فصل: سنة ست عشرة وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ست عشرة وثمانمائة:

أهلت هذه السنة، وسلطان مصر والحرمين الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي، والخليفة المستعين بالله، ممنوع من التصرف، موكل به، وأتابك العسكر الأمير يلبغا الناصري. والدوادار الكبير الأمير طوغان الحسني. وأمير أخور الأمير قنباي المحمدي. وكاتب السر ناصر الدين محمد بن البارزي الحموي، وقضاة القضاة على ما كانوا عليه في السنة التي قبلها، ما عدا الحنفي، فإنه قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الدمشقي. والمباشرون على ما كانوا عليه، ما عدا الأستادار، فإنه الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسي، وحاجب الحجاب الأمير أينال الصصلاني، ووالي القاهرة الأمير تاج الدين تاج بن سيفا الشويكي، ونائب الإسكندرية الأمير غرس الدين خليل الجشاري، ونائب غزة الأمير ألطنبغا العثماني، والشام كله بيد الأمير نوروز الحافظي، وهو يدعو على المنابر بها لأمير المؤمنين المستعين بالله، ويضرب السكة باسمه، ويفتتح كتبه التي يبعثها إلى البلاد ومراسيمه التي تصدر عنه، بالإمامي المستعيني. ما خلا حلب، فإنها بيد السلطان، ونائبه بها الأمير دمرداش المحمدي.
شهر الله المحرم أوله الأحد:
يوافقه اليوم الثالث من نيسان، واليوم الخامس من برمودة: وسعر الذهب بالقاهرة، ما كان من الهرجة فبمائتين وخمسين درهماً كل مثقال، وما كان من الإفرتني فكل دينار بمائتين وثلاثين درهماً، وما كان من الناصري فبمائتين وعشرة دراهم الدينار، والقمح من مائة وثمانين الأردب إلى ما دونها، وبلغ الكتان كل رطل إلى ثلاثين درهماً. وهذا شيء لم نعهده قط بمصر، فغلا لغلائه جميع أصناف الثياب، حتى أبيع الثوب القطن البعلبكي بعشرين مثقالاً.
وفي رابع عشره: نقل فتح الله محمولاً من بيت ابن أبي شاكر، ولعجزه عن الحركة، وسلم إلى الأمير تاج الدين والي القاهرة، فأنزله بدار أقام بها وحيداً فريداً، يقاسي ألم العقوبة، ويترقب الموت، وخرج من القاهرة جماعة لضبط ما يصل من أصناف المتجر، صحبة الحاج، فساروا إلى عقبة أيلة، ففر كثير من التجار، وتوجهوا نحو الشام، ففات أهل الدولة منهم مال كبير.
وفي عشرينه: سافر الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش من القاهرة يريد أخذ دمشق.
وفي رابع عشرينه: قدم الأمير بيبغا المظفري بالمحمل وبقية الحاج.
وقدم الخبر بمفارقة الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش لدمشق، وقدومه إلى صفد منتمياً إلى السلطان، فسر بذلك، ودقت البشائر بقلعة الجبل، واشتد الأمر على صدر الدين أحمد بن العجمي في حمل ما ألزم به، وهو خمسمائة دينار، وقد تأخرت عليه من ألف دينار، فباع موجوده، وأورد نحو ثلاثمائة دينار.
وفي هذا الشهر: تزايد الطاعون في الناس بالقاهرة ومصر، وكان ابتداؤه من أخريات ذي الحجة الحرم، وهب يوم النحر ريح في غاية الشدة من ناحية الجنوب، واستمرت أياماً، ففشا الطاعون والحميات الحادة المحرقة في الناس، لاسيما الأطفال والشباب.
وأهلت السنة، ويموت في كل يوم ممن يرد الديوان ما بين العشرين إلى الثلاثين، والوقت ربيع. وقد صار حاراً يابساً، ورياحه كلها جنوبية، وحره خارج عن المعتاد، فكثر الوباء، وناف عدة من يرد الديوان على المائة.
وفي سلخه: أفرج عن صدر الدين بن العجمي، وخلع عليه، وقرر في نظر المواريث، وأفردت عن الوزير، وألزم أن يحمل ما يتحصل من ذلك إلى خزانة السلطان.
وفي هذا الشهر: ثار بالسلطان وجع المفاصل.
شهر صفر، أوله الاثنين: أهل والوباء يتزايد، ثم تناقص من نصفه. وذلك أن الشمس لما نقلت إلى برج الثور رطب الحر المحرق، واستمر الوقت رطباً مدة عشرين يوماً، ثم انقلب الزمان في آخر برج الثور إلى حر مفرط، وعوم محرقة، فتزايدت الأمراض، حتى تجاوز عدد من يرد الديوان من الأموات مائة وعشرين، فعز وجود البطيخ الصيفي من كثرة ما يطلب للمرضى، حتى بيعت نصف بطيخة بخمسمائة درهم، عنها مثقالان من الذهب، وعز أيضاً وجود الماء وأقبل الناس في أخذ جمال السقائين، فبلغت الراوية خمسة عشر درهماً، وأبيعت خمس بطيخات بألفي درهم، عنها ثمانية مثاقيل ذهباً.
وفي تاسعه: سار الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش من غزة، وقد وصل إليها يريد صفد، ومعه أخوه تغري بردى نائب حماة، وقد بعث إليه السلطان بولايتها، وخرج الأمير ألطنبغا العثماني في أثرهما من الغد، لمساعدتهما، فبلغهم عود الأمير نوروز من حلب إلى دمشق، فأقاموا على الرملة.
وفي ثامن عشرينه: قدم أقبغا الأسندمري بجواب الأمير دمرداش ونواب القلاع بطاعتهم، وصحبته قاصد عثمان بن طر علي وغيره من أمراء التركمان، ودمرداش، والفضة المضروبة بالصكة المؤيدية.
شهر ربيع الأول، أوله الثلاثاء، ثم استقر الأربعاء: وفي ثانيه: منع خدم فتح الله من الدخول إليه، فأقام إلى ليلة الأحد سادسه، فخنق وأخرج به من الغد، فدفن بتربته خارج باب المحروق. ولم يشيع جنازته أحد من الناس. وفيه وقع حريق في الدور بقلعة الجبل عظم أمره، واستمر إلى يوم الأربعاء تاسعه، وهم في إطفائه فاحترق فيه رجل ومات.
وفي سابعه: سمر الأمير فارس المحمودي، ثم وسط تحت القلعة، وهو أحد أمراء الطبلخاناه من الأيام الناصرية، وسبب ذلك أنه وشي للأمير طوغان الدوادار، وللأمير شاهين الأفرم بأن السلطان الملك المؤيد عزم على قبضهما، فاجتمعا بالسلطان وأعلماه بذلك، فقبض عليه وقتله.
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة: في أوله حمل الأمير قصروه إلى ثغر الإسكندرية، فسجن بها.
وفي ثامن عشره: خلع على شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد المغربي المالكي الأموي قاضي دمشق، واستقر في قضاء القضاة بديار مصر، وعزل شمس الدين محمد ابن المدني.
وأما أخبار الشام، فإن الأمير نوروز كتب في خامس عشرين المحرم كتاباً إلى السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ جرى فيه على عادته من مخاطبته بمولانا، وافتتحه بالإمامي المستعيني. ولم يخاطبه فيه كما يخاطب السلطان، فكان يتضمن العتب على ولايته الأمير دمرداش حلب، وابن أخيه الأمير تغري بردى حماة، وبن أخيه الآخر الأمير قرقماش طرابلسي وتقديمهم عليه، وقد تقدمت بينهما عهود، فإن كان القصد أن يستمر على الأخوة، ويقيم على العهد فلا يتعرض إلى ما هو بيده، وينقل دمرداش من نيابة حلب إلى نيابة طرابلس، ويستقر قرقماش أميراً بمصر. ثم خرج من دمشق يريد محاربة دمرداش، حتى نزل حماة في تاسع صفر.
فلما بلغ ذلك الأمير دمرداش، خرج من حلب في حادي عشره، ومعه الأمير بردبك أتابك حلب، والأمير شاهين الأيدكاري الحاجب، والأمير أردبغا الرشيدي، والأمير جربغا، وبقية العسكر. ونزل العمق، فحضر إليه الأمير كردي بن كندر، وأخوه الأمير عمر، وأولاد أوزر، ودخل الأمير نوروز إلى حلب في ثالث عشره، بعدما تلقاه الأمير أقبغا جركس نائب القلعة بالمفتاح، فولى الأمير طوخ نيابة حلب، والأمير يشبك السامي نيابة قلعتها، وعمر بن الهيذباني حاجب الحجاب، والأمير قمش نيابة طرابلس. ثم خرج منها في تاسع عشره، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر يريد دمشق، فقدمها في سادس عشرينه. وسار الأمير دمرداش بمن معه إلى حلب فنزل على بانقوسا في هذا اليوم، فقاتله النوروزية قتالاً شديداً إلى ليلة ثامن عشرينه، قدم عليه الخبر بأن العجل بن نعير قد أقبل لمحاربته نصرة للأمير نوروز، فلم يثبت لعجزه عنه، ورحل من ليلته إلى العمق، ثم سار إلى أعزاز، فأقام بها.
فلما كان عاشر ربيع الأول: بعث طوخ نائب حلب عسكراً إلى سرمين، وبها آق بلاط- دوادار الأمير دمرداش- فكبسوه، فثار عليهم، هو وشاهين الأيدكاري، ومن معهما من التراكمين، وقاتلوهم، وأسروا منهم كثيراً، بعثوا بهم إلى دمرداش، فسجن أعيانهم في قلعة بغراص، وجدع أنافي أكثرهم، وأطلقهم عراة، وقتل بعضهم. فعندما بلغ طوخ الخبر ركب من حلب، ومعه قمش إلى تل السلطان، وقد نزل عليه العجل بن نعير، وسألاه أن يسير معهما لحرب دمرداش، فأنعم بذلك، وتأخر قليلاً. فبلغهما أنه قد اتفق مع دمرداش على مسكهما فاستعدا له، وترقباه حتى ركب إليهما في نفر قليل، ونزل عندهما ودعاهما إلى ضيافته، وألح عليهما في ذلك. فثار به، ومعهما جماعة من أصحابهما، فقتلوه بسيوفهم، في رابع عشرين ربيع الأول ورحلا من فورهما عائدين إلى حلب، وكتبا بالخبر إلى نوروز، وطلبا منه النجدة، فإن حسين ابن نعير جمع العرب، ونزل على دمرداش، وسار به إلى حلب، وحصرها، فصعد طوخ وقمش إلى القلعة، واشتد القتال بينهم، فانهزم دمرداش.
واتفق في ربيع الأول أيضاً أن شخصاً يسمى عثمان بن أحمد بن عثمان بن محمود ابن محمد بن علي بن فضل بن ربيعة، يعرف بابن ثقالة، من فقهاء دمشق، قدم إلى أرض عجلون، وادعى في أوله أنه السفياني، وظهر بقرية الجيدور وحلف أهل البلاد وأقطع الإقطاعات، وأمر عدة من الناس، وقال: أنا السلطان الملك الأعظم السفياني، فاجتمع عليه خلق كثير، من عرب وترك وعشير، بألوية خضر إلى وادي البايس من جبل عوف بمعاملة عجلون، وبث قصاده بكتبه، ووقع عليها تحت البسملة السمياني، ونصها: إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية، الملكية، الإمامية، الأعظمية، الربانية، المحمدية، السفيانية، أعلاها الله تعالى وشرفها، وأنفذها في الآفاق، وصرفها ويحضروا بخيلهم ورجالهم وعددهم، مهاجرين إلى الله ورسوله، ومجاهدين في سبيل الله تعالى، ومقاتلين، لتكون كلمة الله هي العليا، والاعتماد على العلامة الشريفة أعلاه أعلاها الله تعالى.
ثم دخل عجلون في تاسعه، بعسكر كبير، فيه سلاح دارية، وطبر دارية، فاقطع الاقطاعات، وكتب على القصص، يكتب كما يكتب السلطان، فقبل الناس الأرض بين يديه في ساعة واحدة، وهم زيادة على خمسمائة رجل، في وقت واحد معاً، وحطب له على منبر عجلون، فقيل السلطان الملك الأعظم السفياني، ونادي ببلاد عجلون أن مغل هذه السنة يسامح به الناس فلا يؤخذ منهم منه، وفيما بعدها يؤخذ منهم العشر فقط، ويترك أخذ الخراج وأخذ المكس، فإن حكم الترك قد بطل، ولم يبق إلا حكم أولاد الناس.
فثار عند ذلك غانم الغزاوي به، وجهز إليه طائفة طرقوه وهو بالجامع وقاتلوه، وقبضوا عليه، وعلى ثلاثة من أصحابه، بعدما ركب وقاتلهم، فاعتقل الأربعة بقلعة عجلون. وكتب بالخبر إلى السلطان، فنقله إلى قلعه صفد، واعتقله بها.
ثم إن الأمير نوروز سار من دمشق يريد غزة، ففر منها قرقماس ابن أخي دمرداش بمن معه، ونزل على الصالحية بطرف الرمل، وعاد نوروز من غزة إلى دمشق، فقدمها في ثامن عشر شهر ربيع الآخر هذا.
شهر جمادى الأولى، أوله الأحد: في يوم الأربعاء رابعه: أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، فركب السلطان، وعدى النيل حتى خلق المقياس بين يديه، وفتح الخليج على عادة من تقدمه من الملوك فكان ذلك تاسع مسرى، فقال الأديب تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي- أحد ندماء السلطان- يخاطبه:
أيا ملكاً بالله أضحى مؤيداً ** ومنتصباً في ملكه نصب تمييز

كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضي ** وحقك بعد الكسر أيام نوروز

وفي يوم الخميس خامسه: قبض السلطان على تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر ناظر الخاص، واعتقله بقلعة الجبل، وأحاط بعامة أسبابه وحاشيته، وقبض أيضاً على الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن بركة البشيري، وخلع علي تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم، واستقر به في الوزارة، فعاد إلى زي الكتاب، كما كان قبل أن يلي الأستادارية. وتسلم ابن البشيري، ونزل به إلى داره.
وفي يوم السبت ثامنه: خلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الجيش، واستقر في نظر الخاص، عوضاً عن ابن أبي شاكر، وخلع على علم الدين داود ابن الكويز، واستقر في نظر الجيش، عوضاً عن ابن نصر الله.
وفي حادي عشره: ضرب شمس الدين محمد ابن الحاج عمر بن شعبان، محتسب القاهرة بين يدي السلطان بالإسطبل أكثر من ثلاثمائة ضربة بالعصي، وكتب عليه إشهاد، وحلف أنه لا يسعى في وظيفة الحسبة.
وفي يوم الخميس المبارك ثاني عشره: خلع على قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الحنفي، وأضيف إليه حسبة القاهرة، عوضاً عن ابن شعبان، ولم نعهد قبله الحسبة أضيفت إلى قاضي القضاة.
وفيه خلع الأمير جانباك الصوفي، واستقر رأس نوبة النوب، عوضاً عن الأمير سودن الأشقر، وكان جانباك قد قدم من غزة هو وألطنبغا العثماني وتغري بردى، قرقماس ابنا أخي دمرداش، فأقام الخوان على قطيا، ودخل جانباك والعثماني إلى القاهرة قبل يومه. وفيه خلع على الأمير سودن الأشقر، واستقر أمير مجلس.
وفي سادس عشره: أشيع بالقاهرة أن الأمير طوغان الدوادار استعد للركوب على السلطان، وقد اتفق معه جماعة من الأمراء والمماليك، فلما كان الليل انتظر أن يأتيه أحد من أصحابه، فلم يأته، حتى قرب الفجر، فرأى مملوكين، وأصبح الناس يوم الثلاثاء سابع عشره يتوقعون الحرب، والأسواق مغلقة، فنادى السلطان بالأمان، وأن من أحضر طوغان فله ما عليه، مع خبز في الحلقة. ولم يحرك ساكن إلى ليلة الجمعة عشرينه، ووجد طوغان قد اختفي بمدينة مصر، فأخذ وحمل إلى القلعة، وأرسل إلى الإسكندرية مع الأمير طوغان المؤيدي أمير أخور، فسجن بها.
وفي يوم السبت حادي عشرينه: قبض على الأمير سودن الأشقر أمير مجلس والأمير كمشبغا العيساوي أمير شكار، وتوجه بهما الأمير برسباي، فسجنهما بالإسكندرية.
وفي ثاني عشرينه: وسط أربعة أحدهم مغلباي نائب القدس من جهة نوروز وكان الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش قد قبض عليه، وبعثه إلى السلطان واثنان من مماليك السلطان، وآخر من أصحاب طوغان الدوادار.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه: أنعم بإقطاع طوغان الدوادار على الأمير أينال الصصلاني، وبإقطاع الأمير سودن الأشقر على الأمير تنباك البجاسي نائب الكرك، وخلع على الصصلاني، واستقر أمير مجلس، عوضاً عن سودن الأشقر، وخلع على الأمير قجق، واستقر حاجب، عوضاً على الصصلاني، وخلع على الأمير شاهين الأفرم خلعة الرضى، لأنه اتهم بممالأة طوغان.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الأمير جانباك، أحد المماليك المؤيدية، والدوادار الثاني من أمراء الطبلخاناة، واستقر دواداراً كبيراً، عوضاً عن طوغان. وخلع على الأمير شرباش كباشة، واستقر أمير جاندار.
وفي يوم الاثنين سلخه: خلع على الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج كاشف الشرقية والغربية، واستقر أستاداراً، وعزل الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين، وخلع على الأمير بدر الدين، واستقر مشير الدولة. ولم يكن في جمادى الآخرة كثير شيء تجدد.
شهر رجب، أوله الجمعة: في سادسه: قدم من دمشق الأمير جار قطلو أتابكها، فاراً من نوروز، فخلع عليه.
وفي ثامنه: أعرس الأمير صارم الدين إبراهيم ابن السلطان بابنة الملك الناصر خوند التي كانت تحت الأمير بكتمر جلق، وعمل مهم حسن.
وفي ثاني عشره: قدم الأمير ألطنبغا القرمشي نائب صفد باستدعاء، وقد استقر عوضه في نيابة صفد الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، وعزل عن نيابة الشام من أجل أنه لم يتمكن منها. وصار يتردد من حين خرج من القاهرة فيما بين غزة والرملة واستقر أخوه تغري بردى في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير ألطنبغا العثماني.
وفي خامس عشره: خرج الأمير نوروز من دمشق يريد صفد، فنزل من الغد على القنيطرة، قريباً من طبرية وكان قرقماس ابن أخي دمرداش قد قدم إلى صفد، فلما بلغه ذلك قصد أن يسكن قلعتها بمماليكه، وينزل فيها معه أخاه تغري بردى، فلم يتمكن من ذلك فجرد، وركب من يوم الجمعة خامس عشره، وعاد إلى الرملة. وبعث الأمير نورز أينال دواداره إلى بيسان لجمع العشير.
وفي تاسع عشره: قدم الأمير بيسق الشيخي من بلاد الروم، وكان الملك الناصر أخرجه إليها. وفيه أيضاً خلع علي تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، واستقر أستادار الذخيرة والأملاك، كما كان بعد جمال الدين الأستادار قبل أن يلي نظر الخاص. وذلك بعدما عصر وضرب، وأخذ منه نحو خمسين ألف دينار.
وفي عشرينه: خلع على الأمير منكلي بغا العجمي، أحد دوادارية الملك الظاهر برقوق الصغار، واستقر حاجباً ومحتسب القاهرة، عوضاً عن قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي. ولم يعهد قبل ذلك تركياً تولى الحسبة.
وفي هذا الشهر: انتهت زيادة النيل إلى خمسة عشره إصبعا وعشرين ذراعاً.
وفيه فشت الأمراض في الناس من حميات، ونزلات، وسعال. فعز السكر النبات والرمان، حتى بلغا أربعة أمثال سعرهما، وكانت أمراض سليمة، لم يكن معها موتان وقدم الخبر أنه كان ببلاد الروم فناء عظيم، وأنه امتد إلى حلب وحماة، وفشت الأمراض بدمشق، كما فشت بأرض مصر.
شهر شعبان، أوله الأحد: في سابع عشره: عزل صدر الدين أحمد بن العجمي من نظر المواريث، وتحدث فيها الطواشي زين الدين مرجان الهندي خازندار السلطان.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأنزله. وذلك أن الأمير نوروز لما توجه من دمشق يريد صفد، وبعث يجمع الرجال، لم يثبت الأخوان تغري بردى وقرقماس، فسارا إلى مصر، وقدم قرقماس إلى مصر، وأقام أخوه تغري بردى على قطيا، وهذه كانت عادتهما في الأيام الناصرية، أنهما لا يجتمعان عنده قط حذراً من القبض عليهما، وإنما إذا اضطر أحدهما وحصر إليه، كان الآخر نائباً عنه.
شهر رمضان، أوله السبت: فيه قدم الأمير دمرداش المحمدي، فأجل السلطان مقدمه، وخلع عليه خلعة جليلة إلى الغاية، ونزل إلى داره، وكان من خبره أنه لما انهزم على حلب- كما تقدم ذكره- اجتمع إلى أصحابه وقد تحير في أمره، بين أن ينتمي إلى الأمير نوروز ويصير معه على رأيه- وكان نوروز قد بعث إليه بألف دينار، ودعاه إليه- وبين أن يقدم على السلطان، فأشار عليه جل أصحابه بالانتماء إلى نوروز، فلم يوافقهم، وركب البحر حتى نزل دمياط، واستأذن في القدوم، فأذن له السلطان.
وفي سادسه: خلع على صدر الدين أحمد بن العجمي، واستقر في مشيخة التربة التي أنشأها الملك الناصر فرج على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق، خارج باب النصر، وعزل عنها زين الدين حاجي. وفيه كتب بنقل الأميرين سودن الأشقر، وكمشبغا العيساوي من سجن الإسكندرية إلى دمياط.
وفي سابعه: بعث السلطان الأمير سودن القاضي والأمير قجقار القردمي، والأمير أقبردي رأس نوبة، والأمير يشبك شاد الشرابخاناه إلى الشرقية، وأظهر أنهم خرجوا لكبس المفسدين من العربان. وأسر إليهم أن يقبضوا على الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش- المعروف بسيدي صغير- وكان نازلاً على الصالحية، فساروا.
وفي ليلة السبت ثامنه: استدعى السلطان الأمراء للفطر عنده، ومد لهم سماطاً يليق بهم، فأكلوا معه، وتباسطوا فلما رفع السماط، قبض على الأمير دمرداش المحمدي وعلى ابن أخيه الأمير قرقماس، وقيدهما، وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية، فاعتقلا بها.
وفي يوم الاثنين عاشره: قدم الأمراء ومعهم الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش، مقيداً فسجن بقلعة الجبل، ثم قتل في آخر شوال، وأراح الله بالقبض على هؤلاء الثلاثة فتناً كثيرة، وأراح منهم العباد والبلاد، فإنهم كانوا قد أكثروا في الأرض الفساد، من لإقامة الفتن وإثارة الشرور.
وفي هذا اليوم أيضاً: خلع على قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي، وأعيد إلى قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، عوضاً عن صدر الدين علي بن الآدمي، بعد موته.
وفي ثالث عشره: خلع على الأمير قنباي المحمدي أمير أخور كبير، واستقر في نيابة الشام، ونزل من باب السلسلة في يومه، فسكن بداره، وخلع أيضاً على الأمير أينال الصصلاني أمير مجلس، واستقر في نيابة حلب، وخلع أيضاً على الأمير سودن قراصقل، واستقر في نيابة غزة. وخلع على الأمير ألطنبغا القرمشي، واستقر أمير أخور كبيراً، عوضاً عن الأمير قنباي.
شهر شوال، أوله الاثنين: في ثامنه: خلع على الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين المشير، واستقر في نيابة الإسكندرية، وعزل خليل الجشاوي.
وفي حادي عشرينه: خلع على صدر الدين أحمد بن العجمي، وأعيد إلى نظر المواريث. وتسلم ذلك من الطواشي مرجان.
شهر ذي القعدة، أوله الثلاثاء: في يوم الخميس ثالثه: عدى السلطان النيل، ونزل على أوسيم، فألزم الأمير التاج والي القاهرة النصارى واليهود بحمل ثلاثمائة مروقة حمر، فوزعت على الأسارى المعروفين ببيع الخمر، وعلى بقية النصارى، وعلى طوائف اليهود الثلاث، وجبيت منهم بعنف وعسف وضرب، وأخذ الخمر من النصارى بالمقارع، واحتاج الجميع إلى كلف كثيرة لأعوان الوالي، ولمن حمل الجرار إلى بر الجيزة، حيث أمروا، وطلب أيضا باعة الفواكه وأصحاب البساتين أن يحملوا النرجس ونحوه من المشموم، فجبي ذلك منهم، حتى عز وجود البنفسج بعد ذلك، وأبيع بخمسة وعشرين درهماً الباقة بعد درهم. وأقام السلطان إلى يوم الاثنين حادي عشرينه، وعدى النيل، وصعد إلى قلعة الجبل، فنصب جاليش السفر من يومه، وأخذ في التأهب هو والأمراء.
وفي خامس عشرينه: جلس السلطان لعرض الأجناد المماليك. وفيه توجه الأمير أينال الصصلاني نائب حلب، والأمير سودن قرا صقل نائب غزة، إلى جهة الشام، ونزلا بالريدانية خارج القاهرة.
شهر ذي الحجة أوله الخميس، ثم استقر الأربعاء:
في سادس عشره: توجه الأمير قنباي المحمدي نائب الشام إليها، ونزل بالريدانية. وفيه استدعى السلطان داود بن المتوكل على الله من داره، فحضر بين يديه بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربع، فعندما رآه قام له، وقد ألبسه خلعة سوداء، وأجلسه بجانبه، بينه وبين قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين بن البلقيني، فدعا القضاة، وانصرفوا على أن داود بن المتوكل على الله استقر في الخلافة، ولم يقع خلع الخليفة المستعين بالله تعالى، ولا أقيمت بينه بما يوجب شغور الخلافة عنه، ولا بويع داود هذا، بل خلع عليه فقط، ولقب بأبي الفتح المعتضد بالله أمير المؤمنين. وكانت العادة بديار مصر أن يدعى على منابرها أيام الجمع، وفي الأعياد للخليفة، ويذكر كنيته ولقبه، من حين المستعين بالله في أيام المعتضد غير أن من الخطباء من يقول: اللهم أصلح الخليفة من غير أن يعينه، ومنهم من يقول: اللهم أيد الخلافة العباسية ببقاء مولانا السلطان ومنهم من يقتصر على الدعاء للسلطان. وفيه أنفق السلطان على المماليك مائة دينار ناصري لكل واحد، برسم السفر.
وفي عشرينه: خرج الأمير سودن من عبد الرحمن ونزل بالريدانية، وخرج الأمير سودن القاضي أيضاً. وفيه رحل الأمير قنباي نائب الشام من الريدانية. وفيه خلع على شمس الدين محمد بن التباني قاضي العسكر، واستقر في قضاء القضاة الحنفية بدمشق.
وفي سابع عشرينه: نصب خام السلطان تجاه مسجد تبر، من أجل سفره إلى الشام. وفيه قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بأن الوقفة كانت يوم الجمعة.
وفي ثامن عشرينه: تنكر السلطان على الوزير تاج الدين بن الهيصم، وضربه وبالغ في إهانته، ثم خلع عليه خلعة الرضا.
ذي الحجة: وفي هذا الشهر قدم الأمير فخر الدين بن أبي الفرج من بلاد الصعيد، في ثالث عشرينه، بخيل وجمال وأبقار وأغنام كثيرة جداً، وقد جمع المال من الذهب وحلي النساء مع السلاح والغلال وغير ذلك من العبيد والإماء والحرائر اللاتي، استرقهن. ثم وهب منهن وباع باقيهن. وذلك أنه عمل في بلاد الصعيد كما تعمل رءوس المناسر إذا هم هجموا ليلاً على القرية وتمكنوا بها، فإنه كان ينزل على البلد فينهب جميع ما فيها من غلال وحيوان، وسلب النساء حليهن وكسوتهن، بحيث لا يسير عنها إلى غيرها حتى يتركها أوحش من بطن حمار، فخرب بهذا الفعل بلاد الصعيد تخريباً يخشى من سوء عاقبته، فلما قدم إلى القاهرة شرع في رمي الأصناف المذكورة على الناس من أهل المدينة وسكان الريف بأغلى الأثمان، ويحتاج من ابتلي بشيء من ذلك أن يتكلف لأعوانه من الرسل ونحوهم شيئاً كثيراً، سوى ما عليه من ثمن ما رمى عليه. وفيها ملك برصا الأمير محمد بن عثمان بعد قتل أخيه موسى.
وفيها نزل الأمير محمد بن قرمان على مدينة برصا وحرقها وحصر قلعتها، حتى كاد أن يملكها، فلما بلغه قتل الأمير موسى رحل إلى بلاده.

.ومات في هذه السنة:

ممن له ذكر سوى من تقدم ذكره:
الأمير عمر بن السلطان الملك المؤيد شيخ، في خامس عشرين صفر، وقد تجاوز عشر سنين، فدفن بالقبة التي أنشأها الملك الناصر فرج بن برقوق تجاه قبة أبيه الظاهر برقوق التي على قبره.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن خليل الغراقي- بفتح الغين المعجمة وتشديد الراء المهملة وكسر القاف- الشافعي، رحمه الله، الأربعاء، خامس شهر شعبان، بعدما تصدى بالجامع الأزهر من القاهرة عدة سنين للتدريس في الفقه والفرائض والحساب طول نهاره، وكان بارعاً في ذلك، وكان على طريقة مشكورة.
ومات فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن أحمد البرماوي الشافعي شيخ الإقراء بالمدرسة الظاهرية برقوق، في يوم الاثنين تاسع عشر شعبان فجأة وقد خرج من الحمام. وكان إماماً بارعاً في معرفة القراءات وتوجيهها، عارفاً بالفقه والحديث والعربية، جميل الشام.
ومات قاضي القضاة صدر الدين علي بن أمين الدين محمد بن محمد بن الآدمي الدمشقي الحنفي، في يوم السبت ثامن شهر رمضان، وقد تجاوز الأربعين. وكان أديباً بارع النظم، ونظر في الفقه، ذكياً. ولي قضاء القضاة الحنفية بدمشق والقاهرة، وولي كتابة السر، ونظر الجيش بدمشق، ولم يكن مرضي الديانة.
ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن علاء الدين حجي بن موسى السعدي الحسباني الأصل، الدمشقي المولد والوفاة، في ليله الجمعة سادس المحرم، عن خمس وستين سنة، ولي خطابة جامع بني أمية، ودرس وأفتى، وقدم القاهرة في الرسالة عن الأمير شيخ قبل أن يلي السلطنة، وكان عارفاً بالفقه والحديث والعربية.
ومات قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني الشافعي، في رابع المحرم، ومولده بقرية باعونة من قرى عجلون، في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، تخميناً. ولي قضاء القضاة بدمشق، وخطابة بيت المقدس. ودرس وقال الشعر، وقدم القاهرة.
ومات قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن عثمان الدمشقي، الشافعي، المعروف بابن الأخناي، في نصف شهر رحب، عن نحو ستين سنة. ولي قضاء القاهرة بغزة ودمشق وحلب وديار مصر عدة سنين، وكان قليل العلم.
ومات الأمير مبارك شاه الظاهري في شهر رمضان، ولي كشف الوجه القبلي، ووزارة الديار المصرية، والأستادارية، والحجوبية. وكان تبعاً يخدم الملك الظاهر برقوق وهو جندي، فرقاه لما تأمر ثم لما تسلطن.
ومات قاضي المدينة النبوية زين الدين أبو بكر بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن بن أبي الفخر بن نجم العثماني المراغي، المعروف بابن حسن الشافعي، في سادس عشر ذي الحجة، وقد قارب التسعين. كان من الفقهاء الفضلاء، شرح منهاج النووي، وكتب تاريخاً للمدينة النبوية. وولي قضاءها وخطابتها وإمامتها. وهو من مصر، وسكن المدينة حتى مات.
ومات الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد القرشي النوفلي الغزي الشافعي، المعروف بابن زقاعة- بضم الزاي المعجمة وتشديد القاف وفتح العين المهملة- في ثاني عشرين ذي الحجة، عن اثنتين وسبعين سنة، أخبرني مراراً أن مولده سنة خمس وأربعين وسبعمائة، كان عارفا بعدة فنون من الأعشاب وغيرها، وله نظم كثير وتقدم في الأيام الظاهرية برقوق، واشتمل على عقيدته.
ومات شهاب الدين أحمد المعروف بابن الشنبل- بضم الشين المعجمة، ثم نون ساكنة بعدها باء موحدة مضمومة- الحمصي الشافعي، قدم القاهرة وولي منها قضاء القضاة بدمشق في آخر سنة ست وثمانمائة، ثم عزل بعلاء الدين علي بن أبي البقاء بعد أشهر، وكان عارفاً بالفقه، خفيفاً، طائشاً.