّمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ وَصَفَرٌ مِنَ الصِّفْرِ بِالْكَسْرِ الَّذِي هُوَ الْخُلُوُّ فَإِنَّ الطُّرُقَاتِ يَقِلُّ سَالِكُهَا بِسَبَبِ ذَهَابِ الْأَمْنِ لِانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالرَّبِيعَانِ مِنْ رَبِيعِ الْعُشْبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي فِيهِمَا وَالْجُمَادِيَّانِ مِنْ جَمَادِ الْمَاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَأْتِيَانِ فِي الْبَرْدِ وَرَجَبٌ شَهْرٌ حَرَامٌ وَالتَّرْجِيبُ التَّعْظِيمُ وَشَعْبَانُ مِنَ التَّشَعُّبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِيهِ وَتُظْهِرُ الْقِتَالَ لِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ فَإِنَّ رَمَضَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ» وَالثَّابِتُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فَجَعَلَهُ اسْمًا لِلشَّهْرِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَيُجْمَعُ عَلَى رَمَضَانِينَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُجْمَعُ عَلَى أَرْمِضَاءٍ وَرَمَضَانَاتٍ وَيُقَالُ رَمِضَ يَوْمُنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ يَرْمَضُ بِفَتْحِهَا إِذَا كثر حره.
قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنِ اعْتَرَفَ بِوُجُوبِهِ وَلَمْ يَصُمْهُ خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَفِي الْكِتَابِ عَشَرَةُ أَبْوَابٍ.

.الباب الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِ الْوُجُوبِ وَالطُّرُقِ:

أَمَّا الْأَسْبَابُ فَسِتَّةٌ:
النَّذْرُ وَقَتْلُ الْخَطَأِ وَالظِّهَارُ وَالْحِنْثُ وَاخْتِلَالُ النُّسُكِ وَسَتَأْتِي وَظُهُورُ الْهِلَالِ.
وَأَمَّا الطُّرُقُ الْمُثْبِتَةُ لِلْهِلَالِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هِيَ سِتَّةٌ: رُؤْيَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَالرُّؤْيَةُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إِمَامٌ أَوْ فِيهِ لَكِنْ لَا يُعْنَى بِأُمُورِ النَّاسِ أَوْ تُنْقَلُ إِلَى بَلَدٍ عَمَّا ثَبَتَ فِي بَلَدٍ آخَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ.
فُرُوعٌ سَبْعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَيَصُومُ وَحْدَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْإِمَامَ لَعَلَّ غَيْرَهُ يُوَافِقُهُ قَالَ سَنَدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ مَجْهُولًا لِانْعِدَامِ الْفَائِدَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ يَرْفَعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى قَبُولُ شَهَادَتِهِ رَجَاءَ الِاسْتِفَاضَةِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ وَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ إِلَّا بِاثْنَيْنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ ثُبُوتَهُ بِالْوَاحِدِ وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِالْوَاحِدِ وَخَصَّصَهُ (ح) بِالْغَيْمِ قَالَ اللَّخْمِيُّ جَوَّزَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَوْ رُؤْيَةِ غَيره لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فَأَجَازَ الصَّوْمَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْفِطْرُ آخِرَ النَّهَارِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ قِيلَ الْمُؤَذِّنُ كَالْوَكِيلِ لِلنَّاسِ يُخْبِرُهُمْ قُلْنَا يَلْزَمُ إِذَا وَكَّلُوا مَنْ يَتَرَصَّدُ لَهُمُ الْهِلَالَ أَنْ يُقْبَلَ وَحْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ترا آى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ جَوَابُهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ تَقَدُّمَ شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَجَازَ تَقَدُّمُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا وَقِيَاسًا عَلَى شَوَّالٍ وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُ فَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِلَّا فالصوم مَعْلُوم الْوُجُوب لابد مِنْهُ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الصَّوْمَ مَنُوطٌ بِالشَّاهِدِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِالْوَاحِدِ لَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فَتْوَى لَا حُكْمٌ.
تَمْهِيدٌ:
الْأَحْكَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ كَوُجُوبِ تَنْفِيذِ الدَّعَاوَى عِنْدَ الْحُكَّامِ وَمَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ كَالْفَتَاوَى مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا اخْتُلِفَ فِي لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا كَمُخْبِرِ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَرَمَضَانَ وَغَيْرِهِمَا فَمَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ الصَّوَابُ فِي إِلْحَاقِ الثَّالِثِ بِأَيِّهِمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْحُقُوقُ مِنْهَا عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ كَالْفُتْيَا فَيُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي مُعَادَاةِ جُمْلَةِ الْأَئِمَّةِ وَخَاصٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ بِعَدَاوَةِ الشَّاهِدِ بَاطِنًا وَرَمَضَانُ لَا يَعُمُّ الْأَزْمَانَ وَإِنْ عَمَّ الْبُلْدَانَ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الشَّبَهَانِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَيِّهِمَا يُغَلَّبُ وَقَوِيَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ بِمُشَارَكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ ضَعُفَتِ التُّهْمَةُ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُصَلِّي لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي قُرْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْفَتْوَى فِي عَدَمِ التُّهْمَةِ.
الثَّانِي:
فِي الْجُلَّابِ إِذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ لَزِمَ الصَّوْمُ لِكُلِّ بَلَدٍ نُقِلَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ كَانَ ثُبُوتُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِعُمُومِ حُكْمِهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَهُ لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ قَالَ قُلْتُ رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُهُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ لَهُ أَفَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَابَ الْمَشْهُورُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مُصْحِيَةً وَلَمْ يُرَ فِيهَا فَقُدِّمَتِ الْمُشَاهَدَةُ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرِ كُرَيْبٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ هَكَذَا أمرنَا رَسُوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن لَا نَرْجِعَ عَنِ الْيَقِينِ إِلَى الظَّنِّ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْصَدَ مَعَ الصَّحْوِ أَمْ لَا بَلْ قُضِيَ بِالثُّبُوتِ مُطْلَقًا فَيُشَكِلُ الْحَدِيثُ.
قَاعِدَةٌ:
نَصَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْقَاتِ أَسْبَابًا لِلْأَحْكَامِ كَالْفَجْرِ وَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ كَمَا نَصَبَ الْأَفْعَالَ أَسْبَابًا نَحْوَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالْأَوْقَاتُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَقْطَارِ فَمَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ فَجْرٌ لِقَوْمٍ وَعَصْرٌ لِقَوْمٍ وَمَغْرِبٌ لِقَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ لِقَوْمٍ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتِ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ الدَّرَجَةُ بِعَيْنِهَا هِيَ فَجْرٌ وَطُلُوعُ شَمْسٍ وَزَوَالٌ وَغُرُوبٌ وَنِصْفُ لَيْلٍ وَنِصْفُ نَهَارٍ وَسَائِرُ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا بِحَسَبِ أَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ وَخَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِي قُطْرِهِمْ لَا فِي قُطْرِ غَيرهم فَلَا يُخَاطَبُ أَحَدٌ بِزَوَالِ غَيْرِ بَلَدِهِ وَلَا يفجره وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْهِلَالُ مَطَالِعُهُ مُخْتَلِفَةٌ فَيَظْهَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمَشْرِقِ إِلَّا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ بِحَسَبِ احْتِبَاسِهِ فِي الشُّعَاعِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنْ يُخَاطَبَ كُلُّ أَحَدٍ بِهِلَالِ قُطْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الْقَاطِعَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُنَا الصُّبْحُ وَإِنْ قَطَعْنَا بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ عَلَى مَنْ شَرق عَنَّا كَمَا قَالَه (ح) , إِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى الْأَقْطَارِ وَيَبْعَثُ الْبَرِيدَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَصُومُوا بَلْ كَانُوا يَتْرُكُونَ النَّاسَ مَعَ مَرْئِيِّهِمْ فَيَصِيرُ حَدًّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَيْضًا فِي قَصْرِهِ اللُّزُومُ عَلَى مَحَلِّ الْوِلَايَةِ فِي الْحُكْمِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَحُكِمَ بِهِ بِالشَّاهِدَيْنِ إِنْ حُكِمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ قُطْرِهِ لَا يَتَعَدَّاهُمْ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُنَفَّذَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَكُلُّ حُكْمٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَلْزَمُ وَلَا يُنَفَّذُ.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ لَا يُقْبَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا عَدْلَانِ قَالَ سَنَد إِن رأى شوالا وَاحِدًا قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْطَرُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُتَهَاوِنِينَ وَقَالَ عبد الْملك فِي الْفطر بِقَلْبِه وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْكُلُ بِحَيْثُ لَا يُرَى وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ وَقَالَ ابْن جنبل لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ وَاحْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ لَنَا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رُئِيَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ لَمْ يَخَفِ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ فَالْمَذْهَبُ الْفِطْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَأَمِنَ مِنَ الِاطِّلَاع فالمهشور لَا يفْطر سدا لذريعة المتهاونين الْفطر لِوُجُودِ السَّبَبِ فَإِنْ شَهِدَ عَلَى رَمَضَانَ شَاهِدَانِ وَلَمْ مَعَ الصَّحْوِ فَكَمَالُ الْعِدَّةِ قَالَ مَالِكٌ يُكْمِلُ عِدَّةَ شَعْبَانَ خِلَافًا لِ (ش) لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِرَمَضَانَ وَآخَرُ بِشَوَّالٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُفْطَرُ بِشَهَادَتِهِمَا لِوُجُوبِ إِكْمَالِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ الثَّانِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ منْ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لَا تُلَفَّقُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا أَوْ بَعْدَ ثَلَاثِينَ جَرَى تَلْفِيقُهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَفْعَالِ.
الرَّابِعُ:
فِي الْجُلَّابِ لَوْ رُئِيَ الْهِلَالُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ اتِّفَاقًا أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح وش) وَلِلْمَاضِيَةِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَوَافَقَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي أول رَمَضَان وَخَالف فِي آخِره احْتِيَاط لِلصَّوْمِ لَنَا أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ رِوَايَةً زِيدَ فِيهَا بَعْدَ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْهِلَالُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ سَبَبُ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ حُصُولُهُ فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ فَرُبَّمَا تَخَلَّصَ مِنْهُ فِي الْعَصْرِ فَهُوَ الْهِلَالُ الصَّغِيرُ وَرُبَّمَا تَخَلَّصَ فِي الظُّهْرِ أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الْهِلَالُ الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ كُلَّمَا بَعُدَ زَمَانُ التَّخَلُّصِ نَقَصَ الْهِلَالُ مِنَ الشَّمْسِ وَلَمَّا كَانَتِ الْأَهِلَّةُ تَكْبُرُ وَتَصْغُرُ وَيَخْتَلِفُ زَمَانُ خُرُوجِهَا مِنَ الشُّعَاعِ تَرَجَّحَ الْبَقَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ تَخَلُّصَهُ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ مُتَخَلِّصَةً قَبْلَهُ لِيُشْعَرَ تَخْلِيصُهُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ لَا سِيَّمَا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنَ الشَّمْسِ جِدًّا فَهَذَا سَبَبُ الْخِلَافِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ.
الْخَامِسُ:
فِي الْجُلَّابِ إِذَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ وَجَبَ الْكَفُّ وَالْقَضَاءُ وَعَلَى شَوَّالٍ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُصَلُّوا.
السَّادِسُ:
قَالَ سَنَدٌ لَوْ تَوَالَى الْغَيْمُ شُهُورًا قَالَ مَالِكٌ يُكْمِلُونَ عِدَّةَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَيَقْضُونَ إِنْ تَيَقَّنَ لَهُمْ خِلَافُ إِثْبَات الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأما قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ لِقَوْلِهِ فِي مُسْلِمٍ: «فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَيْ مِقْدَاره وَهُوَ ثَلَاثُونَ لذَلِك لَا يجِئ شَهْرٌ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ إِلَّا نَاقِصًا.
فَائِدَةٌ:
غُمَّ مَعْنَاهُ خَفِيَ بِغَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ الْغَيْمُ لإخفائه السَّمَاء وَالْغَم لِأَنَّهُ سَاتِر للقلب والأغم مَسْتُور الجبه لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي إِثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالْحِسَابِ فِي الْآلَاتِ بِالْمَاءِ وَالرَّمْلِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ زَمَنَ الشِّتَاءِ عِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالْغُيُومِ فَمَا الْفَرْقُ جَوَابُهُ أَنَّ لِلْإِثْبَاتِ أَسْبَابًا مَنْصُوبَةً فَإِنْ عَلِمَ السَّبَبَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ يَكْفِي الْحِسُّ وَالْعَقْلُ وَحُصُولُ الْهِلَالِ خَارِجَ الشُّعَاعِ لَيْسَ بِسَبَبٍ بَلْ ظُهُورُهُ لِلْحِسِّ فَمَنْ تَسَبَّبَ لَهُ بِغَيْرِ الْبَصَرِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْحِسَابِ لم يُوجد فِي حَقه السَّبَب فَلَا يرتب عَلَيْهِ حُكْمٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الصَّلَاة {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} وَمَا قَالَ صُومُوا للهلال بل قَالَ {من شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} فَجَعَلَ السَّبَبَ الْمُشَاهَدَةَ لَهُ دُونَهُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ.