فصل: الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا ينْعَقد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا ينْعَقد:

وَالْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ لَغْوٌ وَغَمُوسٌ وَمُنْعَقِدَةٌ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ فِي اللَّغْوِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَوَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى الْيَمِينِ وَبِهِ قَالَ ش وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ مِنَّا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ بِالْمَذْهَبَيْنِ وَيَمِينُ الْغَضَبِ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَتْرُكُهَا لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَتَحْرِيمُ الْمُبَاحِ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالْغَمُوسُ فِي الْكِتَابِ الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى الشَّكِّ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَن تكفر وَقَالَهُ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش تُكَفَّرُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَالتَّكْفِيرُ شَأْنُ الْمَعَاصِي وَجَوَابُهُ أَنَّ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ لَيْسَتْ لِزَوَالِ الْإِثْمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَلْيُكَفِّرْ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَالْمَأْمُورُ بِهِ لَا يكون مَعْصِيّة بل هِيَ تشريف بِالتَّكْلِيفِ وَالْمَعْصِيَةُ تُنَافِي شَرَفَ الْمُخَاطَبَةِ وَفَتْحَ بَابِ الْقرْبَة وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} الْمَائِدَة 89 وَالْغَمُوسُ لَا تَقْبَلُ الْحَلَّ فَلَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ كَمَا لَا يُقَالُ لِلْحَائِطِ أَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بَصِيرٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهَا فِي الْحَدِيثِ مَعْدُودَةٌ مِنْهَا وَالْمُنْعَقِدَةُ فِي الْكِتَابِ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ عَدَمِهِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادَهَا:

قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِذَا قَصَدَ الْحَالِفُ بِتَكْرَارِ يَمِينِهِ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَاتِ تَعَدَدَتْ أَوِ اتِّحَادَهَا اتَّحَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ أَو مُتَعَدد اتّحدت كَالْحَلِفِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ تَعَدَدَ الْمَعْنَى تَعَدَّدَتْ كَالْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَشْيَاءَ بِالْعَطْفِ وَقَصَدَ اتِّحَادَ الْيَمِينِ اتَّحَدَتْ وَهَلْ يَقَعُ الْحِنْثُ بِبَعْضِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ بِالْجَمِيعِ قَوْلَانِ وَإِذا أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ تَكَرَّرَتِ الْكَفَّارَةُ نَحْوَ كُلَّمَا أَوْ مَتَى وَإِلَّا فَلَا تَتَكَرَّرُ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِ الْحَالِفِ كَالْحَالِفِ لَا يَتْرُكُ الْوِتْرَ أَوْ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِنَابُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِشَرَفِ الْوِتْرِ وَالْمَدِينَةِ بِخِلَافِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا كَرَّرَ الْأَسْمَاءَ أَوْ الِاسْمَ الْوَاحِدَ بِغَيْرِ عَطْفٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ لِلْأَوَّلِ وَبِالْعَطْفِ كَفَّارَتَانِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ التَّعَدُّدَ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ للْحَاكِم تَأْكِيدُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ عَطْفٍ وَلَا يَجُوزُ بِالْعَطْفِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْخَصْمِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذا يغشى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} اللَّيْل 1 وَنَحْوِهِ هَلِ الْوَاوُ الثَّانِيَةُ لِلْعَطْفِ أَوْ لِلْقَسَمِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا حُفِظَتْ بِالْعَطْفِ لَا بِالْقَسَمِ لِأَنَّ الْقَسَمَ بِالشَّيْءِ تَعْظِيمٌ لَهُ وَالِانْتِقَالُ عَنْهُ إِلَى الْقَسَمِ بِغَيْرِهِ إِعْرَاضٌ عَنْهُ وَالْإِعْرَاضُ يَأْبَى التَّعْظِيمَ وَأَمَّا الْعَطْفُ عَلَيْهِ فَتَقْدِيرٌ لَهُ يَجْعَلُ غَيْرَهُ تَابِعًا لَهُ فِي مَعْنَاهُ فَيَكُونُ الْقَسَمُ وَاحِدًا وَقَعَتْ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَالْمُتَعَدِّدُ مُتَعَلَّقُهُ لِأَنَّهَا أَقْسَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَإِذَا اتَّحَدَ الْقَسَمُ اتَّحَدَتِ الْكَفَّارَةُ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٍ لَزِمَهُ عَدَدُ ذَلِكَ كَفَّارَاتٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّ النُّطْق بِالْعدَدِ يَقْتَضِي إِرَادَته بِخِلَاف التكرير فَحمل على التَّأْكِيد وَإِن قَالَ وَالْعَزِيزِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَكَفَّارَتَانِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا حَلَفَ بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ أَوْ كَرَّرَ اسْمًا وَاحِدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ تَعَدُّدُ الصِّفَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَ الذَّاتِ وَقِيلَ بِتَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْقُدْرَةِ غَيْرُ مَفْهُومِ الْعِلْمِ وَالْأَسْمَاءُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ مُسَمًّى وَاحِدٍ وَمَا امْتَنَعَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَيْرِ إِلَّا لِأَنَّ الْغَيْرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي شَأْنُهُ الْمُفَارَقَةُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا يُوهِمُ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ الْمُوهِمِ مَمْنُوعٌ قَالَ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيل فَمَا يرجع لِمَعْنى وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَكَالْمِيثَاقِ وَالْعَهْدِ وَكَالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَإِلَّا تَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَو قَالَ وَاللَّهِ ثُمَّ وَاللَّهِ ثُمَّ وَاللَّهِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَرَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِالتَّعَدُّدِ فِي الْوَاوِ مَعَ وَاوِ الْقَسَمِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا حَلَفَ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَجَامَعَ وَاحِدَةً أَوِ الْجَمِيعَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِمُخَالَفَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَالْقَائِلُ وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ هَذَا الدَّارَ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُ فُلَانًا تَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَلَوْ كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجَالِسَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ التَّأْسِيسَ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ النَذْرِ تَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَةُ نَوَى أَمْ لَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا قَالَ عَليّ ثَلَاث نذور فَثَلَاث كَفَّارَات ولفرق بَيْنَ تَكْرَارِ الطَّلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ دُونَ التَّأْكِيدِ وَالْيَمِينُ عَلَى التَّأْكِيدِ أَنَّ الطَّلَاقَ مُخْتَلِفٌ فَأولى بِوُجُوب التَّحْرِيم وَالثَّانِيَةُ تَقَرُبُ مِنَ الثَّلَاثِ وَالثَّالِثَةُ تَحْرِيمٌ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَمَعْنَى الْأَيْمَانِ وَاحِدٌ وَهُوَ إِيجَاب الْكَفَّارَة وَبَين النّذر وَالْيَمِين أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْيَمِينِ لِتَأْكِيدِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ فَلَمَّا كَانَ أَصْلُهَا لِلتَّأْكِيدِ حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَمَوْضُوعُ النَذْرِ اللُّزُومُ فَحُمِلَ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَمَنْ حَلَفَ فَقِيلَ لَهُ يُحْنِثُكَ فَحَلِفَ لَا يَحْنَث فكفارتان وَإِنْ حَلَفَ لَا بَاعَ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ آخَرُ وَأَنَا فَقَالَ وَاللَّهِ وَلَا أَنْتَ فَكَفَّارَتَانِ إِنْ بَاعَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَرَدَّهَاَ عَلَيْهِ فَبَاعَهَا مِنَ الثَّانِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِم وَلَو حَلَفَ لَا بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهَا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي الْكِتَابِ وَالْحَالِفُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ثُمَّ قَالَ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ فَهُمَا يَمِينَانِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ بَعْدَ غَدٍ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا فَكَفَّارَتَانِ إِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَإِنْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَلَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَكَلَّمَهُ غَدا فكفارتان لِأَنَّهُمَا يمينان على متابينين وَقَدْ تَنَاوَلَا غَدًا فَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالْغَدِ لِأَنَّهُ جُزْءُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِي وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَقَطْ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَنْوِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَنْوِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ غَدًا فَكَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى اقْتَضَتْ مُطْلَقَ أَحَدِهِمَا وَالثَّانِيَةَ خُصُوصُ الثَّانِي وَقَيَّدَتْ ذَلِكَ الْمُطْلَقَ وَالْمُطْلَقُ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ فَاجْتَمَعَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ غَدًا ثُمَّ حَلَفَ أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ وَالثَّانِيَةَ مُنْشِئَةٌ لِلْحَلِفِ فِيهِ فَلَمْ يَتَرَادَفَا وَفِي الْكِتَابِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ فِيهَا مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي الْبَيَان إِذا قُلْنَا بِالْكَفَّارَةِ فِي الْحلف بِالْقُرْآنِ فَقَالَ وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ فَثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِاخْتِلَافِ الْمُسَمَّيَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ.
تَمْهِيدٌ:
يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ فِي الطَّهَارَاتُ كَالْوُضُوءِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْغُسْلُ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْوُضُوءُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَفِي تَدَاخُلِ طَهَارَةِ الْحَدث وَالْخَبَثِ خِلَافٌ وَفِي الْعِبَادَاتُ كَسُجُودِ السَّهْوِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ مَعَ الْفَرْضِ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ وَفِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْأَيْمَانِ وَكَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ رَمَضَانَ مِرَارًا بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ خِلَافًا لِ ح فِي إِيجَابِهِ كَفَارَّةً وَاحِدَةً فِي جُمْلَةِ رَمَضَانَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّمَضَانَيْنِ وَفِي الْحُدُودِ إِذَا تَمَاثَلَتْ وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّدَاخُلِ لِكَوْنِهَا مُهْلِكَةً وَفِي لعدد عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْأَمْوَالِ كَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ وَالصَّدَقَاتِ فِي وَطْء الشُّبُهَات إِذا تكَرر الْوَطْء فيالشبهة الْوَاحِدَةِ وَيَدْخُلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ كَالْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي الْمُتَقَدِّمِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَالْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ كَالْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ وَالْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ كَالْأُصْبُعِ مَعَ النَّفْسِ وَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ.

.الْبَاب الرَّابِع فِي الِاسْتِثْنَاء:

وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الثَّنْيِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رَجَعَ إِلَى كَلَامِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ كَمَا يَرْجِعُ نِصْفُ الثَّوْبِ عَلَى نِصْفِهِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ بِإِلَا وَأَخَوَاتِهَا ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَى قَوْلِنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَجَازًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَشْرُوطٌ وَالشَّرْطُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُخْرِجٌ مِنَ الْمَشْرُوطِ أَحْوَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ مُخْرِجٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَيَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الشَّرْطِ اسْتِثْنَاءً قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لم يحلف وَمرَاده ذَلِك فَإِن الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْيَمِينِ إِجْمَاعًا وَهَاهُنَا بحثان:

.الْبَحْث الْأَوَّلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ:

وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَغَيْرِ وَسِوَى وَحَاشَا وَخَلَا وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَنَحْوِهَا وَلَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهِ بِالْكَلَامِ وَالنُّطْقِ بِهِ على الْفَوْر عَادَة احْتِرَازًا مِنَ الْعُطَاسِ أَوِ السُّعَالِ قَبْلَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ وَفِي الْمُقَدَّمَاتِ لَا يَقَعُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنَ الْأَعْدَادِ وَإِنِ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوَ وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إِلَّا درهما وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهَا الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَلَا يدْخل الِاسْتِثْنَاء أَيْضًا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِالْعَطْفِ نَحْوَ وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَوْ خَالِدًا إِلَّا زَيْدًا فَإِنَّ فِيهِ إِبْطَالَ حُكْمِ زَيْدٍ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا انْدَرَجَ مَعَ الْمَخْصُوصِ ضِمْنًا وَقَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِثْنَاءُ شَطْرِ الشَّيْءِ وَأَكْثَرِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ خِلَافًا لِ ح.

.الْبَحْث الثَّانِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجَازِيِّ:

وَفِي الْكِتَابِ مَنْ حَلَفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَاتِهِ الْعُلَى أَوْ نَذَرَ نَذْرًا لَا مَخْرَجَ لَهُ وَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ انْحَلَّتْ يَمِينه أَو التَّبَرُّك لقَوْله تَعَالَى {وَلَا قولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الْكَهْف 23 فَيَمِينُهُ مُنْعَقِدَةٌ وَيَكْفِي حُدُوثُ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بَعْدَ اللَّفْظِ إِذَا وَصَلَهُ بِالْيَمِينِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي الْجَلَّابِ إِنْ قَطْعَهُ بِسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تثاؤب لم يضرّهُ ووافقنا الْأمة عَلَى وُجُوبِ الِاتِّصَالِ وَعَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا يَجُوزُ الِانْفِصَالُ مَا لَمْ يَطُلْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَدَبٌ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الْكَهْف 24 قَوَاعِدُ كل مُتَكَلم لَهُ عرف يحمل لَفظه على عُرْفِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْإِقْرَارَاتِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَالشَّرْع لَهُ فِي الْحلف نوعى شُرِّعَ لَهُ وَاخْتُصَّ بِهِ فَهُوَ عُرْفُهُ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى فَيُخْتَصُّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى بِهِ وَلَا يتَعَدَّى إِلَى الطَّلَاق وَالْعتاق وَالنُّذُور خلافًا ل ش فَالِاسْتِثْنَاءُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا حَالًّا لِلْيَمِينِ وَالْأَصْلُ عدم نَصبه سَبَبًا لِحَلِّ غَيْرِهِ وَسَلَامَةِ غَيْرِهِ عَنِ الْحَلِّ وَالنَّقْضِ وَالنَّذْرُ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَلِذَلِكَ سُوِّيَ بِالْيَمِينِ وَلَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ سَبَبًا لِلْحَلِّ إِنَّمَا هُوَ هَذَا اللَّفْظُ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَصْدُ إِلَى الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَالنِّيَّةُ إِنَّمَا نُصِبَتْ سَببا فِي التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد فِيمَا لم يبْق الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ يَسْتَقِلُّ بِهِمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ الِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ آدَمِيٍّ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ النُّطْقُ وَالنَّسَقُ وَالنِّيَّةُ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ مَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَإِلَّا نَحْوَ لَقِيتُ الْقَوْمَ وَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ إِلَّا فُلَانًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا تَحْرِيكُ اللِّسَانِ وَقِيلَ يَكْفِي قي إِلَّا النِّيَّة بِخِلَاف الآخرين وَلم تخْتَلف أَن المحاشاة تَكْفِي فِيهَا النِّيَّة وَهِي الْإِخْرَاج قَبْلَ الْيَمِينِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ حَرْفٍ مِنَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْعَقِدْ أَمَّا بَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْمُنْعَقِدِ وَالْبَحْثُ مَعَهُ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلسَّبَبِ الْمُنْعَقِدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنَّمَا نَصَبَهُ الشَّرْعُ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ {مَنْ حَلَفَ} كَمَالُ الْحَلِفِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ أَوْ يُرِيدَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ يَشَاءُ اللَّهُ وَفِي الْبَيَان قَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا قَالَ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنَ الْيَمِينِ قبل قَوْله خرج لَفْظُ الْمَشِيئَةِ فَالدَّلِيلُ نَفَى بَقِيَّةَ أَلْفَاظِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَالَ عِيسَى هُوَ ثُنْيَا لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُرِنِي اللَّهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَفَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَهُمَا فَمَنَعَ الْأَخِيرَ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة هَل الْقيَاس عَلَيْهِمَا إِذَا عُقِلَ مَعْنَاهَا أَمْ لَا كَمَا قِيلَ فِي قِيَاسِ النَّبْشِ عَلَى السَّرِقَةِ وَاللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا وَفِي الْجَوَاهِرِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ حَلٌّ لِلْيَمِينِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَوْ بَدَلٌ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ لانْتِفَاءِ سَببه أولى من انتفاءه لِقِيَامِ مَانِعِهِ وَيُعَضِّدُ الثَّانِيَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِيجَابِ الْيَمِينِ لِلْكَفَّارَةِ وَحَيْثُ اشْتَرَطْنَا النُّطْقَ فَيَكْفِي فِيهِ تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ جَهْرٍ إِلَّا الْمُسْتَحْلَفَ لَا بُدَّ مِنْ جَهْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَصْدِ حَالِ الْيَمِينِ أَوِ التَّفْوِيضِ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

.الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مدارك الْبر والحنث:

وَهِي أَرْبَعَة عشر مدْركا:

.الْمدْرك الأول النِّيَّةُ:

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْثَ فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِثْمِ وَمِنْهُ بَلَغَ الصَّبِيُّ الْحِنْثَ أَيْ زَمَانًا يُكْتَبُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَبَيْنَ الْمُخَالَفَةِ لِلْيَمِينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْبِرُّ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ الْعُقُوقِ وَمِنْهُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَيْ مُوَافَقَتُهُمَا فَالْمُوَافِقُ لِمُقْتَضَى الْيَمِينِ بَارٌّ وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ سَوَاءٌ كَانَ آثِمًا أَمْ لَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلِلْبِرِّ لَفْظَانِ لَا فَعَلْتُ وَإِنْ فَعَلْتُ وَيَجْمَعُهُمَا الْتِزَامُ عَدَمِ الْفِعْلِ وَلِلْحِنْثِ لَفْظَانِ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَأَفْعَلَنَّ وَيَجْمَعُهُمَا الْتِزَامُ وُجُودِ الْفِعْلِ فَهُوَ الْآنَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ هُوَ عَلَى حِنْثٍ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا الْتَزَمَ أَنْ لَا يُخَلِّيَ ذَلِكَ الزَّمَانَ مِنَ الْفِعْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ خُلُوُّهُ إِلَّا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ النِّيَّةُ تُقَيِّدُ الْمُطْلَقَاتِ وَتُخَصِّصُ الْعُمُومَاتِ إِذَا صَلَحَ لَهَا اللَّفْظُ كَانَتْ مُطَابِقَةً لَهُ أَوْ زَائِدَة فِيهِ أَو نَاقِصَة مِنْهُ قَالَ الخمي هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إِنْ كَانَتْ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ وَأَحْلَفَهُ الطَّالِبُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي بَيِّنَةٍ وَقُضِيَ بِالظَّاهِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا يُقْضَى بِهَا فَهَلْ هِيَ عَلَى نِيَّةِ الطَّالِبِ أَوِ الْحَالِفِ قَوْلَانِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بِالْيَمِينِ وَكَانَ لَهُ التَّخَلُّصُ بِغَيْرِهَا فَلَهُ نِيَّتُهُ وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الطَّالِبِ وَإِنْ دَفَعَ بِهَا ظُلْمًا فَلَهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِالْحَرَامِ عَلَى قَضَاءِ حَقٍّ قَالَ مَالِكٌ لَا تَنْفَعُهُ مُحَاشَاةُ زَوْجَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ اسْتَحْلَفَهُ الطَّالِبُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ حَتَّى بَدَرَ بِالْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ بِهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا إِلْجَاءٍ فَلَهُ نِيَّتُهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالك تَنْفَعهُ المحاشاة فِي الْحرم وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْلَفًا لِلْخِلَافِ فِي الْحَرَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِذَا لَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيح قبُولهَا إِذَا ظَهَرَ لَهَا مَحْمَلٌ وَإِنِ احْتَمَلَهَا اللَّفْظُ عَلَى قُرْبٍ قُبِلَتْ إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا قُضِيَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ حَيْثُ وُجِدَ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْتَحْلَفَ فِي حَقٍّ يُقْضَى عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَمِينِهِ فَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي حِنْثِهِ أَقْوَالٌ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْحَلِفُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ مُطْلَقًا اسْتُحْلِفَ أَمْ لَا وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ وَقِيلَ عَكْسُ قَوْلِ مَالِكٍ لِلْمُسْتَحْلِفِ نِيَّتُهُ والمتطوع على نِيَّة الْمَحْلُوف لَهُ وَقِيلَ يَنْفَعُهُ فِيمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَيَفْتَرِقُ الْمُتَطَوِّعُ وَغَيْرُهُ فِيمَا يُقْضَى بِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا.
قَاعِدَةٌ:
يَجُوزُ عِنْدَنَا التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ الْمُطَابِقِيِّ والتضميني والإلتزامي وَقَالَهُ ش وَقَالَ ح لَا يَجُوزُ فِي الِالْتِزَامِيِّ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَالِفِ لَا آكُلُ فَيَجُوزُ لَهُ عِنْدَنَا تَخْصِيصُهُ أَوْ تَقْيِيدُهُ إِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعُمُومِ بِبَعْضِ الْمَأْكُولَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا سِوَاهُ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَأْكُولَاتِ الْتِزَامًا فَيَحْنَثُ عِنْدَهُ بِجُمْلَةِ الْمَأْكُولَاتِ وَلَا تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ لَنَا مَدْرَكَانِ أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} يُوسُف 66 فأَخْرَجَ حَالَةَ الْإِحَاطَةِ مِنَ الْحَالَاتِ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ إِلَّا الْتِزَامًا فَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ بِالنِّيَّةِ لِبَعْضِ الْمَفَاعِيلِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ بِجَامِعِ احْتِيَاجِ الْمُكَلَّفِ إِلَى تَمْيِيزِ مَوْضِعِ الْمَصْلَحَةِ وَكِلَاهُمَا إِخْرَاجُ الثَّانِي وَوَافَقَنَا عَلَى مَا إِذَا قَالَ لَا آكُلُ أَكْلًا أَنَّ النِّيَّةَ تَنْفَعُهُ وَالْأَكْلُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَأْكُولَاتِ الْتِزَامًا وَهُوَ بِعَيْنِهِ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ.
تَنْبِيهٌ:
يُسْأَلُ الْحَالِفُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ لَا يُلْتَفَتُ لِنِيَّتِهِ وَيُعْتَبَرُ عُمُومُ لَفْظِهِ لِأَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلَّفْظِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ غَيْرُ صَارِفَةٍ لَهُ على بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ وَمِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ أَنْ تَكُونَ صَارِفَةً فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ إِخْرَاجَ مَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَمِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَهَذَا مَقَامٌ لَا يُحَقِّقُهُ أَكْثَرُ مفتي الْعَصْر.