فصل: سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

أهل شهر الله المحرم بيوم الأربعاء‏:‏ والأسعار رخيصة القمح كل أردبين - وشيء - بدينار والشعير والفول كل أربعة أرادب بدينار هرجة‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره - وثاني بابة -‏:‏ انتهت زيادة النيل إلى تسعه عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً ونقص من الغد‏.‏

وفي ثامن عشره‏:‏ قدم الأمراء المجردون وهم قرقماش حاجب الحجاب وأركماس الدوادار وبقية الأمراء‏.‏

وفي ثالث عشرينه‏:‏ قدم ركب الحاج الأول وقدم المحمل ببقية الحاج في رابع عشرينه وقد هلك كثير منهم - ومن جمالهم وحميرهم - عطشاً فيما بين أكره وينبع وهم متوجهون إلى مكة‏.‏

وفي سابع عشرينه‏:‏ برز الأمراء المجردون إلى ظاهر القاهرة وهم الأمير الكبير شارقطلوا والأمير أينال الجكمي والأمير تمراز الدقماقي والأمير أقبغا التمرازي والأمير مراد خجا في عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات ومن المماليك السلطانية خمسمائة مملوك وسبب تجردهم أن قرا يلك نزل في أول هذا الشهر على معاملة ملطية فنهبها وحرقها وحصر ملطية فخرج إليه الأمير شهر صفر أوله الجمعة‏:‏ فيه رسم بعود الأمراء والمماليك المجردين فرجعوا من خانكاه سريا قوس واستعيدت منهم النفقات التي أنفقت فيهم فاحتاجوا إلى رد الأمتعة والأزواد على من ابتاعوها منهم واحتاجوا إلى استعادة ما أنفقوه على غلمانهم وقد تصرف الغلمان فيما أخذوه فاشتروا منه احتياجهم ودفعوا منه إلى أهاليهم فنزل من أجل هذا بالناس ضرر كبير‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ نزل الفول إلى خمسين درهماً الأردب والشعير إلى ستين درهماً الأردب والقمح إلى مائة وثلاثين درهماً الأردب‏.‏

هذا والذهب‏.‏

بمائتين وثمانين درهماً الدينار‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشره ركب السلطان من قلعة الجبل في موكب جليل ملوكي احتفل له ولبس قماش الركوب كما كان يلبس الظاهر برقوق وهو قباء أخضر‏.‏

بمقلب أحمر وعلى رأسه كلفتاه وجر الجنائب وصاحت الجاويشية وهو سائر وحوله الطبردارية حتى عبر من باب زويلة فشق القاهرة وخرج من باب الشعرية يريد الصيد فبات ليلة الثلاثاء وعاد يوم الثلاثاء آخر النهار‏.‏

و لم يركب منذ تسلطن للصيد سوى هذه الركبة‏.‏

وكانت الدراهم الأشرفية التي يتعامل الناس بها في القاهرة ومصر ويصرف كل درهم منها بعشرين من الفلوس - زنتها رطل وأوقية وثلث أوقية - قد كثر فيها أنواع من الدراهم وهي البندقية ضرب الفرنج والقرمانية ضرب بني قرمان أصحاب الروم واللنكية ضرب بلاد العجم والقبرسية ضرب قبرس والمؤيدية التي ضربت في الأيام المؤيدية شيخ والدراهم الزغل وهي عمل الزغلية فترد عند النقد لكثرة ما فيها من الغش فنودي في يوم الأحد رابع عشرينه أن لا يتعامل بشيء من الدراهم سوى الأشرفية‏.‏

وكان قد نودي‏.‏

بمثل ذلك فيما تقدم وعمل به الناس مدة ثم ترخصت الباعة في التعامل بها كلها لما جمعوه منها في أيام النهي عنها حتى مشت في أيدي الناس وتعاملوا بها فلما نودي بالمنع منها عاد الأمر كما كان فخسر أناس عدة خسارات وأخذت الباعة وغيرها في جمعها لتتربص بها مدة ثم تخرجها شيئاً فشيئاً لعلمهم أن الدولة لا تثبت على حال وأن أوامرها لا تمضي‏.‏

في خامس عشرينه‏:‏ ركب السلطان للصيد ورمي الجوارح وعاد من الغد‏.‏

وتكرر ركوبه لذلك مراراً‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ توقف التجار في أخذ الذهب من كثرة الإشاعة بأنه ينادي عليه فنودي في يوم السبت سلخه أن يكون سعر الدينار الأشرفي‏.‏

بمائتين وخمسة وثلاثين والمشخص بمائتين وثلاثين وهدد من زاد على ذلك بأن يسنبك في يده فعاد الضرر في الخسارة على كثير من الناس لانحطاط سعر الدينار خمسين درهماً‏.‏

في رابعه‏:‏ جمع الصيارفة والتجار وأشهد عليهم أن لا يتعاملوا بالدراهم القرمانية ولا الدراهم اللنكية ولا القبرسية وأن هذه الثلاثة أنواع تباع بالصاغة على حساب وزن كل درهم منه بستة عشر درهماً من الفلوس حتى يدخل بها إلى دار الضرب وتعمل دراهم أشرفية خالصة من الغش ونودي بذلك وأن تكون المعاملة بالدراهم الأشرفية والدراهم المؤيدية والدراهم البندقية فإن هذه الثلاثة فضة خالصة ليس فيها نحاس بخلاف الدراهم التي منع من المعاملة بها فإن عشرتها إذا سبكت تجيء ستة لما فيها من النحاس‏.‏

واستقر الذهب الأشرفي‏.‏

بمائتين وثمانين والأفرنتي‏.‏

بمائتين وسبعين وأخذت الدنانير الأفرنتية في القلة لكثرة ما يسبك منها في دار الضرب وتعمل دنانير أشرفية فإنها بوزن الأفرنتية وسعرها عشرة دراهم على الأفرنتي‏.‏

في تاسعه‏:‏ ركب السلطان للصيد وعاد من الغد‏.‏

شهر ربيع الآخر أوله الأحد‏:‏ أهل هذا الشهر والسلطان والأمراء في الاهتمام بحركة السفر لمحاربة قرا يلك والأسعار رخيصة جداً‏.‏

وفي سادسه‏:‏ برز الأمير شاهين الطويل - أحد الأمراء العشرات - ليسير إلى طريق الحجاز ومعه كثير من البناة والحجارين والآلات والأزواد والأمتعة لإصلاح المياه التي فيما بين القاهرة ومكة وحفر آبار في المواضع المعطشة فساروا في نحو المائة بعير‏.‏

وفي سابعه‏:‏ نودي بأن الفضة على ما رسم به وأن لا يتعامل بالقرمانية ولا اللنكية وأن الدينار الأشرفي بمائتين وثلاثين والأفرنتي بمائتين وخمسة وعشرين‏.‏

وحذر من خالف ذلك فتزايدت المضرة لكثرة التناقض وعدم الثبات على الأمر واستخفاف العامة براعيها وقلة الاهتمام بما يرسم به‏.‏

شهر جمادى الأولى أوله الثلاثاء‏:‏ في سابعه‏:‏ برز سعد الدين إبراهيم بن المرة ناظر جدة يريد التوجه إلى مكة فسار معه ركب فيه جماعة ممن يريد الحج والعمره تبلغ عدة جمالهم نحو الألف وخمسمائة جمل ثم رفعوا من بركة الحاج في ثاني عشره فلما وصلوا إلى الوجه - وكنت فيهم بأهلي - وجدنا فيما بين الوجه وأكره عدة موتى ما بين رجال ونساء ممن هلك في عطشة الحاج فدفن منهم نحو الألف وترك ما شاء الله‏.‏

وفي رابع عشرينه‏:‏ خلع على قاضي القضاة شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر وأعيد إلى قضاء القضاة بديار مصر عوضاً عن قاضي القضاة علم الدين صالح ابن البلقيني‏.‏

في تاسع عشره‏:‏ عارض ركب المعتمرين رفقة ابن المرة عرب زبيد فانحنا في غير وقت النزول وكادت الفتنة أن تثور حتى صولحوا على مائة دينار قام بها ابن المرة من ماله ولم يكلف أحد وزن شيء فلما نزلنا رابغ أهلينا بالعمرة ونحن على تخوف وسرنا فبينما نحن فيما بين الجرينات وقديد أغار علينا ونحن سائرون ضحى الشريف زهير بن سليمان بن زيان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني في نحو مائة فارس وعدة كثيرة من المشاة وقاتلنا فقاتله القوم صدراً من النهار والجمال مناخة بأحمالها فقتل منا رجلان ومن العرب نحو العشرة وجرح كثير ثم وقع الصلح معه على ألف ومائة دينار أفرنتية وعلى ثياب جوخ وصوف وعبي بنحو أربعمائة دينار فكف الناس عن القتال بعد ما تعين الظفر لزهير وبتنا بأنكد ليلة من شدة الخوف والمال يجبى من كل أحد بحسب حاله فمنهم من جبي منه مائة دينار ومنهم من أخذ منه دينار واحد وحمل ذلك من الغد وسرنا فقدمنا مكة ولله الحمد في يوم الثلاثاء ثامن عشرينه فكانت مدة سيرنا من القاهرة إلى مكة - شرفها الله تعالى - ستة وأربعين يوماً‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ استقر جانبك الناصري الإسكندرية بعد موت الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار وأصله من مماليك الأمير يلبغا الناصري ثم عمل في الأيام المؤيدية رأس نوبة المقام الناصري إبراهيم ابن السلطان وصار من جملة الأمراء وولي كشف الجسور بالغربية‏.‏

وفيه أندر المنجمون بكسوف الشمس فنودي بالقاهرة أن يصوم الناس ويفعلوا الخير فلم يظهر الكسوف ووقع الإنكار على من أنذر به ثم قدم الخبر بحدوث كسوف الشمس بجزيرة الأندلس حتى استولى على جرم الشمس كله إلا مقدار الثمن منه وذلك بعد نصف النهار من ثامن عشرينه‏.‏

شهر رجب أوله السبت‏:‏ في سابع عشره‏:‏ أدير محمل الحاج على العادة‏.‏

شهر شعبان أوله الاثنين‏:‏ في حادي عشره‏:‏ كانت زلزلة عظيمة شديدة بعد صلاة الظهر بجزيرة الأندلس وبمرج أغرناطة سقطت بها أبنية كثيرة على سكانها فهلكوا وخسف بثلاث بلاد كبيرة في مرج أغرناطة - وهي بلد همدان وبلد أوطورة وبلد دارما - فابتلعت الأرض هذه البلاد بأناسها وبقرها وغنمها وسائر ما فيها حتى صار من يمر من حولها يقول كان هنا بلد كذا وبلد كذا وانخسف في كثير من البلاد عدة مواضع وسقط نصف قلعة أغرناطة وتهدم كثير من الجامع الأعظم وسقط أعلى منارته ورؤى حائط الجامع يرتفع ثم يرجع ومقدار ارتفاعه نحو عشرة أذرع ارتفع كذلك مرتين وخاف رجل عند حدوث الزلزلة فأخذ ابنه وأراد أن يخرج من باب داره فالتصق جانبا الباب وانفرج الحائط فخرج من ذلك الفرج هو وابنه وامرأته فعاد الحائط كما كان وتراجع جانبا الباب إلى حالهما قبل الزلزلة وأقامت الأرض بعد ذلك نحو خمسة وأربعين يوماً تهتز حتى خرج الناس إلى الصحراء ونزلوا في الخيم خوفاً من المدينة أن تسقط مبانيها عليهم وكان هذا كله بعد وصول السلطان المخلوع أبي عبد الله محمد الأيسر من تونس إلى الأندلس وحصره قلعة أغرناطة سبعة أشهر وقتله الأجناد والرجال حتى فنيت العدد والأموال فبلغ ذلك ملك قشتالة الفنشي فجمع عساكره من الفرنج وركب البحر إلى قرطبة يريد أخذ أغرناطة من المسلمين فاشتد البلاء عليهم لقلة المال بأغرناطة وفناء عسكرها في الفتنة وموت من هلك في الزلزلة وهم زيادة على ستة آلاف إنسان ونزل الفرنج عليهم فلقوهم في يوم الجمعة عاشر رمضان من هذه السنة وقاتلوهم يومهم ومن الغد قتل من المسلمين نحو الخمسة عشر ألف وألجأهم العدو إلى دخول المدينة وعسكر بإزائها على بريد منها وهم نحو خمسمائة وثمانين ألف وقد اشتد الطمع في أخذها فبات المسلمون ليلة الأحد في بكاء وتضرع إلى الله ففتح عليهم الله تعالى وألهمهم رشدهم وذلك أن الشيخ أبا زكريا يحيى بن عمر ابن يحيى بن عمر بن عثمان بن عبد الحق - شيخ الغزاة - خرج من مدينة أغرناطة في جمع ألفين من الأجناد وعشرين ألفاً من المطوعة وسار نصف الليل على جبل الفخار‏.‏

حتى أبعد عن معسكر الفرنج إلى جهة بلادهم ورفع إمارة في الجبال يعلم بها السلطان بأغرناطة فلما رأى تلك العلامات من الغد خرج يوم الأحد بجميع من بقي عنده إلى الفرنج فثاروا لحربهم فولى السلطان بمن معه من المسلمين كأنهم قد انهزموا والفرنج تتبعهم حتى قاربوا المدينة ثم رفعوا الأعلام الإسلامية فلما رآها الشيخ أبو زكريا نزل بمن معه إلى معسكر الفرنج وألقي فيه النار ووضع السيف فيمن هنالك فقتل وأسر وسبى فلم يدع الفرنج إلا والصريخ قد جاءهم والنار ترتفع من معسكرهم فتركوا أهل أغرناظة ورجعوا إلى معسكرهم فركب السلطان بمن معه أقفيتهم يقتلون ويأسرون فبلغت عدة من قتل من الفرنج ستة وثلاثون ألفاً ولحق باقيهم ببلادهم بعد ما كادوا أن يملكوا أغرناطة‏.‏

وبلغت عدة من أسر المسلمون من الفرنج نحو اثني عشر ألفاً ويقول المكثر إنه قتل ومات وأسر من الفرنج في هذه الكائنة زيادة على ستين ألفاً‏.‏

وكان سبب هذه الحادثة أنه وقع بين ملك القطلان صاحب برجلونة وبين ملك قشتالة صاحب أشبيلية وقرطبة فجمع القشتيلي وسار لحرب القطلاني حتى تلاقى الجمعان فمشى الأكابر بين الملكين في الصلح فاعتذر القشتيلي بأنه أنفق في حركته مالاً كثيراً فأشير عليه بأخذ ما أنفقه من المسلمين بأن يغزوهم فإنهم قد ضعفوا وما زالوا حتى تقرر الصلح ونزل على أغرناطة وكان ما تقدم ذكره‏.‏

وفي شهر رمضان‏:‏ هذا ابتدأت في إسماع كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع صلى الله عليه وسلم من أول يوم فيه بقراءة - المحدث الفاضل تقي الدين محمد بن محمد بن فهد الهاشمي بالمسجد الحرام تجاه الميزاب وكان جمعاً موفوراً‏.‏

شهر شوال أوله الثلاثاء‏:‏ في يوم الأربعاء تاسعه - الموافق لسادس عشرين بؤونة -‏:‏ أخذ قاع النيل فجاء ستة أذرع وثلاثة أصابع ونودي عليه من الغد بزيادة ثلاثة أصابع واستمرت الزيادة‏.‏

وفي حادي عشرينه‏:‏ خرج محمل الحاج إلى الريدانية خارج القاهرة صحبة الأمير قرا سنقر ورفع منها إلى بركة الحجاج وحج القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش عظيم الدولة ومدبرها وحجت خوند جلبان زوجة السلطان أم ولده في تجمل كبير بحسب الوقت‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ اتفقت حادثة غريبة وهو أنه اجتمع بأجران كوم النجار بالغربية من الفيران عدد لا يحصيه إلا الله تعالى واقتتلوا من العصر إلى قريب عشاء الآخرة فوجد من الغد نحو خمسة آلاف فار ميت فجمعوا وأحرقوا وأفسد الفار مقاتي البطيخ ونحوه وأكلوا الغلال وهي في سنبلها وأكلوا أكثر ما في جرون نواحي الغربية بحيث أن بعض النواحي لم ترد بذارها وكان يجتمع في المواضع الواحد أكثر من ثلاثمائة فأر‏.‏

في يوم الاثنين ثاني عشره - الموافق له تاسع عشرين أبيب -‏:‏ كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً‏.‏

وركب الأمير قرقماس حاجب الحجاب حتى خلق المقياس وفتح الخليج على العادة‏.‏

وفيه زاد النيل اثني عشر إصبعاً من الذراع السابعة عشر وفي هذا نادرتان من نوادر النيل إحداهما الوفاء قبل مسرى وقد أدركنا ذلك وقع مرتين‏.‏

والثانية زيادة هذا القدر في يوم الوفاء ولم يدرك مثل ذلك واستمرت زيادة النيل والنداء عليه في كل يوم‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ استجد بعيون القصب من طريق الحجاز بئر حفرت بإشارة القاضي زين الدين عبد الباسط فعظم النفع بها‏.‏

وذلك أنني أدركت عيون القصب وتخرج من بين الجبلين ماء يسيح على الأرض فينبت فيه القصب الفارسي وغيره شيء كثير ويرتفع في الماء حتى يتجاوز قامة الرجل في عرض كبير فإذا نزل الحاج عيون القصب أقاموا يومهم على هذا الماء يغتسلون منه ويردون ثم انقطع هذا الماء وجفت تلك الأعشاب فصار الحاج إذا نزل هناك احتفروا حفائر يخرج منها ماء رديء إذا بات ليلة واحدة في القرب نتن فأغاث الله العباد بهذه البئر وخرج ماؤها عذباً‏.‏

وكان قبل ذلك بنحو شهرين قد حفر الأمير شاهين الطويل بئرين بموضع يقال له زعم وقبقاب وذلك أن الحاج كان إذا ورد الوجه تارة يجد فيه الماء وتارة لا يجده‏.‏

فلما هلك الناس من العطش في السنة الماضية بعث السلطان بشاهين هذا كما تقدم ذكره فحفر البئرين بناحية زعم حتى لا يحتاج الحاج إلى ورود الوجه فيروي الحاج منهما وعم الانتفاع بهما وبطل سلوك الحاج على طريق الوجه من هذه السنة‏.‏

شهر ذي الحجة أوله السبت‏:‏ في ثاني عشرينه‏:‏ خلع على تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير واستقر في نظر الديوان المفرد عوضاً عن الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم بعد موته‏.‏

وابن الخطير هذا من نصارى القبط وله بيتوته مشهورة‏.‏

كان اسمه جرجس وتلقب بالشيخ التاج وترقى في الخدم الديوانية وباشر ديوان الأمير برسباي في الأيام المؤيدية شيخ فألزمه بالإسلام فأسلم وتسمى تاج الدين عبد الوهاب وخدم بديوان الخاص وبالديوان المفرد فلما تسلطن الأشرف برسباي رقاه وولاه نظر الاصطبل عوضاً عن بدر الدين محمد بن مزهر لما ولاه كتابة السر وأضاف إليه عدة رتب منها أستادار المقام الناصري ابن السلطان فشكرت سيرته من عفته وأمانته ورفقه بالفلاحين ولين جانبه وحسن سياسته مع كثرة بره وإحسانه بحيث لا يوجد في أبناء جنسه من يدانيه فكيف يساويه‏.‏

وإن أراد الله عمارة البلاد جعل إليه تدبير أمرها‏.‏

وفي يوم السبت سلخه‏:‏ قدم مبشرو الحاج وقد مات كبيرهم الأمير فارس بينبع وكان مجرداً‏.‏

بمكة على طائفة من المماليك وهو أحد أمراء العشرات‏.‏

مجد الدين إسماعيل بن أبي الحسن بن علي بن عبد الله البرماوي الشافعي في يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخر‏.‏

ومولده في حدود الخمسين وسبعمائة‏.‏

مهر في الفقه والعربية وعدة فنون وتصدى للأشغال سنين كثيرة وخطب بجامع عمرو بن العاص بمصر‏.‏

ومات الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار بن الأقطع نائب الإسكندرية في يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة كان أبوه من الأوشاقية في الاصطبل السلطاني‏.‏

وترقى أحمد هذا في الخدم حتى اتصل بالأمير برسباي وعمل دواداره فرقاه في سلطته وعمله من جملة الأمراء ثم ولاه نيابة الإسكندرية‏.‏

ومات برهان الدين إبراهيم بن علي بن إسماعيل بن الظريف أمين الحكم في يوم السبت خامس عشر شوال عن نحو ستين سنة‏.‏

ومات سراج الدين عمر بن منصور البهادري في يوم السبت ثاني عشر شوال وقد برع في الفقه والنحو وناب في الحكم عن القضاة الحنفية وانفرد بالتقدم في علم الطب فلم يخلف بعده مثله‏.‏

ومات الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة‏.‏

وقد ولي أستادار وولي الوزارة ونكب غير مرة‏.‏