فصل: الْفَرْضُ السَّادِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَرْضُ السَّادِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ:

وَقِيلَ إِلَيْهِمَا دُونَهُمَا وَهُمَا النَّاتِئَانِ فِي السَّاقَيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» فَلَوْ كَانَ مَعْقِدَ الشِّرَاكِ لَمَا عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الْعَقِبِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} إِشَارَةٌ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْيَدَ لَهَا مِرْفَقٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ النَّاتِئَ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لَكَانَ لِلرَّجُلِ كَعْبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ يَقُولُ إِلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ: إِلَى الْمَرَافِقِ لِتَقَابُلِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّثْنِيَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْكَعْبَانِ اللَّذَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ اغْسِلُوا كُلَّ رِجْلٍ إِلَى كَعْبَيْهَا.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَكُونُ غَايَةَ الْغَسْلِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهِ. وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِرْفَقَيْنِ.
فَرْعَانِ:
الْأَوَّلُ:
تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ شِدَّةُ الِالْتِصَاقِ وَصِغَرُ الْحَجْمِ الْمُوجِبَانِ لِلتَّحَاكِّ وَالتَّدَلُّكِ.
الثَّانِي:
أَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ يَغْسِلُ الْكَعْبَيْنِ بِخِلَافِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْقَطْعِ.
تَمْهِيدٌ:
قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} قُرِئَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ أَمَّا الرَّفْعُ فَتَقْدِيرُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ اغْسِلُوهَا وَالنَّصْبُ عطف على اليدن وَالْخَفْضُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَحَمَلَهُ الشِّيعَةُ عَلَى تَعَيُّنِ الْمَسْحِ وَتَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ بِأَنَّ الرِّجْلَ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْسِ قَبْلَ دُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ** فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَيْسَ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا لِنَصْبِ خَبَرِهَا بِخِلَافِ الْمَسْحِ لَا يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ مَفْعُولَيْهِ الْمَنْصُوبَ مُضْمَرٌ فَيَكُونُ الرَّأْسُ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ حَرْفُ الْجَرِّ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخَفْضُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالنَّصْبُ عَلَى حَالَةِ عَدَمِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَصْلُ النَّصْبُ وَإِنَّمَا الْخَفْضُ عَلَى الْجِوَارِ كَقَوْلِ الْعَرَب هَذَا حجر ضَبٍّ خَرِبٍ وَوَرَدَ عَلَيْهِمْ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمِثَالَ لَا لَبْسَ فِيهِ بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي الرِّجْلَيْنِ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ الضَّبُّ بِالْخَرَابِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَأْبَى ذَلِكَ لِاقْتِضَائِهِ التَّشْرِيكَ بِخِلَافِ الْمِثَالِ. تَذْيِيلٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَخْتِمَ الْمُتَطَهِّرُ أَبَدًا بِالْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ مُرَاعَاةً لِظَاهِرِ الْغَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَ لَكِنَّ الْأَدَبَ أولى.

.الْفَرْض السَّابِع الْمُوَالَاة:

وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَهُنَا الْمُجَاوَرَةُ فِي الْأَفْعَالِ وَمِنْهُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْوَلَاءُ وَالتَّوَالِي. وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي حُكْمِهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْوُجُوبُ مُطْلَقًا وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ فَلَا يَجِبُ وَبَيْنَ الْمَغْسُولِ فَيَجِبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ الْبَدَلِيِّ كَالْجَبِيرَةِ وَالْخُفَّيْنِ فَيَجِبُ وَالْمَمْسُوحُ الْأَصْلِيُّ فَلَا يَجِبُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَدُورُ عَلَى مَدَارِكَ أَحَدُهَا آيَةُ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا لِلْوُجُوبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ} فَإِنَّهُ شَرْطٌ لُغَوِيٌّ وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ جُمْلَةِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ.
الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَجِبُ تَعْقِيبُ الْمَجْمُوعِ لِلشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
الثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} صِيغَةُ أَمْرٍ وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فَيَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي الْفَرْعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ. الْمُسْتَنَدُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَضَّأَ مَرَّةً فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَقَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ فَنَفَى الْقَبُولَ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبه ثمَّ هَهُنَا نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَرَّةً مَرَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْقُيُودِ فَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَيَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ لِقُيُودِهِ لَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَخْصُوصُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ بَقِيَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لِصُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا إِسْقَاطُ الْوُجُوبِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلِضَعْفِ مُدْرِكِ الْوُجُوبِ الْمُتَأَكِّدِ بِالنِّسْيَانِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَغَيْرِهِ فَلِخِفَّةِ الْمَمْسُوحِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَأَمَّا الْمَمْسُوحُ الْبَدَلُ فَنَظَرًا لِأَصْلِهِ.
فُرُوعٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ:
التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ لَا يَضُرُّ قَالَ الْقَاضِي لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ شَرَعَ فِي وُضُوءٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ فَتَرَكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُضُوءَهُ وَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ حَتَّى غَسَلَهَا وَهَذَا تَفْرِيقٌ يَسِيرٌ وَلِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَجَعْنَا مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ فِي الطَّرِيقِ فَعَمَدَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» فَإِنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ يَسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ وَمَا يُرَى ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْبَلَلُ مَوْجُودًا.
الثاني:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَجَزَ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ فَقَامَ لِأَخْذِهِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا بَنَى وَإِنْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وُضُوؤُهُ ابْتَدَأَ لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ أَمَرَ تَارِكِي الْأَعْقَابِ بِالْإِسْبَاغِ لَا بِالْإِعَادَةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَإِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ فَرَّقَ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُفُوفِ لِأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ فَكَانَ قِيَامُ الْبَلَلِ عِنْدَهُمْ بَقَاء أثر الْوضُوء فيتصل الْأَخير بأثر السغل السَّابِقِ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الطُّولُ فِي الْعَادَةِ حَكَاهُ الْقَابِسِيُّ لِاخْتِلَافِ الْجَفَافِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ وَالْأَزْمَانِ.
الثَّالِثُ فِي الطَّرَّازِ:
إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ الذِّكْرِ التَّمَكُّنُ أَمْ لَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ إِذَا نَسِيَ عُضْوًا وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى طَالَ هَلْ يَبْتَدِئُ أَوْ يَبْنِي وَكَذَلِكَ إِذَا نَسِيَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ هَلْ تَبْطُلُ عِنْدَ الذِّكْرِ أَوْ يَنْزِعُهَا وَيَتَمَادَى فِي ذَلِكَ خِلَافٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ إِنْ أَخَّرَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ بَنَى. وَإِنْ طَالَ وَلَمْ يَتَوَانَ فِي الطَّلَبِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ هُوَ كَالْحَائِضِ تُبَادِرُ لِلطُّهْرِ لَا تُرَاعِي وَقْتَ ابْتِدَائِهَا وَقَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّهَارَةِ حَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ إِذَا نَسِيَ لُمْعَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ لَصِقَ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنَ الْعَجِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى مَا تَحْتَهُ يُصَلِّي بِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ غَاسِلًا وَلِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الصُّبْحَ وَقَدِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ فَكَانَ بِكَفَّيْهِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَوْضِعٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَسَلَتَ مِنْ شَعْرِهِ الْمَاءَ وَمَسَحَ وَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ إِلَّا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ ضَعَّفَهُ وَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الرَّأْسِ وَمِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ وَالْخَاتَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَمْ يُنْقَلْ حُكْمُ الْفَرْضِ إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَعَلَى يَدَيْهِ مِدَادٌ فَرَآهُ بعد الصَّلَاةِ لَمْ يُغَيِّرْهُ الْمَاءُ إِذَا أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَاتِبًا فَإِنَّهُ رَأَى الْكَاتِبَ مَعْذُورًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
الْخَامِسُ:
الْمُوَالَاةُ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَالْوُضُوءُ أَعْضَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْغَسْلُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْبَدَنُ.
السَّادِسُ:
إِذَا نَسِيَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ طَهَارَتِهِ إِنْ كَانَ فِي الْقُرْبِ فَعَلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَإِنْ طَالَ فَعَلَهُ وَحْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ مَغْسُولًا وَطَالَ ابْتَدَأَ وَإِنْ كَانَ مَمْسُوحًا مَسَحَهُ فَقَطْ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ مَسْنُونًا وَذَكَرَهُ بِالْقُرْبِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ نِسْيَانِ الْمَفْرُوضِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ خلاف ذَلِك.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي مَسْنُونَاتِهِ:

وَالسُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقَةُ لَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ خَصَّصَهُ بِبَعْضِ طَرَائِقِهِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ إِذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا إِذَا تَرَكَهَا وَلَا بِالْإِعَادَةِ وَالثَّالِثَ تُعَادُ لِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ. وَالْفَرْضُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفُرْضَةِ الْحِسِّيَّةِ وَهِيَ الْمُحَدَّدَةُ وَالْفُرُوضُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ فَسُمِّيَتْ فُرُوضًا. وَالْفَضِيلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْفَضْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ.
وَمَسْنُونَاتُ الْوُضُوءِ سَبْعَةٌ:

.السُّنَّةُ الْأُولَى فِي الْجِلَابِ:

غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ لِكُلِّ مُرِيدِ الْوُضُوءِ مُحْدِثًا أَوْ مُجَدِّدًا أَوْ يَدَاهُ طَاهِرَتَانِ خلافًا بن حَنْبَلٍ فِي إِيجَابِهِ لِذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ» وَالْبَيَاتُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ مَعَ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَلْحَقْنَا بِهِ نَوْمَ النَّهَارِ وَالْمُسْتَيْقِظَ بِجَامِعِ الِاحْتِيَاطِ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي إِنَائِهِ أَلْحَقْنَا بِهِ الْوُضُوءَ مِنَ الْإِبْرِيقِ لِأَنَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ فِي الْمَاءِ مُتَوَقَّعٌ مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْيَدِ لَا سِيَّمَا وَالْمَوْضُوعُ فِي الْيَدِ أَقَلُّ فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْفَسَادِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ غَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ لِأَنَّ شَأْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ التَّعَبُّدِيَّةِ لَا يُغْسَلُ عُضْوٌ حَتَّى يُفْرَغَ مِنَ الْآخَرِ وَلَا يُجْمَعَانِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهَا ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي إِنَائِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْرِغُ عَلَى يَدَيْهِ فَيَغْسِلُهُمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَإِذَا كَانَتْ يَدَاهُ نَظِيفَتَيْنِ غَسَلَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتِيَارُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.

.السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ: الْمَضْمَضَةُ:

فِي الْجَوَاهِرِ الْمَضْمَضَةُ مُعْجَمَةٌ وَهِيَ تَطْهِيرُ بَاطِنِ الْفَمِ فِي الْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ وَأَصْلُهَا تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقُ جَذْبُ الْمَاءِ بِالْخَيَاشِيمِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ تَقُولُ اسْتَنْشَقْتُ الشَّيْءَ إِذَا شَمَمْتُهُ وَالِاسْتِنْثَارُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ الْأنف وَمن النثر وَهُوَ الْجَذْبُ. وَأَمَّا ظَاهِرُ الشَّفَتَيْنِ فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ وَأَوْجَبَهُمَا أَو حنيفَة وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خَلِّلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً وَفِي الْأَنْفِ شَعْرٌ وَفِي الْفَمِ بَشَرٌ».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُمَا وَاجَبَتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا فِي وُضُوئِهِ وَغَسْلِهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ الله تَعَالَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَفِعْلُهُ عَلَى النَّدْبِ.

.السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: الِاسْتِنْشَاقُ:

وَهُوَ غَسْلُ دَاخِلِ الْأَنْفِ فَأَمَّا مَا يَبْدُو مِنْهُ فَهُوَ مِنَ الْوَجْهِ فَيَجْذِبُ الْمَاءَ بِرِيحِ الْأَنْفِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الِاسْتِنْشَاق من غير وضع إبهامه وسباته عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَلَا تَجِبُ هِيَ وَلَا الْمَضْمَضَةُ فِي الطَّهَارَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ كَدَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَمَوْضِعِ الثُّيُوبَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا مَسْحُهَا فَكَذَلِكَ هَاتَانِ لَا يتناولهما مَنْ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَلَا لِلْوُضُوءِ وَتُحْمَلُ السُّنَّةُ الْوَارِدَةُ فِيهِمَا عَلَى النَّدْبِ قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهِمَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ لِصَلَاتِهِ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُهُمَا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَتِمُّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يتَوَضَّأ» كَمَا أمره الله تَعَالَى.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ:
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَطْهِيره من النَّجَاسَة وَإِذا وصل القئ إِلَيْهِ أَفْطَرَ فَمَدْفُوعٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ تَطْهِيرِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ إِذَا اكْتَحَلَ بِمُرَاةِ خِنْزِيرٍ وَنَحْوه وبالقئ إِذَا اسْتَدْعَاهُ وَوَصَلَ إِلَى خَيَاشِيمِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى أَنْفِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ وَصَلَ إِلَى فَمِهِ فَلَمْ يَمْتَلِئْ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ إِلَّا بِالِامْتِلَاءِ حَتَّى يَسِيلَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ لَنَقَضَ يَسِيرُهُ وَكَثِيرُهُ. أَصْلُهُ الدَّمُ فِي غَيْرِ الْفَمِ عِنْدَهُمْ وَبِبَلْعِ الرِّيقِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهُوَ لَوْ بلعه مِنَ الظَّاهِرِ أَفْطَرَ وَعِنْدَهُمْ لَوْ جُرِحَ فِي خَدِّهِ فَنَفَذَتْ إِلَى فَمِهِ كَانَتْ جَائِفَةً وَالْجَائِفَةُ لَا تَكُونُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً» فَالْمُرَادُ بِهِ الشُّعُورُ الْكَثِيرَةُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْغَسْلِ بِدَلِيلِ شَعْرِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ.
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا.
الثاني: قَالَ حَكَى ابْنُ سَابِقٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَتَمَضْمَضُ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي لِأَصْحَابِهِ غُرْفَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ.
وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ فَجَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا حَتَّى صَلَّى فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ إِمَّا لِكَوْنِهِمَا عِنْدَهُ وَاجِبَتَيْنِ وَإِمَّا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَنِ لَعِبٌ وَعَبَثٌ.
وَقَالَ صَاحب الْجَوَاهِر:
إِن تَركهَا نَاسِيًا حَتَّى صَلَّى لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْقَاضِي لَا يُعِيدُهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تُعَادُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ إِذَا لَمْ يُرِدْ صَلَاةً فَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ يفعلهما لما يستقيل إِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ عَدَمَ فِعْلِهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا نَقْصٌ فِي الطَّهَارَةِ كَتَرْكِ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَكْمُلُ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَفْعَلُهُمَا بِالْيَمِينِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيَسَارِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَضْمَضَ فَاسْتَنْشَقَ وَفَعَلَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى ذَلِكَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا طَهُورُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
تَنْبِيهٌ:
قُدِّمَتِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَهُمَا مِنَ الْمَسْنُونَاتِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا لِيَطَّلِعَ بِهِمَا عَلَى حَالِ الْمَاءِ فِي رِيحِهِ وَطَعْمِهِ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِطَهُورٍ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ وَتَرَكَهُ لِمَنَافِعِهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ فَيَضِيعَ الْمَاءُ وَيَكْثُرَ التَّعَبُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ.
الثاني: أَنَّهُمَا أَكْثَرُ أَقْذَارًا وَأَوْضَارًا مِنْ غَيْرِهِمَا فَكَانَتِ الْعِنَايَةُ بِتَقْدِيمِهِمَا أَوْلَى.