فصل: باب في اختلاف طبقات الناس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العزلة **


  كتاب جامع في ترك ما لا يعني ورفض الاشتغال بما لا يجدي

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا عبد الله ابن أيوب قال‏:‏ حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا مالك عن الزهري عن علي بن الحسين قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏)‏ قال أبو سليمان‏:‏ قال بعض الحكماء‏:‏ من اشتغل بما لا يعنيه ومن لم يستغن بما يكفيه فليس في الدنيا شيء يغنيه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إسماعيل بن محمد قال حدثنا محمد بن سليمان قال حدثنا إبراهيم بن صالح القرشي عن أبيه عن جده أن ابن عباس أوصى رجلا فقال‏:‏ لا تتكلم بما لا يعنيك فإن ذلك فضل ولست آمن عليك الحذر ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في غير موضعه قد عنث‏.‏

ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك‏.‏

وأذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه ودعه مما تحب أن يدعك منه فإن ذلك العدل واعمل عمل امرىء يعلم أنه مجزى بالاحسان مأخوذ بالاجرام‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا فضل الأشج قال حدثنا ابن أبي الأسود قال حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد قال قال مؤرق العجلي‏:‏ أمر أنا اطلبه منذ عشرين سنة لم أنله ولست بتاركه فيما أستقبل قيل‏:‏ وما هو يا أبا المعتمر‏.‏

قال‏:‏ الصمت عما لا يعنيني‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني بعض أصحابنا قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال حدثنا أحمد بن عاصم قال‏:‏ كتب أخ ليونس بن عبيد الله‏:‏ أما بعد يا أخي فاكتب إليَّ كيف أنت‏.‏

قال فكتب إليه يونس‏:‏ أما بعد فإنك كتبت إليَّ تسألني كيف أنا وكيف حالي فأخبرك أن نفسي قد ذلت لي بصيام اليوم البعيد الطرفين الشديد الحر ولم تذل بترك الكلام فيما لا يعنيني‏.‏

أخبرني أبو سليمان قال أخبرنا حمزة بن الحارث الدهان قال حدثنا عبد الله ابن روح المدائني قال حدثنا يحيى بن الصامت قال حدثنا أبو اسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي راشد قال‏:‏ جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد الله بن عمر فقال إني رسول إخوانك من أهل البصرة إليك فإنهم يقرؤونك السلام ويسألونك عن أمر هذين الرجلين‏:‏ علي وعثمان وما قولك فيهما فقال‏:‏ هل غير قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ جهزوا الرجل‏.‏

فلما فرغ من جهازه قال‏:‏ اقرأ عليهم السلام وأخبرهم أن قولي فيهم (‏تِلكَ أُمَةٌ قَد خَلَت لَها ما كَسَبَت وَلَكُم ما كَسَبتُم وَلا تَسأَلونَ عَما كانوا يَعملون‏‏).‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن الحسين الآبري قال حدثنا محمد ابن الربيع الجيزي قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول حدثنا الشافعي قال‏:‏ قيل لعمر بن عبد العزيز‏:‏ ما تقول في أهل صفين فقال‏:‏ تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني بها‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ سمعت ابن الأعرابي يقول سمعت أبا يعلى الساجي يقول سمعت الأصمعي يقول‏:‏ خذ الخير مع أهله ودع الشر للأهله وقيل لبعضهم‏:‏ كيف حالك قال‏:‏ كيف حال من لا يدري كيف حاله‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا المقري قال حدثنا الأصمعي قال‏:‏ قال أعرابي‏:‏ لا تكن ضحاكا أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني سهل بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن العريس المازني قال حدثنا عبد الله بن الحكم الخبري قال حدثنا محمد بن شبيب النحوي قال حدثنا الشرقي بن القطامي قال‏:‏ دخلت على المنصور فقال لي يا شرقي علام يؤتى المرء فقلت‏:‏ أصلح الله الخليفة على معروف سلف أو مثله مؤتنف أو قديم شرف أو علم مطرف‏.‏

قال الشيخك وزادني غير سهل فما عدا هذا فولوع وكلف‏.‏

أو قال‏:‏ جهل وسرف‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن هاشم قال دخل محمد بن خشك على بعض العمال زائرا له فلم يهش له في اللقاء ولم يرفع منه فنهض وهو يتمثل بقول ولأن حين يقول‏:‏ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن هاشم قال دخل محمد بن خشك على بعض العمال زائرا له فلم يهش له في اللقاء ولم يرفع منه فنهض وهو يتمثل بقول ولأن حين يقول‏:‏ إِنّ دخولي عَلى أَبي قَتبٌ مِن غَيرِ ما حاجَةٌ وَلا أَرَبٌ مِن حَمَقاتي فَإِنَنَي رَجُلٌ مُضَطَرِبُ العَقلِ سَيءُ الأَدَبِ قرأت لعلي بن عبيدة في فصل له‏:‏ أما بعد ولا توجب عليك رقا لمن لا يعرف ما تملكه منك فإنه من لم يتصفح موالي قلبه ويختارهم بقدره أذلته العبودية‏.‏

ولا تتشاغل إلا بمن يتفرغ لك فإن لم تثق ممن صافيت بالوفاء فاستظهر عليه بمن يسليك عنه ومتى وجدت مؤثرا لما تهوى وصفيا صادقا فاشغل عمرك به واغمر قلبك بطاعته ولتكن نفسك وديعة عندك فتنفذ أحكامه عليها‏.‏

وما أقل من يلزمك هذا له إن استوفيت لنفسك حقها‏.‏

والسلام‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا سهل بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن القاسم البغدادي قال حدثنا أحمد بن أبي أمية الكاتب قال‏:‏ شهدت العتابي كتب إلى رجل‏:‏ أما بعد فإن إكرامك غير ذي الدين والدنيا حمق‏.‏

والسلام‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا سهل بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن القاسم البغدادي قال حدثنا أحمد بن أبي أمية الكاتب قال‏:‏ شهدت العتابي كتب إلى رجل‏:‏ أما بعد فإن إكرامك غير ذي الدين والدنيا حمق‏.‏

والسلام‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني الياس بن اسحاق قال‏:‏ شهدت أحمد بن اليمان واستشاره رجل في بعض الأمور فامتنع من الإشارة وقال‏:‏ هذا أمر لا يلزمني‏.‏

فقال‏:‏ وكيف وقد سمعت الله تعالى يقول (‏وَشاوِرهُم في الأَمَر‏‏)‏ فقال‏:‏ للإشارة آفات وأنا أحذرها وذلك أني إذا أشرت على رجل برأي لم يخل من قبول له أو رد فإن قبله لم يخل من أحد أمرين‏:‏ إما أن يقع صوابا فينتفع به أو خطأ فيتضرر به فإن وقع صوابا وانتفع به لم آمن أن يتداخلني لذلك عجب وأن تذهب بي نفسي أن قد سقت غليه خيرا وإن وقع خطأ وتضرر به لم أعدم منه لائمة وذما‏.‏

وإن لم يقبله لم يخل أيضا من أحد أمرين‏:‏ إما أن ينجح أو يخفق فإن أنجح أزري بي وبرأيي أو اتهمني في مشورتي أو أخفق أو ناله ضرر لم آمن من نفسي الشماتة وأن آثم في أمره‏.‏

وما اعتوره هذه الآفات فتركه أسلم‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا إبراهيم بن دنوقا قال حدثنا إبراهيم بن مهدي قال حدثنا الحسن بن محمد بن محمد البلخي عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏المستشار مؤتمن فإن شاء أشار وإن شاء سكت فإن أشار فليشر بما لو نزل به فعله‏).‏

رواه القضاعي بهذا اللفظ والإمام أحمد بلفظ آخر‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ ليست الإشارة من الحقوق الواجبة على الأعيان حتى لا يسع المستشار أن يمتنع منها على المستشير إنما هي من حقوق الكفاية إذا قام بها بعض الناس سقط عن الباقين‏.‏

قال محمد بن واسع‏:‏ لا تشر على معجب برأيه فإنه لا يقبل فقد ترخص العلماء في ترك الإشارة لآفة تعرض فيها أوعائق يمنع منها ولعل ابن اليمان كان يعرف من صاحبه المستشير إعجابا برأيه وتركا لقبول نصحه فحذر الفتنة واغتنم الراحة‏.‏

  باب في التحذير من قرناء السوء وحسن ارتياد الجليس والصاحب

أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ حدثنا محمد بن الطيب علكان قال‏:‏ حدثنا أبو العلاء الوكيعي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏المرء على دين خليله فلينظر المرء من يخالل‏).‏

قال أبو سليمان‏:‏ قوله‏:‏ (‏المرء على دين خليله‏)‏ معناه لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه قال سفيان بن عيينة‏:‏ وقد روى في هذا الحديث انظروا إلى فرعون معه هامان انظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم شر منه انظروا إلى سليمان بن عبدالملك صحبه رجاء بن حيوة فقوَّمه وسدده ويقال‏:‏ إن الخلة مأخوذة من تخلل المودة القلب وتمكنها منه‏:‏ وهي أعلى درج الإخاء وذلك أن الناس في الأصل أجانب فإذا تعارفوا ائتلفوا فهم أوداء وإذا تشاكلوا فهم أحباء فإذا تأكدت المحبة صارت خلة‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا قال أخبرنا محمد بن مكي قال حدثنا الصائغ قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان عن الوليد بن قيس عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقى‏).‏

قال أبو سليمان‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يأكل طعامك إلإّ تقي‏) إنما أراد به طعام الدعوة دون طعام الحاجة ألا تراه يقول تعالى ذكره‏:‏ (‏وَيُطعِمونَ الطَعامَ عَلى حُبِهِ مِسكيناً وَيَتيماً وأَسيراً‏‏) ومعلوم أن أسراءهم الكفار دون المؤمنين ودون الأتقياء من المسلمين وإنما وجه الحديث ومعناه‏:‏ لا تدع إليَّ مؤاكلتك إلا الأتقياء لأن المؤاكلة توجب الألفة وتجمع بين القلوب‏.‏

يقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فتوخ أن يكون خلطاؤك وذوو الاختصاص بك أهل التقوى‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا أبو عمر غلام ثعلب قال حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال حدثنا إبراهيم بن زكريا البزاز قال حدثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه سلمة بن كهيل عن أبي جحيفة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏جالسوا الكبراء وتعلموا من العلماء‏).‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا عبد الكريم بن الهيثم قال حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الحمصي قال حدثنا الحكم بن عبد الله الفلسطيني عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏لا تلزموا مجالس العشائر فإنها تميت القلب ولا يبالي الرجل بما تكلم في ناديهم وتفرقوا في العشائر فإنه قال أبو سليمان‏:‏ قد حذر النبي صلى لله عليه وسلم مجالسة من لا يستفيد المرء به فضيلة ولا يكتسب بصحبته علما وأدبا وفيه الحض على الغربة في طلب العلم والرحلة إلى بلاد أهل الفضل‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ وبلغني عن بعض العلماء أنه سئل عن قريش كيف صارت أفضل العرب قاطبة وإنما هي قبيلة من مضر فقال‏:‏ لأن دار قريش لم تزل موسم الناس ومنسك الحاج وكانت العرب تقصدها في كل عام لحجهم وتردها لقضاء نسكهم فهم لا يزالون يتأملون أحوالهم ويراعونها فيختارون منها أحسن ما يشاهدونه ويتكلمون بأفصح ما يسمعون من كلامهم ويتخلقون بأحسن ما يرونه من شمائلهم فصاروا أفضل العرب من قبل حسن الاختيار الذي هو ثمرة العقل فلما ابتعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منهم تمت لهم الفضيلة وكملت لهم به السيادة‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا الصفار قال حدثنا أبو البختري قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن وديعة الأنصاري قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول وهو يعظ رجلا‏:‏ لا تتكلم فيما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين غلا من يخشى الله عز وجل ويطيعه ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره ولا تطلعه على أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا عبد الله بن شاذان الكراني قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا زكريا بن يحيى المنقري قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا سلمة بن بلال عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ قال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه لرجل - وكره له صحبة أحمق - فقال له‏:‏ لا تَصحَب أَخا الجَهلِ وَإِياكَ وَإِياهُ فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى حَليماً حِينَ آَخاهُ يُقاسُ المَرءُ بِالمَرءِ إذا ما هُوَ ما شاه وَلِِلشَيء عَلى الشَيءِ مَقايِيسُ وَأَشباهُ وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ دَليلٌ حِينَ يَلقاهُ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا جعفر بن شاكر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو وهب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء قال‏:‏ من فقه الرجل مدخله وممشاه وإلفه‏.‏

قال أبو قلابة ألا ترى إلى الشاعر‏:‏ عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَأَبصِر قَرينَهُ فَإِنّ القَرينَ بِالمُقارِنِ يَقتَدي أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا محمد بن إبراهيم المكتب قال حدثنا شكر قال حدثنا الحسن بن الربيع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا أبو سليمان عن أبي المحجل عن رجل عن أبي ذر قال‏:‏ الصاحب الخير خير من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء‏.‏

ومملي الخير خير من الساكت والساكت خير من مملي الشر والأمانة خير من الخاتم والخاتم خير من الطين‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أحمد بن مالك قال حدثنا أحمد بن محمد ابن مسروق الطوسي قال حدثنا محرر بن عون قال حدثني أخي المختار بن عون عن جعفر بن سليمان قال‏:‏ رأيت مع مالك بن دينار كلبا فقلت‏:‏ ما هذا يا أبا يحيى قال‏:‏ هذا خير من جليس السوء‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الكراني قال حدثني ابن شبيب قال حدثني المنقري عن الأصمعي قال قال أعرابي‏:‏ عداوة الحليم أقل ضررا عليك من مودة الجاهل‏.‏

وفي هذا لبعض الشعراء‏:‏ وَلأَنّ يُعادي عاقِلاً خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَكونَ لَهُ صَديقٌ أَحمَقُ فارغَب بِنَفسِكَ أَن تُصادِق جاهِلاً إِنّ الصَديقَ عَلى الصَديقِ مُصَدِقُ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني بن أبي الدق قال حدثنا محمد بن المنذر قال‏:‏ حدثنا محمد بن ادريس قال حدثني عبد الرحمن بن أبي عطية الحمصي عن الخطاب بن المعلى المخزومي أنه وعظ ابنه فقال‏:‏ إياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويخرفون من صادقهم وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب والمرء يعرف بقرينه‏.‏

قال‏:‏ والإخوان اثنان فمحافظ عليك عند البلاء وصديق لك في الرخاء فاحفظ صديق البلية وتجنب صديق العافية فإنهم أعدى الأعداء وفي هذا قول الشاعر‏:‏ وَكُلُ خَليلٌ بِالهوينا مُلاطِف وَلَكِنّما الإِخوانُ عِندَ النَوائبِ ولآخر‏:‏ أَرى الناسَ إِخوانَ الرَخاءِ وَإِنّما أَخوكَ الذي آَخاكَ عِندَ الشَدائدِ أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثنا محمد بن اسحاق بن راهويه قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا إبن حم لسانة بن كهيل قال‏:‏ قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم‏:‏ وَأَبني إِما تَفقِِدَنّ وَلا تَكُن دَنسَ الِفعالِ مُبيضَ الأَثوابِ وَاحذَر مُصاحَبةَ اللِئامِ فَرُبَما أَرزى الكَلامَ فَسولَلة الأَصحاب أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن شبيب قال حدثنا المنقري قال حدثنا الأصمعي قال‏:‏ سمعت أعرابيا يقول‏:‏ مخالطة الأنذال والسفلة تحط الهيبة وتضع المنزلة وتكل اللسان وتزري الإنسان‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا ابن أبي غنية عن شريك بن عبد الله قال كان يقال‏:‏ لا تسافر مع جبان فإنه يفر من أبيه وأمه ولا تسافر مع أحمق فإنه يخذلك أحوج ما تكون إليه ولا تسافر مع فاسق فإنه يبيعك بأكلة وشربة‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن شبيب قال حدثنا المنقري قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا الفضل بن عبد الملك قال قال خالد بن صفوان‏:‏ لا تصادق ذميا ولا خصيا ولا مؤنثا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا حسان بن الحسن المجاشعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن عبادة بن كليب قال سمعت محمد بن النصر الحارثي يقول‏:‏ فَإِذا صاحَبتَ فاصحَب صاحِبا ذا حَياءِ وَعَفافٍ وكَرَمِ قَولٌه في الشَيءِ لا إِن قُلتَ لا وَإذا قُلتَ نَعَم قالَ نَعَم أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثنا محمد بن اسحاق بن راهويه قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا المبارك بن سعيد قال‏:‏ أتيت الأعمش أنا وابي فقال له أبي‏:‏ إنّ هذا يريد مكة يلحق بأخويه سفيان وعمر فترى أن اشترى له بعيرا أو اكترى قال‏:‏ بل اشتر له وأرى له أن يخرج مع ضربه من الناس وإياك وأصحاب الأخبصة فإنك إن أخذت بأخذهم أخبرنا أبو سليمان قال حدثني محمد بن إبراهيم المكتب قال حدثنا شكر قال حدثنا عمارة بن وثيمة بن موسى قال حدثنا أبي قال حدثنا حفص بن الجارود قال حدثنا عيسى بن ميمون عن يزيد بن ذكوان قال قال علي بن الحسن‏:‏ لا يقول رجل خيرا لا يعمله منه إلا يوشك أن يقول شرا يعلمه منه ولا يصطحب باثنان على غير طاعة الله عزوجل إلا يوشك أن يفترقا على غير طاعة الله‏.‏

قال أبو سليمان وأنشدني بعض أهل الأدب‏:‏ وَقائِلٌ كَيفَ تهاجِرتُما فَقُلتُ قولاً فيه إِنصافُ‏:‏ لَم يَكُن شَكلي فَفارَقتُهُ وَالناسُ أَشكالٌ وَأَصنافُ أخبرنا أبو سليمان قال وأخبرني أبو عمر قال أخبرنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قال‏:‏ العرب تقول ‏(‏أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق‏).‏

قال أبو سليمان‏:‏ أنشدونا لعبيدب الله بن عتبة فقال‏:‏ تَبَينَ وَكُن مِثلي أَو اِبتَغِ صاحِبا كَمِثلِكَ إِنّي مُبتَغ صاحِباً مِثلي وَلَن يَلبَثَ الأَرانُ أًَن يَتَفَرَقوا إِذا لَم يُؤَلِف زَوجَ شَكلٍ إِلى شَكلِ قال بعض الحكماء‏:‏ عماد المودة المشاكلة وكل ود عن غير تشاكل فهو سريع التصرم‏.‏

وأحسن وَلَن تُنَظِمَ العَقدَ الكِعابَِ لِزينَةٍ كَما تُنَظِمُ الشَملَ الشَتيتَ الشَمائِلِ وكان نقش خاتم بعض الحكماء‏:‏ من ودك لأمر ولي مع انقضائه‏.‏

ذكر أبواب تشتمل على وصف عوام الناس وبيان أحوالهم والتحذير من آفاتهم وما جاء عن نفساد الزمان وذم أهله وما يدخل في ذلك من كلام يرغب في العزلة وينهي عن الإكثار من الخلطة‏.‏

  باب في اختلاف طبقات الناس

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان قال حدثنا اسحاق بن يوسف الأزرق عن عوف الأعرابي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض‏:‏ منهم الأحمر والأسود والأبيض والسهل والحزن وبين ذلك الخبيث والطيب‏).‏

قال أبو سليمان قد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول أن الناس أصناف وطبقات وأنهم إلى تفاوت في الطباع والأخلاف‏:‏ فمنهم الخير الفاضل الذي ينتفع بصحبته ومنهم الرديء الناقص الذي يتضرر بقربه وعشرته‏.‏

كما أن الأرض مختلفة الأجزاء والتراب‏:‏ فمنها العذاة الطيبة التي يطيب نباتها ويزكو ريعها ومنها السباخ الخبيثة التي يضيع بزرها ويبيد زرعها وما بين ذلك على حسب ما يوجد منها حسا ويشاهد عيانا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا أحمد بن مالك قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميد قال حدثنا سفيان قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏الناس معادن‏).‏

قال أبو سليمان‏:‏ وفي هذا القول أيضا بيان أن اختلاف الناس غرائز فيهمن كما أن المعادن ودوائع مركوزة في الأرض‏:‏ فمنها الجوهر النفيس ومنها الفلز الخسيس وكذلك جواهر الناس وطبائعهم‏:‏ منها الزكي الرضي ومنها الناقص الدني‏.‏

وإذا كانوا كذلك وكان الأمر على العيان منهم مشكلا واستبراء العيب فيهم متعذرا فالحزم إذا الإمساك عنهم والتوقف عن مداخلتهم إلى أن تكشف المحنة عن أسرارهم وبواطن أمرهم فيكون عند ذلك إقدام على خبرة أو إحجام عن بصيرة‏.‏

ولعلك أسعدك الله إذا خبرتهم قليتهم وإذا عرفتهم أنكرتهم إلا من يخصهم الثنيا وقلنيل ما هم‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني غبن الدق قال حدثنا محمد بن المنذر قال حدثنا أبو داود الحراني قال حدثنا عبدالله بن واقد عن أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن عبدب الله عن أبي الدرداء رفعه إلى رسول الله صلى الله عليوسلم قال‏:‏ (‏اخبر تقله وثق بالناس رويدا)‏‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال سمعت شيخنا أبا بكر القفال رحمه الله عليه يقول‏:‏ بلغني عن المأمون أنه كان يقول‏:‏ لولا أنه قد قيل (‏اخبر تقله‏) لقلت أنا‏:‏ أقله تخبر‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الحسن بن يحيى بن صالح قال حدثنا محمد بن قتيبة قال حدثنا إبراهيم أبو ايوب الحوراني قال حدثنا بكر بن سليم قال حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الناس كأسنان المشط‏) قال أبو سليمان‏:‏ هذا يتأول على وجهين‏:‏ أحدهما أن يكون أراد أنهم متساوون في الأحكام لا يفضل شريف لشرفه على وضيع كأسنان المشط متساوية لا فضل لسن منها على أخرىب والوجه الآخر أن يكون ذلك لمعنى المذمة لهم وأن الغالب عليهم النقص كقولهم إذا ذموا قبيلة‏:‏ هم كأسنان الحمار قال الشاعر‏:‏ سواسية كأسنان الحمار‏.‏

وشبه بهذا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة‏) وقد تقدم ذكره فيما مضى من هذا الكتاب‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الزيبقي قال حدثنا موسى بن زكريا التستري قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا العتبي قال‏:‏ كنا عند سفيان بن عيينة فتلا هذه الآية (وَما مِن دَابَةٍ في الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلا اُمَمٌ أمثالَكُم‏‏) وقال‏:‏ ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من شبه البهائم فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلب ومنهم من يتطوس كفعل الطاوس ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي لها الطعام الطيب عافته فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه فكذك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها وإن أخطأ رجل عن نفسه أو حكى خطأ غيره ترواه وحفظه‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ ما أحسن ما تأول أبو محمدن رحمة الله عليه هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه وقد أخبر الله تعالى عن وجود الممثالة بيننا وبين كل دابة وطائر وكان ذلك ممتنعا من جهة الخلقة والصورة وعدما من جهة النطق والمعرفة فوجب أن يكون مصروفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق‏.‏

وإذا كان اأمر كذلك إياهم على حسب ذلك ومصداق قول سفيان رحمه الله في كتاب الله سبحانه حين يقول في تمثيل من كذب بآيات الله بالكلب فقال عز وعلا‏:‏ (‏فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَليهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث‏‏) وقال سبحانه وتعالى: (‏مَثُلُ الَّذَينَ حُمِلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا‏‏) وقال عز وجل (‏أََولَِئِكَ كالأَنعامِ بَل هُم أَضَل‏‏) فجعلهم أسوأ حالا منها وأبعد مذهبا في الضلال حتى قامت عليهم الحجة فلم يذعنوا لها‏.‏

ولأجل ذلك رأى الحكماء أن السلامة من آفات السباع الضارية أمكنن والخلاص منها أسهل من السلامة من شر الناس‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ وأخبرني محمد بن الحسن بن عاصم قال حدثنا الزبير بن عبد الواحد عن الربيع بن سليمان قال‏:‏ سمعت الشافعي ينشد‏:‏ لَيسَتِ الكِلابُ لَنا كانَت مُجاوِرَةً وَأَنَنا لا نَرى مِمَن نَرى أَحداً إِنّ الكِلابَ لَتَهدأُ في مواطِنها وَالناسُ لَيس بِهادٍ شَرَهٌم أَبداً فاحفَل لِنَفسَك في تَفريدِها أبدا تَعِش حَميداً إِذا ما كُنتُ مُنفَرِدا وفي نحو هذا قول بعض أهل زماننا وهو الفقيه الإمام رحمة الله عليه‏:‏ شَرِ السِباعِ الضاري دونَهُ وِزرُ وَالناسُ شَرُهُم ما دونَهُ وِزرُ كَم مَعشرٍ سَلِموا لَم يُؤذِهِم سَبعٌ وَما نَرى بَشَراً لَم يُؤذِهِ بَشَرُ وقد روينا عن قبيصة قال الفضيل‏:‏ إذا رأيت السبع فلا يعلنك وإذا رأيت ابن آدم فخذ ثوبك ثم فر ثم فر‏.‏

عَوى الذِئبُ فاستَأَنَسَتَ بِالذِئبِ إِذ عَوى وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكَدَتُ أَطيرُ وفي نحو منه قول عبيد بن أيوب العنبري وقد كان جنى جناية عظيمة فطلبه السلطان فأمعن في الهرب حتى وقع في مجاله الأرض‏.‏

لَقَد خِفتُ حَتى لَو تَمُر حَمامَةٌ لَقُلتُ عَدو أو طَليعَة مَعشَرِ فَإِن قيلَ خَيرٌ قَلتَ هذا خَديعَةً وَإن قيلَ شَرٌ قُلتَ حَقٌ فَشَمِرِ أنشدني الآبري لمنصور بن إسماعيل الفقيه‏:‏ الناسُ بَحرٌ عَميقٌ وَالبُعدُ عَنهُم سَفينَةٌ وَقَد نَصَحتُكَ فانظُرِ لِنَفسِكَ المِسكينَةِ وأنشدونا له‏:‏ كُل مَن أصبَحَ في دَه رِكَ مِمَن قَد تَراهُ هُوَ مِن خَلفِكَ مِقرا ضٌ وفي الوَجهِ مِرآهُ قال أبو سليمان‏:‏ وسأفيدك فائدة يا أخي ييجل نفعها وتعظم عائدتها وما أقولها غلا عن ود لك وشفقة عليك فإن البلى في معشارة أهل زمانك عظيمة فاستعن بها على ما يلقاك من أذاهم فإنك لا تخلو من قليله وإن سلمت من كثيره وذلك أنك قد ترى الواحد بعد الواحد منهم يتكالب على الناس ويتسفه على أعراضهم وينبح فيها نباح الكلب فيهمك من شأنه ما يهمك ويسوؤك منه ما يسوؤك أن لا يكون رجلا فاضلا يرجى خيره ويؤمن شره فيطول في أمره فكرك ويدوم به شغل قلبك فأزح هذا العارض عن نفسك بأن تعده على الحقيقة كلبا خلقة وزد به في عدد الكلاب واحا ولعلك قد مررت مرة من المرار بكلب من الكلاب ينبح ويعوي وربما كان أيضا قد يساور ويعقر فلم تحدث نفسك في أمره بأن يعود إنسانا ينطق ويسبح فلا تتأسف له ألا يكون دابة تركب أو شاة تحلب فاجعل أيضاً هذا المتكلب كلباً مثله واسترح من شغله واربح مؤونة الفكر فيه وكذلك فليكن عندك منزلة من جهل حقك وكفر معروفك فاحسبه حمارا أو زد به في عدد العانة واحدا فبمثل هذا تخلص من آفاة هذا الباب وغائلته والله المستعان‏.‏

  باب في ذكر أخلاق العامة وما يوجد فيهم من قلة الاستفاضة

أخبرنا أبو سليمبان قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا محمد بن سعيد بن غالب قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي قال حدثنا الأعمش عن أبي اسحاق عن أبي جحيفة: (‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم وقدامه قوم يصنعون شيئا كرهه من كلام ولغط فقيل‏:‏ يا رسول الله ألا تنهاهم فقال‏:‏ لو نهيتهم عن الحجون لأوشك بعضهم أن يأتيه وليست له قال أبو سليمان‏:‏ قد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول أن الشر طباع في الناس وإنّ الخلاف عادة لهم وحض بذلك على شدة الحذر منهم وقلة الثقة بهم‏.‏

وقال بعض الحكماء‏:‏ الشر في الناس طباع وحب الخلاف لهم عادة والجور فيهم سنة ولذلك تراهم يؤذون من لا يؤذيهم ويظلمون من لا يظلمهم ويخالفون من ينصحهم‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ أخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري قال حدثنا إسماعيل بن اسحاق قال قال الأصمعي‏:‏ قيل لرجل أتؤذي جيرانك قال‏:‏ فمن أوذي أوذي من لا أعرف أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن إبراهيم المكنب قال حدثنا محمد بن المنذر قال حدثنا إسماعيل بن حدمويه قال حدثنا عارم قال حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد أن حسانا قال‏:‏ احفظوا عني هذا البيت‏:‏ وَإِن أَمرأً أمسى وأَصبَحَ سالِماً مِنَ الناسِِ إِلا ما جَنى لِسَعيدِ وقال كثير أو نصيب‏:‏

وَما زالَ كِتمانيكِ حَتى كَأَنَني ** بِرَجع سُؤالُ السائِلي عَنكََ أَعجَمِ

لأَسلَم مِن قَولِ الوِشاةِ وَتَسلَمي ** سَلِمتُ وَهَل حَيٌ عَلى الناسِ يَسلَمِ

ولآخر‏:‏ قال أبو سليمان‏:‏ وسئل بعض الحكماء متى يسلم الإنسان من الناس فقال‏:‏ إذا لم يكن في خير ولا شر‏.‏

قيل‏:‏ ومتى يكون كذلك قال‏:‏ إذا مات‏.‏

قال وذلك لأنه وهو حي إما أن يكون خيرا فالأشرار يعادونه وإما أن يكون شريرا يمقتونه‏.‏

والمثل سائر في قديم الدهر (‏ما لقى الناس من الناس‏).‏

قال أنشدني بعض أهل الأدب لإبراهيم بن شكلة‏:‏

وَما أَنتَ إِلا ظالِمٌ وَابنُ ظالِِمِ ** لأنَكَ مِن أَولادِ حَوّا وآدَمِ

وَلَو كُنتَ مِثلَ القَدحِ أَلفيتَ قائِلاً ** أَلا ما لِهَذا القَدحِ لَيس بِقائِمِ

وَلَو كُنتَ مِثلَ النَصلِ أَلفَيتَ قائِلا ** ألا ما لِهذا النَصلِ لَيسَ بِصارِمِ

وقال بعضهم‏:‏ إن من الناس من يولع بالخلاف أبدا حتى إنه يرى أن أفضل الأمور أن لا يرافق أحدا ولا يجامعه على رأي ولا يواتيه على محبة ومن كان هذا عادته فإنه لا يبصر الحق ولا ينصره ولا يعتقده دينا ومذهبا إنما يتعصب لرأيه وينتقم لنفسه ويسعى في مرضاتها حتى إنك لو رمت أن ترضاه وتوخيت أن توافقه على الرأي الذي يدعوك إليه تعمد لخلافك فيه ولم يرض به حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول فإن عدت إليه تعمد لخلافك فيه ولم يرض به حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأولن فإن عدت في ذلك إلى وفاته عاد إلى خلافك قال أبو سليمان‏:‏ فمن كان بهذه قال أبو سليمان أخبرنا ابن التعياني قال أخبرنا الزجاج قال‏:‏ كنا عند المبرد أبي العباس محمد فوقف عليه رجل فقال‏:‏ أسألك عن مسألة من النحو قال‏:‏ لا‏.‏

فقال أخطأت فقال‏:‏ يا هذا كيف أكون مخطئا أو مصيبا ولم أجبك عن المسألة بعد‏؟‏

فأقبل عليه أصحابه يعنفوه فقال لهم‏:‏ خلوا عنه ولا تعرضوا له أنا أخبركم بقصته هذا رجل يحب الخلاف وقدب خرج من بيته وقصدني على أن يخالفني في كل شيء أقوله ويخطئني فيه فسبق لسانه بما كان في ضميره‏.‏

  باب في التحذير من عوام الناس والتحرز منهم بسوء الظن وقلة الثقة بهم

وترك الاستنامة إليهم أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مالك قال حدثنا السكوني محمد بن أيوب الضويس قال حدثنا أبو الوليدن الطيالسي قال حدثنا الضحاك بن سيار النكري عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ (‏احترسوا من الناس بسوء الظن‏).‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثني ابن أبي الدق قال حدثنا شكر قال حدثنا عبد الله بن يوسف الصنعاني قال سمعت جعفر بن أبي الدغيش يقول سمعت عبد الملك الذماري يقول‏:‏ وجد عبد الملك بن مروان حجدرا فيه مكتوب بالعبرانية فبعث به إلى وهب بن منبه فإذا فيه مكتوب‏:‏ أخبرنا أبو سليمان قال حدثني محمد بن منصور قال حدثنا محمد بن المنذر قال حدثنا احمد بن الخصيب قال حدثنا أحمد بن مسعدة قال حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي‏:‏ سئل الحصين الرقاشي ما بقي من رأيك قال‏:‏ سوء الزن‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا محمد بن المنذر قال حدثنا الفيض بن الحفر قال حدثني عبدالله بن خبيق قال قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي‏:‏ أي خصال الرجل أوضع له قال‏:‏ كثرة كلامه وغفشاؤه سره والثقة بكل أحد‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن نوفل الكندي قال حدثنا إبراهيم بن منصور عن علي بن قادم قال‏:‏ لا تخرج مع المهدي حتى تبلوه‏.‏

قال أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري قال حدثنا أحمد بن الوليد الفخام قال حدثنا يعلى بن عباد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء رحمه الله‏:‏ إنك لن تتفقه كل الفقه كتى تمقت الناس في جنب الله ثم ترجع إلى نفسك فتجدها أمقت من سائر الناس‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو عمرو الحيري قال أخبرنا مسدد بن قطن قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدوري قال حدثني محمد بن عبيدة قال حدثني أبو الربيع عن مسلم بن أبي عبد الله قال قال مالك بن دينار‏:‏ منذ عرفت لناس لم أفرح بمدحهم ولم أحزن لذمهم قالوا‏:‏ كيف ذاك يا أبا يحيى قال‏:‏ إني لا أرى إلا مادحا مفرطا أو ذاما مفرطا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن معاذ قال حدثنا الخلادي قال أخبرني أحمد بن محمد بن بكر عن داود بن رشيد قال حدثني إبراهيمب بن شماس قال قال لي جعفر بن حميد الأكاف‏:‏ يا إبراهيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحا منهم ستر لي عورة ولا وصلني إذا قطعته ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير‏.‏

قال أبو سليمان أنشدني بعض أصحابنا قال أنشدنا ابن الأنباري‏:‏

لَيسَ لِلناسِ وَفاءُ لا ** وَلا بِالناسِ خَيرُ

قَد بَلونا الناسَ فالنا ** سُ كَسيرٌ وَعويرُ

قال وانشد بعضهم لأبي العباس الناشىء‏:‏

خَبِرتُ الأَنامَ فَما إِن وَجَدتُ ** عَلى مِحنَةٍ مَن يُساوي نَقيرا

فَلَما تَبَينتُ أَني التَمَستُ ** مِنَ الناسِ شَيئا بَعيداً عَسيرا

فَزِعتُ إِلى الأُنسِ بِالإِنفِرادِ ** فَكانَ التَقَلُلُ مِنهُم كَثيرا

قال أبو سليمان‏:‏ وأنشدني محمد بن الحسن بن عاصم لمنصور بن إسماعيل الفقيه‏:‏

ذَمُ مَن شِئتَ مِنهُم ** فَهو لِلذَمِ مَوضِعُ

أخبرنا أبو سليمان قال حدثني محمد بن أبي بكر بن علي بن إسماعيل القفال قال حدثنا ابن الأنباري قال حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا عبيد بن يعيش قال حدثنا عبثر أبو زيد قال لسفيان‏:‏ يا أبا عبد الله دلني على رجل أجلس إليه قال‏:‏ تلك ضالة لا توجد‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا أبو رجاء الغنوي عن الحسن بن عليل قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا الأصمعي عن سليمان بن المغيرة عن يونس بن عبيد قال‏:‏ شيئان ليس في الأرض أعز منهما ولا يزدادان غلا قلة‏:‏ أخ في الله يسكن إليه ودرهم حلال يوضع في حق‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني ابن مالك قال حدثنا الحسن بن سفيان قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن سوقة عن نعيم بن أبي هند قال قال أبو عبيدة بن الجراح‏:‏ كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع إلى أن تكون إخوان العلانية أعداء السر‏.‏

أنشدنا أبو سليمان قال أنشدني التمار النحوي قال أنشدنا ابن الأنباري لمحمد بن حازم‏:‏

إخوانُ هَذا الزَمانِ كُلُهُم ** إِخوانُ غَذرٍ قَد جُبِِلوا

أَخوهُم المُستَحِق وَصلَهُم مَن ** شَرِبوا عِندَهُ وَمَن أَكلوا

طَووا ثِيابَ الوِصالِ بَينَهُم ** وَصارَ ثَوبُ الرِياءِ يَبتَذِلُ

أخبرنا أبو سليمان قال حدثني محمد بن منصور قال حدثنا شكر قال حدثنا أحمد بن بكر بن سيف المروزي قال حدثنا محمد بن الحسين عن أبي زكريا قال‏:‏ كان أعرابي بالكوفة وكان له صديق فكان يظهر له مودة ونصيحة فاتخذه الأعرابي من عدده للنوائب فأتاه فوجده بعيدا مما كان يظهر له فأنشأ يقول‏:‏

إِذا كانَ وُدُ المَرءِ لَيسَ بِزائِدٍ ** عَليَّ مَرحَباً أَو كَيفَ أَنتَ وَحالِِكا

وَلَم يَكُ إِلا كاشِراً أَو مُحدِثاً ** فَأَفٌ لِوُدٍ لَيسِ إِلا كَذِلِكا

لِسانُكَ مَعسولٌ وَنَفسُكَ بِشَةٌ ** وَعِندَ الثُرَيا مِن صَديقِكَ مالِكا

فَأَنتَ إِذا هَمَت يَمينُكَ مَرَةً ** لِتَفعَل خَيراً قابَلتَها شِمالَكا

قال وأنشدني عبد العزيز بن عبد الله لمحمد بن حازم‏:‏

وَإِنّ مِنَ الإِخوانِ إِخوانٌ كَثرَةٌ ** وَإِخوانٌ حَياكَ الإِلَهُ وَمَرحَبا

وَإِخوانٌ كَيفَ الحالُ والأَهلُ كُلَهُ ** وَذلِِكَ لا يُسَوي نَقيراً مُترَبا

جَوادَ إِذا استَغنَيتَ عَنهُ بِمالِهِ ** يَقولُ إِلى القَرضِ والقَرضَ فاطلُبا

فإِن أَنتَ حاوَلتَ الذي خَلَفَ ظَهرَ ** وَجَدَت الثُرَيا مِنهُ في البُعدِ أَقرَبا

قال أبو سليمان وأنشدني الحسن بن عبد الرحيم‏:‏

فَإِذا اِحتجتَ إِليهِ ساعَةً مَجَك فُوهُ ** لَو رأَى الناسُ نَبِياً سائِلاً ما وَصلوهُ

قال أبو سليمان وأنشدني ابن الدق‏:‏ جَدكَ يَسقيكَ بِصافٍ أَو كَدرِ الناسِ إخوانَك ما لَم تَفتقِرِ قال أنشدني أحمد بن عبد العزيز بن شابورة قال أنشدنا علي بن عبد العزيزب قال أنشدنا الزبير بن بكار لأبي همهمة مولى المرينيني‏.‏

إِخوَةٌ ما حَضَرَت سَروا بِزوري فَإِذا غِبتَ فالسِباعُ الجِياعُ باينوني حَتى إِذا عايَنوني حانَ مِنهُم تَضاؤُلٌ واختِشاعُ لا لِسوءٍ مِنَ البلاءِ وَلَكِن ظَهَرَت نِعمَةٌ عَليَّ فَهاعوا فَهُم يُهمِزونَ مِني قَناةً لَيسَ يَأَلونَ صَدعَها ما استَطاعوا ما كَذا يَفعَل الكِرامُ وَلَكِن هَكَذا يَفعَلُ اللِئَامُ الوَضاعُ قال أبو سليمان أنشدني بعض أهل الأدب لعبد الله بن المعتز‏:‏ وَأبعَدَني عَنِ الإِخوانِ عِلمي بِهِم فَبَقيتُ مَهجورَ النَواحي مَضى الأَحرارُ وانقَرَضوا جَميعاً وَخَلَفَني الزَمانُ عَلى عُلوجِ وَقالوا قَد لَزمتَ البَيتَ جِداً فَقُلتُ لِفَقدٍ فائِدَةَ الخُروجِ قال أبو سليمان‏:‏ أخبرني محمد بن إبراهيم المكتب قال حدثنا شكر قال حدثنا عيسى بن أبي موسى الأنصاري قال سمعت سليمان بن موسى ينشد‏:‏ حالَ عَما عَهِدتَ رَيبَ الزَمانِ واستَحالَت مَودَةَ الخِلانِ وَاستَوى الناسُ في الخَديعَةِ وَالمَكرِ فَكُلُ لِسانِهِ اِثنانِ قًل لِمَن يَبتَغي السَلامةَ وَالصِحَةَ عِش واحِداً بِلا إِخوانِ فَلَعَمري لَئِن بَلوتَ أصَحَ الناسِ وُداً وَجَدتَ ذا أَلوانِ قال أبو سليمان‏:‏ أنشدني ابن أبي الدنيا قال أنشدني أعرابي من بني أسد‏:‏ أَلا ذَهبُ التَذَمُمِ وَالوَفاءِ وَبادَ رِجالُه وِبَقيّ الغَثاءُ وَأَسلمَنَي الزَمانُ إِلى أُناسٍ كَأَنّهُم الذِئابُ لَهُم عَواء إِذا ما جئتُهُم يَتَدافَعوني كَأَني أُجَرِبُ أَعداهُ داءُ صَديقٌ لي إِذا استَغنَيتَ عَنهُم وَأَعداءٌ إِذا نَزلَ البَلاءُ قال أبو سليمان‏:‏ هذا قول بشع وكلام جاف والإخوة مصونة عن مثل هذه الصفات‏.‏

وحاشا للإخاء أن يكون عليه العفاء‏.‏

وإنما غلط القوم بالاسم فنحلوه غير أهله وبذلوه غير مستحقه‏.‏

فسموا المعارف إخوانا ثم أنشأوا يذمون الأخوة ويعيبون الصداقة من أجلهم وهذا جور وعدوان وشبيه به ما أنشدني ابن الفارسي قال أنشدني محمد بن القاسم الجمحي قال أنشدنا الزبير بن بكار‏:‏ لا يَضيعُ الأَمينُ سِراً وَلَكِن رُبَما يَحسَبُ المَضيعُ أَمينا قال أبو سليمان وأنشدني آخر في معناه‏:‏ إذا ما كُنتُ مُتَخِذاً خَليلاً فَلا تَأَمَنّ خَليلَكَ أَن يَخونا فَإِنّكَ لَم يَخُنكَ أَخٌ أَمين وَلَكِن قُل مَن تَلقى أَمينا قال أبو سليمان‏:‏ وكيف يكون لك صديقا من لا يصدقك لسانه عن قلبه ولا عيانه من غيبه إذا رآك قال‏:‏ أطال الله بقاءك وهو يتمنى فناء عمرك وقصر أيام حياتك‏.‏

وأكرمك الله وهو يريد هوانك وهلاكك‏.‏

وسلام الله عليك وهو يتمنى أن لا يسلمك الله ولا يصونك‏.‏

وهل يكون من هذه صفته أخاً أو صديقا لا وحقك إنه أعدى الأعداء وأولى الناس بالإبعاد والاقصاء‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ وسمعت أبا جعفر العقبي ينشد لعلي بن الجهم‏:‏ أَلَم تَر مُظهِرينَ عَليَّ عَتَبا وَكانوا أَمس إِخوانِ الصَفاءِ بَليتُ بِنُكبَةٍ فَغَدوا وَراحوا عَليَّ أشَدَ أَسبابِ القَضاءِ أَبَت أَقدارَهُم أَن يَنصروني بِمالٍ أو بِجاهٍ أَو بِرائي وَخافوا أَن يُقال لَهُم خَذَلَتُم صَديقاً فادعوا قَدمَ الجَفاءِ قال أبو سليمان‏:‏ أنشدني بعض أصحابنا لابن الرومي‏:‏ رَأَيتَ الأَخِلاءَ في دَهرِنا بِظَهرِ المَودَةِ إِلاّ قَليلاً بِطاءٍ عَن المُبتَغي نَصرَهُم إِلى أَن يُغادِر دَلالا ثَقيلاً وَلا تَفزَعَنّ إِلى نَصرِهِم وَعِش عَيشَ حُرٍ عَزيزاً ذَليلاً قال أبو سليمان وله في هذا المعنى أيضا‏:‏ لِساءُ اِتِقاؤُكَ إِما اتَقيتَ أن تُستَضامَ بِأَن تَستَرِقا فَكُن لِلمَظالِمِ حَمالَةً وَعِش عَيش حُرٍ مُلقى مَوقى قال أبو سليمان‏:‏ أخبرني محمد بن الحسين بن عاصم قال حدثنا محمود بن محمد الرافقي قال حدثني عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ قيل لأبي العتاهية وهو يموت‏:‏ ما تشتهي قال أشتهي أن سَيُعرَضُ عَن ذكري وَتَنسى مَودَتي وَيَحدُثُ بَعدي لِِلخَليلِ خَليلُ قال أبو سليمان‏:‏ أنشدني الحسن بن عبد الرحيم قال أنشدني محمد بن الحسن اللخمي‏:‏ دَهرُنا دَهرَ افتِراقِ لَيسَ ذا دَهرَ تَلاقي قُل مَن يَلقاكَ إِلا بِسلامٍ واعتِناقِ فإِذا وَلَيتَ عَنهُ بَنَت مِنهُ بِطلاقِ قال أبو سليمان‏:‏ وأنشدني محمد بن منصور قال أنشدني شكر قال أنشدني محمد بن خلف التيمي‏:‏ وَلَيسَ أَخي مِن وُدَّني بِلِسانِهِ وَلَكِن أَخي مَن وُدَني في النَوائب وَمَن مالُهُ مالي إذا كُنتُ مُعدَماً وَمالي لَهُ إِن عَضَ دَهر بِغارِبِ فَلا تَحمُدَنّ عِندِ الرَخاءِ مؤاخِياً فَقَد يُنكِرُ الأخوان عنِدَ المَصائِبِ أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ حدثني الخلدي جعفر بن محمد قال حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو عبد الله النباجي‏:‏ اِرفُضِ الناسَ فَكُل مَشغَلَهُ قَد بَخِلَ الناسُ بِِمِثلِ الخَردلَه قال أبو سليمان أنشدني الخزيمي‏:‏ لا تَسأَلَن بَني آَدَمَ حاجَةً وَسَل الَّذي أَبوابُهُ لا تُحجَبُ اللَهُ يَغضَبُ إِن تَرَكتَ سُؤالَهُ وَبنيّ آدَمَ حِينَ يَسأَلِ يَغضَبِ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا محمد بن العباس بن الدرافس قال حدثنا أحمد بن أبي لحواري قال حدثني مضاء قال قال إبراهيم بن أدهم‏:‏ يلومنا الناس أن لا نقبل منهم ويوشك أن نقبل منهم فنهون عليهم ويوشك أن نسألهم فلا يعطونا‏.‏

قال وروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال‏:‏ إنّ الأغنياء لا يعطونك بقدر ما يغنوك إنما يعطونك بقدر ما يفضحونك‏.‏

  باب في فساد الزمان وأهله

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن المستورد قال أبو نعيم حدثنا شريك عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن مستورد الفهري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يذهب الصالحون الأول فالأول وتبقى حثالة كحثالة الشعير لا يبالي الله تعالى عنهم‏).‏

قال أبو سليمان‏:‏ حثالة الشعير رذالته كذلك لا يصحب من يبقى من الناس في أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبي هريرة قال‏:‏ ذهب الناس وبقي النسناس‏.‏

فقيل له‏:‏ ما النسناس قال‏:‏ يشبهون الناس وليسوا بناس‏.‏

قال أبو سليمان وحدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا الزمادي قال حدثنا يعقوب بن محمد الزمقري قال حدثنا عباد بن حبيب قال سمعت حسن بن عبد الله يحدث قال حدثني بعض أهلي عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم‏).‏

حدثنا أبو سليمان قال حدثنا الصفار قال حدثنا أحمد بن سعد الزهري قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن حبيب عن الحسن بن عمرو قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير قال‏:‏ قرأت كتاب دانيال فإذا فيه: (‏يأتي على الناس زمان لا يرى حكيم فيه قرة عين‏)‏.‏

قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان قال حدثنا عبد العزيز بن أبان قال حدثنا مالك بن مغول عن الشعبي قال‏:‏ ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه‏.‏

حدثنا أبو سليمان قال حدثني الحسن بن عبد الرحيم قال حدثنا محمد بن الحسين عن عبد الرحيم بن نافع عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي قال‏:‏ يأتي على الناس زمان يكون حدثنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن مخول عن رجل من عبد القيس قال قال حذيفة ما أبالي بعد سبعين سنة لو دهدهت حجرا من فوق مسجدكم فقتلت منكم عشرة‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إسماعيل بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قال جدي إسماعيل بن إبراهيم سمعت همام بن سلمة يقول قال جعفر بن محمد‏:‏ إذا كانت السنة ثلاثين ومائة فخير أولادكم البنات وخير نسائكم العقر‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن سعدويه قال حدثنا ابن الجنيد قال حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو سعد الأعمى قال حدثنا عافية القاضي عن ابن أبي ليلى‏:‏ قال سيأتي على الناس زمان يقال له زمان الذئاب فمن لم يكن في ذلك الزمان كلبا أكلوه قال أبو سليمان قال قتيبة‏:‏ هو هذا الزمان‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ حدثنا إبراهيم بن فراس حدثنا أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا العباس بن الحسين قال أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتمثل بهذين البيتين‏:‏

ذَهبَ الَّذَينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم ** وَبَقيتُ في جِلدٍ كَجَلدِ الأَجرَبِ

قال أبو معاوية قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ويح لبيد لو أدرك هذا الزمان‏.‏

قال عروة وكيف لو عاشت عائشة رضي الله عنها إلى هذا الزمان قال هشام‏:‏ فكيف لو بقي عروة إلى هذا الزمان وقال أبو معاوية‏:‏ فكيف لو بقي هشام إلى هذا الزمان وقال العباس بن الحسين نحو ذلك‏.‏

وقال أحمد بن علي‏:‏ وقال ابن فراس مثله‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال وحدثنيه محمد بن سعدويه قال حدثنا محمد بن خشك بن محرن قال حدثنا سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق عن معمر عن عروة - أو هشام عن عروة - عن عائشة رضي الله عنها وسرد الحكاية إلى أن انتهى إلى عبد الرزاق فقال‏:‏ رحم الله فلانا كيف لو أدرك هذا الزمان قال أبو سليمان قال حدثني الحسن بن عبد الرحيم قال حدثنا محمد بن الحسين اللخمي قال حدثنا محمد بن خلف النيمي قال حدثنا قبيصة عن سفيان الثوري عن أبيه قال أتيت إبراهيم النخعي في شيء فقال‏:‏ يا أبا سعيد ما كان بيني وبينك أحد يشفيك من هذا احتيج إليّ احتيج إليّ‏.‏

إن دهرا صرت فيه فقيه أهل الكوفة لدهر سوء‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ هذا وإن كان من إبراهيم على معنى التواضع وسبيل الاهتضام لنفسه فإنه لم يخل من عيب للزمان وإزراء به وتفضيل لما سلف منه على ما غبر وتأخر من أيامه‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ أخبرني ابن سعدويه قال خرج علينا سفيان بن عيينة ونحن جلوس على باب داره فقال‏:‏

خَلَت الدِيارُ فَسَدَت غَيرَ مُسَوَدِ ** وَمِنَ الشَقاءِ تَفرُدى بالسُؤدِدِ

قال أبو سليمان‏:‏ وأنشدني إبراهيم بن فراس في نحو من هذا‏:‏

وَإِن بِقَومٍ سَوَّدوكَ لِحاجَةٍ إِلى ** سَيدِ لَو يَظفَرونَ بِسَيدِ

وقال آخر في نحوه‏:‏

وَما سُدَت فيهِم أَن فَضلُكَ عَمَهُم ** وَلَكِن هَذا الخَلطُ في الناسِ يُقسَمُ

قال أبو سليمان‏:‏ حدثني علي بن العباس بالاسكندراني قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد المهراني قال الخليل بن أسد قال حدثني مسعود بن بشر عن ابن راحة قال‏:‏ خرج إلينا يعقوب بن داود وزير المهدي ونحن على بابه فقال‏:‏ ما صدر هذا البيت وَمُحتَرسٍ مِن مِثلِهِ وَهُوَ حارِسُ فإن أمير المؤمنين سال عنه فلم يكن عند واحد منا جواب‏:‏ قلت‏:‏ أنا اخبرك به قال الردخت‏:‏

أَقلَي عَليَّ اللَومُ يا أُمّ مالِكٍ ** وَذَميُ زَمانا سادَ فيهِ الفَلافِسُ

وَساعَ مَعَ السُلطانِ لَيسَ بِناصحٍ ** وَمُحتَرسٍ مِن مِثلِهِ وَهُوَ حارِسُ

والفلافس رجل من أهل الكوفة من بني نهشل بن دارم وكان على شرط القباع بالبصرة فقال

يا جارَ يا إِبنَ أبي رَبيعَةَ إِنّهُ ** يَخلو إِذا اِختَلَطَ الظَلامُ يَشرَبُ

جَعَلَ الفَلافِسَ حاجِبينَ لِبابَه ** سُبحانَ مَن جَعَلَ الفَلافِسَ يَحجُبُ

قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن خزيمة قال حدثنا اسحاق بن إبراهيم قال سمعت داود الأصبهاني يينشد‏:‏

عَما قَليلٍ تَرى ما كُنتَ تَحسِبُهُ ** أَلا ما يَكونُ وَلا تَأتي بِهِ الحِقَبُ

قَد تَعلك اللَجمُ وَرَقَ الأَبَلِ مُسرِجةً ** وَيَرجَعُ الطَرفُ مَشدود بابَهُ القتبُ

قال أبو سليمان وأنشدت هذا البيت‏:‏

هَذا الزَمانُ الَّذي كُنّا نَحَذَرَهُ ** في فولِ كَعبٍ وفي قول ابنِ مسَعودِ

إِن دامَ هَذا وَلَم يَحدُث لَهُ غَيرَ ** لَم يَبكِ مَيتٌ وَلَم يَفرَح بِمولودِ

قال أبو سليمان‏:‏ وأنشدني بعض أهل الأدب قال أنشدني المتنبي‏:‏

إِنّا لَفي زَمنٍ تَرَك القَبيحُ بِهِ ** مَن أَكثَرُ الناسِ إِحسانُ وَإِجمالُ

قال أبو سليمان‏:‏ قرأت لمنصور بن عمار في صفة الزمان‏:‏ تغير الزمان حتى كل عن وصفه اللسان‏.‏

فأمسى خرفا بعد حداثته شرسا بعد لينه يابس الضرع بعد دزارته ذابل الفرع بعد نضارته قالحل العود بعد رطوبته بشع المذاق بعد عذوبته فلا تكاد ترى لبيبا إلا ذا كمد ولا ظريفا واثقا بأحد وما أصبح له حليفا إلا جاهل ولا أمسى به قرير عين إلا غافل فما بقي يمن الخير غلا الإسم ولا من الدين إلا الرسم ولا من التواضع غلا المخادة ولا من الزهادة إلا الانتحال ولا من المروءة إلا غرور اللسان ولا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غلا حمية النفس والغضب لها وتطلع الكبر منها ولا من الاستعادة إلا التعزيز والتبجيل‏.‏

فالمغرور المائق المذموم عند الخلائق النادم في العواقب المحطوط عن المراتب من اغتر بالناس ولم يحسم رجاءه باليأس ولم يظلف قلبه بشدة الاحتراس‏.‏

فالحذر الحذر من الناس فقد قل الناس وبقي النسناس‏.‏

ذئاب عليهم ثياب إن استفردتهم حرموك وإن استنصرتهم خذلوك وإن استنصحتهم غشوك إن كنت شريفا حسدوك وإن كنت وضيعا حقروك وإن كنت عالما ضللوك وبدّعوك وإن كنت جاهلا عيروك ولم يرشدوك وإن نطقت قالوا مكشار مهذار صفيق وإن سكت قالوا غبي بليد بطيّ وإن تعمقت قالوا متكلف متعمق وإن تغافلت قالوا جاهل أحمق فمعاشرتهم داء وشقاء ومزايلتهم دواء وشفاء ولا بد من أن يكون في الدواء مرارة وكراهة فاختر الدواء بمرارته وكراهته على الداء بغائلته وآفته‏.‏

والله المستعان‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا يحيى بن أبي طالب عن عبد الوهاب بن عطاء قال حدثنا محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن أبي مسلم الخولاني قال‏:‏ كان الناس مرة ورقا لا شوك فيه وإنهم اليوم شوك لا ورق فيه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مالك قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا هلال بن الفياض قال حدثنا أبو عبيدة - وكان ينزل في بني يشكر - قال حدثنا أبو عبيد التاجي قال قال الحسين‏:‏ اعلموا أن الناس شجرة بغي وفراس نار وذباب طمع‏.‏

إن الدنيا لما فتحت على أهلها كلبوا والله أسوأ الكلب حتى غدا بعضهم على بعض بالسيوف واستحل بعضهم حرمة بعض فحانقوا على نسخة كسبوها من كل حرام وأنفقوها في كل شر وطبقوا الأرض ظلما‏.‏

قاتلهم الله وهو قاتلهم اتخذوا عباد الله خولا واتخذوا هذا المال دولا‏.‏

سبحان الله ما لقيت هذه الأمة من منافق قهرهم واستأثر عليهم ومن صاحب بدعة خرج عليهم بسيفه‏.‏

صنفان خبيثان قد عما كل مؤمن‏:‏ أعلاج عجم وأعرابي لا فقه له ولا دين ومنافق مكذب وأمير مترف نعر بهم ناعر فخرجوا يسعون معه فراش نار وذباب طمع‏.‏

يبيع أقوام دينهم بثمن حقير‏.‏

من مات مات إلى النار ومن عاش عاش عيشة سوء‏.‏

ظهر الجفاء وقل العلماء وذهب الحياء وفشت النكراء‏.‏

ذهب الصالحون اسلافا وبقي خشارة كخشارة الشعير لا يبالي الله عز وجل بهم بالة‏.‏

أنشدنا أبو سليمان قال أنشدنا أبو رجاء الغنوي قال أنشدني ابن العتبي في قصيد له يصف فيها قوس البندق‏:‏

إنّي تَبَدلَتُ بِإِخوانِ الصَفا قَوماً ** يَرونَ النَبَلَ تَطويلَ اللُحى

لا عِلمَ دُنيا عِندَهُم وَلا تُقى ** غَدَوا صَغاراً ثُمَّ خَلوهُم سُدى

بِغُرَةِ الجَهلِ وَآدابَ النِساءِ فَلَو تَرى ** شيخَهُم إِذا احتَبى ثُمَّ اِبتَدا

في وَصفِ شَيء أَو بَدا ** مِن رُخَصٍ سِعرٍ وَمِن إِفراطٍ غَلا

وَرَفَعوا أَصواتَهُم بِلا وَلا ** حَسِبتَهُم ضَأنا تَداعَت بِثُغا

أو سِربٍ بَطٍ جاوَبَت سِربٍ قَطا ** فَذلِكَ الدأبُ إِلى وَقتِ العَشا

فالقَلبُ يَزدادُ صَدى إلى صَدى ** لِقُربِهِم وَالعِلمُ يَزدادُ فَنا

وَكُلُهُم في العَقلِ يَمشي القَهقَهري ** يُريدُ قُداما فَيجري مِن وَرا

قال أبو سليمان‏:‏ قال بعض الناس‏:‏ إني لا أشبه أهل الزمان - إذا رأيتهم قد تلاقوا في المحافل وتدانوا في المجالس وتحالت بهم الركب - غلا بقوم تصافوا مستعدين لمحاربة أعدائهمن وتضافروا متأهبين لمناصبة أقرانهم فشدوا مركز اللقاء بسيوف مشهورة‏.‏

وأسنة مطرورة وقسي موترة وسهام مفوقة فتطاعنوا ضربا بسيوفهم ودعسا برمحاهم وتراشقوا خصلا سهامهم‏.‏

حتى انفلت سيوفهم وكلت أيديهم ونثلث كنانتهم عن آخر أعزع ومرتثّ لا نهوض به ومثخن ينوء على ضلعه‏.‏

فذلك الوجه والمثال فيما شبهنته لك مع صنيع أهل هذا الزمان إذا ضمتهم المجالس ولفتهم الملاقي والمجامع فتصور الآن قلوبهمن وما تجنه ضمائرهم من الغل والحسد وما تحني عليه ضلوعهم من الإحن والضغائن قسيا موترة وألسنتهم وما يرمون به من القول سهاما مفوقة‏.‏

نصبوا لها أعراض الناس أغراضا وافترضوا بها افتراضا فهم إذا تأملتهم وجدتهم على طبقات شتى‏:‏ منهم ذو القحة الذي يكاشف بالشتم الصريح مكاشفة ويجاهر باللفظ القبيح مجاهرة ومعالنة‏.‏

ومنهم من يعرض بالأذى ويكنى ويمرض القول به ويورى‏.‏

ومنهم من يؤذي صاحبه بالمسارة والنجوى والمباثة والشكوى‏.‏

ومنهم من يشجو أخاه بغمز العين وزم الجبين ورمز الشفتين وكرف العرنين‏.‏

ومنهم جانب لا يعاجل بالسوء معاجلة ولا يؤاخذ بالذنب بغتة لكن يحصى الأنفاس ويعد الحروف والألفاظ ويحفظها ليوم حاجته وأوان فرصته فيبكت بها ويعير ويطنب فيها أو يقصر على شاكلة قول الشاعر في مثله‏:‏

احذَر مَودَةَ ماذِقٍ ** شابُ المَرارَةِ بِالحَلاوَةِ

يُحصي العُيوبَ عَليكَ أَيا ** مَ الصَداقَةِ لِلعَداوةِ

قال أبو سليمان قال عبد الله بن المعتز‏:‏ إخوان السوء ينصرفون عند النكبة ويقبلون مع النعمة ومن شأنهم التوسل بالاخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالانس والثقة ثم يوكلون الأعين بالأفعال والأسماع بالأقوال‏:‏ فإن رأوا خيرا أو نالوه لم يذكروه ولم يشكروه وعلموا أنهم خدعوا صاحبهم عنه وقمروه‏.‏

وإن رأوا شرا أو ظنوه أذاعوه ونشروه فإن أدمت مواصلتهم فهم الداء المماطل المخوف على المقاتل وإن استرحت إلى مصارمتهم ادعوا الخبرة بك لطول الصحبة والعشرة فكان حديثهم مصدّقا وباطلهم محققا‏.‏

  باب فيمن يتمنى الموت وآثر المرض والعمى على لقاء الناس

أخبرنا أبو سليمان قال حدثونا عن الخلاد قال حدثنا عبد الله بن صقر قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا أبو محمد بن أبي القراقص الكندي قال قال الفضل رحمة الله عليه‏:‏ إني لأتمنى المرض‏.‏

قلت له‏:‏ لم ذلك‏:‏ قال‏:‏ لئلا أرى الناس‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن المدربان قال حدثني محمد بن اسحاق المديني قال حدثني سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبو السعدي الحارثي قال‏:‏ أتيت عوانة بعد ما ما كف بصره فسلمت عليه وسألت به ثم قلت‏:‏ إن الله سبحانه وتعالى لم يسلب عبدا شيئا إلا عوضه مكانه شيئا هو خير منه فما الذي عوضك من بصرك قال‏:‏ الطويل العريض يا بغيض‏.‏

فقلت‏:‏ ما هو قال‏:‏ أن لا أراك ولا يقع بصري عليك‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ أخبرني بشار بن يعقوب عن أحمد بن جح قال‏:‏ لما كف بصره وانتقل إلى قريته بغور ساران قصده رجل من أهل الملتان كحال حاذق بصير بالقدح فلما ورد عليه أنزله وأحسن تعهده فكان الرجل يغدو عليه ويروح وجعل يهون عليه الأمر في معالجته ويهنيه رجوع بصره في مدة سريعة فكان أحمد يرافقه الوقت بعد الوقت إلى أن ضجر الرجل بطول المقام ومل الثواء عنده قال فحضرني وطلب إلى أن إستأذن له في الإنصراف فدخلت عليه وعرفته قصة الرجل واشرت عليه بالإقبال على العلاج وهونت عليه الأمر في ذلك‏.‏

فقال لي‏:‏ يا أبا سليمان أتشير على بأن أحتمل هذا الألم وأن أغرر بجمال هذه المقلة الباقية ولست على يقين من السلامة‏.‏

وهب أن العلاج قد نجع ووقع موقعه وعاد البصر إلى ما كان عليه من القوة فقل لي إذا فتحت عيني وأبصرت بها أنظر إلى من من إخواني وأصدقائي وقد هلكوا الا والله إن الزمان الذي أنا فيه والناس الذين أنا بين ظهرانيهم لقوم لو كنت بصيرا صحيح البصر لكان من الواجب على أن أتعامى عليهم فاغض بصري عن النظر إليهم‏.‏

قل لهذا الإنسان ينصرف في باب في ترك الإعتداد بعوام الناس وقلة الإكتراث بهم والتحاشي لهم أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إبن أبي الدق قال حدثنا ذلك سودن قال حدثنا جعفر بن سنيد عن أبيه عن الحجاج بن محمد بن عقبة بن سنان قال قال أكثم بن صيفي‏:‏ رضاء الناس غاية لا تدرك ولا تكره سخط من رضاه الجور‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن الحسين بن عاصم قال أخبرني محمد بن الربيع بن سليمان وابن جوصاء قالا سمعنا يونس بن عبد الأعلى يقول قال لي الشافعي رحمة الله عليه‏:‏ يا أبا موسى رضا الناس غاية لا تدرك ليس إلى السلامة من الناس سبيل‏.‏

فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ودع الناس وما هم فيه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إسماعيل بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري قال سمعنا أبا داود المصاحفي البلخي يقول سمعت النضر بن شميل يقول‏:‏ كتب إليَّ الخليل أن دع الناس وإشمئزازهم إذا عرفت الحق فالزم‏.‏

أنشدنا أبو سليمان قال أنشدني الحسن بن عبد الرحيم قال أنشدنا ابن الأنباري قال أنشدنا أبو

دِع الناسِ ما شاءوا يَقولوا فَإِنَني ** لأَكثَرَ ما يُحكى عَليَ حَمولُ

فَما كُلُ مَن أَغضَبتُهُ أَنا مُعتَبُ ** وَلا كُلُ مَن يَروي عَليَّ أََقولُ

أَو كُلَما طَنّ الذُبابُ زَجَرتُهُ ** إِنّ الذُبابَ إِذا عَليَّ كَريمُ

أخبرنا الشيخ أبو سليمان قال حدثنا محمد بن هاشم قال حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال‏:‏ سمعت عليا رضي الله عنه يخطب فقال‏:‏ اللهم إني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملوني فأرحني منهم وأرحهم مني ما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم‏.‏

ووضع يده على لحيته‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن علي قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال أخبرني محمد بن عباس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ أكثرت من الدعاء بالموت حتى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند أوان نزوله فلما ذا مللت من أمتك أما تعين صالحا أو تقوم فاسدا قال‏:‏ يا ابن عباس إني قائل لك قولا وهو غليك قال قلت‏:‏ لن يعدوني‏.‏

قال‏:‏ كيف لا أحب فراقهم وفيهم ناس كل فاتح فاه للهوة من الدنيا إما بحق لا ينوء به أو بباطل لا يناله‏.‏

ولولا أن أسأل عنهم لهربت منكم فأصبح الأرض مني بلاقع فمضيت لشأني وما قلت ما فعل الغالبون‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا محمد بن هاشم قال حدثنا الدبري قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال‏:‏ لما نزل عمر رضي الله تعالى عنه بالبطحاء جمع كومة من بطحائهم بسط عليها رداءه ثم اضطجع ورفع يديه فقال‏:‏ اللهم كبرت سني ورق عظمي وضعفت قوتي وخشيت الإنتثار من رعشتي فاقبضني إليك غير حاجز ولا مضيع قال‏:‏ ثم قدم المدينة فما انسلخ الشهر حتى مات‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الصفار أبو علي قال حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي وحدثنا علي بن عاصم عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب الجهني عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ذهب صفو الدنيا فلم يبق إلا الكدر فالموت اليوم تحفة لكل مسلم‏.‏

حدثنا أبو سليمان قال حدثنا ابن هاشم قال حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ دخلت على أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو مريض فقال‏:‏ إن استطعت أن تموت فمت فوالله ليأتي على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال وأخبرنا الصفار قال سمعت عبد الله بن أيوب قال سمعت أبا بدر شجاع بن الوليد يقول قال طاوس‏:‏ لا تحرز دين المرء إلا حفرته‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إسماعيل بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثني ربيعة بن زهير قال قيل للثوري‏:‏ لم تتمنى الموت وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال سفيان‏:‏ لو سألني ربي عز وجل لقلت‏:‏ يا رب لثقتي بك وخوفي من الناس‏.‏

وقال‏:‏ لأني لو خالفت واحدا في رمانة فقلت حلوة وقال مزة لخفت أن يشاط دمي‏.‏

أنشدنا أبو سليمان قال أنشدني بعض أصحابنا لمنصور بن إسماعيل‏:‏

قَد قُلتَ إِذا مَدَحوا الحَياةَ فَأَكثَروا في المَوتِ أَلفَ فَضيلَةٍ لا تَعرِفِ مِنها أَمانُ لِقائِهِ بِلِقائِهِ بَغَضَني قُربُهُم حَياتي قال أبو سليمان قال الجاحظ‏:‏ قد ابدع العباس بن الأحنف في قوله - ولم يسبق إليه - يعني قوله‏:‏

يَبكي رِجالٌ عَلى الحَياةِ وَقَد ** أَفنى دُموعي شَوقي إِلى الأَجلِ

أَموتُ مِن قَبلِ أَن يُغيرَنَي الدَهرُ ** فَإِني مِنهُ عَلى وَجلِ

قال أبو سليمان قال ابن الأعرابي قال شيخ من الأعراب‏:‏ إني لمتيسر الموت لا بنين ولا بنات شيخ كبير ورب غفور‏.‏

قال أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الحسن بن عبد الرحيم قال حدثنا محمد بن الحسين اللخمي عن إبراهيم بن عبد الله بن خالد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج من عطاء أنه كان يستخف تفسير الغوغاء‏:‏ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني ابو رجاء الغنوي قال حدثنا أبي قال حدثنا عمر بن شيبة قال قال الأصمعي‏:‏ الغوغاء الجراد إذا ماج بعضه في بعض قال‏:‏ وبه سمى الغوغاء من الناس‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن الحسين بن عاصم قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا أحمد بن محمد الخوارزمي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عائشة عن أبي عاصم النبيل أن رجلا أتاه فقال‏:‏ إن امرأتي قالت لي يا غوغاء قال فقلت لها‏:‏ إن كنت غوغاء فأنت طالق ثلاثا‏.‏

فقال أبو عاصم‏:‏ هل أنت ممن يحضر المناطحة بالكباش والمناقرة بالديوك فقال‏:‏ لا‏.‏

فقال له‏:‏ فهل أنت الرجل يحضر يوم يعرض السلطان أهل السجون فيقول‏:‏ فلا أجدل من فلان فقال‏:‏ لا‏.‏

فقال‏:‏ هل أنت الرجل الذي إذا خرج الأمير يوم الجمعة جلست له على ظهر الطريق حتى يمر قم تقيم بمكانك حتى يصلي وينصرف فقال‏:‏ لا‏.‏

فقال له أبو عاصم‏:‏ لست بغوغاء إنما الغوغاء من يفعل هذا‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ الغوغاء أهل البدع‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك قال حدثنا عبد الملك البغوي قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال أخبرني خالد بن يزيد قال سمعت وهيب بن الورد يقول‏:‏ كان عمر بن عبدالعزيز كثيرا يتمثل بهذه الأبيات‏:‏

عَبوسٌ إلى الجُهالِ حِينَ يَراهُم ** فَلَيسَ لَهُ مِنهُم خَدينُ يُغازِلُهُ

وَأَزعَجَهُ عِلمٌ عَن الجَهلِ كُلَهُ ** وَما عالٍمٌ شيئا كَمن هو جاهِلُهُ

تَذَكَر ما يَبقى مِنَ العَيشِ آجِلاً ** وَأَشغَلُهُ عَن عاجِلِ العَيشِ آجِلُهُ

وقيل لبعض الحكماء‏:‏ إن العامة يثنون عليك فاظهر الوحشة من ذلك وقال‏:‏ لعلهم رأوا مني شيئا أعجبهم ولا خير في شيء يسرهم ويعجبهم‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني الحسن بن عبد الرحيم قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا ابن أخي الأصمعي قال حدثنا عمي عن حماد بن سلمة أو غيره من الفقهاء قال‏:‏ مدح رجل عليا رضي الله عنه في وجهه فقال وهو يتهمه‏:‏ أنا دون ما قلت وفوق ما في نفسك‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ فالواجب على العاقل أن لا يغتر بكلام العوام وثنائهم وأن لا يثق بعهودهم وإخائهم فإنهم يقبلون مع الطمع ويدبرون مع الغنى ويطيرون مع كل ناعق‏.‏

وكان الحسن رحمة الله عليه يقول إذا رآهم‏:‏ هؤلاء قتلة الأنبياء وكان بعضهم يقول إذا رآهم‏:‏ قاتلهم الله هذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر‏.‏

وكان آخر منهم يقول في العامة‏:‏ إنهم إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا وقال آخر‏:‏ إذا اجتمعوا أضروا وإذا تفرقوا نفعوا‏.‏

يريد أنهم إذا تفرقوا رجع كل واحد منهم إلى صناعته فيخرز الأكاف ويخصف الحذاء وينسج الحائك ويخيط الخياط فينتفع بهم الناس‏.‏

إسمَع فَهَذا الكَلامُ وَاللَهِ ما فيهِ عِلُهُ

أَقَلَ مِن كُلِ شَيءٍ مَِن ** لا يُرى الناسَ قِلُهِ

بَرُمَت بِالناسِ وَأخلاقُهُم ** فَصَرَت أَستأنِسُ بِالوِحدَةِ

ما أكثَرَ الناسِ لَعَمري ** وَما أَقلُهُم في مُنتَقى العِدَةِ

وأنشدني بعضهم‏:‏

ما أَكثَرَ الناسِ لا بَل ما ** أَقَلَهُم اللَهُ يَعلَمُ أَني لَم أَقُل فَنداً

إِنّي لأَفتَحُ عَيني حِينَ أَفتَحُها ** عَلى كَثيرٍ وَلَكِن لا أَرَى أَحَداً

قال أبو سليمان وأنشدني ابن مالك قال أنشدني الدغولي في سياسة العامة‏:‏

إِذا أَمِنَ الجُهالُ جَهلَكَ مَرَةً ** فَعَرضُكَ لِلجِهالِ غَنَمٌ مِنَ الغَنَمِ

وَإِن أَنتَ نازيتَ السَفيهَ إِذا نَزا ** فَأَنتَ سَفَيهٌ مِثلُهُ غَيرَ ذي حُلُمِ

وَلا تَتَعَرَض لِلسَفيهِ وَدارُهُ ** بِمَنزِلَةٍ بَينَ العَداوَةِ وَالسُلَمِ

فَيخشاكَ تاراتٌ وَيرجوكَ مَرَةً ** وَتأخُذ فيما بَينَ ذَلِكَ بِالحَزمِ

أخبرنا أبو سليمان قال حدثني محمد بن منصور قال حدثنا شاكر قال حدثنا يحيى بن أبي قال أبو سليمان‏:‏ أنشدني بعض أصحابنا عن المبرد محمد أبي العباس في نحو من هذا لأبي العتاهية‏.‏

صانَ عَبدٌ ما لَديهِ ** وَرَعَى ما في يَديهِ

وَإِذا هُم بِلينِ قَر ** نِ الحَزمِ إِليهِ

مَن يَلِنِ لِلناسِِ ** جِداً يَئِبُ الناسَ عَليهِ

أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ أخبرني محمد بن الحسين قال حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال قال الشافعي رحمه الله عليه‏:‏ أصل كل عداوة الصنيعة إلى الأنذال‏.‏

أخبرنا أبو سليمان‏:‏ قال أخبرني إسماعيل بن أسد قال حدثنا اسحاق بن إبراهيم قال سمعت الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ كتب كسرى إلى عماله‏:‏ عاملوا وجوه الناس بمحض المودة وعاملوا الرعية بالرغبة والرهبة وعاملوا السفل بالمخافة‏.‏

  باب في فساد الخاصة وما جاء في علماء السوء وذكر آفاتهم

أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ أخبرنا إبن الأعرابي قال حدثنا عباس الدوري قال حدثنا ابن بشر العبدي قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله عزوجل لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم‏ فضلوا وأضلوا).‏

قال أبو سليمان‏:‏ قد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آفة العلم ذهاب أهله وانتحال الجهال وترؤسهم على الناس باسمه وحذر الناس أن يقتدوا بمن كان من أهل هذه الصفة وأخبر أنهم ضلال مضلون وأنذر به صلى الله عليه وسلم في حديث آخر‏.‏

أخبرنا ابو سليمان قال حدثناه أحمد بن سليمان النجار قال حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال حدثنا خضر بن علي قال حدثنا نوح بن قيس عن أخيه خالد بن قيس عن قتادة عن أنس قال‏:‏ لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ (‏إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل‏)‏ قال أبو سليمان‏:‏ يريد - والله أعلم - ظهور الجهال المنتحلين للعلم المترئسين على الناس به قبل أن يتفقهوا في الدين ويرسخوا في علمه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا عبد الله بن محمد السعدي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القاسم بن سلام قال حدثنا ابن علية عن ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ تفقهوا قبل أن تسودوا يريد أن من لم يخدم العلم في صغره استحيى أن يخدمه في كبر السن وادراك السؤدد‏.‏

قال أبو سليمان وبلغني عن سفيان الثوري أنه قال‏:‏ من ترأس في حداثته كان أدني عقوبته أن يفوته حظ كبير من العلم‏.‏

وعن أبي حنيفة رحمة الله عليه أنه قال‏:‏ من طالب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي‏.‏

أنشدنا أبو سليمان قال أنشدني سهل بن إسماعيل قال أنشدنا منصور بن إسماعيل لنفسه‏:‏

الكًلبُ أَكرَمُ عَشرَةً ** وَهُوَ النِهايَةُ في الخَساسَةِ

مِمَن يُنازِعُ في الرَيا سَةِ ** قَبلَ أَوقاتِ الرَياسَةِ

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو عمر قال قلت للمبرد‏:‏ لم صار أبو العباس أحفظ منك للغريب والشعر - يعين أحمد بن محمد بن يزيد بن يحيى - قال‏:‏ لأني ترأست وأنا حدث وترأس وهو شيخ‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن مالك قال حدثنا الدغولي قال حدثنا محمد بن حاتم المظفري قال سمعت عمرو بن محمد الناقد يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول‏:‏ جلسان إلى عبيد الله بن عمر فأجطنا به فنظر غلينبا فقال‏:‏ شنتم العلم وذهبتم بنوره لو أدركني وإياكم عمر رضي الله عنه لأوجعنا ضربا‏.‏

قال المظفري‏:‏ وزادني غير عمرو‏:‏ ما أنا أهل لأن أحدث ولا أنتم أهل لأن تحدثوا‏.‏

وما مثلي ومثلكم إلا كما قال الأول‏:‏ افتضحوا فاصطلحوا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن رجل من المهاجرينب قال‏:‏ والذي نفسي بيده لقد وارت القبور أقواما لو رأوني معكم سخروا مني‏.‏

اخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن هاشم قال حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال ابن مسعود‏:‏ كيف بكم إذا لبستكم فتنى يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير وتتخد سنة فإن غيرت يوما قلت‏:‏ هذا المنكر‏.‏

قالوا‏:‏ ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن قال‏:‏ ذاك إذا قل أمناؤكم وكثر أمراؤكم وقل فقهاؤكم وكثر قراؤكم وتُفقه لغير الدين والتسمت الدنيا بعمل الآخرة‏.‏

وأخبرنا أبو سليمان قال أخبرني عبد الله بن محمد المكي قال حدثنا ابن الجنيد قال حدثنا عبد الوارث عن عبد الله بن المبارك قال حدثنا بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول‏:‏ قال الله تعالى ذكره فيما نعت يعيب به أحبار بني إسرائيل‏:‏ تتفقهون لغير الدين وتتعلمون لغير العمل وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة تلبسون مسوك الضأن وتخفون أنفس الذئاب وتتقون القذى في شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام‏.‏

تطولون الصلاة وتبيضون الثياب‏.‏

تغتصبون بذلك مال اليتيم والأرملة‏.‏

فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثني أحمد بن الحسين التيمي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مملك عن أبي بدر عباد بن الوليد الغبري قال حدثنا حيان بن هلال قال حدثنا عبد القاهر بن شعيب عن هشام بن حسان عن الحسن قال‏:‏ طلب هذا العلم ثلاثة أصناف من الناس فاعرفوهم بصفاتهم‏:‏ فصنف تعلموه للمراء والجهل وصنف تعلموه للاستطالة والختل وصنف تعلموه للتفقه والعقلز فصاحب المراء والجهل متعرض للقتال في أندية الرجال يذاكر العلم بخفة الحلم قد تسربل الجشع وتبرا من الورع فدق الله تعالى من هذا خيشومهن وقطع منه حيزومه وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على أشباهه من أمثاله فيختلهم بخلع جبينه فهو لحلوانهم هاضم ولدينه خاطر‏.‏

فأعمى الله عزوجل على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره وصاحب التفقه والعقل ذو كآبة وحزن قد تحنى في برنسهس وقام الليل في حندسه يعمل ويخشع ق أوكتاه يداه واعمدتاه رجلا فهو مقبل على شأنه عارف بأهل زمانه قد أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني عبد الله بن أحمد قال حدثنا ابن الجنيد قال حدثنا عبد الوارث عن ابن المبارك قال حدثنا رجل من أهل الشام عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ إن من فتنة العالم الفقيه أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع وأن وجد من يكفيه وفي الاستماع سلامة وزيادة في العلم وفي الكلام - إلا من عصم الله كومق وتزين زيادة ونقصان‏.‏

قال‏:‏ ومنهم من يرى أن بعض الناس لشرفه ووجه أحق بالكلام من غيره ويزدنري المساكين ولا يراهم من ذلك موضعا‏.‏

ومنهم من يخزن علمه ولا يحب أن يوجد إلا عنده‏.‏

ومنهم من يأخذ في علمه بأخذ السلطان حتى يغضب أن يرد عليه شيء من قوله أو يغفل عن شيء من حقه‏.‏

ومنهم من يصب نفسه للفتيا ولعله يؤتى بالأمر لا علم له به فيستحي أن يقول لا علم لي فيرجم فيكتب من المتكلفين‏.‏

ومنهم من يروي كل ما سمع حتى يروي كلام اليهود والنصارى أراد أن يغزر كلامه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا حمزة بن الحارث الدهقان قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثنا جعفر بن برقان قال حدثنا ميمون ابن مهران قال قال أبو هريرة‏:‏ ويل للذي لا يعلم ولو شاء الله تعالى لعلمه‏.‏

وويل للذي يعلم وهو لا يعمل به سبع مرات‏.‏

أخبرنا ابو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا محمد بن سعيد بن غالب قال حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال حدثنا مبارك بن سعيد قال سمعت سعيد بن مسروق يقول‏:‏ كان يقال ‏(‏ذهب العلم وبقيت بقية في أوعية سوء‏).‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا أبو رجاء الغنوي قال حدثني بعض أصحابنا عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد قال قال ابن جريج‏:‏ خرجت غلسا أريد ضيعة لي فإذا أنا برقعة تهفو بها الريح فلما أضاء لي الصبح نظرت فإذا فيها

هاك عِش موسِراً إِن شِئتَ أَو ** مُعسِرا لا بُدَّ في الدُنيا مِنَ الغَمِ

وَكُل ما زارَك مِن نِعمَةٍ ** زادَ الَّذي زادَك في الهَمِ

إِني رَأيتُ الناسَ في ** دَهرِنا لا يَطلُبونَ العِلمَ لِلعِلمِ

إِلا مُباهاةً لإخوانِهِم ** وَحُجَةً لِلخَصمِ وَالظُلمِ

قال أبو سليمان قال ابن جريج‏:‏ فلقد منعتني هذه الأبيات أشياء كثيرة‏.‏

أخبرنا ابن الأعرابي بقال حدثنا إبراهيم بن الوليد والجشاش قال حدثنا ابو بكر بن عياش عن الأعمش قال‏:‏ ما في الدنيا قوم شر من أصحاب الحديث‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ فانكرتها عليه حتى رأيت منهم ما علم‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني سهل بن إسماعيل قال‏:‏ كنا عند أبي خليفة فرأى من أصحاب الحديث بدعة سيئة فقال‏:‏ صدق عمر بن الحارث‏.‏

فقلنا‏:‏ وما قال ابن الحارث قال قال عمر بن الحارث‏:‏ ما علم أشرف ولا قوم أسحف من الحديث وأهله‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال وأخبرني سهل بن إسماعيل قال حدثنا أبو خليفة قال أخبرني أبو الوليد الطيالسي قال سمعت شعبة يقول‏:‏ إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إبراهيم بن فراس قال سمعت جعفرا السنوسي يقول سمعت أبا بكر الطائفي - وكان من أهل العلم - يقول سمعت رجلا في مجلس عب الواحد بن غياث يقول سمعت أبي‏:‏ حين قال شعبة هذا الكلام رأى من أصحاب الحديث صلى لجنبه - وقد فاتته ركعة - فلما سلم الإمام سلم وأخذ دفاتره ولم يصل الركعة التي فاتته‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن الحسين بن عاصم قال حدثنا محمو ابن محمد الرافقي قال حدثني محمد بن علي بن ميمون قال سمعت إسحاق بن ابي إسرائيل يقول‏:‏ ازدحم أصحاب الحديث على هشيم فطرحوه عن حماره فكان سبب موته‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري قال حدثنا محمد بن الرزبان قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مؤمل بن أهاب قال حدثني يحيى بن حسان قال‏:‏ كنا عند سفيان بن عيينة وهو يحدث فازدحمت فرقة من الناس على محمل شيخ ضعيف فانتهبوه ودقوا يد الشيخ فجعل الشيخ يصيح‏:‏ سفيانن لا جعلتك مم عملوا بي في حل وسفيان لا يسمع حتى نظر إلى رجل من أولئك الذين صنعوا بالشيخ ما صنعوا فقال له‏:‏ ما يقول الشيخ قال يقول‏:‏ زدنا في السماع‏.‏

  باب في آفات القراء

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثنا أحمد بن علي المروزي الأعرج قال حدثنا الفضل بن عبد الجبار قال حدثنا إبراهيم بن أسحاق الطالقاني قال حدثنا أبو جعفر البصري قال قال مالك بن دينار‏:‏ مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخا ونصب فيه برة فجاء عصفور فوقع قريبا منه فقال له‏:‏ ما غيبك في التراب فقال‏:‏ التواضع فقال‏:‏ مما انحنيت فقال‏:‏ من طول العبادة فقال‏:‏ ما هذه البرة المنصوبة فيك قال أعدتتها للصائمين‏.‏

قال‏:‏ نعم الجار أنت قال فلما أمسى وغابت الشمس دنا العصفور فأخذ البرة بخنقه الفخ قال العصفور‏:‏ إن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم‏.‏

حدثنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا الدوري قال حدثنا يحيى بن معين قال أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني بعض أصحابنا عن الخلادي قال أحمد بن القاسم الأزدي عن أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي قال حدثنا أحمد بن عاصم الأنطاكي قال كتب يوسف بن أسباط إلى بعض أصحابه‏:‏ اكتر لي منزلا ولا تكتر بين القراء فإني أتخوف أن أقول فيقولون لفاحة فإذا لم أجبهم إلى تلك ذهبوا فهيأوا بيتا وهيأوا فيه طنبورا وغلاما وخمورا ودعوني وأنا لا أدري ودعوا الناس فقالوا‏:‏ تعالوا انظروا ما مع يوسف‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو عمر الحيري قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال سمعت مالك دينار يقول‏:‏ أجيز شهادة القراء في كل شيء إلا بعضهم على بعض وجدتهم أشد تحاسدا من التيوس توثق الشاة فيرسل عليها التيس فيهب هذا ويهب هذا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا بن اسحاق الصنعاني قال حدثنا يحيى بن اليمان قال قال سفيان الثوري‏:‏ لأن أصحب فتى أحب إليَّ من أن اصحب قارئا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إسماعيل بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال‏:‏ زار عبد الله بن المبارك رجلا من أهل نيسابور - وكان ينسب إلى الزهد والتقشف - فلما دخل إليه لم يقبل عليه الرجل ولم يلتفت إليه فلما خرج من عنده أخبر بمكانه وأعلم أنه عبد الله بن المبارك فخرج إليه يعتذر ويتنصل وقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن اعذرني وعظني‏.‏

قال‏:‏ نعم إذا خرجت من منزلك فلا يقع بصرك على أحد إلا أريت أنه خير منك‏.‏

وذلك أنه ررآه معجبا بنفسه ثم سأل عنه فإذا هو حائك‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أحمد بن عبدوس قال حدثنا محمد بن عبد الأحد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي عن ابن يمان عن سفيان قال‏:‏ من لم يتفت لم يحسن يتقرى‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ إن من عادة الفتيان ومن أخذ بأخذهم بشاشة الوجه وسجاحة الخلف ولين العريكة ومن شيمة الأكثرين من القراء الكزازة وسوء الخلق فمن انتقل من الفتوة إلى القراءة كان جديرا أن يتباقى معه تلك الذوقة والهشاشة ومن تقرأ في صباه لم يخل من جفوة أو غلظة‏.‏

وقد يتوجه قول سفيان إلى وجه آخر وهو أنه إذا انتقل من الفتوة إلى القراءة كان معه الأسف على ما مضى والندم عن ما فرط منه فكان أقرب له إلى أن لا يعجب بعمل صالح يكون منهن وإذا كان عارفا بالشر كان أشد لحذره وأبعد من الوقوع فيه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني ابن الزيبقي قال حدثنا موسى بن زكريا التستري قال حدثنا نضر بن علي قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ كان يعجبهم أن يكون للشاب صبوة قال الأعمش‏:‏ يخاف ويحذر ويجتهد‏:‏ أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا أحمد بن زيد القزاز قال حدثنا حسين المروزي قال حدثنا ابن المبارك عن سفيان قال قال أبو حازم‏:‏ إن الرجل ليعمل السيئة إن عمل حسنة قد أنفع له منها وأنه ليعمل الحسنة إن عمل سيئة قط أضر عليه منها‏.‏

قال أبو سليمان قال ابن الأعرابي‏:‏ معناه أن يعمل الذنب فلا يزال منه مشفقا حذرا أن يعاوده فينفعه ذلك ويعمل الحسنة فيحتسب بها على ربه تعالى ويتكل عليها فتهلكه‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ إن فتنى من لا علم لهم من القراء فتنى عظيمة على الناس والمؤونة في معاشرتهم على الخاصة مؤونة غليظة وذلك أن جهلهم يحملهم على الإعجاب بأنفسهم وسيماهم والظاهر من شمائلهم يدعو الجهال من العامة إلى تعظيمهم والميل والتعصب لهم‏.‏

فمن رام من الخاصة إرشادهم وتعليمهم فقد تعرض لملامهم واستهدف لسهامهم فمداراتهم غصة وهجنة ومكاشفتهم شهرة وفتنى وشرهم طوائف من أصحاب العزلة والتبتل وأهل التصوف والتبطل فإنهم جهال لا يتعلمون ومردة لا ينقادون قد ملك الشيطان قيادهم فهم والعلم على تضاد وخلاف‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن الحسين الآبري قال أخبرنا الزبير بن عبد الواحد قال قال علي بن يحيى الوراق‏:‏ كان الشافعي رحمة الله عليه رجلا عطرا وكان يجيء غلامه كل غداة بغالي فيمسح بها الاسطوانة التي يجلس إليها وكان إلى جنبه إنسان من الصوفية وكان يسمى الشافعي البطال يقول‏:‏ هذا البطال وهذا البطال قال فلما كان ذات يوم عمد إلى شاربه فوضع فيه قذرا ثم جاء إلى حلقة الشافعي فلما شم الشافعي الرائحة أنكره وقال فتشوا نعالكم فقالوا‏:‏ ما نرى شيئا يا أبا عبد الله قال‏:‏ فليفتش بعضكم بعضا فوجدوا ذلك الرجل فقالوا‏:‏ يا أبا عبد الله هذا فقال له‏:‏ ما حملك على هذا قال‏:‏ رايت تجبرك فأردت أن أتواضع لله عز وجل قال‏:‏ خذوه فاذهبوا به إلى عبد الواحد - وكان على الشرطة - فقولوا له‏:‏ قال لك أبو عبد الله اعتقل هذا إلى وقت ننصرف‏.‏

قال فلما خرج الشافعي دخل إليه فدعا به فضربه ثلاثين درة أو أربعين درة قال‏:‏ هذا أنما تخطيت المسجد بالقذرة وصليت على غير الطهارة‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال وأخبرني الحسن بن محمد بن عبدويه قال أخبرني بعض أهل العلم قال‏:‏ كان يختلف معنا رجل إلى أبي ثور وكان ذا سمت وخشوع فكان أبو ثور إذا رآه جمع نفسه وضم أطرافه وقيد كلامه فغاب عن مجلسه مدة فتعرف خبره فلم يوقف له على أثر ثم عاد إلى المجلس بعد مدة طويلة وقد نحل جسمه وشحب لونه وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها فما كاد يتبينه أبو ثور ثم تأمله فقال له‏:‏ لست صاحبنا الذي كنت تأتينا قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما الذي قطعك عنا فقال‏:‏ قد رزقني الله سبحانه الإنابة إليه وحبب إليَّ الخلوة وأنست بالوحدة واشتغلت بالعبادة‏.‏

قال له‏:‏ فما بال عينك هذه قال‏:‏ نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة وبلاء قد ذمها الله تعالى إلينا وعابها وذم ما فيها فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها ورايتني وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا فغمضت واحدة وتركت الأخرى‏.‏

فقال له أبو هور‏:‏ ومنذ كم هذه الشمعة على عينيك قال‏:‏ منذ شهرين أو نحوهما‏.‏

قال أبو ثور‏:‏ يا هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين وطهارة شهرين‏.‏

انظروا إلى هذا البائس قد خدعه الشيطان فاختلسه من بين أهل العلم‏.‏

ثم وكل به من يحظفه ويتعهده ويلقنه العلم‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء وهي من أضر شيء على الجهال وقد روينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة‏:‏ تفقه ثم اعتزل‏.‏

  باب في فساد الأئمة وما جاء في الاقلال من صحبة السلاطين

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن هاشم قال حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خئيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد لله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة‏:‏ (‏أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء‏.‏ قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم بكذبهم ولم ينعهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي‏. يا كعب بن عجرة لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت أبدا النار أولى به‏.‏ يا كعب بن عجرة الناس غاديان‏:‏ فمبتاع نفسه فمعتقها أو بائعها فموبقها)‏‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا ابن الأعرابي والصفار قالا حدثنا الدقيقي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا إسرائيل عن محمد بن جحادة عن عطية عن أبي سعيد الخذري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)‏ قال أبو سليمان إنما كان هذا أفل الجهاد لأن من جاهد العدو كان على أمل من الظفر بعدوه ولا يتيقن العجز عنه لأنه لا يعلم يقينا أنه مغلوبن وهذا يعلم أن يد سلطانه أقو من يده فصارت المثوبة فيه على قدر عظيم المؤونة‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ ليت شعري من الذي يدخل إليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ومن الذي ينصح ومن الذي ينتصح منهم إن أسلم لك يا أخي في هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغني عنهم قال أخبرنا أبو سليمانن قال أخبرني محمد بن هاشم قال حدثني الدبري عن عبد الرزاق عن عمر عن قتادة أن ابن مسعود قال‏:‏ إن على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل والذي نفسي بيده لا تصيبون من دنياهم شيئا إلا أصابهم من دينكم مثله قال أبو سليمان قال عبد الرزاق‏:‏ وأخبرني معمر عمن سمع الحسن يقول‏:‏ لا تجيئن أميرا وإن دعاك لتقرأ عنده سورة من القرآنن فإنك لا تخرج من عنده إلا شرا مما دخلت‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن سعدويه قال حدثنا ابن الجنيد قال حدثنا عبد الله بن حنيق قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله قال قال سفيان‏:‏ إذا أردت أن تنجو فاجتنب ثلاثا‏:‏ لا تدخلن على سلطان ولا تدخل في وصية ولا تحج عن ميت‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو محمد الكراني قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا المنقري قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا محمد بن حرب الزيادي قال حدثني أبي قال قال زياد لجلسائه‏:‏ من أغبط الناس عيشا قالوا‏:‏ الأمير وجلساؤه‏.‏

فقال‏:‏ ما صنعتم شيئا إن لأعواد المنبر هيبة‏.‏

وإن لقرع لجام البريد لفزعة ولكن أغبد الناس عندي رجل له دار لا يجري عليه كراها وزوجة صالحة قد رضيته ورضيها فهما راضيان بعيشهما لا يعرفان ولانعرفه لأنه إن عرفنا وعرفناه أتعبنا ليله ونهاره وأذهبنا دينه ودنياه‏.‏

وأنشدنا أبو سليمان قال أنشدنا محمد ابن

تَلومُ عَلى تَركِ الغِنى باهِلِيَةً ** زَوى الدَهرُ عَنها كُلُ طَرَفٍ وَتالِدِ

تَرى حَولها النِسوانَ يَرفَلنَ في ** الكَسا مُقَلِدَةً أَجيادَها بِالقَلائِدِ

وَأَفضلُ عَيشٍ في الشِتاءِ تَنالُهُ ** هَبيدَ يُنادي أَصلُهُ بِالثرائِدِ

يَسُرُكَ أَنّى نِلتَ ما نالَ جَعفَرُ ** مِنَ المُلكِ أَو ما نالَ يَحيى بِن خالِدِ

وَأَنّ أَميرَ المُؤمِنينَ أَغَصَني ** مَغَصَهُما بِالمٌُرهَفاتِ البَوارِدِ

دَعيني تَجئني مَيتَتي مُطمَئِنَةً ** وَلَم أَتَجَشَم هَول تِلكَ المَوارِدِ

فَإِنّ جُسيماتِ الأُمورِ مَشوبَةٌ ** بِمَستَودَعاتٍِ في رؤوسِ الأساوِدِ

قال وأنشدنا لعبد الله بن طاهر‏:‏

كَيفَ عَيشُ امرىءٍ لَهُ ** كُلَ يَومٍ عِلمٌ دَونَ بَلدَةٍ مَنشورُ

وَإذا الريحُ حَرَكَت صَوتَ طَبلٍ ** مِن بَعيدٍ فَقَلَبَهُ مَذعورُ

يا غَنياً عَن العَساكِرِ وَالبَعثُ ** هَنيئاً لَكَ المَقيلُ الوَثيرُ

مَن لَهُ كَسرَةٌ يَعيشُ عِنِ النا ** سِ غَنياً بِها فَذاكَ الأَميرُ

فَلَستُ بِسائِلٍ ما دُمتُ حَياً ** أُسارُ الجُندَ أَم رَكبُ الأَميرِ

قال وأنشدني آخر‏:‏

ضَنّ الأَميرُ بِإذنِهِ ** فَقَعَدتُ في بيتي أَميراً

وَتَركتُ إِمرَتَهُ لَهُ ** وَاللَهِ مَحمودُ كَثيرا

أخبرنا أبو سليمان قال وأنشدني إسماعيل بن أسد قال أنشدني محمد بن شعبة‏:‏

بابُ الأَميرُ عَراءُ ما بِهِ أَحدُ ** إِلا اِمرؤٌ واضِعٌ كَفاً عَلى ذَقنِ

كَفيتُكَ الأَمرَ لا تُلقي أَخا أَملِ ** بِبابٍ دارَك يَستَعدي عَلى الزَمنِ

إِنّ الرَجاء الَّذي قَد كُنتُ آَمُلُهُ ** جَعلتُهُ وَرجاءَ الناسِ في كَفَنِ

قال وروى لذي النون المصري‏:‏

مَلَكتُ نَفسي وَذاكَ مَلَكُ ** ما مَثلُهُ لِلملوكِ مَلَكُ

فَصِرتُ حُراً بِمُلكٍ نَفسي ** فَما لَخُلقٍ عَلَيَّ مَلكُ

قال أنشدني محمد بن العباس المؤدب قال أنشدني الحدادي في الإقلال من صحبة السلطان‏:‏

إِنّ المُلوكَ بَلاءٌ حَيثُ ما حَلوا ** فَلا يَكن لَكَ في أكنافِهِم ظِلُ

فاستَغنِ بِاللَهِ عَن أَبوابِهِم كَرَماً ** إِنّ الوُقوفَ عَلى أَبوابِهِم ذُلُ

قال أبو سليمان‏:‏ وكان العتابي لا يقرب السلطان ولا يستميحه فقيل له‏:‏ هذا محمد الأمين يهب ما بين العشرة الآلاف والمائة ألف وأنت ربما تحتاج إلى عشرة دراهم فكيف لا تقصده فقال‏:‏ لأني رأيته يهب العشرة الآلاف من غير سبب ويردي الرجل من السور من غير سبب فلست أدري أي الرجليني أكون عنده وليس الذي أغرر به كالذي آمله منه‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ بعث بعض العمال إلى أبي عمر صاحب أبي العباس رسولا يقول له‏:‏ أخبرني بمقدار ما يمر لك في النفقة في سنة حتى أجريه لك فقال للرسول‏:‏ قل له عافاك الله أنا في جراية من إذا سخط عليَّ لم يسقط جرايتي‏.‏

قال أبو سليمان قال بعض الحكماء‏:‏ إن الذي يحدث للسلطان التيه في أنفسهم والإعجاب بآرائهم كثرة ما يسمعونه من ثناء الناس عليهم‏.‏

ولو أنهم أنصفوهم فصدقوهم عن أنفسهم لأبصروا الحق ولم يخف عليهم شيء من أمورهم‏.‏

قال بعض الحكماء‏:‏ خير السلطان زيادة في الحال وشره هلاك واستئصال‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو رجاء الغنوي قال حدثنا أبي عن ابن عائشة قال سمعت أبي يقول‏:‏ قيل ليحيى بن الحكم عمر بن عبد العزيز مولده مولده ومنشؤه منشؤه جاء كما رأيت‏.‏

يعني في الكمال‏.‏

قال‏:‏ إن أباه كان أرسله إلى الحجاز شابا سوقة يغضب الناس ويغضبونه ويمخض الناس ويمخضونه‏.‏

والله لقد ولي الحجاج وما عد لي أحسن أدبا منه فطالبت ولايته فكان لا يسمع إلا ما يحب فمات وأنه لأحمق سيء الأدب‏.‏

أخبرنا أبو سليمان‏:‏ أخبرنا ابن الزيبقي قال حدثنا الفضل بن عمرو قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثني عبد الله بن بكر السهمي قال سمعت بعض أصحابنا قالوا‏:‏ أرسل عمر بن هبيرة - وهو على العراق - إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة وكان ممن أتاه من أهل البصرة الحسن ومن أهل الكوفة الشعبي فدخلوا عليه فقال لهم‏:‏ إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إليَّ في أمور أعمل بها فما تريان قال فقال الشعبي‏:‏ أصلح الله الأمير أنت مأمور والتبعة على من أمرك فأقبل على الحسن فقال‏:‏ ما تقول قد قال هذا قل أنت‏.‏

قال‏:‏ إتق الله يا عمر فكأنك بملك قد أتاك فاستنزلك عن سريرك هذا وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك إن الله تعالى ينجيك من يزيد وإن يزيد لا ينجيك من الله سبحانه فإياك أن تعرض لله تعالى بالمعاصي فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

ثم قام فتبعه الآذن فقال‏:‏ أيها الشيخ ما حملك على ما استقبلت به الأمير قال‏:‏ حملني عليه ما أخذ الله تعالى على العلماء في علمهم‏.‏

ثم تلا (‏وَإِذ أَخَذ اللَهُ ميثاقَ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ لَتُبينَنَهُ لِلناسِ وَلا تَكتُمونَهُ فَنَبَذوهُ وَراءَ ظُهورِهِم‏) قال‏:‏ قال أبو سليمان‏:‏ فمن له اليوم بمثل الحسن رحمة الله عليه وإخلاص نصيحته وبليغ موعظته ولو صلحت منا الضمائر وصفت السرائر لوقعت النصيحة موقعها والله يصلحنا ويصلح أئمتنا فإن فسادهم بذنوبنا‏.‏

قال أنشدني بعض أهل العلم‏:‏ بِذُنوبِنا دامَت بَليَتُنا وَاللَهُ يَكشِفُها إِذا تَبَنا باب في لزوم القصد في حالتي العزلة والخلطة قد انتهى منا الكلام في أمر العزلة إلى حيث شرطنا أن نبلغه وأوردنا فيها من الأخبار ما خفنا أن نكون قد حسنا معه الجفاء من حيث أردنا الاحتراز منه وليس إلى هذا أجرينا ولا إياه أردنا فإن الإغراق في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها والحسنة بين السيئتين‏.‏

وقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاغراق في عبادة الخالق عز وعلا والحمل على النفس منها ما يؤودها ويكلها فما ظنك بما دونها من باب التخلق والتكلف‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني ابن الأعرابي قال حدثنا ابن أبي ميسرة قال حدثنا خلاد بن يحيى قال حدثنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عباد الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى‏)‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال‏:‏ أخبرني إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري قال حدثنا ابن أبي قماش عن ابن عائشة قال‏:‏ ما أمر الله تعالى عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان‏:‏ فإما إلى غلو وإما إلى تقصير فبأيهما ظفر قنع‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني إبراهيم بن محمد بن يحيى قال حدثني بعض شيوخنا قال قال علي بن غنام‏:‏ كلا طرفي القصد مذموم‏.‏

وأنشدنا أبو سليمان‏:‏

تَسامَح وَلا تَستوفِ حَقَكًَ كُلَهُ ** وَابقِ فَلَم يَستوفِ قَط كَريمُ

وَلا تَغُل في شيَءٍ مِنَ الأَمرِ وَاقتَصِد ** كِلا طَرفي قَصدَ الأُمورِ ذَميمُ

قال أبو سليمان‏:‏ والطريقة المثلى في هذا الباب أن لا تمتنع من حق يلزمك للناس وإن لم يطالبوك به وأن لا تنهمك لهم في باطل لا يجب عليك وإن دعوك إليه فإن من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه ومن انحل في الباطل جمد عن الحق فكن مع الناس في الخيرن وكن بمعز عنهم في الشر وتوخ أن تكون فيهم شاهدا كغائب وعالما كجاهل‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني العنبري قال حدثنا ابن أبي قماش قال حدثنا ابن عائشة عن ابن المبارك عن وهيب بن الورد قال‏:‏ قلت لوهب بن منبه‏:‏ إني أريد أن أعتزل الناس فقال لي‏:‏ لا بد لك من الناس وللناس منك إليهم حوائج ولكن كن فيهم أصم سميعا أعمى بصيرا سكوتا نطوقا‏:‏ أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن إبراهيم المكتب قال حدثنا شاكر قال حدثنا جعفر بن سنيد عن أبيه قال قال أكثم بن صيفي‏:‏ الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ومعرفتهم مكسبة لقرين السوء‏:‏ فكن للناس بين المنقبض والمقارب‏.‏

فإن خير الأمور أوساطها‏.‏

وأنشد أبو زيد في هذا المعنى‏:‏

إِذا ما عَمَمتَ الناسَ بِالأُنسِ لِم تَزَل ** لِصاحِبِ سَوءٍ مُستَفيداً وَكاسِبا

وإن تقصهم يرموك عن سهم بغضة ** فكن خلطا إن شئت أو كن مجانبا

فَلا تَدنونَ مِنهُم وَلا تَقصينَهُم ** وَلَكِن أَمراً بَينَ ذاكَ مُقارِبا

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا ابن الأعرابي قال حدثنا داود بن أيوب بن سليمان الأبلي قال حدثنا أبي قال حدثنا بكر بن صدقة قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال له‏:‏ لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا محمد بن هاشم قال حدثنا الدبري عن عبد الرزاق قال أخبرنا بشر بن رافع قال أخبرني شيخ من أهل صنعاء يقال له ابو عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول‏:‏ إني وجدت في حكمة آل داود‏:‏ حق على العالم أن لا يشغل عن أربع ساعات‏:‏ ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يحل ويجمل‏.‏

فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات واستجمام للقلوب وفضل وبلغة‏.‏

وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه ممسكا للسانه مقبلا على شأنه‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني محمد بن منصور قال حدثنا محمد بن المنذر ابن سعيد قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين القرشي قال حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه قال قال عبد الله بن مسعود‏:‏ خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه‏.‏

قال أبو سليمان يريد خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وليس هذا من باب النفاق ولكنه من باب المداراة‏.‏

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏مداراة الناس صدقه)‏‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرني أبو محمد الكراني قال حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال حدثنا موسى بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عيسى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب قال قال صعصعة بن صوحان لإبن أخيه‏:‏ كنت أحب إلى أبيك منك وأنت أخبرنا أبو سليمان قال حدثنا الخلدي قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا حزم القطعي قال سمعت الحسن يقول‏:‏ يقولون المداراة نصف العقل وأنا أقول هو العقل كله‏.‏

أخبرنا أبو سليمان قال أخبرنا الصفار قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال‏:‏ ليس بالحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجا أو قال مخرجا‏.‏

قال أبو سليمان أنشدني بعض أهل الأدب قال أنشدني المتنبي‏:‏

وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِ أَن يَرى ** عَدواً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُد

انتهى الكلام في العزلة‏.‏

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‏.‏

كتبه علي بن محمد المؤذن بن عثمان المؤذن النيسابوري غفر الله له ولوالديه ولقارئه آمين‏.‏