فصل: سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة:

أول المحرم: قدم مبشرو الحاج بسلامة الحجاج ورخاء الأسعار وحسن سيرة الأمير شمس الدين، آقسنقر السلاح دار أمير الحاج.
وفي يوم الخميس ثالث عشريه: قدمت عساكر التجريدة من بلاد سيس. وكان من خبر ذلك أنهم لما ساروا من القاهرة في ثاني عشر شعبان، وقدموا دمشق تلقاهم الأمير تنكز، ولم يعبأ تنكز بالأمير أرقطاي مقدم العسكر لما في نفسه منه. ومضوا إلى حلب. فقدموها في رابع عشرى رمضان، وأقاموا بها يومين فقدم الأمير قطلوبغا الفخري بعساكر الشام، وقد وصل إلى جعبر ثم ساروا جميعاً يوم عيد الفطر، ومعهم الأمير علاء الدين ألطبغا نائب حلب، وهو مقدم على العسكر جميعاً، حتى نزلوا على الإسكندرونة أول بلاد سيس، وقد تقدمهم الأمير مغلطاي الغزي إليها بشهرين حتى جهز المجانيق والزحافات والجسور الحديد والمراكب وغير ذلك لعبور نهر جهان. فقدم عليهم البريد من دمشق بأن تكفرر وعد بتسليم القلاع للسلطان، فلترد المجانيق وجميع ألات الحصار إلى بغراس. وليقم العسكر على مدينة أياس حتى يرد مرسوم السلطان بما يعتمد في أمرهم وكانت التراكمين قد أغاروا على بلاد سيس، ومعهم عسكر ابن فرمان فتركوها أوحش من بطن حمار، فبعث تكفور رسله في البحر إلى دمياط، فلم يأذن السلطان لهم في القدوم عليه، من أجل أنهم لم يعلموا نائب الشام بحضورهم، فعادوا إلى تكفور. فبعث تكفور بهدية إلى تنكز نائب الشام، وسأله منع العسكر من بلاده، وأنه يسلم القلاع التي من وراء نهر جهان جميعاً للسلطان. فكاتب تنكز السلطان بذلك، وبعث أوحد المهمندار إلى الأمير علاء الدين ألطبغا نائب حلب وهو المقدم على العسكر جميعاً بمنع الغارة ورد الآلات إلى بغراس، فردها ألطبغا وركب بالعسكر إلى آياس، فقدمها يوم الإثنين ثاني عشر شوال. وكانت آياس قد تحصنت، فبادر العسكر وزحف عليها بغير أمره فكان يوماً مهولاً، جرح فيه جماعة كثيرة. واستمر الحصار إلى يوم الخميس خامس عشره، وأحضر نائب حلب خمسن نجاراً وعمل زحافتين وستارتين ونادى في الناس بالركوب للزحف. فاشتد القتال حتى وصلت الزحافات والرجال إلى قريب السور، بعدما استشهد جماعة كثرة. فترجل الأمراء عن الخيول لأخذ السور، وإذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافوا برسالة نائب الشام، فعادوا إلى مخيمهم فبلغهم أوحد المهنمدار أن يكفوا عن الغارة، فلم يوافقوه على ذلك، واستقر الحال على أن تسلموا أياس بعد ثمانية أيام.
فلما كان اليوم الثامن أرسل تكفور مفاتيح القلاع، على أن يرد ما سبي ونهب من بلاده، فنودي برد السب فأحضر كثير منه، وأخرب الجسر الذي نصب على نهر جهان. وتوجه الأمير مغلطاي الغزي فتسلم قلعة كوارة وكانت من أحصن قلاع الأرمن، ولها سور مساحته فدان وثلث وربع فدان، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعاً بالعمل، وأنفق تكفور على عمارته أربعمائة ألف وستين ألف دينار.
وتسلم العسكر آياس، وهدم البرج الأطلس في ثمانية أيام، بعدما عمل فيه أربعون حجاراً يومين وليلتين حتى خرج منه حجر واحد. ثم نقب البرج وعلق على الأخشاب، وأضرمت فيه النار، فسقط جميعه، وكان برجاً عظيماً، بلغ ضمانه في كل شهر لتكفور مبلغ ثلاثين ألف دينار حساباً عن كل يوم ألف دينار سوى خراج الأراضي. وكان ببلدة آياس أربعمائة خمارة وستمائة بغى وكان بها في ظاهرها ملاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف درهم، ولها مائتي وستة عشر بستاناً تغرس فيها أنواع الفواكه، ودور سورها فدانان وثلثا فدان.
ثم رحل العسكر عن آياس بعدما، قاموا عليها اثنين وسبعين يوماً، فمر نائب حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وقد أخربهما مغلطاي الغزي حتى عبر بالعسكر إلى حلب في رابع عشرى ذي الحجة.
فعاد العسكر إلى مصر، وقد مرض كثير منهم، ومات جماعة. فأكرم السلطان الأمير أرقطاي وخلع عليه، وبعث تشريفاً إلى نائب حلب. وأقطع السلطان أراضي سيس لنائب حلب ونائب الشام وغيرهما من أمراء الشام، وأمر فيها جماعة من التركمان والأجناد، فاستعملوا الأرض في الفلاحة، وحطوا عنهم من الخراج، فعمرت ضياعها. وضمت بعض عجائز الأرمن ألف درهم كل يوم، فلم يوافق السلطان على ذلك. وعمل في كل قلعة من قلاع الأرمن نائب، ورتب فيها عسكر. ثم قدمت رسل تكفور فخلع عليهم، وكتب بترك الخراج عنهم ثلاث سنين، ومهادنتهم عشر سنين.
وفيها كالت حرب بين خليل الطرفي وبين خليل بن دلغادر على أبلستين، انتصر فيها ابن دلغادر. فانتمى الطرفي إلى نائب الشام. ووعد على نيابة الأبلستين بألفي إكديش، وإقامة ثلاثين أمير طبلخاناه. فعني به نائب الشام حتى قدم إلى قلعة الجبل، وخلع عليه، وكتب له ثلاثون منشوراً بإمريات جماعة عينهم، وخلع على جميع من معه، وسار.
وقدم الخبر بأن القان موسى لما فر بعد قتل علي بادشاه لحق بخراسان، فقام معه طغاي تمر أميرها، وجمع له. فسار إليه الشيخ حسن الكبير وأولاد دمردادش، ولقوه بالقرب من سلطانية، فانكسر موسى وقتل من أصحابه. فاختل في هذه الفتن حال بغداد والموصل وديار بكر، وقوي أرتنا نائب المغل ببلاد الروم، لشغل المغل عنه بما هم فيه.
وفيها بعث النشو من كشف عن أرباب دواليب القند، فوجد لأولاد فضيل كثير من القند، ومنه أربعة عشر ألف قنطار قند عملت في هذه السنة، وبلغت زراعتهم في كل سنة ألف وخمسمائة فدان من القصب، كانوا فيما سلف يصالحون المباشرون على أن قندهم ألف قنطار يؤدون ما عليها للديوان. فلما علم النشو ذلك أوقع الحوطة على حواصلهم، وحمل القند إلى دار القند، وكتب عليهم حججاً بثمانية ألاف قنطار للسلطان. فلما تخلصوا منه وجدوا لهم حاصلاً لم يظفر به النشو، وفيه عشرة ألاف قنطار قند. وصادر النشو شاد دواليب الخاص بالصعيد، وأخذ منه مائة وستين ألف درهم حملها للسلطان.
وفيها أنعم السلطان في يوم واحد على أربعه من مماليكه بمائتي ألف دينار مصرية، وهم قوصون وألطنبغا وملكتمر الحجازي وبشتاك، وأنعم على موسى بن مهنا بضيعة بألف ألف درهم، وكان قد قدم له فرساً. فشق دلك على النشو، وقال: خاطرت بروحي في تحصيل الأموال، وهو يفرقها.
وفيها قدم أمير أحمد ابن السلطان من الكرك باستدعاء، وكان قد بلغه عنه أنه يعاشر أوباش الكرك، فعقد له السلطان على ابنة الأمير سيف الدين طايربغا، وعقد لابنه يوسف على ابنة الأمير جنكلي بن البابا، وذلك في العشرين من ربيع الآخر. وسير السلطان لكل أمير بألف وخمسمائة دينار وثوب أطلس.
وفيه سعى النشو بقاضي الإسكندرية عماد الدين محمد بن إسحاق البلبيسي شيخ خانكاه بهاء الدين أرسلان، من أجل أنه عارضه في أخذ أموال الأيتام، ورماه بأنه أخذ مالاً للأيتام اشترى بها عدة جواري. فطلب البلبيسي من الإسكندرية وسلم إلى ابن المرواني والي القاهرة ليخلص منه مال الأيتام، فقام بأمره الأمير جنكلي بن البابا والحاج آل ملك والأحمدي حتى توجه الضياء المحتسب وأقوش البريدي للكشف عنه، فلم يظهر لما رمي به صحة، وأكثر ما عيب عليه أنه مطرح الاحتشام يمشي في الأسواق لشراء حاجته، فأفرج عنه.
وفيه ولد للسلطان ابنه صالح من زوجته بنت الأمير تنكز، فعمل السلطان لها بشخاناه وداير بيت ونحو ذلك بمائة ألف وأربعين ألف دينار وعمل لها الفرح مدة أسبوع، حضره نساء الأمراء، وما منهن إلا من عين لها السلطان تعبية قماش على قدر رتبة زوجها. فحصل للمغاني شيء كثير، حتى أن مغنيات القاهرة جاء قسم كل واحدة منهن عشرة ألاف درهم، سوى التفاصيل الحرير والمقانع والخلع. وقدم من الأمير تنكز نائب الشام لابنته مقنعة وطرحة بسبعة آلاف دينار. وفي هذا المهم استعمل السلطان للخركاه الواصلة إليه من بلاد الشرق ثوباً من حرير أطلس وردي ورصعه باللؤلؤ والجواهر، وأسبل عليها ستراً، فبلغ مصروف ذلك مائة ألف دينار واثني عشر ألف دينار، فنامت فيها النساء. وبلغ مصروف خمسمائة ألف دينار، فكان شيئاً لم يسمع بمثله في الدولة التركية.
وفيه اتفق عدة من أرباب الجرائم بخزانة شمائل وقتلوا السحان، وخرجوا بعد المغرب من باب زويلة شاهرين السكاكين. فركب الوالي في طلبهم، فلم يظفر منهم سوى برجل أقطع، فشنقه.
وفيها استدعى السلطان من بلاد الصعيد بألفي رأس من الضأن، واستدعى من الوجه البحري بمثلها، وشرع في عمل حوش برسمها ويرسم الأبقار البلق، فوقع اختياره على موضع من قلعة الجبل مساحته أربعة أفدنة، قد قطعت منه بالحجارة لعمارة القاعات التي بالقلعة حتى صار غوراً عظيماً وطلب السلطان كاتب الجيش ورتب على كل من الأمراء المقدمين مائة رجل ومائة دابة لنقل التراب، وعلى كل من أمراء الطبلخاناه بحسبه، وأقام الأمير، قبغا عبد الواحد شادا، وأن يقيم معه من جهة كل أمير أستاداره بعدة من جنده، وألزم الأمراء بالعمل، ورسم لوالي القاهرة بتسخير العامة. فأقام الأمير أقبغا عبد الواحد في خيمته على جانب الموضع، واستدعى أستادارية الأمراء واشتد عليهم، فلم يمض ثلاثة أيام حتى حضرت إليه رجال الأمراء من نواحيهم، ونزل كل أستادار بخيمته ومعه دوابه ورجاله، فقسمت عليهم الأرص قطعاً معينة لكل واحد منهم، فجدا في العمل ليلاً ونهاراً. هذا وأقبغا داير بفرسه عليهم يستحثهم، ويخرق بأستادارية الأمراء، ويضرب بعضهم، ويضرب أكثر أجنادهم. ووكل المقدم عنبر السحرتي بالرجال، وكان ظالماً غشوماً بهم وكلفهم السرعة في أعمالهم، من غير أن يوجد لهم رخصة ولا مكنهم من الاستراحة. وكان الوقت صيفاً حاراً، فهلك كثير منهم في العمل لعجز قدرتهم عما كلفوه. ومع ذلك كله والولاة تسخر من تظفر به من العامة، وتسوقه إلى العمل، فيزل به البلاء ما لا قبل له به، ولا عهد له بمثله. وكان أحدهم إذا عجز وألقى بنفسه إلى الأرض، رمى أصحابه عليه التراب فمات لوقته، هذا والسلطان يحضر كل يوم حتى يرى العمل.
وكان الأمير ألطنبغا المارديني قد مرض، وأقام بالميدان على النيل أياماً حتى برئ وطلع إلى القلعة من باب القرافة. فاستغاث به الناس وسألوه أن يخلصهم من هذا العمل، فتوسط لهم عند السلطان حتى عفى السلطان الناس من السخرة، وأفرج عمن قبض عليه منهم. فأقام العمل سنة وثلاثين يوماً إلى أن فرغ منه، وأجريت إليه المياه، وأقيمت به الأغنام المذكورة والأبقار البلق. وبنيت به بيوت للأوز، فبلغ ثمن البقل المصروف من الديوان برسم أكل فراخها في كل يوم مائة وخمسين درهماً، وعند فراغ العمل من الحوش وترتيبه استدعى السلطان الأمراء وعمل لهم سماطاً جليلاً، وخلع على جماعة ممن باشر العمل وغيرهم.
وفيها وصل من متجر الخاص ستمائة قطعة قطران، طرحت على الزياتين وأصحاب المطابخ بمائتي درهم القطعة. ثم طرح النشو أيضاً ألف مقطع شرب بحساب ثلاثمائة درهم المقطع، وقيمته ما بين مائة وخمسين ومائة وستين درهماً المقطع. ثم طرح النشو ثياب المماليك الخلقة وأخفافهم العتيقة على أربابها بأغلى ثمن.
وفيها جد النشو في السعاية بالصفي كاتب قوصون عند السلطان، وأنه يلزمه في كل سنة للديوان عن متاجره وزراعاً نحو مائتي ألف درهم، حتى ألزم السلطان الأمير قوصون بمصادرته وأخذ ماله لنفسه فأوقع قوصون الحوطة على جميع ماله. وسعى النشو أيضاً بقطلو أستادار قوصون أنه لما توجه إلى الشام لزمه مال كثير بما أتلفه من مال معاصر الغور، وعما أخذه من المباشرين حتى تلفت الأقصاب، فقبض عليه قوصون، وألزمه بالحمل حتى باع داره وثيابه.
ثم بعث السلطان إلى قضاة القضاة ألا يثبت أحد منهم محضراً باستحقاق ميراث حتى يرسم لهم بذلك. وسببه أن صدر الدين الطيبي لما ولاه النشو نظر ديوان المواريث التزم له بحمل لأموال الكثيرة، وصار يحتاط على أموال التركات، ويحملها إلى النشو من غير أن يعطي الورثة منها شيئاً فإن كان للوارث جاه وكان له ولد معروف ألزمه أن يثبت نسبه من الميت واستحقاقه لميراثه، فإذا أثبت ذلك أحاله على ما يتحصل من المواريث، فيماطل بذلك مدة ولا ينال غرضه، فلما فحش الأمر في هذا بلغ السلطان، فأنكر على النشو ذلك، فدافع عن نفسه بأعذار قبلت منه، ثم رسم السلطان للقضاة ألا يثبتوا من ذلك شيئاً إلا بمرسومه، فاشتذ الأمراء على الناس، وصارت التركة تنهب بحضرة الوارث ولا يجد سبيلاً إليها فإن عجز الطيبي عن أخذ المال من التركة لقوة الوارث وشدة بأسه رماه عند النشو بأن مورثه لقي ووجد لقية مال في بيته، فيلزم الوارث بإحضار ذلك حتى يترك ميراثه.
وفيها كتب مرسوم بمساحة ضمان جهات دمشق بما عليهم من البواقي للديوان ومبلغه مائتان ألف درهم، فأهملت من الحساب.
وفيها أنعم السلطان على الأمير تنكز نائب الشام بثلاث ضياع من فتوح سيس، وهي قلعة كوارة وقلعة نجيمة وقلعة سرفندكار، ورسم أن يحمل إليها من حماة وحمص وطرابلس عشرون ألف غرارة غلة برسم تقاويها وتخضيرها، وعين لكل ضيعة ما يكفيها، وكتب مراسيم لكل حهة بما هو مقرر عليها.
وفيها أوقع الأمير تنكز بعلم الدين محمد بن القطب كاتب السر بدمشق، وضربه وصادره بمرافعة الأمير حمزة التركماني وأخذ منه عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم.
وفيها أعرس أحمد ابن السلطان بابنة الأمير طايربغا من غير عمل مهم. وأعرس كذلك يوسف ابن السلطان بابنة الأمير جنكلي بن البابا.
وفيها أنعم على قطلوبرس أستادار بكتمر الساقي بإمرة طبلخاناه، وتسلم أمير أحمد ابن السلطان وتوجه به إلى الكرك، فتوجه الأمير بيغرا إلى الكرك على النجب حتى أحضر جميع ما كان بها من المال.
وفيها اتضع سعر الغلال حتى أبيع الأردب القمح الصعيدي بعشرة دراهم، والبحري بثمانية دراهم، والفول والشعير كل أردب بستة دراهم، وكسدت الغلال. فكان رزق الله أخو النشو- وهو كاتب الأمير ملكتمر الحجازي وولي الدولة صهره- وهو كاتب المجدي- يطرحان القمح بزيادة درهمين الأردب ويأخذان ثمنه بعسف وظلم، فتوقفت أحوال الجند لرخص السعر. وسعى النشو بالضياء المحتسب أن الدقيق والخبز سعرهما بالنسبة إلى القمح غال، فرسم لوالي القاهرة أن يطلب المحتسب والطحانين ويعمل معدل القمح عنده، فلم يجد في الأسعار تفاوتاً بين القمح والخبز.
وفي سابع عشر صفر: قدم من بغداد الوزير نجم الدين محمود بن على بن شروان، وحسام الدين الحسن بن محمد بن محمد الغوري محتسب بغداد وفخر الدين محمود نائب الحلة. وعدة من الأعيان في خمسمائة عليقة. فقدم الوزير للسلطان هدية سنية. فيها حجر بلخش يزن سبعة وعشرين درهماً، فخلع عليه وعلى الغور وأنعم على محمود نائب الحلة بإمرة طبلخاناه بدمشق، وعلى وزير بغداد بإمرة طبلخاناه بديار مصر، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف بعد وفاة طايربغا.
وكان سبب قدومهم أن نجم الدين هذا كان تمكن ببغداد وكثر ماله، فلما قدم علي بادشاه إلى بغداد ومعه القان موسى وصادر أهلها، ثم جمع العساكر وخرج بعث بشمس الدين السهروردي نائب بغداد، وقد كتب له أسماء ليأخذ مالهم، منهم نجم الدين ابن شروان، فخر الدين محمود نائب الحلة. فلما بلغهم ذلك تواطئوا على قتله والخروج إلى مصر، وخرجوا إلى لقائه، واحتفوا به وساروا معه، ثم بدره نجم الدين بسيفه فضربه ضربة حلت عاتقه، فسقط إلى الأرض، وأخذت السيوس أصحابه، فارتجت بغداد بأهلها. وفي الوقت نادى نجم الدين بالأمان، ولا يتحرك أحد فقد كان لنا غريم قتلناه، وأخرج هو وأصحابه حريمهم وأموالهم، ومروا بهم على حمية من بغداد، وكتبوا إلى الأمير تنكز نائب الشام يستأذنونه. فبعث تنكز البريد إلى السلطان بخبرهم، فأجيب بإكرامهم إلى القاهرة، فحمل إليهم من الإقامات ما يليق بهم حتى قدموا عليه، ثم سيرهم مكرمين.
وفيها أنعم على آقسفقر بخبز طنجي السلاح دار، وأنعم على قماري أمير شكار بتقدمة ألف.
وفيه أنشأ السلطان قصراً للأمير يلبغا اليحياوي وقصراً للأمير ألطبغا المارديني تجاه حمام الملك السعيد قريبا من الرميلة تحت القلعة، وأخذ لذلك من إسطبل الأمير أيدغمش قطعة ومن إسطبل الأمير طشتمر الساقي قطعة، ومن إسطبل الأمير قوصون قطعة، ونزل بنفسه حتى مرر أمره. وتقدم السلطان إلى الأمير قوصون أن يشتري الأملاك المجاورة لإسطبله بالرميلة تحت القلعة، ويضيفها إلى إسطبله، وأمر أن يكون باب الإسطبلين اللذين أنشأهما أيضاً للأميرين يلبغا وألنبغا تجاه حمام الملك السعيد، وأقام آقبغا عبد الواحد شادا بعمارة القصرين. فاشترى قوصون عدة أملاك وسع بمواضعها في اسطبله، وطرح النشو أنقاضها بأغلى الأثمان، وجعل قوصون باب إسطبله من الرميلة تجاه القلعة. وأنفق النشو على القصرين جميع ما يحتاج إليه في عمارتها.
وفيها قدمت عدة تجار من الشام بثياب بعلبكي كثيرة، فختم عليها وأخذ عنها ما جرت به العادة للديوان من المكس. ثم أمر النشو بأخذها جميعها بقيمة اختارها، ثم طرحها على تجار القاهرة بثلاثة أمثال قيمتها، وألزم مباشري الختم ألا يختموا قماشاً حتى يستأذنوه. فقدم قفل عقيب ذلك فيه تاجر من جهة الأمير بشتاك، فأخذ قماشه فيما أخذ، وطرح الجميع على التجار. فادعى ذلك التاجر أن قماشه إنما هو للأمير بشتاك، فضربه النشو ضرباً مبرحاً، فشق ذلك على بشتاك وشكا أمره إلى السلطان. وكان النشو قد بلغ السلطان أن تاجراً يحضر كل سنة القماش على اسم الأمير بشتاك بغير مكس، حتى وجب عليه للديوان مائة ألف درهم، وقد أكسر معاملة السلطان، وأنه قد أخذ ما أحضره من القماش، فانفعل السلطان لكلامه.
وفيها عزل قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني. وسبب ذلك ولده جمال الدين عبدالله، وما كان عليه من كثرة اللهو والشره في المال، وأخذه الرشوة من القضاة ونحوهم، وتبسطه في الترف، حتى إنه قد اقتنى عدة كثيرة من الخيول ورتب لها عدة من الأجاقية والركابين وسابق بها. وكان جمال الدين شغف أيضاً بسماع الغناء ومعاشرة الأحداث من أولاد الأكابر ومماليك الأمراء، وتجاهر بالمنكرات. فرمعت فيه للسلطان تتضمن شعراً بما هو عليه، فأخرجه السلطان إلى الشام، ثم أعاده بسعي أبيه بعد مدة بسفارة الأمير بكتمر الساقي فلم يقم إلا نحو السنة، وزاد في قبح السيرة فأخرجه السلطان ثانياً، وأقام سنة. فلم يطلق أبوه غيبته عنه، وكان قد فتن به حتى أنه لشدة حبه إياه لا يكاد يصبر عنه ساعة واحدة، فسأل السلطان في عوده مشافهة، وضمن توبته، فأعاده السلطان إلى القاهرة، فأنشأ بجوار بيت أبيه على النيل داراً كلف قضاة الأعمال فيها لحمل الرخام وغيره، واستدعى لها الصناع من الشام، وبالغ في اتقانها، فبلغت النفقة عليها زيادة على خمسمائة ألف درهم. وبلغ السلطان ذلك، فحدث الأمراء. بما بلغه، وأنكر على القاضي بتمكين ولده من هذا، فبعث الأمير عز الدين أيدمر الخطيري إلى القاضي يعنفه ويشنع عليه، ويلومه على إنفاق ولده هذا المال الكبير، فاعتذر عنه بأنه اقترض ما عمر به هذه الدار فإن سكنى القاهرة لم توافقهم واحتاجوا إلى السكنى على النيل. ثم إنه أيضاً اشترى في القاهرة داراً، وجددها بما يزيد على مائتي ألف درهم، فكثر الكلام فيه. هذا مع جفائه للناس، وقوة نفسه، وسوء سيرته وسيرة إخوته أيضاً وتغافل أبيهم عنهم، وتصاممه عن الشكوى فيهم فكتب في القاضي عدة أوراق للسلطان، ونسب فيها إلى أنه لا يولي نائباً عنه في بلد حتى يجتمع بأولاده، وشنع فيها أن القضاة في أيامه إنما تلي بالبراطيل، وتتزايد في الولايات. وكان السلطان لا يرشى ويعاقب من يرتشي أشد العقوبة، فكان يراعي القضاة لما في نفسه من إجلالهم وتعظيمهم، إلى أن نعاط أمر أولاد القاضي جلال الدين القزويني وكثرت القصص فيهم وفي مملوكه. وعمل حسن الغزي الشاعر فيهم قصيدة شنيعة، وأوصلها إلى شهاب الدين أحمد بن فضل الله، فقصد نكاية القزويني وقال للسلطان عنها وقرأها عليه، فأثرت في السلطان وغيرته على القزويني ومنها، وهي طويلة:
قاض على الأيام سل صارماً

بحده يلتقط الدراهما

وسن من أولاده لها دماً

جردهم فانتهكوا المحارما

والشبل في المخبر مثل الأسد

وابنه البدري خطيب جلقي

بامرأة الكامل مشغوف شقي

بادره بالعزل فليس يرتقي

منابر الإسلام إلا متقي

متزر ثوب العفاف مرتد

يا ملك الإسلام يا ذا الهمة

أزل عن الملة هذي الغمة

واحلل بعبد الله سيف النقمة

فإنه حجاج هذي الأمة

واردعه ردع كل مفسد

فلما حضر القضاة إلى دار العدل على العادة لم يؤذن لهم في دخوله، وعندما نزلوا بعث السلطان إلى القزويني مع الدوادار بأن نائب الشام شكا من ابن المجد قاضي دمشق، وقد اقتضى رأية أن تسافر إلى دمشق قاضياً، كما كنت، فإنه استحى وجهه منك ومن الأمراء والناس، وكلما عرفك أن ترجع ابنك عما هو عليه لا ترجعه فإذا حضرت بدار العدل استعف من القضاء بحضرة الأمراء. واعلم أني آمر نائب الشام أنه إذا رأى أولادك على سيرة مرضية قابلهم بما يستحقونه.
فلما كان يوم الخميس: وحضر قاضي القضاة القزويني دار العدل، سأل الحاجب أن يسأل له السلطان في تمكينه من التوجه إلى دمشق، فإن مصر لم توافقه ولا وافقت أهله، فأذن له السلطان في ذلك. ونزل القزويني فأخذ في وفاء دينه، وكان عليه لجهة وقف التربة الأشرفية المجاورة لمشهد السيدة نفيسة مبلغ مائتي ألف درهم وثلاثين ألف درهم فباع أملاكه وأملاك أولاده وأثاثهم وتحفهم بربع ثمنها، وكانت نفيسة. فباعوا من صنف الأواني الصيني بمبلغ أربعين ألف درهم، وباع عبدالله إحدى عشرة جارية ما بين ثمانية ألاف درهم الجارية إلى أربعة ألاف، وباع من اللؤلؤ والجواهر والزركش ما قيمته زيادة على مائة وعشرين ألف درهم، وباع داره بالقاهرة بخمسة وثلاثين ألف درهم وأدوا ما عليهم من الدين للأيتام وغيرهم. وسار قاضي القضاة بأهله وأولاده إلى دمشق، وصحبته ستون زوج محاير على الجمال، في كل محارة امرأة. وتأسف الناس على فراقه، لمحبتهم له مع بغضهم لأولاده، فإنه كان كريماً جواداً سخياً، له صدقات ومراعاة لأرباب البيوت، يهب الألف درهم، ولم يعرف في دولة الأتراك بمصر قاض له مثل سعادته، ولا مثل حظوته من السلطان وقوة حرمته، وكان سفره في جمادى الآخرة.
وفي يوم الأحد ثامن عشره: استدعى عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي وخلع عليه، واستقر قاضي القضاة عوضاً عن الجلال القزويني. وكان السلطان قد جمع بين يديه القضاة والفقهاء وفيهم عز الدين وحدثهم فيمن يصلح للقضاء، وقد تعين عندهم شمس الدين محمد بن عدلان. فلم يلتفت إليه السلطان، وذكر لهم عز الدين فأثنوا عليه خيراً. وكان السلطان من أيام بدر الدين محمد بن جماعة يلهج بذكر ابنه عز الدين، ويقول: لولا أنه شاب لوليته القضاء.
وخلع فيه أيضاً على حسام الدين الحسن بن محمد الغوري القادم من بغداد، واستقر في قضاء القضاة الحنفية، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم بن علي بن عبد الحق، ونزلا في موكب جليل. وكان سبب عزل ابن عبد الحق أولاده، فإنهم ساروا سيرة أولاد القزويني، فكان السلطان يقول: ولينا قضاة جياداً أفسدهم، ورسم بسفر ابن عبد الحق وأولاده أيضاً إلى الشام، فسافروا. وكانت قد وقعت الشكوى في ابن القاضي الحنبلي من بيعه أوقاف الأيتام وأخذ أثمانها، وإتلافه في المحرمات، فطلب والده تقي الدين أحمد بن عز الدين عمر بن محمد المقدس وسئل عن مال الأوقاف التي باعها، فاعتذر بما لا يقبل، وسأل المهلة. فأمر السلطان متولي القاهرة بتسليمه وضربه حتى يحضر المال جميعه، فأهانه ورسم عليه. وأخذ السلطان يقول للأمراء. انظر ماذا جرى علينا من أولاد القضاة، وذكر ابن القاضي الحنبلي وما كان منه، وهم أن يوقع به وبابنه المكروه، فتلطفوا به في أمرهما. والستر على القاضي لكبر سنه وشهرته. فعين الأمير جنكلي بن البابا لولاية الحنابلة موفق الدين عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي فطلبه السلطان وخلع عليه مع رفيقه.
وفي يوم الإثنين ثاسع عشره: طلع القضاة الأربعة وقبلوا يد السلطان، واستأذن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة الشافعي في عزل نواب الحكم، فإنهم جيعهم إنما ولوا ببذلهم المال الجزيل لولد القزوين وأنهم قد أفسدوا في الأعمال فساداً كبيراً، فأجابه السلطان بأن يفعل ما فيه خلاصه من الله تعالى. فنزل ابن جماعة وكتب بعزل قضاة الوجه القبلي والبحري بأسرهم، وعزل فخر الدين محمد بن محمد بن مسكين من نيابة الحكم بمصر، وولي عرضه بهاء الدين عبد الله بن عقيل، وعين لقضاء الأعمال جماعة ممن وقع اختياره عليهم، فلم يجسر أحد على معارضته ولا مخالفته، واستخلف عنه في القضاء تاج الدين محمد بن إسحاق المناوي وضياء الدين محمد بن إبراهيم المناوي، وعزل الضياء المحتسب من نظر الأوقاف حتى لم يدع أحداً بالقاهرة ومصر وأعمالها ممن ولاه القزويني. فانكف عن الناس بدلك شر كبير وفساد كثير. وسار رفقاؤه الحنفي والحنبلي مثل سيرته في النزاهة والصيانة.
وفيها فوض نظر الوقف الشافعي للشيخ برهان الدين إبراهيم الصائغ.
وعقيب ذلك قدم البريد من الشام بألفين وخمسمائة دينار من وقف الأشرفية. فأخذها النشو وعرف السلطان بها، وأنه تعوض عنها لجهة الوقف فيما بعد فأخذها السلطان منه.
وفيها جمع النشو الطحانين وعرفاء الجمالة، وطرح عليهم ما زرع بناحية قليوب من الفول الأخضر والبرسيم، بحساب ثلاثمائة درهم الفدان الفول، والبرسيم بمائتي درهم، وضرب جماعه منهم بالمقارع، لأجل شكواهم إياه للسلطان. وطرح النشو مبلغ مائتي ألف درهم فلوساً نحساً ضرب إسكندرية وتروجة وفوة وبلاد الصعيد على التجار وأرباب المعاملات، فوقفت الأحوال. وذلك أن الفلوس كانت تؤخذ بالعدد، وقد كثر فيها الزغل من الرصاص ونحوه، وصار الفلس الكبير يقص ثلاث قطع ويخرج بثلاثة فلوس، فصارت الباعة تردها، وتحسن سعر الغلة دراهم الأردب. فقام والي القاهرة في ذلك وضرب جماعة ونودي أن يرد الفلس المقصوص والرصاص، ولا يتعامل به، فمشت الأحوال.
وفيه قدم البريد من الأمير تنكز نائب الشام. ومعه مبلغ عشرين ألف دينار الذي أخذ من علم الدين بن القطب كاتب السر بدمشق، فخلع السلطان على جمال الدين عبد الله بن الكمال محمد بن العماد إسماعيل بن الأثير، واستقر في كتابة السر بدمشق عوضاً عن ابن القطب.
وفيها اتفق بدمشق أن قاضيها شهاب الدين محمد بن المجد عبد الله بن الحسين بن علي الأربلي كان غير مرضي الطريقة، فلما عزل واستقر القزويني عوضه، ركب ابن المجد قبل أن يبلغه العزل يريد مكاناً، فنقرت بغلته من كلب خرج عليها في الطريق، وألقته عن ظهرها، فاندق عنقه، وسر الناس بذلك.
وفيها عزل الضياء من حسبة القاهرة، بسعاية النشو به ورميه له بمحبة الأحداث، وخلع على الشريف شرف الدين علي بن حسين بن محمد نقيب الأشراف، واستقر عوضه، بعدما أقامت القاهرة أياماً بغير محتسب.
وفيها أفرج عن الأمير آقسنقر شاد العمائر من حبسه بحلب، وأنعم عليه بطلبخاناه في دمشق، بعناية الأمير قوصون.
وفيها قدم البريد بأن جبار بن مهنا توجه في جماعته إلى بلاد الشرق، وصار في جملة الشيخ حسن الكبير، بسبب أنه لما قدم بهديته إلى السلطان لم يجد منه إقبالاً فكتب إلا إخوته بترجيعه إلى البلاد.
وفيها قدم البريد بأن الشيخ حسن الكبير قد جمع العساكر لمحاربة أرتنا صاحب بلاد الروم، وأن جبار بن مهنا التزم له بجمع العرب، وأنه كتب له تقليداً بالإمرة على العرب. فقدم بعد ذلك كتاب أرتنا ومعه هدية، ويسأل فيه أن يكون نائب السلطان في بلاد الروم، وأنه يضرب السكة باسمه، ويقيم دعوته على منابره. فخلع على رسله وأنعم عليهم، وكتب له تقليد بنيابة الروم من انشاء الشريف شهاب الدين الحسين ابن قاضي العسكر. وكان الحامل لابن أرتنا على ذلك أنه عظم شأنه ببلاد الروم، وكثف جمعه حتى خافه الشيخ حسن الكبير أن ينفرد بمملكة الروم، فأخذ في التأهب لمحاربته. وكان ابن دلغادر قد تمكن بأراضي أبلستين، وكثرت زراعاته بها، وأخذ يتخطف من أطراف الروم، فخشى أرتنا منه أن ينازعه في مملكة الروم، أو يكون مع الشيخ حسن الكبير فرأى الاتجاه إلى السلطان أقوى له وأسلم، فإنه إما يمده بعسكر يتقوى به على أهل الشرق، أو يأوي إلى بلاده إن انهزم.
وفيها بلغ النشو أن الناس يجتمعون إلى الوعاظ بالجامع الأزهر وجامع الحاكم وغير ذلك، ويدعون الله عليه. فلم يزل النشو بالسلطان حتى منع الوعاظ بأجمعهم من الوعظ، وأخرج رجلاً كردياً كان للناس فيه اعتقاد إلى الشام.
وفيها قدم المجد السلامي من الشرق صحبة رسل الشيخ حسن الكبير باستدعاء السلطان له، وقد كلفه الشيخ أن يقوم له بالصلح بينه وبين السلطان، وجهز معه هدية جليلة.
وفيها قدم ناصر الدين خليفة بن خواجا علي شاه وزير أبي سعيد، فأكرمه السلطالن وأنعم عليه، وأخرج له راتباً بدمشق، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف بها، عوضاً عن برسبغا العادل وأنعم على برسبغا بتقدمة آقول الحاجب بعد موته.
وفيها ندب النشو أحد مباشري العمائر السلطانية لمرافعة الأمير آقبغا عبد الواحد، فأنهى للسلطان عنه أنه عمر جميع عمائر من مال السلطان، وثبت لمحاققته، فلم يجد آقبغا جواباً.
وفيها استقر الأمير أخو ظلظية في كشف الوجه البحري عوضاً عن الأمير سيف الدين أبي بكر بن سليمان البابيري وأخرج البابيري إلى دمشق بطلب الأمير تنكز له، وكانت إقامته في كشف الوجه البحري سنة، سار فيها سيرة سيئه.
وفي ليلة الإثنين ثاني عشرى ربيع الآخر: سقط بمصر والقاهرة مطر عظيم مدة ستة أيام، فتهدم منه عدة أماكن، وسال الجبل وأعقب المطر رياحاً عاصفة، واشتد البرد بخلاف العادة، وسقط الثلج بسبخة بردويل حتى جهلت الطريق، وسقط بمصر ثلج كثير وحصا فيه ما يزن ستة عشر درهماً وأكثر إلى ثمانية وعشرين درهماً. واشتد الريح بناحية دمياط في بحر الملح حتى غلب على النيل، ووصل الماء إلى شار مساح وفارس كور.
وفيها كثر تسخير الناس للعمل في عمائر السلطان بالقلعة، وقبض عليهم من بين القصرين وهم نيام، ومن أبواب الجوامع عند خروحهم من صلاة الصبح، فابتلي من ذلك ببلاء عظيم، وكثرت الغاثة، فلم يجسر أحد من الأمراء يكلم السلطان فيه.
وفي يوم الإثنين رابعه: خلع علي علاء الدين علي بن محيي الدين يحيى بن فضل الله، واستقر في كتابة السر عوضاً عن أبيه بعد وفاته، وركب معه الحاجب أمير مسعود والدواداو طاجار إلى داره.
وفي ثاني عشرى رمضان: قدمت الحرة بنت السلطان أبي الحسن علي بن عثمان ابن يعقوب المريني صاحب فاس تريد الحج، ومعها جمع كبير وهدية جليلة إلى الغاية، نزل لحملها من الإسطبل السلطاني ثلاثون قطاراً من بغال النقل سوى الجمال، وكان من جملتها أربعمائة فرس منها مائة حجرة ومائة فحل ومائتان بغل، وجميعها بسروج ولجم مسقطة بالذهب والفضة، وبعضها سروجها وركبها من الذهب وكذلك لجمها، وكان جملتها أيضاً أبقار عدتها اثنان وأربعون رأساً، ومنها سرجان من ذهب مرصع بجوهر، وفيها اثنان وثلاثون بازاً، وفيها سيف قرابه من ذهب مرصع، وحياصة ذهب مرصع، وفيها ستمائة كساء وغير دلك من القماش الغالي. وكان قد خرج المهمندار إلى لقائهم، وأنزلهم بالقرافة قرب مسجد الفتح، وهم جمع كبير جداً. وكان يوم طلوع الهدية من الأيام المذكورة، ففرق السلطان الهدية على الأمراء بأسرهم على قدر مراتبهم حتى نفدت كلها، سوى الجوهر واللؤلؤ، فإنه اختص به فقدرت قيمة هذه الهدية بما يزيد على مائة ألف دينار.
ثم نقلت الحرة إلى الميدان بمن معها، ورتب لها من الغنم والدجاج والسكر والحلوى والفاكهة في كل يوم بكرة وعشية ما عمهم وفضل عنهم. فكان مرتبهم في كل يوم عدة ثلاثين رأساً من الغنم، ونصف أردب أرزاً، وقنطار حب رمان، وربع قنطار سكراً، وثماني فانوسيات شمع، وتوابل الطعام وحمل إليها برسم النفقة مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم، وكانت أجرة حمل أثقال ركبها قد بلغت ستين ألف درهم. ثم خلع على جميع من قدم مع الحرة، فكانت عدة الخلع مائتين وعشرين خلعة على قدر طبقاتهم، حتى على الرجال الذين قادوا الخيول. وحمل إلى الحرة من الكسوة ما يجل قدره، وقيل لها أن تملي ما يحتاج إليه، فقالت إنه لا يعوزها شيء، إنما تريد عناية السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا.
فتقدم السلطان إلى النشو والي الأمير آقبغا بتجهيزها اللائق بها، فقاما بذلك، واستخدما لها السقائين والضوية، وهيئا كل ما تحتاج إليه في سفرها من أصناف الحلوى والسكر والدقيق والبشماط، وطلبا الجمالة لحل جهازها وأزودتها. وندب السلطان معها جمال الدين متولي الجيزة، وأمره أن يرحل بها في ركب لها بمفردها قدام المحمل، ويمتثل كل ما تأمر به، وكتب لأميري مكة والمدينة بخدمتها أتم خدمة.
وفيه تجهز الأمير بشتاك، والأمير ألطنبغا المارديني وخوند طغاي زوجة السلطان وست حدق، وعدة من الدور ومن الخدام، لسفر الحجاز.
وفيه قرر الأمير علم الدين سنجر الجاولي شهاب الدين أحمد العسجدي في تدريس الحديث بالقبه المنصورية بين القصرين، بعد وفاة زين الدين عمر بن الكتاني. فتعصب عليه القضاة وجماعة من شيوخ العلم، وطعنوا في أهليته، ورفعوا قصة للسلطان بالقدح فيه. فلما قرئت على السلطان بدار العدل سأل السلطان من القضاة عنه، فثلبه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة، فقام الجاولي بمعارضة القاصي وأثنى عليه، فرسم السلطان أن يعقد له مجلس ويطالع بأمره. فاجتمع القضاة وكثير من الفقهاء بالمدرسه المنصورية، وجبه بعضهم الجاولي بالغض من العسجدي ورماه ركن الدين محمد بن محمد بن القوبع بأنه لحن في قراءة الفاتحة ثلاث مرات فقام قاضي القضاة حسام الدين الغوري في نصرة العسجدي وأثنى عليه، وقال: أنا أحكم بأهليته لهذه الوظيفه، فدار بينه وبين ابن جماعة مقاولة فيها فحش، وانفضوا على ذلك. فأعلم الغوري طاجار الدوادار بأن القوم تعصبوا على العسجدي وأنه يحكم بأهليته، فبلغ ا!سلطان ذلك. فلما حضرا سأل السلطان عما جرى في المجلس من ابن جماعة والجاولي فتفاوضا وعارض كل منهما الآخر، فمال السلطان إلى قول ابن جماعة، ومنع العسجدي من التدريس. فشق ذلك على الجاولي وهم بعزل نفسه من نظر المارستان، فحذره الأمراء عاقبة ذلك. وفيها عمل جسر بالنيل على حكر ابن الأثير، وسببه أن الميل قوي على ناحية بولاق خارج القاهرة، وهدم جامع الخطيري حتى احتيج إلى تجديده، وحتى احتيج إلى أن رسم السلطان للسكان على شاطئ النيل بعمل الزرابي لجميع تلك الدور، وألا يؤخذ عليها حكر. فبنى صاحب كل دار زربية تجاه داره فلم يفد ذلك شيئاً. فكتب بإحضار مهندسي البلاد القبلية وبلاد الوجه البحري، فلما تكاملوا ركب السلطان النيل وهم معه، وكشف البحر. فاتفق الرأي على أن يحفر الرمل الذي بالجزيرة حتى يصير خليجاً يجري فيه الماء، ويعمل جسر في وسط النيل يكون سداً يتصل بالجزيرة، فإذا كانت زيادة النيل جرى الماء في الخليج الذي حفر، وكان قدامه سد عال يرد الماء إليه حتى يتراجع النيل عن سد القاهرة إلى بر ناحية منبابة، وعاد السلطان إلى القلعة. وخرجت البرد من الغد إلى الأعمال بإحضار الرجال للعمل صحبة المشدين، وطلبت الحجارون بأجعهم لقطع الحجارة من الجبل- وكانت تلك الحجارة تحمل إلى الساحل وتملأ بها المراكب، وتغرق المراكب وهي ملأنة بالحجارة حيث يعمل الجسر-. فلم يمض عشرة أيام حتى قدمت الرجال من النواح فتسلمهم الأمير آقبغا عبد الواحد والأمير برسبغا الحاجب. ورسم لوالي القاهرة ووالي مصر بتسخيرهم للعمل، فركبا وقبضا على عدة كثيرة منهم، وزادا في ذلك حتى صارت الناس تؤخذ من المساجد والجوامع في السحر، ومن الأسواق، فتستر الناس ببيوتهم خوفاً من السخرة.
ووقع الاجتهاد في العمل، واشتد الاستحثاث فيه حتى إن الرجل كان يخر إلى الأرض وهو يعمل لعجزه عن الحركة، فتردم عليه الرمال، فيموت من ساعته. واتفق هذا لخلائق كثيرة جدا وآقبغا راكب في الحراقة يستعجل المراكب المشحونة بالحجارة، والسلطان ينزل إليهم ويباشرهم، ويغلظ على آقبغا ويحمله على السرعة واستنهاض العمل حتى أكمل في مدة شهرين. وغرق فيه اثنا عشر مركباً وسق كل مركب ألف أردب. وكانت عدة المراكب التي أشحنت بالحجارة المقطوعة من الجبل- ورميت في البحر حتى صار جسراً يمشي عليه ثلاثة وعشرين ألف مركب حجر، سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسرياقات والحلفاء ونحو ذلك.
وحفر الخليج بالجزيرة، فلما زاد النيل جرى في الخليج الذي حفر، وتراجع الماء حتى قوي على بر منبابة وبر بولاق التكرور، فسر السلطان بذلك.
وفيها استأذن الأمير ملكتمر الحجازي والأمير يلبغا اليحياوي السلطان في المسير إلى الإسكندرية بطيور السلطان الجوارح، ليتصيدا في البرية. فرسم للنشو بتجهيزهما، فخاف من دخولهما إلى الإسكندرية أن يبلغهما عنه من أعدائه ما إذا نقلاه للسلطان تغير عليه. فعرف النشو السلطان أن مراكب التجار قد وصلت، وأنه يحتاج إلى السفر حتى يأخذ ما عليها للديوان ويقوم أيضاً بخدمة الأميرين، فأذن له في السفر، فسافر من ليلته. وبدا للسلطان أن يبعث الأمير بشتاك بالطيور- ومعه الأمير قماري أمير شكار، والأمير ألطبغا المارديني- ويعوض يلبغا والحجازي بركوب النيل في عيد الشهيد، فسافر الأمراء الثلاثة. وكان عيد الشهيد بعد يومين، فركب يلبغا والحجازي المراكب في النيل للفرجة، وخرجت مغاني القاهرة ومصر بأسرها، وتهتكوا بما كان خافياً مستوراً من أنواع اللهو، وقد حشر الناس للفرجة من كل جهة. وألقى الأمراء للناس في مراكبهم من أنواع الأشربة والحلاوات وغيرها ما يتجاوز الوصف، فمرت ثلاث ليال بأيامها كان فيها من اللذات وأنواع المسرات ما لا يمكن شرحه.
ولما قدم الأمراء بالطيور إلى ظاهر الإسكندرية أخرج النشو إلى لقائهم عامة أهلها بالعدد والآلات الحربية، وركب إليهم حتى عبروا المدينة، فكان يوماً مشهوداً. ثم خرجوا بعد يومين، وقد قدم النشو لهم من الأسمطة وأنواع القماش ما يليق بهم. وأخذ النشو في مصادرة أهل الإسكندرية، وطلب عشرة ألاف دينار من الصيارفة قرضاً في ذمته، وطلب من ثلاثة تجار عشرة ألاف دينار، ثم إنه غرم ابن الربعي المحتسب بها خمسة آلاف دينار، سوى ما ضرب عليه الحوطة من موجوده، وضربه ضرباً مبرحاً وسجنه، فمات بعد قليل في السجن، ثم عاد النشو إلى القاهرة.
وقدم الخبر من ماردين بكثرة جمع الشيخ حسن الصغير وأولاد دمرداش، وأنهم على حركة لحرب طغاي بن سونتاي بديار بكر، فإذا بلغوا مرادهم منه عدوا الفرات إلى أخذ حلب.
وفيها طلب الأمير طرغاي الطباخي واستقر في نيابة حلب عوضاً عن ألطنبغا.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرى شوال: قدم موسى بن مهنا طائعاً، وقدم عدة خيول، وورد صحبته طائفة من عرب البحرين بخيول قومت بمبلغ خمسمائة ألف وستين ألف درهم وقومت خيل موسى بخمسمائة ألف درهم، سوى ما جرت العادة به من الإنعام عليه، وأنعم عليه بعشرين آلف دينار أيضاً. وقومت من جهة أهل برقة بأربعمائة ألف درهم، وقومت مماليك وجواري قدم بها التجار بستمائة ألف درهم. وكانت جملة ذلك كله، ما عدا ما أنعم به على موسى بن مهنا ألفا ألف درهم وستون ألف درهم، منها مائة ألف دينار مصرية ونيف وعشرين ألف دينار، وأحيل بذلك على النشو.
ولما كمل قصر يلبغا وقصر المارديني جاءا في أحسن هيئة، فإن السلطان كان ينزل إليهما بنفسه ويرتب عمارتهما. فعمل أساس قصر يلبغا أربعين ذراعاً وبسطه حصيراً واحداً، فجاء مصروفه أربعمائة ألف درهم. وكان جملة المصروف على هذا القصر أربعمائة ألف ألف وستين ألف درهم، من ذلك لازورد خاصة بمائة ألف درهم. فركب السلطان إليه يوم فراغه وأعجب به، وأنعم على يلبغا بتقدمة طرغاي الطباخي نائب حلب، وفيها عشرة أزواج بسط- منها زوج بسط حرير- وعدة أواني بلور وغيره، وعدة خيول، وجمال بخاتي. وتقدم السلطان إلى الأمير آقبغا عبد الواحد بعمل سماط في قصر يلبغا، فنزل إليه ونزل النشو أيضاً حتى تهيأ ذلك، وحضر الأمراء كلهم، فأكلوا وشربوا يومهم إلى العصر. ثم خلع السلطان على أحد عشر أميراً أحد عشر تشريفاً أطلس. وأركبوا الخيول بسروج الذهب، وخلع على بقية الأمراء ما بين خلع كاملة وأقبية، وأركبوا أيضاً الخيول المثمنة بسروج الذهب والفضة على قدر مراتبهم. وتولى السلطان تعبية ذلك بنفسه، فكان مهماً عظيماً: ذبح فيه ستمائة رأس من الغنم، وأربعون رأساً من البقر، وعشرون فرساً، وعمل فيه برسم المشروب ثلاثمائة قنطار من السكر.
وفي يوم الإثنين سابع عشرى رمضان: هبت ريح سوداء معتمة بناحية الغربية، وأظلم الجو منها، وسقطت دور كثيرة. ثم سقط برد أسود مر الطعم، حاءت به الريح من نحو البحر حتى ملأ الطرقات، ووزنت منه واحدة فكانت مائة وثمانين درهماً، ووجد فيه واحدة على قدر النارنجة، وعلى قدر بيض النعام، وما دون ذلك إلى قدر البندقة. وكان الزرع قد قرب حصاده، فرمى سنبله، وحصد كثير منه من أصله، وهلكت منه أغنام كثيرة. ورؤيت شجرة جميز في غاية الكبر وقد سقط في وسطها برده على هيئة الرغيف وهي سواء- فشقتها نصفين كما يشق المنشار، ووجدت بقرة مطروحة قد قطع ظهرها ببردة شقته نصفين. وتلفت زروع ثمانية وعشرين بلداً، فجمع زرعها وحمل إلى السلطان مع فلاحيها، واستغاثوا بالسلطان، فرسم لمتولي الغربية أن يكشف تلك النواح ويحرر ما أصابتها الجائحة منها، ويحط خراجه عن الفلاحين، فامتثل ذلك.
وفيه قدم البريد من قوص بأن السماء احمرت في شهر رمضان هذا حتى ظهرت النجوم متلونة، فكانت تحمر ساعة وتسود ساعة وتبيض ساعة، إلى أن طلع الفجر، فجاء مطر لم يعهد في تلك البلاد. وقدم البريد أيضاً بأنه هبت ريح بأسوان ألقت عامة البيوت وكثيراً من النخل، وهبت أيضاً بعرب قمولة، فألقت ألفين وخمسمائة نخلة مثمرة، وقدم بذلك محضر ثابت على قاضيها.
وخرج ببلاد منفلوط فأر عظيم جداً فحصد الزرع حصداً، وأتلف جرون الغلال، بحيث كان يذهب ربع الجرن في ليلة واحدة. فصار الناس يبيتون بالمشاعل على طول الليل، وهم يقتلون الفأر ثم يتولى أمر النهار طائفة أخر وهم لا يفترون عن قتله، ثم يحمل ما قتل منه في شباك، ويحرق بالنار على بعد، وفيهم من يلقيه إلى النيل، فأفاموا مدة شهرين يحملون في الشباك كل يرم نو مائة حمل. وشوهد منه عجب: وهو أن جمعاً عظيماً من فيران بيض خرجوا حتى ملاوا الأرض، فخرج مقابلهم فيران سود، واصطفوا صفين في أرض مساحتها فدنان، ثم تصايحوا وحمل بعضهم على بعض واقتتلوا ساعة، وانكسرت الفيران السود، وتبعهم البيض يقتلونهم حتى مزقوهم في تلك الأراضي، وكان بمحضر عالم كبير من الناس فكتب بذلك إلى السلطان والأمراء، فانكسر للسلطان بناحية منفلوط بسبب الفأر نحو ستين ألف أردب فول.
وفيها رفعت قصة إلى السلطان تتضمن أن الأمير ملكتمر الحجازي يركب النيل ومعه أرباب الملاهي في عدة من المماليك السلطانية، وأنهم يفعلون كل فاحشة ويأخذون حرم الناس. فاشتد غضب السلطان، وطلب الحجازي وأخرق به، وهدده بالقتل إن عاد يركب النيل، وأخرج السلطان ممن كان يعاشره من المماليك ستة وثلاثين رجلاً إلى البلاد الشامية على البريد من يومهم، وأخرج من الغد أربعين مملوكاً من أصحابه بسبب شربهم الخمر، وفيها تقدم السلطان إلى ولي القلعة ألا يمكن أميراً من النزول إلا بمرسوم، وأمر نقيب الجيش فدار على الأمراء كلهم وأعلمهم ألا ينزل أحد منهم من القلعة إلا بمرسوم السلطان، ومن نزل فلا يبيت إلا بالقلعة. وركب أمير مسعود الحاجب- ومعه والي القاهرة- وهدم مرامي النشاب التي بناها الأمراء لرمي النشاب خارج القاهرة، وطلب جميع صناع النشاب ومنعهم من عمل النشاب الميداني وبيعه لسائر الناس، وأمر بدكاكين البندقانيين فغلقت، ومنع من عمل أقواس البندق وبيعها، وقصد السلطان بذلك كف أسباب اللهو، فإنه كان يكره من يلعب ويلهو عن شغله وخدمته.
وفيها شفع الأمير موسى بن مهنا في لؤلؤ وغيره من المصادرين، فرسم السلطان لشاد الدواوين بكتابة أسمائهم- وكانوا خمسة وثلاثين رجلاً، ومنهم قرموط وأولاد التاج، فأفرج عنهم، أما خلا قرموط وأولاد التاج.
وفيها أنشأ الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسة بجوار الجامع الأزهر، وكان موضعها دار الأمير ابن الحلي وألزم الصناع بالعمائر السلطانية أن يعملوا فيها يوماً من الأسبوع بغير أجرة، فكان يجتمع في كل أسبوع بها كل صانع بالقاهرة ومصر، ويعملون نهارهم. وحمل لها أقبغا جميع ما يحتاج إليه من عمائر السلطان، وأقام بها من مماليكه شادا لم ير أظلم منه، فعسف الصناع وضربهم.
وفيها توقفت زيادة النيل عندما قرب الوفاء، ثم نقض، فارنفع سعر الغلال حتى بلغ القمح عشرين درهماً الأردب. ثم تراجع النيل ووفي ستة عشر ذراعاً، بعدما زاد ثلاثة أيام متوالية أربعة أذرع ونصف ذراع. وتلفت بسبب ذلك غلال كثيرة في الأجران، فإنه زاد زيادة متتابعة على حين غفلة. وكانت سنة شديدة، واتفق فيها من الأمطار والفأر والمصادرات وغير ذلك عدة محن.

.ومات فيها من الأعيان:

مجد الدين إبراهيم بن الأجل أبي هاشم علي بن الصدر الأديب أبي طالب محمد بن محمد بن محمد الفامغار- المعروف بابن الخميمي- في سادس عشر جمادى الأولى، ومولده سنة تسع وأربعين وستمائة، وحدث عن أبيه والرشيد العطار وغيره.
ومات الأمير إبراهيم ابن السلطان في رابع عشرى ذي القعدة، ودفن بتربة عمه الصالح علي بن قلاوون، بالقرب من المشهد النفيسي.
وتوفي الطيب الأديب شهاب الدين أحمد بن يوسف بن هلال الصفدي بالفاهرة عن سبع وسبعين سنة، وله نظم حيد.
وتوفي الشيخ زين الدين عمر بن الجمالي أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني الدمشقي شيخ الشافعية، بالقاهره في يوم الأربعاء سادس عشر رمضان.
وتوفي قاضي القضاة الشافعي بدمشق شهاب الدين محمد بن المجد عبدالله بن الحسين بن علي الأربلي الشافعي بعد ما ألقته بغلته بأسبوع، في جمادى الأولى بدمشق.
وتوفي الشيخ زكي الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن ابن عبد الجليل المعروف بابن القوبع- القرشي التونسي المالك صاحب الفنون الكثيرة، بالقاهرة عن أربع وسبعين سنة.
توفي شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السعداء شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن النقجواني في حادي عشرى المحرم، ودفن بالقرافة.
وتوفي شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن قاضي حماة نجم الدين عبد الرحيم بن أبي الطاهر إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة، في نصف ذي القعدة، ومولده في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة.
ومات الأمير طغجي.
ومات الأمير أقول الحاجب.
ومات الأمير ظلظية كاشف الوجه القبلي.
ومات كاتب السر محيي الدين بن يحيى ابن فضل الله بن مجلي العمري في يوم الأربعاء تاسع رمضان.
وتوفي جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة، وكان قد ولي قضاء دمشق بعد علم الدين الأخنائي ثم عزل.