فصل: سنة إحدى وخمسين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وخمسين وسبعمائة:

أهل المحرم والناس في بلاد عظيم من فأر السقوف ضامن الجهات، فإنه أحدث حوادث قبيحة في دار البطيخ ودار السمك وسائر المعاملات، وزاد في ضرائب المكوس، وتمكن من الوزير منجك تمكنًا زائداً، حتى كان يقول: هذا أخي وكثرت الشكاية منه، ووقفت العامة فيه للسلطان، فلم يتغير الوزير عليه وفيه أوقع الأمير أرغون الكاملي نائب حلب بكاتب سرها زين الدين عمر بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أبي السفاح وضربه وسجنه. فاستقر عوضه فيكتابة السر بحلب الشريف شهاب الدين الحسين بن محمد بن الحسين، المعروف بابن قاضي العسكر.
وفيه أوقع الشيخ حسن نائب بغداد والأمير حيار بن مهنا بطائفة من العرب، وقتل منهم نحو المائتين، وأسر كثيراً منهم، ففر عدة منهم إلى الرحبة. فطلب الأمير حيار من أزدمر النوري نائب الرحبة تمكينه منهم، فأبى عليه، فكتب فيه الأمير حيار إلى السلطان، فعزله، وفيه اقتتل موسى بن مهنا وسيف بن فضل، فانهزم سيف، ونهبت أمواله.
وفيه ابتدأت الوحشة بين الأمير مغلطاي أمير آخور وبين الوزير منحك، بسبب الفار الضامن، وقد شكى منه. فطلبه مغلطاي من الوزير عندما احتمى به، فلم يمكنه منه وفيه قدم صاحب حصن كيفا، والخواجا عمر بن مسافر، بعد غيبة طويلة. فسر به الأمير شيخو، لأنه هو الذي جلبه من بلاده، ونسب إليه، فقيل له شيخو العمري. وأكرم صاحب حصن كيفا، وروعي في متجره، وكان من جملته ثلاثمائة ألف جلد سنجاب. فقدم صاحب حصن كيفا عدة تقادم للأمراء، فبعثوا إليه بمال كثير، وبعث إليه الأمير شيخو ألف دينار، وتعبئة قماش، وبعث إليه الوزير منجم بألفي دينار وقماش كثير، وأنزله في بيته، وبعث إليه الأمير بيبغا روس وغيره، ثم عاد بعد شهر إلى بلاده.
وفيه كمل صهريج الوزير منجك على الثغرة تحت القلعة، واشترى له من بيت المال ناحية بلقينة من الغربية بخمسة وعشرين ألف دينار، أنعم عليه بها، ووقفها على صهريجه. وكانت بلقينة مرصدة لجوامك الحاشية، فعوضوا عنها.
وفي رابع عشريه: قدم الأمير فارس الدين بالحجاج، وكانوا لما قدموا مكة نزلت ربهم شدة من غلاء الأسعاء وقلة الماء، بحيث أبيعت الراوية بعشرين درهما، حتى هموا بالخروج منها ونزول بطن مرو. فبعث الله في تلك الليلة مطرا استمر يومين وليلة، حتى امتلأت الآبار والبرك، وقدم عدة قوافل؛ فانحل السعر قليلا. وحصل لهم خود من عبور المدينة النبوية؛ وذلك أن الشريف أدى لما عزل بالشريف سعد، جمع العربان، وهجم المدينة قبل قدوم سعد إليها، وأخذ أموال الخدام وودائع الشاميين وقناديل الحجرة الشريفة وأموال الأغنياء وغيرهم، وخرج.
وفيه أفرج عن عيسى بن حسن الهجان، وكان قد قبض عليه وسجن، بسبب أنه مالا هو وعربه جماعة العايد المفسدين من العربان، وأحيط بأمواله. وكان فد كثرت سعادته، فإنه كان مع الناصر محمد بن قلاوون في الكرك، فلما عاد إليه ملكه سلمه الهجن وحكمه فيها، فطالت أيامه وكثرت أمواله. وتسلم بعده الهجن جمال الدين نفر، فقام الوزير حتى أفرج عنه، ورد عليه إقطاعه، وأنعم على جماعة من عربه بإقطاعات.
وفي مستهل صفر: قدمت رسل أرتنا نائب الروم، وسأل أن يكتب له تقليد نيابة الروم على عادته، فكتب له، وأكرم رسوله.
وفيه تنافس الوزير منجك والأمير مغلطاي، واستعد كل منهما بأصحابه للآخر، فقام الأمير شيخو حتى أخمد الفتنة.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه: وقت الصلاة وقعت نار بخط البندقانيين من القاهرة، فأحرقت دار هناك. فركب الأمير علاء الدين علي بن الكوراني لإطفائها على العادة، وكان الهواء شديداً، والدور متلاصقة، فاشتد لهب النار بحيث رؤى من القلعة. فركب الوزير منجك، والأمير بيبغا روس النائب، والأمير شيخو، والأمير طاز، والأمير مغلطاى، والأمير قبلاى حاجب الحجاب، وغيرهم من الأمراء بمماليكهم، وأتوا إلى الحريق، ونزلوا عن خيولهم، ومنعوا العامة من النهب فامتدت النار من دكاكين البندقانيين إلى دكاكين الرسامين ودكاكين الفقاعين والفندق المجاور لها، والربع علوة. وتعلقت بما نجاه ذلك من الدور المجاورة لبيت المظفر بيبرس الجاشنكير، فأحرقت الربع، واتصلت بزقاق الكنيسة إلى بيت كريم الدين بن الصاحب أمين الدين، إلى بير الدلاء التي كانت تعرف قديما ببئر زويلة فأحرقت النار الدكاكين والربع المجاور لدار الجوكندار، ولم يبق إلا أن تصل إلى دار علاء الدين على بن فضل الله كاتب السر وعظم الأمر، والأمراء جميعهم على أرجلهم بمن معهم، والمقيدون بالمساحي بين أيديهم تهدم الدور وتطفي النار، والناس في أمر مريج.
وبينا أصحاب الدار في نقلة متاعهم خوفا من وصول النار إليهم، إذا بالنار قد ظهرت عندهم، فينجون بأنفسهم، ويتركون أموالهم، حتى شمل الهدم والحريق ما هنالك من العمائر. ولم يبق بالقاهرة سقاء إلا وأحضر لإطفاء الحريق، وكانت الجمال تحمل الروايا بالماء من باب زويلة إلى البندقانيين. واستمرت النار يومين وليلتين، وجميع الأمراء وقوف حتى خف اللهب. فوكل بالحريق بعض الأمراء مع الوالي، ومضى بقيتهم إلى بيوتهم، وبهم من التعب ما لا يوصف. فأقامت النار بعد انصرافهم ثلاثة أيام وهي تطفا، فكان حريقا مهولا، ذهب فيه من الأموال ما لا ينحصر.
وامتد الحريق إلى قيسارية طشتمر وربع بكتمر، ثم صارت النار توجد بعد ذلك في مواضع عديدة من القاهرة وظواهرها. ووجد في بعض المواضع التي بها الحريق كعكات زيت ومطران، ووجد في بعضها نشابة في وسطها نفط. وكان أكثر الأماكن تقع النار بسطحها، ولم يعرف من فعل ذلك فنودي باحتراس الناس على أملاكهم من الحريق، فلم يبق جليل ولا حقير حتى اتخذ عنده أوعية ملأها ماء. ولم يزل الحريق في الأماكن إلى أثناء شهر ربيع الأول، فقبض في هذه المدة على كثير من أوباش العامة، وقيدوا ليكونوا عونا على إطفاء الحريق، ففر معظمهم من القاهرة. ثم نودي ألا يقيم بالقاهرة غريب، ورسم للخفراء تتبعهم وإحضارهم.
وتعب والي القاهرة في مدة الحريق تعباً لا يوصف، فإنه أقام مدة شهر لا يكاد ينام هو وحفدته، فإنه لا يخلو وقت من صيحة تقع بسبب الحريق، فذهبت دور كثيرة. ثم وقع بعد شهر. بمصر حريق في شونة حلفاء، بجوار مطابخ السلطان وبعدة أماكن.
وفي يوم السبت حادي عشرى ربيع الأول: سمر حمام وعبده الذي كان يحمل سلاحه، وثلاثة نفر. وكان قد عظم فساده، وكثر هجومه على الدور وأخذ ما فيها وقتل من يمنعه، وأعيا الولاة أمره حتى أوقعه الله وكفى شره.
وفي أول ربيع الآخر: قبض على أحمد بن أبي ريد، ومحمد بن يوسف، مقدمي الدولة. وسبب ذلك أن ابن يوسف حج في السنة الماضية على ستة قطر جمال، وثلاثة قطر هجن بطبل وبيزه كما حج الأمراء، بحيث كان معه نحو مائتي عليقة. ولما قدم ابن يوسف إلى القاهرة أهدى للوزير منجك، والنائب بيبغا روس، والأمير طاز والأمير صرغتمش، الهدايا الجليلة القدر، ولم يهد إلى الأمير شيخو، ولا إلى الأمير مغلطاي شيئا. فعاب عليه الناس ترك مهاداة شيخو، فحمل إليه بعد مدة هدية سنية، فردها عليه وقال: هذا ماله حرام. ثم يعد أيام وقف جماعة من الأجناد، وشكوا في الولاة طمعهم وفساد البلاد، فأنكر الأمراء على الوزير منج سيرة ولاة الأعمال، وتعرضوا لهم بأنهم ولوا بالبر أطيل، فاحتاجوا إلى نهب أموال الناس وأخذ الأمير شيخو في الحط على مقدمي الدولة، وأنكر كثرة ما أنفقه ابن يوسف في حجته، وأن ذلك جميعه من مال السلطان فقام الأمراء في مساعدة شيخو، وعددوا ما يشتمل عليه ابن يوسف من لعبه ولهوه وانهماكه في اللذات، فلم يجد الوزير بدا من موافقتهم على عزل الولاة، ومسك المقدمين أحمد بن أبي زيد ومحمد بن يوسف، فقبض عليهما، وألزما بحمل المال وطلب ابن سلمان متولي المنوفية، وألزم بمال، واستقر عوضه ابن فنغلي واستقر في ولاية الشرقية ابن الجاكي، وعزل أسندمر منها.
وفي يوم الخميس رابع عشريه: خرج إلى الأطفيحية سبعة أمراء ألوف، وعشرون أمير طبلخاناه، وقت العصر بأطلابهم، فيهم الوزير منجك والأمير طاز وسبب ذلك أن الأمير بيبغا روس فأمر بهم، فقيدوا وحبسوا وأعاده النائب إلى الأطفيحية، فقبض الأمير.
عرب بن الشيخي كان بالإطفيحية مقيماً بها، فاستمال العرب حتى وثقوا به، وأتاه منهم نحو عشرين رجلا، فقبض عليهم وركب بهم إلى القاهرة، وأوقفهم بين يدي النائب الأمير عرب بن الشيخي على خمسة أخر وقيدهم، فأتاهم ليلا عدة من العربان وفكوا قيودهم، وكبسوا خيمته، ففر إلى القاهرة، ومالوا على موجوده وانتهبوه. فعظم ذلك على الأمراء، وخرجوا إلى الأطفيحية. وقد بلغ العرب خبرهم، فارتفعوا إلى الجبال، فقبض الأمراء على نحو مائة من الأوباش وأهل البلاد، وقطعوا جميع ما هناك من شجر المغل، وخربوا السواقي، وعادوا بعد ثلاثة أيام، في يوم الثلاثاء تاسع عشريه. فعادت العربان بعد رجوع العسكر، وأكثروا من قطع الطريق.
وفي نصف جمادى الأولى: وصلت أم الأمير بيبغا روس النائب، وأم الأمير أرغون الكاملي نائب حلب وأبوه، وعدة من أقاربهم. فركب النائب وتلقاهم من سرياقوس، وسر بهم.
وفيه أخرج أمير أحمد الساقي إلى حلب؛ لسوء سيرته في كشف الجسور بالغربية.
وفيه قدم قود جبار بن مهنا، وقود سيف بن فضل صحبته. ثم قدم الأمير جبار بعده، فأقام أياما وعاد إلى بلاده.
وفيه قدم كتاب الملك الأشرف دمرداش بن جوبان صاحب توريز، يتضمن السلام والتودد. فأكرم رسوله، وأعيد بالجواب، وأرسل السلطان بعده إليه والي الشيخ حسن صاحب بغداد رسولين.
وفيه قدم الخبر بان الأمير أرغون الكاملي نائب حلب ركب إلى التركمان، وقد كثر فسادهم، فقبض على كثير منهم، وأتلفهم، وأوقع بالعرب حتى عظمت مهابته ثم بعث موسى الحاجب على ألفي فارس في طلب نجمة أمير الأكراد، فلما قرب منه بعث صاحب ماردين يشير بعود العسكر، خوفاً من كسر حرمة السلطة. فعاد موسى الحاجب بهم إلى حلب، من غير لقاء. فتنكر الأمير أرغون على موسى الحاجب، وكتب يشكو منه وفيه قدم الخبر بأن الهذباني الكاشف واقع عرب عرك وبني هلال، فهزموه أقبح هزيمة، وجرحوا فرسه، وقتلوا عدة من أصحابه، وأخذوا الطلب بما فيه من خيل وغيرها، وأنه نزل بسيوط، وطلب تجريد العسكر إليه؛ فاقتضى الرأي تأخير التجريدة حتى يفرغ تأخير الأراضي بالزرع.
وفي رجب: سار ركب الحجاج الرجبية، فلقوا الشريف عجلان بالعقبة، وقد أخرجه أخوه ثقبة من مكة. فقدم عجلان إلى القاهرة، ودخل على السلطان، وطلب منه تجريد عسكر معه فلم يجب إلى ذلك. ورسم له بشراء مماليك، واستخدام الأجناد البطالين، فشرع في ذلك. وقدم كتاب أخيه ثقبة يشكو منه، فكتب لعجلان توقيع بإمرة مكة بمفردة، واشترى أربعين مملوكا، واستخدم عشرين جندياً، وأنفق فيهم خمسمائة درهم كل واحد، ثم استجد عجلان طائفة أحرى حتى صار في مائة فارس. وحمل معه حملين نشاباً وقسياً ونحوها، وسافر إلى مكة مستهل رمضان، فأخذ الأمير بيبعا روس والأمير طاز في الحركة للحج.
وفيه توجه السلطان لسرحة سرياقوس.
وفيه أنعم على الأمير قطلوبغا الذهبي بإقطاع الأمير لجحين أمير آخور، بعد إمرته، وأنعم لإمرته وتقدمته على عمر بن أرغون النائب.
وفيه أخرج بكلمش أمير شكار لنيابة طرابلس، عوضا عن أمير مسعود بن خطير، وكتب بإحضار أمير مسعود.
وفيه هجم ابن معين بعربه على الأطفيحية، فقاتله أهلها، فكسرهم بعد أن قتل منهم عدة قتلى كبيرة تبلغ المائتي رجل.
وفيه قدم حمل سيس بحق النصف؛ لخراب بلادهم.
وفيه قدم كتاب الشريف ثقبة، وصحبته محضر ثابت يتضمن الشكر من سيرته، وتكذيب عجلان فيما نقل عنه، فكتب باستقراره شريكا لأخيه عجلان.
وفيه كتب بعود أمير مسعود إلى دمشق بطالا، حتى ينحل من الإقطاع ما يليق به. فعاد من الرملة إلى دمشق، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، ورسم بجلوسه فوق الأمراء المقدمين.
وفيه خلع على الأمير فارس الدين ألبكي، واستقر في نيابة غزة، بعد موت دلنجي وأنعم بإمرته على أخيه، وأنعم على قطليجا الدوادار بإمرة طبلخاناه.
وفيه قدم قرا وأشقتمر المتوجهين إلى الشيخ حسن، وإلى الأشرف دمرداش بن جوبان، بكتابيهما. وذكر الشيخ حسن في كتابه أن دمرداش إنما طلب الود مكراً منه، فإن رسوله إنما قدم مصر لكشف أمر عسكرها، فإنه طمع في أخذ البلاد.
وفيه توجه الأمير طاز لسرحة البحيرة، وأنعم عليه بعشرة آلاف أردب شعير وخمسين ألف درهم بناحية طموه من الجيزية، زيادة على إقطاعه.
وفيه توجه السلطان إلى بر الجيزة؛ ليتم صوم شهر رمضان بها.
وفيه تواردت تقادم نواب الشام والأمراء بديار مصر على الأمير بيبغا روس؛ لحركته للحج.
وفي شوال: قدم السلطان من بر الجيزة إلى القلعة.
وفي خامس عشره: خرج محمل الحاج إلى بركة الحاج، صحبة الأمير بزلار أمير سلاح.
وخرج طلب الأمير بيبغاروس النائب بتجمل زائد، وفيه مائة وخمسون مملوكا معدة بالسلاح، وخرج طلب الأمير طاز، وفيه ستون فارسا. فرحل النائب قبل طاز بيومين، ثم رحل الأمير طاز بعده، ثم رحل بزلار بالحجاج ركباً ثالثاً في عشريه وفي يوم السبت رابع عشره: عزل الأمير منجك من الوزارة، وكان الأمير شيخو قد خرج إلى العباسة. وذلك أن السلطان بعد توجه الأمير شيخو طلب القضاة والأمراء، فلما اجتمعوا بالخدمة قال لهم: يا أمراء هل لأحد على ولاية حجر، أو أنا حاكم نفسي؟. فقال الجميع: يا خوند ما ثم أحد يحكم على مولانا السلطان، وهو مالك رقابنا. فقال: إذا قلت لكم قولا ترجعوا إليه؟ فقالوا جميعاً: نحن في طاعة السلطان، وممتثلون ما يرسم به. فالتفت إلى الحاجب، وقال: خذ سيف هذا. وأشار إلى منجك، فأخذ سيفه، وأخرج وقيد ونزلت الحوطة على أمواله مع الأمير كشلى السلاح دار، فوجد له خمسون حمل جمل زردخاناه، ولم يوجد له كثر مال، فرسم بعقوبته، ثم أخرج إلى الإسكندرية فسجن بها. وساعة قبض عليه رسم بإحضار الأمير شيخو من العباسة، على لسان بعض الجمدارية، وإعلامه بمسك منجك. فقام الأمير منكلى بغا والأمير مغلطاي في منعه من الحضور، ومازالا يخيلان السلطان منه حتى كتب له مرسوم بنيابة طرابلس، على يد طينال الجاشنكير فلقيه طينال قريب بلبيس، وقد عاد صحبة الجمدارية، وأوقفه على المرسوم، فأجاب بالسمع والطاعة وبعث شيخو يسأل في الإقامة بدمشق، فكتب له بخبز الأمير بلك بدمشق وحضور بلك، فتوجه شيخو إليها وفيه قبض على الأمير عمر شاه الحاجب، وأخرج إلى الإسكندرية وفيه أنعم على الأمير طنيرق باستقراره رأس نوبة كبيراً.
وفيه قبص على حواشي منجك، وعلى عبده عنبر البابا، وصودر. وكان عنبر البابا قد أفحش في سيرته مع الناس، وشره في قطع المصانعات، وترفع ترفعا زائدا. فضرب ضرباً مبرحا، وأخذ منه نحو سبعين ألف درهم وفيه ضرب بكتمر شاد الأهراء، فاعترف للوزير باثني عشر ألف أردب غلة، اشتراها منجك من أرباب الرواتب والصدقات، على حساب ستة دراهم الأردب وسبعة دراهم.
وفي مستهل ذي القعدة: قبض على ناظر الدولة والمستوفين، وألزموا بخمسمائة ألف دينار. فترفق في أمرهم الأمير طنيرق حتى استقرت خمسمائة ألف درهم، وزعها الموفق ناظر الدولة على جميع المباشرين، من الكتاب والشهود والشادين ونحوهم، وألزم كل منهم بحمل معلومه عن ستة أشهر. فاشتد شاد الدواوين في استخراحها، وأخرق بجماعة منهم والتزم علم الدين عبد الله بن زنبور ناظر الخاص والجيش بتكفية جميع الأمراء والمقدمين بالخلع من ماله، وقيمتها خمسمائة ألف درهم، وفصلها وعرضها على السلطان. فبعث السلطان بها إلى الأمراء، وركبوا بها الموكب، وقبلوا الأرض، فكان موكباً جليلا وفيه قبض على أسندمر كاشف الوجه القبلي، وناصر الدين محمد بن الدوادارى متولي المحلة والغربية، وألزم ابن الدواداري بحمل مائة ألف درهم.
وفيه قبض على الفأر الضامن، وضرب بالمقارع، وأخذ منه جملة مال، وسجن.
وفي يوم السبت ثامنه: خلع على الأمير بيبغا ططر حارس الطير، واستقر في نيابة السلطنة عوضا عن بيبغا روس، بعد ما عرضت على أكابر الأمراء، فلم يقبلها أحد. وتمنع بيبغا ططر تمنعاً كبيراً، ثم قبلها.
وفيه استقر الأمير مغلطاي رأس نوبة، عوضاً عن طينرق. وأطلق له التحدث في أمور الدولة كلها، عوضاً عن الأمير شيخو، مضافا إلى ما بيده من التحدث في الإصطبل.
وفيه استقر الأمير منكلى بغا الفخري رأس المشورة أتابك العساكر، وأنعم على ولده بإمرة. ودقت الكوسات وطبلخاناه الأمراء بأجمعها، وزينت القاهرة ومصر يوم الأحد تاسعه، واستمرت ثمانية أيام وفيه قدم الخبر صحبة الأمير طشبغا الدوادار من دمشق، بأن الأمير شيخو لما قدم دمشق ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة، أظهر طينال كتابا بأن يستقر شيخو على إمرة بلك السلامي، وتجهز بلك إلى القاهرة. فقدم من الغد الأمير أرغون التاجي بإمساكه، فقيد وأخرج من دمشق. وكان شيخو لما قدم تلقاه النائب وأخرج له كتاب السلطان بمكة، وإرساله صحبة الأمير طيلان. فحل شيخو سيفه بيده، وقال: وأي حاجة إلى غدونا إلى الشام، كفي هتكنا في مصر. ثم قال للنائب: والله يا أمير ما أعرف لي ذنباً غير أني كنت جسرا بينهم، أمنع بعضهم من الوصول إلى بعض، فقيد، وتسلمه طيلان ليسير به إلى مصر، وسلم سيفه لطشبغا وفيه قبض على ملك آص شاد الدواوين، وعلى شهاب الدين أحمد بن علي بن صبح؛ وتسلم سيفهما طشبغا.
وفيه أركب قطلوبغا، فخرج أخوه مغلطاي رأس نوبة إلى لقائه.
وفيه قدم الأمير شيخو إلى قطيا، فتوجه به متسلمه منها إلى الطينة وأوصله إلى الإسكندرية، فسجن بها.
وفيه خلع على طشبغا، واستقر على ما كان عليه دواداراً. وتصالح هو وعلاء الدين علي بن فضل الله كاتب السر بحضرة الأمراء، وبعث كل منهما إلى الآخر هدية. وكان لما أمسك منجك خرج الأمير قردم إلى الأمير طاز وأمير بزلار أمير الركب بكتاب السلطان، يتضمن القبض على الوزير منجك، وأنهما يحترسان على الأمير بيبغاروس وكتب يبغا روس بتطييب خاطره وإعلامه بتغير السلطان على أخيه لأمور صدرت منه اقتضت مسكه، وأنه مستمر على نيابة السلطنة، فإن أراد العود عاد، وان أراد الحج حج. فركب الأمير قردم يوم القبض على الوزير منجك الهجن وقت العصر، وأوصل طاز وبزلار كتابيهما، ومضى إلى بيبغاروس وقد نزل سطح العقبة. فلما قرأ بيبغاروس الكتاب وجم، ثم قال: كلنا مماليك السلطان، وخلع على الأمير قردم، وكتب جوابه بأنه ماض لأداء الحج. ثم إن السلطان رسم للأمير صرغتمش أن يدخل الخدمة مع الأمراء، بعد أن عزله من وظيفة الجمدارية، هو وأمير على، وكانا من جملة حاشية شيخو.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: أمسك الأمير عمر شاه الحاحب، والأمير آقبغا البالسي. وأخرج عمر شاه إلى الإسكندرية، ونفي أقبغا البالسي وطشتمر القاسمي إلى طرابلس. وأخرج أمير على إلى الشام، وأخرج الأمير صرتمش لكشف الجسور بالصعيد.
وفيه ألزم أستادار بيبغا روس بكتابة حواصله، وندب الأمير؛ آقجبا الحموي لبيع حواصل منجك. وأخذت جواري النائب بيبغا روس ومماليكه، وجواري منجك ومماليكه، إلى القلعة. وطلع من مماليك منجك خمسة وسبعون مملوكاً صغاراً، وطلع من جواري بيبغا روس خمس وأربعون جارية، فلما وصلن إلى دار النيابة بالقلعة صحن صيحة واحدة، وبكين فأبكين من هناك.
وفي يوم الجمعة رابع عشره: نفي ابن العرضي إلى حماة، بعد ما صورد.
وفيه خلع على بابان السناني نائب البيرة، وقد حضر منها، واستقر أستادارا، عوضا عن الأمير منجك الوزير.
وفيه قدم الخبر أن الأمير أحمد الساقي نائب صفد خرج عن الطاعة. وسببه أنه لما قبض على الوزير منجك، خرج الأمير قمارى الحموي، وعلى يده ملطفات لأمراء صفد بالقبض على أحمد، فبلغه ذلك من هجان جهزه إليه أخوه فندب الأمير أحمد الساقي طائفة من مماليكه لتلقى قمارى. وطلب نائب قلعه صفد وديوانه، وأمره أن يقرأ عليه كم له بالقلعة من غلة، فأمر لمماليكه منها بشيء فرقه عليهم إعانة لهم على ما حصل من المحل في البلاد، وبعثهم ليأخذوا ذلك، فعندما طلعوا القلعة شهروا سيوفهم وملكوها فقبض الأمير أحمد الساقي على عدة من الأمراء، وطلع بحريمه إلى القلعة وحصنها، وأخذ مماليكه قمارى، وأتوه به فكتب السلطان لنائب عزه ونائب الشام تجريد العسكر إليه، ورسم بالإفراج عن فياض بن مهنا وعيسى بن حسن الهجان أمور العايد، وخلع عليه وجهز، وأخذت الهجن من جمال الدين بقر أمير عرب الشرقية، وأعيدت إلى علي بن حسن. وكانت الأراجيف قد كثرت بأن الأمير طاز قد تحالف هو والأمير بيبغا روس بعقبة أيله، فخرج الأمير فياض وعيسى بن حسن أمير العايد؛ ليقيما على عقبة أيلة، بسبب بيبغا روس. وكتب لعرب شطي وبني عقبة وبني مهدي بالقيام مع الأمير فضل، وكتب لنائب غزة بإرسال السوقة إلى العقبة.
وفيه خلع على شهاب الدين أحمد بن قزمان بنيابة الإسكندرية، عرضاً عن بكتمر المؤمني.
وفيه خلع على الأمير أرلان أمير آخور، واستقر في نيابة الكرك، عوضا عن جركتمر. وأنعم على جركتمر باستقراره حاجباً بحلب، عوضاً عن موسى الحاجب، لشكوى نائب حلب منه.
وفي يوم الأربعاء سادس عشريه: قدم سيف الأمير بيبغا روس، وقد قبض عليه.
وذلك أنه لما وردعليه الكتاب بمسك أخيه منجك اشتد خوفه، وطلع إلى العقبة، ونزل المنزلة فبلغه أن الأمير طاز والأمير بزلار ركبا للقبض عليه، فركب بمن معه من الأمراء والمماليك بآلة الحرب. فقام الأمير عز الدين إزدمر الكاشف. بملاطفته، وأشار عليه ألا يعجل، وأن يكشف عن الخبر أولا فبعث الأمير بيبغا روس نجاباً في الليل لذلك، فعاد وأخبروا أن الأمير طاز مقيم بركبه، وأنه سار بهم وليس فيهم أحد لابس عدة الحرب، فقلع الأمير بيبغا روس السلاح هو ومن معه، وتلقى طاز وسأله عما تخوف منه، فأوقفه طاز على كتاب السلطان إليه. فلم ير بيبغا روس فيه ما يكره فاطمأن، ورحل كل منهما بركبه من العقبة. فأتت الأخبار إلى الأمراء باتفاف طاز وبيبغا روس، فكتب السلطان إلى طاز بزلار أمير الركب بالقبض على بيبغا روس قبل دخول مكة، وتوجه إليهما طيلان الجاشنكير، وقد رسم له أن يتوجه مع بيبغا روس إلى الكرك.
وجرد فياض وعيسى بن حسن إلى العقبة، ثم خرج الأمير أرلان بمضافية تقوية لهما. فلما قدم طيلان على طاز وبزلار كتبا إلى أزدمر الكاشف يعلمانه بما رسم به لهما من مسك بيبغا روس، ويؤكدان عليه في استمالة الأمير فاضل والأمير محمد بن بكتمر الحاجب وبقية من مع بيبغاروس، وتعجيزهم عن القيام معه، فأخذ أزدمر الكاشف في تنفيذ ذلك. ثم كتب طاز وبزلار لبيبغا روس أن يتأخر لسماع مرسرم السلطان، حتى يكون دخولهم مكة جميعاً فأحس بيبغا روس بالشر، وهم بالتوجه إلى الشام، فمازال أزدمر الكاشف به حتى رجعه عن ذلك. وعند نزول بيبغا روس المويلحة قدم طاز وبزلار، فتلقاهما وأسلم نفسه من غير ممانعة، فأخذوا سيفه، وأرادا تسليمه لطيلان حتى يحمله إلى الكرك. فرغب بيبغا روس إلى طاز أن يحج معه، فأخذه صحبته محتفظا به، وكتب بذلك إلى السلطان فتوهم السلطان ومغلطاى أن طاز قد مال مع بيبغاروس. وتشوشا تشوشاً زائداً ثم أكد ذلك ورود الخبر بعصيان أحمد في صفد، وظنوا أنه مناظر لبيبغا روس فأخرج طيلان ليقيم على الصفراء حتى يرد الحجاج إليها، فيمضي بيبغا إلى الكرك وفي يوم الخميس سابع عشريه: خلع على علم الدين عبد الله بن زنبور، خلعة الوزارة، مضافاً لما معه من نظر الخاص ونظر الجيش، بعد ما امتنع، وشرط شروطاً كثيرة وخرج ابن زنبور في موكب عظيم، فركب بالزنارى الحرير الأطلس إلى داره بمصر، فكان يوما مذكوراً.
وفيه خلع على الأمير طنيرق بنياية حماة، عرضا عن أسندمر العمري.
وفي يوم السبت تاسع عشريه: جلس الوزير علم الدين بن زنبور بشباك قاعة الصاحب من القلعة، وفي دست الوزارة. وجلس الموفق ناظر الدولة قدامه، ومعه جماعة المستوفين. فطلب ابن زنبور جميع المباشرين، وقرر معهم ما يعتمدونه، وطلب محمد بن يوسف، وشد وسطه على عادته، وطلب المعاملين، وسلفهم على اللحم وغيره. وأمر فكتبت أوراق من بيت المال والأهراء، فإنه لم يكن بهما درهم واحد ولا أردب غلة، وقرأها على السلطان والأمراء. وشرع في عرض الشادين والكتاب وسائر أرباب الوظائف، وتقدم إلى المستوفين بكتابة أوراق المتأخر في النواحي، واهتم بتدبير الدولة. ورسم على بدر الدين ناظر البيوت، وألزمه بمال لشيء كان في نفسه منه، وولى عوضه فخر الدين ماجد بن قرونه صهره نظر البيوت. ورسم لأولاد الخروبي النجار. بمصر بتجهيز راتب السكر لشهر المحرم، وأنفق في بيت السلطان جامكية شهر، فطلع إلى الحوائج خاناه السكر والزيت والقلوبات وسائر الأصناف.
وفيه أفرج ابن زنبور عن الفأر الضامن بسفارة الأمير ملكتمر المحمدي، وضمنه الجهات بزيادة خمسين ألف درهم وضمن الفأر معاملة الكيزان من الأمير طيبغا المجدي، بزيادة ثلاثين ألف درهم.
وفيه حمل علاء الدين بن فضل الله كاتب السر تقليد الوزارة إلى الصاحب علم الدين عبد الله بن زنبور، ونعت فيه بالجناب العالي. وكان جمال الكفاة قد سعى أن يكتب له ذلك زمن السلطان الصالح إسماعيل، فلم يرض كاتب السر، وشح به. فخرج الصاحب وتلقى كاتب السر، وبالغ في إكرامه، وبعث إليه تقدمة سنية.
وفي مستهل ذي الحجة: خلع على بكتمر المؤمني نائب الإسكندرية، واستقر شاد الدواوين.
وفيه خلع على سعد الدين رزق الله، ولد الوزير علم الدين، واستقر بديوان المماليك. وفيه التزم الوزير علم الدين بين يدي السلطان والأمراء أنه يباشر الوزارة بغير معلوم، ويباشر ابنه أيضا بغير معلوم، ويوفر ذلك للسلطان.
وفيه قدم الخبر بأن هند وأحد الأكراد استولى على بلاد الموصل، وصار في جمع كبير يقطع الطريق، والتحق به نجمة التركماني، فاستنابه وتقوى به وركب من مندر إلى سنجار وتحصن بها، وأغار على الموصل ونهب وقتل، ومضى إلى الرحبة وأفسد بها، ومشى على بلاد ماردين ونهبها. فخرجت إليه عساكر الشام، وحصروه بسنجار ومعهم عسكر ماردين، ونصبوا عليها المنجنيق مدة شهر حتى طلب هند الأمان، على أنه يقيم الخطبة للسلطان، ويبعث بأخيه ونجمة في عقد الصلح، وبقطع قطيعة يقوم بها كل سنة، فأمنه العسكر، وسروا عنه بأخيه ونجمة إلى حلب؛ فحمل نجمة ورفيقه إلى مصر، فلما نزلا منزلة قانون هرب نجمة.
وفي خامسه: رسم بعرض أجناد الحلقة، وخرجت البريدية إلى النواحي لإحضار من بها منهم، فحضروا، وابتدئ بعرضهم بين يدي النائب بيبغا ططر حارس الطير في يوم السبت حادي عشره. وسبب ذلك دخول جماعة كبيرة من أرباب الصنائع في جملة أجناد الحلقة، وأخذ جماعة كثيرة من الأطفال الإقطاعات، حتى فسد العسكر. فرسم لنقيب الجيش بطلب المقدمين ومضافيهم، وإحضار الغائبين، وحذروهم من إخفاء أحد منهم. وتقرر العرض بين يدي السلطان في كل يوم مقدمين. بمضافيهما، ثم رسم للنائب بيبغا ططر حارس الطير أن يتولى ذلك، فطلع إليه عدة أيتام مع أمهاتهم، ما بين أطفال تحمل على الأكتاف وصغار وشباب، وجماعة من أرباب الصنائع. فساءه ذلك، وكره أن يقطع أرزاقهم، ومضى يومه بالتغاضي، وصرفهم جميعاً على أن يحضروا من الغد. وتحدث بيبغا ططر حارس الطير مع الأمراء في إبطال العرض، فعارضه منكلى بغا الفخري، وأشار بأن العرض فيه مصلحة، فإن القصد من إقامة الأجناد إنما هو الذب عن المسلمين، فلو تحرك العدو ما وجد في عسكر مصر من يدفعه فلم توافقه الأمراء على دلك، وخرج الأمير قبلاى الحاجب على لسان السلطان بإبطال العرض، وقد اجتمع بالقلعة عالم كبير، فكان يوماً مهولا من كثرة الدعاء والبكاء والتضرع.
وفيه قدم الخبر بنزول عسكر دمشق وطرابلس على صفد، وزحفهم عليها عدة أيام، جرح فيها كثير من الأجناد، ولم ينالوا من القلعة غرضا، إلى أن بلغهم القبض على بيبغا روس. وعلم بذلك الأمير أحمد الساقي نائب صفد من هجانته، فانحل عزمه، فبعث إليه بكلمش نائب طرابلس يرغبه في الطاعة، ودس إلى من معه في القلعة حتى حاصروا عليه، وهموا. بمسكه. فوافق الأمير أحمد الساقي على الطاعة، وحلف لنائب طرابلس، ونزل إليه بمن معه. فسر السلطان بذلك، وكتب بإعانته وحمله.
وفي عاشره: كانت الوقعة بمنى، وقبض على المجاهد على بن المؤيد داود بن المظفر أبو سعيد المنصوري عمر بن رسول صاحب اليمن فكان من خبر ذلك أن ثقبة لما بلغه استقرار أخيه عجلان في إمرة مكة، توجه إلى اليمن، وأغرى المجاهد بأخذ مكة وكسوة الكعبة. فتجهز المجاهد، وسار يريد الحج في جحفل كبير بأولاده وأمه حتى قرب من مكة، وقد سبق حاج مصر. فلبس عجلان آلة الحرب، وعرف أمراء مصر ما عزم عليه صاحب اليمن، وحذرهم غائلته. فبعثوا إليه بأن من يريد الحج إنما يدخل مكة بذلة ومسكنة، وقد ابتدعت من ركوبك والسلاح حولك بدعة لا يمكنك أن تدخل بها، وابعث إلينا ثقبة ليكون عندنا حتى تنقضي أيام الحج، ثم نرسله إليك فأجاب المجاهد إلى ذلك، وبعث ثقبة رهينة، فأكرمه الأمراء، وأركبوا الأمير طقطاي في جماعة إلى لقاء المجاهد، فتوجهوا إليه ومنعوا سلاحداريته من المشي معه بالسلاح، ولم يمكنوهم من حمل الغاشية. ودخلوا به مكة، فطاف وسمى، وسلم على الأمراء واعتذر إليهم، ومضى إلى منزله وصار كل منهم على حذر حتى وقفوا بعرفة، وعادوا إلى الحيف من منى، وقد تقرر الحال بين الشريف ثقبة وبين المجاهد على أن الأمير طاز إذا سار من مكة أرقعاهما بأمير الركب ومن معه، وقبضا على عجلان، وتسلم ثقبة مكة. فاتفق أن الأمير بزلار رأى وقد عاد من مكة إلى منى خادم المجاهد سائراً، فبعث يستدعيه فلم يأته، وضرب مملوكه- بعد مفاوضة جرت بينهما- بحربة في كتفه فماج الحاج، وركب بزلار وقت الظهر إلى طاز فلم يصل إليه حتى أقبلت الناس جافلة تخبر بركوب المجاهد بعسكره للحرب، وظهرت لوامع أسلحتهم، فركب طاز وبزلار والعسكر. وأكثرهم. بمكة.
فكان أول من صدم أهل اليمن الأمير بزلار وهو في ثلاثين فارساً، فأخذوه في صدورهم إلى أن أرموه قرب خيمة. ومضت فرقة منهم إلى جهة طاز، فأوسع لهم، ثم عاد عليهم وركب الشريف عجلان والناس، فبعث طاز لعجلان أن احفظ الحاج، ولا تدخل بيننا في حرب، ودعنا مع غريمنا؛ واستمر القتال بينهم إلى بعد العصر. فركب أهل اليمن الذلة، والتجأ المجاهد إلى دهليزه، وقد أحيط به وقطعت أطنابه، وألقوه إلى الأرض. فمر المجاهد على وجهه ومعه أولاده، فلم يجد طريقاً، ولديه إلى بعض الأعراب، وعاد بمن معه وهم يصيحون: الأمان يا مسلمين فأخذوا وزيره، وتمزقت عساكره في تلك الجبال، وقتل منهم خلق كثير، ونهبت أموالهم وخيولهم حتى لم يبق لهم شيء، وما انفصل الحال إلى غروب الشمس. وفر ثقبة بعربه، وأخذ عبيد عجلان جماعة من الحجاج فيما بين مكة ومنى، وقتلوا جماعة. فلما أراد الأمير طاز الرحيل من منى سلم أم المجاهد وحريمه لعجلان، وأوصاه بهن وركب الأمير طاز ومعه المجاهد محتفظاً به، وبالغ في إكرامه، وصحب معه أيضا الأمير بيبغا روس مقيداً، وبعث الأمير طنطاي مبشراً. ولما قدم الأمير طاز المدينة النبوية قبض على الشريف طفيل وكان قاع النيل في هذه السنة أربعة أذرع ونصف ذراع. وتوقفت الزيادة حتى ارتفع سعر الأردب القمح من خمسة عشر درهماً إلى عشرين درهماً، ثم زاد النيل في يوم واحد أربعا وعشرين إصبعا، ونودي من الغد بزيادة عشرين إصبعاً، ثم بزيادة خمسة عشر إصبعا، ثم ثماني أصابع. واستمرت الزيادة حتى بقي من ذراع الوفاء ثلاثة أصابع، فتوقف ستة أيام، ثم وفى الستة عشر ذراعاً في يوم الإثنين ثاني عشرين مسرى. وزاد بعد ذلك إلى خامس توت، فبلغ سبعة عشر ذراعاً، وهبط فشرقت بلاد كثيرة، وتوالى الشراقي ثلاث سنين شق الأمر فيها على الناس من عدم الفلاحين وخيبة الزرع بخلاف ما يعهد، وكثرة المغارم والكلف، وظلم الولاة وعسفهم، وزيادة طمعهم في أخذ ما بذلوا مثله حتى ولوا، مع نفاق عرب الصعيد، وطمعهم في الكشاف والولاة، وكسر المغل، وعنتقهم في إعطائه الأجناد، ورمي الشعير على البلاد من حساب سبعة دراهم الأردب، وحمله إلى الأهراء، فحمل نحو الأربعين ألف أردب شعيراً، ونحو خمسة آلاف أردب برسيما.
وفيه خلع على ملك تونس أبو العباس الفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الواحد بن أبي حفص، في ثامن عشر جمادى الأولى، فكانت مدته ستة أشهر، فقام بعده أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الأمير سيف الدين دلنجى نائب غزة. قدم القاهرة سنة:ثلاثين وسبعمائة، فأنعم عليه بإمرة عشره، ثم إمرة طبلخاناه، وولي غزة بعد يلجك فأوقع بالعشير، وقويت حرمته.
ومات الأمير لاجين أمير آخور.
وتوفي فخر الدين محمد بن على بن إبراهيم بن عبد الكريم المصري الفقيه الشافعي بدمشق، في ثالث عشر ذي القعدة، ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة، وخرج من القاهرة سنة اثنتين وسبعمائة، وسكن دمشق، وبرع في الفقه والعربية وغير ذلك. وكان يتوقد ذكاء، بحيث أنه حفظ مختصر ابن الحاجب مع تعقد ألفاظه في تسعة عشر يوماً، ودرس وأفتى وأفاد وتوفي العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية الزرعي الدمشقي في ثالث عشر رجب، ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة. وبرع في عدة علوم، ما بين تفسير وفقه وعربية، وغير ذلك. ولزم شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية بعد عوده من القاهرة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة حتى مات، وأخذ عنه علماً جماً، فصار أحد أفراد الدنيا، وتصانيفه كثيرة، وقدم القاهرة غير مرة ومات ابن قرقمان صاحب جبال الروم ومات الحسين بن خضر بن محمد بن حجي بن كرامة بن بختر بن على بن إبراهيم ابن الحسين بن إسحاق بن محمد الأمير ناصر الدين، المعروف بابن أمير الغرب التنوخى، في نصف شوال. وولى عوضه ابنه زين الدين صالح، وولايته ببلاد الغرب من بيروت. وأول من وليها منهم كرامة بن بختر في أيام نور الدين محمود بن زنكي، فسمي كرامة أمير الغرب.