فصل: سنة ست وثلاثين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ست وثلاثين وسبعمائة:

في المحرم: قدم مملوك المجد السلامي من العراق بكتاب أستاذه وصحبته بيرم رسول بوسعيد، فنزلا بدار الضيافة، وسافرا يوم الخميس خامس عشريه. وكان الكتاب يتضمن أن بوسعيد مرض، فتصدق بمال كثير، وكتب بإسقاط المكوس من توريز وبغداد والموصل، بواسطة الوزير محمد بن الرشيد، وأن سديد الدولة ديان اليهود مر بقارئ يقرأ قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} فوقف واستعاده قراءتها، وبكى بكاء شديدا، وقد اجتمع عليه الناس، ثم أعلن بكلمة الإسلام، فارتجت بغداد لإسلامه، وغلقت أسواقها، وخرج النساء والأولاد، فأسلم بإسلامه ستة من أعيان اليهود، وسارعت العامة ببغداد إلى كنائس اليهود، فخربوها ونهبوا ما فيها.
وفيها تم بناء خانكاه الأمير قوصون بجوار جامعه من داخل باب القرافة، وتمت عمارة حمامها أيضاً. فقرر قوصون في مشيختها الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصفهاني في يوم الخميس ثاني صفر، وعمل بها سماط جليل.
وفي يوم الخميس تاسع عشر ربيع الآخر: توجه السلطان إلى الوجه القبلي حتى وصل إلى دندرا، وعاد فطلع القلعة في يوم الخميس خامس جمادى الأولى، وكانت غيبته خمسة وأربعين يوماً.
وفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول: عزل الأمير سيف الدين بغا عن الدوادارية، واستقر عوضه سيف الدين طاجار المارديني، ثم أخرج بغا عن إمرة عشرة بصفد، في ليلة الجمعة سادس ربيع الآخر. وسببه أن بعض تجار قيسارية جهاركس طرح عليه النشو ثياباً بضعفي قيمتها كما هي عادته، فرفع قصة للسلطان على يد بغا، وأحضره بغا بين يديه فشكا حاله. فاستدعى السلطان النشو بحضور التاجر، وقال له: كم تشكو الناس منك اسمع ما يقول هذا عنك من طرح القماش عليه بأغلى الأثمان. فقال: يا خوندا هذا ما يشتكي من أمر القماش، لكنه عليه للسلطان مبلغ ثلاثين ألف دينار، وقد هرب مني وأنا أتطلبه. وهذا المبلغ من إرث جارية تزوجها التاجر- وهي من جواري الشهيد الملك الأشرف خليل- ماتت عنده، وخلفت نحو مائة ألف دينار وما بين جواهر وغيرها، فأخد الجميع ولم يظهر السلطان على شيء. ثم التفت النشو إلى التاجر وقال له: بحياة رأس السلطان ما كنت متزوجاً بفلانة؟- يعني الجارية المذكورة- فقال: نعم!. فأمره السلطان أن يسلمه لابن صابر المقدم حتى يستخلص منه المال، فأخذه ابن صابر وشهره بالقاهرة، وعاقبه بالقيسارية مراراً حتى أخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم. ثم تحول النشو على بغا وسعى به أنه يأخذ البراطيل، وكان السلطان لا يرتشي ويمقت من يرتشي ويعاقبه أشد العقوبة، فأثر كلامه عند السلطان حتى أخرجه. وسعى النشو أيضاً بطقتمر الخازن حتى غير السلطان عليه، وأخرجه إلى قلعة حلب نائباً بها في تاسع عشرى رجب. وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة: رسم للأمير سيف الدين أيتمش المحمدي بنيابة صفد، عوضاً عن أرقطاي المرسوم بنقله إلى مصر، فخلع عليه يوم السبت حادي عشره، وودع السلطان يوم الإثنين ثاني عشر رجب. وخرج أيتمش إلى الريدانية، ثم رحل منها يوم الخميس خامس عشره، فقدم صفد يوم السبت ثامن شعبان. وقدم الأمير أرقطاي إلى قلعة الجبل يوم الأحد سادس عشرى جمادى الآخرة، وأنعم عليه بإقطاع أيتمش وتقدمته، وأكرمه السلطان.
وفيه أخرج بلبان الحسامي والي القاهرة كان- إلى ولاية دمياط ثامن عشره، واستقر عوضه في ولاية القاهرة علاء الدين بن حسن المرواني وهو والي الولاة بالوجه البحري يومئذ.
وفي ليلة ثالث عشر رجب: قبض على ابن هلال الدولة، وعلى ناصر الدين محمد ابن المحسن وأخرجا إلى الإسكندرية بسعاية النشو عليهما.
وسببه أن الناس توقفت أحوالهم في القاهرة من جهة الفلوس، وتحسنت أسعار الغلال، وتعذر شراء الخبز إلا بمشقة. فوجد النشو سبيلاً إلى القول، ورمي ابن هلال الدولة بأنه تحول من القرافة إلى جوار ناصر الدين بن المحسني بخط البندقانيين من القاهرة، وأنهما يجتمعان ليلاً ويندبان عدة من العامة لإغلاق دكاكين القاهرة والتعنت في أمر الفلوس، وأن ناصر الدين بن المحسني قد باطن جماعة من الحرامية على الفتك بي وأن إقامة الإثنين بالقاهرة توجب فساداً كبيراً. ومازال النشو بالسلطان حتى إخرجهما بعدما قبض عليهما، وكان ابن هلال الدولة من ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين في الترسيم بالقلعة، ثم أخرج بدر الدين والد ابن المحسني وإخوته إلى طرابلس.
وفي يوم الثلاثاء ثالث رمضان: دخل الأمير الشريف بدر الدين ودي بن جماز ابن شيحة الحسني أمير المدينة النبوية، شاكياً من ابن أخيه طفيل بن منصور بن جماز أنه لم يوافق على ما رسم به من شركتهما في الإمرة. وكان قد رسم في سادس عشر المحرم لودي بنصف الإمرة شركة بينه وبين ابن أخيه طفيل، وخلع عليه وكتب له توقيع بواسطة الأمير شرف الدين موسى بن مهنا عند قدومه، فقدم طفيل من المدينة في جمادى الأولى ليكون بمفرده في الإمرة، فلم يجب إلى ذلك. ثم آل الأمر إلى أن استقر ودي بمفرده في الإمرة بغير شريك، وخلع عليه في عاشر شوال، وتوجه مع الركب، ورسم لطفيل بإقطاع في بلاد حوران بالشام، فسكنها بعياله.
وفي تاسع شهر رمضان: أنعم على إبراهيم ابن السلطان بإمره، ونزل الأمير قوصون والأمير بشتاك به إلى المدرسة المنصورية بين القصرين، وعمل مهم عظيم. وألبس الأمير إبراهيم الشربوش على العادة، وشق القاهرة في موكب جليل، وقد زينت بالشموع والقناديل حتى صعد القلعة.
وفيها رافع التاج كاتب الأمير بكتوت التاج محيي الدين بن فضل الله كاتب السر وولده شهاب الدين أحمد بورقة قرأها السلطان، تتضمن أنهما عزلاه بغير علم السلطان. فطلبهما السلطان وأوقفهما عليهما، فعرفاه أن هذا كان يكتب الإنشاء بغزة، فكتب تواقيع بغيره بذلك بمقتضى قصة مشمولة بالخط الشريف، وأحضرا القصة، فأخرج الرجل، ووجد النشو طريقاً للوقوع في ابن فضل الله، فتسلط عليه بالكلام السيئ.
وفيها اشتدت وطأة النشو على الناس، وابتكر مظلمه لم يسبق إليها. وهي أنه ألزم الصاغة ودار أهل الضرب ألا يبتاع أحد منهم ذهباً، بل يحمل الذهب جميعه إلى دار الضرب، ليصك بصكة السلطان ويضرب دنانير هرجة، ثم تصرف بالدراهم، فجمع من ذلك مالاً كبيراً للديوان. ثم تتبع النشو الذهب المضروب في دار الضرب، فأخذ ما كان منه للتجار والعامه، وعوضهم عنه بضائع، وحمل ذلك كله للسلطان. وانحصر ذهب مصر بأجمعه في دار الضرب، فلم يجسر أحد على بيع شيء منه في الصاغة ولا غيرها. ثم إن السلطان استدعى منه بعشرة ألاف دينار، فاعتذر عنها فلم يقبل عذره ونهره، فنزل النشو وألزم أمين الحكم بكتابة ما تحت يده من مال الأيتام، وطلب منه عشرة ألاف دينار قرضاً في ذمته، فدله على مبلغ أربعمائة ألف درهم لأيتام الدواداري تحت ختم بهاء الدين شاهد الجمال، فأخذها منه وعوضه عنها بضائع. ثم بعث النشو إلى قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى الإخنائي المالكي في تمكينه من مال أولاد الأمير أرغون النائب، وهو ستة ألاف دينار، وكانوا تحت حجره فامتنع وقال: السلطان ما يجل له أخذ مال الأيتام فرد عليه: بأن السلطان إنما يطلب المال الذي سرقه أخوك من خزانة الخاص حيث كان ناظرها، فإن الحساب يشهد علي بما سرقه من الخزانة، وقام في فورة إلى السلطان، ومازال به حتى بعث إلى القاضي يلزمه يحمل المال الذي سرقه أخوه من الخزانة، ويقول له: أنت إيش كنت من مملوكي؟ فلم يجد قاضي القضاة بداً من تمكين النشو من أخذ المال.
وفيها أمر السلطان أيضاً بتشديد العقوبة على أولاد التاج إسحاق وألزامهم.
وفيها تحركت أسعار الغلال من نصف جمادى الآخرة، وارتفع القمح من خمسة عشر درهماً الأردب إلى عشرين درهماً، ثم إلى ثلاثين درهماً، فوقفت أحوال الناس. وارتفع القمح إلى أربعين درهماً، فأمسك الأمراء وغيرهم من البيع طلباً للفائدة، فخاف السلطان عاقبة ذلك، فطلب نجم الدين محمد بن حسين بن على الأسعردي المحتسب وقد بلغ الأردب خمسين درهماً وأنكر عليه، وأقام معه والي القاهرة علاء الدين علي بن حسن المرواني وكان ظالماً غشوماً. فضرب الوالي عدة من الطحانين والخبازين بالمقارع، فاشتد الأمر، وغلقت الحوانيت بالقاهرة ومصر، وتعذر شراء الخبز إلا بمشقة عظيمة.
فكتب السلطان بحمل الغلال من غزة والكرك والشوبك وبلاد دمشق، وألا يترك بها غلة مخزونة حتى تحمل إلى القاهرة. ونودي بالقاهرة ومصر ألا يباع القمح بأكثر من ثلاثين درهماً الأردب، ومن باع بأكثر من ثلاثين نهب ماله، وتقدم السلطان إلى الأمراء بألا يخالفوا ذلك. فأمسك مباشرو الأمراء أيديهم عن البيع، وصاروا يجلسون بأبواب الشون ولا يبيعون منها شيئاً، فاشتد الأمر. وباع السماسرة الأردب بستين وبسبعين خفية، وصار الأمراء يخرجون الغلة من الشون على أنها جراية لمخاديمهم، وما هي إلا مبيع بما ذكر.
فاهتم السلطان بالغلاء، وشق عليه ما بالناس من ذلك، وعلم أن أكثر الغلال إنما هي للأمراء، فطلب ضياء الدين يوسف أبي بكر بن محمد الشهير بالضياء ابن خطيب بيت الآبار الشامي ناظر المارستان وناظر الأوقاف، وقد اشتهرت نهضته وكفايته وأمانته، وفوض إليه الحسبة بمصر بعد امتناعه منهما، وأكد عليه في القيام بما ندبه إليه، وخلع عليه في ثالث جمادى الآخرة. ونزل الضياء ومعه الأكز شاد الدواوين إلى مصر، فكان يوماً مشهوداً. وأول ما بدأ به الضياء أن ختم شون الأمراء كلها، بعد أن كتب ما فيها من عدة الأرادب، وكتب ما يحتاج إليه الأمير من الجراية لمئونته والعليق لدوابه إلى حين قدوم المغل الجديد، ثم طلب الشماسرة والأمناء والكيالين، وأشهد عليهم ألا تفتح شونة إلا بإذنه.
وصار الضياء يركب في كل يوم إلى شونة، ويخرج ما فيها، فيبدأ بتكفية الطحانين، ولا يبيع الأردب إلا بثلاثين درهماً، فلم يقدر أحد على بيعه بأكثر من ذلك. ثم بلغ الضياء أن سمساري الأميرين قوصون وبشتاك باعا بأكثر من ذلك، فاستدعي الأمير الأكز إلى مصر فضربهما بالمقارع واشهرهما. ثم عرف الضياء السلطان بأمرهما، فاشتد غضبه، وطلب الأمير قوصون حضرة الأمراء، وصرخ عليه: ويلك أنت تريد أن تخرب على مصر؟ وتخالف مرسومي؟ وسبه ولعنه، وشهر عليه السيف وضربه على أكتافه ورأسه، وصار يقول: هاتوا أستاداره فسارع النقباء لإحضاره ومن شره غضب السلطان صار يقوم ويقعد ويقول هاتوا أستاداره، حتى خرج أمير مسعود الحاجب بنفسه إلى باب القلعة والحاجب الآخر. وارتجت القلعة بأسرها، وخاف الأمراء كلهم، فلم ينطق أحد منهم لشدة ما رأوا من غضب السلطان. فلم يكن أسرع من حضور قطلو أستادار قوصون، فأمر السلطان الأكز بضربه بالمقارع، ثم أمر به فبطح بين يديه وضرب، خوفاً عليه من إفحاش الأكز في ضربه، فلم يتجاسر أحد بعدها من الأمراء أن يفتح شونته إلا بأمر المحتسب.
ثم بلغ الضياء أن الأمير طشتمر الساقي أخرج من شونته أربعمائة أردب، فأنكر على ديوانه، وحلف أنهم إن لم يعيدوا الأربعمائة أردب إلى الشونة، وإلا عرف السلطان ذلك، فلما بلغ الأمير طشتمر هذا رد الغلة إلى الشونة.
وكتب السلطان إلى ولاة الأعمال أن يركبوا بأنفسهم إلى جميع النواح ويحملوا ما بها من الغلال، بحيث لا يدعون غلة في مطمورة ولا مخزن، ولا أحد عنده غلة حتى يحمل ذلك كله إلى مصر، وتحضر أربابها لأخذ أثمانها عن كل أردب مبلغ ثلانين درهماً ونودي بالقاهرة ومصر: من كان عنده غلة ولا يبيعها نهبت.
وكان قد بلغ السلطان أن الأجناد عندهم غلال، وهم يبيعونها بالويبة، فباع بعضهم بعد النداء، وتهاون طائفة منهم فلم يبيعوا شيئاً. فنم عليهم جيرانهم حتى كان منهم من تهجم السوقة الحرافيش عليه وتنهبه، ومنهم من يغمز عليه فيأتيه الوالي ويخرج غلته حتى تفرق على الطحانين. وأقيم في كل فرن شاهد لحصر ما يحمل إليه من الدقيق المرتب له، وعمل معدل كفاية البلد في كل يوم، وفرق القمح فيهم على قدر كفايتهم، فسكن ما كان بين الناس من العناء في طلب الخبز، ومن ضرب الطحانين والخبازين.
فلما كان في آخر شهر رجب: قدم من الشام أربع ألاف غرارة قمح. ثم قدم في أخر شعبان أحمال كثيرة من بلاد الصعيد، وتبعها الحمل في البر والبحر من الشرقية والغربية والبحيرة. وخاف أرباب الغلال على أنفسهم، فأخرجوها للبيع، حتى إذا أهل شهر رمضان قدمت التراويج في أوائل الحصاد. ووافق ذلك النداء على النيل بالزيادة، فعبرت المراكب فيه بالغلال إلى ساحل مصر، وزفت بالمغاني، وكان الخبز يباع ستة أرطال بدرهم، فبيع من الغد ثمانية أرطال بدرهم. فلم ينسلخ لشهر رمضان حتى فرج الله عن عباده، ونزل السعر قليلاً قليلاً، بعدما ظن كثير من الناس أنه نظير غلاء العادل كتبغا، فسلم الله بمنه.
وفي يوم الأربعاء رابع عشر شوال: قدم رسل الملك موسى الذي ملك بعد أربا كاؤن ورسول علي بادشاه. فخلع عليهما وأنعم على جماعته بمال كثير.
فلما كان يوم الجمعة: ركبوا من القلعة بعد الصلاة، ومضوا فزاروا الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، وعادوا إلى التربة المنصورية بين القصرين، فزاروا قبر السلطان الملك المنصور قلاوون، وعدوا المارستان وطلعوا إلى القلعة، ودقت الكوسات عند نزولهم منها ثم عند عودهم إليها، وسافروا في تاسع عشريه. وملخص كتبهم الخبر بموت ملك الشرق القان بوسعيد ابن القان محمد خربندا بن أرغون أبغا ابن عدو الله هولاكو بن طلوخان ابن عدو الله جنكز خان، بالباب الحديد وهو متوجه إلى لقاء أزبك خان، وأنه قام من بعده أربا كاؤن بن صوصا بن سنجقان بن ملكتمر بن أريغبغا أخي هولاكو بمساعدة الوزير غياث الدين بن رشيد الدين. فلم يوافقه علي بادشاه حاكم بغداد في الباطن، واستمال أولاد سونتاي فلم يوافقوه، فجمع على بادشاه المغل عليه، وكتب إلى السلطان الناصر يعده بأنه يسلم بغداد ويكون نائباً عنه بها، وسأله في إعانته بنجدة على أولاد سونتا تكون مقيمة على الفرات. ففرح السلطان بذلك وأجابه بالشكر، وبعث إليه خمسة قواقل وخمسة سيوف. فقوي عزم علي بادشاه، وركب إلى أولاد سونتاي، فاجتمعوا على الشيخ حسن بن أقبغا أيلخان سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو المعروف بالشيخ حسن بك الكبير النوين- بالأردو، وعرفوه انتماء علي بادشاه لصاحب مصر ونصرته له. فكتب الشيخ حسن الكبير إلى السلطان يرغبه في نصرته على علي بادشاه، ويمت إليه بقرابته من أمه، فمطل بالجواب رجاء حضور خبر علي بادشاه. فقدم الخبر بأن علي بادشاه لما ركب لحرب أولاد سونتاي بلغه اجتماعهم والشيخ حسن مع عدة من الأمراء، وأن أربا كاؤن هرب لتفلل أصحابه عنه، وأشيع عنه أنه قتل. وقوي علي بادشاه بمن أنضم إليه من المغل، فسار أولاد سونتاي والشيخ حسن إلى جهة الروم، وانفرد علي بادشاه بالحكم في الأردو، وأقام موسى بن علي بن بيدو بن طرغاي بن هولاكو على تخت الملك.
وفي يوم الأربعاء سابع شوال: تغير السلطان على الأمير الأكز شاد الدواوين، وضربه وحبسه مقيداً. وسبب ذلك أن الأمير قوصون غضب على الأكز من أجل أنه أخرق بقطلو أستاداره، عندما باع شماسرة القمح بأزيد من ثلاثين درهماً الأردب، فعندما رأه في الخدمة السلطانية سبه، فرد عليه الأكز رداً فاحشاً سبه فيه كما سبه، فاشتد حنق قوصون منه وهم أن يلكمه، فبدر إليه وهم في ذلك، وإذا بالسلطان قد جلس وسمع الجلبة، فتقدم إليه الأكز وعرف بما فعله سمسار قوصون وضربه له، وأن قوصون غضب علي بسبب ذلك، وشتمني. فكان من السلطان في حق قوصون ما تقدم ذكره، وصار يقول: إذا كان مملوكي يفعل شيئاً بغير مرسومي ويعترض على أي حرمة تبقي لي؟ وحط على قوصون. فتأخر قوصون عن الخدمة آخر النهار، فاستدعاه السلطان بجمدار، فوجده محموماً، وأقام بالحمى ثلاثة أيام، فبعث إليه الأمير بشتاك وطيب خاطره، وهو يشكو مما جرى عليه، فما زال به حتى دخل إلى الخدمة، فأقبل السلطان عليه، ووعده بالإيقاع بالأكز. ثم طلب السلطان النشو بعد ذلك، وحدثه في أمر الأكز وغض منه، فعين النشو له لؤلؤا عوض الأكز وقام عنه، وطلب لؤلؤا وعرفه ما دار بينه وبين السلطان وكان لؤلؤ خفيفاً أحمق، فوضع من الأكز ودخل من الغد إلى السلطان مع الأكز، وأخذ يجبهه بالكلام ويرافعه وينكيه، حتى حرج منه وسبه. فغضب السلطان بسبب ذلك، وأمر به فضرب بين يديه، وقيد وسجن بالزردخاناه، وخلع على لؤلؤ عوضه في شد الدواوين، وخلع على شمس الدين إبراهيم بن قزوينة، ورسم لهما أن يمتثلا ما يرسم به النشو، ولا يعملا شيئاً إلا بمشورته، ونزلا. فأول ما بدأ به لؤلؤ أن أوقع الحوطة على موجود الأكز، وقبض على مباشريه، وعاقب موسى ابن التاج اسحاق، ونوع عذابه تقرباً لخاطر النشو، وعاقب قرموط وطالبه بحمل المال.
وفي ثاني عشر ذي القعدة: استقر علاء الدين كندغدي العمري في ولاية القلعة، عوضاً عن بيبرس الأوحدي.
وفيها سقط طائر حمام بالميدان، وعلى جناحه ورقة تضمنت الوقيعة في النشو وأقاربه، والقدح في السلطان بأنه قد أخرب دولته. فغضب السلطان من ذلك غضباً شديداً، وطلب النشو وأوقفه على الورقة، وتنمر عليه لكثرة ما يشكى منه فقال: ياخوند الناس معذورون وحق رأسك لقد جاءني خبر هذه الورقة ليلة كتبت وهذه فعلة العلم أبي شاكر بن سعيد الدولة ناظر البيوت، كتبها في بيت الصفي كاتب الأمير قوصون، وقد اجتمع هو وأقاربه. وأخذ النشو يعرف السلطان بما كان من أمر سعيد الدولة في أيام بيبرس الجاشنكير، وأغراه به حتى طلبه، وسلمه إلى الوالي علاء الدين علي بن حسن المرواني فعاقبه عقوبة مؤلمة. وطلب السلطان الأمير قوصون وعنفه على فعل الصفي كاتبه، فطلبه قوصون وهدده، فحلف بكل يمين على براءته مما رمي به فتتبع النشو عدة من الكتاب وجماعة من الباعة، وقبص عليهم بسبب أبي شاكر، ونوع العذاب عليهم بيد الوالي وخرب دورهم وحرثها بالمحراث. وقبض النشو على الموفق هبة الله بن سعيد الدولة، ثم أفرج عنه بعناية الأمير أقبغا عبد الواحد، وعذب ابن الأزرق ناظر الجهات.
واشتدث وطأة النشو على الناس جميعاً، وأوحش ما بينه وبين الأمراء كلهم، وثلب أعراضهم عند السلطان، حتى غيره عليهم.
ثم رتب النشو ضامن دار الفاكهه في أن وقف للسلطان، وسأل أن يسامح بما تأخر عليه، فإن دار الفاكهة أوقف حاله فيها، من أجل أن الأعناب الواصلة من ناحية مرصفا وغيرها عصرت خمرا بناحية شبرا، فتعطل ما كان يؤخذ منها للديوان. فطلب السلطان النشو ولؤلؤاً، وسألهما عن ذلك وعن ناحية شبرا، فقالا: هي للأمير بشتاك، وديوانه إبراهيم جمال الكفاة هو الذي يعصر فيها. فرسم للوالي ولؤلؤ أن يكسرا جميع ما بشبرا من جرار الخمر، وإحضار من هي عنده، فطلب لؤلؤ أستادار بشتاك وأخرق به، فشق ذلك على، بشتاك وشكاه للسلطان، فلم يلتفت إلى شكواه، وقال: أستادارك وديوانك يعصران الخمر ويتجوهان بك؟ ونحو هذا ومضى الوالي ولؤلؤ إلى شبرا، وكسرا فيها ألف جرة خمر، ووجدت جرار كثيرة عليها ختم المخلص أخي النشو، ووجد له أيضاً قند وستمائة جرة فيها خمر عتيق، وكان معهم أستادار الأمير بشتاك، فاشتد عليهم واستطال، فداريا الحال حتى بلغا السلطان ما أرضاه، وسكت عن ذلك.
ثم ندب النشو بكتوت من مماليك الخازن وهو يومئذ شاد شونة الأمير بشتاك لمرافعة إسماعيل أستادار بشتاك وإبراهيم جمال الكفاة ديوانه، فخلا بكتوت ببشتاك وعرفه أن المذكورين أخذا من الخصوص خمسة ألاف أردب، ومبلغ خمسين ألف درهم، وأخذا من الشونة مائة ألف درهم عندما رسم السلطان ببيع الأردب بثلاثين درهماً، فباعوه بستين وبسبعين درهماً، وذكر به أشياء من هذا النوع. فانفعل له بشتاك وبلغ السلطان ذلك، وأحضر بكتوت معه، فطلب السلطان حمال الكفاة وإسماعيل، وطلب النشو أيضاً وذكر له ما قال بكتوت، وأثنى عليه وشكره، فاشتد بأسه وأخذ يجبه مباشري بشتاك بما رماهم به. فثبت جمال الكفاة لمحاققته، وكان مقداماً طلق العبارة، وقال للسلطان: أنا المطلوب بكل ما يقوله هذا فبدأ النشو يذكر من أوراق المرافعة ما يتعلق بالخصوص، فأجاب بأن الذي تولى قبضها الأستادار وممالكيه مع مباشري الناحية، وهذه أوراقهم مشمولة بخطوط العدول، والمقبوض منها أزيد مما كان يقبض في أيام الأمير بكتمر الساقي بكذا وكذا. ثم ذكر جمال الكفاة حديث مبيع الشونة، فقال: منذ باشرت عند الأمير ما تنزلت إلى الشونة، والذي أبيع منها كذا وكذا أردب، بحضور شاهد ديوان الأمير، ومعه شاهداً إضافة وأربعة أمناء وسماسرة من جهة المحتسب. والسلطان يحضرهم ويكشف من دفاترهم عما قلته، فإن وجده بخلاف ما قلته كان في جهة وكان جزائي الشنق. فلما فلج جمال الكفاة بالحجة، قال بكتوت: ياخوند هذا يعصر أربعة ألاف جرة خمر في شبرا فنهره السلطان وقال له. إيش صح من كلامك حتى يصح هذا، وأمر به فأخرج، وعرف بشتاك بأن النشو قد ندبه لذلك، فأسرها في نفسه.
فالتفت النشو بعد ذلك إلى جهة الأمير أقبغا عبد الواحد، ونم عليه للسلطان بأن معامل ناحيتي أبيار والنحراوية قد انكسر عليه مال نحو ثمانين ألف درهم، من جهة أن الأمير أقبغا صار يأخذ من قزازي ناحية طوخ مزيد التي في إقطاعه عن التفاصيل التي تعمل بها ما كان يؤخذ عليها إذا حملت إلى أبيار والنحراوية، وأنه عمل ختما باعه بدل ختم السلطان يختم به التفاصيل المذكورة، وذكر له عنه أشياء تشبه هذا، وأحضر بالحسام العلائي شاد أبيار والنحراوية ليحاقق آقبغا. فأمر السلطان بإحضار آقبغا وأغلظ له، وأمر الشاد بمحاققته، فجبهه بما رماه به النشو واستطال عليه، فخاف آقبغا ولم يأت بعذر يقبل، فطرده السلطان عنه، وأخذ يضع منه والأمير بشتاك يسد خلله حتى كف عن القبض عليه. فشق ذلك على الخاصكية ووقعوا في النشو، وقد علموا أن ذلك من أفعاله.
وفيها قدم كتاب الأمير تنكز نائب الشام يشكو من الأمير أيتمش نائب صفد، من أجل أنه ما يمتثل أمره، ويستبد بغير مراجعته فأجيب بمراعاته وإكرامه. فلم تطل مدة أيتمش بعد ذلك سوى اثنين وثلاثين يوماً ومات، فخلع على الأمير طشتمر الساقي واستقر في نيابة صفد، وزيد على إقطاع النيابة، وأنعم على ولديه بإمرتين.
وفيها خلع على الأمير طيبغا حاجي واستقر في نيابة غزة عوضاً عن جركتمر في سابع عشرى ذي الحجة، ونقل جركتمر إلى نيابة حمص.
وفيها أخرج الأكز على إمرة طبلخاناه بدمشق، في يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي القعدة، فكانت مدة اعتقاله شهراً ونصف شهر.
وفيها عزل الجمال ابن الأثير من كتابة السر بدمشق إلى القاهرة، واستقر عوضه علم الدين محمد بن القطب.
وفي ثالث عشر ذي القعدة: نقل الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان من سكنه بمناظر الكبش إلى قلعة الجبل، وأنزل حيث كان أبوه الحاكم نازلاً، فسكن برج السباع دائماً بعياله، ورسم على الباب جاندار بالنوبة، وسكن ابن عمه إبراهيم في برج بجواره ومعه عياله، ورسم عليه جاندار الباب، ومنعا من الاجتماع بالناس.
وفي ثالث عشرى ذي القعدة: استقر عز الدين أيبك الحسامي البريدي أحد مقدمي الحلقة في ولاية قطيا، عوضاً عن الأمير علاء الدين ألطبرس الدمشقي الزمردي، واستقر ألطبرس من جملة أمراء العشرات.
وفي أول ذي الحجة: قدم الملك الأفضل صاحب حماة، وحصل من الاحتفال به أكثر من كل مرة.
وفي ثالثه: استقر الشيخ محمد القدسي في مشيخة خانكاه الأمير بشتاك، وعملت فيها وليمة عند فراغ بنائها.
وفي يوم عيد النحر: أقيم على مملكة العراق محمد يلقطلو بن تيمور بن عنبرجي ابن منكوتمر بن هولاكو، وقام بأمره الشيخ حسن بك الكبير، فحاربه الملك موسى في رابع عشره، فانهزم موسى بعدما قتل بينهما خلائق، وقتل علي بادشاه مدبر دولة موسى وكانت هذه الوقعة قريباً من توريز عند بلدة ناوشهر على جبل الأداغ.
وفيها استقر الأمير بكتاش في نقابة الجيش، بعد وفاة صاروجا.
وفيها انتهت زيادة الميل إلى ثمانية عشر ذراعاً.

.ومات فيها من الأعيان:

القان بوسعيد بن القان محمد خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي ملك التتار، صاحب العراق والجزيرة وأذربيحان وخراسان والروم، في ربيع الآخر بأذربيحان، وقد أناف على الثلاثين، وكانت دولته عشرين سنة، كان جلوسه على التخت في أول جمادى الأولى سنة سبع عشر بمدينة السلطانية، وعمره إحدى عشرة سنة، وكان جميلاً كريماً، يكتب الخط المنسوب، ويجيد ضرب العود، وصنف مذاهب في النغم، وأبطل عدة مكوس، وأراق الخمور ومنع من شربها، وهدم كنائس بغداد وورث ذوي الأرحام، فإنه كان حنفياً، ولم تقم بعده للمغل قائمة.
ومات أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف المرادي القرطبي العشاب، وزير أبي يحيى زكريا اللحياني متملك تونس بالإسكندرية في شهر ربيع الأول، وقد برع في النحو، وحدث.
وتوفي عز الدين أحمد بن محمد بن أحمد القلانسي محتسب دمشق بها.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن برق، والي دمشق بها.
وتوفي عماد الدين إسماعيل بن محمد بن الصاحب فتح الدين عبدالله بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر بن القيسراني كاتب الدست بقلعة الجبل، ثم كاتب السر بحلب، في ذي القعدة، ومولده سنة إحدى وسبعين وستمائة.
ومات الأمير جمال الدين أقوش الأشرفي المعروف بنائب الكرك مسجوناً بالإسكندرية، في يوم الأحد سابع جمادى الأولى.
ومات الأمير أيتمش المحمدي نائب صفد، في ليلة الجمعة سادس عشر ذي القعدة. ومات الأمير بلبان الحسامي والي دمياط الذي كان والي القاهرة، وهو أخو بدر الدين المحسني في نصف شهر رمضان، وهو في الاعتقال.
ومات الأمير علاء الدين الشيخ علي التتري مملوك سلار، في يوم الخميس خامس ربيع الآخر.
ومات نقيب الجيش الأمير شهاب الدين أحمد بن صاروجا، فجأة وهو في الصيد فحمل إلى القاهرة، ودفن يوم الثلاثاء.
ومات الأمير سيف الدين ألناق الناصري هو أحد مقدمي الألوف، في ثامن عشرى شوال.
وتوفي الشيخ سيف الدين عبد اللطيف بلبان بن عبدالله البيسري شيخ زاوية أبي السعود، ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر، وكان يلي مشيخة زاوية أبي السعود، ثم عزل عنها، وهو أحد مماليك الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي فلما قبض على بيسري أقام الشيخ سيف الدين بهذه الزاوية مدة خمس وخمسين سنة.
وتوفي علاء الدين بن نصر الله بن محمد بن عبد الوهاب بن الجوجري ناظر الخزانة، في تاسع المحرم.
وتوفي أمين الدين عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن الصابوني بمصر، وقد بلغ ثمانين سنة، وانفرد برواية أشياء.
وتوفي شيخ الكتابة عماد الدين محمد بن العفيف محمد بن الحسن بالقاهرة عن إحدى وثمانين سنة.
وتوفي نقي الدين سليمان سليمان بن موسى بن بهرام السمهودي الفقيه الشافعي الفرضي العروضي الأديب عن ثمانين سنة بناحية سمهود.
ومات الأمير سنقر النوري نائب بهسنا، وترك اثنين وعشرين ذكراً وأنثى وستين سرية.
وتوفي الشيخ الصالح المعمر الرحلة شمس الدين محمد ابن المحدث محب الدين محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي في سابع المحرم بدمشق، عن اثنتين وتسعين سنه.
ومات علم الدين قيصر العلائي في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة، وقتل أربا كاؤن سلطان العراق وأذربيجان والروم، وكان القان بوسعيد لما مات أقام الوزير غياث الدين محمد أربا كاؤن هذا لأنه من ذرية جنكز خان، وقد قتل أبوه ونشأ في غمار الناس، فقتل أربا كاؤن بغداد خاتون، وجبي الأموال، وقصد أن يأخذ بلاد الشام، فهلك دون ذلك بعد شهيرات من جلوسه على التخت، وكان يتهم بأنه كافراً، وأقيم بعده موسى بن علي بن بيدو بن طوغاي بن هولاكو.