فصل: الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي حُكْمِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي حُكْمِهِ:

قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَذَانُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ سُنَّةٌ وَهُوَ الْأَذَانُ فِي الْمَسَاجِدِ وَعَرَفَةَ وَمِنًى وَالْعدَد الْكثير فِي السّفر والايمة حَيْثُ كَانُوا وَمُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبه وَهُوَ أَذَان الْجُمُعَة قَالَ وَالْأَحْسَن وُجُوبه لتَعلق الْأَحْكَام كَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ الْمُسَافِرِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ فِي غَيْرِ السّفر وَالْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامِ غَيْرِهَا وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ قَالَ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْأَذَانِ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْأَذَانُ لِلْفَوَائِتِ وَالسُّنَنِ وَأَذَانُ النِّسَاءِ فَرْقٌ الْفَذُّ فِي السَّفَرِ فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَشُرِعَ لَهُ إِظْهَارُهَا وَسَرَايَا الْمُسْلِمِينَ تقصده فَيحْتَاج إِلَى الذب عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي شَعَائِرِ غَيْرِهِ وَصِيَانَتِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ جُمْلَتِهِمْ قَالُوا وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات ومواضع الأيمة وَحَيْثُ يقْصد الدُّعَاء للصَّلَاة وَعَن البغدادين أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وُجُوبَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ وَعَلَّلَهُ بِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَضَبْطِ الْأَوْقَاتِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْأَذَانِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَالتَّعْرِيفُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِسْلَامٍ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُقَاتَلُ أهل الْقرْيَة على تَركه حَتَّى يَفْعَلُوا إِن عجز عَن قهرهم على إِقَامَة إِلَّا بِالْقِتَالِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الطّيب وَثَانِيهمَا الدُّعَاء للصَّلَاة والإعلام بوقتها وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَفَرْضٌ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَمَعْنَاهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ سُنَّةٌ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ شرطا فِي الصَّلَاة ومنشأ الْخلاف فِي قاعدتين إِحْدَاهمَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا وَأَبَا مَحْذُورَةَ وَغَيْرَهُمَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ أَو على النَّدْبِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةٌ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ هَلْ يَكُونُ وَاجِبًا أَمْ لَا؟ سُؤَالٌ إِذَا رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَ شَيْءٍ عَلَى سَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا يَبْحَثُ عَنْهُمَا إِجْمَاعًا كَتَرْتِيبِ الرَّجْمِ عَلَى الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ وَالْقَطْعِ عَلَى السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ تَحْصِيل مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَتَوَقُّفِ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ عَلَى السَّعْيِ لَهُمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ وجوبهما وأسبابهما فَلَو خولفت هَذِه الْقَاعِدَة هَهُنَا فَإِنَّ الْأَوْقَاتَ أَسْبَابُ الْوُجُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ جَوَابُهُ أَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى عَنْهُ الْمُكَلَّفُ فِي جُمْلَةِ عُمْرِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهَا مَا يُقْطَعُ بحصوله فِي الْجُمْلَة من غير تعْيين قيقطع بِتَرْتِيبِ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَطْعِهِ بِسَبَبِهِ وَإِذَا قَطَعَ بِالْوُجُوبِ تَعَيَّنَ الْإِيقَاعُ فَيَتَعَيَّنُ الْبَحْثُ عَنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَهُ فَيكون مَعْصِيَةً غَيْرَ مُجْزٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَذَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي السَّمَاء بهيئته وَصفته وَكَانَ بِمَكَّةَ مَعَ بَقِيَّةٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَكَانَتِ الصَّلَاة اختلاسا إِلَى بعد الْهِجْرَة وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يَضْرِبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ فَأُرِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ؟ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَذَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اهْتَمَّ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ؟ فَقيل لَهُ تنصب راية عِنْد حُضُور الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ فَذُكِرَ لَهُ الْقَنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ وَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ابْعَثُوا رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ يعْنى بقول الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَيُرْوَى اتَّخِذُوا نَارًا مِثْلَ الْمَجُوسِ وَيُرْوَى نَوِّرُوا بِاللَّيْلِ وَدَخِّنُوا بِالنَّهَارِ وَيُرْوَى أَنَّ عمر رَضِي الله عَنهُ رأى مثل ابْن زَيْدٍ وَتَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الرُّؤْيَا بِضْعَةَ عَشَرَ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرْوَى الْقَبْعُ بِالْبَاءِ مَفْتُوحَةً وَبِالنُّونِ سَاكِنَةً قَالَ وَسمعت أَبَا عمر يَقُول الثبع بالثاء الْمُثَلَّثَة والجميع اسماء للبوق فبللنون من اقناع الصَّوْت وَالرَّأْس وَهُوَ رَفْعُهُ وَبِالْبَاءِ مِنَ السِّتْرِ يُقَالُ قَبَعَ رَأْسَهُ فِي جَيْبِهِ إِذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ.
تَمْهِيدٌ:
هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا بِهِ يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا ظَنَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَجَعَلُوهُ من المسئلة الْأُصُولِيَّةِ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْوَقْتِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ اجْتِهَادٌ بَلْ وَقَعَ فِي الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَالطُّرُقُ لَيْسَتْ أَحْكَامًا كَمَا لَوْ وَجَبَ علينا ان ننقذ الغريق فَاجْتَهَدْنَا فِي فِعْلِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِسَفِينَةٍ أَو بِحَبل أَو خطام أَو بالسباحة إِلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ وُجُوبُ الْإِنْقَاذِ وَلِذَلِكَ يَجْتَهِدُ النَّاسُ فِي تَعَرُّفِ الْوَقْت بالخطوط الْمَوْضُوعَة عَلَى الْحِيطَانِ وَالرُّخَامَاتِ وَسَائِرِ الْآلَاتِ وَلَا يُعَدُّونَ مُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الرُّؤْيَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ وَحْيًا مِنَ النُّبُوَّةِ كَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوحَى إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ نُبُوَّتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي الْمَنَامِ وَكَمَا أُوحِيَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَنَامِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَلِمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَحْيٍ سَابِقٍ أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ تُفِيدُ الْقَطْعَ أَوِ الظَّنَّ الْغَالِبِ بِأَنَّهَا وَحْيٌ فَعَدَلَ عَنِ الِاجْتِهَادِ إِلَى الْوَحْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا مُنَبِّهَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَتْ وَحْيًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرُجْحَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَا لِكَوْنِهَا وَحْيًا وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا لِتَحْصِيلِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ وَإِعْلَامِ الْخَلْقِ وَمُبَايَنَةِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ اخْتِصَاصِ الْأُمَّةِ وَفِي الْبُخَارِيِّ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يُرْوَى بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فَالْكَسْرُ مَعْنَاهُ سُرْعَةُ الْمَشْيِ وَمِنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً نَصَّ وَالْفَتْحُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَتُطَوَّلُ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى لَا يَصِلَ الْعَرَقُ إِلَى أَفْوَاهِهِمُ الَّتِي كَانُوا يُؤَذِّنُونَ بِهَا وَقِيلَ أَطْوَلُ رَجَاءً مِنْ قَوْلِهِمْ تَطَاوَلَتْ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ وَطَالَ عُنُقِي إِلَى رَجَائِكَ وَقِيلَ أطول أعناقا وَعَبَّرَ بِالْعُنُقِ عَنِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» وَمَعْنَاهُ يُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبِ إِسْمَاعِهِ وَنَشْرِهِ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي مَدِّ صَوْتِهِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَشَهَادَةُ الْجَمَادَاتِ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخْلَقَ بِهَا إِدْرَاكًا وَحَيَاةً عِنْدَ الْأَذَانِ فَتُضْبَطَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَان أقبل حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُر كَذَا لما لم يكن يذكر وَحَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَالتَّثْوِيبُ الْإِقَامَةُ وَهُوَ مِنَ الرُّجُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ يُصَدِّقُ عَلَى تَكْرَارِ اللَّفْظِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعُ إِلَيْهِ وَعَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي بَعْدَ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِلَفْظِ الْأَذَانِ وَعَلَى الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ إِلَى الْأَذَانِ وَقَدْ رُوِيَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَيُرْوَى يَظَلُّ الرَّجُلُ بِالظَّاءِ الْقَائِمَةِ بِمَعْنَى يَصِيرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ظَلَّ وَجْهُهُ مسودا} {فيظللن رواكد على ظَهره} وَيُرْوَى يَضِلُّ مِنَ الضَّلَالِ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ.
فَائِدَةٌ:
لَا يتَوَهَّم من هَذَا أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة أفضل من الصَّلَاة لهروب الشَّيْطَان فِيهَا دُونَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ للفاضل كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أفضلكم عَلِيٌّ وَأَقْرَأُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» مَعَ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْجَمِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَذَلِكَ تَعَرَّضَ الشَّيْطَانُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صلَاته فهم يربطه ثمَّ تَركه كَمَا جَاءَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَإِذَا سَلَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجًّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَهُرُوبُهُ مِنْ عُمَرَ وَإِلْمَامُهُ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَهُرُوبِهِ مِنَ الْأَذَانِ وَتَسَلُّطِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُرْوَى فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَنُزُولُ الْغَيْثِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.
فَرْعٌ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْأَذَانُ أَمِ الْإِمَامَةُ؟ فَقِيلَ الْأَذَانُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقِّ الْعِبَادِ فِي الْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءِ لِلْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَدَّدْ لَهُ إِلَّا الْجَهْرُ بِالذِّكْرِ لِلْإِعْلَامِ بِالْأَذْكَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا الْخَلِيفَةُ لَكُنْتُ مُؤَذِّنًا أَي الْخلَافَة سُؤال لم كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام مُؤذنًا؟ لِأَن أَفْضَلَ الْخَلْقِ شَأْنُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَلْ كَانَ إِمَامًا وَلَمْ يُؤَذِّنْ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي سَفَرِهِ جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْأَذَانَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دُعَاءِ النَّاس إِلَى الصَّلَاة فَلَو أذن لَكَانَ التَّخَلُّف على إِجَابَتِهِ شَدِيدَ الْحَرَجِ فَكَانَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ إِنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ غَيَّرَ نَظْمَ الْأَذَانِ وَإِنْ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ أَوْهَمَ رِسَالَةَ غَيْرِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْأَذَان يحْتَاج إِلَى رصد ومراقبة وَالِاشْتِغَالُ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَمَصَالِحِ الْأُمَّةِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ لِإِفَادَتِهَا فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْأَذَانِ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْمُؤَذّن:

فَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا بَالِغًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ صَيَّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ أَوْ مَجْنُون أَو سَكرَان أَو مختبط أَوِ امْرَأَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ وَلَا يُقِيمُ إِلَّا مَعَ النِّسَاءِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْحَاوِي الْأَذَان لَهُ والقاعد وَالرَّاكِبِ وَالْجُنُبِ وَمُنِعَ الْإِقَامَةَ وَمُنِعَ فِي الْكِتَابِ أَذَانُهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِمَامٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِمَامًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ جَوَّزَ إِمَامَةَ الصَّبِيِّ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَأُكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» وَهَذَا حُجَّةٌ لسَائِر الشُّرُوطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ فَيُحِيلُ الْوُثُوقَ بِأَمَانَتِهِ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى وَسِيلَةِ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي بِالْأَذَانِ لَهُمْ وَأَنَا لَمْ أَحْتَلِمْ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ وَلِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَخَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ وَاقع يصحان مِنْهُ كَمَا تصح أخباره فِي الاسْتِئْذَان والوسائل وَغير ذَلِك قَالَه صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالْأَذَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ مِنَ الْمَقَاصِدِ حُجَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَنَّهَا آكَدُ مِنَ الْأَذَانِ لِلُزُومِهَا لِلْفَذِّ حَتَّى قِيلَ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حُجَّةُ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
فُرُوعٌ خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْهَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي ثِيَابِ شَعْرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ فَلْيُعِدْ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
الثَّانِي:
لَمْ يُكْرَهُ فِي الْكِتَابِ أَذَان الْأَعْمَى قَالَ وَكَانَ مؤذنه عَلَيْهِ السَّلَام أَعْمَى يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ إِذَا كَانَ أَمِينًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْتِ إِلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ بَلْ يَسْتَخْبِرُ الثِّقَةَ ويتثبت وفضلهما أَشهب على الْبعد إِذا سددوا الْوَقْتَ وَالْقِبْلَةَ وَفَضَّلَ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَعْرَابِيَّ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى وَلَدِ الزِّنَا.
الثَّالِثُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَب كَرَاهِيَة أَذَان النِّسَاء خلافًا لِ (ش) وَ (ح) غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الرِّجَالِ حُجَّتُنَا أَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا مَكْرُوهٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَمِنْ تَرْكِ الْحَيَاءِ.
الرَّابِعُ:
فِي الْجَوَاهِرِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي إِجَارَةِ غَيْرِهِ مِنْ آحَادِ النَّاسِ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدَةً وَالْجَوَازُ فِي الْأَذَانِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْجَوَازُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَنْعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَرَدَّدَ النَّقْلُ عَنِ الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الرُّزْقَةِ وَقَدْ أَرْزَقَ عُمَرُ بن الْخطاب الْمُؤَذِّنِينَ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الرُّزْقَةُ لِلْحَاكِمِ وَإِنِ امْتَنَعَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحُكْمِ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ فِعْلٌ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِهِ عَنِ الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ قُرْبَةً مَانِعًا مِنَ الْإِجَارَةِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكَتْبِ الْمَصَاحِفِ وَالسِّعَايَةِ عَلَى الزَّكَاةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْإِمَامَةِ مُفْرَدَةً لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ فِعْلُ الْمُنْفَرِدِ وَفِعْلُ الْمُنْفَرِدِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ حُجَّةُ مَنْ جَوَّزَهَا مُنْفَرِدَةً مُلَاحَظَةُ الْتِزَامِهِ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ عَيْنًا فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْمَنْعِ إِذَا كَانَ ثَمَّ فِعْلٌ لَا يَلْزَمُ الْمُصَلِّي كَمَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي أَنَّهُ قَالَ مِنْ آخِرِ مَا عُهِدَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَنِ اتَّخَذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِذَا امْتُنِعَ فِي الْأَذَانِ امْتُنِعَ فِي الْإِمَامَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهَا أَدْخَلَ فِي بَابِ التَّقَرُّبِ وَالتَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجِهَاد، وَجَوَابه أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْجِهَادَ يَتَعَيَّنُ بِالْحُضُورِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ.
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ فَهَلْ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْأَتْبَاعِ هَل لَهَا حَظّ من الثّمن أَو لَا قَالَ الْمَازِرِيُّ احْتَجَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحَطِّ بِمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ أَوْ شَجَرًا مُثْمِرًا فَاسْتَحَقَّ المَال من يَد العَبْد وجائحة تصيب الثَّمَرَة لَا يوجبان حَطِيطَةً مِنَ الثَّمَنِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُ بِأَنَّ حِلْيَةَ السَّيْف التابعة لَهُ إِذا اسْتَحَقَّتْ فَلَهَا حَطُّهَا مِنَ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ سِلْعَةٌ من صَفْقَة فِيهَا سلع قَالَ إِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيٌ وَأَنَّ الْعَبْدَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى تَقْدِيرِ يَدِهِ عَلَى مَالِهِ وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ وَلَمْ يُبْطَلْ قَالَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَحْسَنُ الْحَطِيطَةُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَادَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ شِوَارُهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ الصَّدَاقِ قَدْرُ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ زَادَهُ لِأَجْلِهِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَتْبَاعِ مَقْصُودَةً بِالْأَعْوَاضِ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بَلْ نَقُولُ التَّبَعَ قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ لَهُ مُنْفَرِدًا كَحِلْيَةِ السَّيْفِ التَّابِعَةِ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً بِجِنْسِهَا وَيَجُوزُ تَبَعًا قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْإِمَامَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَةَ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا مُنْفَرِدَةً صَحَّ وَكُرِهَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَمَالِ الْعَبْدِ.
الْخَامِسُ:
مِنَ الْبَيَانِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ إِذَا صعدوا الْمنَار عَايَنُوا مَا فِي الدُّورِ وَطَلَبَ أَهْلُهَا مَنْعُهُمْ مِنَ الصُّعُودِ مُنِعُوا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الدُّورِ عَلَى الْبُعْدِ بَيْنَهُمُ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الضَّرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ صَاحب الْبَيَان وَهَذَا على أصل مَالك فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنَ الضَّرَرِ الْوَاجِبِ الْإِزَالَةِ وَمَنْ يَرَى مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُقَالُ لِلْجَارِ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ بِمَالك بل طَالب مَنْدُوبًا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ قَالَ وَهَذَا حُكْمُ الدُّورِ الْبَعِيدَةِ إِلَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ فِيهَا الذُّكُورُ مِنَ الْإِنَاث والهبآت.