فصل: ومات في هذه السنة من الأعيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثالث وستين وستمائة:

في المحرم توجه الملك الظاهر من قلعة الجبل إلى الصيد فأقام برسيم، ثم صار إلى العباسية ورمي البندق، وادعي له جماعة منهم الأمير فخر الدين عثمان ابن الملك المغيث صاحب الكرك. فورد الخبر بنزول التتر على البيرة، فجهز السلطان من فوره الأمير بدر الدين الخازندار على البريد، ليخرج أربعة آلاف فارس من بلاد الشام.
وركب السلطان من موضعه وساق إلى القلعة، وكانت الخيول على الربيع، فلم يقم بقلعة الجبل بعد عوده من الصيد غير ليلة. وعين الأمير عز الدين إيغان المعروف بسم الموت لتقدمة العساكر، ومعه من الأمراء فخر الدين الحمصي، والأمير بدر الدين بيليك الأيدمري، والأمير علاء الدين كشتغاي الشمسي، وعدة من الأمراء والحلقة تبلغ أربعة آلاف فارس، فخرجوا من القاهرة جرائد في رابع شهر ربيع الأول. ثم عين الأمير جمال الدين المحمدي، والأمير جمال الدين أيدغدي الحاجي، ومعهما أربعة آلاف أخرى، فبرزوا ثاني يوم خروج الأمير عز الدين إيغان إلى ظاهر القاهرة، وساروا في عاشره.
وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر: شرع السلطان في السفر، وخرج بنفسه في خامس شهر ربيع الآخر ومعه عساكر كثيرة، فوقع فناء في الدواب هلك منها عدد كثير، وصارت الأموال مطروحة، والسلطان لا يقصر في المسير. فلما شكي إليه قلة الظهر قال: ما أنا في قيد الجمال، أنا في قيد نصرة الإسلام.
ونزل السلطان غزة في العشرين منه، فورد الخبر بأن العدو نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقا، فكتم ذلك ولم يعلم به سوي الأمير شمس الدين سنقر الرومي والأمير سيف الدين قلاوون فقط.
وكتب السلطان للأمير إيغان: متى لم تدركوا قلعة البيرة وإلا سقت إليها بنفسي جريدة، فساق الأمير إيغان العسكر، ورحل السلطان من غزة، ونزل قريبا من صيداء، فركب للصيد فتقطر عن فرسه وتهشم وجهه، فتجلد ورحل، وأتاه قسطلان يافا بتقادم.
ونزل السلطان بيبني في سادس عشريه، فورد البريد من دمشق وهو في الحمام بالدهليز، فلم يمهل وقرئ عليه الكتاب وهو عريان: فإذا هو يتضمن بأن بطاقة الملك المنصور صاحب حماة سقطت بأنه وصل إلى البيرة بالعساكر، صحبة الأمير عز الدين إيغان وجماعة الأمراء يوم الإثنين، وأن التتار عندما شاهدوهم هربوا، ورموا مجانيقهم وغرقوا مراكبهم، وكان من حين كتابتها بالبيرة إلى حين وصولها يبني أربعة أيام، ثم توالت كتب الأمراء بالبشارة، فكتب بذلك إلى القاهرة وغيرها. واستشهد على البيرة الأمير صارم الدينبكناش الزاهدي، وترك موجودا كبيرا وبنتا واحدة، فرسم السلطان أن يكون جميع الإرث لها لا يشاركها فيه أحد وكتب السلطان بعمارة ما خرب من البيرة، وحمل آلات القتال والأسلحة إليها من مصر والشام، وأن يعبأ فيها كل ما يحتاج إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين. وكتب للأمراء ولصاحب حماة بالإقامة على البيرة، حتى ينظف الخندق من الحجارة التي ردمها العدو فيه، فكانت الأمراء تنقل الحجارة على أكتافها مدة. وبعثوا بخبر ذلك إلى السلطان وهو واقف على سور قيسارية ليهدمه بنفسه، وفي يده القطاعة وقد تجرحت يده. فكتب جوابهم: إنا بحمد الله ما تخصصنا عنكم براحة ولا دعة، ولا أنتم في ضيق ونحن في سعة. ما هنا إلا من هو مباشر الحروب الليل والنهار، وناقل الأحجار ومرابط الكفار. وقد تساوينا في هذه الأمور، وما ثم ما تضيق به الصدور.
وكتب السلطان إلى القاهرة باستدعاء مائتي ألف درهم ومائتي تشريف، وإلى دمشق بتجهيز مائة ألف درهم ومائة تشريف، وحمل جميع ذلك إلى البيرة. وكتب إلى الأمير إيغان بأن يحضر أهل قلعة البيرة ويخلع على سائر من فيها من أمير ومأمور وجندي وعامي، وينفق فيهم المال. حتى الحراس وأرباب الضوء، فاعتمد ذلك كله وكتب إلى الديار المصرية بتبطيل المزر، وأن تعفي أثاره وتخرب بيوته وتكسر مواعينه، وأن يسقط ارتفاعه من الديوان، ومن كان له على هذه الجهة شيء نعوضه من مال الله الحلال، فاعتمد ذلك، وعوض المقطعون بدل ما كان لهم على جهة المزر.
ثم ركب السلطان من العوجاء بعد ركوب الأطلاب للتصيد في غابة أرسوف، ورسم للأمراء من أراد منهم الصيد فليحضر، فإن الغابة كثيرة السباع وساق إلى أرسوف وقيسارية، فشاهدهما وعاد إلى الدهليز، فوجد أخشاب المنجنيقات قد أحضرت بصحبة زرد خاناه، فأمر بنصب عدة مجانيق وعملها. وجلس السلطان مع الصناع يستحثهم، فعمل في يوم واحد أربع منجنيقات كبار سوي الصغار. وكتب إلى القلاع بطلب المجانيق والصناع والحجارين، ورسم للعسكر بعمل سلالم. ورحل السلطان إلى قريب عيون الأساور من وادي عارة وعرعرة، فلما كان بعد عشاء الآخر أمر العسكر كله فلبسوا آلة الحرب، وركب آخر الليل وساق إلى قيسارية، فوافاها بكرة نهار الخميس تاسع جمادى الأولى على حين غفلة من أهلها، وضرب عليها بعساكره. وللوقت ألقي الناس أنفسهم في خندقها، وأخذوا السكك الحديد التي برسم الخيول مع المقاود والشبح، وتعلقوا فيها من كل جانب حتى صعدوا، وقد نصبت المجانيق ورمي بها. فحرقوا أبواب المدينة واقتحموها، ففر أهلها إلى قلعتها، وكانت من أحصن القلاع وأحسنها وتعرف بالخضراء وكان قد حمل عليها الفرنج العمد الصوان، وأتقنوها بتصليب العمد في بنيانها، حتى لا تعمل فيها النقوب ولا تقع إذا علقت، فاستمر الزحف والقتال عليها بالمجانيق والدبابات والزحافات ورمي النشاب. وخرجت تجريدة من عسكر السلطان إلى بيسان مع الأمير شهاب الدين القيمري، فسير جماعة من التركمان والعربان إلى أبواب عكا، فاسروا جماعة من الفرنج. هذا والقتال ملح على قلعة قيسارية، والسلطان مقيم بأعلى كنسية تجاه القلعة ليمنع الفرنج من الصعود إلى علو القلعة، وتارة يركب في بعض الدبابات ذوات العجل التي تجري حتى يصل إلى السور ليري النقوب بنفسه. وأخذ السلطان في يده يوما من الأيام ترسا وقاتل، فلم يرجع إلا وفي ترسه عدة سهام.
فلما كان في ليلة الخميس النصف من جمادى الأولى: سلم الفرنج القلعة. بما فيها، فتسلق المسلمون من الأسوار، وحرقوا الأبواب ودخلوها من أعلاها وأسفلها، وأذن بالصبح عليها. وطلع السلطان ومعه الأمراء إليها، وقسم المدينة على الأمراء والمماليك والحلقة، وشرع في الهدم ونزل وأخذ بيده قطاعة وهدم بنفسه. فلما قارب الفراغ من هدم قيسارية بعث السلطان الأمير سنقر الرومي والأمير سيف الدين المستعرب في جماعة، فهدموا قلعة كانت للفرنج عند الملوحة قريب دمشق وكانت عاتية حتى دكوها دكا.
وفي سادس عشريه: سار السلطان جربذة إلى عثليث، وسير الأمير سنقرا السلاح دار، والأمير عز الدين الحموي، والأمير سنقرا الألفي إلى حيفا. فوصلوا إليها، ففر الفرنج إلى المراكب وتركوا قلعتها، فدخلها الأمراء بعد ما قتلوا عدة من الفرنج وبعد ما أسروا كثيرا، وخربوا المدينة والقلعة وأحرقوا أبوابها في يوم واحد، وعادوا بالأسري والرءوس والغنائم سالمين. ووصل السلطان إلى عثليث فأمر بتشعيثها وقطع أشجارها، فقطعت كلها وخربت أبنيتها في يوم واحد. وعاد إلى الدهليز بقيسارية، وكمل هدمها حتى لم يدع لها أثرا، وقدمت منجنيقات من الصبيبة وزرد خاناه من دمشق، وورد عدة من الفرنج للخدمة، فأكرمهم السلطان وأقطعهم الإقطاعات.
وفي تاسع عشريه: رحل السلطان من قيسارية، وسار من غير أن يعرف أحد قصده فنزل على أرسوف مستهل جمادى الآخرة، ونقل إليها من الأحطاب ما صارت حول المدينة كالجبال الشاهقة وعمل منها ستائر، وحفر سربين من خندق المدينة إلى خندق القلعة وسقفه بالأخشاب. وسلم أحدهما للأمير سنقر الرومي، والأمير بدر الدين بيسري، والأمير بدر الدين الخازندار، والأمير شمس الدين الذكر الكركي، وجماعة غيرهم. وسلم الآخر للأمير سيف الدين قلاوون، والأمير علم الدين الحلبي الكبير، والأمير سيف الدين كرمون، وجماعة غيرهم. وعمل السلطان طريقا من الخندقين إلى القلعة، وردمت الأحطاب في الخندق، فتحيل الفرنج وأحرقوها كلها. فأمر السلطان بالحفر من باب السربين إلى البحر، وعمل سروبا تحت الأرض يكون حائط خندق العدو ساترا لها، وعمل في الحائط أبوابا يرمي التراب منها وينزل في السروب حتى تساوي أرضها أرض الخندق. وأحضر المهندسين حتى تقرر ذلك، وولي أمره للأمير عز الدين أيبك الفخري. فاستمر العمل، والسلطان بنفسه ملازم العمل بيده في الحفر وفي جر المنجنيقات ورمي التراب ونقل الأحجار، أسوة لغيره من الناس. وكان يمشي. بمفرده وفي يده ترس، تارة في السرب وتارة في الأبواب التي تفتح، وتارة على حافة البحر يرامي مراكب الفرنج. وكان يجر في المجانيق، ويطلع فوق الستائر يرمي من فوقها، ورمي في يوم واحد ثلاثمائة سهم بيده. وحضر في يوم إلى السرب وقد في رأسه خلف طاقة يرمي منها، فخرج الفرنج بالرماح وفيها خطاطيف ليجبذوه فقام وقاتلهم يدا بيد وكان معه الأمير سنقر الرومي، والأمير بيسري، والأمير بدر الدين الخازندار، فكان سنقر يناوله الحجارة حتى قتل فارسين من الفرنج، ورجعوا على أسوأ حال. وكان يطوف بين العساكر في الحصار بمفرده، ولا يجسر أحد ينظر إليه ولا يشر إليه بإصبعه. وحضر في هذه الغزاة جمع كبير من العباد والزهاد والفقهاء وأصناف الناس، ولم يعهد فيها حمر ولا شيء من الفواحش. بل كانت النساء الصالحات يسقين الماء في وسط القتال، ويعملن في جر المجانيق. وأطلق السلطان الرواتب من الأغنام وغيرها لجماعة من الصلحاء، وأعطي الشيخ على البكا جملة مال. ولا سمع عن أحد من خواص السلطان إنه اشتغل عن الجهاد في نوبته بشغل، ولا سير أمير غلمانه في نوبته واستراح. بل كان الناس فيها سواء في العمل، حتى أثرت المجانيق في هدم الأسوار، وفرغ من عمل الأسربة التي بجانبي الخندق، وفتحت فيها أبواب متسعة. فلما تهيأ ذلك وقع الزحف على أرسوف في يوم الخميس ثامن رجب، ففتحها الله في ذلك اليوم عندما وقعت الباشورة. فلم يشعر الفرنج إلا بالمسلمين قد تسلقوا وطلعوا القلعة، ورفعت الأعلام الإسلامية على الباشورة، وحفت بها المقاتلة وطرحت النيران في أبوابها.
هذا والفرنج تقاتل، فدفع السلطان سنجقه للأمير سنقر الرومي وأمره أن يؤمن الفرنج من القتل، فلما رآه الفرنج تركوا القتال. وسلم السنجق للأمير علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط الحاجب، ودليت له الحبال من القلعة فربطها في وسطه والسنجق معه، ورفع إليها فدخلها وأخذ جميع سيوف الفرنج وربطهم بالحبال وساقهم إلى السلطان والأمراء صفوف وهم ألوف.
وأباح السلطان القلعة للناس، وكان بها من الغلال والذخائر والمال شيء كثير، وكان فيها جملة من الخيول والبغال لم يتعرض السلطان لشيء منه، إلا ما اشتراه ممن أخذه بالمال ووجد فيها عدة من أسري المسلمين في القيود فأطلقوا، وقيد الفرنج بقيودهم، وعين السلطان جماعة مع الأسري من الفرنج ليسيروا بهم، وقسم أبراج أرسوف على الأمراء، وأمر أن يكون أسري الفرنج يتولون هدم السور، فهدمت بأيديهم.
وأمر السلطان بكشف بلاد قيسارية وعمل متحصلها، فعملت بذلك أوراق، وطلب قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال، وتقدم بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه ما يأتي ذكره. وكتبت تواقيع كل منهم من غير أن يطلعوا على ذلك، فلما فرغت التواقيع فرقت على أربابها، وكتب بذلك مكتوب جامع بالتمليك، ونسخته:
أما بعد حمد الله على نصرته المتناسقة العقود، وتمكينه الذي رفلت به الملة الإسلامية في أصفى البرود، وفتحه الذي إذا شاهدت العيون مواقع نفعه وعظيم وقعه علمت لأمر ما يسود من يسود، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاهد الكفار بالسيف البتار، وأعلمهم لمن عقبي الدار، وعلى آله وصحبه صلاة تتواصل بالعشي والإبكار، فإن خير النعمة وردت بعد اليأس، وأقبلت على فترة من تخاذل الملوك وتهاون الناس، فأكرم بها نعمة وصلت للأمة المحمدية أسبابا، وفتحت للفتوحات الإسلامية أبوابا، وهزمت من التتار والفرنج العدوين، ورابطت من الملح الأجاج والعذب الفرات بالبرين والبحرين، وجعلت عساكر الإسلام تذل الفرنج بغزوهم في عقر الدار، وتجوس من حصونهم المانعة خلال الديار والأمصار، وتقود من فضل عن شبع السيف الساغب إلى حلقات الإسار، ففرقة منها تقتلع للفرنج قلاعا وتهدم حصونا، وفرقة تبقي ما هدم للتتار بالمشرق وتعليه تحصينا، وفرقة تتسلم بالحجاز قلاعا شاهقة وتقسم هضابا سامقة. فهي بحمد الله البانية الهادمة، والقاسمة الراحمة. كل ذلك بمن أقامه الله وجرد سيفا ففري، وحملت رباح النصرة ركابه تسخيرا فسار إلى مواطن الظفر وسري، وكونته السعادة ملكا إذا رأته في دستها قالت تعظيما له ما هذا بشرا. وهو السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبو الفتح بيبرس، جعل الله سيوفه مفاتح البلاد، وأعلامه أعلاما من الأسنة على رأسها نار بهداية العباد، فإنه أخذ البلاد ومعطيها، وواهبها بما فيها. وإذا عامله الله بلطفه شكر، وإذا قدر عفي وأصلح فوافقه القدر، وإذا أهدت إليه النصرة فتوحات قسمها في حاضريها لديه متكرما وقال لمن حضر، وإذا خوله الله تخويلا وفتح على يديه قلاعا جعل الهدم للأسوار، والدماء للبتار، والرقاب للإسار، والبلاد المزروعة للأولياء والأنصار. ولم يجعل لنفسه إلا ما تسطره لملائكة في الصحائف لصفاحه من الأجور، وما تطوي عليه طربات السير التي غدت بما فتحه الله من الثغور باسمه باسمة الثغور.
فتي جعل البلاد من العطا ** فأعطي المدن واحتقر الضياعا

سمعنا بالكرام وقد أرانا ** عيانا ضعف ما فعلوا سماعا

إذا فعل الكرام على قياس ** جميلا كان ما فعل ابتداعا

ولما كان بهذه المثابة، وقد فتح الفتوحات التي أجزل الله بها أجره وضاعف ثوابه، وله أولياء النجوم ضياء، وكالأقدار مضاء، وكالعقود تناسقا، وكالوبل تلاحقا إلى الطاعة وتسابقا، رأي ألا ينفرد عنهم بنعمة، ولا يتخصص ولا يستأثر. بمنحة غدت بسيوفهم تستنقذ، وبعزائمهم تستخلص، وأن يؤثرهم على نفسه، ويقسم عليهم الأشعة من أنوار شمسه، ويبقي للولد منهم وولد الولد، ما يدوم إلى آخر الدهر ويبقي على الأبد، ويعيش الأبناء في نعمته كما عاش الآباء، وخير الإحسان ما شمل وأحسنه ما خلد. فخرج العالي لا زال يشمل الأعقاب والذراري، وينير إنارة الأنجم الدراري، أن يملك أمراؤه وخواصه الذين يذكرون، وفي هذا المكتوب يسطرون، ما يعين من البلاد والضياع، على ما يشرح ويبين من الأوضاع، وهو الأتابك فارس الدين أقطاي الصالحي عتيل بكمالها، الأمير جمال الدين إيدغدي العزيزي النصف من زيتا، الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي نصف طور كرم، الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نصف طوركرم، الأمير شمس الدين الذكر الكركي ربع زيتا، الأمير سيف الدين قلج البغدادي ربع زيتا، الأمير ركن الدين بيبرس خاص ترك الكبير الصالحي أفراسين بكمالها، الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الصالحي باقة الشرقية بكمالها، الأمير عز الدين أيدمر الحلبي الصالحي نصف قلنسوة، الأمير شمس الدين سنقر الرومي نصف قلنسوة، الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي نصف طيبة الاسم، الأمير عز الدين إيغان سم الموت نصف طيبة الاسم، الأمير جمال الدين أقوش النجيبي نائب سلطة الشام أم الفحم بكمالها من قيسارية، الأمير علم الدين سنجر الحلبي الصالحي بتان بكمالها، الأمير جمال الدين أقوش المحمدي نصف بورين، الأمير فخر الدين ألطنبا الحمصي نصف بورين، الأمير جمال الدين أيدغدي الحاجبي الناصري نصف بيزين، الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري الصالحي نصف بيزين، الأمير فخر الدين عثمان ابن الملك المغيث ثلث حلبة، الأمير شمس الدين سلار البغدادي ثلث حلبة، الأمير صارم الدين صراغان ثلث حلبة، الأمير ناصر الدين القيمري نصف البرج الأحمر، الأمير سيف الدين بلبان الزيني الصالحي نصف البرج الأحمر، الأمير سيف الدين إبتامش السعدي نصف يما، الأمير شمس الدين آقسنقر السلاح دار نصف يما، الملك المجاهد سيف الدين إسحاق صاحب الجزيرة نصف دنابة، الملك المظفر صاحب سنجار نصف دنابة، الأمير بدر الدين محمد بن ولد الأمير حسام الدين بركة خان دير القصون بكمالها، الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار نصف الشويكة، الأمير سيف الدين كرمون أغا التتري نصف الشويكة، الأمير بدر الدين الوزيري نصف طبرس، الأمير ركن الدين منكورس الديداري نصف طبرس، الأمير سيف الدين قشتمر العجمي علار بكمالها، الأمير علاء الدين أخو الدويدار نصف عرعرا، الأمير سيف الدين قفجق البغدادي نصف عرعرا، الأمير سيف الدين دكجل البغدادي نصف فرعون، الأمير علم الدين سنجر الأزكشي نصف فرعون، الأمير علم الدين طرطج الأسدي أقتابة بكمالها، الأمير حسام الدين إيمتش بن أطلس خان سيدا بكمالها، الأمير علاء الدين كندغدي الظاهري أمير مجلس الصفرا بكمالها، الأمير عز الدين أيبك الحموي الظاهري نصف أرقاح، الأمير شمس الدين سنقر الألفي نصف أرقاح، الأمير علم الدين طيبرس الظاهري نصف باقة الغربية، الأمير علاء الدين التنكري نصف باقة الغربية، الأمير عز الدين الأتابك الفخري القصير بكمالها، الأمير علم الدين سنجر الصيرفي الظاهري أخصاص بكمالها، الأمير ركن الدين بيبرس المغربي نصف قفين، الأمير شجاع الدين طغربل الشبلي أمير مهمندار نصف كفر راعي، الأمير علاء الدين كندغدي الحبيشي مقدم الأمراء البحرية نصف كفر راعي، الأمير شرف الدين بن أبي القاسم نصف كسفا، الأمير بهاء الدين يعقوب الشهرزوري نصف كسفا، الأمير جمال الدين موسى بن يغمور أستادار العالية نصف برنيكية، الأمير علم الدين سنجر الحلي الغزاوي نصف برنيكية، الأمير علم الدين سنجر نائب أمير جاندار نصف حانوتا من أرسوف، الأمير سيف الدين بيدغان الركني فرديسيا بكمالها من قيسارية، الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الكرك ثلث حبلة من أرسوف، الأمير جمال الدين أقوش السلاح دار الرومي ثلث حبلة، الأمير شمس الدين سنقر جاه الظاهري ثلث حبلة، الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح ثلث جلجولية، الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي ثلث جلجولية، الأمير بدر الدين بكتوت بجكا الرومي ثلث جلجولية الدين بكتاش الفخري أمير سلاح ثلث جلجولية، الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي ثلث جلجولية، الأمير بدر الدين بكتوت بجكا الرومي ثلث جلجولية.
وكتب من كتاب التمليك الشرعي الجامع نسخ، وفرقت على كل أمير نسخة، وخلع على قاضي دمشق وعاد إلى بلده. ونقلت المنجنيقات إلى القلاع، وهي الكرك وعجلون ونحوهما.
ورحل السلطان من أرسوف بعد استكمال هدمهما في يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر رجب إلى غزة وسار منها إلى مصر، فخرج الملك السعيد والأتابك عز الدين الحلي نائب السلطة إلى لقائه ببركة الحجاج، فلقوه هناك. ودخل السلطان من القاهرة في يوم الخميس حادي عشر شعبان والأسري بين يديه حتى خرج من باب زويلة، وصمد إلى قلعة الجبل فاستراح. وعرض ما حصله الأمير عز الدين الحلي، والصاحب بهاء الدين بن حنا من الخزائن، ولم يترك أحدا من أمير ولا وزير ولا مقدم ولا مفردي، ولا أحدا من خواصه ولا بزداريته، وبردداريته وسائر حواشيه، حتى عم الجميع بالخلع وأحسن إلى رسل الملك بركة، وكتب إلى اليمن وإلى الأنبرور بالبشارة، وأخرج جملة من الدراهم والغلة الكساوي تصدق بها على الفقراء.
وكان قد كثر الحريق بالقاهرة ومصر في مدة سفر السلطان، وأشيع أن ذلك من النصاري. ونزل بالناس من الحريق في كل مكان شدة عظيمة، ووجد في بعض المواضع التي احترقت نفط وكبريت. فأمر السلطان بجمع النصارى وإليهود، وأنكر عليهم هذه الأمور التي تفسخ عهدهم وأمر بإحراقهم. فجمع منهم عالم عظيم في القلعة، وأحضرت الأحطاب والحلفاء، وأمر بإلقائهم في النار، فلاذوا بعفوه وسألوا المن عليهم. وتقدم الأمير فارس الدين أقطاي أتابك العساكر فشفع فيهم، على أن يلتزموا بالأموال التي احترقت، وأن يحملوا إلى بيت المال خمسين ألف دينار. فأفرج عنهم السلطان، وتولي البطرك توزيع المال، والتزموا ألا يعودوا إلى شيء من المنكرات، ولا يخرجوا عما هو مرتب على أهل الذمة، وأطلقوا.
وكان الأمير زامل بن على لا تزال الفتنة بينه وبين الأمير عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة بن فضل بن ربيعة. فلما طلعت العساكر إلى الشام مع الأمير طيبرس قبضوا على زامل بالبلاد الحلبية، وحمل إلى قلعة عجلون. ثم نقل إلى القاهرة واعتقل، ثم أفرج عنه وصار يلعب مع السلطان في الميدان، وحضر الأمير شرف الدين عيسي ابن مهنا وأحمد بن حجي والأمير هارون، وأصلح السلطان بينهم وبين زامل، ورد على زامل إقطاعه وإمرته، وأذن لهم في السفر. فساروا حتى دخلوا إلى الرمل، فساق زامل وهجم على بيوت عيسي وأفسد، وقبض على قصاد السلطان المتوجهين إلى شيراز، وأخذ منهم الكتب وسار بها إلى هولاكو وأطمعه في البلاد، فأعطاه هولاكو إقطاعا بالعراق.
وسافر زامل إلى الحجاز فنهب وقتل، وعاد إلى الشام، وكان السلطان قد أعطي إقطاعه لأخيه أبي بكر، فضاقت عليه الأرض، وكتب يطلب من السلطان العفو، فقرر السلطان معه الحضور إلى مدة عينها له، وإنه متى تأخر عنها فلا عهد له ولا أيمان فلما تأخر عن المدة المعينة وحضر بعدها قبض عليه، واعتقل بقلعة الجبل.
وفي خامس عشريه: جلس السلطان بدار العدل، وطلب تاج الدين بن القرطي، فلما حضر قال السلطان له: أضجرتني مما تقول. عندي مصالح لبيت مال المسلمين، فتحدث الآن بما عندك فتكلم القرطي في حق قاضي القضاة، وفي حق صاحب سواكن، وقال: إن الأمراء الذين ماتوا أخذ ورثتهم أكثر من حقوقهم. فأمر السلطان بإحضار زيار، وأراه لمن حضر وقال: من يصبر على هذا الزيار يستكثر عليه إقطاع، أو يستكثر على ورثته موجود يخلفه لهم؟ وأنكر عليه وأمر به فحبس وتحدث السلطان في أمر الجند، وإنهم إذا كانوا في البيكار وفي مواطن الجهاد لا يصل إليهم شاهد، فيشهد أحدهم أصحابه عند موته، فإذا حضروا لا تقبل شهادتهم، وتضيع أموال الناس بهذا السبب. وقال: الرأي أن كل أمير يعين من جماعته من فيه دين وخير ليسمع قوله، وكل مقدم وكل جماعة من الجند يعين من فيها ممن هو من أهل الخير والصلاح، لتسمع أقوالهم، حتى تحفظ أموال الناس. فسر الأمراء بذلك، وشرع قاضي القضاة في اختيار الناس الجياد من الجند لذلك.
وجلس السلطان في تاسع عشريه بدار العدل، فوقف شخص وشكا أن من سكن في شيء من الأملاك الديوانية لا يمكن من الخلو، فأنكر السلطان ذلك وأمر بتمكين الساكن من الخلو عند انقضاء الإجارة. ووردت رسل الأنبرور، ورسل الملك الأشكري، بالهدايا.
وفي سابع شهر رمضان: قدمت العساكر من البيرة، مع الأمير جمال الدين المحمدي، والأمير عز الدين إيغان. وقدمت هدية ملك الكرج. وورد الخبر باستيلاء عز الدين الكندري نائب الرحبة على قرقيسياء، وقتلوا من كان فيها من التتر والكرج، وأسروا نيفا وثمانين رجلا في نصف شهر رمضان.
وفيه رسم بتحصيل المراكب لتفرق في بحر أشموم، فلما كان ثاني شوال سار السلطان إلى أشموم بنفسه، وقسم عمل البحر على الأمراء، وعمل بنفسه وحمل القفة مملوءة بالتراب على كتفه، والناس تشاهده فوقع الاجتهاد في الحفر، واستمر السلطان على العمل بنفسه في كل يوم، وصار يركب في المراكب وتفرق المراكب قدامه. فتنجز العمل في ثمانية أيام، وتكامل الحفر في بحر أشموم، وفي الجهة التي من ناحية جوجر وسار السلطان إلى منزلة ابن حسون، وعاد إلى قلعة الجبل في حادي عشريه.
ورسم بإبطال حراسة النهار بالقاهرة ومصر وكانت جملة كبيرة، وكتب توقيع بإبطالها، وكتب أيضاً بمسامحة الأعمال الدقهلية والمرتاحية أربعة وعشرين ألف درهم نقرة عن رسوم الولاية والمال المستخرج برسم النقيدي وتوجه شجاع الدين بن الداية الحاجب إلى الملك بركة رسولا، ومعه ثلاث عمر اعتمر بها عنه بمكة، عملت في أوراق مذهبة، وشيء من ماء زمزم ودهن بلسان وغيره.
وفي آخره: نزل بالسلطان وعك، فدارى بالصدقة وأعطى الفقراء مالا جزيلا.
وفي ذي القعدة: قدم الراهب كرنانوس بكتاب الملك الأشكري. وكان الأمير جمال الدين أيدفدي العزيزي يكره قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ويضع من قدره ويحط عليه عند السلطان، بسبب تشدده في الأحكام وتوقفه في القضايا التي لا توافق مذهبه. فاتفق جلوس السلطان بدار العدل في يوم الإثنين ثاني عشر ذي الحجة، فرفع إليه بنات الملك الناصر قصة فيها أن ورثة الناصر اشتروا دار قاضي القضاة بدر الدين السنجاري في حياته، فلما مات ذكر ورثته إنها وقف. فعندما قرئت أخذ الأمير أيدغدي يحط على الفقهاء وينقصهم، فقال السلطان للقاضي تاج الدين: يا قاض! هكذا تكون القضاة؟. فقال تاج الدين: يا مولانا! كل شاة معلقة بعرقوبها! قال فكيف الحال في هذا؟ قال إذا ثبت الوقف يعاد الثمن من الورثة فقال السلطان. فإذا لم يكن مع الورثة شيء؟ قال القاضي: يرجع الوقف إلى أصله، ولا يستعاد الثمن. فغضب السلطان من ذلك، وما تم الكلام حتى تقدم رسول أمير المدينة النبوية وقال: يا مولانا السلطان سألت هذا القاضي أن يسلم إلى مبلغ ربع الوقف الذي تحت يده، لينفقه صاحب المدينة في فقراء أهلها، فلم يفعل. فسأل السلطان القاضي عما قاله، فقال: نعم. قال السلطان: أنا أمرته بذلك فكيف رددت أمري؟ قال: يا مولانا هذا المال أنا متسلمه وهذا الرجل لا أعرفه، ولا يمكنني أن أسلمه لمن لا أعرفه، ولا يتسلمه إلا من أعرف إنه موثوق بدينه وأمانته، فإن كان السلطان يتسلمه مني أحضرته إليه. فقال السلطان: تنزعه من عنقك وتجعله في عنقي قال: نعم. قال السلطان: لا تدفعه إلا لمن تختاره. ثم تقدم بعض الأمراء وقال: شهدت عند القاضي فلم تسمع شهادتي في ثبوت الملك وصحته، فسأل السلطان القاضي عن ذلك فقال: ما شهد أحد عندي حتى أثبته، فقال الأمير: إذا لم تسمع قولي فمن تريد؟ قال السلطان: لم لا سمعت قوله؟ فقال: لا حاجة في ذكر ذلك. فقال الأمير أيدغدي: يا قاضي مذهب الشافعي لك، ونولي من كل مذهب قاضيا. فصغي السلطان لقول أيدغدي وانقضى المجلس، إلى أن كان يوم الإثنين تاسع عشره، ولي السلطان القاضي صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب الأذرعي الحنفي مدرس المدرسة الصالحية، والقاضي شرف الدين عمر بن عبد الله بن صالح ابن عيسي بن عبد الملك بن موسى بن خالد بن على بن عمر بن عبد الله بن إدريس ابن إدريس بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب السبكي المالكي، والقاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم الحنبلي ليكونوا قضاة القضاة بديار مصر، وجعل السلطان لهم أن يولوا في سائر الأعمال المصرية، مضافا لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز، وأبقى على ابن بنت الأعز النظر في مال الأيتام والمحاكمات المختصة ببيت المال، وكتب لكل منهم تقليدا وخلع عليهم. فصار بديار مصر قضاة القضاة من حينئذ أربعة، يحكم كل منهم بمذهبه، ويلبس كل منهم الطرحات في أيام الخدمة السلطانية. ورسم السلطان أيضاً لمجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر ابن العديم بخطابة القاهرة.
وفي رابع عشري ذي الحجة: قبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الرومي واعتقل، وتقدم إلى الخليفة الحاكم بأمر الله ألا يجتمع بأحد، فاحتجب عن الاجتماع بالناس، وفيها تولي الأمير نور الدين على بن مجلي المكاري نيابة حلب، عوضاً عن أيدكين الشهابي.
وفيها نزل السلطان من قلعة الجبل بالليل متنكرا، وطاف بالقاهرة ليعرف أحوال الناس، فرأى بعض المقدمين وقد أمسك امرأة وعراها سروالها بيده، ولم يجسر أحد ينكر عليه. فلما أصبح السلطان قطع أيدي جماعة من نواب الولاة والمقدمين، والخفراء وأصحاب الرباع بالقاهرة.
وفيها ولي السلطان إمرة عرب آل فضل لعيسى بن مهنا، فسار وطرد التتار عن البيرة وحران، وفيها هلك القان هولاكو بن طولوخان بن جنكيزخان في تاسع عشر شهر ربيع الأول بالقرب من كورة مراغة بالصرع، عن نيف وستين سنة، منها مدة سلطته عشر سنين. وقام من بعده ابنه أباغا، وجهز جيشا لحرب الملك بركة خان، فانهزم هزيمة قبيحة.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الأمير جمال الدين موسى بن يغمور الباروقي، نائب السلطة بديار مصر ودمشق، وهو معزول بالقصير من عمل مصر، عن أربع وستين سنة.
وتوفي قاضي القضاة بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن الحسن بن على السنجاري الشافعي، وهو معروف، بالقاهرة عن نيف وستين سنة.
وتوفي نجم الدين أبو المظفر فتح بن موسى بن حماد القصري المغربي، قاضي سيوط بها.