فصل: سنة ثمانين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثمانين وسبعمائة:

أهلت بيوم الخميس: وفيه خلع على الأمير أقتمر العثماني، واستقر دوادارا بتقدمة ألف، عوضًا عن أطلمش الأرغوني.
وفي يوم الإثنين خامسه: استقر الأمير مبارك شاه الطازي في نيابة غزة، عوضاً عن أقبغا الجوهري، واستقر أقبغا الجوهري في نيابة صفد، عوضاً عن صُراي تَمُر المحمدي، وقبض على صرا تمر وسجن بالكرك.
وفي عاشره: مات الأمير أينَبَك، مثيرالفتن، بسجن الإسكندرية، وصودرت زوجته وأخذ منها مال عظيم، فكان هذا مما استشنع فعله، فإنه لم تجر العادة بالتعرض للحرم.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره: خلع على كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرازق بن إبراهيم بن مكانس، واستقر في نظر الدولة، عوضاً عن تاج الدين نشو الملكي، وأفرد الملكي بنظر الجيش.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: خلع على تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد، وأعيد إلى نظر الجيش، عوضاً عن الملكي. وقبض على الملكي وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، حتى مائة ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه.
وفي ليلة الأحد خامس عشرينه: وقع حريق عظيم خارج باب زويلة، احترق منه دكاكين الفاكهانيين والنقليين، والبرادعيين، والرابع المعروف بالدهيشة تجاه باب زويلة، وامتدت النار إلى سور القاهرة، فركب الأمير بركة الجوباني، والأمير أيتمش البجاسي، والأمير دمرداش الأحمدي، والأمير تغرى برمش حاجب الحجاب، وطفوه بأنفسهم ومماليكهم، فكان أمرا مهولا، أقامت النار فيه يومين، وخربت أماكن جليلة كبيرة، كانت من أبهج المواضع وأحسنها. وتحدث الناس أن هذا مبدأ خراب القاهرة، وكثر ذلك على الألسنة، فكان كذلك، ثم إن الناس أخذوا في عمارة ما احترق حتى عادوه كما كان، وقال في هذا الحريق القاضي زين الدين طاهر.
بباب زويلة وافي حريق ** أزال معاني الحسن المصون

ودمر كل عال من ذراه ** وصير كل عال مُقلّ دون

وعبرة عبرة الرائين أجدى ** يقينا كالعيون من العيون

وما برح الخلائق في ابتهال ** لمحى الأرض من بعد المنون

إلى أن قال في لطف خفي ** وفضل عناية يانار كوني

وفي آخره: أفرج عن الأمير يلبغا الناصري، وأنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف بدمشق، عوضاً عن الأمير جَنتمُر أخي طاز، وقبض على جَنتمر وسجن بقلعة المرقب.
وفي يوم الخميس سادس صفر: خلع على كريم الدين عبد الكريم بن مكانس ناظر الدولة، واستقر في الوزارة، عوضاً عن صلاح الدين خليل بن عرام، وركب بنجيبين أحدهما قدامه والآخر وراءه، كما كانت عادة الوزراء.
وفي يوم الإثنين عاشره: خلع على فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرازق بن إبراهيم بن مكانس واستقر في نظر الدولة مكان أخيه الصاحب كريم الدين. وخلع على تاج الدين فضل اللّه بن الرملي، واستقر في وزارة دمشق، وتوجه إليها. وكان من شياطين كتاب مصر المسالمة.
وفيه قبض على الوزير الملكي، وسجن بقاعة الصاحب، وألزم. بمال كبير.
وفي هذه الأيام: وقع حريق في خارج باب النصر؛ وحريق تجاه اليانسية خارج باب زويلة. وركب الأمير ألطنبُغا المعلم البريد إلى حلب، ليقبض على الأمير أَشَقتمُر النائب.
وفي عشرينه: خلع عن الركن وإلى الفيوم واستقر في ولاية الفيوم والبهنسي، وعلي محمد بن طاجار، واستقر في ولاية المنوفية.
وفي ثامن عشرينه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع واثنتين وعشرين إصبعاً.
وفي هذا الشهر: رخصت الأسعار، حتى أبيع لحم الضأن السليخ، كل عشرة أرطال بسبعة دراهم ونصف درهم، وكل عشرة أرطال إليه بستة دراهم.
وفي أول شهر ربيع الأول: رُسم للأمير تَلَكتمُر من بركة أن يجلس في الخدمة السلطانية بالإيوان، فيمن يجلس من الأمراء الكبار.
وفي سادسه: قبض على الحاج سيف مقدم الدولة، وخلع على الحاج محمد بن يوسف، واستقر مقدم الدولة، وسلم له سيف، ثم نقل دار الوالي، فعُوقب حتى التزم بحمل مائًة ألف دينار، حمل منها خمسمائة ألف درهم عنها خمسة وعشرون ألف دينار، وأخذ جميع ماله من مراكب بحرية ودواليب، وقيمتها أكثر منذ لك، ثم أفرج عنه في سابع عشره، فكان هذا مما لم يعهد قبل ذلك، أعني تسليم من يصادر لوالي القاهرة، وإٍ نما كان يتسلم المصادر شاد الدواوين أو مقدم الدولة. بمرسوم الوزير، ولا يتعدى حكم الوالي العامة وأهل الجرائم منهم، وأما الأجناد والكتاب وأعيان التجار فلا تمتد يده إلى الحكم فيهم، ويرجع أمرهم إلى نائب السلطان؛ فإن لم يكن فحاجب الحجاب، لأن كل أحد له رتبة محفوظة لا يتعداها، فانخرق السياج، وأخذ كل أحد يتعدى طوره، ويجهل قدره.
وفي هذه الأيام: نُقل الأمير مَنْكلي بُغا البلدي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، عوضاً عن أَشقتمُر. واستقر الأمير يلبغا الناصري عوضه في نيابة طرابلس.
وفيها أشيع أن المماليك الألجائية، وهم نحو ثمانمائة مملوك، اتفقوا مع جماعة على إثارة الفتنة، فقبض على عدة من الأمراء ومماليك السلطان، ورسم للجميع بالقبض على من في خدمتهم من مماليك ألجاي اليوسفي، فقبضوهم وبالغوا في إهانتهم، بأن وضعت الزناجير في أعناقهم، وعملت يدي كل اثنين منهم في خشبة، وسجنوا بخزانة شمايل- سجن أهل الجرائم- فلم يعهد قبل ذلك أن الترك رجال الدولة أهينوا هذه الإهانة، ثم أشيع أن جماعة من مماليك الأمراء عزموا على الفتك بأستاذيهم، فقبض على كثير منهم.
وفي ثامنه: قبض على ألطنبُغا شادي- من أمراء العشرات- وعدة من مماليك ألجاي.
وفي تاسعه: قبض على قطلوبغا حاجي أمير علم، وألطنيغا العلاي، وأَسَنْبُغا التلكي، وتلك الأحمدي، وألطنبغا عبد الملك، وغريب الأشرفي، وأسَندمُر الأشرفي، وجوبان الطيدَمُري، وآقسُنقُر الأشرفي، وأقبغا القَطلقَتمُري، وتمان تمر الموسوي، وجنتمُر المحمدي، وسودن العثماني، وبدى قُرُطُقا بن سوسون، وبك يونس، وبجمان العلاي، وآقبغا ينسون، وحملوا مقيدين إلى الإسكندرية.
وفي عاشره: قبض على الأمير تَمُر باى الدمرداشي رأس نوبه، بحيلة، وهي أن الأمير بركة بعث إليه فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب، فركبه، وأ تَاه متشكرا لصنيعه فأخذه وطلع إلى الأمير الكبير برقوق ليصلح بينهما وكانا قد تنافرا، وكان تمر باى بثياب جلوسه، ليس معه كثير أحد من مماليكه، فلما استقر بهم المجلس، قبض عليه، وقيد وأخرج في الليل إلى ثغر الإسكندرية فسجن بها، وأنعم على الأمير ألطنبغا الجوباني بإقطاع تمر باى.
وفيه خلع على جال الدين محمود العجمي، وأضيف غليه حسبة مصر، عوضاً عن الشريف عاصم، فرغب عنها لصديقه سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي، فخلع عليه وباشرها.
وفي عشرينه: نزل الأمير أَشَقتمر نائب حلب على بلبيس وكان لما قدم عليه أَلطنبغُا المعلم، ليقبض عليه ويبعث به إلى القدس بطالا، قدم عليه مرسوم بأن يحضر إلى الأبواب السلطانية، فسار من حلب ومعه تقدمة جليلة، فبينما هو على بلبيس، أتاه من قبض عليه وقيده وحمله إلى الإسكندرية، فسجن بها.
وفي يوم الأحد حادي عشرينه: سُمر اثنا عشر من الأتراك، وطيف بهم القاهرة، ثم وسط منهم ستة، وهم الأمير أقبغا البجمقدار خازن دار الأمير ألجاي، والأمير قَراكَسَك، وأسنْبُغا، من مماليك ألجاي، وبَكتمُر الفقيه، وأسندَمُر الذي حمل رأس الأمير أرغون شاه، لما قتل بقبة النصر.
وفيه أفرج عن غريب الأشرفي، أحد أمراء العشرات.
وفي أول شهر ربيع الآخر: أهين السيد الشريف علي نقيب الأشراف، من الأميرين بركة وبرقوق إهانة بالغة، لمنعه عنهم كتاب وقف ناحية بلقس على الأشراف ليتسلمه الشريف مرتضى صدر الدين مرتضى، وقد استقر في نظر وقف الأشراف عوضا عنه، ومنع من التحدث في نقابة الأشراف.
وفي يوم الخميس سابع عشره: خلع على الشريف عاصم واستقر نقيب الأشراف. وخلع على الأمير بزلار، واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضا عن الأمير قطلو أقتَمُر، وأنعم عليه بتقدمة تلكتمر بن بركة، واسنقر قطلو أقتَمُر أمير جاندار على تقدمته. وخلع على علاء الدين على العمري، واستقر كاشفا بالوجه البحري.
وفيه كان وفاء النيل، وهو عاشر مسرى.
وفيه عين الشيخ راج الدين عمر بن الملقن أحد نواب الحكم بقضاء القضاة الشافعية، عوضا عن بدر الدين محمد بن أبي البقاء، ليلبس في يوم الإثنين.
فلما كان يوم الإثنين حادي عشرينه: طلع إلى القلعة فلم يتهيأ له لبس، وذلك أن الأمير الكبير برقوق كان قد عينه لذلك بغير مال، فسعى عليه يقوم به إذا استقر في قضاء القضاة كما قد جرت به العادة في هذا الزمان، فبعث بها الأمير بركة إلى الأمير برقوق، فلما بلغته الورقة غضب وأمر بجمع القضاة والفقهاء، فتجمعوا بين يديه بالحراقة من الإصطبل في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه، وطلبه، وأخرج الورقة التي بعثها إليه الأمير بركة، تتضمن التزامه بأربعة آلاف دينار يقوم بها إذا استقر قاضي القضاة الشافعية. فأنكر أن يكون خطه، فزاد حنق الأمير برقوق، وأمر به، فسلم إلى الحاج محمد بن يوسف مقدم الدولة ليستلخص منه الأربعة آلاف دينار، وانفض المجلس، فرفق به ابن يوسف من أجل أنه كان قد اتهم بأنه وقع في واقع يقتضي إراقة دمه عند المالكية. فحكم ابن الملقن بحقن دمه، فرعى له ذلك، ودافع عند شاد الدواوين، وخوفه من التعرض له. بمكروه، إلى أن طلع الشيخ سراج الدين عمر البلقيني في يوم الخميس رابع عشرينه إلى الأمير برقوق، هو والشيخ المعتقد أبو عبد اللّه محمد الركراكي المغربي، في عدة من الفقهاء، وسأله في الإفراج عن ابن الملقن، فوعده بإرساله إليه، فحلف البلقيني ثلاثة أيمان في ثلاث مرات أنه ما ينصرف إلا به، فأجابه إلى ذلك، وأمر بتسليمه إليه، فمضى به، وللّه الحمد.
وفي أخريات هذا الشهر: أفرج عن الأمير طشتمر الأتابك من سجنه بالإسكندرية، ورسم بإقامته بثغر دمياط، وأقطع بلدا بالقرب منه.
وفي سابع عشرينه: خلع على الأمير منكلي الطرخاني، واستقر نائب الكرك، عوضا عن تمرباي الطازي.
وفيه خلع على همام الدين أمير غالب بن القوام أمير كاتب الأنقاني الأتراري الحنفي محتسب دمشق، واستقر في قضاء القضاة الحنفية بها، عوضا عن نجم الدين أبي العباس أحمد بن أبي العز. بمال التزم به وسافر إليها.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير بركة، واسثقر في نظر المارستان، واستقر رأس نوبة كبيرا، عوضا عن تمرباي. وخلع على قرا دمرداش الأحمدي، واسنقر أمير مجلس. وخلع على الأمير ألطنبغا الجوباني، واستقر رأس نوبة ثانيا. وخلع على محتسب القاهرة جمال الدين محمود العجمي، واستقر في نظر المارستان، نيابة عن الأمير بركة، عوَضا عن بدر الدين محمد بن عثمان الأنفهسى.
وفيه ورد البريد من طرابلس بقدوم الفرنج إليها في عشرة مراكب، ونزولهم إلى البر، فحاربهم الأمير يلبغا الناصري نائب طرابلس، وقتل منهم عدة، وفي باقيهم إلى مراكبهم وساروا.
وفي جمادى الأولى: ركب السلطان ثلاثة سبوت متوالية إلى الميدان برسم الملعب بالكرة، على ما جرت به العادة. ولم يتفق في السنة الماضية الركوب إلى الميدان لما كان من الإشتغال بالحروب والفتن، وأنعم الأميران بركة وبرقوق في الميدان على أكابر مماليكهما بأقبية بطرز زركش.
وفيه قدم زامل بن موسى بن مهنا.
وفيه قبض على سلام بن التركية من البحيرة، وقيد وحمل إلى القاهرة.
وفي يوم الإثنين حادي عشره: قدم البريد بأن خليل بن دلغادر أمير التركمان قتل الأمير مبارك الطازي نائب الأبلستين وذلك أنه ركب في عسكر من حلب لقتال ابن دلغادر فهزمه وأخذ ما معه، ثم ركب قفاه في جماعة، فمال عليه ابن دلغادر وقاتله، فوقع في قبضته، فقدمه وضرب عنقه.
وفيه قبض على الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد الله المقسي ناظر الخاص، وعلى كثير من ألزامه وحبس في بيت الأمير بركة بمرافعة الوزير كريم الدين بن مكانس إياه، وأحبط بموجوده، ونقل من الغد ما في داره، فوجد له شيء كثير من المال والثياب والقماش، من جملته نحو الألفي بدن فرو سنجاب.
وفيه أفرج عن الأمير تمر باي الدمرداشي وأخرج إلى القدس، وأفرج عن الأمراء الذين سجنوا قبله أيضاً.
وفي يوم الأحد سابع عشره: أعيد المقدم سيف إلى تقدمة الدولة، وقبض على محمد بن يوسف وسلم إليه، فعاقبه حتى مات تحت العقوبة.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره: خلع على الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن مكانس، واستقر في نظر الخاص، عوضا عن المقسي، مضافا لما معه من نظر ديواني الأميرين برقوق وبركة. ثم خلع على سعد الدين سعد اللّه بن البقري، واستقر في نظر ديوان الأمير الكبير برقوق، وخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، واستقر أستادار الأمير بركة، فكان هذا أيضاً من الأمور التي لم تعهد أن أميرًا من أمراء الألوف يكون أستادار أمير.
وفيه ظهر في السماء كوكب من كواكب الذوابة، له وجه وذنب.
وفي ثاني عشرينه: خرج البريد بالقبض على الأمير بيدمر نائب الشام، وإحضاره.
وفيه استقر الأمير بركة ناظر الأوقاف جميعها، واستناب في التحدث عنه جمال الدين محمود المحتسب، فلم يبق وقف حكمي ولا أهلي، إلا وطلب مباشرته، وتحد فيه استضعافا لجانب قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء.
وفي ثالث جمادى الآخرة: خلع على الأمير موسى بن قرمان، واستقر والي الجيزة، ثم عزل من الغد، واستقر على عادته أمير طبر.
وفيه أفرج عن الأمير أَشَقتمُر نائب حلب، ورسم بإقامته بالقدس.
وفي سادسه: انتهت زيادة ماء النيل إلى تسعة عشر ذراعا وست أصابع.
وفي تاسعه: أخرج الأمير تغري بَرْمش حاجب الحجاب إلى حلب، وسببه أنه عرّف الأمير بركة سوء سيرة بنى مكانس وكثرة ظلمهم وفسادهم، فقال له: أصلح أنت نفسك فشق ذلك عليه، وعزل نفسه من الحجوبية، ورمى الإمرة، وقال: ما عدت أعمل أميرًا وخلع قباه وألقى مهمازه من رجله، وخرج عنه، فأمر به، فخرج حاجبا بحلب، فلما وصل دمشق عزل عنها.
وفي ثالث عشره: خلع على الأمير مأمور القلمطاي، واستقر حاجب الحجاب، عوضا عن تغري برمش، وقدم الأمير بيْدَمُر نائب الشام، من دمشق، فحمل إلى الإسكندرية مقيدا، وسجن بها، واستقر عوضه في نيابة الشام الأمير كُمُشبغَا الحموي، نائب حماة، واستقر عوضه في نيابة حماة الأمير تمرباي الدمرداشي.
وفي ثامن عشره: أنعم على الأمير أزدمر الصفوي بإمرة عشرة بدمشق، وأخرج إليها.
وفي العشرين منه: توجه الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي إلى الحجاز معتمرا، واستناب عنه في مشيخة خانكاه سعيد السعداء، الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي وقدم الخبر بأن رجلاً بدمشق من آحاد العامة مات بالمارستان فغُسل وكفن، وأرخى في قبره بمقبرة باب الفراديس، فعندما أضجع بالقبر عطس، فأخرج وعوفي، وحدث الناس بما جرى له، وعاش بعد ذلك نحو ثلاث سنين.
وفي ثالث شهر رجب: خرج الأمير قَراكَسكَ على البريد لإحضار الأمير منكلي بغا البلدي نائب حلب.
وفي سابعه: أخرج الأمير بُورى الأحمدي إلى القدس منفيا وأنعم عليه بنظر مسجدي القدس والخليل.
وفيه خلع على شمس الدين محمد النيسابوري، ابن أخي جار اللّه، واستقر في مشيخة خانكاه سعيد السعداء عوضا عن البرهان الأبناسي.
وفيه قدم البريد بسيف منكلي بغا البلدي نائب حلب، وأنه سجن بقلعتها، فكتب باستقرار الأمير تمرباي الدمرداشي في نيابة حلب، واستقر الأمير جَنتمُر أخو طاز في نيابة حماة وكان بطالا بدمشق، وحمل إلى كل منهما تشريفه وتقليده على البريد.
وفي سادس عشرينه: قبض على المقدم سيف، وسلم للأمير صلاح الدين خليل بن عرام، ثم أفرج عنه.
وفي ثامن عشرينه: قبض على الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، ثم أفرج عنه من يومه، ورسم باستقرار الأمير تغرى برمش، حاجب الحجاب في نيابة غزة.
وفيه قدم من الأمير قُرط- متولي ثغر أسوان- أحد عشر رأسا من رؤوس أمراء أولاد الكنز ومائتي رجل منهم في الحديد، فعلقت الرؤوس على باب زويلة، ولم يعهد هذا من قبل. وقدم الخبر بأن طائفة من أهل البحيرة- كبيرهم بدر بن سلام- ساروا إلى الصعيد، فلقيهم الأمير مراد كاشف الوجه القبلي، وقاتلهم، فقتل في الحرب معهم. وفيه قدم الشيخ أمين الدين محمد بن محمد بن محمد النسفي الخوارزمي الخلوتي، من بلاد خوارزم، في طائفة من الفقراء، فأنزله شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق الأصفهاني- شيخ خانكاه سرياقوس بمدرسته التي على طارف الجبل، خارج باب المحروق من القاهرة، تحت دار الضيافة، فأقبل إليه الأمراء وبالغوا في إكرامه، وبعثوا له بضيافات كثيرة وصلات سنية، فلم يدخر منها شيئاً وعمل به أوقاتا يجمع عنده فيها الناس، فيطعمهم المآكل الطيبة، وذكر أنه عبر في سياحته إلى بلد بلغار حيث لا تطلع الشمس عدة أشهر، فدعا سكانه- وهم قوم لا يعلمون شيئًا- إلى الإسلام فاستجاب له كثير منهم وأسلم، فعلمهم شرائع الإسلام، ومضى عنهم، وكان من خير من أدركناه.
وفي أول شهر رمضان: قدم الأمير مَنْكَلي بُغا البلدي إلى دمشق، وقد أفرج عنه من سجنه بقلعة حلب، فأقام بدمشق بطالا.
وفي سادسه: خلع على الأمير شرف الدين موسى بن قرمان أطلسين، واستقر نائب الوجه القبلي، ورسم أن يكاتب بملك الأمراء، وأنعم عليه لتقدمة ألف، وعمل في خدمته حاجب أمير طبلخاناه، وهو أول من ولي من كشاف الصعيد نيابة السلطنة، واستمر الحال كذلك فيما بعد، وخلع على الأمير علي خان، واستقر والي البحيرة، عوضاً عن أيدمر الشمسي، ثم عزل من يومه، واستقر أيدمر على عادته.
وفي يوم الأربعاء ثامنه: كانت واقعة كنيسة ناحية بو النمرس من الجيزة وذلك أن رجلاً من فقراء الزيلع بات بناحية بو النمرس، فسمع لنواقيس كنيستها صوتا عاليا، وقيل له إنهم يضربون بنواقيسهم عند خطبة الإمام للجمعة، بحيث لا تكاد تسمع خطبة الخطيب، فوقف للسلطان الملك الأشرف شعبان، فلم ينل غرضا، فتوجه إلى الحجاز وعاد بعد مدة طويلة، وبيده أوراق تتضمن أنه تشفع برسول اللّه وهو نائم عند قبره المقدس في هدم كنيسة بو النمرس، ووقف بها إلى الأمير الكبير برقوق الأتابك، فرسم للمحتسب جمال الدين محمود العجمي أن يتوجه إلى الكنيسة المذكورة، وينظر في أمرها، فسار إليها وكشف عن أمرها، فبلغه من أهل الناحية ما اقتضى عنده غلقها، فأغلقها، وعاد إلى الأمير الكبير وعرفه ما قيل عن نصارى الكنيسة، فطلب متى بطريق النصارى اليعاقبة وأهانه، فسعى النصارى في فتح الكنيسة، وبذلوا مالاً كبيراً، فعرف المحتسب الأمير الكبير بذلك، فرسم بهدمها بتحسين المحتسب له ذلك، فسار إليها وهدمها، وعملها مسجداً.
وفي ثاني شوال: قبض على الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي زَمَامِ الدور، وأخذ منه ثلاثة آلاف دينار، ثم أفرج عنه.
وفي يوم الأربعاء سادسه: قبض على الأمير شهاب الدين أحمد بن هُمُز التركماني، خشية من فراره إلى التركمان، وقد ورد البريد بخروجهم عن الطاعة.
وفي سابعه: قبض على الأمير جمال الدين عبد اللّه بن بَكتمُر الحاجب، وولده الأمير ناصر الدين محمد، وأخرجهما برقوق إلى الشام ثم ردهما بعد ثلاثة أيام، وأخذ منهما عشر آلاف دينار، وأنعم على الأمير جمال الدين بإمرة طبلخاناه، وترك ولده بطالا، وسبب ذلك أنه أهدى إلى الأمير بركة عندما صرع بالبندق طائراً من طيور الواجب، وادعى له في رمي البندق، يشتمل الإهداء على خمس بقج حرير أطلس، ضمنها قماش حرير وصوف وفرو، وبدلة برسم الصيد غيار بذهب، وجراوات برسم بندق الرمي عدتها أربعون مزركشة، وكمرانات عدة أربعين، ومن قسي الحلقةَ اثنين، ومن قسي البندق مائتي قوس، ومن بندق الرمي ستين بندقة من ذهب صامت، ومائة بندقة من فضة خالصة، واثني عشر فرساً، منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش، وآخر بسرج مغرق وعرقية صوف سمك، وسبعة أرءوس بعبي، وفرسين عراه وعشر جُفَن سكر، ومائتي طائر دجاج، وثلاثين جملاً ومائة رأس غنم، فلما قدمت بين يديه قال له من حضر: أنه قَدَمَ للأمير صرغَتُمش تقدمة أكثر من هذه. فغضب برقوق وقال: ما ساواني بصرغتمش وأخذ الهدية المذكورة، ثم أمر به فنفي كما تَقدم ذكره.
وفي ثاني عشرينه: سار محمل الحاج والركب صحبة الأمير بهادر.
وفي سادس عشرينه: توجه الأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير مجلس إلى الحجاز حاجاً.
وفيه قبض على الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، وعلى أخيه فخر الدين، وعذبا عذابا شديداً ففرا بعد أيام، ولم يوقف لهما على خبر، وكان ابن مكانس كريم الدين هو وأخوه فخر الدين قد أحدثا عدة مظالم قبيحة، منها أن الأمير يلبغا الخاصكي لما أبطل المكس من مكة، عوض الشريف أمير مكة عن ذلك في كل سنة مائة وسبعين ألف درهم، تحمل إليه، فكان ابن مكانس يجبي ذلك من مباشري الدولة والخاص على قدر حالهم، وكان المقسي- وهو ناظر الخاص- يقوم عن مباشري الخاص. بمبلغ ستة عشر ألف درهم، ومنها أنه ختم على قيسارية جهاركس بالقاهرة، في أخريات شهر رمضان، وزعم أن عند التجار ثياباً بغير ختم، فتعطل بيع الناس وشرائهم على عيد الفطر، حتى ألتزموا له. بمال يقوم به، فلما حملوه إليه رفع ختمه بعد ثمانية أيام، ومنها أنه صار يخرج إلى بركة الحاج عند تكامل الحج بها في شهر شوال، ويلزم مقومي الحجاج بإحضار أوراق مُشتَرى جمالهم من سوق الجمال، فمن لم يحضر ورقة مباشري مكسي سوق الجمال نكل به وغرمه مالا، فأضر ذلك بكثر من الجمالة، وتعطل حجاجهم عن الحج، وعادوا من البركة إلى القاهرة، ومنها أنه عمل بعد ذلك دائرة كبيرة. بمال كبير حملوه إليه، واقتدى به من بعده من الوزراء في ذلك، صار يخرج إلى بركة الحجاج في كل سنة، ويطالب المقومين بأوراق المكس، ولما قبض عليه، وقف التجار إلى الأمير الكبير برقوق، فرسم برد ما أخذ منهم أبناء مكانس، فردا عليهم المال. هذا مع تظاهر بنى مكانس بالفسق على أنواعه تظاهراً بغير احتشام، وبقاء نسائهم وبناتهم على النصرانية، واستخفاف رجالهم بكتاب اللّه ودينه ورسوله.
وفيه خلع على الصاحب تاج الدين النشو المالكي، وأعيد إلى الوزارة.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد اللّه المقسي، وأعيد إلى نظر الخاص، وخلع على علم الدين عبد اللّه بن الصاحب كريم الدين بن غنام، واستقر في نظر الأسواق.
وفي ثالث في ذي القعدة: خلع على علم الدين يحيى طباهجة بن رزق اللّه، بن إبراهيم ابن الفخر، واستقر في نظر الدولة، عوضاً عن الفخر بن مكانس.
وفي ثاني ذي الحجة: قبض على سلام بن التركية- أمير عرب البحيرة فسجن بخزانة شمايل من القاهرة.
وفيه استقر ناصر الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن قاضي الإسكندرية شمس الدين محمد بن محمد بن عطا اللّه التنسي المالكي في قضاء مدينة الإسكندرية، عوضا عن عز الدين الربعي.
وفي سادسه: نقل الأمير كُرْجى الشمسي من ولاية قليوب إلى ولاية الغربية.
وفي سابعه: خرج الأمير إينال اليوسفي أمير سلاحِ، وألان الشعباني، وأحمد بن يلبغا، وطبج المحمدي، وأقتمُر العثماني، وطَقتمُر، وطقتمُش، وأَطْلَمِش ألطازي، وطُغاي تَمُر القبلاوي، في عدة وافرة، لقتال عرب البحيرة ففروا منهم وعادوا بعد ما وصلوا إلى الفيوم وقد ساقوا أنعاما كثيرة جداً. ولما وصل ركب الحجاج إلى مكة بلغهم قدوم محمل، من اليمن، وكسوة للكعبة فمنع الأمير قرا دمرداش حجاج اليمن من دخول مكة، فلم يزل الشريف أحمد بن عجلان يتوسط بين حاج اليمن وحاج مصر حتى دخل أهل اليمن. بمحلهم، ووقفوا بعرفة، ولم تكن فتنة بحمد اللّه، فلما كسا الأمير قرا دمرداش الكعبة في يوم النحر على العادة، خرج من مكة عائداً إلى مصر.
وفي سادس عشره: استدعى الأمير الكبير برقوق القضاة وشيوخ العلم، وتحدث معهم في حل الأراضي الأوقاف على الجوامع والمساجد والمدارس والخوانك والزوايا والربط وعلى أولاد الملوك والأمراء وغيرهم وعلى الرزق الأحباسية، وكيف يجوز بيع أراضي مصر والشام الخراجية على بيت المال، وأحضرت أوراق. بما أوقف من بلاد مصر والشام، وبما تملك منها- ومبلغها في كل سنة مال كبير جداً- فلما قرئت على من قد حضر من الأمراء وأهل العلم، قال الأمير برقوق: هذا هو الذي أضعف جيش المسلمين. فقال قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء: هما جيشان جيش الليل، وجيش النهار، فأخذ الشيخ أكمل الدين في الكلام مع الأميرين بركة وبرقوق في ذلك باللغة التركية، حتى غضبا منه، فقال بعضهم لشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني لم لا تتكلم فقال: ما استفتاني أحد حتى أفتيه. فأشار له الأمير برقوق أن يتكلم، فطال كلامه على عادته، وملخصه أن أوقاف الجوامع والمساجد والمدارس والخوانك، التي هي على علماء الشريعة وفقهاء الإسلام، وعلى المؤذنين وأئمة الصلوات ونحو ذلك، لا يحل لأحد أن يتعرض بحلها بوجه من الوجوه، فإن للمسلمين حق لم يدفع إليهم، وإلا فانصبوا لنا ديوانا نحاسبه على حقنا، حتى يظهر لكم أن ما نستحقه أكثر مما هو موقوف علينا، وأما ما وقف على عويشة وفطيمة، واشترى من بيت المال بحيلة أن يؤخذ المال صورة ثم يعاد، فإنه يحتاج إلى أن ينظر في ذلك، فإن كان قد أخذ بطريق شرعي، فلا سبيل إلى نقضه، وإن كان غير ذلك نقض. فقال ابن أبي البقاء: يا أمراء، أنتم أصحاب الشوكة، والأمر لكم. فقال له البلقيني اسكت ما أنت وهذا. فسأل الأمير بركة والأمير برقوق بن أبي البقاء من أين يشتري السلطان هذا فقال: الأرض كلها للسلطان. فقال له البدر محمد بن البلقيني- قاضي العسكر- كيف تقول هذا من أين للسلطان ذلك وإنما هو كآحاد الناس. فقال البلقيني: يا أمراء أنتم تأمرون القضاة، فإن لم يفعلوا ما ترسموا به عزلتموهم، كما جرى لشرف الدين بن منصور مع الملك الأشرف، لما لم يفعل له ما أراد، عزله ثم انفضوا وأخرجوا عدة أوقاف وأقطعوها إقطاعات.
وفيه خلع على شهاب الدين أحمد الدفري المالكي، واستقر مفتي دار العدل.
وفيه أخرج الأمير سودون العلاي، والأمير بهادر الأشْقَتَمُري، منفيين إلى صفد.
وفي ثاني عشرينه: استقر الأمير منكلي بُغا البلدي في نيابة صفد عوضا عن أقبغا الجوهري، واستقر الأمير في ولاية منفلوط.
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير قرا دمرداش أمير مجلس من الحجاز وفيه وجد الأمير الكبير برقوق ورقة فيها أن غلام اللّه يريد أن يكبس عليك في صلاة الجمعة بمائتي عبد فطلب غلام اللّه ورسم عليه وسجن بخزانة شمايل، ووقع التحرز بحيث أمر خطيب مدرسة السلطان في يوم الجمعة سابع عشرينه أن يعجل في الخطبة، وقبض على جماعة العبيد وكثر الأرجاف بكبس الجوامع- في يوم الجمعة هذا- وقتل العامة، فنودي بالأمان.
وفيه استقر أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين- موقع الأمير الكبير برقوق- في نظر خزانة الخاص، بعد موت علاء الدين علي بن عرب، وقدم البريد بأن الأمير تمر باي الدمرداشي- نائب حلب- سار بالعسكر الحلبي وعدة من عسكر دمشق وحماة إلى جهة سيس وقد كثر فساد طائفة التركمان الأجقية والأغاجرية، حتى قرب من مدينة إياس أتاهم من أمراء التركمان نحو الأربعين بهدية، وسألوا الأمان لأصحابهم، والتزموا بالدرك على العادة، فقبض عليهم وقيدهم، وركب في الحال إلى بيوتهم. بمن معه، فنهب أموالهم، وسبى حريمهم، وقتل رجالهم، وارتكب منهم كل قبيح، وعاد فجمع التركمان جمائعهم، وكمنوا للعسكر بمضيق يقال له باب الملك- على شط البحر- وأوقعوا بهم، فهلكوا ما بين غريق وقتيل، ولم ينج منهم إلا طريح أو جريح، أومن نجا بخاصة نفسه- وقليل ما هم- وحاز التركمان من المال والآلات والخيول والجمال والأسلحة ما يجل وصفه من ذلك ثلاثون ألف جمل بأحمالها، وثلاثة عشر ألف رأس من الخيل غالبها مسرجة ملجمة إلى غير ذلك، فكان هذا أيضاً من الوهن في الدولة، فإن التراكمين كانوا للدولة. بمنزلة السور عليها، ويتحصل منهم في كل سنة عشرات آلاف من الغنم، يؤخذ منهم عن زكاة أغنامهم يقال له العداد، وينال أهل حلب منهم منافع لا تحصى، وإذا ندبهم السلطان لحرب بادروا إلى امتثال أمره، وعدوا ذلك طاعة وعبادة، فصيرهم سوء التدبير وكثرة الظلم، أعداء لدولة تقتل رجالها وتنهب أموالها وتستولي على أعمالها، وللّه عاقبة الأمور واتفق أيضاً للحاج في عودهم محن شديدة، من موت الجمال وتزايد الأسعار، فلما نزلوا بالأزلم- وفي ظنهم أنهم يجدوا ما جرت به العادة من الشعير والبشماط المحمول إليهم من القاهرة- فلم يجدوا شيئاً من ذلك، وذلك أن العربان تعرضت للإقامات تريد نهبها، فلم تتجاوز مغارة شعيب، فاشتد الأمر على الحجاج، وعلفوا جمالهم. مما معهم من زادهم الذي هو قوتهم، وانقطع كثير منهم في الطرقات جوعاً وتعباً، وبلغت الويبة الشعير إلى خمسين درهما فضة، ثم تزايد سعرها حتى بلغت مائة درهم، وغلا عامة ما يباع أيضاً.
وفيها أعيد البرهان إبراهيم الصنهاجي إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن علم الدين القفصي، وأعيد فتح الدين أبو بكر بن عماد الدين أبي إسحاق بن إبراهيم جمال الدين أبي الكرم محمد بن الشهيد إلى كتابة السر بدمشق، عوضا عن بدر الدين محمد ابن مُزْهِر، وأعيد الجلال محمد بن محمد بن عثمان الزرعي إلى قضاء الشافعية بحلب، عوضاً عن الكمال عمر بن عثمان المعري، وأعيد شمس الدين محمد بن أحمد بن مُهاجر إلى كتابة السر بحلب، عوضا عن ابن أبي الطيب.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الشيخ أحمد بادار العجمي نزيل القاهرة بالقدس وقد عمى وأناف على السبعين، وكانت له أحوال عجيبة، وللناس فيه اعتقاد.
ومات الأمير أطْلمش الدوادار أحد أمراء الألوف، في ربيع الآخر بدمشق، وقد أخرج إليها على إمرة بها.
وتوفي الفقير المعتقد الصالح بن نجم بن صالح نزيل منية السيرج، في يوم الأربعاء خامس عشر رمضان، وكان يُقصد للتبرك بزيارته.
وتوفي الشيخ ضياء الدين عبيد اللّه بن سعد الله العفيفي القزويني، المعروف بقاضي قرم، شيخ الخانكاه الركنية بيبرس، في يوم الإثنين ثالث عشرين ذي الحجة، وقد تصدى للتدريس على مذهب الشافعي وأبي حنيفة، وإقراء النحو والأصول وغير ذلك عدة سنين، وانتفع به جماعة كثيرة، مع صدق في الديانة، وتواضع وبر وخير كثير. وتوفي الفقير المعتقد عبد اللّه الجبرتي الزيلعي، في ليلة الجمعة سادس عشر المحرم، وقبره يزار بالقرافة.
وتوفي جمال الدين عبد الله بن مختار في تاسع صفر.
وتوفي علاء الدين علي بن عبد الوهاب بن عثمان بن محمد بن هبة اللّه بن عرب، محتسب القاهرة، في ثالث عشر ذي الحجة. بمكة، بعد قضاء الحج ودفن بالمعلا.
ومات الأمير علاء الدين علي بن كلفت، شاد الدواوين، في جمادى الآخرة وهو عائد من حلب إلى دمشق، وكان عفيفاً لا يقبل رشوة أحد.
وتوفي الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن أبي العباس أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي، النحوي الأديب بحلب عن سبعين سنة، وهو علامة وقته في الأدب والنحو والتصريف، مع كثرة العبادة، وكان هو ورفيقه أبو جعفر كالخالدين، لا يزالان سفرا وحضرا، وله مصنفات، ومن شعره:
وقفت للوداع زينبُ لما ** رَحَل الركبُ والمدامعُ تُسْكَب

فالتقتْ بالبَنَانِ دَمعي وحُلْو ** سَكب دمعي على أصابع زَينَب

وتوفي مسند الوقت صلاح الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن الشيخ أبي عمر المقدسي، آخر من بقي من أصحاب ابن البخاري، في شوال بصالحية دمشق، حدث. بمسند أحمد وغيره.
ومات الأمير شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى، نائب سيس، بعد عوده من القاهرة، إليها وكان فقيهاً شافعياً أذن له في الفتيا، وكتب الخط المنسوب، وله ترجمة.
ومات الأمير شرف الدين موسى بن الأزكَشِي، في سادس عشر من ذي القعدة، بالمحلة من قرى مصر، بعد ما ولي أستادارا ومشيرًا في الأيام الأشرفية.
وتوفي الفقيه المعتقد نهار المغربي بالإسكندرية، في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة.
ومات المقرئ حافظ الدين أبو عبد الله محمد بن تاج الدين إبراهيم بن سنبكي بن أيوب بن قراجا، المقرئ بن الجمال يوسف القصيري الحنفي، أخذ القراءات عن ابن نصحان، وبرع في القراءات وغيرها، وولي قضاء العسكر بحلب، ثم بدمشق، ثم انقطع بداره حتى مات عن نيف وسبعين سنة.