فصل: سنة أربع وتسعين وخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة:

ودخلت سنة ثلاث وتسعين، وفيها أقيمت الخطبة للعزيز بحلب، وضربت السكة باسمه، بصلح وقع بين العزيز وبن أخيه الظاهر وقد تولاه القاضي بهاء الدين أبو المحاسن بن شداد، وغرس الدين قلج، قدما من حلب إلى العزيز بالقاهرة بهدايا، فانعقد الصلح بين الأخوين على ذلك.
وعادا إلى الظاهر، فخطب للعزيز في شهر ربيع الأول وضربت السكة باسمه.
وفيه تحرك الفرنج على بلاد الإسلام، فخرج العادل من دمشق، وسير جيشا إلى بيروت لهدم ربضها.
وفيها مات الملك العزيز ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب ملك اليمن في شوال، وقام من بعده بمملكة اليمن المعز ابنه الملك فتح الدين أبو الفداء إسماعيل.
وفيها فتح الملك العادل صاحب دمشق يافا عنوة، وغنم وأسر كثيرا، يقال إنهم سبعة آلاف نفس، ما بين ذكر وأنثى.
وفيها سار العادل من يافا إلى صيداء وبيروت فأخربهما، ونهبت بيروت، وفر من كان بها. وبعث العادل إلى الملك العزيز يستنجده، فسير إليه عسكرا خرج من القاهرة أول شوال، وسار إلى بلبيس. ثم بدا للعزيز أمر ففرق العسكر ولم يسر.

.سنة أربع وتسعين وخمسمائة:

ودخلت سنة أربع وتسعين، فانتشر من وصل في البحر من الفرنج ببلاد الساحل، وملكوا:قلعة بيروت، وقتلوا عدة من المسلمين في أطراف بلاد القدس، وأسروا وغنموا شيئا كثيرا، فبعث الملك العادل إلى القاهرة يطلب من العزيز نجدة، فسارت إليه العساكر من مصر، ومن القدس وغيرها. ثم خرج الملك العزيز بنفسه، ومعه سائر عساكر مصر لقتال الفرنج، فنزل على الرملة في سادس عشري صفر، وقدم الصلاحية والأسدية، وعليهم الأمير شمس الدين سنقر الدوادار، وسرا سنقر وعلاء الدين شقير، وعدة من الأكراد، فلحقوا العادل وهو على تبنين. وسار العزيز في أثرهم، فكانت بينهم وبين الفرنج وقائع شهيرة، آلت إلى رحيل الفرنج إلى صور، وركب العادل والعزيز أقفيتهم، فقتلوا منهم. وترك العزيز العساكر عند العادل، ورجع إلى القاهرة في ثامن جمادى الآخرة، قبل انفصال الحال مع الفرنج، من أجل أن ميمون القصري، وأسامة وسرا سنقر، والحجاف، وابن المشطوب، كانوا قد عزموا على قتله فلما بلغه ذلك رحل إلى القاهرة فخرج الناس إلى لقائه، وكان يوما مشهودا.
ووقعت الهدنة بين العادل وبين الفرنج سنة ثلاث سنين، وعاد العادل إلى دمشق.
وفي رجب: تجدد للعادل والعزيز رأي في تخريب عسقلان، وتعفية جدرانها وهدم بنيانها. فندب من القدس جماعة لتغليقها وحط أبرجة سورها، فتلفت مدينة لا مثل لها، وثغر لا نظير له في الثغور، وعمارة لا تخلف الأيام ما تلف بها، لعجز الملوك عن ممانعة الفرنج بالسلاح، واضطرارهم إلى هدم المدن وتعفية رسومها.
وفي شعبان: ركب قاضي القضاة صدر الدين بن درباس لرقبة الهلال وكلف الشهود ما بين شمعتي كل شاهد إلى شمعة. فخرجوا بالشموع، وقد كثر الجمع والشمع، واحتفل الموكب، وثقلت على الشهود الوطأة.
وفيه أمر الملك العزيز بمنع البناء في المواضع التي كان الأمراء قد شرعوا في بنائها على النيل، واستولوا فيها على الساحل، فخرج الجاندارية وألزموا كل من حفر أساسا بردمه، فامتثل الأمر.
وفي شهر رمضان: أمر العزيز بقطع أشجار بستان البغدادية تجاه قصر اللؤلؤة وجعله ميدانا.
وفيه كثر التظاهر بعصير العنب واستباحة الحرمان، وعدم المنكر لهذا الأمر، فغلا العنب حتى بلغ أربعة أرطال بدرهم.
وفيه قصر مد النيل، وارتفعت الأسعار، وعدمت الأرزاق من جانب الديوان، وتعذرت وجوه المال حتى عم المرتزقة الحرمات. واستبيح ما كان محظورا من فتح أبواب التأويلات، وأخذ ما بأيدي الناس بالمصادرات: فاخذ خط شخص يعرف بابن خالد بمبلغ ألف دينار، وصودر جماعة آخرون وصار الإنفاق في السماط السلطاني في هذه الوجوه.
وفي يوم عيد الفطر: أقيمت سنة العيد بظاهر البلد، وحضر العزيز الصلاة والخطبة، وعم الأمراء وأرباب العمائم بخلعه، وقدم سماط توسعت الهمة فيه.
وفي ثالث عشره: وفي النيل ستة عشر ذراعا، فركب العزيز في سادس عشره لتخليق المقياس، وفتح الخليج في ثامن عشره، وتظاهر الناس في هذه الأيام بالمنكرات من غير منكر.
وفي ثالث عشريه: كان النوروز، فجرى الرسم في لعبه على العادة.
وفي يوم السبت سابع عشر ذي القعدة: قتل ابن مرزوق بالقاهرة، قتله ابن المنوفي قاضي بلبيس غيلة، بدار سكنها بالفهادين، وحفر له فيها ودفنه، ومملوكا صغيرا معه، وبلط فوقه، وجعل عليه شعيرا، فشنق ابن المنوفي، بعدما طيف به على جمل مصر والقاهرة.
وفي هده السنة: توجه العادل من دمشق إلى مدينة ماردين، ونازلها واخذ ربضها. وفيها خرج الملك الكامل محمد بن العادل من حران، وقاتل عسكر المواصلة.
وفيها أغار الفرنج، ونهبوا وأسروا خلقا، وانتهوا إلى عكا. فعاد العادل إلى دمشق في رمضان، ثم خرج بعد شهر إلى الشرق يريد ماردين.
وفيها ادعى معز الدين إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين ملك اليمن الإلهية نصف نهار، وكتب كتابا وأرخه من مقر الإلهية. ثم رجع عن ذلك، وادعى الخلافة، وزعم أنه من بني أمية، ودعا لنفسه في سائر مملكته بالخلافة، وقطع الدعاء من الخطبة لبني العباس، ولبس ثيابا خضرا وعمائم خضرا مذهبة، وأكره من كان في مملكته من أهل الذمة على الإسلام، وخطب بنفسه، وعزم على قصد مكة، وجهز من بنى له بها دارا، فأسرهم الشريف أبو عزيز قتادة.

.سنة خمس وتسعين وخمسمائة:

ودخلت سنة خمس وتسعن وخمسمائة والعادل مضايق مدينة ماردين، والمعز صاحب اليمن قد تجهز يريد مكة، والعزيز صاحب مصر قد سار إلى الإسكندرية، من آخر ذي الحجة. فتصيد العزيز إلى سابع المحرم، وركض خلف ذئب فسقط عن فرسه ثم ركب وقد حم، فدخل القاهرة يوم عاشوراء فلم يزل لما به حتى مات، منتصف ليلة السابع والعشرين منه، ودفن بجوار قبر الشافعي، رحمة الله عليه. وكان عمره سبعاً وعشرين سنة وأشهراً، ومدة ملكه ست سنين تنقص شهراً وستة أيام.
وكان ملكاً كريماً، عادلاً رحيماً، حسن الأخلاق شجاعاً، سريع الانقياد مفرط السخاء. سمع الحديث من السلفي، وابن عوف، وابن برى، وحدث. وكانت الرعية تحبه محبة كثيرة، وكان يعطى العشرة آلاف دينار، ويعمل سماطاً عظيماً يجمع الناس لأكله، فإذا جلسوا للأكل كره منهم أكله، ولا يطيب له ذلك، وهذا من غرائب الأخلاق.
وفيها عظمت الفتنة في عسكر غياث الدين محمد بن بهاء الدين سام ملك الغورية، وسببها أن الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي الفقيه الشافعي المشهور، كان قد بالغ غياث الدين في إكرامه، وبنى له مدرسة بقرب جامع هراة، ومعظم أهلها كرامية. فاجمعوا على مناظرته، وتجمعوا عند غياث الدين معه، وكبيرهم القاضي مجد الدين عبد المجيد بن عمر بن القدوة. فتكلم الإمام فخر الدين مع ابن القدوة، واستطال عليه وبالغ في شتمه، وهو لا يزجو على أن يقول: لا يفعل مولانا لا أخذك الله استغفر الله. فغضب الملك ضياء الدين له، ونسب الإمام الرازي إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة. وقام من الغد ابن عمر بن القدوة بالجامع، وقال في خطبته: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}. أيها الناس إنا لا نقول إلا ما صح عندنا عن رسول الله، وأما علم أرسطو، وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي، فلا نعلمها.
فلأي حال يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام، يذب عن دين الله وسنة نبيه؟. وبكى وأبكى، فثار الناس من كل جانب، وامتلأت البلد فتنة، فسكتهم السلطان غياث الدين، وتقدم إلى الإمام فخر الدين بالعود إلى هراة، فخرج إليها، ثم فارق غياث الدين ملك الغورية مذهب الكرامية، وتقلد الشافعي رحمه الله.

.السلطان الملك المنصور ناصر الدين:

محمد ابن الملك العزيز عماد الدين عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، ولد بالقاهرة جمادى الأولى، سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ومات أبوه وعمره تسع سنين وأشهر. وقد أوصى له أبوه بالملك من بعده، وأن يكون مدبر أمره الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي. فأجلس على سرير الملك في غد وفاة أبيه، يوم الاثين حادي عشر المحرم، وجعل قراقوش أتابكاً. وحلف له الأمراء كلهم، ماخلا عماه الملك المؤيد نجم الدين مسعود والملك المعز، فانهما أرادا أن تكون الأتابكية لهما، وجرت منهما منازعة، ثم حلفا. ووقع الخلف بي أمراء الدولة، فطعن عدة منهم في قراقوش، بأنه مضطرب الرأي ضيق العطن، ولا يصلح لهذا الأمر، وتعصب جماعة معه، ورأوا أنه أطوع من غيره. وكثر النزاع في ذلك، وصاروا إلى القاضي الفاضل، ليأخذوا رأيه، فامتنع من المشورة عليهم، فزكوه.
وأقاموا ثلاثة أيام يمحصون الرأي، حتى استقر على مكاتبة الملك الأفضل، ليحضر أتابكاً عوض قراقوش، بشرط ألا يرفع فوق رأسه السنجق، ولا يذكر له اسم في خطبة ولا سكة، وأن يدبر أمر الملك المنصور مدة سبع سنين، فإذا تم هذا الأجل سلم إليه الأمر والتدبير، وسيروا إليه القصاد بذلك، وأقيم الملك الظافر مظفر الدين خضر ابن السلطان صلاح الدين مباشر نيابة السلطنة، حتى يقدم الأفضل. فخرج الأفضل من صرخد لليلتين بقيتا من صفر، في تسعة عشرة نفساً، متنكراً، خوفاً من العادل.
وكان الأمير فخر الدين جهاركس- لما قرر أمراء مصر أمر الأفضل، وكتبوا إليه بالحضور- كره ذلك، وكتب إلى الأمير فارس الدين ميمون القصرى صاحب نابلس، ينهاه عن الموافقة على إقامة الأفضل. فوقع الأفضل على القاصد، وأخذ منه الكتاب، وعلم ما فيه، وقال له: ارجع فقد قضيت الحاجة، وسار الأفضل، ومعه ذلك القاصد، حتى وصل بلبيس، وقد خرج الأمراء إلى لقائه، في خامس شهر ربيع الآخر. فنزل في خيمة أخيه الملك المؤيد مسعود. وكان فخر الدين جهاركس يؤمل أنه ينزل في خيمته، فشق ذلك عليه من فعل الأفضل، ولم يجد بداً من المجىء إلى عنده، فأكرمه الأفضل. ثم لما فرغ الأفضل من طعام أخيه، صار إلى خيمة فخر الدين وأكل طعامه، فحانت من فخر الدين التفاتة، فرأى القاصد الذي بعثه إلى نابلس، فدهش وخاف من الأفضل، وأخذ يستأذنه في التوجه إلى العرب المخالفين ليصلح أمرهم، فأذن له. وللحال قام فخر الدين واجتمع بزين الدين قراجا وأسد الدين سراسنقر، وسار بهما مجداً إلى القدس، فإذا بشجاع الدين طغرل السلاح دار سائر إلى مصر، فألفتوه عن الأفضل، وساروا به إلى القدس، فاتفق معهم الأمر صارم الدين صالح نائب القدس، ووافقهم أيضاً الأمير عز الدين أسامة وميمون القصرى، وقدما إلى القدس، ومع ميمون سبعمائة فارس منتخبة، وكاتبوا الملك العادل، يستدعونه لأتابكية الملك المنصور.
وأما الأفضل فإنه سار من بلبيس إلى القاهرة، فخرج المنصور وتلقاه، في سابع ربيع الآخر وكانت مدته شهرين و؟؟ وتحكم الأفضل. ولما استقرا بالقاهرة كتب الأفضل إلى عمه الملك العادل، يخبره بوصوله إلى مصر، حفظاً لدولة ابن أخيه، وأنه لا يخرج عما يأمره به، فورد جوابه بان العزيز إن كان مات عن وصية فلا يعدل عنها، وإن كان مات عن غير وصية، فيكتب الأعيان خطوطهم لك بذلك، حتى نرى الرأي. فاستولى الأفضل على أمر مصر كله ولم يبق للمنصور غير مجرد الاسم فقط. وعزم الأفضل على قبض من بقى من الأمراء الصلاحية. بمصر ففر منهم جماعة، ولحقوا بفخر الدين جهاركس بالقدس. وقبض الأفضل على جماعة: منهم الأمير علاء الدين شقير، والأمير عز الدين البكى الفارس، والأمير عز الدين أيبك فطيس، وخطلبا، ونهب أموالهم، ثم برز إلى بركة الجب، فأقام أربعة أشهر، وحلف بها الأمراء والأجناد، مبلغه عن أخيه الملك المؤيد مسعود أنه يريد الوثوب عليه، فقبضه وسجنه.
وبعث الملك الظاهر غازي صاحب حلب إلى أخيه الأفضل يحثه على سرعة القدوم من مصر إلى دمشق، واغتنام الفرصة في أمرها والملك العادل غائب عنها في حصار ماردين. فقبض الصلاحية بالشام على القاصد، وأهانوه ثم أطلقوه، فسار إلى الأفضل، وبلغه رسالة أخيه الظاهر. فرحل الأفضل من بركة الجب ثالث شهر رجب، ومعه الملك المنصور، فأقام بالعباسة خمسة أيام. واستخلف على القاهرة سيف الدين يازكج الأسدي ثم سار إلى دمشق، فنزل عليها في ثالث عشر شعبان، وقد بلغ العادل خروجه من مصر، وهو على حصار ماردين، فرتب ابنه الكامل محمداً على حصارها، وسار في مائتي فارس إلى دمشق فقدمها في ثمانية أنفس، لكثرة ما أسرع في السير، قبل منازلة الأفضل لها بيومين وتلاحق به أصحابه وقدم الأفضل منزل الشرفين والميدان الأخضر، وهجم بعض أصحابه على البلد وأحرقوا، وصاحوا: يا أفضل يا منصور. فصاحت العامة معهم بذلك، لميلهم إلى الأفضل، فبرز إليهم العادل، وأخرجهم من البلد، وامتنع بها، ففر من أمراء الأفضل عدة، فتأخر حينئذ عن دمشق إلى نحو الكسوة. فدس العادل إلى جماعة ممن في صحبة الأفضل بكلام منه. إني أريد الرجوع إلى الشرق، وأترك الشام ومصر لأولاد أخي، ففندوا الأفضل عن الحرب. وبذل العادل لهم مالاً، فمشى ذلك من مكره عليهم، وخذلوا الأفضل، بأن أشاروا عليه بترك القتال حتى يقدم أخوه الظاهر من حلب. فأمسك الأفضل عن الحرب مدة، والعادل يكاتب الأمراء ويستميلهم شيئاً بعد شيء، وهم يأتونه فيبذل لهم المال، ويوسع عليهم، إلى أن قدم الظاهر من حلب في آخر شعبان، فقوى به الأفضل، ورحلا إلى مسجد القدم، وحاربا العادل وحاصراه، حتى غلت الأقوات بدمشق لشدة الحصار. فقدمت الصلاحية من القدس نصرة للعادل، فاشتد عضد العادل بقدومهم، وجهز إلى القدس من يمنع الميرة الواصلة من مصر إلى الأفضل، فوجدوا يازكج قد أخرج سبعمائة من عسكر مصر نجدة للأفضل، فقاتلوهم وكسروهم وغنموا ما معهم. وصارت أهل دمشق في جهد من الغلاء، واحتاج العادل إلى القرض، فأخذ مالاً من التجار. وقوي الزحف على البلد حتى أشرف على الأخذ، وهم العادل بالتسليم، فاتفق وقوع الخلف بين الظاهر وبن أخيه الأفضل.

.سنة ست وتسعين وخمسمائة:

وأهلت سنة ست وتسعين والأخوان على حصار عمهما العادل بدمشق، وقد خربت البساتين والدور، وقطعت الأنهار، وأحرقت الغلال، وقلت الأقوات. وعزم العادل على تسليم دمشق، لكثرة من فارقه وخرج عنه إلى الأفضل، فكتب إلى ابنه الكامل يستدعيه، وكتب إلى نائب قلعة جعبر أن يسلمه ما يستدعيه من المال، وكانت أموال العادل بها، فسار إليه الكامل في العسكر الذي معه، وأخذ من قلعة جعبر أربعمائة ألف دينار، وقدم على أبيه فقوي بقدومه قوة عظيمة، ووقع الوهن في عسكر الأفضل والظاهرة لكثرة من خامر منهم، ودس العادل مكيدة بين الأخوين، وهي أن الظاهر كان له مملوك يقال له أيبك وقد شغفه حباً، ففقده وظن أنه دخل دمشق فعلق، وبلغ ذلك العادل، فبعث إليه بكلام فيه: أن محمود بن الشكري أفسد مملوكك، وحمله إلى الفضل، فقبض الظاهر حينئذ على ابن الشكري، وظهر المملوك عنده، فما شك في صدق ما قاله عمه، ونفر من أخيه وأمتنع من لقائه، وكان البرد قد اشتد، فرحلا إلى الكسوة، وسار إلى مرج الصفر، ثم سارا إلى رأس الماء، فغلت الأسعار، وقوي البرد، فرحل الظاهر على القريتن، ورحل الأفضل بعساكره يريد مصر، وتركوا من أثقالهم ما عجزوا عن حمله فأحرقوه، وهلك لهم عدة مماليك ودواب، ودخل الأفضل إلى بلبيس في خامس عشرى شهر ربيع الأول، فأشير عليه بالإقامة بها.
وورد الخبر بأن العادل خرج من دمشق، ونزل تل العجول، وأنه كتب الإقامات للعربان، واستدعى الكنانية، فجمع الأفضل الأمراء، وركب ودار على سور بلبيس، وأمر قراقوش بحفظ قلعة الجبل، وأن يهتم بحفر ما بقي من سور مصر والقاهرة، وأنه يعمق الحفر حتى يصل إلى الصخر، ويجعل التراب داخل المدينة على حافة الحفر، ليكون مثل الباشورة، ويستعمل الأبقار فيه، ويعمل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقس، حتى لا يبقى إلى البلد طريق إلا من أبوابها.
وفي ثاني ربيع الآخر: نزل العادل قطية فهم الفضل بتحريق بلبيس، فنفرت القلوب منه، وقطع أرزاق المرتزقة من جانب السلطان، ومن الأحباس على مكة والمدينة والفقهاء وأرباب العمائم، ليغلق الذي للجند، فما سد المأخوذ، ولا انقطع الطلب من الأجناد، وثار الضجيج من المساكن. ووصل العادل فواقعه الأفضل، فانكسر منه وانهزم، فتبعهم العادل إلى بركة الجب، فخيم بها وأقام ثمانية أيام، ولحق الأفضل بالقاهرة، فدخلها يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر، وخامر جماعة عليه، وصاروا إلى العادل، وألجأت الضرورة الأفضل إلى مراسلة العادل، فطلب منه أن يعوضه عن ديار مصر بدمشق، فامتنع العادل، وقال: لا تحوجني أن أخرق ناموس القاهرة، وآخذها بالسيف، اذهب إلى صرخد، وأنت أمن على نفسك فلم يجد الأفضل بداً من التسليم، لتخاذل أصحابه عنه. فتسلم العادل القاهرة، ودخلها يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر، وخرج منها الفضل منهزماً في ذلك اليوم، وكان الوزير ضياء الدين ابن الأثير قد قدم إلى مصر، وتمكن من الأفضل فلما تسلم العادل القاهرة فر، ولحق بصرخد، وكانت مدة استيلاء الفضل على ديار مصر سنة واحدة وثمانية وثلاثين يوماً، وخرج إلى بلاد الشرق فأقام بدمياط، وكان مدة إقامته بالقاهرة لا يقدر أن يخلو بنفسه في ليل ولا نهار، وكان الأمراء قد حجروا عليه أن يخلو بأحد، وكانت الضرورة ملجئة إلى موافقتهم. وأقام العادل بالقاهرة على أتابكية الملك المنصور، وحلف له الأمراء على مساعدته، ليقوم بأتابكية المنصور إلى أن يتأهل للاستقلال بالقيام بأمور المملكة، فلم يستمر ذلك، فانتقض الأمر في الحادي والعشرين من شوال، وذلك أن الملك العادل احضر جماعة من الأمراء وقال لهم: إنه قبيح بي أن أكون أتابك صبي، مع الشيخوخة والتقدم، والملك ليس هو بالارث، وإنما هو لمن غلب، وأنه كان يجب أن أكون بعد أخي الملك الناصر صلاح الدين، غير أني تركت ذلك إكراماً لأخي، ورعاية لحقه، فلما كان من الاختلاف ما قد علمتم خفت أن يخرج الملك عن يدي ويد أولاد أخي، فسست الأمر إلى آخره، فما رأيت الحال ينصلح إلا بقيامي فيه، ونهوضي بأعبائه، فلما ملكت هذه البلاد، وطنت نفسي على أتابكية هذا الصبي، حتى يبلغ أشده، فرأيت العصبيات باقية، والفتن غير زائلة، فلم آمن أن يطرأ على ما طرأ على الملك الأفضل، ولا آمن أن يجتمع جماعة ويطلبون إقامة إنسان آخر، وما يعلم ما يكون عاقبة ذلك، والرأي أن يمضي هذا الصبي إلى الكتاب، وأقيم له من يؤدبه ويعلمه، فإذا تأهل وبلغ أشده نظرت في أمره، وقمت بمصالحه. هذا والأسدية كلهم مع العادل على هذا الرأي، فلم يجد من عداهم بداً من موافقته، فحلفوا له، وخلعوا المنصور في يوم الخميس، وخطب للعادل من الغد يوم الجمعة حادي عشرى شوال، فكانت سلطنة المنصور سنة واحدة وثمانية أشهر وعشرين يوماً.

.السلطان سيف الدين أبو بكر بن أيوب:

السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب ولما حلف له الأمراء استولى على سلطنة مصر في حادي عشرى شوال، وخطب له بديار مصر وأرض الشام وحران والرها وميافارقن، واستحلف النلس بهذه البلاد، وضربت السكة باسمه واستدعى العادل ابنه الملك الكامل ناصر الدين محمداً، فحضر إلى القاهرة في يوم الخميس لثمان بقين من رمضان، ونصبه نائباً عنه بديار مصر، وجعل الأعمال الشرقية إقطاعه كما كانت إقطاعاً للعادل في أيام السلطان صلاح الدين، وجعله ولي عهده، وحلف له الأمراء.
وفيها أقيمت الخطبة للعادل بحماة وحلب، وضربت السكة باسمه.
وفيها توقفت زيادة النيل، فلم يجر إلا ثلاثة عشر ذراعاً تنقص ثلاثة أصابع، وشرق معظم أرض مصر فارتفعت الأسعار.
وفيها استناب العادل بدمشق ابنه الملك المعظم شرف الدين عيسى واستناب ببلاد الشرق ابنه الملك الفائز، وأقر بحلب ابن أخيه الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، وبحماة الملك المنصور بن تقي الدين عمر.
وفيها أخرج الملك العادل ابن ابن أخيه الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان بن صلاح الدين من مصر، ومعه إخوته وأخواته ووالدته فساروا إلى الشام، ثم سيرهم إلى الرها، فهربوا منها إلى حلب وبقي الملك المنصور. بمدينة الرها، حتى مات سنة عشرين وستمائة، وكان قد أصبح أميراً عند الظاهر صاحب حلب.

.ومات في هذه السنة:

إبراهيم بن منصور بن المسلم أبو إسحاق المعروف بالعراقي، خطيب الجامع العتيق بمصر، في حادي عشرى جمادى الأولى، عن ست وثمانين سنة.
ومات القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي الحسن بن الحسن بن أحمد بن الفرج ابن أحمد اللخمي، العسقلاني مولداً، البيساني، أبو علي محيى الدين، فى سابع ربيع الآخر.
ومات الأثير ذو الرياستين أبو الطاهر محمد بن ذي الرياستين أبي الفضل محمد بن محمد بن بنان الأنباري في ليلة الثالث من ربيع الآخر، ومولده بالقاهرة سنة سبع وخمسمائة.
وفي هذه السنة: ولد بالقاهرة مولود له جسد واحد، ورأس فيه وجهان، فى كل وجه عينان وأذنان وأنف وحاجب.
وولد أيضاً بها مولود له غرة كغرة الفرس، ويداه ورجلاه محجلتان، وأليته ملمعة.
وولد بها أيضاً مولود أشيب الرأس ونعجة لها أربع أيادي، وأربع أرجل. ووجد في بطن نعجة ذبحت خروف صدره ووجهه صورة إنسان، وله أظافير الآدمي.

.سنة سبع وتسعين وخمسمائة:

فيها قبض الملك العادل على أولاد أخيه صلاح الدين وهما الملك المؤيد مسعود والملك المعز إسحاق، وسجنهما فى دار بهاء الدين قراقوش بالقاهرة، وتسلم الأمير فخر الدين جهاركس بانياس من الأمير حسام الدين بشارة بعد حصار وقتال.
وفيها حدثت الوحشة بين الملك العادل وبن الصلاحية من أجل أنه خلع المنصور ابن العزيز، وكتب الأمر فارس الدين ميمون القصرى من نابلس إلى العادل بإنكار خلع المنصور، فأجابه العادل جواباً خشناً، وتكررت المكاتبة بينهما غير مرة، فكتب ميمون إلى الصلاحية يغريهم بالعادل، فلم يجد فيهم نهضة للقيام، وفي أثناء ذلك حدثت وحشة بين الظاهر صاحب حلب وبين عمه العادل، وسير إليه وزيره علم الدين قيصر ونظام الدين، فمنعهما العادل أن يعبرا إلى القاهر، وأمرهما أن يقيما ببلبيس، ويحملا قاضي بلبيس ما معهما من الرسالة، فعادا مغضبين، واجتمعا. بميمون القصرى فى نابلس، ومازالا به حتى مال إلى الفضل وإلى أخيه الظاهر، فلما وصلا إلى حلب شق على الظاهر ما كان من عمه، وكاتب الصلاحية ورغبهم، وكاتب ميمون القصرى، وشرع الأفضل أيضاً فى مكاتبتهم وهو بصرخد، وانضوى إلى الأفضل الأمير عز الدين أسامة صاحب عجلون وكوكب، وصلت له، فبلغ ذلك العادل فتيقظ لنفسه، وكتب إلى ابنه المعظم صاحب دمشق. بمحاصرة الأفضل فى صرخد، فجمع وخرج من دمشق، فاستخلف الأفضل على صرخد أخاه الملك الظافر خضر، وسار إلى أخيه الظاهر بحلب فى عاشر جمادى الأولى، فنزل المعظم على بصرى، وكاتب فخر الدين جهاركس وميمون القصرى، يأمرهما بالمسير إليه لحصار صرخد، فلم يجيبا، وجمعا من يوافقهما، وصارا إلى الظافر بصرخد. وكتبوا إلى الظاهر بحلب يحثونه على الحركة وأخذ دمشق، فوافته الكتب وعنده الأفضل، فجمع الناس وعزم على المسير، ثم سار الظاهر، فلم يوافقه المنصور صاحب حماة، فحاصره مدة، ثم رحل عنه بغير طائل، فنازل دمشق ومعه الأفضل، وأتته الصلاحية هناك، فخرج العادل من القاهرة بعساكره، واستخلف على القاهرة ابنه الملك الكامل محمداً، وسار حتى نازل نابلس.
وقدم العادل طائفة من العسكر، فساروا إلى دمشق، واستولوا عليها قبل نزول الأفضل والظاهر عليها، فقدما بعد ذلك، وضايقا دمشق فى رابع عشر ذي القعدة، واشتد القتال حتى كادا يأخذان البلد، فوقع بينهما الاختلاف. بمكيدة دبرها العادل، ففترت الهمة عن القتال، وذلك أن العادل كتب إلى كل من الأفضل وإلى الظاهر سراً، بأن: أخاك لا يريد دمشق إلا لنفسه، وقد اتفق معه العسكر فى الباطن على ذلك فانفعلا لهذا الخبر، وطلب كل منها من الآخر أن تكون دمشق له فامتنع، فبعث العادل فى السر إلى الأفضل يعده بالبلاد التي عينت له بالشرق، وهى رأس عين والخابور وميافارقن، وغير ذلك، وبذل له مع ذلك مالاً من مصر فى كل سنة بمبلغ خمسين ألف دينار، فانخدع الأفضل وقال للأمراء الصلاحية ومن قدم إليه من الأجناد: لا إن كنتم جئتم إذ فقد أذنت لكم فى العود إلى الملك العادل، وإن كنتم جئتم إلى أخي فأنتم به أخبر. وكانوا يحبون الفضل من أجل أنه لين العريكة، فقالوا كلهم: لا نريد سواك، والعادل أحب إلينا من أخيك. فأذن لهم في العود إلى العادل، فسار إليه الأمير فخر الدين جهاركس، والأمير زين الدين قراجا، وعلاء الدين شقير، والحجاف، وسعد الدين بن علم الدين قيصر، فوقع الوهن والتقصير فى القتال بعدما كانوا قد أشفوا على أخذ دمشق وانقضت هذه السنة والأفضل والظاهر على منازلة دمشق.
وفيها تعذرت الأقوات بديار مصر، وتزايدت الأسعار، وعظم الغلاء حتى أكل الناس الميتات، وأكل بعضهم بعضاً، وتبع ذلك فناء عظيم، وابتدأ الغلاء من أول العام، فبلغ كل أردب قمح خمسة دنانير، وتمادى الحال ثلاث سنين متوالية، لا يمد النيل فيها إلا مداً يسيراً، حتى عدمت الأقوات، وخرج من مصر عالم كبير بأهليهم وأولادهم إلى الشام، فماتوا في الطرقات جوعاً. وشنع الموت في الأغنياء والفقراء، فبلغ من كفنه العادل من الأموات- في مدة يسيرة- نحواً من مائتي ألف إنسان وعشرين ألف إنسان، وأكلت الكلاب بأسرها، وأكل من الأطفال خلق كثير، فكان الصغير يشويه أبواه ويأكلانه بعد موته، وصار هذا الفعل لكثرته بحيث لا ينكر، ثم صار الناس يحتال بعضهم على بعض، ويؤخذ من قدر عليه فيؤكل، وإذا غلب القوي ضعيفاً ذبحه وأكله، وفقد كثير من الأطباء لكثرة من كان يستدعيهم إلى المرضى، فإذا صار الطبيب إلى داره ذبحه وأكله، واتفق أن شخصاً استدعى طبيباً، فخافه الطبيب وسار معه على تخوف، فصار ذلك الشخص يكثر فى طريقه من ذكر الله تعالى، ولا يكاد يمر بفقير إلا ويتصدق عليه، حتى وصلا إلى الدار، فإذا هي خربة. فارتاب الطبيب مما رأى، وبينا هو يريد الدخول اليها إذ خرج رجل من الخربة، وقال للشخص الذي قد أحضر الطيب: مع هذا البطء جئت لنا بصيد واحدة. فارتاع الطبيب، وفر على وجهه هارباً. فلولا عناية الله به، وسرعة عدوه، لقبض عليه، وخلت مدينة القاهرة ومصر أكثر أهلها، وصار من يموت لا يجد من يواريه، فيصير عدة أشهر حتى يؤكل أو يبلى، واتفق أن النيل توقف عن الزيادة في سنة ست وتسعين، فخاف الناس، وقدم إلى القاهرة ومصر من أهل القرى خلق كثير، فلما حلت الشمس برج الحمل تحرك هواء أعقبه وباء، وكثر الجوع، وعدم القوت حتى أكلت صغار بنى آدم، فكان الأب يأكل ابنه مشوياً ومطبوخاً، وكذلك الأم، وظفر الحاكم منهم بجماعة، فعاقبوهم حتى أعياهم ذلك، وفشا الأمر: فكانت المرأة توجد وقد خبأت في عبها كتف الصغير أو فخذه، وكذلك الرجل، وكان بعضهم يدخل بيت جاره فيجد القدر على النار، فينتظرها حتى تنزل ليأكل منها، فإذا فيها لحم الأطفال، وأكثر ما كان يوجد ذلك فى أكابر البيوت، ويوجد النساء والرجال في الأسواق والطرقات، ومعهم لحوم الأطفال، واحرق في أقل من شهرين ثلاثون امرأة وجد معهن لحوم الأطفال، لم فشا ذلك حتى اتخذه الناس غذاء وعشاء وألفوه، وقل منعهم منه، فإنهم لم يجدوا شيئاً من القوت، لا الحبوب ولا الخضروات.
فلما كان قبل أيام زيادة النيل- فى سنة ست وتسعين هذه- احترق الماء في برمودة، حتى صار فيما بين المقياس والجيزة بغير ماء، وتغير طعم الماء وريحه، وكان القاع ذراعين، وأخذ يزيد زيادة ضعيفة إلى سادس عشر مسرى، فزاد، إصبعاً، ثم وقف، ثم زاد زيادة قوية أكثرها ذراع حتى بلغ خمسة عشر ذراعاً وستة عشرة إصبعاً، ثم انحط من يومه فلم ينتفع به، وكان الناس قد فنوا بحيث بقي من أهل القرية الذين كانوا خمسمائة نفر إما نفران أو ثلاثة، فلم تجد الجسور من يقوم بها، ولا القرى من يعمل مصالحها، وعدمت الأبقار بحيث بيع الرأس بسبعين ديناراً، والهزيل بستين ديناراً. وجافت الطرقات بمصر والقاهرة وقراهما، ثم أكلت الدودة ما زرع، فلم يوجد من التقاوى ولا من العقر ما يمكن به رده.
ودخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة: والناس تأكل الأطفال، وقد صار أكلهم طبعاً وعادة، وضجر الحكام من تأديبهم، وأبيع القمح- إن وجد- بثمانية دنانير الأردب، والشعير والفول بستة دنانير، وعدم الدجاج من أرض مصر، فجلبه رجل من الشام، وباع كل فروج بمائة درهم، وكل بيضتين بدرهم. هذا وجميع الأفران إنما تقد بأخشاب المساكن، حتى دخلت سنة ثمان وتسعين، وكان كثير من المساتير يخرجون ليلاً، ويأخذون أخشاب الدور الخالية، ويبيعونها نهاراً، وكانت أزقة القاهرة ومصر لا يوجد بها إلا مساكن قليلة، ولم يبق بمصر عامر إلا شط النيل، وكانت أهل القرى تخرج للحرث فيموت الرجل وهو ماسك المحراث.
وفى هذه السنة: قدم غلام سنه نحو عشر سنين- من عرب الحوف بالشرقية- إلى القاهرة، أسمر حلو السمرة، على بطنه خطوط بيض ناصعة البياض، متساوية القسمة من أعلاه إلى أسفله، كأحسن ما يكون من الخطوط.
وفيها مات الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي، فى غرة شهر رجب بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم.