فصل: باب في الرقائق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  باب في الرقائق

قد جبل أكثر الناس على سوء الاختيار وقلة التحصيل والنظر مع لؤم الغرائز وضعف الهمم فقل من يختار من الصنائع أرفعها ويطلب من العلوم أنفعها ولذلك كان أثقل الأشياء عليهم وأبغضها إليهم مؤنة التحفظ وأخفها عندهم وأمهلها عليهم إسقاط المروءة‏.‏

وقيل لبعضهم‏:‏ ما أحلى الأشياء كلها قال‏:‏ الارتكاس وقيل لعبد الله ابن جعفر‏:‏ ما أطيب العيش قال‏:‏ هتك الحياء واتباع الهوى‏.‏

وقيل لعمرو بن العاص‏:‏ ما أطيب العيش قال‏:‏ ليقم من هنا من الأحداث‏.‏

قال‏:‏ فلما قاموا‏.‏

قال‏:‏ العيش كله إسقاط المروءة وأي شيء أثقل على النفس من مجاهدة الهوى ومكابدة الشهوة‏.‏

ومن ذلك كان سوء الاختيار أغلب على طبائع الناس من حسن الاختيار‏.‏

ألا ترى أن محمد بن يزيد النحوي على علمه باللغة ومعرفته باللسان وضع كتاباً سماه بالروضة وقصد فيه إلى أخبار المحدثين فلم يختر لكل شاعر إلا أبرد ما وجد له حتى انتهى إلى الحسن بن هانئ وقلما يأتي له بيت ضعيف لرقة فطنته وسبوطة بنيته وعذوبة ألفاظه فاستخرج له من البرد أبياتاً ما سمعناها ولا رويناها ولا ندري من اين وقع عليها وهي‏:‏ تعشقها قلبي فبغض عشقها إلي من الأشياء كل نفيس وأين هذا الاختيار من اختيار عمرو بن بحر الجاحظ حين اجتلب ذكره في كتاب الموالي فقال‏:‏ ومن الموالي الحسن بن هانئ وهو من أقدر الناس على الشعر وأطبعهم فيه‏.‏

ومن قوله‏:‏ فجاء بها صفراء بكراً يزفها إلي عروساً ذات دل معشق فلما جلتها الكأس أبدت لناظري محاسن ليتٍ بالجمان مطوق ومن قوله‏:‏ ساع بكاس إلى ناس على طرب كلاهما عجب في منظر عجب قامت تريك وشمل الليل مجتمع صبحا تولد بين الماء والعنب كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أرض من الذهب وجل أشعاره الخمريات بديعة لا نظير لها فخطر به اكلها وتخطاها إلى التي جانسته في برده فما أحسبه لحقه هذا الاسم أعني المبرد إلا لبرده‏.‏

وقد تخير لأبي العتاهية أشعاراً تقتل من بردها وشنفها وقرظها بكلامه فقال‏:‏ ومن شعر أبي العتاهية المستظرف عند الظرفاء المخير عند الخلفاء قوله‏:‏ يا قرة العين كيف أمسيت أعزز علينا بما تشكيت آه من وجدي وكربي آه من لوعة حبي ما أشد الحب يا سبحانك اللهم ربي ونظير هذا من سوء الاختيار ما تخيره أهل الحذق بالغناء والصانعون للألحان من الشعر القديم والحديث فإنهم تركوا منه الذي هو أرق من الماء وأصفى من رقة الهواء وكل مدني رقيق قد غذي بماء العقيق وغنوا بقول الشاعر‏:‏ فلا أنسى حياتي ما عبدت الله لي ربا وقلت لها أنيليني فقالت أفرق الدبا ولو تعلم ما بي لم تهب دبًا ولا كلبا وأقل ما كان يجب في هذا الشعر أن يضرب قائله خمسمائة سوط وصانعه أربعمائة والغنى به ثلثمائة والمصغي إليه مائتين‏.‏

ومثله‏:‏ كأنما الشمس إذا ما بدت تلك التي قلبي لها يضرب تلك سليمى إذا ما بدت وما أنا في ودها أرغب كأن في النفس لها ساحراً ذاك الذي علمه المذهب يعني بالمذهب الجني‏.‏

ومثله‏:‏ خبراني أين حلت مناي يا عباد الله لا تكتماني إنما حلت بواد خصيب ينبت الورس مع الزعفران أحلف بالله لو وجداني غرقا في البحر ما أنقذاني ومثله‏:‏ أبصرت سلمى من منى يوماً فراجعت الصبا يا درة البحر متى تشهد سوقاً تشتري ومثله‏:‏ يا معشر الناس هذا أمرٌ وربي شديد لا تعنفى يا فلانه فإنى لا أريد ومثله‏:‏ أرقت فأمسيت لا أرقد وقد شفنى البيض والخود فصرت لظبي بني هاشم كأني مكتحل أرمد أقلب أمري لدى فكرتي وأهبط طوراً فما أصعد ما أرجى من حبيبٍ ضن عني بالمداد لو بكفيه سحاب ما ارتوت منه بلادي أنا في واد ويمسى هو لي في غير واد ليته إذ لم يجد لي بالهوى رد فؤادي ومثله‏:‏ ما لسلمى تجنبت ما لها اليوم مالها إن تكن قد تغضبت أصلح الله حالها

  باب من رقائق الغناء

قال الزبير بن بكار‏:‏ سألت إسحاق هل تغني من شعر الراعي شيئاً قال‏:‏ وأين أنت من قوله‏:‏ فلم أر مظلوماً على حال عزة أقل انتصاراً باللسان وباليد سوى ناظرٍ ساجٍ بعين مريضة جرت عبرة منها ففاضت بإثمد ومن شعر ابن الدمينة وهو عبيد الله بن عبد الله والدمينة أمه وهو من أرق شعراء المدينة بعد كثير عزة وقيس بن الخطيم‏:‏ ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل له بهتة حتى يقال مريب جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى وفاضت له من مقلتي غروب وما ذاك إلا أن تيقنت أنه يمر بوادٍ أنت منه قريب يكون أجاجاً قبلكم فإذا انتهى إليكم تلقى طيبكم فيطيب أيا ساكني شرقي دجلة كلكم إلى القلب من أجل الحبيب حبيب ومن قول يزيد بن الطثرية وغنى به ابن صياد المغني وغيره‏:‏ بنفسي من لو مر برد بنابه على كبدي كانت شفاءً أنامله ومن هابني في كل شيء وهبته فلا هو يعطيني ولا أنا سائله ومما يغنى به قول جرير‏:‏ أتذكر إذ تودعنا سليمى بعود بشامة سقي البشام بنفسي من تجنبه عزيزٌ علي ومن زيارته لمام ومن أمسى وأصبح لا أراه ويطرقني إذا هجع النيام متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام وما أوحش الناس في عيني وأقبحهم إذا نظرت فلم أبصرك في الناس ومما يغني به معبد ذي الرمة‏.‏

وهو من أرق شعر يغنى به قوله‏:‏ لئن كانت الدنيا علي كما أرى تباريح من ذكراك فالموت أروح وأكثر ما كان يغني معبد بشعر الأحوص ومن جيد ما غنى به له قوله‏:‏ كأني من تذكر أم حفص وحبل وصالها خلق رمام صريع مدامة غلبت عليه تموت لها المفاصل والعظام سلام الله يا مطرٌ عليها وليس عليك يا مطر السلام فإن يكن النكاح أحل شيئاً فإن نكاحها مطراً حرام ومن شعر المتوكل بن عبد الله بن نهشل وكان كوفيا في عصر معاوية وهو القائل‏:‏ لا تنه عن خلق وتأتي مثله قفي قبل التفرق يا أماما وردي قبل بينكم السلاما ترجيها وقد شطت نواها ومنتك المنى عاماً فعاما فلا وأبيك لا أنساك حتى تجاوب هامتي في القبر هاما ولقد أصبت من المعيشة لذةً ولقيت من شظف الخطوب شدادها وعلمت حتى ما أسائل عالماً عن حرف واحدة لكي أزدادها

  كتاب المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن

كتاب المرجانة الثانية قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه رحمه الله‏:‏ قد مضى في قولنا فيالغناء واختلاف الناس فيه ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في النساء وصفاتهن وما يحمد ويذم من عشرتهن إذ كان العيش كله مقصوراً على الحليلة الصالحة والزوجة الموافقة والبلاء كله موكلاً بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى كريم عشرتها ولا تقر العين برؤيتها‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ حدثني ابن أبي الزناد عن عروة بن الزبير قال‏:‏ ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق ولا وضع أحدٌ نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء‏.‏

ثم قال‏:‏ لعن الله فلانة ألفت بني فلان بيضا طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً‏.‏

وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام‏:‏ المرأة العاقلة تبني بيتها والسفيهة تهدمه‏.‏

وقال‏:‏ الجمال كاذب والحسن مختلف وإنما تستحق المدح المرأة الموافقة‏.‏

مكحول عن عطية بن بشر عن عكاف بن وداعة الهلالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ يا عكاف ألك امرأة قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من وقالت عائشة‏:‏ النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان ‏"‏ يعني أسيرات‏.‏

قولهم في المناكح خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب حكيم العرب ابنته عمرة وهي أم عامر بن صعصعة فقال‏:‏ يا صعصعة إنك أتيتني تشتري مني كبدي فارحم ولدي قبلتك أو رددتك‏.‏

والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب‏.‏

وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك أفر من السر إلى العلانية‏.‏

يا معشر عدوان خرجت من بين أظهركم كريمتكم من غير رغبة ولا رهبة أقسم لولا قسم الحظوظ على الجدود ما ترك الأول للآخر ما يعيش به‏.‏

العباس بن خالد السهمي قال‏:‏ خطب عمرو بن حجر إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس فقال‏:‏ نعم أزوجها على أن أسمي بنيها وأزوج بناتها‏.‏

فقال عمرو بن حجر‏:‏ أما بنونا فنسميهم بأسمائنا وأسماء آبائنا وعمومتنا وأما بناتنا فينكحهن أكفاؤهن من الملوك ولكني أصدقها عقاراً في كندة وأمنحها حاجات قومها لا ترد لأحد منهم حاجة‏.‏

فقبل ذلك منه أبوها وأنكحه إياها‏.‏

فلما كان بناؤه بها خلت بها أمها فقالت‏:‏ أي بنية إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي فيه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أمة يكن لك عبدا واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخرا‏.‏

أما الأولى والثانية‏:‏ فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة‏.‏

وأما الثالثة والرابعة‏:‏ فالتفقد لموضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا الطيب ريح‏.‏

وأما الخامسة والسادسة‏:‏ فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة‏.‏

وأما السابعة والثامنة‏:‏ فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعاليه وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير‏.‏

وأما التاسعة والعاشرة‏:‏ فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سراً فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره‏.‏

ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتماً والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً‏.‏

فولدت له الحارث بن عمرو جد امرئ القيس الشاعر‏.‏

الشيباني قال‏:‏ حدثنا بعض أصحابنا أن زرارة بن عدس نظر إلى ابنه لقيط فقال‏:‏ ما لي أراك مختالاً كأنك جئتني بابنة ذي الجدين أو مائة من هجائن النعمان فقال‏:‏ والله لا يمس رأسي دهن حتى آتيك بهما أو ابلي عذراً‏.‏

فانطلق حتى أتى ذا الجدين وهو قيس بن مسعود الشيباني فوجده جالساً في نادي قومه شيبان فخطب إليه بنته علانية فقال له‏:‏ هلا ناجيتني قال‏:‏ علمتي أني إن ناجيتك لم أخدعك وإن عالنتك لم أفضحك قال‏:‏ ومن أنت قال‏:‏ لقيط بن زرارة‏.‏

قال‏:‏ لا جرم ولا تبيتن فينا عزبا ولا محروما‏.‏

فزوجه وساق عنه المهر وينى بها من ليلته تلك‏.‏

ثم خرج إلى النعمان فجاء بمائتين من هجائنه وأقبل إلى أبيه وقد وفى نذره‏.‏

فبعث إليه قيس بن مسعود بابنته مع ولده بسطام بن قيس فخرج لقيط يتلقاها في الطريق ومعه ابن عم له يقال له قراد فقال لقيط‏:‏ هاجت عليك ديار الحي أشجانا واستقبلوا من نوى الجيران قربانا تامت فؤادك لم تقض التي وعدت إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا فانظر قراد وهل في نظرة جزع عرض الشقائق هل بينت أظعانا فيهن جارية نضح العبير بها تكسى ترائبها دراً ومرجانا كيف اهتديت ولا نجم ولا علم وكنت عندي نؤوم الليل وسنانا ولما رحل بها بسطام بن قيس قالت‏:‏ مروا بي على أبي أودعه فلما ودعته قال لها‏:‏ يا بنية كوني له أمةً يكن لك عبداً وليكن أطيب طيبك الماء ثم لا أذكرت ولا أيسرت فإنك تلدين الأعداء وتقربين البعداء إن زوجك فارس من فرسان مضر فإذا كان ذلك فلا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً‏.‏

فلما قتل لقيط تحملت إلى أهلها ثم مالت إلى مجلس عبد الله بن دارم فقالت‏:‏ نعم الأحماء كنتم يا بني دارم وأنا أوصيكم بالقرائب خيراً فلم أر مثل لقيط‏.‏

ثم لحقت بقومها‏.‏

فتزوجها ابن عم لها فكانت لا تسلو عن ذكر لقيط فقال لها زوجها‏:‏ أي يوم رأيت فيه لقيطاً أحسن في عينك قالت‏:‏ خرج يوماً يصطاد فطرد البقر فصرع منها ثم أتاني مختضباً بالدماء فضمني ضمة ولثمني لثمة فليتني مت ثمة‏.‏

فخرج زوجها ففعل مثل ذلك ثم أتاها فضمها ولثمها ثم قال لها‏:‏ من أحسن أنا أم لقيط عندك قالت‏:‏ مرعى ولا كالسعدان‏.‏

أبو الفضل‏:‏ عن بعض رجاله قال‏:‏ قدم قيس بن زهير بعدما قتل أهل الهباءة على النمر بن قاسط فقال‏:‏ يا معشر النمر نزعت إليكم غريباً حزيناً فانظروا لي امرأة أتزوجها قد أذلها الفقر وأدبها الغنى لها حسب وجمال‏.‏

فزوجوه على هيئة ما طلب‏.‏

فقال‏:‏ إني لا أقيم فيكم حتى أعلمكم أخلاقي‏:‏ إني غيور فخور ضجور ولكني لا أغار حتى أرى ولا أفخر حتى أفعل ولا آنف حتى أظلم‏.‏

فأقام فيهم حتى ولد له غلام سماه خليفة ثم بدا له أن يرتحل عنهم فجمعهم ثم قال‏:‏ يا معشر النمر إن لكم علي حقاً وأنا أريد أن أوصيكم فآمركم بخصال وأنهاكما عن خصال‏:‏ بالإبل فإن بها تنال الفرصة وسودوا من لا تعابون بسؤدده وعليكم بالوفاء فإن به عيش الناس وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة ومنع ما تريدون منعه قبل القسم وإجارة الجائر على الدهر وتنفيس المنازل‏.‏

وأنهاكم عن الرهان فإن بها ثكلت مالكا وأنهاكم عن البغي فإنه صرع زهيراً وعن السرف في الدماء فإن يوم الهباءة أورثني الذل ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق ولا تردوا الأكفاء عن النساء فتحوجوهن إلى البلاء فإن لم تجدوا الأكفاء فخير أزواجهن القبور‏.‏

واعلموا أني أصبحت ظالماً مظلوماً ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكاً وظلمت بقتلي من لا ذنب له‏.‏

كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش وكان قد تزوج هند بنت عتبة وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن فقام يوماً في ذلك البيت وهند معه ثم خرج عنها وتركها نائمة فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها‏.‏

فاستقبله الفاكه بن المغيرة فدخل على هند وأنبهها وقال‏:‏ من هذا الخارج من عندك قالت‏:‏ والله ما انتبهت حتى أنبهتني وما رأيت أحداً قط‏.‏

قال‏:‏ الحقي بأبيك‏.‏

وخاض الناس في أمرهم‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ يا بنية‏:‏ أنبئيني شأنك فإن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن‏:‏ قالت‏:‏ والله يا أبت إنه لكاذب‏.‏

فخرج عتبة فقال‏:‏ إنك رميت ابنتي بشيء عظيم فإما أن تبين ما قلت وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن‏.‏

قال‏:‏ ذلك لك‏.‏

فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش ونسوة من بني مخزوم وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند وكسف بالها‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ أي بنية ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا قالت‏:‏ يا أبت والله ما ذلك لمكروه قبلي ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ صدقت ولكني سأخبره لك‏.‏

فصفر بفرسه فلما أدلى عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله ثم أوكى عليها وسار‏.‏

فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم‏.‏

فقال له عتبة‏:‏ إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية فما هي قال‏:‏ ثمرة في كمرة‏.‏

قال‏:‏ أريد أبين من هذا‏.‏

قال‏:‏ حبة بر في إحليل مهر‏.‏

قال‏:‏ صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن ويقول‏:‏ قومي لشأنك حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها وقال‏:‏ قومي غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكاً سمى معاوية‏.‏

فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها وقالت‏:‏ والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك‏.‏

فتزوجها أبو سفيان فولدت معاوية‏.‏

وذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها‏:‏ يا أبت إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره وتبين لي خصاله‏.‏

فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب فدخل عليها أبوها وهو يقول‏:‏ أتاك سهيل وابن حرب وفيهما رضاً لك يا هند الهنود ومقنع وما منهما إلا يعاش بفضله وما منهما إلا يضر وينفع فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ ولا تخدعي إن المخادع يخدع قالت‏:‏ يا أبت والله ما أصنع بهذا شيئاً ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي‏.‏

فبدأ يذكر سهيل بن عمرو فقال‏:‏ أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش إن تابعته تابعك وإن ملت عنه حط عليك تحكمين عليه في أهله وماله‏.‏

وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه في الحسب والحسيب والرأي الأريب مدره أرومته وعز عشيرته شديد الغيرة كثير الطيرة لا ينام على ضعة ولا يرفع عصاه عن أهله‏.‏

فقالت‏:‏ يا أبت الأول سيد مضياع للحرة فما عست أن تلين بعد إبائها وتصنع تحت جناحه إذا تابعها بعلها فأشرت وخافها أهلها فأمنت فساءت عند ذلك حالها وقبح عند ذلك دلالها فإن جاءت بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي‏.‏

وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العفيفة وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره ولا تصيبه بذعر فتضيره وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة فزوجنيه‏.‏

فزوجها من أبي سفيان‏.‏

فولدت له معاوية وقبله يزيد فقال في ذلك سهيل بن عمرو‏:‏ نبئت هنداً تبر الله سعيها تأبت وقالت وصف أهوج مائق وما هوجي يا هند إلا سجية أجر لها ذيلي بحسن الخلائق ولكنني أكرمت نفسي تكرماً ورافعت عنها الذم عند الخلائق وإني إذا ما حرة ساء خلقها صبرت عليها صبر آخر عاشق فإن هي قالت خل عنها تركتها وأقلل بترك من حبيبٍ مفارق فإن سامحوني قلت أمري إليكم وإن أبعدوني كنت في رأس حالق فلم تنكحي يا هند مثلي وإنني لمن لم تمقني فاعلمي غير وامق فبلغ أبا سفيان فقال‏:‏ والله لو أعلم شيئاً يرضي أبا زيد سوى طلاق هند لفعلته‏.‏

وألح سهيل في تنقص أبي سفيان‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ رأيت سهيلاً قد تفاوت شأوه وفرط في العلياء كل عنان وأصبح يسمو للمعالي وإنه لذو جفنةٍ مغشية وقيان وشربٍ كرام من لؤي بن غالب عراض المساعي عرضة الحدثان ولكنه يوماً إذا الحرب شمرت وأبرز فيها وجه كل حصان تطأطأ فيها ما استطاع بنفسه وقنع فيها رأسه ودعاني فأكفيه ما لا يستطاع دفاعه وألقيت فيها كلكلي وجراني ناقة ويقود شاة فقال لأبيه‏:‏ يا أبت هذه ابنة هذه يريد الشاة ابنة الناقة فقال أبوه‏:‏ يرحم الله هندا يعني ما كان من فراستها فيه‏.‏

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ يا رسول الله لو تزوجت أم هانئ بنت أبي طالب فقد جعل الله لها قرابةً فتكون صهراً أيضاً‏.‏

فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ والله لهو أحب إلي من سمعي وبصري ولكن حقه عظيم وأنا موتمةٌ فإن قمت بحقه خفت أن أضيع أيتامي وإن قمت بأمرهم قصرت عن حقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناها على ولد في صغره وأرعاها على بعل في ذات يده‏.‏

لو علمت أن مريم بنت عمران ركبت جملا لاستثنيتها‏.‏

ولما توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان عرض عليه عمر ابنته حفصة فسكت عنه عثمان‏.‏

وقد كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يزوجه ابنته الأخرى‏.‏

فشكا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سكوت عثمان عنه فقال له‏:‏ سيزوج الله ابنتك خيراً من عثمان ويزوج عثمان خيراً من ابنتك‏.‏

فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وتزوج عثمان ابنته‏.‏

ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن عبد العزى ذكرت ذلك زخطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة فأرسل إلى عائشة فقالت له‏:‏ الأمر إليك‏.‏

فلما ذكرت ذلك عائشة لأم كلثوم قالت‏:‏ لا حاجة لي فيه‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ أترغبين عن أمير المؤمنين قالت‏:‏ نعم‏.‏

إنه خشن العيش شديد على النساء فأرسلت عائشة إلى المغيرة بن شعبة فأخبرته فقال لها‏:‏ أنا أكفيك‏.‏

فأتى عمر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بلغني عنك أمر أعيذك بالله منه‏.‏

قال‏:‏ ما هو قال‏:‏ بلغني أنك خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

أفرغبت بها عني أم رغبت بي عنها قال‏:‏ لا واحدة منهما ولكنها حدثة نشأت تحت كنف خليفة رسول الله في لين ورفق وفيك غلظة ونحن نهابك وما نقدر أن نردك على خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك فقال‏:‏ كيف لي بعائشة وقد كلمتها قال‏:‏ أنا لك بها وأدلك على خير لك منها أم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله تتعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان علي قد عزل بناته لولد جعفر بن أبي طالب‏.‏

فلقيه عمر فقال‏:‏ يا أبا الحسن أنكحني ابنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ قد حسبتها لابن جعفر‏.‏

قال‏:‏ إنه والله ما على الأرض أحد يرضيك من حسن صحبتها بما أرضيك به فأنكحني يا أبا الحسن‏.‏

قال‏:‏ قد أنكحتكها يا أمير المؤمنين‏.‏

فأقبل عمر فجلس على الروضة بين القبر والمنبر واجتمع إليه المهاجرون والأنصار‏.‏

فقال‏:‏ زفوني‏.‏

قالوا‏:‏ بمن يا أمير المؤمنين قال‏:‏ بأم كلثوم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ‏"‏ وقد تقدمت لي صحبة فأحببت أن يكون لي معها سبب‏.‏

فولدت له أم كلثوم زيد بن عمر ورقية بنت عمر‏.‏

وزيد بن عمر هو الذي لطم سمرة بن جندب عند معاوية إذا تنقص علياً فيما يقال‏.‏

وخطب سليمان الفارسي إلى عمر ابنته فوعده بها فشق ذلك على عبد الله بن عمر فلقي عمرو بن العاص فشكا ذلك إليه‏.‏

فقال له‏:‏ سأكفيكه‏.‏

فلقي سلمان فقال له‏:‏ هنيئاً لك يا أبا عبد الله هذا أمير المؤمنين يتواضع لله عز وجل في تزويجك ابنته‏.‏

فغضب سلمان وقال‏:‏ لا والله لا تزوجت إليه أبداً‏.‏

وخرج بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه إلى قوم من بني ليث يخطب إليهم لنفسه ولأخيه فقال‏:‏ أنا بلال وهذا أخي كنا ضالين فهدانا الله وكنا عبدين فأعتقنا الله وكنا فقيرين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فالمستعان الله‏.‏

قالوا‏:‏ نعم وكرامة‏.‏

فزوجوهما‏.‏

قالت تماضر امرأة عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان‏:‏ هل لك في ابنة عمٍ لي بكر جميلة ممتلئة الخلق أسيلة الخد أصيلة الرأي تتزوجها قال‏:‏ نعم‏.‏

فذكرت له نائلة بنت الفرافصة الكلبية فتزوجها وهي نصرانية فتحنفت وحملت إليه من بلاد كلب فلما دخلت عليه قال لها‏:‏ لعلك تكرهين ما ترين من شيبي قالت‏:‏ والله يا أمير المؤمنين إني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكهل‏.‏

قال‏:‏ إني قد جزت الكهول وأنا شيخ قالت‏:‏ أذهبت شبابك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير ما ذهبت فيه الأعمار‏.‏

قال‏:‏ أتقومين إلينا أم نقوم إليك قالت‏:‏ ما قطعت إليك أرض السماوة وأريد أن أنثني إلى عرض البيت وقامت إليه‏.‏

فقال لها‏:‏ انزعي ثيابك فنزعتها‏.‏

فقال‏:‏ حلي مرطك‏.‏

قالت‏:‏ أنت وذاك‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ فلم تزل نائلة عند عثمان حتى قتل فلما دخل إليه وقته بيدها فجذمت أناملها فأرسل إليها معاوية بعد ذلك يخطبها فأرسلت إليه‏:‏ ما ترجو من امرأة جذماء‏.‏

وقيل‏:‏ إنها قالت لما قتل عثمان‏:‏ إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب وقد خشيت أن يبلى حزن عثمان من قلبي فدعت بفهر فهتمت فاها وقالت‏:‏ والله لا قعد أحدٌ مني مقعد عثمان أبداً‏.‏

وكانت فاطمة بنت الحسين بن علي عند حسن بن حسن بن علي فلما احتضر قال لبعض أهله‏:‏ كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إذا سمع بموتي قد جاء يتهادى في إزار له مورد قد أسبله فيقول‏:‏ جئت أشهد ابن عمي وليس يريد إلا النظر إلا فاطمة فإذا جاء فلا يدخلن‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما هو إلا أن غمضوه‏.‏

فجاء عبد الله بن عمرو في تلك الصفة التي وصفها فمنع ساعة فقال بعض القوم‏:‏ لا يدخل وقال بعضهم‏:‏ افتحوا له فإن مثله لا يرد‏.‏

ففتحوا له ودخل‏.‏

فلما صرنا إلى القبر قامت عليه فاطمة تبكي ثم اطلعت إلى القبر فجعلت تصك وجهها بيديها حاسرة‏.‏

قال‏:‏ فدعا عبد الله بن عمرو وصيفاً له فقال‏:‏ انطلق إلى هذه المرأة وقل لها‏:‏ يقرئك ابن عمك السلام ويقول لك‏:‏ كفي عن وجهك فإن لنا به حاجة‏.‏

فلما بلغها الرسالة أرسلت يديها فأدخلتهما في كميها حتى انصرف الناس‏.‏

فتزوجها عبد الله بن عمرو بعد ذلك فولدت له محمد بن عبد الله وكان يسمى المذهب لجماله‏.‏

وكانت ولدت من حسن بن حسن عبد الله بن حسن الذي حارب أبو جعفر ولديه إبراهيم ومحمداً ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن حتى قتلهما‏.‏

وعن مسلمة بن محارب قال‏:‏ ما رأيت قرشيا قط كان أكمل ولا أجمل من محمد بن عبد الله بن عمرو الذي ولدته فاطمة بنت الحسين وكانت له ابنة ولدها محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير كانت أمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير وأم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق وأم محمد فاطمة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم فاطمة بنت الحسين أم إسحاق بن طلحة بن عبد الله وأم عبد الله بن عمرو بن عثمان سودة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب‏.‏

وعن الهيثم بن عدي الطائي قال‏:‏ حدثنا مجالد عن الشعبي قال‏:‏ لقيني شريح فقال‏:‏ يا شعبي عليك بنساء بني تميم فإني رأيت لهن عقولا‏.‏

قال‏:‏ وما رأيت من عقولهن قال‏:‏ أقبلت من جنازة ظهرا فمررت بدورهم فإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جنبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري فعدلت فاستسقيت وما بي عطش‏.‏

فقالت‏:‏ أي الشراب أحب إليك فقلت‏:‏ ما تيسر قال‏:‏ ويحك يا جارية إيتيه بلبن فإني أظن الرجل غريباً قلت‏:‏ من هذه الجارية قالت‏:‏ هذه زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة قلت‏:‏ فارغة هي أم مشغولة قالت‏:‏ بل فارغة‏.‏

قلت‏:‏ زوجينيها‏.‏

قالت‏:‏ إن كنت لها كفواً وهي لغة تميم‏.‏

فمضيت إلى المنزل فذهبت لأقيل‏.‏

فامتنعت مني القائلة فلما صليت الظهر أخذت بأيدي إخواني من القراء الأشراف‏:‏ علقمة والأسود والمسيب وموسى بن عرفطة ومضيت أريد عمها‏.‏

فاستقبل فقال‏:‏ يا أبا أمية حاجتك قلت‏:‏ زينب بنت أخيك قال‏:‏ ما بها رغبة عنك‏.‏

فأنكحنيها‏.‏

فلما صارت في حبالي ندمت وقلت‏:‏ أي شيء صنعت بنساء بني تميم وذكرت غلظ قلوبهن فقلت‏:‏ أطلقها ثم قلت‏:‏ لا ولكن أضمها إلي فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك‏.‏

فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت علي فقلت‏:‏ إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلي ركعتين فيسأل الله من خيرها ويعوذ به من شرها فصليت وسلمت فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت في عكر العصفر فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت‏:‏ على رسلك أبا أمية كما أنت ثم قالت‏:‏ الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله إني امرأةٌ غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأزدجر عنه‏.‏

وقالت‏:‏ إنه قد كان لك في قومك منكح‏.‏

وفي قومي مثل ذلك ولكني إذا قضى الله أمراً كان وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به‏:‏ ‏"‏ إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ‏"‏ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك‏.‏

قال‏:‏ فأخرجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت‏:‏ الحمد لله احمده وأستعينه وأصلي على النبي وآله وسلم‏.‏

وبعد فإنك قد قلت كلاماً إن تثبتي عليه يكن ذلك حظك وإن تدعيه يكن حجة عليك أحب كذا وأكره كذا ونحن جميع فلا تفرقي وما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها وقالت شيئاً لم أذكره‏:‏ كيف محبتك لزيارة الأهل قلت‏:‏ ما أحب أن يملني أصهاري‏.‏

قالت‏:‏ فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن له ومن تكرهه أمنعه قلت‏:‏ بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء‏.‏

قال‏:‏ فبت يا شعبي بأنعم ليلة ومكثت معي حولاً لا أرى إلا ما أحب‏.‏

فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء فإذا بعجوز تأمر وتنهى في الدار‏.‏

فقلت‏:‏ من هذه قالوا‏:‏ فلانة ختنتك فسري عني ما كنت أجد فلما جلست أقبلت العجوز فقالت‏:‏ السلام عليك أبا أمية‏.‏

قلت‏:‏ وعليك السلام من أنت قالت‏:‏ أنا فلانة ختنتك قلت‏:‏ قربك الله قالت‏:‏ كيف رأيت زوجتك قلت‏:‏ خير زوجة فقالت لي‏:‏ أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها فإن ربك ريبٌ فعليك بالسوط فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شرا من المرأة المدللة‏.‏

قلت‏:‏ أما والله لقد أدبت فأحسنت الأدب ورضت فأحسنت الرياضة‏.‏

قالت‏:‏ تحب أن يزورك أختامك قلت‏:‏ متى شاؤوا‏.‏

قال‏:‏ فكانت تأتيني في رأس كل حول توصيني تلك الوصية فمكثت معي عشرين سنة لم أعتب عليها في شيء إلا مرة واحدة وكنت لها ظالماً أخذ المؤذن في الإقامة بعدما صليت ركعتي الفجر وكنت إمام الحي فإذا بعقرب تدب فأخذت الإناء فأكفأته عليها ثم قلت‏:‏ يا زينب لا تحركي الإناء حتى أتي‏.‏

فلو شهدتني يا شعبي وقد صليت ورجعت فإذا أنا بالعقرب قد ضربتها‏.‏

فدعوت بالقسط والملح فجعلت أمغث إصبعها و أقرأ عليها بالحمد والمعوذتين‏.‏

رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يميني حين أضرب زينبا أأضربها في غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا فزينب شمس والنساء كواكب إذا طلعت لم تبد منهن كوكبا وقال أبو عبيدة‏:‏ نكح الفرزدق أمةً له زنجية فولدت له بنتاً فسماها مكية وكان يكنى بها ويقول‏:‏ أنا أبو مكية‏.‏

فكتبت النوار يوماً إلى الفرزدق تشكو مكية فكتب إليها‏:‏ كنتم زعمتم أنها ظلمتكم كذبتم وبيت الله بل تظلمونها فإن لا تعدوا أمها من نسائكم فإن أباها والد لن يشينها وإن لها أعمام صدق وإخوةً وشيخاً إذا شئتم تأيم دونها قالت النوار فإنا لا نشاء‏.‏

وقال الفرزدق في أمته الزنجية‏:‏ يا رب خود من بنات الزنج تنقل تنورا شديد الوهج أعسن مثل القدح الخلنج يزداد طيباً بعد طول الهرج وعن الهيثم بن عدي‏:‏ عن ابن عياش قال‏:‏ حدثنا سلمى الهذلي قال‏:‏ كنت بسجستان مع طلحة الطلحات فلم أر أحدا كان أسخى منه ولا أشرف نفساً فكتب إلي عمي من البصرة‏:‏ إني قد كبرت ومالي كثير وأكره أن أوكله غيرك فأقدم أزوجك ابنتي وأصنع بك ما أنت أهله‏.‏

قال‏:‏ فخرجت على بغلة لي تركية فأتيت البصرة في ثلاثين يوماً ووافيته في صلاة العصر فوجدته قاعداً على دكانه فسلمت عليه فقال لي‏:‏ من أنت قلت له‏:‏ ابن أخيك سلمى‏.‏

قال‏:‏ وأين ثقلك قلت‏:‏ تعجلت إليك حين أتاني كتابك وطرت نحوكم‏.‏

قال‏:‏ يا ابن أخي أتدري ما قالت العرب قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ قالت العرب‏:‏ شر الفتيان المفلس الطروب‏.‏

قال‏:‏ فقمت إلى بغلتي فأعدت سرجي عليها فما قال لي شيئاً‏.‏

ثم قال لي‏:‏ إلى أين قلت‏:‏ إلى سجستان‏.‏

قال‏:‏ في كنف الله‏.‏

قال‏:‏ فخرجت فبت في الجسر ثم ذكرت أم طلحة فانصرفت أسأل عنها وكان طلحة أبر الناس بها‏.‏

فقلت‏:‏ رسول طلحة فقالت‏:‏ ويحك‏!‏ كيف ابني قلت‏:‏ على أحسن حال‏.‏

قالت‏:‏ فلله الحمد‏.‏

وإذا بعجوز قد تحدرت قالت‏:‏ فما جاء بك قلت‏:‏ كيت وكيت‏.‏

قالت‏:‏ يا جارية‏.‏

إيتيني بأربعة آلاف درهم ثم قالت‏:‏ إيت عمك فابتن بابنته ولك عندنا ما تحب‏.‏

قلت‏:‏ لا أعود إليه أبداً‏.‏

قالت‏:‏ يا جارية إيتيني ببغلة ورحالة ثم قالت‏:‏ رواح بين هذه وبغلتك حتى تأتي سجستان‏.‏

قلت‏:‏ اكتبي بالوصاة بي والحالة التي استقبلتها‏.‏

فكتبت بوجعها التي كانت فيه وبعافية الله إياها وبالوصاة بي فلم تدع شيئاً ثم دفعت حتى أتيت سجستان فأتيت باب طلحة وقلت للحاجب‏:‏ رسول صفية بنت الحارث وأنا عابس باسر‏.‏

فدخل فخرج طلحة متوشحاً وخلفه وصيف يسعى بكرسي فقمت بين يديه فقال‏:‏ ويلك‏!‏ وكيف أمي قلت‏:‏ بأحسن حال‏.‏

قال‏:‏ انظر كيف تقول قلت‏:‏ هذا كتابها قال‏:‏ فعرف الشواهد والعلامات قلت‏:‏ اقرأ كتاب وصيتها‏.‏

قال‏:‏ ويحك ألم تأتني بسلامتها حسبك‏.‏

فأمر لي بخمسين ألف درهم وقال لحاجبه‏:‏ اكتبه في خاصة أهلي‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما أتى علي الحول حتى أتم لي مائة ألف‏.‏

قال ابن عياش‏:‏ فقلت له‏:‏ هل لقيت عمك بعد ذلك قال‏:‏ لا والله ولا ألقاه أبداً‏.‏

وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‏:‏ أخبرني موسى السلاماني مولى الحضرمي وكان أيسر تاجر بالبصرة قال‏:‏ بينا أنا جالس إذ دخل علي غلام لي فقال‏:‏ هذا رجل من أهل أمك يستأذن عليك‏.‏

وكانت أمه مولاةً لعبد الرحمن بن عوف‏.‏

فقلت‏:‏ إيذن له فدخل شاب حلو الوجه يعرف في هيئته أنه قرشي في طمرين فقلت‏:‏ من أنت يرحمك الله قال‏:‏ أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري خال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ في الرحب والقرب ثم قلت‏:‏ يا غلام بره وأكرمه وألطفه وادخله الحمام واكسه قميصاً رقيقاً ومبطناً قرهيا ورداء عمريا وحذونا له نعلين حضرميين فلما نظر الشاب في عطفيه وأعجبته نفسه‏.‏

قال‏:‏ يا هذا ابغني أشرف أيم بالبصرة أو أشرف بكر بها‏.‏

قلت‏:‏ يا بن أخي معك مال قال‏:‏ أنا مال كما أنا‏.‏

قلت‏:‏ يا بن أخي كف هن هذا‏.‏

قال‏:‏ انظر ما أقول لك‏.‏

قلت‏:‏ فإن أشرف أيم بالبصرة هند بنت أبي صفرة‏.‏

وأشرف بكر بالبصرة الملاءة بنت زرارة بن أوفى الحرشي قاضي البصرة‏.‏

قال‏:‏ اخطبها علي‏.‏

قلت‏:‏ يا هذا إن أباها قاضي البصرة‏.‏

قال‏:‏ انطلق بنا إليه‏.‏

فانطلقنا إلى المسجد فتقدم فجلس إلى القاضي فقال له‏:‏ من أنت يا بن أخي قال له‏:‏ عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ مرحباً ما حاجتك قال‏:‏ جئت خاطباً‏.‏

قال‏:‏ ومن ذكرت قال‏:‏ الملاءة ابنتك‏.‏

قال‏:‏ يا بن أخي ما بنا عنك رغبة ولكنها امرأة لا يفتات عليها أمرها فاخطبها إلى نفسها‏.‏

فقام إلي‏.‏

فقلت‏:‏ ما صنعت قال‏:‏ كذا وكذا‏.‏

قلت‏:‏ ارجع بنا ولا تخطبها‏.‏

قال‏:‏ اذهب بنا إليها فدخلنا دار زرارة فإذا دار فيها مقاصير‏.‏

فأستأذنا على أمها فلقيتنا بمثل كلام الشيخ ثم قالت‏:‏ ها هي تلك في تلك الحجرة‏.‏

قلت له‏:‏ لا تأتيها‏.‏

قال‏:‏ أليست بكرا قلت‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ادخل بنا إليها فأستأذنا فأذنت لنا فوجدناها جالسة وعليها ثوبٌ قوهي رقيق معصفر تحته سراويل يرى منه بياض جسدها ومرط قد جمعته على فخذيها ومصحف على كرسي بين يديها فأشرجت المصحف ثم نحته فسلمنا فردت ثم رحبت بنا ثم قالت‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومد بها صوته قالت‏:‏ يا هذا إنما يمد هذا الصوت للساسانيين‏.‏

قال موسى‏:‏ فدخل بعض في بعض‏.‏

قالت‏:‏ ما حاجتك قال‏:‏ جئت خاطبا‏.‏

قالت‏:‏ ومن ذكرت قال‏:‏ ذكرتك‏.‏

قالت‏:‏ مرحباً بك يا أخا أهل الحجاز وما الذي بيدك قال‏:‏ لنا سهمان بخيبر أعطاناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومد بها صوته وعين بمصر وعين باليمامة ومال باليمن قالت‏:‏ يا هذا كل هذا عنا غائب ولكن ما الذي يحصل بأيدينا منك‏.‏

فإني أظنك تريد أن تجعلني كشاة عكرمة‏.‏

أترري من عكرمة قال لا قالت‏:‏ عكرمة بن ربعي فإنه كان نشأ بالسواد ثم انتقل إلى البصرة وقد تغدى باللبن فقال لزوجته‏:‏ اشتري لنا شاة نحلبها وتصنعين لنا من لبنها شراباً وكامخاً ففعلت‏.‏

وكانت عندهم الشاة إلى أن استحرمت‏.‏

فقالت‏:‏ يا جارية‏:‏ خذي بأذن الشاة وانطلقي بها إلى التياس فأنزي عليها ففعلت فقال التياس‏:‏ آخذ منك على النزوة درهما‏.‏

فانصرفت إلى سيدتها فأعلمتها فقالت‏:‏ إنما رأينا من يرحم ويعطي وأما من يرحم ويأخذ فلم نره ولكن يا أخا أهل المدينة‏.‏

أردت أن تجعلني كشاة عكرمة‏.‏

فلما خرجنا قلت له‏:‏ ما كان أغناك عن هذا‏!‏ قال‏:‏ ما كنت أظن أن امرأة تجترئ على مثل هذا الكلام‏.‏

وعن الأصمعي قال‏:‏ كان عقيل بن علفة المري غيوراً فخوراً وكان يصهر إليه خلفاء بني أمية فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته لبعض ولده فقال‏:‏ جنبني هجناء ولدك‏.‏

وكان إذا خرج يمتار خرج بابنته الجرباء معه فخرج مرة فنزلوا ديراً من أديرة الشام يقال له دير سعد فلما ارتحلوا قال عقيل‏:‏ قضت وطراً من دير سعد وربما غلا عرض ناطحنه بالجماجم ثم قال لابنه‏:‏ أجز يا عميس‏.‏

فقال‏:‏ فأصبحن بالموماة يحلمن فتية نشاوى من الإدلاج ميل العمائم ثم قال لابنته‏:‏ يا جرباء أجيزي‏.‏

فقالت‏:‏ كأن الكرى أسقاهم صرخديةً عقارا تمشت في المطا والقوائم فقال لها‏:‏ وما يدريك أنت ما نعت الخمر ثم سل السيف ونهض إليها فاستغاثت بأخيها عملس فانتزعه بسهم فأصاب فخذه فبرك ومضوا وتركوه حتى إذا بلغوا أدنى المياه منهم قالوا لهم‏:‏ إنا أسقطنا جزوراً لنا فادركوه وخذوا معكم الماء‏.‏

ففعلوا وإذا عقيل بارك وهو يقول‏:‏ إن بني زملوني بالدم من يلق أبطال الرجال يكلم ومن يكن درء به يقوم شنشنة أعرفها من أخزم الشنشنة‏:‏ الطبيعة وأخزم‏:‏ فحل كريم وهذا مثل للعرب‏.‏

الشيباني عن عوانة قال‏:‏ خطب عبد الملك بن مروان بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏

فأبت أن تتزوجه‏.‏

وقالت‏:‏ والله لا تزوجني أبا الذبان‏.‏

فتزوجها يحيى بن الحكم‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ والله لقد تزوجت أفوه أشوه‏.‏

فقال يحيى‏.‏

أما إنها أحبت مني ما كرهت منك وكان عبد الملك رديء الفم يدمى فيقع عليه الذباب فسمي أبا الذبان‏.‏

وعن العتبي قال‏:‏ خطب قريبة بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب أربعة عشر رجلاً من أهل بدر فأبتهم وتزوجت عقيل بن أبي طالب وقالت‏:‏ إن عقيلاً كان مع الأحبة يوم قتلوا وإن هؤلاء كانوا عليهم‏.‏

ولاحته يوما فقالت‏:‏ يا عقيل أين أخوالي أين أعمامي كأن أعناقهم أباريق الفضة قال لها‏:‏ إذا دخلت النار فخذي على يسارك‏.‏

وكتب زياد إلى سعيد بن العاص يخطب إليه ابنته وبعث إليه بمال كثير وهدايا فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا وأن يقسمها بين جلسائه‏.‏

فقال الحاجب‏:‏ إنها أكبر من ظنك‏.‏

قال سعيد‏:‏ أنا اكبر منها ثم وقع إلى زياد في أسفل كتابه‏:‏ ‏"‏ كلا إن الإنسان ليطغى‏.‏

أن رآه استغنى‏.‏

وقال رجل للحسن‏:‏ إن لي بنية فمن ترى أن أزوجها قال‏:‏ زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها‏.‏

وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز‏:‏ قد زوجك أمير المؤمنين ابنته فاطمة‏.‏

فقال قيل للحسن‏:‏ فلان خطب إلينا فلانة قال‏:‏ أهو موسر من عقل ودين قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ فزوجوه‏.‏

وقال رجل لحيوة بن شريح‏:‏ إني أريد أن أتزوج فماذا ترى قال‏:‏ كم المهر قال مائة‏.‏

قال‏:‏ فلا تفعل‏.‏

تزوج بعشرة وأبق تسعين‏.‏

فإن وافقتك ربحت التسعين وإن لم توافقك تزوجت عشراً فلا بد في عشرة نسوة من واحدة توافقك‏.‏

وقال رجل‏:‏ أردت النكاح فقلت‏:‏ لأستشيرن أول من يطلع علي ثم أعمل برأيه فكان أول من طلع هبنقة القيسي وتحته قصبة فقلت له‏:‏ أريد النكاح فما تشير علي قال البكر لك والثيب عليك وذات الولد لا تقربها واحذر جوادي لا ينفحك‏.‏

وعن الأصمعي قال‏:‏ أخبرني رجل من بني العنبر عن رجل من أصحابه وكان مقلا فخطب إليه مكثر من مال مقل من عقل فشاور فيه رجلاً يقال له أبو يزيد‏.‏

فقال‏:‏ لا تفعل ولا تزوج إلا عاقلاً ديناً فإنه إن لم يكرمها لم يظلمها‏.‏

ثم شاور رجلاً آخر يقال له أبو العلاء فقال له‏:‏ زوجه فإن ماله لها وحمقه على نفسه‏.‏

فزوجه فرأى منه ما يكره في نفسه وابنته فقال‏:‏ ألهفي إذ عصيت أبا يزيد ولهفي إذ أطعت أبا العلاء وكانت هفوةً من غير ريح وكانت زلفة من غير ماء الفضل بن محمد الضبي قال‏:‏ أخبرني مسعر بن كدم عن معبد بن خالد الجدلي قال‏:‏ خطبت امرأة من بني أسد في زمن زياد وكان النساء يجلسن لخطابهن قال‏:‏ فجئت لأنظر إليها وكان بيني وبينها رواق فدعت بجفنة عظيمة من الثريد مكللة باللحم فأتت على آخرها وألقت العظام نقية ثم دعت بشنٍ عظيم مملوء لبنا فشربته حتى أكفأته على وجهها وقالت‏:‏ يا جارية ارفعي السجف فإذا هي جالسة على جلد أسد وإذا امرأة جميلة فقالت‏:‏ يا عبد الله أنا أسدة من بني أسد وعلي جلد أسد وهذا طعامي وشرابي فعلام ترى فإن أحببت أن تتقدم فتقدم وإن أحببت أن تتأخر فتأخر‏.‏

فقلت‏:‏ أستخير الله في أمري وانظر‏.‏

قال‏:‏ فخرجت ولم أعد‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا بعض أصحابنا أن جارية لأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ذات ظرف وجمال مرت برجل من بني سعد وكان شجاعاً فارساً فلما رآها قال‏:‏ طوبى لمن كانت له امرأة مثلك‏!‏ ثم إنه أتبعها رسول يسألها‏:‏ ألها زوج ويذكره لها‏.‏

فقالت للرسول‏:‏ ما حرفته فأبلغه الرسول قولها‏.‏

فقال‏:‏ ارجع إليها فقل لها‏:‏ وسائلة ما حرفتي قلت حرفتي مقارعة الأبطال في كل شارق إذا عرضت لي الخيل يوماً رأيتني أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي فأنشدها الرسول ما قال‏.‏

فقالت له‏:‏ ارجع إليه وقل له‏:‏ أنت أسد فاطلب لنفسك لبؤة فلست من نسائك وأنشدت هذه الأبيات‏:‏ إلا إنما أبغي جواداً بماله كريماً محياه قليل الصدائق فتى همه مذ كان خودٌ كريمة يعانقها بالليل فوق النمارق ويشربها صرفاً كميتاً مدامة نداماه فيها كل خرق موافق يحيى بن عبد العزيز عن محمد بن الحكم عن الشافعي قال‏:‏ تزوج رجل امرأة حديثة على امرأة له قديمة فكانت جارية الحديثة تمر على باب القديمة فتقول‏:‏ وما تستوي الرجلان رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزان فشلت ثم تعود فتقول‏:‏ وما يستوي الثوبان ثوبٌ به البلى وثوب بأيدي البائعين جديدٌ فمرت جارية القديمة على الحديثة فأنشدت‏:‏ نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما القلب إلا للحبيب الأول كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل وعن الشعبي قال‏:‏ سمعت المغيرة بن شعبة يقول‏:‏ ما غلبني أحدٌ قط إلا غلام من بني الحارث بن كعب وذلك أني خطبت امرأة من بني الحارث وعندي شاب منهم فأصغى إلي فقال‏:‏ أيها الأمير لا خير لك فيها‏.‏

قلت‏.‏

يا بن أخي وما لها قال‏:‏ إني رأيت رجلاً يقبلها‏.‏

قال‏:‏ فبرئت منها‏.‏

فبلغني أن الفتى تزوجها فأرسلت إليه فقلت‏:‏ ألم تخبرني أنك رأيت رجلاً يقبلها قال‏:‏ نعم‏.‏

رأيت أباها يقبلها‏.‏

أبو سعيد الشحام قال‏:‏ صحبت ابن سيرين عشرين سنة فقال لي يوماً‏:‏ يا أبا سعيد إن تزوجت فلا تتزوج امرأة تنظر في يدها ولكن تزوج امرأة تنظر في يدك‏.‏

صفات النساء وأخلاقهن قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أعلم الناس بالنساء عبدة بن الطبيب حيث يقول‏:‏ فإن تسألوني بالنساء فإنني عليمٌ بأدواء النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له في ودهن نصيب يردن ثراء المال حيث علمنه وشرخ الشباب عندهن عجيب وهذه الأبيات لعلقمة بن عبدة المعروف بالفحل وأول القصيدة‏:‏ طحا بك قلب في الحسان طروب وعن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال‏:‏ إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وإني أخاف عليكم فتنة السراء وهي النساء إذا تحلين بالذهب ولبسن ريط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يطال‏.‏

وقال عبد الملك بن مروان‏:‏ من أراد أن يتخذ جارية للمتعة فليتخذها بربرية ومن أرادها للولد فليتخذها فارسية ومن أرادها للخدمة فليتخذها رومية‏.‏

وعن أبي الحسن المدائني قال‏:‏ قال يزيد بن عمر بن هبيرة‏:‏ اشتروا لي جارية شقاء مقاء رسحاء بعيدة ما بين المنكبين ممسوحة الفخذين‏.‏

قوله‏:‏ شقاء‏:‏ يريد كأنها شقة جبل‏.‏

مقاء‏:‏ طويلة‏.‏

رسحاء‏:‏ صغيرة العجيزة وإنما أراد للولد ويقال‏:‏ إن الأرسح أفرس من العظيم العجيزة‏.‏

وقال عمر بن هبيرة لرجل‏:‏ ما أنت بعظيم الرأس فتكون سيداً ولا بأرسح فتكون فارساً‏.‏

وقال الأصمعي وذكر النساء‏:‏ بنات العم أصبر والغرائب أنجب وما ضرب رؤوس الأبطال كابن الأعجمية‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس بن مصعب عن عثمان بن إبراهيم بن محمد قال‏:‏ أتاني رجل من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها فقلت‏:‏ يا بن أخي أقصيرة النسب أم طويلته فلم يفهم عني‏.‏

فقلت‏:‏ يا بن أخي إني أعرف في العين إذا عرفت وأنكر فيها إذا أنكرت وأعرف فيها إذا لم تعرف ولم تنكر‏.‏

أما إذا عرفت فتتحاوص أما إذا أنكرت فتجحظ وأما إذا تعرف ولم تنكر فتسجو وقد رأيت عينك ساجية فالقصيرة النسب التي إذا ذكرت أباها اكتفت به والطويلة النسب التي لا تعرف حتى تطيل في نسبتها فإياك أن تقع في قوم قد أصابوا كثيرا من الدنيا مع دناءة فيهم فتضع نفسك بهم‏.‏

وعن العتبي قال‏:‏ كان عند الوليد بن عبد الملك أربع عقائل‏:‏ لبابة بنت عبد الله بن عباس وفاطمة بنت يزيد بن معاوية وزينب بنت سعيد بن العاص وأم جحش بنت عبد الرحمن بن الحارث فكن يجتمعن على مائدته ويفترقن فيفخرن‏.‏

فاجتمعن يوماً فقالت لبابة‏:‏ أما والله إنك لتسويني بهن وإنك تعرف فضلي عليهن‏.‏

وقالت بنت سعيد‏:‏ ما كنت أرى أن للفخر علي مجازا وأنا ابنة ذي العمامة إذ لا عمامة غيرها‏.‏

وقالت بنت عبد الرحمن بن الحارث‏:‏ ما أحب بأبي بدلاً ولو شئت لقلت فصدقت وصدقت‏.‏

وكانت بنت يزيد بن معاوية جارية حديثة السن فلم تتكلم‏.‏

فتكلم عنها الوليد فقال‏:‏ نطق من احتاج إلى نفسه وسكت من اكتفى بغيره‏.‏

أما والله لو شاءت لقالت‏:‏ أنا ابنة قادتكم في الجاهلية وخلفائكم في الإسلام‏.‏

فظهر الحديث حتى تحدث به في مجلس ابن عباس فقال‏:‏ الله أعلم حيث يجعل رسالته‏.‏

الشيباني عن عوانة قال‏:‏ ذكرت النساء عند الحجاج فقال‏:‏ عندي أربع نسوة هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة وأم الجلاس بنت عبد الرحمن بن أسيد وأمة الله بنت عبد الرحمن بن جرير بن عبد الله البجلي‏.‏

فأما ليلتي عند هند بنت المهلب فليلة فتى بين فتيان يلعب ويلعبون‏.‏

وأما ليلتي عند هند بنت أسماء فليلة ملك بين الملوك وأما ليلتي عند أم الجلاس فليلة أعرابي مع أعراب في حديثهم وأشعارهم‏.‏

وأما ليلتي عند أمة الله بنت عبد الرحمن بن جرير فليلة عالم بين العلماء والفقهاء‏.‏

وعن العتبي قال‏:‏ حدثني رجل من أهل المدينة قال‏:‏ كان بالمدينة مخنث يدل على النساء يقال له أبو الحر وكان منقطعاً إلي فدلني على غير ما امرأة أتزوجها فلم أرض عن واحدة منهن فاستقصرته يوماً فقال‏:‏ والله يا مولاي لأدلنك على امرأة لم تر مثلها قط فإن لم ترها كما وصف فاحلق لحيتي‏.‏

فدلني على امرأة فتزوجها‏.‏

فلما زفت إلي وجدتها أكثر مما وصف‏.‏

فلما كان في السحر إذا إنسانا يدق الباب فقلت‏:‏ من هذا قال‏:‏ أبو الحر وهذا الحجام معه‏.‏

فقلت‏:‏ قد وفر الله لحيتك أبا الحر الأمر كما قلت‏.‏

ابن بكير بن مالك بن هشام بن عروة عن أبيه أن مخنثا كان عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع‏:‏ أبا عبد الله إن فتح الله لكم الطائف غداً فأنا أدلك على بنت غيلان إنها تقبل بأربع وتدبر بثمان‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يدخلن عليكن هذا‏.‏

قوله‏:‏ تقبل بأربع وتدبر بثمان يريد‏:‏ عكن البطن فإنها إذا أقبلت أربع وإذا أدبرت ثمان‏.‏

وضرب البعث على رجل من أهل الكوفة فخرج إلى أذربيجان فأفاد جارية وفرساً وكان مملكا بابنة عمه فكتب إليها ليغيرها‏:‏ ألا أبلغوا أم البنين بأننا غنينا وأغنتنا الغطارفة المرد بعيد مناط المنكبين إذا جرى وبيضاء كالتمثال زينها العقد فهذا لأيام العدو وهذه لحاجة نفسي حين ينصرف الجند فلما ورد كتابه قرأته وقالت‏:‏ يا غلام هات الدواة‏.‏

فكتبت إليه تجيبه‏:‏ ألا أقره منا السلام وقل له غنينا وأغنتنا غطارفة المرد بحمد أمير المؤمنين أقرهم شباباً وأغزاكم خوالف في الجند إذا شئت غناني غلامٌ مرجل ونازعته من ماء معتصر الورد وإن شاء منهم ناشئٌ مد كفه إلى الكبد ملساء أو كفل نهد فما كنتم تقضون من حاج أهلكم شهوداً قضيناها على النأي والبعد فلا قفل الجند الذي أنت فيهم وزادك رب الناس بعداً إلى بعد فلما ورد كتابها لم يزد على أن ركب فرسه وأردف الجارية ولحق بها فكان أول شيء بدأها به بعد السلام أن قال‏:‏ بالله هل كنت فاعلة قالت‏:‏ الله أجل في قلبي وأعظم وأنت في عيني أذل وأحقر من أن أعصى الله فيك فكيف ذقت طعم الغيرة فوهب لها الجارية وانصرف إلى بعثه‏.‏

وقال معاوية لصعصعة بن صوحان‏:‏ أي النساء أشهى إليك قال‏:‏ المواتية لك فيما تهوى‏.‏

قال‏:‏ فأيهن أبغض قال‏:‏ أبعدهن مما ترضى قال‏:‏ هذا النقد العاجل‏.‏

فقال صعصعة‏:‏ بالميزان العادل‏.‏

وقال صعصعة لمعاوية‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف ننسبك إلى العقل وقد غلب عليك نصف إنسان‏.‏

يريد غلبة امرأته فاخته بنت قرظة عليه فقال معاوية‏:‏ إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام‏.‏

وعن سفيان بن عيينة قال‏:‏ شكا جرير بن عبد الله البجلي إلى عمر بن الخطاب ما يلقى من النساء فقال‏:‏ لا عليك فإن التي عندي ربما خرجت من عندها فتقول‏:‏ إنما تريد أن تتضع لفتيات بني عدي‏.‏

فسمع كلامهما ابن مسعود فقال‏:‏ لا عليكما فإن إبراهيم الخليل شكل إلى ربه رداءة في خلق سارة فأوحى الله إليه‏:‏ أن ألبسها لباسها ما لم تر في دينها وصماً‏.‏

فقال وكتب إلى الحجاج إلى أيوب بن القرية‏:‏ أن اخطب على عبد الملك بن الحجاج امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب شريفة في قومها ذليلة في نفسها مواتية لبعلها‏.‏

فكتب إليه‏:‏ قد أصبتها لولا عظم ثدييها‏.‏

فكتب إليه‏:‏ لا يكمل حسن المرأة حتى يعظم ثدياها فتدفئ الضجيع وتروي الرضيع‏.‏

وقال أبو العباس السفاح أمير المؤمنين لخالد بن صفوان‏:‏ يا خالد إن الناس قد أكثروا في النساء فأيهن أعجب إليك قال‏:‏ أعجبهن يا أمير المؤمنين التي ليست بالضرع الصغيرة ولا الفانية الكبيرة‏.‏

وحسبك من جمالها أن تكون فخمةً من بعيد مليحة من قريب أعلاها قضيب وأسفلها كثيب كانت في نعمة ثم أصابتها فاقة فأترفها الغنى وأدبها الفقر‏.‏

ونظر خالد بن صفوان إلى جماعة في المسجد بالبصرة فقال‏:‏ ما هذه الجماعة قالوا‏:‏ على امرأة تدل على النساء فأتاها فقال لها‏:‏ أبغني امرأة‏:‏ قالت‏:‏ صفها لي‏.‏

قال‏:‏ أريدها بكراً كثيب أو ثيباً كبكر حلوة من قريب فخمة من بعيد‏.‏

كانت في نعمة فأصابتها فاقة فمعها أدب النعمة وذل الحاجة فإذا اجتمعنا كنا أهل دنيا وإذا افترقنا كنا أهل آخرة‏.‏

قال‏:‏ قد أصبتها لك قال‏:‏ وأين هي قال‏:‏ في الرفيق الأعلى من الجنة فاعمل لها‏.‏

وسئل أعرابي عن النساء وكان ذا تجربة وعلم بهن فقال‏:‏ أفضل النساء أطولهن إذا قامت وأعظمهن إذا قعدت وأصدقهن إذا قالت التي إذا غضبت حلمت وإذا ضحكت تبسمت وإذا صنعت شيئاً جودت التي تطيع زوجها وتلزم بيتها العزيزة في قومها الذليلة في نفسها الودود الولود وكل أمرها محمود‏.‏

وقال عبد الملك بن مروان لرجل من غطفان‏:‏ صف لي أحسن النساء فقال خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين درماء الكعبين مملوءة الساقين جماء الركبتين لفاء الفخذين مقرمدة الرفغين ناعمة الأليتين منيفة المأكمتين بداء الوركين مهضومة الخصرين ملساء المتنين مشرفة فعمة العضدين فخمة الذراعين رخصة الكفين ناهدة الثديين حمراء الخدين كحلاء العينين زجاء الحاجبين لمياء الشفتين بلجاء الجبين شماء العرنين شنباء الثغر حالكة الشعر غيداء العنق عيناء العينين مكسرة البطن ناتئة الركب‏.‏

فقال‏:‏ ويحك‏!‏ وأين توجد هذه قال‏:‏ تجدها في خالص العرب أو في خالص الفرس‏.‏

وقال رجل لخاطب‏:‏ أبغني امرأةً لا تؤنس جاراً ولا توهن داراً ولا تثقب ناراً‏.‏

يريد لا تدخل على الجيران ولا يدخل عليها الجيران ولا تغري بينهم بالشر‏.‏

وفي نحو هذا يقول الشاعر‏:‏ من الأوانس مثل الشمس لم يرها في ساحة لا بعلٌ ولا جارٌ لم تمش ميلاً ولم تركب على جمل ولا ترى الشمس إلا دونها الكلل وقال آخر‏:‏ أبغني امرأة بيضاء مديدة فرعاء جعدة تقوم فلا يصيب قميصها منها إلا مشاشة منكبيها وحلمتي ثدييها ورانفتي أليتيها‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ أبت الروادف والثدي لقمصها مس البطون وإن تمس ظهورا وإذا الرياح مع العشي تناوحت نبهن حاسدةً وهجن غيورا ولآخر‏:‏ إذا انبطحت فوق الأثافي رفعنها بثديين في نحر عريض وكعثب ونظر عمران بن حطان إلى امرأته‏.‏

وكانت من أجمل النساء وكان من أقبح الرجال فقال‏:‏ إني وإياك في الجنة إن شاء الله‏.‏

قالت له‏:‏ كيف ذاك قال‏:‏ إني أعطيت مثلك فشكرت وأعطيت مثلي فصبرت‏.‏

ونظر أبو هريرة إلى عائشة بنت طلحة فقال‏:‏ سبحان الله‏!‏ ما أحسن ما غذاك أهلك‏!‏ والله ما رأيت وجهاً أحسن منك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معاوية من أحسن الناس‏.‏

من اللاء لم يحججن يبغين حسبةً ولكن ليقتلن البريء المغفلا فقال لها‏:‏ صان الله ذلك الوجه عن النار‏.‏

فقيل له‏:‏ أفتنتك يا عبد الله قال‏:‏ لا ولكن الحسن مرحوم‏.‏

وقال يونس‏:‏ أخبرني محمد بن إسحاق قال‏:‏ دخلت على عائشة بنت طلحة فوجدتها متكئة ولو أن بختية نوخت خلفها ما ظهرت‏.‏

السري بن إسماعيل عن الشعبي قال‏:‏ إني لفي المسجد نصف النهار إذ سمعت باب القصر يفتح فإذا بمصعب بن الزبير ومعه جماعة‏.‏

فقال‏:‏ يا شعبي اتبعني‏.‏

فاتبعته‏.‏

فأتى دار موسى بن طلحة فدخل مقصورةً ثم دخل أخرى ثم قال‏:‏ يا شعبي اتبعني فاتبعته‏.‏

فإذا امرأة جالسة عليها من الحلى والجواهر ما لم أر مثله وهي أحسن من الحلى الذي عليها‏.‏

فقال‏:‏ يا شعبي هذه ليلى التي يقول فيها الشاعر‏:‏ وما زلت في ليلى لدن طر شاربي إلى اليوم أخفي حبها وأداجن وأحمل في ليلى لقوم ضغينةً وتحمل في ليلى علي الضغائن هذه عائشة بنت طلحة‏.‏

فقالت له‏:‏ أما إذا جلوتني عليه فأحسن إليه‏.‏

فقال‏:‏ يا شعبي‏.‏

رح العشية فرحت‏.‏

فقال‏:‏ يا شعبي ما ينبغي لمن جليت عليه عائشة بنت طلحة أن ينقص عن عشرة آلاف‏.‏

فأمر لي بكسوة وقارورة غالية‏.‏

فقيل للشعبي في ذلك اليوم‏:‏ كيف الحال قال‏:‏ وكيف حال من صدر عن الأميرة ببدرة وكسوة وقارورة غالية ورؤية وجه عائشة بنت طلحة‏.‏

وكان عمرو بن حجر ملك كندة وهو جد امرئ القيس أراد أن يتزوج ابنة عوف من محلم الشيباني الذي يقال فيه‏:‏ لا حر بوادي عوف لإفراط عزه‏.‏

وهي أم إياس وكانت ذات جمال وكمال‏.‏

فوجه إليها امرأة يقال لها عصام - ذات عقل وبيان وأدب - لتنظر إليها وتمتحن ما بلغه عنها‏.‏

فدخلت على أمها أمامة بنت الحارث فأعلمتها ما قدمت له‏.‏

فأرسلت إلى ابنتها‏:‏ أي بنية هذه خالتك أتت إليك لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه وخلق وناطقيها فيما استنطقتك فيه‏.‏

فدخلت عصام عليها فنظرت إلى ما لم تر عينها مثله قط بهجةً وحسناً وجمالاً‏.‏

فإذا هي أكمل الناس عقلاً وأفصحهم لساناً‏.‏

فخرجت من عندها وهي تقول‏:‏ ترك الخداع من كشف القناع‏.‏

فذهبت مثلا‏.‏

ثم أقبلت إلى الحارث فقال لها‏:‏ ما وراءك يا عصام فأرسلها مثلاً‏.‏

قالت‏:‏ صرح المخض عن الزبدة‏.‏

فذهبت مثلاً‏.‏

قال‏:‏ أخبريني قالت‏:‏ أخبرك صدقاً وحقاً رأيت جبهةً كالمرآة الصقيلة يزينها شعر حالك كأذناب الخيل المضفورة إن أرسلته خلته السلاسل وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلاه الوابل ومع ذلك حاجبان كأنهما خطا بقلم أو سودا بحمم قد تقوسا على مثل عين العبهرة التي لم يرعها قانص ولم يذعرها قسورة بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يمعن به طول حفت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض كالجمان شق فيه فم كالخاتم لذيذ المبتسم فيه ثنايا غر ذوات أشر وأسنان تعد كالدر وريق تنم إليك منه ريح الخمر أم نشر الروض بالسحر يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان يقلبه عقل وافر وجواب حاضر يلتقي دونه شفتان حمراوان كالورد يحلبان ريقاً كالشهد تحت ذاك عنق كإبريق الفضة ركب في صدر تمثال دمية يتصل به عضدان ممتلئان لحماًًمكتنزان شحماً وذراعان ليس فيهما عظم يحس ولا عرق يحبس ركبت فيهما كفان رقيق قصبهما لين عصبهما تعقد إن شئت منها الأنامل وتركب الفصوص في حفر المفاصل وقد تربع في صدرها حقان كأنهما رمانتان‏.‏

من تحت ذلك بطن طوي كطي القباطي المدمجة كسي عكنا كالقراطيس المدرجة‏.‏

تحيط تلك العكن بسرة كمدهن العاج المجلو خلف ظهر كالجدول ينتهي إلى خصر لولا رحمة الله لانخزل تحته كفل يقعدها إذا نهضت وينهضها إذا قعدت كأنه دعص رمل لبده سقوط الطل يحمله فخذان لفاوان كأنهما نضيد الجمار تحملهما ساقان خدلجتان كالبردى وشيا بشعر أسود كأنه حلق الزرد ويحمل ذلك قدمان كحد السنان تبارك الله في صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما فأما سوى ذلك فتركت أن أصفه غير أنه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر‏.‏

قال‏:‏ فأرسل إلى أبيها يخطبها‏.‏

فكان من أمرهما ما تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب‏.‏

  صفة المرأة السوء

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إياكم وخضراء الدمن ‏"‏‏.‏

يريد الجارية الحسناء في المنبت السوء‏.‏

وفي حكمة داود‏:‏ المرأة السوء مثل شرك الصياد‏.‏

لا ينجو منها إلا من رضي الله عنه‏.‏

الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب النساء ثلاثة‏:‏ هينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها وأخرى وعاء للولد وثالثة غل قمل يلقيه الله في عنق من يشاء من عباده‏.‏

وقيل لأعرابي عالم بالنساء‏:‏ صف لنا شر النساء‏.‏

قال‏:‏ شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم الطويلة السقم المحياض الصفراء المشؤومة العسراء السليطة الذفراء السريعة الوثبة كأن لسانها حربة تضحك من غير عجب وتقول الكذب وتدعو على زوجها بالحرب‏.‏

أنف في السماء وآست في الماء‏.‏

وفي رواية محمد بن عبد السلام الخشني قال‏:‏ إياك وكل امرأة مذكرة منكرة حديدة العرقوب بادية الظنبوب منتفخة الوريد كلاهما وعيد وصوتها شديد تدفن الحسنات وتفشي السيئات تعين الزمان على بعلها ولا تعين بعلها على الزمان ليس في قلبها له رأفة ولا عليها منه مخافة إن دخل خرجت وإن خرج دخلت وإن ضحك بكت وإن بكى ضحكت وإن طلقها كان حريبته وإن أمسكها كانت مصيبته سعفاء ورهاء كثيرة الدعاء قليلة الإرعاء تأكل لما وتوسع ذما صخوب غضوب بذية دنية ليس تطفأ نارها ولا يهدأ إعصارها ضيقة الباع مهتوكة القناع صبيها مهزول وبيتها مزبول إذا حدثت تشير بالأصابع وتبكي في المجامع باديةٌ من حجابها نباحة على بابها تبكي وهي ظالمة وتشهد وهي غائبة قد ذل لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور‏.‏

نافرت امرأة فضالة زوجها إلى سلم بن قتيبة وهو والي خراسان فقالت‏:‏ أبضغه والله لخلال فيه‏.‏

قال‏:‏ وما هي قالت‏:‏ هو والله قليل الغيرة سريع الطيرة شديد العتاب كثير الحساب قد أقبل بخره وأدبر ذفره وهجمت عيناه واضطربت رجلاه يفيق سريعاً وينطق رجيعاً يصبح جبسا ويمسي رجسا إن جاع جزع وإن شبع جشع‏.‏

ومن صفة المرأة السوء يقال‏:‏ امرأة سمعنة نظرنة‏.‏

وهي التي إذا تسمعت أو تبصرت فلم تر شيئاً تظننت تظنناً‏.‏

قال أعرابي‏:‏ مفنة معنة كالذئب وسط العنه إلا تره تظنه وقال يزيد بنعمر بن هبيرة‏:‏ لا تنكحن برشاء ولا عمشاء ولا وقصاء ولا لثغاء فتجيئك بولد ألثغ‏.‏

فوالله لولد أعمى أحب إلي من ولد ألثغ‏.‏

وقالوا‏:‏ آخر عمر الرجل خير من أوله يثوب حلمه وتثقل حصاته وتخمد شرارته وتكمل تجارته‏.‏

وآخر عمر المرأة شر من أوله يذهب جمالها ويذوب لسانها ويعقم رحمها ويسوء خلقها‏.‏

وعن جعفر بن محمد عليهما السلام‏:‏ إذا قال لك أحد‏:‏ تزوجت نصفا فاعلم أن شر النصفين ما بقي في يده وأنشد‏:‏ وإن أتوك وقالوا إنها نصف فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا وقال الحطيئة في امرأته‏:‏ أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع وقال في أمه‏:‏ تنحي فاجلسي مني بعيداً أراح الله منك العالمينا حياتك ما علمت حياة سوء وموتك قد يسر الصالحينا وقال زيد بن عمير في أمته‏:‏ أعاتبها حتى إذا قلت أقلعت أبى الله إلا خزيها فتعود فإن طمثت قادت وإن طهرت زنت فهي أبداً يزنى بها وتقود ويقال إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها فعلامة ذلك أن تكون عند قربه منها مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر إلى إنسان غيره وإذا كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه‏.‏

وقال آخر يصف امرأة لثغاء‏:‏ أول ما أسمع منها في السحر تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر والسوأة السوآء في ذكر القمر ولآخر في زوجته‏:‏ لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي ولكن قرين السوء باق معمر فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلاً وعذبها فيه نكير ومنكر وكان روح بن زنباع أثيراً عند عبد الملك فقال له يوماً‏:‏ أرأيت امرأتي العبسية قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فيم شبهتها قال بمشجب بال وقد أسيئت صنعته‏.‏

قال‏:‏ صدقت‏.‏

وما وضعت يدي عليها قط إلا كأني أضعها على الشكاعي وأنا أحب أن تقول ذلك لابنيها الوليد وسليمان‏.‏

فقام إليه فزعاً فقبل يده ورجله وقال‏:‏ أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تعرضني لهما‏.‏

قال‏:‏ ما من ذلك بد وبعث من يدعوهما‏.‏

فاعتزل روح وجلس ناحيةً من البيت كأنه حلس وجاء الوليد وسليمان فقال لهما‏:‏ أتدريان لم بعثت إليكما إنما بعثت لتعرفا لهذا الشيخ حقه وحرمته‏.‏

ثم سكت‏.‏

أبو الحسن المدائني‏:‏ كان عند روح بن زنباع هند بنت النعمان بن بشير وكان شديد الغيرة فأشرفت يوماً تنظر إلى وفد من جذام كانوا عنده فزجرها‏.‏

فقالت‏:‏ والله لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام فيهم‏.‏

وقالت له يوماً‏:‏ عجباً منك كيف يسودك قومك وفيك ثلاث خلال‏:‏ أنت من جذام وأنت جبان وأنت غيور فقال لها‏:‏ أما جذام فإني في أرومتها وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه‏.‏

وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة فأنا أحوطها فلو كانت لي نفس أخرى جدت بها‏.‏

وأما الغيرة فأمر لا أريد أن أشارك فيه وحقيق بالغيرة من كانت عنده حمقاء مثلك مخافة أن تأتيه بولد من غيره فتقذف به في حجره‏.‏

فقالت‏:‏ وهل هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تجللها بعل فإن أنجبت مهرا عريقاً فبالحري وإن يك إقراف فما أنجب الفحل أقول لها لما أتتني تدلني على امرأة موصوفة بجمال أصبت لها والله زوجاً كما اشتهت إن احتملت منه ثلاث خصال فمنهن عجز لا ينادي وليده ورقة إسلام وقلة مال صفة الحسن عن أبي الحسن المدائني قال‏:‏ الحسن أحمر وقد تضرب فيه الصفرة مع طول المكث في الكن والتضمخ بالطيب كما تضرب في بيضة الأدحى واللؤلؤة المكنونة‏.‏

وقد شبه الله عز وجل بها في كتابه فقال‏:‏ ‏"‏ كأنهن بيض مكنون ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ كأنهم لؤلؤ مكنون ‏"‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ كأن بيض نعام في ملاحفها إذا اجتلاهن قيظ ليله ومد وقال آخر‏:‏ مروزي الأديم تغمره الصف رة حيناً لا يستحق اصفرارا وجرى من دم الطبيعة فيه لون ورد كسا البياض احمرارا وقالت امرأة خالد بن صفوان له‏:‏ لقد أصبحت جميلاً‏.‏

فقال لها‏:‏ وما رأيت من جمالي‏!‏ وما في في رداء الحسن ولا عموده ولا برنسه قالت‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ عمود الحسن الشطاط وقالوا‏:‏ إن الوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر‏.‏

وإذا فرق يصفر‏.‏

ومنه قولهم‏:‏ ديباج الوجه‏.‏

يريدون تلونه من رقته‏.‏

وقال عدي بن زيد يصف لون الوجه‏:‏ حمرة خلط صفرة في بياضٍ مثل ما حاكٌ حائك ديباجاً وقالوا‏:‏ إن الجارية الحسناء تتلون بلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشي صفراء‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ بيضاء ضحوتها وصفراء العشية كالعراره وقال ذو الرمة‏:‏ بيضاء صفراء قد تنازعها لونان من فضة ومن ذهب ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ بيضاء يحمر خداها إذا خجلت كما جرى ذهب في صفحتي ورق ومن قولنا أيضاً‏:‏ يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقاً ورشاً بتقطيع القلوب رفيقا ما إن رأيت ولا سمعت بمثله دراً يعود من الحياء عقيقا عطابيل كالآرام أما وجوهها فدر ولكن الخدود عقيق قولهم في الجارية جميلة من بعيد مليحة من قريب‏.‏

فالجميلة التي تأخذ بصرك جملة على بعد فإذا دنت لم تكن كذلك‏.‏

والمليحة التي كلما كررت فيها بصرك زادتك حسنا‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ السمينة الجميلة من الجميل وهو الشحم‏.‏

والمليحة أيضاً من الملحة وهو البياض‏.‏

والصبيحة مثل ذلك يشبهونها بالصبح في بياضه‏.‏

المنجبات من النساء قالوا‏:‏ أنجب النساء الفروك‏.‏

وذلك أن الرجل يغلبها على الشبق لزهذها في الرجل‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ النجيبة التي تنزع بالولد إلى أكرم العرقين‏.‏

وقال عمر بن الخطاب‏:‏ يا بني السائب إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع‏.‏

وقالت العرب‏:‏ بنات العم أصبر والغرائب أنجب‏.‏

والعرب تقول‏:‏ اغتربوا لا تضووا‏.‏

أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين البنين‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا أرادت أن يصلب ولد المرأة فأغضبها ثم قع عليها وكذلك الفزعة‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ حملت به في ليلة مزؤودةٍ كرها وعقد نطاقها لم يحلل قالت أم تأبط شراً‏:‏ والله ما حملته تضعا ولا وضعا ولا وضعته يتنا ولا أرضعته غيلا ولا أنمته مئقا‏.‏

حملته وضعا وتضعاً وهي أن تحمله في مقبل الحيض‏.‏

ووضعته يتناً وضعته منكساً تخرج رجلاه قبل رأسه وأرضعته غيلاً أرضعته لبنا فاسدا وذلك أن ترضعه وهي حامل وأنمته مئقا أي مغضبا مغتاظا‏.‏

ومن أمثال العرب قولهم‏:‏ أنا مئق وأنت تئق فلا نتفق‏.‏

المئق‏:‏ المغضب المغتاظ‏.‏

والتئق‏:‏ الذي ر يحتمل شيئا‏.‏

من أخبار النساء لما قتل مصعب بن الزبير بنت النعمان بن بشير الأنصارية زوجة المختار ابن أبي عبيد أنكر الناس ذلك عليه وأعظموه لأنه أتى بما نهى رسول الله ‏)‏عنه في نساء المشركين فقال عمر بن أبي ربيعة‏:‏ إن من أعظم الكبائر عندي قتل حسناء غادة عطبول قتلت باطلاً على غير ذنب إن الله درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول ولما خرجت الخوارج بالأهواز أخذوا امرأة فهموا بقتلها فقالت لهم‏:‏ أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين فأمسكوا عنها‏.‏

  باب الطلاق

محمد بن الفار قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال‏:‏ سمعت عمي يقول‏:‏ توصلت بالملح وأدركت بالغريب‏.‏

وقال عمي للرشيد في بعض حديثه‏:‏ بلغني يا أمير المؤمنين أن رجلا من العرب طلق في يوم خمس نسوة‏.‏

قال‏:‏ إنما يجوز ملك الرجل على أربع نسوة فكيف طلق خمسا قال‏:‏ كان لرجل أربع نسوة فدخل عليهن يوما فوجدهن متلاحيات متنازعات وكان شنظيرا‏.‏

فقال‏:‏ إلى متى هذا التنازع ما إخال هذا الأمر إلا من قبلك يقول ذلك لامرأة منهن اذهبي فأنت طالق‏.‏

فقالت له صاحبتها‏:‏ عجلت عليها الطلاق ولو أدبتها بغير ذلك لكنت حقيقا‏.‏

فقال لها‏:‏ وأنت أيضا طالق‏.‏

فقالت الثالثة‏:‏ قبحك الله فوالله لقد كانتا إليك محسنتين وعليك مفضلتين‏.‏

فقال‏:‏ وأنت أيتها المعددة أياديهما طالق أيضا‏.‏

فقالت له الرابعة وكانت هلالية وفيها أناة شديدة‏:‏ ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق‏.‏

فقال لها‏:‏ وأنت طالق أيضا‏.‏

وكان ذلك بمسمع جارة له فأشرفت عليه وقد سمعت كلامه فقالت‏:‏ والله ما شهدت العرب عليك وعلى قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة‏.‏

قال‏:‏ وأنت أيضا أيتها المؤنبة المتكلفة طالق إن أجاز زوجك‏.‏

فأجابه من داخل بيته‏:‏ هيه قد أجزت قد أجزت‏.‏

ودخل المغيرة بن شعبة على زوجته فارعة الثقفية وهي تتخلل حين انفتلت من صلاة الغداة فقال لها‏:‏ إن كنت تتخللين من طعام اليوم إنك لجشعة وإن كنت تتخللين من طعام البارحة إنك لبشعة كنت فبنت‏.‏

فقالت‏:‏ والله ما اغتبطنا إذا كنا ولا أسفنا إذ بنا وما هو لشيء مما ذكرت ولكني استكت فتخللت للسواك‏.‏

فخرج المغيرة نادما على ما كان منه‏.‏

فلقيه يوسف بن أبي عقيل فقال له‏:‏ إني نزلت الآن عن سيدة نساء ثقيف فتزوجها فإنها ستنجب فتزوجها‏.‏

فولدت له الحجاج‏.‏

وقال الحسن بن علي بن الحسن لامرأته عائشة بنت طلحة‏:‏ أمرك بيدك‏.‏

فقالت‏:‏ قد كان عشرين سنة بيدك فأحسنت حفظه فلن أضيعه إذ صار بيدي ساعة واحدة وقد صرفته إليك‏.‏

فأعجبه ذلك منها وأمسكها‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ طلق رجل امرأته وقال في ذلك‏:‏ لقد طلقت أخت بني غلاب طلاقاً ما أظن له ارتدادا ولم أك كالمعدل أو أويس إذا ما طلقا ندما فعادا قال أبو عبيدة‏:‏ وطلاق المعدل وأويس يضرب به المثل‏.‏

ونكح رجل امرأة من العرب فلما اهتداها رأت ريع داره أحسن ريع وشمل عياله أجمع شمل فقالت‏:‏ أما والله لئن بقيت لهم لأشتتن أمرهم وقالت في ذلك‏:‏ أرى ناراً سأجعلها إرينا وأترك أهلها شتى عزينا فلما انتهى ذلك إلى زوجها طلقها وقال في ذلك‏:‏ فبيني قبل أن تلحي عصانا ويصبح أهلنا شتى عزينا وقيل لابن عباس‏:‏ ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء فقال‏:‏ يكفيه من ذلك عدد كوكب الجوزاء‏.‏

وقيل لأعرابي‏:‏ هل لك في النكاح قال‏:‏ لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها‏.‏

وعن الزهري قال‏:‏ قال أبو الدرداء لامرأته‏:‏ إذا رأيتني غضبت ترضيني وإن رأيتك غضبت ترضيتك وإلا لم نصطحب‏.‏

قال الزهري‏:‏ وهكذا يكون الإخوان‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ كنت أختلف إلى أعرابي أقتبس منه الغريب فكنت إذا استأذنت عليه يقول‏:‏ يا أمامة ائذني له‏.‏

فتقول‏:‏ ادخل‏.‏

فاستأذنت عليه مراراً فلم أسمعه يذكر أمامة فقلت‏:‏ يرحمك الله ما أسمعك تذكر أمامة قال‏:‏ فوجم وجمة‏.‏

فندمت على ما كان مني ثم أنشأ يقول‏:‏ ظعنت أمامة بالطلاق ونجوت من غل الوثاق بانت فلم يألم لها قلبي ولم تبك المآقي ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق وعن الشيباني قال‏:‏ طلق أبو موسى امرأته وقال فيها‏:‏ ما أنت بالحنة الولود ولا عندك نفعٌ يرجى لملتمس لليلتي حين بنت طالقةً ألذ عندي من ليلة العرس بت لديها بشر منزلة لا أنا في لذة ولا أنس تلك على الخسف لا نظير لها وإنني ما يسوغ لي نفسي أقبل منظور بن زبان بن سيار الفزاري إلى الزبير فقال‏:‏ إنما زوجناك ولم نزوج عبد الله‏.‏

قال‏:‏ مالك قال‏:‏ إنها تشكوه‏.‏

قال‏:‏ يا عبد الله طلقها‏.‏

قال عبد الله‏:‏ هي طالق‏.‏

قال منظور‏:‏ أنا ابن قهدم‏.‏

قال الزبير‏:‏ أنا ابن صفية‏.‏

أتريد أن يطلق المنذر أختها قال‏:‏ لا تلك راضية بموضعها‏.‏

وتزوج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان خديجة بنت عروة بن الزبير فذكر لها جماله وكان يقال له المذهب من حسنه وكان رجلاً مطلاقاً‏.‏

فقالت‏:‏ محمد هو الدنيا لا يدوم نعيمها‏.‏

فلما طلقها خطبها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي فكتب إليها‏:‏ أعيذك بالرحمن من عيش شقوةٍ وأن تطعمي يوماً إلى غير مطمع إذا ما ابن مظعون تحدر وسقه عليك فبوئي بعد ذلك أو دعي فردته ولم تتزوجه‏.‏

وعن العتبي عن أبيه قال‏:‏ أمهر الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر تسعين ألف دينار فبلغ ذلك خالد بن يزيد بن معاوية فأمهل عبد الملك حتى إذا أطبق الليل دق عليه الباب فأذن له عبد الملك‏.‏

فدخل عليه‏.‏

فقال له‏:‏ ما هذا الطروق أبا يزيد قال‏:‏ أمرٌ والله لم ينتظر له الصبح هل علمت أن أحدا كان بينه وبين من عادى ما كان بين آل أبي سفيان وآل الزبير بن العوام فإني تزوجت إليهم فما في الأرض قبيلة من قريش أحب إليهم منهم فكيف تركت الحجاج وهو سهم من سهامك يتزوج إلى بني هاشم وقد علمت ما يقال فيهم في آخر الزمان‏.‏

قال‏:‏ وصلتك رحم‏.‏

وكتب إلى الحجاج يأمره بطلاقها ولا يراجعه في ذلك‏.‏

فطلقها‏.‏

فأتاه الناس يعزونه وفيهم عمرو بن عتبة‏.‏

فجعل الحجاج يقع بخالد وينتقصه ويقول‏:‏ إنه صير الأمر إلى من هو أولى به منه وإنه لم يكن لذلك أهلاً‏.‏

فقال له عمرو بن عتبة‏:‏ إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده وعلم علماً فسلم الأمر أهله ولو طلب بقديم لم يغلب عليه أو بحديث لم يسبق إليه‏.‏

فلما سمعه الحجاج استحى فقال‏:‏ يا بن عتبة إنا نسترضيكم بأن نعتب عليكم ونستعطفكم بأن ننال منكم وقد غلبتم على الحلم فوثقنا لكم به وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا فتعرضنا للذي تحبون‏.‏

من طلق امرأته ثم تبعتها نفسه الهيثم بن عدي قال‏:‏ كانت تحت العربان بن الهيثم بن الأسود بنت عم له فطلقها فتبعتها نفسه فكتب إليها يعرض لها بالرجوع فكتبت إليه‏:‏ إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بدلاً إن الغزال الذي ضيعت مشغول فكتب إليها‏:‏ من كان ذا شغل فالله يكلؤه وقد لهونا به والحبل موصول وقد قضينا من استطرافه طرفا وفي الليالي وفي أيامها طول وطلق الوليد بن يزيد امرأته سعدى‏.‏

فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه‏.‏

فدخل عليه أشعب فقال له‏:‏ أبلغ سعدى عني رسالةً ولك مني خمسة آلاف درهم‏.‏

فقال‏:‏ عجلها‏.‏

فأمر له بها‏.‏

فلما قبضها قال‏:‏ هات رسالتك فأنشدها‏:‏ أسعدى ما إليك لنا سبيلٌ ولا حتى القيامة من تلاق بلى ولعل دهراً أن يواتي بموت من خليلك أو فراق فأتاها فاستأذن فدخل عليها‏.‏

فقالت له‏:‏ ما بدا لك من زيارتنا يا أشعب فقال‏:‏ يا سيدتي‏.‏

أرسلني إليك الوليد برسالة وأنشدها الشعر‏.‏

فقالت لجواريها‏:‏ خذن هذا الخبيث‏.‏

فقال‏:‏ يا سيدتي إنه جعل لي خمسة آلاف درهم‏.‏

قالت‏:‏ والله لأعاقبنك أو لتبلغن إليه ما أقول لك‏.‏

قال‏:‏ سيدتي اجعلي لي شيئاً‏.‏

قالت لك بساطي هذا‏.‏

قال‏:‏ قومي عنه‏.‏

فقامت عنه وألقاه على ظهره‏.‏

وقال‏:‏ هاتي رسالتك فقالت‏:‏ أنشده‏:‏ أتبكي على سعدى وأنت تركتها فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع فلما بلغه وأنشده الشعر سقط في يده وأخذته كظمة ثم سرى عنه فقال‏:‏ اختر واحدة ًمن ثلاث‏:‏ إما أن نقتلك وإما أن نطرحك من هذا القصر وإما أن نلقيك إلى هذه السباع‏.‏

فتحير أشعب وأطرق حيناً ثم رفع رأسه فقال‏:‏ يا سيدي ما كنت لتعذب عينين نظرتا إلى سعدى‏.‏

فتبسم وخلى سبيله‏.‏

وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أمره أبوه بطلاقها ثم دخل عليه فسمعه يتمثل‏:‏ فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه‏:‏ الفرزدق الشاعر‏.‏

طلق النوار ثم ندم في طلاقها وقال‏:‏ ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقةً نوار وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار فأصبحت الغداة ألوم نفسي بأمرٍ ليس لي فيه خيار وكانت النوار بنت عبد الله قد خطبها رجل رضيته وكان وليها غائباً وكان الفرزدق وليها إلا أنه كان أبعد من الغائب فجعلت أمرها إلى الفرزدق وأشهدت له بالتفويض إليه‏.‏

فلما توثق منها بالشهود أشهدهم أنه قد زوجها من نفسه فأبت منه ونافرته إلى عبد الله بن الزبير وهي بنت منظور بن زبان‏.‏

فكان كلما أصلح حمزة من شأن الفرزدق نهاراً أفسدته المرأة ليلاً حتى غلبت المرأة وقضى ابن الزبير على الفرزدق‏.‏

فقال‏:‏ أما البنون فلم تقبل شفاعتهم وشفعت بنت منظور بن زبانا ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا وقال الفرزدق في مجلس ابن الزبير‏:‏ وما خاصم الأقوام من ذي خصومة كورهاء مشنوءٍ إليها خليلها فدونكها يا بن الزبير فإنها ملعنة يوهي الحجارة قيلها فقال ابن الزبير‏:‏ إن هذا شاعر وسيهجوني فإن شئت ضربت عنقه وإن كرهت ذلك فاختاري نكاحه وقري‏.‏

فقرت واختارت نكاحه ومكثت عنده زماناً ثم طلقها وندم في طلاقها‏.‏

وعن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبي مخزوم عن راوية الفرزدق قال‏:‏ قال لي الفرزدق يوماً‏:‏ امض بنا إلى حلقة الحسن فإني أريد أن أطلق النوار‏.‏

فقلت له‏:‏ إني أخاف أن تتبعها نفسك ويشهد عليك الحسن وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ انهض بنا‏.‏

فجئنا حتى وقفنا على الحسن فقال‏:‏ كيف أصبحت أبا سعيد قال‏:‏ بخير كيف أصبحت يا أبا فراس فقال‏:‏ تعلمن أني طلقت النوار ثلاثاً‏.‏

قال الحسن وأصحابه‏:‏ قد سمعنا‏.‏

فانطلقنا فقال لي الفرزدق‏:‏ يا هذا إن في نفسي من النوار شيئاً‏.‏

فقلت قد حذرتك فقال‏:‏ ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقةً نوار و كانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار ولو أني ملكت بها يميني لكان علي للقدر الخيار وممن طلق امرأته وتبعتها نفسه قيس بن ذريح‏.‏

وكان أبوه أمره بطلاقها فطلقها وندم فقال في ذلك‏:‏ فوا كبدي على تسريح لبنى فكان فراق لبنى كالخداع تكنفني الوشاة فأزعجوني فيا للناس للواشي المطاع فأصبحت الغداة ألوم نفسي على أمر وليس بمستطاع كمغبون يعض على يديه تبين غبنه بعد البياع العتبي قال‏:‏ جاء رجل بامرأة كأنها برج فضة إلى عبد الرحمن بن أم الحكم وهو على الكوفة فقال‏:‏ إن امرأتي هذه شجتني‏.‏

فقال لها‏:‏ أنت فعلت به قالت‏:‏ نعم غير متعمدة لذلك كنت أعالج طيباً فوقع الفهر من يدي على رأسه وليس عندي عقل و لا تقوى يدي على القصاص‏.‏

فقال عبد الرحمن للرجل‏:‏ يا هذا علام تحبسها وقد فعلت بك ما أرى قال‏:‏ أصدقتها أربعة آلاف درهم ولا تطيب نفسي بفراقها‏.‏

قال‏:‏ فإن أعطيتها لك أتفارقها قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فهي لك‏.‏

قال‏:‏ هي طالق إذا فقال عبد الرحمن‏:‏ احبسي علينا نفسك ثم أنشأ يقول‏:‏ يا شيخ ويحك من دلاك بالغزل قد كنت يا شيخ عن هذا بمعتزل رضت الصعاب فلم تحسن رياضتها فاعمد بنفسك نحو الجلة الذلل مكر النساء وغدرهن في حكمة داود عليه السلام‏.‏

وجدت من الرجال واحداً في ألف ولم أجد واحدة في النساء جميعا‏.‏

قال الهيثم بن عدي‏:‏ غزا ابن هبولة الغساني الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي فلم يصبه في منزله فأخذ ما وجد له وآستاق امرأته‏.‏

فلما أصابها أعجبت به فقالت له‏:‏ انج فوالله لكأني وبلغ الحارث فأقبل يتبعه حتى لحقه فقتله وأخذ ما كان معه وأخذ امرأته فقال له‏:‏ هل أصابك قالت‏:‏ نعم والله ما اشتملت النساء على مثله قط‏.‏

فأمر بها فأوثقت بين فرسين ثم استحضرهما حتى تقطعت‏.‏

ثم قال‏:‏ كل أنثى وأن بدا لك منها آية الود حبها خيتعور إن من غره النساء بود بعد هند لجاهلٌ مغرور وقالت الحكماء‏:‏ لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر‏.‏

وقالوا‏:‏ النساء حبائل الشيطان‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن جزوعاً إذا بانت فسوف تبين وخنها وإن كانت تفي لك إنها على مدد الأيام سوف تخون وإن هي أعطتك الليان فإنها لآخر من طلابها ستلين وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها فليس لمخضوب البنان يمين وإن أسلبت يوم الفراق دموعها فليس لعمر الله ذاك يقين وقالت الحكماء‏:‏ لم تنه امرأة قط عن شيء إلا فعلته‏.‏

وقال طفيل الغنوي‏:‏ إن النساء متى ينهين عن خلق فإنه واقعٌ لا بد مفعول وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‏:‏ أرسل عبد الله بن همام السلولي شاباً إلى امرأة ليخطبها عليه فقالت له‏:‏ فيما يمنعك أنت فقال لها‏:‏ ولي طمع فيك قالت‏:‏ ما عنك رغبة‏.‏

فتزوجها ثم انصرف إلى ابن همام فقال له‏:‏ ما صنعت فقال‏:‏ والله ما تزوجتني إلا بعد شرط‏.‏

فقال أو لهذا بعثتك فقال ابن همام في ذلك‏:‏ رأت غلاماً علا شرب الطلاء به يعيا بإرقاص بردي الخلاخيل مبطناً بدخيس اللحم تحسبه مما يصور في تلك التماثيل أكفى من الكفء في عقد النكاح وما يعيا به حل هميان السراويل تركتها والأيامى غير واحدة فاحبسه عن بيها يا حابس الفيل وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‏:‏ كان النساء يجلسن لخطابهن فكانت امرأة من بني سلول تخطب وكان عبد بن عاصم السلولي يخطبها فإذا دخل عليها بقول له‏:‏ فداك أبي وأمي وتقبل عليه تحدثه وكان شاب من بني سلول يخطبها‏.‏

فإذا دخل عليها الشاب وعندها عبد الله بن هند قالت للشاب‏:‏ قم إلى النار وأقبلت بوجهها وحديثها على عبد الله ثم إن الشاب تزوجها فلما بلغ ذلك عبد الله بن هند قال‏:‏ أودى بحب سليمى فاتكٌ لقن كحية برزت من بين أحجار وله فيها‏:‏ ما تظن سليمى إن ألم بها مرجل الرأس ذو بردين مزاح حلوٌ فكاهته خزٌ عمامته في كفه من رقى الشيطان مفتاح السراري تسرر الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر فولدت له إسماعيل عليه السلام‏.‏

وتسرر النبي عليه الصلاة والسلام مارية القبطية فولدت له إبراهيم‏.‏

ولما صارت إليه صفية بنت حيي كان أزواجه يعيرنها باليهودية فشكت ذلك إليه‏.‏

فقال لها‏:‏ أما إنك لو شئت لقلت فصدقت وصدقت‏:‏ أبي إسحاق وجدي إبراهيم وعمي إسماعيل وأخي يوسف‏.‏

ودخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فقال له‏:‏ بلغني أنك تحدث نفسك بالخلافة ولا تصلح بها لأنك بن أمة فقال به‏:‏ أما قولك إني أحدث نفسي بالخلافة فلا يعلم الغيب إلا الله وأما قولك إني ابن أمة فإسماعيل ابن أمة أخرج الله من صلبه خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم إسحاق ابن حرة أخرج الله من صلبه القردة والخنازير‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وكان أكثر أهل المدينة يكرهون الإماء حتى نشأ منهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة فقهاً وعلماً وورعاً‏.‏

فرغب الناس في السراري‏.‏

وتزوج علي بن الحسين جارية له وأعتقها فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إليه يؤنبه‏.‏

فكتب إليه علي‏:‏ إن الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتم به النقيصة وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم‏.‏

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أمته وامرأة عبده‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ إن علي بن الحسين يشرف من حيث يتضع الناس‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ لا تشتمن امرأ من أن تكون له أم من الروم أو سوداء عجماء فإنا أمهات القوم أوعيةٌ مستودعات وللأحساب آباء وقال بعضهم‏:‏ عجبت لمن لبس القصير كيف يلبس الطويل ولمن أحفى شعره كيف أعفاه وعجباً لمن عرف الإماء كيف يقدم على الحرائر وقالوا‏:‏ الأمة تشترى بالعين وترد بالعيب والحرة غل في عنق من صارت إليه‏.‏

الهجناء العرب تسمي العجمي إذا أسلم‏:‏ المفرج وهو المسلماني‏.‏

ومنه يقال‏:‏ مسالمة السواد‏.‏

والهجين عندهم الذي أبوه عربي وأمه أعجمية‏.‏

والمذرع‏:‏ الذي أمه عربية وأبوه أعجمي‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ والعجمي‏:‏ النصراني ونحوه وإن كان فصيحاً‏.‏

والأعجمي‏:‏ الأخرس اللسان وإن كان مسلماً‏.‏

ومنه قيل‏:‏ زياد الأعجم وكان في لسانه لكنة‏.‏

والفرس تسمى الهجين‏:‏ واشن والعبد‏:‏ واش ونجاش‏.‏

ومن تزوج أمة‏:‏ نغاش وهو الذي يكون العهد دونه وسمي أيضاً‏:‏ بوركان والعرب تسمي العبد الذي لا يخدم إلا ما دامت عليه عين مولاه‏:‏ عبد العين‏.‏

وكانت العرب في الجاهلية لا تورث الهجين‏.‏

وكانت الفرس تطرح الهجين ولا تعده ولو وجدوا أمًا أمةً على رأس ثلاثين أمًّا ما أفلح عندهم ولا كان آزاد مرد ولو كان بيده مزاد‏.‏

والآزاد عندهم‏:‏ الحر والمرد‏:‏ الريحان‏.‏

وقال ابن الزبير لعبد الرحمن بن أم الحكم‏:‏ تبلغت لما أن أتيت بلادهم وفي أرضنا أنت الهمام القلمس ألست ببغل أمه عربيةٌ أبوه حمار أدبر الظهر ينخس وشبه المذرع بالبغل إذا قيل له‏:‏ من أبوك قال‏:‏ أمي الفرس‏.‏

مما احتجت به الهجناء أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود وزوج خالدة بنت أبي لهب من عثمان بن أبي العاص الثقفي‏.‏

وبذلك احتج عبد الله بن جعفر إذ زوج ابنته زينب من الحجاج بن يوسف‏.‏

فعيره الوليد بن عبد الملك فقال عبد الله بن جعفر‏:‏ سيف أبيك زوجه‏.‏

والله ما فديت بها إلا خيط رقبتي‏.‏

وأخرى‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج ضباعة من المقداد وخالدة من عثمان بن أبي العاص ففيه قدوة وأسوة‏.‏

وزوج أبو سفيان ابنته أم الحكم بالطائف في ثقيف‏:‏ وقال لهذم الكاتب في عبد الله بن الأهتم وسأله فحرمه‏:‏ وما بنو الأهتم إلا كالرخم لا شيء إلا أنهم لحم ودم جاءت به حذلم ومن أرض العجم أهتم سلاح على ظهر القدم مقابل في اللؤم من خال وعم وكانت بنو أمية لا تستخلف بني الإماء‏.‏

وقالوا‏:‏ لا تصلح لهم العرب‏.‏

زياد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا جبلة بن عبد الملك قال‏:‏ سابق عبد الملك بين سليمان ومسلمة فسبق سليمان مسلمة فقال عبد الملك‏:‏ ألم أنهكم أن تحملوا هجناءكم على خيلكم يوم الرهان فتدرك وتضعف عضده ويقصر سوطه وتقصر رجلاه فلا يتحرك وأدركنه خالاته فنزعنه ألا إن عرق السوء لا بد يدرك ثم أقبل عبد الملك على مصقلة بن هبيرة الشيباني فقال‏:‏ أتدري من يقول هذا قال‏:‏ لا أدري‏.‏

قال‏:‏ يقوله أخوك الشني‏.‏

قال مسلمة‏:‏ يا أمير المؤمنين‏.‏

ما هكذا قال حاتم الطائي‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ وماذا قال حاتم فقال مسلمة‏:‏ قال حاتم‏:‏ وما أنكحونا طائعين بناتهم ولكن خطبناهم بأسيافنا قسرا فما زادها فينا السباء مذلةً ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا ولكن خلطناها بخير نسائنا فجاءت بهم بيضاً وجوههم زهرا وكائن ترى فينا من ابن سبية إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا ويأخذ رايات الطعان بكفه فيوردها بيضا ويصدرها حمرا أغر إذا غبر اللئام رأيته إذا سرى ليل الدجى قمراً بدراً فقال عبد الملك كالمستحي‏:‏ وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لا تصبحينا بهم ولم يكن لذلك ولكن لما كانوا يرون أن زوال ملكهم على يد ابن أم ولد فلما ولى الناقص ظن الناس أنه الذي يذهب ملك بني أمية على يديه وكانت أمه بنت يزدجرد بن كسرى فلم يلبث إلا سبعة أشهر حتى مات ووثب مكانه مروان بن محمد وأمه كردية فكانت الرواية عليه‏.‏

ولم يكن لعبد الملك بن مروان ابن أسد رأياً ولا أذكى عقلاً ولا أشجع قلباً ولا أسمح نفساً ولا أسخى كفاً من مسلمة وإنما تركوه لهذا المعنى‏.‏

وكان يحيى بن أبي حفصة أخو مروان بن أبي حفصة يهودياً أسلم على يد عثمان بن عفان فكثر ماله فتزوج خولة بنت مقاتل بن قيس بن عاصم ونقدها خمسين ألفاً‏.‏

وفيه يقول القلاخ‏:‏ رأيت مقاتل الطلبات حلى نحور بناته كمر الموالي فلا تفخر بقيس إن قيساً خريتم فوق أعظمه البوالي وله فيه‏:‏ نبتت خولة قالت حين أنكحها لطالما كنت منك العار أنتظر أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما في فيك مما رجوت الترب والحجر لله در جياد أنت سائسها برذنتها وبها التحجيل والغرر فقال مقاتل يرد عليها‏:‏ فإن قلتم زوجت مولىً فقد مضت به سنة قبلي وحب الدراهم ويقال إن غيره قال ذلك‏.‏