فصل: سنة ست عشر وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ست عشر وسبعمائة:

في المحرم: قدم البريد من حلب بموت خربندا، وجلوس ولده أبي سعيد بعده.
وفي يوم السبت ثالث عشريه: سمع بالقاهرة هدة عظيمة شبه الصاعقة، وتبعها رعد ومطر كثير وبرد، وغرقت بلبيس لكثرة المطر.
وفي ثامن صفر: استقر شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع في قضاء الحنابلة بدمشق، وجهز له توقيعه من القاهرة، فلم يغير زيه، واستمر يحمل ما يشتريه من السوق بنفسه، ويجلس على ثوب يبسطه بيده في مجلس الحكم، ويحمل نعله بيده.
وفي أول ربيع الأول: فوضت إمرة العرب بالشام إلى الأمير شجاع الدين فضل بن عيسى بن مهنا.
وفيه قدم البريد بوقوع المطر في قارا وحمص وبعلبك، وفي بلاد حلب وإعزاز وحارم، بخلاف المعهود، وعقبه برد قدر النارنج، فيها ما زنته ثلاث أواق دمشقية، هلك بها من الناس والأَغنام والدواب شيء كثير. وخربت عدة ضياع، وتلف من التركمان وأهل الضياع خلق كثير. وعقب هذا المطر نزول سمك كثير ما بين صغار وكبار بالحياة، تناوله أهل الضياع واشتروه وأكلوه. وسقط بالمعرة وسرمين عقيب هذا المطر ضفادع كثيرة في غاية الكبر، منها ميت ومنها بالحياة ثم نزل ثلج عظيم طم القرى وسد الطرقات والأودية، وامتنع السفر حتى بعث النواب الرجال من البلاد والجبال مع الولاة بالمساحي، وعملوا فيها حتى فتحت الطرقات.
وفي سادس عشرى جمادى الأولى: استقر قاضي القضاة نجم الدين بن صصري في مشيخة الشيوخ بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه البكاشغري.
فيها رأى السلطان أن يقدم برشنبو النوبي، وهو ابن أخت داود ملك النوبة، فجهز صحبته الأمير عز الدين أيبك على عسكر. فلما بلغ ذلك كرنبس ملك النوبة بعث ابن أخته كنز الدولة بن شجاع الدين نصر بن فخر الدين مالك بن الكنز يسأل السلطان في أمره، فاعتقل كنز الدولة. ووصل العسكر إلى دمقلة، وقد فر كرنبس وأخوه أبرام، فقبض عليهما وحملا إلى القاهرة، فاعتقلا. وملك عبد اللّه برشنبو دمقلة، ورجع العسكر في جمادى الأولى سنة سبع عشرة. وأفرج عن كنز الدولة، فسار إلى دمقلة وجمع الناس وحارب برشنبو، فخذله جماعته حتى قتل، وملك كنز الدولة. فلما بلغ السلطان ذلك أطلق أبرام وبعثه إلى النوبة، ووعده إن بعث إليه بكنز الدولة مقيداً أفرج عن أخيه كرنبس. فلما وصل أبرام خرج إليه كنز الدولة طائعاً، فقبض عليه ليرسله، فمات أبرام بعد ثلاثة أيام من قبضه، فاجتمع أهل النوبة على كنز الدولة وملكوه البلاد.
وفيها أخذ عرب برية عيذاب رسل صاحب اليمن وعدة من التجار وجميع ما معهم، فبعث السلطان العسكر وهم خمسمائة فارس، عليهم الأمير علاء الدين مغلطاي بن أمير مجلس، في العشرين من شوال، فساروا إلى قوص، ومضوا منها في أوائل المحرم سنة سبع عشرة إلى صحراء عيذاب، ومضوا إلى سواكن حتى التقوا بطائفة يقال لها حي الهلبكسة، وهم نحو الألفي راكب على الهجن بحراب ومزاريق، في خلق من المشاة عرايا الأبدان، فلم يثبتوا لدق الطبول ورمى النشاب، وانهزموا بعد ما قتل منهم عدد كبير. وسار العسكر إلى ناحية الأبواب، ثم مضوا إلى دمقلة، وعادوا إلى القاهرة تاسع جمادى الآخرة سنة سبع عشرة، وكانت غيبتهم ثمانية أشهر. وكثرة الشكاية من الأمير علاء الدين مغلطاي بن أمير مجلس مقدم عسكرهم، فأخرج إلى دمشق.
وفيها أغار من الططر نحو ألف فارس على أطراف بلاد حلب، ونهبوا إلى قرب قلعة كمختا فقاتلهم التركمان وقتلوا كثيرا منهم، وأسروا ستة وخمسين من أعيانهم، وغنموا ما كان معهم، فقدمت الأسرى إلى القاهرة في صفر سنة سبع عشرة.
وفيها هبت ريح سوداء مظلمة بأرض أسوان وسود وإسنا وأرمنت، وقدحت لشدة حرها نار عظيمة أحرقت عدة أجران من الغلال. ثم أمطرت السماء، فعقب ذلك وباء هلك فيه بأسوان وغيرها عالم كبير، ودب الوباء إلى الأشمونين.
وفيها أفرج عن الأمير بكتمر الحسامي الحاجب. وخلع عليه في يوم الخميس ثالث عشر شوال بنيابة صفد واًنعم عليه بمائتي ألف درهم، فسار على البريد ودخلها في آخر ذي الحجة. وكان بكتمر في مدة اعتقاله مكرماً لم يفقد غير ركوب الخيل، وبعث إليه السلطان بجارية حبلت منه في الاعتقال، وولدت ولداً سماه ناصر الدين محمداً، فكانت مدة سجنه سنة وسبعة أشهر وأياماً.
وفيها ولي الأمير سيف الدين أرقطاي نيابة حمص في تاسع رجب، عوضاً عن شهاب الدين قرطاي بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس في جمادى الآخرة.
رفيها أخرجت قطيا عن الأجناد، وأضيفت إلى الخاص، وخرج إليها ناظر وشاد. وعوض الأجناد بجهات في القاهرة بعد عرضهم على السلطان، وأعطى كل منهم نظير ما كان له.
وفيها توجه الأمير بهاء الدين أرسلان الدوادار إلى الأمير مهنا وعاد.
وفيها أفرج عن الأمير كراي المنصوري والأمير سنقر الكمالي من سجن الكرك، وقدما إلى القاهرة فسجنا بالقلعة ومعهما نساؤهما.
وفيها قدمت رسل أزبك، ورسل ملك الكرج، ورسل طغاي قريب أزبك بهدايا؛ فأجيبوا وسيرت إليهم الهدايا. فاجتمع هذه السنة ثمانية رسل وهم رسل جوبان، وأبي سعيد، وأزبك، وطغاي، وصاحب برشلونة، وصاحب إسطنبول، وصاحب النوبة، وملك الكرج، وكلهم يبذل الطاعة، ولم يتفق في الدولة التركية مثل ذلك، وأكثر ما اجتمع في الأيام الظاهرية خمسة رسل.
وفيها سافر في الرسلية إلى بلاد أزبك الأمير علاء الدين أيدعدي الخوارزمي مملوك يازي، ومعه حسين بن صاروا أحد مقدمي الحلقة، بالهدية في آخر المحرم وهي مائتا عدة كاملة، ما بين جوشن وخوذة وبركستوان، وخلعة كاملة التحتاني أطلس أحمر مزركش، وشاش كافوري وبلغطاق فوقاني مفرج مقصب محقق بطرز ذهب، وكلفتاه ذهب، وحياصة ذهب، وفرس مسرجة ملجمة بذهب مرصع، وجتر، وسيف بحلية ذهب، وسار معهم بطرك الملكية.
وفيها قدمت أم الأمير بكتمر الساقي.
وفيها تغير السلطان على الأمير سيف الدين طغاي، وضربه بيده بالمقرعة على رأسه، ثم رضي عنه وخلع عليه.
وفيها صرف بهادر الإبراهيمي من نقابة المماليك، وبقي على إمرته وولى عوضه دقماق نقابة المماليك.
وفيها مرضت زوجة الأمير طغاي، فعادها السلطان مراراً، فلما ماتت نزل الأمراء كلهم للصلاة عليها، وعمل كريم الدين لها مهماً عظيماً.
وفيها سار السلطان إلى الصيد في يوم الجمعة سابع شعبان، وتوجه إلى بلاد الصعيد. وعاد إلى قلعة الجبل يوم الإثنين تاسع عشر رمضان، وأعطى الأمراء دستوراً، ونزل تحت الأهرام.
وفيها توجه كريم الدين إلى الإسكندرية وعاد وهو متوعك، فخلع السلطان عليه فرجية أطلس أبيض بطراز، وأنعم عليه بعشرة آلاف درهم.
وكان وفاء النيل يوم الأربعاء حادي عشرى جمادى الأولى- في ثامن عشر مسري- بعد أن بلغ في يوم الثلاثاء أربع عشرة إصبعاً من ستة عشر ذراعاً. فانقطع الجسر المجاور للقناطر الأربعين بالجيزة، فنقص عدة أصابع، وجمع لسده خلق كثير، غرق منهم نحو ثلاثين رجلاً في ساعة واحدة انطبق عليهم الجسر. ثم جمع من مصر رجال كثيرة، وكتفوا وأنزلوا في مركب وعدتهم سبعون رجلاً، فانقلبت بهم المركب فغرقوا بأجمعهم في يوم السبت سابع عشره. ثم زاد النيل حتى أوفى.
وفيها قطعت أرزاق المرتزفة من أرباب الرواتب لاستقبال المحرم، وعوضوا على جهات أجودها نسترواة، فصارت سنتهم ثمانية أشهر. وتولى ذلك الصاحب سعد الدين محمد بن عطايا، والسعيد مستوفي الرواتب. ومنع شهر المحرم، وصولح من له راتب بثلث المدة- وهي شهران وثلثا شهر-، وأحيلوا على المطابخ، وثمنت عليهم قطارة، فحصل من كل دينار سدسه. ونزل بالناس من ذلك شدة، وحصلت ذلة للحرم والأيتام، وسماهما الناس سعد الذابح وسعد بلع، وشافهوهما بكل مكروه.
وفيها قدم الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة في تاسع عشر جمادى الأولى، ونزل بمناظر الكبش، وحمل تقدمته في غده، وسار في تاسع عشر جمادى الآخرة.
وفيها لعب السلطان بالميدان الجديد تحت القلعة في يوم السبت ثامن جمادى الآخرة، وخلع على الأمراء وعلى الملك المؤيد صاحب حماة.
وفيها استقر الصاحب أمين الدين بن الغنام ناظر الدواوين بمفرده في خامس عشر رجب، بعد موت التقي أسعد كاتب برلغي.
وفيها سافر الفخر ناظر الجيش وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة إلى القدس، وقدم ابن جماعة في تاسع عشرى رمضان.
وفيه استقر العلم أبو شاكر بن سعيد الدولة في نظر البيوت، واستقر كريم الدين أكرم الصغير في نظر الدواوين، شريكاً لأمين الدين، في يوم الأحد أول ذي القعدة. وفيه توجه الأمير أرغون النائب إلى الحجاز.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

عز الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن أحمد بن ميسر المصري، بدمشق في ليلة الإثنين أول رجب، ومولده بمصر في حادي عشرى رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة، وكان فاضلاً جليل القدر ولي نظر الدواوين بمصر، وولي نظر الشام وطرابلس وإسكندرية، ثم تغيرت حالته وانحطت رتبته، واستقر في نظر أوقاف دمشق مع الحسبة، وكان عاقلاً خبيراً بالولايات، وفيه لين وسكون ومروءة وسماح لمن تحت يده من المباشرين. ومال صدر الدين أبو الفداء إسماعيل بن يوسف بن أبي اليسر مكتوم بن أحمد القيسي السويدي الدمشقي، في ليلة السبت ثالث عشرى شوال بدمشق، كان فقيهاً مقرئاً محدثاً، درس وانفرد بالرواية عن جماعة.
ومات الأمير جمال الدين أقوش الأفرم أحد مماليك المنصور قلاوون، وكان نائب دمشق، في ثالث عشرى المحرم بهمذان.
ومات الشيخ نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي البغدادي الحنبلي، في رجب ببلد الخليل عليه السلام، أقام بالقاهرة مدة، وامتحن بها.
ومات شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر الخطيري الدمشقي، في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة، حدث، وولي نظر الخزانة بدمشق وكذلك نظر الجامع الأموي والمارستان النووي بها، وكان ديناً صيناً.
ومات الكاتب علاء الدين على بن مظفر بن إبراهيم الكندي- عرف بكاتب ابن ابن وداعة- الأديب البارع المقرئ ومات الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن مكي- المعروف بابن المرحل، وبابن الوكيل- في يوم الأربعاء رابع عشرى ذي الحجة بالقاهرة ومولده بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، واستقر بعده في تدريس الزاوية بجامع عمرو شهاب الدين بن الأنصاري، وفي تدريس المجدية شمس الدين محمد بن اللبان. وقتل بالكرك من الأمراء سيف الدين أسندمر كرجي، وسيف الدين بينجار المنصوري، وبكتوت الشجاعي، وبيبرس العلمي، وبيبرس المجنون، وقطلوبك الكبير، وبكتمر الجوكندار نائب السلطنة، وبلبان طرنا خنقوا في ليلة واحدة.
ومات بطرابلس نائبها الأمير سيف الدين كستاي الناصري، في تاسع جمادى الآخرة، واستقر عوضه الأمير شهاب الدين قرطاي الصالحي نائب حمص، وولي حمص أرقطاي الجمدار.
ومات الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقي طنبغا الشمسي، أحد أمراء مصر، وكان حشماً عاقلاً.
ومات الصاحب ضياء الدين أبو بكر بن عبد الله بن أحمد بن منصور بن شهاب النشائي، وزير مصر، في يوم الإثنين تاسع عشرى رمضان، وكان قد ولي التدريس بالمدرسة التي بجوار الشافعي بالقرافة، ومشيخه الميعاد بالجامع الطولوني، ونظر الأحباس ونظر الخزانة، وكان مشكور السيرة، فقيهاً فاضلاً إماماً في الفرائض مشاركاً في علم الحديث، كثير الصدقة، وقال بعض الشعراء يرثيه:
إن بكى الناس بالمدامع حمرا ** فهو شيء يقال من حناء

فاختم الدست بالنشائي فإني ** لأرى الختم دائماً بالنشاء

وكان في وزارته غير نافذ الأمر، وقال فيه أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي من أبيات:
زقوا منصب الوزارة حتى ** لزقوها وقتنا بالنشاء

وولي بعده نظر الخزانة تقي الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله الحنبلي.
ومات تقي الدين أسعد الأحوال بن أمين الملك- المعروف بكاتب برلغي- ناظر الدواوين، في ليلة الإثنين ثامن شهر رجب، فاستقر بعده الصاحب أمين الدين بن الغنام، والتقى هذا هو الذي كان سبب الروك، بتحسينه عمل ذلك للسلطان، وهو الذي أدخل جهات المكوس في ديوان الوزارة وجعلها برسم المطبخ، وفرق جوالي الذمة في الإقطاعات بعدما كانت قلماً مفرداً، فما زال رجال الدولة بالسلطان حتى تنكر عليه وسبه ولعنه وهدده بالقتل، فأثر فيه الخوف ولزم فراشه حتى مات، وكان من الظلمة اللئام، واستسلمه الأمير برلغي، ولم يوجد له بعد موته، شيء سوى دواة وأثاث لم تبلغ قيمته مائتي درهم.
ومات ناصر الدين أبو بكر بن عمر بن السلار- بتشديد اللام بعد السين المهملة- في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم، ومولده ليلة الاثنين تاسع عشر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة بدمشق، وكان أديباً بارعاً بديع الكتابة، وتفتن في عدة فضائل، وهو من بيت إمارة، ومن شعره:
لعمرك ما مصر بمصر وإنما ** هي الجنة الدنيا لمن يتبصر

فأولادها الوالدان من نسل آدم ** وروضتها الفردوس والنيل كوثر

ومات الطواشي ظهير الدين مختار المنصوري- المعروف بالبلبيسي- الخازندار، بدمشق في عاشر شعبان، وكان يقراً القرآن، وفيه شجاعة وشهامة، وفرق ماله على عتقائه قبل موته، ووقف أملاكه على تربته.
ومات الأمير بدر الدين محمد بن كيدغدي بن الوزيري، بدمشق في سادس عشر شعبان.
وماتت المسندة المعمرة ست الوزراء أم محمد، وتدعى وزيرة، ابنة عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية، بدمشق في ثامن عشر شعبان، ومولدها في سنة أربع وعشرين وستمائة، وحدثت بصحيح البخاري في القاهرة ومصر وقلعة الجبل، سنة خمس وسبعمائة.
ومات القاضي فخر الدين علي ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد، في يوم الثلاثاء عشرى رمضان. ومولده بقوص سنة تسع وخمسين وستمائة، وانقطع بعد أبيه للأشغال، ودرس بالكهاربة من القاهرة.
ومات الكاتب المجود نجم الدين موسى بن على بن محمد بن البصير الدمشقي، بها في عاشر ذي القعدة، وولد سنة إحدى وخمسين وستمائة، وكان شيخ الكتابة بدمشق.
ومات نجاد بن أحمد بن حجي أمير آل مرا، وحضر ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي إلى القاهرة، واستقر عوضه. وقتل سيف الدين خاص بك، في يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى، ضربت عنقه، وكان ممن فر إلى بلاد المغرب وقبض عليه.
ومات الشيخ نور الدين الكناني المقرئ، ليلة الأربعاء عشرى جمادى الأولى بروضة مصر.
مات سراج الدين عمر الأسعردي، في يوم الأربعاء ثالث رجب.
ومات الطواشي شبل الدولة كافور الطيبرسي- الشهير بالعاجي- يوم الخميس ثامن عشر رجب.
ومات جمال الدين عبد اللّه بن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة، يوم الثلاثاء رابع عشرى رجب.
ومات شهاب الدين أحمد بن العسقلاني، إمام جامع المنشاة، يوم الأربعاء سلخ رجب.
ومات شهاب الدين محمد بن عبد الحميد- المتصدر بجامع عمرو- بمصر يوم الأحد تاسع عشر شعبان، ومولده سنة أربع وعشرين وستمائة، وكان معتقداً.

.سنة سبع عشر وسبعمائة:

أول المحرم: قدم طيبغا الحموي مبشراً بسلامة الحاج، ووصل القاضي كريم الدين ناظر الخاص من القدس يوم الإثنين سادسه. وقمم الأمير سيف الدين أرغون النائب من الحجاز يوم الثلاثاء سابعه.
وفيه مرضت امرأة الأمير سيف الدين طغاي وماتت، فأكثر زوجها من الصدقة، وفرق بداره التي كانت للملك المنصور قلاوون بالقاهرة مالاً على الفقراء، وهلك في الزحام اثنا عشر شخصاً وبهيمة كانت تحت أحدهم.
وفي حادي عشرى صفر: شنع الناس بموت القاضي كريم الدين، فركب في سادس عشريه وصعد إلى مصر، فزينت له وأوقدت الشموع.
وفيه قدم البريد بمحضر ثابت على قاضي بعلبك بنزول مطر في يوم الثلاثاء سابع صفر ببعلبك، عقبه سيل عظيم أتلف شيئاً كثيراً، وهدم قطعة من السور، وغرق المدينة، وتلف بها شيء كثير، ومات ألف وخمسمائة إنسان سوى من مات تحت الردم، وانهدم منه بستاناً، وثلاثة عشر جامعاً ومدرسة ومسجداً، وسبعة عشر فرناً، وأحد عشر طاحوناً، وهدم برجاً من السور ارتفاعه ثمانية وثلاثون ذراعاً ودوره من أسفله ثلاثة عشر ذراعاً، ذهب جميعه.
وفي ثالث عشر جمادى الأولى- وهو يوم السبت تاسع عشرى أبيب-: قدم المفرد إلى مصر وعلق الستر، فنقص النيل في ليلة الأحد ثلاثة أصابع، فخلق المقياس يوم الأحد، وفتح الخليج مع النقص، ثم رد النيل وزاد إصبعين نودي بهما يوم الأربعاء ثالث مسرى. واستمرت الزيادة، فكان ينادي في اليوم بتسعة أصابع وما دونها حتى بلغت الزيادة في يوم الأحد رابع عشرى توت- وهو ثالث رجب- ثمانية عشر ذراعاً وستة أصابع، وفسد من ذلك عدة مواضع لقلة الاعتناء بالجسور.
وفي بكرة يوم الخميس رابع جمادى الأولى: سار السلطان ومعه خمسون أميراً، وكريم الدين الكبير ناظر الخاص. والفخر ناظر الجيش، وعلاء الدين بن الأثير كاتب السر، بعدما فرق في كل واحد فرساً مسرجاً وهجينين، وبعضهم ثلاثة هجن. وركب السلطان إلى الأمير تنكز نائب الشام أن يلقاه بالإقامات لزيارة القدس، فتوجه إلى القدس، ودخل إلى الكرك، وعاد في رابع جمادى الآخرة، فكانت غيبته أربعين يوماً.
وفي ثامن عشره: قدم الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي ومعه الأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير ركن الدين بيبرس الدوادار، من سجن الكرك، فخلع السلطان عليهما، وأنعم على بهادر بإمرة في دمشق، ولزم بيبرس داره، ثم أنعم عليه بتقدمه ألف على عادته.
وفيه صرف أمين الدين عبد اللّه بن الغنام من نظر الدواوين، ونزل بتربته من القرافة، واستمر التاج إسحاق بن القماط والموفق هبة الله مستوفي الأمير سلار في نظر الدواوين عوضه نقلا من استيفاء الدولة، واستقر كريم الدين أكرم الصغير في نظر الكارم ودار القند في ثالث عشريه، وخلع على الثلاثة في يوم السبت خامس عشريه.
وفي رابع رجب: تقطعت جسور منية الشيرج وقليوب، وغرقت ليلة خامسه، وفر أهلها وتلفت أموالهم وغلالهم. فركب متولي القاهرة وغلق سائر الحوانيت والأسواق، وأخذ الناس والعسكر والأمراء لتدارك ما بقي من الجسور.
وفيه قدم الأمير محمد بن عيسى ومعه ابن أخيه موسى بن مهنا، فأنعم عليهما.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره: صرف قاضي القضاة شمس الدين الحريري الحنفي عن قضاء مصر خاصة، واستقر عوضه سراج الدين عمر بن محمود بن أبي بكر الحنفي قاضي الحسينية، فجلس سراج الدين للحكم في يوم الثلاثاء تاسع عشره، ومات ليلة الثاني والعشرين من رمضان، وعاد ابن الحريري إلى قضاء مصر. وكان سبب عزله أنه بالغ في الحط على الكتاب من النصارى والمسالمة، وأخرق بجماعة منهم وضربهم، وكان إذا رأى نصرانياً راكباً أنزله وأهانه وإذا رأى عليه ثياباً سرية نكل به، فضاق ذرعهم به، وشكوا أمرهم إلى كريم الدين الكبير.
فلما أخذ السلطان دار الأمير سلار ودور إخوته وقطعتة من الميدان، وأنشأ الأمير سيف الدين بكتمر الساقي المظفري قصراً في موضع ذلك على بركة الفيل. أراد السلطان أن يدخل فيه قطعة من أرض بركة الفيل، وهي في أوقاف الملك الظاهر بيبرس على أولاده، فأراد استبدال ما يحتاج إليه منها بموضع آخر، وأراد من ابن الحريري الحكم بذلك كما هو مذهبه، فابى وجرت بينه وبين السلطان مفاوضة قال فيها: لا سبيل إلى هذا، ولا يجوز الاستبدال في مذهبي، ونهض قائماً وقد اشتد حنق السلطان منه. فسعى السراج عند كريم الدين الكبير في قضاء مصر. ووعد بأنه يحكم بذلك، فأجيب وحكم بالاستبدال وصار ابن الحريري على قضاء الحنفية بالقاهرة فقط، فمرض السراج عقيبها إلى أن مات في ثالث عشرى رمضان، فعد ذلك من بركة الحريري، وأعيد إليه قضاء مصر.
وفي أواخر شعبان: عدى جماعة من الططر الفرات، وقدم دمشق في سادس رمضان منهم أمير كبير اسمه طاطاي في مائة فارس بنسائهم وأولادهم، ودخلوا القاهرة في شوال.
وفي رمضان: عادت الرسل من عند أزبك، وهم أيدغدي الخوارزمي ومن معه، وصحبته رسل إزبك.
وفيه قدم البريد بأنه ظهر في سابع عشر ذي القعدة رجل من أهل قرية قرطياوس من أعمال جبلة زعم أنه محمد بن الحسن المهدي، وأنه بينا هو قائم يحرث إذ جاءه طائر أبيض فنقب جنبه وأخرج روحه وأدخل في جسده روح محمد بن الحسن، فاجتمع عليه من النصيرية القائلين بإلهية علي بن أبي طالب نحو الخمسة آلاف، وأمرهم بالسجود له فسجدوا، وأباح لهم الخمر وترك الصلوات وصرح بأن لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد، ورفع الرايات الحمر، وشمعة كبيرة تقد بالهار ويحملها شاب أمرد زعم أنه إبراهيم بن أدهم، وأنه أحياه، وسمي أخاه المقداد بن الأسود الكندي، وسمي أخر جبريل، وصار يقول له: اطلع إليه وقل كذا وكذا، ويشير إلى الباري سبحانه وتعالى، وهو بزعمه علي بن أبي طالب، فيخرج المسمى جبريل ويغيب قليلاً، ثم يأتي ويقول: افعل رأيك. ثم جمع هذا الدعي أصحابه وهجم على جبلة يوم الجمعة العشرين منه، فقتل وسبى وأعلن بكفره، وسب أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما. فجرد إليه نائب طرابلس الأمير شهاب الدين قرطاي الأمير بدر الدين بيليك العثماني المنصوري على ألف فارس فقاتلهم إلى أن قتل الدعي، وكانت مدة خروجه إلى قتله خمسة أيام.
وفيه قدم كتاب المجد إسماعيل بن محمد بن ياقوت السلامي بإذعان الملك أبي سعيد ابن خربندا، ووزيره خواخا على شاه، والأمير جوبان، والأمراء أكابر المغل للصلح، ومعه هدية من جهة خواجا رشيد الدين، فجهزت إلى أبي سعيد هدية جليلة من جملتها فرس وسيف وقرفل.
وفيه أفرج عن الشريف منصور بن جماز أمير المدينة النبوية، وكان قد قبض عليه وحضر مع أمير الركب، وأعيد إلى ولايته عوضاً عن أخيه ودي بن جماز، وسار منصور إلى المدينة ومعه عز الدين أيدمر الكوندكي.
وفيه قدم البريد من حلب بخروج ريح في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول وقت العصر سوداء مظلمة تمادت تلك الليلة، ومن الغد عقبها برق ورعد عظيم ومطر غزير وبرد كبار، وجاء سيل لم يعهد مثله، فأخذ كل ما مر به من شجر وغيره، وتكون عمود من نار متصل اقتلع كنيسة كبيرة من عهد الروم، ومشى بها رمية سهم، ثم فرقها الريح حجراً.
وفيه قدم الخبر بعود حميضة من العراق إلى مكة، ومعه نحو الخمسين من المغل، فمنعه أخوه رميثة من الدخول إلا بإذن السلطان، فكتب بمنعه من ذلك ما لم يقدم إلى مصر. وفيه قبض على الأمير أقبغا الحسني، وضرب وأخرج إلى دمشق على إمرة، من أجل أنه شرب الخمر، ووسط خازن داره، وقطعت ألسنة جماعة من أصحابه، وكحل جماعة منهم.
وفيه قدم الشريف رميثة أمير مكة فاراً من أخيه حميضة، وأنه ملك مكة وخطب لأبي سعيد بن خربندا وأخذ أموال التجار، فرسم بتجريد الأمير صارم الدين أزبك الجرمكي، والأمير سيف الدين بهادر الإبراهيمي في ثلاثمائة فارس من أجناد الأمراء، مع الركب إلى مكة.
وفيه عزل الأمير ركن الذين بيبرس أمير أخور من الحجوبية، واستقر عوضه الأمير سيف الدين ألماس، وكان ألماس تركياً غتمياً لا يعرف باللسان العربي.
وفيها أخرج إلى الشام الأمير عز الدين أيدمر الدوادار، وعلاء الدين على الساقي، وعلاء الدين مغلطاي السنجري، وطغاي الطباخي، وشرف الدين قيران الحسامي أمير علم. وأنعم عليهم بإمريات وإقطاعات بها.
وفيه قدم مندوه الكردي الفار من أسره بملطية بعدما أمن، فأنعم عليه بأمرة في دمشق.
وفيه حاصر الأمير سنجر الجاولي غزة قلعة سلع- ومعه نحو العشرة آلاف فارس- مدة عشرين يوماً إلى أن أخذها، وقتل من أهلها ستين رجلاً من العرب المفسدين، وغنم العسكر منها شيئاً كثيراً، ورتب الجاولي بها رجالاً وعاد إلى غزة.
وفي جمادى الأول استقر فخر الدين أحمد بن تاج الدين سلامة السكندري المالكي في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزواوي بعد موته، فسار فخر الدين إليها من القاهرة، وقدمها في عشريه.
وفيه كان روك المملكة الطرابلسية على يد شرف الدين يعقوب ناظر حلب، فاستقر أمرها لاستقبال رمضان سنة عشر وسبعمائة الهلالي، ومن الخراجى لاستقبال مغل سنة سبع عشرة. وتو بهذا الروك إقطاعات ستة أمراء طبلخاناه، وثلاثة إقطاعات أمراء عشروات، وأبطل منها رسوم الأفراح، ورسوم السجون، وغير ذلك من المكوس التي كان مبلغها في كل سنة مائة ألف درهم وعشرة آلاف درهم، وقدم شرف الدين بأوراق الروك إلى القاهرة.
وفيه قدم الأمير علاء الدين أيدغدي الخوارزمي وحسين بن صاروا وبطرك الملكية من بلاد أزبك، ومعهم عدة من رسل أزبك: وهم شرنك وبغرطاي وقرطقا وعمر القرمي، ورسل الأشكري صاحب قسطنطينية، وهم خادمه وكبير بيته ميخائيل وكاشمانوس وتادروس، ومعهم الهدايا: فدية أزبك ثلاث سناقر وستة مماليك وزردية وخوذة فولاذ وسيف، فأكرموا وأعيدوا مع الأمير سيف الدين أطرجي والأمير سيف الدين بيرم خجا، بهدية قيمتها عشرة آلاف دينار.
وفيه سافر السلطان إلى الصيد بالبحيرة، وأقام أياماً وعاد. وفيه أعطى السلطان زين الدين قراجا التركماني النازل بالبركة إمرة.
وفيه استقر الشهاب محمود بن سليمان بن فهد الحلبي في كتابة السر بدمشق، بعد موت شرف الدين عبد الوهاب بن فضل اللّه العمري. واستقر الأمير سيف الدين ألجاي دواداراً، بعد موت بهاء الدين أرسلان.
وفيه طلق السلطان زوجته خوندا أردركين ابنة الأمير سيف الدين نوكاي. وفيه أنعم على الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا بإقطاع الأمير سيف الدين قلي السلاح دار، بعد موته. وحج بالركب الأمير سيف الدين مجليس، ومعه من الأمراء شرف الدين أمير بن جندر وعرلوا الجوكندار، وسيف الدين ألجاي الساقي، وسيف الدين طقصبا الظاهري، وشمس الدين سنقر المرزوقي، وحج أيضاً الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وأخوه محمد في عدة من عرب آل فضل، بلغت عدتهم نحو اثنى عشر ألف راحلة. وفيه تمزقت جماعة الثائر بجبلة، وكان قد قام في النصيرية وادعى أنه المهدي، وأن دين النصيرية حق، وأن الملائكة تنصره. فركب العسكر وقاتلوه فقتل، ورسم أن يبنى بقرى النصيرية في كل قرية مسجد، وتعمل له ارض لعمل مصالحه، وأن يمنع النصيرية من الخطاب وهو أن الصبي إذا بلغ الحلم عملت له وليمة، فإذا اجتمع الناس وأكلوا وشربوا حلفوا الصبي أربعين يميناً على كتمان ما يودع من الذهب، ثم يعلمونه مذهبهم وهو إلهية علي بن أبي طالب، وأن الخمر حلال، وأن تناسخ الأرواح حق، وأن العالم قديم، والبعث بعد الموت باطل، وإنكار الجنة والنار، وأن الصلوات خمس وهي إسماعيل وحسن وحسين ومحسن وفاطمة، ولا غسل من جنابة، بل ذكر هذه الخمسة يغني عن الغسل وعن الوضوء، وأن الصيام عبارة عن ثلاثين رجلاً وثلاثين امرأة ذكروهم في كتبهم، وأن إلههم علي بن أبي طالب خلق السموات والأرض، وهو الرب، وأن محمداً هو الحجاب وسلمان هو الباب.

.ومات في هذه السنة:

ممن له ذكر شمس الدين أبو العباس أحمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الطيبي، بطرابلس في سادس عشرى رمضان، عن تسع وستين سنة، كان أديباً فالملا؛ باشر الإنشاء مدة، ونفل إلى طرابلس في توقيعها إلى أن مات، ومن شعره:
هجرت الخمر لما صح عندي ** بأن الخمر آفة كل طاعة

ولم تر مقلتي في الخمر شيئاً ** سوى أن تجمع الأحباب ساعة

ومات الأمير بهاء الدين أرسلان الدوادار الناصري، يوم الثلاثاء ثالث عشرى رمضان، فوجد له مال جزيل: منه أربعون حياصة ذهباً، وأربعون كلفتاه زركش، ومبلغ ثلاثين ألف دينار، وإليه تنسب خانكاه بهاء الدين بمنشاة المهراني.
ومات شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمري كاتب السر، يوم الثلاثاء ثالث رمضان بدمشق، ومولده سابع ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة، حدث عن ابن عبد السلام، وبرع في الأدب، وكان ديناً عاقلاً وقوراً، ناهضا ثقة أميناً مشكوراً. مليح الخط جيد الإنشاء، فولي بعده شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي أحد كتاب الدرج بديار مصر، نقل إليها من القاهرة، فقدم دمشق ثامن عشرى شوال.
ومات فخر الدين عثمان بن بلبان بن مقاتل معيد المدرسة المنصورية بين القصرين، وكان فاضلاً، حدث وروى وحصل وكتب وخرج، ومات عن اثنتين وخمسين سنة. ومات علاء الدين على فتح الدين محمد بن محيي الدين عبد اللّه بن عبد الظاهر السعدي، أحد أعيان كتاب الإنشاء، يوم الخميس رابع رمضان، وكان عالي الهمة صاحب مكارم، وتمكن من الأمير سلار أيام نيابته، فإنه كان موقعه.
ومات زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد ابن يوسف الصنهاجي المراكشي الإسكندارني، في أول يوم من ذي الحجة.
ومات جمال الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي الربيع سليمان بن سومر الزواوي المالكي قاضي دمشق، في تاسع جمادى الأولى بها، ومولده سنة تسع وعشرين وستمائة، وقدم الإسكندرية وهو شاب، وتفقه بها حتى برع في مذهب مالك، وأَكثر من سماع الحديث، فسمع من ابن رواج والسبط وأبي عبد اللّه المريني وأبي العباس القرطبي وابن عبد السلام وأبي محمد بن برطلة، وولي قضاء المالكية بدمشق ثلاثين سنة، بصرامة وقوة في الأحكام وشدة في إراقة دماء الملحدين والزنادقة والمخالفين، إلى أن اعتل بالرعشة نحو عشرين سنة، ومازال إلى يعلته أن عجز عن الكلام، فصرف. ومات بعد عزله بعشرين يوماً، وبعد أن علم بالعزل بسبعة أيام.
ومات الصدر شرف الدين محمد بن الجمال إبراهيم بن الشرف عبد الرحمن بن صصري الدمشقي، يوم الجمعة سابع ذي الحجة بمكة، وعمره خمس وثلاثون سنة، فدفن بالمعلاة، وكان حسن الأخلاق.
ومات بطرابلس عماد الدين محمد بن صفي الدين محمد بن شرف الدين يعقوب النويري، صاحب ديوان طرابلس.
ومات الأمير سيف الدين قلني السلاح دار.
ومات الأمير شمس الدين الذكر السلاح دار- صهر علم الدين سنجر الشجاعي- وهو في الحبس.
ومات الأمير سيف الدين ألكتمر- صهر الجوكندار- بالحبس أيضاً.
ومات الخطيب عماد الدين ابن بنت المخلص، في حادي عشرى المحرم.
ومات قاضي القضاة نجم الدين الحنفي الملطي، يوم الإثنين رابع ربيع الأول.
وفيه خلع نفسه الأمير أبو يحيى زكريا اللحياني بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أبي حفص ملك تونس، وولى ابنه أبا عبد اللّه محمد المعروف بأبي ضربة في آخر ربيع الآخر، وكانت مدته ست سنين.