فصل: سنة سبع عشرة وثمانمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 سنة سبع عشرة وثمانمائة

أهلت هذه السنة وخليفة الوقت المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد والسلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري وأتابك العساكر الأمير الكبير يلبغا الناصري وقاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن قاضي القضاة شيخ الإسلام سراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني الشافعي وقاضي القضاة الحنفية ناصر الدين محمد ابن كمال الدين عمر بن العديم الحلبي وقاضي القضاة المالكية شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الأموي المغربي وقاضي القضاة الحنابلة مجد الدين سالم بن سالم بن أحمد ابن سالم بن عبد الملك المقدسي وكاتب السر ناصر الدين محمد بن عثمان بن البارزي الحموي والوزير الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وناظر الخاص الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسون الفوي وناظر الجيش علم الدين داود بن زين الدين عبد الرحمن بن الكويز الكركي‏.‏

والأستادار الأمير فخر الدين عبد الغني ابن الأمير الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج ونائب الإسكندرية الأمير المشير بدر الدين حسن بن محب الدين عبد الله الطرابلسي ونائب عزة الأمير سودن قرا صقل‏.‏

والشام كله بيد الأمير نوروز الحافظي ويقيم الخطة ويضرب السكة باسم أمير المؤمنين المستعين بالله وهو مقيم في داره بقلعة الجبل وقد منع من التصرف‏.‏

شهر الله المحرم أوله يوم الجمعة‏:‏ أهل وسعر الدينار الهرجة بمائتي درهم وخمسين درهماً والدينار الأفرنتي بمائتي درهم وثلاثين درهماً والدينار الناصري بمائتي درهم وعشرة دراهم وهو أكثرها وجوداً والفلوس هي النقد الرائج الذي ينسب إليه قيم المبيعات وأجر الأعمال وصرف الذهب وسعر الأردب من القمح من مائة وأربعين إلى ما دونها ويباع في الريف كل ثلاثة أرادب مصرية بناصري وثياب القطن والكتاب في غاية من الغلو‏.‏

وفي ثالثه‏:‏ هبت ريح شديدة تلاها رعد مرعب ومطر غزير وسقط مع ذلك بمدينة مصر خاصة برد بقدر البندقة كثير جداً بحيث ألقى على أسطحة الدور منه قناطير وأخرب عدة دور فخزن الناس منه شيئاً كثيراً وبيع في الأسواق بعد ذلك كل رطل بستة دراهم ولم يسقط منه بالقاهرة شيء البتة‏.‏

وفي يوم الاثنين رابعه‏:‏ ركب السلطان من قلعة الجبل بعد طلوع الفجر وسار إلى مخيمه بالريدانية تجاه مسجد تبر من غير تطليب في قليل من العسكر ثم خرجت الأطلاب في أثناء النهار وعمل نائب الغيبة الأمير ألطنبغا العثماني وأنزله بباب السلسلة وعمل بالقلعة الأمير بردى قصقا‏.‏

وكان قد قدم إلى القاهرة مع الأمير دمرداش المحمدي من حلب في البحر فأنعم عليه السلطان بإمرة مائة ووكل بباب الستارة الأمير صماي الحسني وجعل للحكم بين العامة الأمير قجق حاجب الحجاب‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامنه‏:‏ رحل الأمير يلبغا الناصري من الريدانية خارج القاهرة جاليش بمن معه من الأمراء‏.‏

وفيه خلع علي زين الدين حاجي وأعيد إلى مشيخة التربة الظاهرية برقوق خارج باب النصر عوضاً عن صدر الدين أحمد بن العجمي وخلع علي صدر الدين واستقر في نظر الجيش بدمشق وأعيدت المواريث إلى ديوان الوزارة كما كانت‏.‏

وفي يوم السبت تاسعه‏:‏ استقل السلطان بالمسير من طرف الريدانية يريد محاربة الأمير نوروز ومعه الخليفة المعتضد بالله داود وقضاة القضاة الأربع وأرباب الدولة ما عدا الأمير فخر الدين الأستادار فإنه تأخر بالقاهرة إلى يوم الجمعة خامس عشره وخرج يريد المشي في بلاد الوجه البحري ليجبي أموالها فنزل مدينة قليوب ثم رحل منها وقد ذعر منه أهل النواحي خوفاً بما نزل منه بأهل الوجه القبلي فبعث رسله واستدعى أكابر البلاد وقرر عليهم أموالاً جبيت منهم ثم عاد بعد أيام بأحمال موفرة ذهباً وتوجه إلى السلطان‏.‏

شهر صفر أوله الأحد‏:‏ في ثامنه‏:‏ نزل السلطان على قبة يلبغا - خارج دمشق - وقد استعاد نوروز وحصن القلعة والمدينة فأقام السلطان أياماً ثم رحل ونزل بطرف القبيبات‏.‏

وكان السلطان - من الخربة - قد بعث قاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي إلى الأمير نوروز ومعه قرا أول المؤيدي في طلب الصلح فامتنع من ذلك ووقعت الحرب فانهزم نوروز وامتنع بالقلعة في سادس عشرينه ونزل السلطان بالميدان وحاصر القلعة ورمى عليها بالمكاحل والمدافع والمنجنيق حتى بعث نوروز بالأمير قمش الأمان فأجيب ونزل من القلعة ومعه الأمراء طوخ ويشبك بن أزدمر وسدن كستا وقمش وبرسبغا وأينال فقبض عليهم جميعاً في حادي عشرين شهر ربيع الآخر وقتل من ليلته وحملت رأسه على يد الأمير جرباش إلى القاهرة وعلى يده كتب البشارة‏.‏

وذلك أن الأمير كزل نائب طرابلس قدم في العشر الأخير من صفر وقاتل عسكر نوروز فركب السلطان بمن معه فانهزم النوروزية إلى القلعة وملك السلطان المدينة ونزل بالإسطبل ودار السعادة وحصر القلعة‏.‏

وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى‏:‏ قدم رأس نوروز فعلق على باب القلعة وارتجت البلد ونودي بتقوية الزينة‏.‏

وفيه خرج السلطان من دمشق ونزل برزة ورحل منها في ثانيه يريد حلب فلما قدمها أقام بها إلى آخره ثم سار منها أول جمادى الآخرة ومضى إلى أبلستين وأقام بها أياماً ودخل إلى ملطية واستناب بها الأمير كزل المذكور ثم عاد إلى حلب وأقر بها الأمير أينال الصصلاني‏.‏

وولى بحماة الأمير تنباك البجاسي وبطرابلس الأمير سودن من عبد الرحمن وبقلعة الروم جانباك الحمزاوي بعد ما قتل نائبها طوغان ثم قدم دمشق في ثالث شهر رجب فقرر بنيابتها الأمير قنباي المحمدي وسار منها‏.‏

أول شعبان‏:‏ قد وصل السلطان إلى القدس ومضى إلى غزة فولى نيابتها الأمير طرباي في ثاني عشرينه وسار فنزل على سرياقوس يوم الخميس رابع عشرين شعبان فأقام هناك بقية الشهر وعمل أوقاتاً بالخانكاه أنعم فيها على أهلها وغيرهم بمال جزيل‏.‏

وركب يوم الأربعاء سلخه ونزل تجاه مسجد تبر وبات هناك‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ خرج في سادس عشرينه الأمير أينال الصصلاني من حلب ومعه العسكر وجماعة من التركمان والعرب يريد قتال حسين بن نعير‏.‏

شهر رمضان أوله يوم الخميس‏:‏ فيه سار السلطان من الريدانية وصعد قلعة الجبل فانتفض عليه ألم رجله من ضربات المفاصل وانقطع بداخل الدور‏.‏

وفيه قدم الأمير يشبك نائب الكرك إليها فوجدها خراباً وقد وفي ثامنه‏:‏ أخرج الأمير جرباش كباشة منفياً إلى القدس ورسم بإخراج الأمير أرغون الرومي - أمير أخور في الأيام الناصرية - بطالاً إلى القدس أيضاً فسأل أن يتأخر إلى بعد العيد فأجيب ثم سار بعد عيد الفطر‏.‏

وفيه خلع على الأمير ألطنبغا العثماني واستقر أتابك العساكر عوضاً عن الأمير يلبغا الناصري بعد موته‏.‏

وفي يوم السبت عاشره‏:‏ ركب السلطان من القلعة إلى خارج باب النصر وشق القاهرة وصعد القلعة فهدمت الزينة‏.‏

وفي ثاني عشره‏:‏ قبض على الأمير قجق حاجب الحجاب والأمير بيبغا المظفري والأمير تمان تمر أرق وحملوا في الحديد إلى الإسكندرية صحبة الأمير صماي‏.‏

وفيه خلع على الأمير ألطنبغا العثماني واستقر في نظر المارستان المنصوري وخلع على قاضي القضاة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي المالكي وأعيد إلى القضاة المالكية بديار مصر وعزل شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الأموي المغربي‏.‏

وفي ثالث عشره‏:‏ كتب للأمير صوماي الحسني المسفر بالأمراء أن يستقر في نيابة الإسكندرية وأن يحضر الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين إلى القاهرة‏.‏

وفي خامس عشره‏:‏ خلع على الأمير سودن القاضي واستقر حاجب الحجاب عوضاً عن الأمير قجق وعلى الأمير قجقار القردمي واستقر أمير مجلس وعلى الأمير جانبك الصوفي رأس نوبة واستقر أمير سلاح عوضاً عن الأمير شاهين الأفرم وقد مات‏.‏

وخلع على الأمير كزل العجمي الأجرود - حاجب الحجاب في الأيام الناصرية - واستقر أمير جاندار عوضاً عن الأمير جرباش كباشة‏.‏

وفيه قبض على ثلاثة من أمراء العشرات وهم طقز ونفاه إلى الشام ومنطاش نفاه إلى صفد وتنبك القاضي نفاه إلى طرابلس وأخرج خاصكيا يعرف بسودن الأعراج إلى قوص منفياً‏.‏

وفي سابع عشره‏:‏ قدم الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين من الإسكندرية‏.‏

وفي تاسع عشره‏:‏ خلع على الأمير تنبك ميق واستقر رأس نوبة النوب عوضاً عن الأمير جانباك الصوفي وخلع على الأمير أقباي الخازندار واستقر دواداراً كبيراً عوضاً عن الأمير جانباك بعد موته‏.‏

وفيه أفرج عن الأمير كمشبغا العيساوي من سجنه بدمياط وقدم القاهرة ونقل الأمير سودن الأسندمري والأمير قصروه وشاهين الزردكاش وكمشبغا الفيسي أمير أخور إلى دمياط‏.‏

وفي خامس عشرينه‏:‏ قدم الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين للسلطان مائة فرس وثياباً وفي يوم الاثنين سادس عشرينه‏:‏ خلع على الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين وأعيد إلى الأستادارية وكان ابن أبي الفرج - لما سار من القاهرة إلى الشام كما تقدم - داخله خوف من السلطان ففر في أوائل شهر رجب - وهو بمدينة حماة - إلى جهة بغداد وسد تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر - وهو يلي نظر الديوان المفرد - أمور الأستادارية في هذه المدة‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ انحل سعر الغلال حتى بيع كل ثلاثة أرادب من القمح بدينار وكل أربعة أرادب شعير بدينار‏.‏

وفيه كثرت الدراهم الفضة بأيدي الناس وكان قد بعد عهد أهل مصر بها‏.‏

وفقدوها وتركوا المعاملة بها من نحو ثلاثين سنة وأزيد‏.‏

وكانت هذه الدراهم مما جلبه العسكر وأتباعهم من البلاد الشامية وهي صنفان‏:‏ أحدهما يقال له الدراهم النوروزية وهي التي ضربها الأمير نوروز كما تقدم ذكره ونقش عليها اسم أمير المؤمنين المستعين بالله العباس بن محمد وزنة الدرهم منها نصف درهم فضة خالصة من النحاس والصنف الآخر الدراهم البندقية وهي التي تضرب ببلاد الفرنج وعليها سكتهم وهي فضة خالصة‏.‏

شهر شوال‏:‏ في أوله‏:‏ حمل إلى الإسكندرية الأمير سودن الأسندمري وقصروه وكمشبغا الفيسي أمير آخور وشاهين الزردكاش فسجنوا بها وكتب بإحضار الأمير كمشبغا العيساوي من دمياط‏.‏

وفيه أمر السلطان بضرب الدراهم المؤيدية فضربت‏.‏

وفيه ولي السلطان عدة ولاة في نواحي أرض مصر وضرب جماعة وقتل عدة من مشايخ النواحي‏.‏

وفيه جلس السلطان شيخ بالإصطبل من القلعة للحكم بين الناس كما جلس الملك الظاهر برقوق ثم ابنه الملك الناصر فرج وجعل ذلك في كل يوم ثلاثاء وجمعة وسبت ورد كثيراً من المحاكمات إلى القضاة‏.‏

وفيه خسف جميع جرم القمر في ليلة الخميس رابع عشره ومكث منخسفاً نحو أربع ساعات‏.‏

وفيه كثرت الدراهم النوروزية والبندقية بأيدي الناس في ديار مصر وحسن موقعها من كل أحد‏.‏

وفيه تراخي سعر الغلة بحيث أبيع في بلاد البحيرة كل خمسة أرادب مصرية بمثقال ذهب وهذا شيء لم نعهد مثله‏.‏

وفيه اشتدت وطأة الأمير بدر الدين حسن الأستادار على الرسل والبرددارية المرصدين بباب الأستادار لقضاء الأشغال والتصرف في الأمور وكانوا منذ أيام الأمير جمال الدين يوسف الأستادار قد كثر عددهم وتزايدت أموالهم حتى تبلغ نفقة الواحد من آحادهم الألف درهم في اليوم فمال عليهم وصادر جماعة منهم‏.‏

وفيه اشتد السلطان في أيام جلوسه للحكم بين الناس على المباشرين من الكتاب الأقباط وضرب جماعة منهم بالمقارع ووضع منهم ولهج بذمهم فذعروا ذعراً زائداً‏.‏

وفيه ألزم اليهود بمبلغ ألفي مثقال من الذهب وألزم النصارى بثمانية عشر ألف مثقال لتتمة عشرين ألف مثقال وذلك في نظير تفاوت ما كانوا يقومون به فيما مضى من الجزية وتولى استخراج ذلك منهم زين الدين قاسم البشتكي المعروف بسيدي قاسم‏.‏

وفي يوم السبت آخره‏:‏ خلع على الأمير تاج الدين التاج الشويكي والي القاهرة واستقر في حسبة القاهرة مضافاً لما بيده من الحجوبية والولاية وقبض على الأمير منكلي بغا العجمي وسلم إليه ليحمل مالاً قرر عليه فأقام عنده أياماً ثم أفرج عنه‏.‏

شهر ذي القعدة أوله الأحد‏:‏ في يوم الاثنين ثانيه‏:‏ ركب السلطان من قلعة الجبل وعدى النيل إلى بر الجيزة ونزل على ناحية أوسيم وتبعه الأمراء والمماليك وخرجت الزردخاناة فأقام أياماً ثم توجه إلى ناحية البحيرة لقبض مشايخها فأقام على تروجة وولي الأمير كمشبغا العيساوي كشف الوجه البحري واستمر هناك إلى آخر السنة‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ وقع وباء بكورة البهنسي واستمر بقية السنة‏.‏

وفي هذه المدة‏:‏ كثر حمل شجر النارنج حتى أبيع كل مائة وعشر حبات نارنج بدرهم بندقي زنته نصف درهم فضة عنه من الفلوس رطلان فيكون باثني عشر درهماً ولم نعهد مثل هذا وقال لي شيخنا - الأستاذ قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون - ما كثر النارنج بمدينة إلا أسرع إليها الخراب‏.‏

ووقع في الخامس من ذي الحجة بمكة أن الأمير جقمق أمير الحاج المصري ضرب أحد عبيد مكة وقيده لكونه يحمل السلاح في الحرم وكان قد منع من ذلك ثارت فتنة انتهكت فيها حرمة المسجد الحرام ودخلت الخيل إليه عليها المقاتلة من قواد مكة العمرة لحرب الأمير جقمق وأدخل هو أيضاً خيله المسجد فباتت به تروث وأوقدت فيه مشاعله وأمر بتسمير أبواب المسجد فسمرت كلها إلا ثلاثة أبواب ليمتنع من يأتيه‏.‏

ثم أنه أطلق الذي ضربه فسكنت الفتنة من الغد بعدما قتل جماعة‏.‏

ولم يحج أكثر أهل مكة من كثرة الخوف‏.‏

ونهب بمأزمي عرفة جماعة وجرحوا وقدم الخبر بأن الأمير يغمور بن بهادر الذكرى - من أمراء التركمان - مات هو وولده في يوم واحد بطاعون في أول ذي القعدة وأن قرا يوسف انعقد بينه وبين شاه رخ بن تيمورلنك صلح وتصاهرا‏.‏

وفيها نزل ملك البرتقال من الفرنج على مدينة سبتة في ثلاثمائة مركب وأقام بجزيرة فيما بينها وبين جبل الفتح - يقال لها طرف القنديل - مدة حتى مل المسلمون الذين حشروا بسبتة من الجبال ونفدت أزوادهم وعادوا إلى حبالهم فطرقها عند ذلك الفرنج وقاتلوا المسلمين وهزموهم وركبوا أقفيتهم وعبروا باب الميناء فتحمل المسلمون بما قدروا عليه ومروا على وجوههم فتملك البرتقال سبتة في سابع شعبان منها‏.‏

وكان لذلك أسباب منها أن بني مرين - ملوك فاس - لما ملكوها ساءت سيرتهم في أخذ أموال أهلها ثم أن موسى بن أبي عنان لما ملك أعطى سبتة لأبي عبد الله محمد بن الأحمر فنقل منها العدد الحربية بأجمعها إلى غرناطة فلما استرد بنو مرين سبتة ساءت سيرة عمالهم بها وكثر ظلمهم فوقع الوباء العظيم بها حتى باد أعيانها وكان من فساد ملك بني مرين وخراب فاس وأعمالها ما كان فاغتنم الرند ذلك ونزلوا على سبتة فلم يجدوا فيها من يدفعهم ولله عاقبة الأمور‏.‏

وفيها كانت وقعة بين الأمير محمد بن عثمان وبين الأمير محمد بن قرمان انهزم فيها ابن قرمان ونجا بنفسه‏.‏

وفيها أحرق قبر الشيخ عدي بجبل هطار من بلاد الأكراد وهذا الشيخ عدي هو عدي بن مسافر الهكاري - بتشديد الكاف - صحب عدة من مشايخ الصوفية وسكن جبل الطائفة الهكارية من مشايخ الصوفية وسكن جبل الطائفة الهكارية من الأكراد وهو من أعمال الموصل وبني له به زاوية فمال إليه بتلك النواحي من بها واعتقدوا صلاحه وخرجوا في اعتقاده عن الحد في المبالغة حتى مات عن تسعين سنة في سنة سبع - وقيل خمس - وخمسين وخمسمائة فدفن بزاويته وعكفت طائفته المعروفة بالعدوية على قبره وهم عدد كثير وجعلوه قبلتهم التي يصلون إليها وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها وصار قبره أحد المزارات المعدودة والمشاهد المقصودة لكثرة أتباعه وشهرته هو في الأقطار وصار أتباعه يقيمون بزاويته عند قبره شعاره ويقتفون آثاره والناس معهم على ما كانوا عليه زمن الشيخ من جميل الاعتقاد وتعظيم الحرمة فلما تطاولت المدة تزايد غلو أتباعه فيه حتى زعموا أن الشيخ عدي بن مسافر هذا هو الذي يرزقهم وصرحوا بأن كل رزق لا يأتي من الشيخ عدي لا نرضاه وأن الشيخ عدي جلس مع الله تعالى - عن قولهم - وأكل معه خبزاً وبصلاً وتركوا الصلوات المفروضة في اليوم والليلة وقالوا الشيخ عدي صلى عنا واستباحوا الفروج المحرمة وكان للشيخ عدي خادم يقال له حسن البواب فزعموا أن الشيخ لما حضرته الوفاة أمر حسن هذا أن يلصق ظهره فلما فعل ذلك قال له الشيخ‏:‏ انتقل نسلي إلى صلبك فلما مات الشيخ عدي ولم يعقب ولداً صارت ذرية الشيخ حسن البواب تعتقد العدوية فيها أنها ذرية الشيخ عدي وتبالغ في إكرامهم حتى أنهم ليقدمون بناتهم إلى من قدم عليهم من ذرية الشيخ حسن فيخلو بهن ويقضي منهن الوطر ويري أبوها وأمها أن ذلك قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى فلما شنع ذلك من فعلهم انتدب لهم رجل من فقهاء العجم يتمذهب بمذهب الشافعي - رحمه الله - ويعرف بجلال الدين محمد بن عز الدين يوسف الحلواني ودعا لحربهم فاستجاب له الأمير عز الدين البختي صاحب جزيرة ابن عمر والأمير توكل الكردي - صاحب شرانس - وجمعوا عليهم كثيراً من الأكراد السندية - وأمدهم صاحب حصن كيفا بعسكر وأتاهم الأمير شمس الدين محمد الجردقيلي وساروا في جمع كبير جداً إلى جبل هكار فقتلوا جماعات كثيرة من أتباع الشيخ عدي - وصاروا في هذا الوقت يعرفون بين الأكراد بالصحبتية وأسروا منهم خلائق حتى أتوا الشرالق - وهي القرية التي فيها ضريح الشيخ عدي - فهدموا القبة المبنية عليه ونبشوا ضريحه وأخرجوا عظامه فأحرقوها بحضرة من أسروه من الصحبتية وقالوا لهم‏:‏ انظروا كيف أحرقنا عظام من ادعيتم فيه ما ادعيتم ولم يقدر أن يدفعنا عنه‏.‏

ثم عادوا بنهب كثير فاجتمعت الصحبتية بعد ذلك وأعادوا بناء القبة وأقاموا بها على عادتهم وصاروا عدواً لكل من قيل له فقيه يقتلونه حيث قد قدروا عليه ولو شاء ربك ما فعلوه‏.‏

ممن مات في هذه السنة ممن له ذكر الأمير نوروز الحافظي‏.‏

ومات الأمير طوخ نائب حلب‏.‏

ومات الأمير قمش‏.‏

ومات الأمير برصبغا‏.‏

قتلوا جميعاً بدمشق في شهر ربيع الآخر‏.‏

ومات الأمير شاهين الأفرم برملة لد وهو عائد من دمشق وكان ظالماً فاسقاً من شرار خلق الله‏.‏

ومات الأمير يلبغا الناصري في ليلة الجمعة ثاني عشر رمضان بمنزله بعد عوده من الشام وكان خير أمراء الوقت بعفته عن الأموال التي أحدثوا أخذها من الحمايات والمستأجرات ونحوها وصيانته عن القاذورات المحرمة من شرب الخمر وشبهه‏.‏

ومع ذلك فاستجد مباشروه شونة خارج القاهرة لبيع الملح وألزموا الباعة ألا يشتروا الملح إلا منها وباعوه بأغلى الأثمان‏.‏

وتتبعوا بائعيه ممن ظفروا به وقد اشتري الملح من غيرهم ضربوه وغرموه مالاً فلهذا بلغ الملح أضعاف ثمنه‏.‏

ومات الأمير جانباك الدوادار أحد المماليك المؤيدية بمدينة حمص وهو متوجه مع العسكر إلى حلب من جرح أصابه في محاربة نوروز على دمشق لزم منه الفراش إلى أن مات‏.‏

ومات بمكة قاضيها ومفتيها جمال الدين أبو حامد محمد بن القدوة عفيف الدين عدل الله بن ظهيرة بن أحمد القرشي الشافعي في ليلة سابع عشر شهر رمضان عن نحو سبع وستين سنة ولي قضاء مكة وخطابتها وحسبتها مرات وتصدى بها للتدريس والإفتاء نحو أربعين سنة وصنف فبرع في الفقه والحديث واشتغل بالقاهرة معنا قديماً‏.‏

ولم يخلف بالحجاز بعده مثله‏.‏

ومات بالمدينة النبوية قاضي القضاة الحنفية زين الدين عبد الرحمن بن نور الدين علي ابن يوسف بن الحسن بن محمود الزرندي الحنفي في ربيع الأول ومولده سنة ست وأربعين وسبعمائة وقد أناف على السبعين‏.‏

وولي قضاء الحنفية بالمدينة نحو ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها وكان غزير المروءة‏.‏

وتوفي بزبيد من بلاد اليمن قاضي القضاة بها شيخنا مجد الدين محمد أبو الطاهر بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادي الشيرازي الشافعي اللغوي في ليلة العشرين من شوال عن ثماني وثمانين سنة وأشهر‏.‏

وهو ممتع بحواسه‏.‏

وله مصنفات كثيرة منها كتاب القاموس في اللغة لا نظير له‏.‏

وقد اشتهر في أقطار الأرض كتابه الذي صنفه للناصر وسماه تسهيل الأصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول وله نظم حسن‏.‏

ولي قضاء الأقضية ببلاد اليمن نحو عشرين سنة حتى مات بعدما طاف البلاد مشارقاً ومغارباً وأقام بالقاهرة زماناً‏.‏

ومات بالقاهرة الشريف سليمان بن هبة بن جاز بن منصور الحسيني أمير المدينة النبوية مسجوناً وهو في عشر الأربعين‏.‏

ولي إمرة المدينة النبوية في أخريات ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ثم قبض عليه في أخريات ذي الحجة سنة خمس عشرة وعلى أخيه محمد وحملا إلى القاهرة فاعتقل بها حتى مات وولي بعده المدينة عزيز بن هيازع بن هبة‏.‏

ومات بالنحريرية الأديب الشاعر أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي البديوي في رابع عشر ربيع الآخر‏.‏

وأكثر شعره في المدائح النبوية‏.‏