فصل: كتاب الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  باب ما قيل في البخلاء

سمع رجل أبا العتاهية ينشد‏:‏ فارمي بطرفك حيث شئت فلن تري إلا بخيلا فقال له‏:‏ بخلت الناس كلهم‏.‏

قال‏:‏ فأردني واحداً سمحا‏!‏ وقال ابن حازم‏:‏ وقالوا لو مدحت فتى كريماً فقلت وأين لي بفتى كريم بلوت ومر بي خمسون عاماً وحسبك بالمجرب من عليم ولآخر‏:‏ لما رآنا فر بوابه وانسد من غير يد بابه كلب له من بعضه حاجب يحجبه إن غاب حجابه ومن قولنا‏:‏ جعل الله رزق كل عدوٍ لي بكف لبعض من لا أسمي كف من لا يهز عطفيه يوماً لمديح ولا يبالي بذم يتلقى الرجاء منه بوجه راشح الخد والجبين بسم جئته زائراً فما زال يشكو لي حتى حسبته سيدمي ألف اللؤم فيه من كل طرف معرقاً فيه بين خال وعم قد نهاني النصيح عنه مراراً بأبي أنت من نصيح وأمي ومن قولنا‏:‏ يراعة غرني منها وميض سنىً حتى مددت إليه الكف مقتبسا فصادفت حجراً لو كنت تضربه من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا ومن قولنا‏:‏ صحيفة طابعها اللوم عنوانها بالبخل مختوم أهداكها والخلف في طيها والمطل والتسويف واللوم من وجهه نحس ومن قربه رجس ومن عرفانه شوم لا تهتضم إن كنت ضيفاً له فخبزه في الجوف هاضوم تكلمه الألحاظ من رقة فهو بلحظ العين مكلوم لا تأتدم شيئاً على أكله فإنه بالجوع مأدوم احتجاج البخلاء الأصمعي‏:‏ قال أبو الأسود الدؤلي‏:‏ لو أطعمنا المساكين أموالنا لكنا أسوأ حلاً منهم‏.‏

وقال لبنيه‏:‏ لا تطيعوا المساكين في أموالكم فإنهم لا يقنعون منكم حتى يروكم مثلهم‏.‏

وقال لهم أيضاً‏:‏ لا تجاودوا الله فإنه لو شاء أن يغني الناس كلهم لفعل ولكنه علم أن قوماً لا يصلحهم الغنى ولا يصلح لهم إلا الفقر وقوماً لا يصلحهم الفقر ولا يصلح لهم إلا الغنى‏.‏

وقال سهل بن هارون‏:‏ لو قسمت في الناس مائة ألف لكان الأكثر لائمي‏.‏

وقال رجل من تغلب‏:‏ أتيت رجلاً من كندة أسأله فقال‏:‏ يا أخا بني تغلب إني لن أصلك حتى أحرم من هو أقرب إلي منك وإني والله لو مكنت من داري لنقضوها طوبةً طوبة‏.‏

والله يا أخا بني تغلب ما بقي بيدي من مالي وأهلي وعرضي إلا ما منعته من الناس‏.‏

وهذا نظير قول لآخر‏:‏ من أعطى في الفضول قصر في الحقوق‏.‏

وقال رجل لسهل بن هارون‏:‏ هبني ما لا مرزئة عليك فيه‏.‏

قال‏:‏ وما ذاك يا بن أخي قال‏:‏ درهماً واحداً‏.‏

قال‏:‏ يا بن أخي‏.‏

لقد هونت الدرهم وهو طابع الله في أرضه الذي لا يعصى والدرهم ويحك عشر العشرة والعشرة عشر المائة والمائة عشر الألف والألف دية المسلم‏.‏

ألا ترى يا ابن أخي إلى أين انتهاء الدرهم الذي هونته وهل بيوت المال إلا درهم على درهم‏.‏

وروي عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه‏:‏ يا بني أوصيك باثنتين ما تزال بخير ما تمسكت بهما‏:‏ درهمك لمعاشك ودينك لمعادك‏.‏

وقال أبو الأسود‏:‏ إمساكك ما بيدك خير من طلبك ما بيد غيرك‏.‏

وأنشد في المعنى‏:‏ يلومونني في البخل جهلاً وضلةً وللبخل خير من سؤال بخيل ونظيره قول المتلمس‏:‏ وحبس المال خير من بغاه وضرب في البلاد بغير زاد وقيل لخالد بن صفوان‏:‏ ما لك لا تنفق فإن مالك عريض قال‏:‏ الدهر أعرض منه‏.‏

قيل له‏:‏ كأنك تؤمل أن تعيش الدهر كله قال‏:‏ لا ولكن أخاف ألا أموت في أوله‏.‏

وقال الجاحظ للحزامي‏:‏ أترضى أن يقال لك بخيل قال‏:‏ لا أعدمني الله هذا الاسم لا يقال لي بخيل إلا وأنا ذو مال فسلم لي المال وسمني بأي اسم شئت‏.‏

قلت‏:‏ ولا يقال لك سخي إلا وأنت ذو مال فقد جمع الله لاسم السخاء المال والحمد وجمع لاسم البخل المال والذم‏.‏

قال‏:‏ بينهما فرقٌ عجيب وبون بعيد إن في قولهم بخيل سبباً لمكث المال في ملكي وفي قولهم سخي سبباً لخروج المال عن ملكي واسم البخيل فيه حزم واسم السخي فيه تضييع وحمد والمال ناض نافع وكرم لأهله والحمد ريح وسخرية وسمعة وطرمذة وما أقل غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعرى ظهره وضاع عياله وشمت به عدوه‏.‏

وقال محمد بن الجهم‏:‏ من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك ومن احتاج إليك ألا يزول عنك فمن حبك لصديقك وضنك بمودته ألا تبذل له ما يغنيه عنك وأن تتلطف له فيما يحوجه إليك‏.‏

وقد قيل في مثل هذا‏:‏ أجع كلبك يتبعك وسمنه يأكلك‏.‏

فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر وقطع أسبابه من الشكر والمعين على الغدر شريك الغادر كما أن مزين الفجور شريك الفاجر‏.‏

وقال يزيد بن عمر الأسدي لبنيه‏:‏ يا بني تعلموا الرد فإنه أسد من العطاء ولأن تعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها عليهم ولأن يقال لأحدكم بخيل وهو غني خيرٌ له من أن يقال له سخي وهو فقير‏.‏

وقال الجذامي‏:‏ يقولون‏:‏ ثوبك على صاحبك أحسن منه عليك فما ظنك إن كان أقصر مني أليس يتخيل في قميصي‏!‏ وإن كان أطول مني أليس يصير آيةً للسائلين فمن أسوأ أثراً على صديقه ممن جعله ضحكة فما ينبغي لي أن أكسوه حتى أعلم أنه فيه مثلي فمتى يتفق هذا وقال أبو نواس‏:‏ كان معنا في السفينة ونحن نريد بغداد رجل من أهل خراسان وكان من فقهائهم وعقلائهم وكان يأكل وحده فقلت له‏:‏ لم تأكل وحدك فقال‏:‏ ليس علي في هذا مسألة‏.‏

إنما المسألة على من أكل مع الجماعة لأنه يتكلف وأكلي وحدي هو الأصل وأكلي مع الجماعة تكلف ما ليس علي‏.‏

ووقع درهم بيد سليمان بن مزاحم فجعل يقلبه ويقول‏:‏ في شق‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي شق آخر‏:‏ قل هو الله أحد ما ينبغي لهذا أن يكون إلا تعويذاً ورقية‏.‏

ورمى به في الصندوق‏.‏

وكان أبو عيسى بخيلاً وكان إذا وقع الدرهم بيده طنه بظفره وقال‏:‏ يا درهم كم من مدينة وقال رجل لثمامة بن أشرس‏:‏ إن لي إليك حاجةً‏.‏

قال‏:‏ وأنا لي إليك حاجة‏.‏

قال‏:‏ وما حاجتك إلي قال‏:‏ لا أذكرها حتى تضمن قضاءها‏.‏

قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

قال‏:‏ فإن حاجتي إليك ألا تسألني حاجة‏.‏

فانصرف الرجل عنه‏.‏

وكان ثمامة يقول‏:‏ ما بال أحدكم إذا قال له الرجل‏:‏ اسقني أتى بإناء على قدر الري أو أصغر وإذا قال‏:‏ أطعمني أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة والطعام والشراب أخوان أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز ما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء‏.‏

الناس أرغب شيء في المأكول إذا كثر ثمنه أو كان قليلاً في منبته ألا ترى الباقلاء الأخضر أطيب من الكمثري والباذنجان أطيب من الكمأة ولكن أهل التحصيل والنظر قليل وإنما يشتهون على قدر الثمن‏.‏

وكان يقول‏:‏ إياكم وأعداء الخبز أن تأتدموا بها وأعدى عدو له المالح فلولا أن الله أعان عليه بالماء لهلك الحرث والنسل‏.‏

وكان يقول‏:‏ كلوا الباقلاء بقشره فإن الباقلاء يقول‏:‏ من أكلني بقشري فقد أكلني ومن أكلني بغير قشري فقد أكلته فما حاجتكم أن تصيروا طعاماً إلى طعامكم الأصمعي قال‏:‏ جاء رجل من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمت إليه بقرابة وسأله أن يعطيه فلم يعطه شيئاً ثم عاد إليه بعد أيام فقال‏:‏ أنا العقيلي الذي سألتك منذ أيام‏.‏

فقال له ابن هبيرة‏:‏ وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام‏.‏

فقال‏:‏ معذرة إليك إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي‏.‏

قال‏:‏ ذلك ألأم لك عندي وأهون بشأنك علي‏.‏

نشأ في قومك مثلي فلم تعرفه ومات مثل يزيد ولم تعلم به يا حرسي اسفع بيده‏.‏

ومن أشعار البخلاء الذين يتمثلون بها‏:‏ وزهدني في كل خير صنعته إلى الناس ما جربت من قلة الشكر ولآخر‏:‏ ارقع قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جيبه فاستبدل ولابن هرمة‏:‏ قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه خلق وجيب قميصه مرقوع ومن أمثالهم في البخل وخلف الوعد قولهم‏:‏ تختلف الأقوال إذا اختلفت الأحوال‏.‏

وقولهم‏:‏ كلام الليل يمحوه النهار وقولهم‏:‏ بروق الصيف كاذبة الرعود رسالة سهل بن هارون في البخل بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

أصلح الله أمركم وجمع شملكم وعلمكم الخير وجعلكم من أهله‏.‏

قال الأحنف بن قيس‏:‏ يا معشر بني تميم لا تسرعوا إلى الفتنة فإن أسرع الناس إلى القتال أقلهم حياء من الفرار وقد كانوا يقولون‏:‏ إذا أردت أن ترى العيوب جمة فتأمل عياباً فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب ومن أعيب العيب أن تعيب ما ليس بعيب وقبيح أن تنهى مرشداً وأن تغري بمشفق وما أردنا بما قلنا إلا هدايتكم وتقويمكم وإصلاح فاسدكم وإبقاء النعمة عليكم ولئن أخطأنا سبيل إرشادكم فما أخطأنا سبيل حسن النية فيما بيننا وبينكم‏.‏

وقد تعلمون أنا ما أوصيناكم إلا بما اخترناه لكم ولأنفسنا قبلكم وشهرنا به في الآفاق دونكم‏.‏

ثم نقول في ذلك ما قال العبد الصالح لقومه‏:‏ ‏"‏ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ‏"‏‏.‏

فما كان أحقكم في كريم حرمتنا بكم أن ترعوا قصدنا بذلك إليكم على ما رعيناه من واجب حقكم فلا العذر المبسوط بلغتم ولا بواجب الحرمة قمتم‏.‏

ولو كان ذكر العيوب يراد به فخراً لرأينا في أنفسنا عن ذلك شغلا‏.‏

عبتموني بقولي لخادمي‏:‏ أجيدي العجين فهو أطيب لطعمه وأزيد في ريعه‏.‏

وقد قال عمر بن وعبتموني حين ختمت على سد عظيم وفيه شيء ثمين من فاكهة رطبة نفيسة ومن رطبة غريبة على عبدٍ نهم وصبي جشع وأمة لكعاء وزوجة مضيعة وليس من أصل الأدب ولا في ترتيب الحكم ولا في عادات القادة ولا في تدبير السادة أن يستوي في نفيس المأكول وغريب المشروب وثمين الملبوس وخطير المركوب التابع والمتبوع والسيد والمسود كما لا تستوي مواضعهم في المجالس ومواقع أسمائهم في العنوان ومن شاء أطعم كلبه الدجاج السمين وعلف حماره السمسم المقشر‏.‏

وعبتموني بالختم وقد ختم بعض الأئمة على مزود سويق وعلى كيس فارغ وقال‏:‏ طينة خير من ظنة‏.‏

فأمسكتم عمن ختم على لا شيء وعبتم من ختم على شيء‏.‏

وعبتموني أن قلت للغلام‏:‏ إذا زدت في المرق فزد في الإنضاج ليجتمع مع التأدم باللحم طيب المرق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا طبخ أحدكم لحماً فليزد من الماء فمن لم يصب لحماً أصاب مرقاً‏.‏

وعبتموني بخصف النعل وبتصدير القميص حين زعمت أن المخصومة من النعل أبقى وأقوى وأشبه بالنسك وأن الترقيع من الحزم والتفريق من التضييع والاجتماع من الحفظ‏.‏

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويرقع ثوبه ويلطع أصابعه ويقول‏:‏ لو أهدى إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ من لم يشبع من الحلال خفت مؤنته وقل كبره‏.‏

وقال الحكماء‏:‏ لا جديد لمن لا يلبس الخلق‏.‏

وبعث زياد رجلاً يرتاد له محدثاً واشترط عليه أن يكون عاقلاً‏.‏

فأتاه به موافقاً فقال له‏:‏ أكنت به ذا معرفة قال‏:‏ لا ولكني رأيته في يوم قائظ يلبس خلقا ويلبس الناس جديداً فتفرست فيه العقل والأدب‏.‏

وقد علمت أن الخلق في موضعه مثل الجديد في موضعه‏.‏

وقد جعل الله لكل شيء قدراً وسمى له موضعاً كما جعل لكل زماناً رجالاً ولكل مقام مقالاً‏.‏

وقد أحيا الله بالسم وأمات بالدواء وأغص بالماء‏.‏

وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكاسبين كما زعموا أن قلة العيال أحد اليسارين‏.‏

وقد جبر الأحنف بن قيس يد عنز وأمر مالك بن أنس بفرك البعر‏.‏

وقال عمر بن الخطاب‏:‏ من أكل بيضة فقد أكل دجاجة‏.‏

ولبس سالم بن عبد الله جلد أضحية‏.‏

وقال رجل لبعض الحكماء‏:‏ أريد أن أهدي إليك دجاجة‏.‏

فقال‏:‏ إن لا بد فاجعلها بيوضاً‏.‏

وعبتموني حين قلت‏:‏ من لم يعرف مواضع السرف في الموجود الرخيص لم يعرف مواضع الاقتصاد في الممتنع الغالي‏.‏

ولقد أتيت بماء للوضوء على مبلغ الكفاية وأشد من الكفاية فلما صرت إلى تفريق أجزائه على الأعضاء وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء وجدت في الأعضاء فضلاً عن الماء فعلمت أن لو كنت سلكت الاقتصاد في أوائله لخرج آخره على كفاية أوله ولكان نصيب الأول كنصيب الآخر فعبتموني بذاك وشنعتم علي‏.‏

وقد قال الحسن وذكر السرف‏:‏ أما إنه ليكون في الماء والكلأ‏.‏

فلم يرض بذكر الماء حتى أردفه الكلأ‏.‏

وعبتموني أن قلت‏:‏ لا يغترن أحدكم بطول عمره وتقويس ظهره ورقة عظمه ووهن قوته وأن يرى نجوه أكثر من رزقه فيدعوه ذلك إلى إخراج ماله من يده وتحويله إلى ملك غيره وإلى تحكم السرف فيه وتسليط الشهوات عليه فلعله أن يكون معمراً وهو لا يدري وممدوداً له في السن وهو لا يشعر ولعله أن يرزق الولد على اليأس ويحدث عليه من آفات الدهر ما لا يخطر على باله ولا يدركه عقله فيسترده ممن لا يرده ويظهر الشكوى إلى من لا يرجمه أصعب ما كان عليه الطلب وأقبح ما كان له أن يطلب‏.‏

فعبتموني بذلك وقد قال عمرو بن العاص‏:‏ اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا‏.‏

وعبتموني بأن قلت‏:‏ إن السرف والتبذير إلى مال المواريث وأموال الملوك وإن الحفظ إلى المال المكتسب والغنى المجتلب وإلى ما يعرض فيه بذهاب الدين واهتضام العرض ونصب البدن واهتمام القلب أسرع ومن لم يحسب نفقته لم يحسب دخله ومن لم يحسب الدخل فقد أضاع وعبتموني أن قلت‏:‏ إن كسب الحلال مضمنٍ بالإنفاق في الحلال وأن الخبيث ينزع إلى الخبث وإن الطيب يدعو إلى الطيب وأن الإنفاق في الهوى حجاب دون الهوى فعبتم علي هذا القول وقد قال معاوية‏:‏ لم أر تبذيراً قط إلا وإلى جنبه حق مضيع‏.‏

وقد قال الحسن‏:‏ إن أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله فانظروا فيماذا ينفقه فإن الخبيث إنما ينفق في السرف‏.‏

وقلت لكم بالشفقة عليكم وحسن النظر مني لكم وأنتم في دار الآفات والجوائح غير مأمونات فإن أحاطت بمال أحدكم آفة لم يرجع إلى نفسه فاحذروا النقم واختلاف الأمكنة فإن البلية لا تجري في الجميع إلا بموت الجميع‏.‏

وقال عمر بن الخطابرضي الله عنه في العبد والأمة والشاة والبعير‏:‏ فرقوا بين المنايا واجعلوا الرأس رأسين وقال ابن سيرين‏:‏ كيف تصنعون بأموالكم قالوا‏:‏ نفرقها في السفن فإن عطب بعض سلم بعض‏.‏

ولولا أن السلامة أكثر ما حملنا أموالنا في البحر‏.‏

قال ابن سيرين‏:‏ تحسبها خرقاء وهي صناع‏.‏

وعبتموني أن قلت لكم عند إشفاقي عليكم‏:‏ إن للغنى لسكراً وللمال لثروة فمن لم يحفظ الغنى من سكره فقد أضاعه ومن لم يرتبط المال بخوف الفقر فقد أهمله فعبتموني بذلك وقد قال زيد بن جبلة‏:‏ ليس أحد أقصر عقلاً من غني أمن الفقر وسكر الغنى أكثر من سكر الخمر‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ في يحيى بن خالد بن برمك‏.‏

وعبتموني حين زعمتم أني أقدم المال على العلم لأن المال به يفاد العلم وبه تقوم النفس قبل أن تعرف فضل العلم فهو أصل والأصل أحق بالتفضيل من الفرع‏.‏

فقلتم‏:‏ كيف هذا وقد قيل لرئيس الحكماء‏:‏ الأغنياء أفضل أم العلماء قال‏:‏ العلماء‏.‏

قيل له‏:‏ فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر ما يأتي الأغنياء أبواب العلماء قال‏:‏ ذلك لمعرفة العلماء بفضل المال وجهل الأغنياء بحق العلم‏.‏

فقلت‏:‏ حالهما هي القاضية بينهما وكيف يستوي شيء حاجة العامة إليه وشيء يغني فيه بعضهم عن بعض‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج‏.‏

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ إني لأبغض أهل البيت ينفقون نفقة الأيام في اليوم الواحد‏.‏

وكان أبو الأسود الدؤلي يقول لولده‏:‏ إذا بسط الله لك الرزق فابسط وإذا قبض فاقبض‏.‏

وعبتموني حين قلت‏:‏ فضل الغنى على القوت إنما هو كفضل الآلة تكون في البيت أن احتيج إليها استعملت وإن استغني عنها كانت عدة‏.‏

وقد قال الحصين بن المنذر‏:‏ وددت أن لي مثل أحد ذهباً لا أنتفع منه شيء‏.‏

قيل له‏:‏ فما كنت تصنع به قال‏:‏ لكثرة من كان يخدمني عليه لأن المال مخدوم‏.‏

وقد قال بعض الحكماء‏:‏ عليك بطلب الغنى فلو لم يكن فيه إلا أنه عز في قلبك وذل في قلب عدوك لكان الحظ فيه جسيماً والنفع فيه عظيماً‏.‏

ولسنا ندع سيرة الأنبياء وتعليم الخلفاء وتأديب الحكماء لأصحاب اللهو ولستم علي تردون ولا رأيي تفندون فقدموا النظر قبل العزم وأدركوا ما عليكم قبل أن تدركوا ما لكم والسلام عليكم‏.‏

ومن اللؤم التطفيل وهو التعرض للطعام من غير أن يدعى إليه‏.‏

أخبار الطفيليين أولهم طفيل العرائس وإيه نسب الطفيليون وقال لأصحابه‏:‏ إذا دخل أحدكم عرساً فلا يلتفت تلفت المريب ويتخير المجالس وإن كان العرس كثير الزحام فليمض ولا ينظر في عيون الناس لظن أهل المرأة أنه من أهل الرجل ويظن أهل الرجل أنه من أهل المرأة فإن كان البواب غليظاً وقاحاً فتبدأ به وتأمره وتنهاه من غير تعنف عليه ولكن بين النصيحة والإدلال‏.‏

القحذمي قال‏:‏ يقول الطفيليون‏:‏ ليس في الأرض عود أكرم من ثلاثة أعواد‏:‏ عصا موسى وخشب منبر الخليفة وخوان الطعام‏.‏

وكان أبو العرقين الطفيلي قد نقش في خاتمه‏:‏ اللؤم شؤم‏.‏

فقيل له‏:‏ هذا رأس التطفيل‏.‏

أحمد بن علي الحاسب قال‏:‏ مر طفيلي بسكة النخع بالبصرة على قوم وعندهم وليمة فاقتحم عليهم وأخذ مجلسه مع من دعي فأنكره صاحب المجلس‏.‏

فقالوا له‏:‏ لو تأنيت أو وقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك قال‏:‏ إنما اتخذت البيوت ليدخل فيها ووضعت الموائد ليؤكل عليها وما وجهت بهدية فأتوقع الدعوة والحشمة قطيعة واطراحها صلة وقد جاء في الأثر‏:‏ ‏"‏ صل من قطعك وأعط من حرمك ‏"‏‏.‏

وأنشد‏:‏ فإذا ما رأيت آثار عرس أو دخاناً أو دعوة الأصحاب لم أعرج دون التقحم لا أر هب طعناً أو لكزة البواب مستهيناً بمن دخلت عليهم غير مستأذن ولا هياب فتراني ألف بالرغم منهم كل ما قدموه لف العقاب ومنهم أشعب الطماع قيل له‏:‏ ما بلغ من طمعك قال‏:‏ لم أنظر إلى اثنين يتساران إلا ظننتهما يأمران لي بشيء‏.‏

وفيه يقال‏:‏ أطمع من أشعب‏.‏

وقف أشعب إلى رجل يعمل طبقاً فقال له‏:‏ أسأل بالله إلا ما زدت في سعته طوقاً أو طوقين‏.‏

فقال له‏:‏ وما معناك في ذلك قال‏:‏ لعله يوماً أن يهدى إلي فيه شيء‏.‏

ساوم أشعب رجلاً في قوس عربية فسأله ديناراً فقال له‏:‏ والله لو أنها إذا رمي بها طائر في جو السماء وقع مشوياً بين رغيفين ما أعطيتك بها ديناراً‏.‏

وبينما قوم جلوس عند رجل من أهل المدينة يأكلون عنده حيتاناً إذ استأذن عليهم أشعب فقال أحدهم‏:‏ إن من شأن أشعب البسط إلى أجل الطعام فاجعلوا كبار هذه الحيتان في قصعة بناحية ويأكل معنا الصغار ففعلوا‏.‏

وأذن له فقالوا له‏:‏ كيف رأيك في الحيتان فقال‏:‏ والله إن لي عليها لحرداً شديداً وحنقاً لأن أبي مات في البحر وأكلته الحيتان‏.‏

قالوا له‏:‏ فدونك خذ بثأر أبيك‏.‏

فجلس ومد يده إلى حوت منها صغير ثم وضعه عند أذنه وقد نظر إلى القصعة التي فيها الحيتان في زاوية المجلس فقال‏:‏ أتدرون ما يقول لي هذا الحوت قالوا‏:‏ لا ندري‏.‏

قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ إنه لم يحضر موت أبي ولم يدركه لأن سنه يصغر عن ذلك ولكن قال لي‏:‏ عليك بتلك الكبار التي في زاوية البيت فهي أدركت أباك وأكلته‏.‏

وكان رجل من الأمراء يستظرف طفيلياً يحضر طعامه وشرابه وكان الطفيلي أكولاً شروباً فلما رأى الأمير كثرة أكله وشربه اطرحه وجفاه فكتب إليه الطفيلي‏:‏ قد قل أكلي وعقل شربي وصرت من بابة الأمير فليدع بي وهو في أمان أن أشرب الراح بالكبير وأقبل طفيلي إلى صنيع فوجد باباً قد أرتج ولا سبيل إلى الوصول فسأل عن صاحب الصنيع‏:‏ إن كان له ولد غائب أو شريك في سفر فأخبر عنه أن له ولداً ببلد كذا‏.‏

فأخذ رقا أبيض وطواه وطبع عليه ثم أقبل متدللاً فقعقع الباب قعقعة شديدة واستفتح وذكر أنه رسول من عند ولد الرجل‏.‏

ففتح له الباب وتلقاه الرجل فرحاً وقال‏:‏ كيف فارقت ولدي قال له‏:‏ بأحسن حال وما أقدر أن أكلمك من الجوع‏.‏

فأمر بالطعام فقدم إليه وجعل يأكل ثم قال له الرجل‏:‏ ما كتب كتاباً معك قال‏:‏ نعم ودفع إليه الكتاب‏.‏

فوجد الطين طرياً‏.‏

فقال له‏:‏ أرى الطين طرياً قال‏:‏ نعم‏.‏

وأزيدك أنه من الكد ما كتب فيه شيئاً‏.‏

فقال‏:‏ أطفيلي أنت قال‏:‏ نعم أصلحك الله‏.‏

قال‏:‏ كل‏:‏ لا هنأك الله‏.‏

وقيل لأشعب‏:‏ ما تقول في ثريدة مغمورة بالزبدة مشقفة باللحم قال‏:‏ فأضرب كم قيل له‏:‏ بل تأكلها من غير ضرب‏.‏

قال‏:‏ هذا ما لا يكون ولكن كم الضرب فأتقدم على بصيرة وقيل لمزبد المديني وقد أكل طعاماً كظه‏:‏ قئ‏.‏

قال‏:‏ أقئ خبزاً نقياً ولحم جدي امرأتي طالق‏:‏ لو وجدتهما قيئاً لأكلتهما‏.‏

وقيل لطفيلي‏:‏ ما أبغض الطعام إليك قال‏:‏ القريص‏.‏

قيل له‏:‏ ولم ذا قال‏:‏ لأنه يؤخر إلى يوم آخر‏.‏

ومر طفيلي بقوم من الكتبة في مشربة لهم فسلم ثم وضع يده يأكل معهم‏.‏

قالوا له‏:‏ أعرفت منا أحداً قال‏:‏ نعم عرفت هذا وأشار إلى الطعام‏.‏

فقالوا‏:‏ قولوا بنا فيه شعراً‏.‏

فقال الأول‏:‏ لم أر مثل سرطة ومطة وقال الثاني‏:‏ ولفة دجاجة ببطة وقال الثالث‏:‏ فقال الإثنان للثلث‏:‏ أما الذي وصفناه من فعله فمفهوم فما يصنع جالينوس تحت إبطه قال‏:‏ يلقمه الجوارشن كلما خاف عليه التخمة يهضم بها طعامه‏.‏

ومر طفيلي على الجماز فقال له‏:‏ ما تأكل قال‏:‏ كلب في قحف خنزير‏.‏

ودخل طفيلي على قوم يأكلون فقال‏:‏ ما تأكلون فقالوا من بغضه‏:‏ سماً‏.‏

فأدخل يده وقال‏:‏ الحياة حرام بعدكم‏.‏

ومر طفيلي على قوم كانوا يأكلون وقد أغلقوا الباب دونه فتسور عليهم من الجدار وقال‏:‏ منعتموني من الأرض فجئتكم من السماء‏.‏

وقيل لطفيلي‏:‏ كم اثنان في اثنين قال أربعة أرغفة‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ كم كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال‏:‏ كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر درهما‏.‏

قال محمد بن أحمد الكوفي حدثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أبيه قال‏:‏ أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة من الزنادقة سموا له بالبصرة فجمعوا وأبصرهم طفيلي فقال‏:‏ ما اجتمع هؤلاء إلا لصنيع فانسل فدخل وسطهم ومضى بهم المتوكلون حتى انتهوا بهم إلى زورق قد أعد لهم فدخل الزورق فقال الطفيلي‏:‏ هي نزهة‏.‏

فدخل معهم فلم يكن بأسرع من أن قيدوا وقيد معهم الطفيلي ثم سير بهم إلى بغداد فأدخلوا على المأمون فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب رقابهم حتى وصل إلى الطفيلي وقد استوفى العدة فقال للموكلين‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ والله ما ندري غير أنا وجدناه مع القوم فجئنا به‏.‏

فقال له المأمون‏:‏ ما قصتك ويلك‏!‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏.‏

امرأته طالق إن كان يعرف من أحوالهم شيئاً ولا مما يدينون الله به إنما أنا رجل طفيلي رأيتهم مجتمعين فظننتهم ذاهبين لدعوة‏.‏

فضحك المأمون وقال‏:‏ يؤدب‏.‏

وكان إبراهيم بن المهدي قائماً على رأس المأمون فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هب لي ذنبه وأحدثك عن حديث عجيب عن نفسي‏.‏

قال‏:‏ قل يا إبراهيم‏.‏

قال‏:‏ خرجت يا أمير المؤمنين من عنك يوماً فطفت في سكك بغداد متطرباً فانتهيت إلى موضع فشممت روائح أبازير قدور قد فاح طيبها فتاقت نفسي إليها وإلى طيب ريحها فوقفت على خياط فقلت‏:‏ لمن هذه الدار قال‏:‏ لرجل من التجار البزازين قلت‏:‏ ما اسمه قال‏:‏ فلان بن فلان فنظرت إلى الدار فإذا بشباك فيها مطل فنظرت إلى كف قد خرجت من الشباك قابضة على عضد ومعصم فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكف والمعصم عن رائحة القدور وبقيت باهتاً ساعة ثم أدركني ذهني فقلت للخياط‏:‏ أهو ممن يشرب النبيذ قال‏:‏ نعم وأحسب أن عنده اليوم دعوة وليس ينادم إلا تجاراً مثله مستورين فبينا أنا كذلك إذا أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدرب فقال الخياط‏:‏ هؤلاء منادموه‏.‏

فقلت‏:‏ ما اسماهما وما كناهما قال‏:‏ فلان وفلان‏.‏

فحركت دابتي وداخلتهما وقلت‏:‏ جعلت فداكما‏.‏

قد استبطأكم أبو فلان أعزه الله وسايرتهما حتى بلغا الباب فأجلاني وقدماني فدخلنا‏.‏

فلما رآني صاحب المنزل لم يشك أني منهما بسبيل أو قادم قدمت عليهما من موضع فرحب بي وأجلست في أفضل المواضع فجيء بالمائدة وعليها خبز نظيف وأتينا بتلك الألوان فكان طعمها أطيب من ريحها فقلت في نفسي‏:‏ هذه الألوان قد أكلتها وبقي الكف والمعصم كيف أصل إلى صاحبتهما ثم رفع الطعام وجاءونا بوضوء فتوضأنا وصرنا إلى بيت المنادمة فإذا أشكل بيت يا أمير المؤمنين وجعل صاحب المنزل يلطف بي ويميل علي بالحديث وجعلوا لا يشكون أن ذلك منه على معرفة متقدمة حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية كأنها جان تثنى كالخيزران فأقبلت فسلمت غير خجلة وثنيت لها وسادة فجلست وأتي بالعود فوضع في حجرها فجسته فاستبنت في جسها حذقها ثم اندفعت تغني‏:‏ توهمها طرفي فأصبح خدها وفيه مكان الوهم من نظري أثر وصافحها كفي فآلم كفها فمن مس كفي في أناملها عقر فهيجت يا أمير المؤمنين بلابلي وطربت لحسن شعرها ثم اندفعت تغني‏:‏ فحدت عن الإظهار عمداً لسرها وحادت عن الإظهار أيضاً على عمد فصحت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ السلاح وجاءني من الطرب ما لم أملك نفسي ثم اندفعت فغنت الصوت الثالث‏:‏ أليس عجيباً أن بيتاً يضمني وإياك لا نخلو ولا نتكلم سوى أعين تشكو الهوى بجفونها وتقطيع أنفاس على النار تضرم إشارة أفواه وغمز حواجب وتكسير أجفان وكف تسلم فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها ومعرفتها بالغناء وإصابتها لمعنى الشعر وأنها لم تخرج من الفن الذي ابتدأت به فقلت‏:‏ بقي عليك يا جارية‏.‏

فضربت بعودها الأرض وقالت‏:‏ متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء فندمت على ما كان مني ورأيت القوم كأنهم تغيروا لي فقلت‏:‏ أما عندكم عود غير هذا قالوا‏:‏ بلى‏.‏

فأتيت بعود فأصلحت من شأنه ثم غنيت‏:‏ ما للمنازل لا يجبن حزيناً أصممن أم قدم المدى فبلينا راحوا العشية روحةً مذكورة إن متن متنا أو حيين حيينا فما أتممته حتى قامت الجارية فأكبت على رجلي تقبلها وقالت‏:‏ معذرةً إليك فوالله ما سمعت أحد يغني هذا الصوت عناءك وقام مولاها وأهل المجلس ففعلوا كفعلها وطرب القوم أفي الحق أن تمسي ولا تذكرينني وقد سفحت عيناي من ذكرك الدما فردي مصاب القلب أنت قتلته ولا تتركيه ذاهل العقل مغرما إلى الله أشكو بخلها وسماحتي لها عسل مني وتبذل علقما إلى الله أشكو أنها مادرية وأني لها بالود ما عشت مكرما فطرب القوم حتى خرجوا من عقولهم فأمسكت عنهم ساعة حتى تراجعوا ثم اندفعت أغني الثالث‏:‏ هذا محبك مطويٌ على كمده حرى مدامعه تجري على جسده له يد تسأل الرحمن راحته مما جنى ويد أخرى على كبده فجعلت الجارية تصيح‏:‏ هذا الغناء والله يا سيدي لا ما كنا فيه وسكر القوم‏.‏

وكان صاحب المنزل حسن الشرب الصحيح العقل فأمر غلمانه أن يخرجوهم ويحفظوهم إلى منازلهم وخلوت معه فلما شربنا أقداحاً قال‏:‏ يا هذا ذهب ما مضى من أيامي ضياعاً إذ كنت لا أعرفك فمن أنت يا مولي ولم يزل يلح حتى أخبرته الخبر فقام وقبل رأسي وقال‏:‏ وأنا أعجب يا سيدي أن يكون هذا الأدب إلا لمثلك وأني لجالس مع الخلافة ولا أشعر ثم سألني عن قصتي فأخبرته حتى بلغت خبر الكف والمعصم فقال للجارية‏:‏ قومي فقولي لفلانة تنزل ثم لم يزل ينزل جواريه واحدةً بعد أخرى وأنظر إلى كفها ومعصمها وأقول‏:‏ ليست هي حتى قال‏:‏ والله ما بقي غير زوجتي وأختي ووالله لأنزلنهما إليك فعجبت من كرمه وسعة صدره فقلت‏:‏ جعلت فداءك ابدأ بالأخت قبل الزوجة فعساها هي فبرزت فلما رأيت كفها ومعصمها قلت‏:‏ هي هذه فأمر غلمانه فمضوا إلى عشرة مشايخ من جلة جيرانه فأقبلوا بهم وأمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم فقال للمشايخ‏:‏ هذه أختي فلانة أشهدكم أني زوجتها من سيدي إبراهيم بن المهدي وأمهرتها عنه عشرين ألفاً فرضيت النكاح‏.‏

فدفع إليها البدرة وفرق الأخرى على المشايخ وقال لهم‏:‏ انصرفوا‏.‏

ثم قال‏:‏ يا سيدي أمهد لك بعض البيوت فتنام مع أهلك‏.‏

فأحشمني ما رأيت من كرمه فقلت‏:‏ بل أحضر عمارية وأحملها إلى منزلي‏.‏

قال‏:‏ ما شئت فأحضرت عمارية وحملتها إلى منزلي فوالله يا أمير المؤمنين لقد أتبعها من الجهاز ما ضاق عنه بعض بيوتنا فأولدتها هذا القائم على رأس أمير المؤمنين‏.‏

فعجب المأمون من كرم الرجل وأطلق الطفيلي وأجازه وألحق الرجل في أهل خاصته‏.‏

ومر طفيلي بقوم يتغدون فقال‏:‏ سلام عليكم معشر اللئام‏.‏

فقالوا‏:‏ لا والله بل كرام‏.‏

فثنى رجله وجلس وقال‏:‏ اللهم اجعلهم من الصادقين واجعلني من الكاذبين‏.‏

ودخل طفيلي من أهل المدينة على الفضل بن يحيى وبيده تفاحة فألقاها إليه وقال‏:‏ حياك الله يا مدني فلزمها وأكلها‏.‏

فقال له‏:‏ شؤم عليك يا مدني أتأكل التحيات قال‏:‏ إي والله والزاكيات الطيبات كنت آكلها‏.‏

وقال إبراهيم الموصلي في طفيلي كان يصحبه‏:‏ نعم النديم نديم لا يكلفني ذبح الدجاج ولا ذبح الفراريج يكفيه لونان من كشك ومن عدس ولو يشاء فزيتون بطسوج وقال طفيلي في نفسه‏:‏ نحن قوم إذا دعينا أجبنا ومتى ننس يدعنا التطفيل ونقل علنا دعينا فغبنا وأتانا فلم يجدنا الرسول وقال آخر وأتى طعاماً لم يدع إليه فقيل له‏:‏ من دعاك فأنشأ‏:‏ دعوت نفسي حين لم تدعني فالحمد لي لا لك في الدعوة وكان ذا أحسن من موعد مخلفه يدعو إلى الجفوة ودخل طفيلي في صنيع رجل من القبط فقال له‏:‏ من أرسل لك فأنشأ‏:‏ أزوركم لا أكافيكم بجفوتكم إن المحب إذا ما لم يزر زارا فقال له القبطي‏:‏ زر زارا ليس ندري من هو اخرج من بيتي‏.‏

ونظر رجل من الطفيليين إلى قوم من الزنادقة يسار بهم إلى القتل فرأى لهم هيئة حسنة وثياباً نقية فظنهم يدعون إلى وليمة فتلطف حتى دخل في لفيفهم وصار واحداً منهم فلما بلغ صاحب الشرطة قال‏:‏ أصلحك الله لست والله منهم وإنما أنا طفيلي ظننتهم يدعون إلى صنيع فدخلت في جملتهم‏.‏

فقال‏:‏ ليس هذا مما ينجيك مني اضربوا عنقه‏.‏

فقال‏:‏ أصلحك الله إن كنت ولا بد فاعلاً فأمر السياف أن يضرب بطني بالسيف فإنه هو الذي ورطني هذه الورطة‏.‏

فضحك صاحب الشرطة وكشف عنه فأخبروه أنه طفيلي معروف فخلى سبيله‏.‏

وقال طفيلي‏:‏ ألا ليت لي خبزاً تسربل رائباً وخيلاً من البرني فرسانها الزبد فأطلب فيما بينهن شهادةً بموت كريم لا يشق له لحد وكان أشعب يختلف إلى ينة بالمدينة يطارحها الغناء فلما أراد الخروج إلى مكة قال لها‏:‏ ناوليني هذا الخاتم الذي في إصبعك لأذكرك به‏.‏

قالت‏:‏ إنه ذهب وأخاف أن تذهب ولكن خذ هذا العود لعلك تعود‏.‏

اصطحب شيخ وحدث من الأعراب فكان لهما قرص في كل يوم وكان الشيخ متخلع الأضراس بطيء الأكل فكان الحدث يبطش بالقرص ثم يقعد يشتكي العشق ويتضور الشيخ لقد رابني من جعفر أن جعفراً يطيش بقرصي ثم يبكي على جمل فقلت له لو مسك الحب لم تبت سميناً وأنساك الهوى شدة الأكل وقال الحدث‏:‏ إذا كان في بطني طعامٌ ذكرتها وإن جعت يوماً لم تكن لي على ذكر ويزداد حبي إن شبعت تجدداً وإن جعت غابت عن فؤادي وعن فكري وكان أشعب يختلف إلى جارية في المدينة ويظهر لها التعاشق إلى أن سألته سلفة نصف درهم فانقطع عنها وكان إذا لقيها في طريق سلك طريقاً أخرى فصنعت له نشوقاً وأقبلت به إليه فقال لها‏:‏ ما هذا قالت‏:‏ نشوق عملته لك لهذا الفزع الذي بك‏.‏

فقال‏:‏ اشربيه أنت للطمع فلو انقطع طمعك انقطع فزعي وأنشأ يقول‏:‏ أخلفي ما شئت وعدي وامنحيني كل صدِّ قد سلا بعدك قلبي فاعشق من شئت بعدي إنني آليت لا أع شق من يعشق نقدي وقيل لأشعب‏:‏ ما أحسن الغناء قال‏:‏ نشيش المقلي‏.‏

قيل له‏:‏ فما أطيب الزمان قال‏:‏ إذا كان عندك ما تنفق‏.‏

وكان أشعب يغني‏:‏ وكان الحب في القلب فصار الحب في المعده وقال آخر في طفيلي من أهل الكوفة‏:‏ زرعنا فلما تمم الله زرعنا وأوفى عليه منجل بحصاد بلينا بكوفي حليف مجاعة أضرّ بزرع من دبي وجراد وقال هشام أخو ذي الرُّمة لرجل أراد سفراً‏:‏ إن لكل رفقة كلباً يشركهم في فضلة الزاد فإن استطعت أن تكون كلب الرفاق فافعل‏.‏

وخرج أبو نواس متنزهاً مع شطار من أصحابه فنزلوا روضة ووضعوا شراباً فمر بهم طفيلي فتطارح عليهم فقال أبو نواس‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ أبو الخير‏.‏

فرحب به وقعد معهم‏.‏

ثم مرت بهم جارية فسلمت فرد عليها وقال لها‏:‏ ما اسمك قالت‏:‏ زانة‏.‏

قال أبو نواس لأصحابه‏:‏ اسرقوا الياء من أبي الخير فأعطوها زانة فتكون زانية ويكون أبو الخير أبا الخرء كما هو‏.‏

ففعلوا‏.‏

الجاحظ قال‏:‏ دعي أبو عبد الله الواسطي إلى صنيع فدعاني فدعوت أبا الفلوسكي‏.‏

فلما كان من الغد صبح الفلوسكي الجاحظ فقال له‏:‏ أما تذهب بنا هناك يا أبا عثمان قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فذهبنا حتى أتينا دار صاحب الصنيع فلم يكن علينا كسوة رائعة ولا تحتنا دواب فتدخل تجاهنا فوجدنا البواب ذا غلظ وجفا فمنعنا فانحدرنا في جانب الإيوان ننتظر أحداً يعلم أبا عبد الله الواسطي بحالنا‏.‏

فمكثنا حيناً حتى أتى من نعرفه فسألناه أن يعلم أبا عبد الله الواسطي بنا فلما أخبر خرج إلينا يتلقانا فتقدمني الفلوسكي وتقدمه حتى أتى صدر المجلس فقعد فيه ثم قال لي‏:‏ ها هنا عندنا يا أبا عثمان‏.‏

فلما خلونا ثلاثتنا قلت للفلوسكي‏:‏ كيف تسمي العرب من أمالت أنفسها قال الفلوسكي‏:‏ تسميه ضيفاً فقال له الجاحظ‏:‏ وكيف تسمي من أماله الضيف قال‏:‏ تسميه ضيفاً‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ وكيف تسمي من أماله الضيفان قال‏:‏ ما لمثل هذا عند العرب تسمية قال الجاحظ‏:‏ فقلت‏:‏ قد رضيت أن تكون في منزلة من التطفيل لم تجد لها العرب اسماً ثم تتحكم تحكم صاحب البيت

  باب من أخبار المحارفين الظرفاء

منهم أبو الشمقمق الشاعر وكان أديباً طريقاً محارفاً وكان صعلوكاً متبرماً بالناس وقد لزم بيته في أطمار مسحوقة وكان إذا استفتح عليه أحد بابه خرج فينظر من فروج الباب فإن أعجبه الواقف فتح له وإلا سكت عنه‏.‏

فأقبل إليه يوماً بعض إخوانه الملطفين له فدخل عليه فلما رأى سوء حاله قال له‏:‏ أبشر أبا الشمقمق فإنا روينا في بعض الحديث‏:‏ إن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة‏.‏

فقال‏:‏ إن صح والله هذا الحديث كنت أنا في ذلك اليوم بزازاً ثم أنشأ يقول‏:‏ أنا في حال تعالى الله ربي أي حال ليس لي شيء إذا قي ل لمن ذا قلت ذا لي ولقد أفلست حتى محت الشمس خيالي ولقد أفلست حتى حل أكلي لعيالي وله‏:‏ أتراني أرى من الدهر يوماً لي فيه مطية غير رجلي حيث كنت لا أخاف رحيلاً من رآني فقد رآني ورحلي وقال أبو الشمقمق أيضاً‏:‏ لو قد رأيت سريري كنت ترحمني الله يعلم ما لي فيه تليس والله يعلم ما لي فيه شادكةٌ إلا الحصيرة والأطمار والديس وقال أيضاً‏:‏ برزت من المنازل والقباب فلم يعسر على أحد حجابي فمنزلي الفضاء وسقف بيتي سماء الله أو قطع السحاب فأنت إذا رأدت دخلت بيتي علي مسلماً من غير باب لأني لم أجد مصراع باب يكون من السحاب إلى التراب ولا انشق الثرى عن عود تخت أؤمل أن أشد به ثيابي ولا خفت الإباق على عبيدي ولا خفت الهلاك على دوابي ولا حاسبت يوماً قهرماني محاسبة فأغلط في حسابي وفي ذا راحة وفراغ بال فدأب الدهر ذا أبداً ودابي ولو أني وضعت ياقوتةً حم راء في راحتي لصارت زجاجا ولو أني وردت عذباً فراتاً عاد لا شك فيه ملحاً أجاجاً فإلى الله اشتكى وإلى الفض ل فقد أصبحت بزاتي دجاجا وقال عمرو بن الهدير‏:‏ وقفت فلا أدري إلى أين أذهب وأي أموري بالعزيمة أركب عجبت لأقدار علي تتابعت بنحس فأفنى طول عمري التعجب ولما التمست الرزق فانجد حبله ولم يصف لي في بحره العذب مشرب خطبت إلى الإعدام إحدى بناته لرفع الغنى إياي إذ جئت أخطب فزوجنيها ثم جاء جهازها وفيه من الحرمان تخت ومشجب فأولدتها الحرف النقي فما له على الأرض غيري والد حين ينسب فلو تهت في البيداء والليل مسبل علي جناحيه لما لاح كوكب ولو خفت شراً فاستترت بظلمة لأقبل ضوء الشمس من حيث تغرب وإن يقترف ذنباً ببرقة مذنب فإن برأسي ذلك الذنب يعصب وإن أر خيراً في المنام فنازح وإن أر شراً فهو مني مقرب ولم أغد في أمرٍ أريد نجاحه فقابلني إلا غراب وأرنب أمامي من الحرمان جيشٌ عرمرم ومنه ورائي جحفل حين أركب وقال آخر‏:‏ ليس إغلاقي لبابي أن لي فيه ما أخشى عليه السرقا إنما أغلقته كيلا يرى سوء حالي من يمر الطرقا منزل أوطنه الفقر فلو يدخل السارق فيه سرقا وقال الحسن بن هانئ في هذا المعنى‏:‏ الحمد لله ليس لي نشب فخف ظهري وقل زواري من نظرت عينه إلي فقد أحاط علماً بما حوت داري جهري في البيت كامنٌ وعلى مدرجة الرائحين أسراري وقال بعض المحارفين‏:‏

  كتاب الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان

‏"‏ وتفاضل البلدان ‏"‏ ‏"‏ فرش ‏"‏ الكتاب قال أحمد بن محمد بن عبد ربه رحمه الله‏:‏ قد مضى قولنا في المتنبئين والممرورين والبخلاء والطفيليين والمحدودين‏.‏

ونحن قائلون بعون الله وتوفيه في طبائع الإنسان وسائر الحيوان وتفاضل البلدان والنعمة والسرور إذ لم يكن مدار الدنيا إلا عليها ولا قوام الأبدان إلا بها وإذ هي ثمرة الفراسة وتركيب الغريزة واختلاف الهمم وطيب الشيم وتفاضل الطعوم‏.‏

وقد تكلم الناس في النعمة والسرور على تباين أحوالهم واختلاف هممهم وتفاوت عقولهم وما يجانس كل رجل منهم في طبعه ويؤالفه في نفسه ويميل إليه في وهمه‏.‏

وإنما اختلف الناس في هذا المذهب لاختلاف أنفسهم فمنهم من نفسه غضبية فإنما همه منافسة الأكفاء ومغالبة الأقران ومكاثرة العشيرة‏.‏

ومنهم من نفسه ملكية فإنما همه التفنن في العلوم وإدراك الحقائق والنظر في العواقب‏.‏

ومنهم من نفسه بهيمية فإنما همه طلب الراحة وإهمال النفس على الشهوة من الطعام والشراب والنكاح وعلى هذه الطبيعة البهيمية قسمت الفرس دهرها كله فقالوا‏:‏ يوم المطر للشرب ويوم الريح للنوم ويوم الدجن للصيد ويوم الصحو للجلوس‏.‏

وهي أغلب الطبائع على الإنسان لأخذها بمجامع هواه وإيثار الراحة وقلة العمل فمنه قولهم‏:‏ الرأي نائم والهوى يقظان‏.‏

وقولهم‏:‏ الهوى إله معبود‏.‏

وقولهم‏:‏ ربيع القلب ما اشتهى‏.‏

وقولهم‏:‏ لا عيش كطيب نفس‏.‏

النفس الملكية قيل لضرار بن عمرو‏:‏ ما السرور قال‏:‏ إقامة الحجة وإيضاح الشبهة‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ ما السرور قال‏:‏ إحياء السنة وإماتة البدعة‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ ما السرور قال‏:‏ إدراك الحقيقة واستنباط الدقيقة‏.‏

وقال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم‏:‏ ما النعمة قال‏:‏ الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش‏.‏

قال له‏:‏ زدني‏.‏

قال‏:‏ فالصحة فإني رأيت المريض لا ينتفع بعيش‏.‏

قال له‏:‏ زدني‏.‏

قال له‏:‏ الغنى فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش‏.‏

قال له‏:‏ زدني‏.‏

فالشباب فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش‏.‏

قال له‏:‏ زدني‏.‏

قال‏:‏ ما أجد مزيداً‏.‏

وقيل لأعرابي‏:‏ ما السرور قال‏:‏ الأمن والعافية‏.‏

قيل لحضين بن المنذر‏:‏ ما السرور قال‏:‏ لواء منشور والجلوس على السرير والسلام عليك أيها الأمير‏.‏

وقيل للحسن بن سهل‏:‏ ما السرور قال‏:‏ توقيع جائز وأمر نافذ‏.‏

وقيل لعبد الله بن الأهتم‏.‏

ما السرور قال‏:‏ رفع الأولياء ووضع الأعداء وطول البقاء مع الصحة والنماء‏.‏

وقيل لزياد‏:‏ ما السرور قال‏:‏ من طال عمره ورأى في عدوه ما يسره‏.‏

وقيل لأبي مسلم صاحب الدعوة‏:‏ ما السرور قال‏:‏ ركوب الهمالجة وقتل الجبابرة‏.‏

وقيل له‏:‏ م اللذة قال‏:‏ إقبال الزمان وعز السلطان‏.‏

النفس البهيمية قيل لامرئ القيس‏:‏ ما السرور قال‏:‏ بيضاء رعبوبة بالطيب مشبوبة باللحم مكروبة‏.‏

وكان مفتوناً بالنساء‏.‏

وقيل لأعشى بكر‏:‏ ما السرور قال‏:‏ صهباء صافية تمزجها ساقية من صوب غادية‏.‏

وكان مغرماً بالشراب‏.‏

وقيل لطرفة‏:‏ ما السرور فقال‏:‏ مطعم هني ومشرب روي وملبس دفي ومركب وطي‏.‏

وكان يؤثر الخفض والدعة‏.‏

وقال طرفة‏:‏ فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبق العاذلات بشربة كميت متى ما تعل بالماء تزبد وكري إذا نادى المضاف محنباً كسيد الغضا في الطخية المتورد وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ببهكنة تحت الخباء الممدد وسمع بهذه الأبيات عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال‏:‏ وأنا والله لولا ثلاث لم أحفل متى قام عودي‏:‏ لولا أن أعدل في الرعية وأقسم بالسوية وأنفر في السرية‏.‏

وقال عبد الله بن نهيك على مذهب طرفة‏:‏ فلولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتى وربك لم أحفل متى قام رامس فمنهن سبق العاذلات بشربة كأن أخاها مطلع الشمس ناعس ومنهن تقريط الجواد عنانه إذ ابتدر الشخص الكمي الفوارس ومنهن تجريد الكواكب كالدمى إذا ابتز عن أكفالهن الملابس وقيل لحرقة بنت النعمان‏:‏ ما كانت لذة أبيك قالت‏:‏ شرب الجريال ومحادثة الرجال‏.‏

وقيل لحضين بن المنذر‏:‏ ما السرور قال‏:‏ دار قوراء وجارية حوراء وفرس مرتبط بالفناء‏.‏

وقيل للحسن بن هانئ‏:‏ ما السرور قال‏:‏ مجالسة الفتيان في بيوت القيان ومنادمة الإخوان على قضب الريحان وأنشأ يقول‏:‏ قلت بالقفص لموسى ونداماي نيام يا رضيعي ثدي أم ليس لي عنه فطام إنما العيش سماع ومدام وندام فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام وقال معاوية لعبد الله بن جعفر‏:‏ ما أطيب العيش قال‏:‏ ليس هذا من مسائلك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ عزمت عليك لتقولن‏.‏

قال‏:‏ هتك الحيا واتباع الهوى‏.‏

وقال معاوية لعمرو بن العاص‏:‏ ما العيش قال‏:‏ ليخرج من ها هنا من الأحداث فخرجوا‏.‏

فقال‏:‏ العيش كله في إسقاط المروءة‏.‏

وقال هشام بن عبد الملك‏:‏ الذ الأشياء كلها جليس مساعد يسقط عني مؤونة التحفظ‏.‏

وقيل لأعرابي‏:‏ ما السرور قال‏:‏ لبس البالي في الصيف والجديد في الشتاء‏.‏

البنيان قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من بني بنيانا فليتقنه‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ لذة الطعام والشراب ساعة ولذة الثوب يوم ولذة المرأة شهر ولذة البنيان دهر‏.‏

كلما نظرت إليه تجددت لذته في قلبك وحسنه في عينك‏.‏

وقالوا‏:‏ دار الرجل جنته في الدنيا‏.‏

وقالوا‏:‏ ينبغي للدار أن تكون أول ما تبتاع وآخر ما يباع‏.‏

وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر بن يحيى حين اختط داره ليبنيها‏:‏ هي قميصك إن شئت فضيق وإن شئت فوسع‏.‏

وقال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح‏:‏ كيف منزلك بمنبج قال‏:‏ دون منازل أهلي وفوق منازل أهلها‏.‏

قال‏:‏ وكيف ذلك وقدرك فوق أقدارهم قال‏:‏ ذلك خلق أمير المؤمنين أحتذي مثاله‏.‏

ولما دخل هارون منبجاً قال لعبد الملك بن صالح‏:‏ هذا منزلك قال‏:‏ هو لأمير المؤمنين ولي به‏.‏

قال‏:‏ كيف ماؤه قال‏:‏ أطيب ماء‏.‏

قال‏:‏ كيف هواؤه قال‏:‏ أفسح هواء‏.‏

وذكر عند جعفر بن يحيى الدار الفسيحة الجو الطيبة النسيم فقال رجل عنده‏:‏ لقد دخلت الطائف فكأني كنت أبشر وكأن قلبن ينضح بالسرور ولا أجد لذلك علة إلا طيب نسيمها وانفساح هوائها‏.‏

وقيل للحسن بن سهل‏:‏ كيف نزلت الأطراف قال‏:‏ لأنها منازل الأشراف ينالون فيها ما أرادوا بالقدرة وينالهم فيها من أرادهم بالحاجة‏.‏

قولهم في الدار الضيقة ما هي إلا قوارة حافر وما هي إلا وجارضبع وما هي إلا قبرة قانص وما هي إلا مفحص قطاة‏.‏

وقالوا‏:‏ ما هي إلا محلة يعسوب برأس سنان‏.‏

ومن مات في دار ضيقة قيل فيه‏:‏ خرج من قبر إلى قبر‏.‏

من كره البنيان كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء بيته فقال‏:‏ ابن ما يكنك عن الهواجر وأذى المطر‏.‏

وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز يستأذنه في بناء مدينة فكتب إليه‏:‏ ابنها بالعدل ونق طرقها من الظلم‏.‏

ومر عمر بن الخطاب ببناء يبني بآجر وجص فقال‏:‏ لمن هذا فقيل‏:‏ لعامل من عمالك‏.‏

فقال‏:‏ أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها‏.‏

وأرسل إليه من يشاطره ماله‏.‏

وقيل ليزيد بن المهلب‏:‏ ما لك لا تبني قال‏:‏ منزلي دار الإمارة أو الحبس‏.‏

ومر رجل من الخوارج بدار تبنى فقال‏:‏ من هذا الذي يقيم كفيلاً والخوارج تقول‏:‏ كل مال لا يخرج بخروجك ويرجع برجوعك فإنما هو كفيل بك‏.‏

ولما بنى أبو جعفر داره بالأنبار دخلها مع عبد الله بن الحسن فجعل يريه بنيانه فيها وما شيد من المصانع والقصور فتمثل عبد الله بن السحن بهذه الأبيات‏:‏ ألم تر حوشباً أضحى يبني قصوراً نفعها لبني بقيله يؤمل أن يعمر عمر نوح وأمر الله يحدث كل ليلة وقالوا في الحجاج بن يوسف إذ بنى مدينة واسط‏:‏ بناها في غير بلده وأورثها غير ولده‏.‏

اللباس إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران‏:‏ رداء وعمامة‏.‏

علي بن عاصم عن أبي إسحاق الشيباني قال‏:‏ مررت بمحمد بن الحنفية واقفاً بعرفات وعليه برد ومطرف خز أصفر‏.‏

الشيباني عن ابن جريج أن ابن عباس كان يرتدي رداء بألف‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي أن ابن عون اشترى برنسا فمرت عليه معادة العدوية فقالت‏:‏ مثلك يلبس هذا قال‏:‏ فذكرت ذلك لابن سيرين فقال‏:‏ ألا أخبرتها أن تميماً الداري اشترى حلة بألف يصلي فيها‏.‏

وقال معمر‏:‏ رأيت قميص أيوب السختياني كاديمس الأرض فسألته عن ذلك فقال‏:‏ إن الشهرة كانت فيما مضى في تذييل القميص وإنها اليوم في تشميره‏.‏

وفي موطأ مالك بن أنس رضي الله عنه أن جابر بن عبد الله قال‏:‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله فقلت‏:‏ هلم يا رسول الله إلى الظل‏.‏

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر‏:‏ وعندنا صاحب له نجهزه يذهب يرعى ظهرنا‏.‏

قال‏:‏ فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه ثوبان‏.‏

قد أخلقا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما له ثوبان غير هذين قلت‏:‏ بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة كسوته إياهما‏.‏

قال‏:‏ فادعه فمره يلبسهما‏.‏

قال‏:‏ فدعوته فلبسهما ثم ولى‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ماله ضرب الله عنقه أليس خيراً له فسمعه الرجل فقال‏:‏ في سبيل الله يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ في سبيل الله‏.‏

فقتل الرجل في سبيل الله‏.‏

العتبي قال‏:‏ أصابت الربيع بن زياد الحارثي نشابة على جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي بن أبي طالب عائداً فقال‏:‏ كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن قال‏:‏ أجدني لو كان لا يذهب ما بي إلا ذهاب بصري لتمنيت ذهابه‏.‏

قال له‏:‏ وما قيمة بصرك عندك قال‏:‏ لو كانت لي الدنيا فديته بها قال‏:‏ لا جرم ليعطيك الله على قدر ذلك إن شاء الله إن الله يعطي على قدر الألم والمصيبة وعنده تعالى تضعيف كثير‏.‏

قال له الربيع‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد قال‏:‏ وماله قال‏:‏ لبس العباء وترك الملاء وغم أهله وأحزن ولده‏.‏

فقال‏:‏ علي عاصماً فلما أتاه عبس في وجهه وقال‏:‏ ويلك يا عاصم أترى الله أباح لي اللذات وهو يكره أخذك منها لأنت أهون على الله من ذلك أو ما سمعته يقول‏:‏ ‏"‏ مرج البحرين يلتقيان‏.‏

بينهما برزخ لا يبغيان ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها ‏"‏‏.‏

أما والله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال‏.‏

وقد سمعته عز وجل يقول‏:‏ ‏"‏ وأما بنعمة ربك فحدث ‏"‏‏.‏

وإن الله عز وجل خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال‏:‏ ‏"‏ يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ‏"‏‏.‏

فقال عصام‏:‏ فعلام اقتصرت أنت يا أمير المؤمنين قال‏:‏ على لبس الخشن وأكل الخشن‏.‏

قال‏:‏ إن الله افترض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتسع على الفقير فقره‏.‏

قال‏:‏ فما برج حتى لبس الملاء ونبذ العباء‏.‏

لباس الصوف قدم حماد بن سلمة البصرة فجاء فرقد السبخي وعليه ثياب صوف فقال له حماد‏:‏ ضع عنك نصرانيتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم فخرج علينا معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له‏.‏

قال أبو الحسن المدائني‏:‏ دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم وإلى خراسان وعليه مدرعة صوف فقال له قتيبة‏:‏ ما يدعوك إلى لباس هذه فسكت عنه فقال له قتيبة‏:‏ أكلمك فلا تجيبني قال‏:‏ أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي أو أقول فقراً فأشكو ربي‏.‏

وقال ابن السماك لأصحاب الصوف‏:‏ والله لئن كان لباسكم وفقاً لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها ولئن كان مخالفاً لها لقد هلكتم‏.‏

وكان القاسم بن محمد يلبس الخز وسالم بن عبد الله يلبس الصوف ومقعدهما واحد في مسجد المدينة فلا ينكر بعضهما على بعض شيئاً‏.‏

وقال محمود الوراق في أصحاب الصوف‏:‏ تصوف كي يقال له أمينٌ وما يعني التصوف والأمانة ولم يرد الإله به ولكن أراد به الطريق إلى الخيانة التزين والتطيب دخل رجل على محمد بن المنكدر يسأله عن التزين والتطيب فوجده قاعداً على فرش حشايا مصبغة وجارية تغلفه بالغالية فقال له‏:‏ يرحمك الله جئت أسألك عن شيء فوجدتك فيه‏.‏

قال‏:‏ على هذا أدركت الناس‏.‏

وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إياكم والشعث حتى لو لم يجد أحدكم إلا زيتونة فليعصرها وليدهن بها‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة‏:‏ ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء قالت‏:‏ يا رسول الله أو لسنا من العرب قال‏:‏ بلى وربما أنسيت العرب الكلمة فيعلمنيها جبريل‏.‏

الشعثاء‏:‏ التي لا تدهن‏.‏

والمرهاء‏:‏ التي لا تكتحل‏.‏

والسلتاء‏:‏ التي لا تختضب‏.‏

وقال صلى الله عليه و سلم ما نلت من دنياكم إلا النساء والطيب‏.‏

وروى مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال‏:‏ يا رسول الله إن لي جمة أفأرجلها يا رسول الله قال‏:‏ نعم وأكرمها‏.‏

قال‏:‏ فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين‏.‏

وروى مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن اخرج فأصلح رأسك ولحيتك‏.‏

ففعل ثم رجع‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان وقد تمادحت العرب بحسن الهيئة وطيب الرائحة فقال النابغة‏:‏ رقاق النعال طيبٌ حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب يصونون أجساداً قديماً نعيمها بخالصة الأردان خضر المناكب وقال الفرزدق‏:‏ بنو دارم قومي ترى حجزاتهم عتاقاً حواشيها رقاقاً نعالها يجرون هداب اليماني كأنهم سيوف جلا الأطباع عنها صقالها وقال طرفة‏:‏ أسد غيل فإذا ما فزعوا غير أنكاس ولا هوج هذر فإذا ما شربوا وانتشوا وهبوا كل أمون وطمر ثم راحو عبق المسك بهم يلحفون الأرض هداب الأزر وقال كثير عزة‏:‏ أشم من الغادين في كل حلة يميسون في صبغ من العصب متقن لهم أزر حمر الحواشي يطونها بأقدامهم في الحضرمي الملسن وقال آخر‏:‏ من النفر الشم الذين إذا اعتزوا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا وقال آخر‏:‏ يشبهون ملوكاً في مجلتهم وطول أنضية الأعناق واللمم إذا غدا المسك يجري في مفارقهم راحو كأنهم مرضى من الكرم وقال آخر في علي بن داود الهاشمي‏:‏ أما أبوك فذاك الجود نعرفه وأنت أشبه خلق الله بالجود كأن ديباجتي خديه من ذهب إذا تعصب في أثوابه السود الرحلة والركوب سمع عمرو بن العاص رجلاً يقول‏:‏ الرجلة قطعة من العذاب‏.‏

فقال له‏:‏ لم تحسن بل العذاب قطعة من الرجلة‏.‏

ولما مشي هارون إلى مكة ومشت معه زبيدة كانت تبسط الدرانك أمامهم وتطوي خلفهم فلما أعيا دعا بخادم له فألقي ذراعه عليه وتأوه وقال‏:‏ والله لركوب حمار شموس خير من المشي على الدرانك‏.‏

قال الشاعر‏:‏ وما عن رضاً صار الحمار مطيتي ولكن من يمشي سيرضى بما ركب وقال أعرابي‏:‏ يا ليت لي نعلين من جلد الضبع كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع الخيل قد مضى من قولنا في وصف الخيل وفضائلها في كتاب الحروب ما كفى عن إعادتها هنا‏.‏

البغال قال مسلمة بن عبد الملك‏:‏ ما ركب الناس مثل بغلة طويلة العنان قصيرة العذار سفواء العرف حصاء الذنب سوطها عنانها وهمها أمامها‏.‏

وعاتب الفضل بن الربيع بعض الهاشميين في ركوب بغلة فقال‏:‏ هذا مركب تطامن عن خيلا الفرس وارتفع عن ذلة الحمار وخير الأمور أوسطها‏.‏

الحمير قيل للفضل الرقاشي‏:‏ إنك لتؤثر الحمير على سائر الدواب‏.‏

قال‏:‏ لأنها أرفق وأوفق‏.‏

قيل‏:‏ ولم ذلك قال‏:‏ لا تستبدل بالمكان على طول الزمان ثم هي أقل داء وأيسر دواء وأخفض مهوى وأسلم صريعا وأقل جماحا وأشهر فارها وأقل نظيراً يزهي راكبه وقد تواضع بركوبه ويعد مقتصداً وقد أسرف في ثمنه‏.‏

وقال جرير بن عبد الله‏:‏ لا تركب حماراً إن كان حديداً أتعب يديك وإن كان بليداً أتعب رجليك‏.‏

طبائع الإنسان وسائر الحيوان زعم علماء الطب أن في الجسد من الطبائع الأربع اثني عشر رطلاً‏:‏ فللدم منها ستة أرطال وللمرة الصفراء والسوداء والبلغم ستة أرطال‏.‏

فإن غلب الدم الثلاث الطبائع تغير منه الوجه وورم ويخرج ذلك إلى الجذام‏.‏

وإن غلبت الثلاث الطبائع الدم أحدث المد فإذا خاف الإنسان غلبة هذه الطبائع بعضها على بعض فليعدل جسده بالاقتصاد وينقيه بالمشي فإن لم يفعل اعتراه ما وصفنا‏:‏ إما جذام وإما مد‏.‏

أسأل الله العافية ولا بأس بعلاج الجسد في جميع الأزمان إلا من النصف من تموز إلى النصف من آب فذلك ثلاثون يوماً لا يصلح فيها علاج إلا أن ينزل مرض لا بد من مداواته‏.‏

جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم قال‏:‏ الغلام كل سنة مقدار أربع أصابع من أصابعه‏.‏

حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه قرأ في التوراة‏:‏ إن الله عز وجل حين خلق آدم ركب جسده من أربعة أشياء ثم جعلها وراثة في ولده تنمو في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة‏:‏ رطب ويابس وسخن وبارد‏.‏

قال‏:‏ وذلك أني خلقته من تراب وماء وجعلت فيه يبساً فيبوسة كل جسد من قبل التراب ورطوبته من قبل الماء وحرارته من قبل النفس وبرودته من قبل الروح‏.‏

ثم خلقت للجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع أخر وهي ملاك الجسد وقوامه لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بالأخرى‏:‏ المرة السوداء والمرة الصفراء والدم الرطب الحار والبلغم البارد‏.‏

ثم أسكنت بعض هذا الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في المرة الصفراء فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كل واحدة فيها وفقاً لا تزيد ولا تنقص كملت صحته واعتدل نباته‏.‏

وإن زادت بقدر ما زادت‏.‏

وإن كانت ناقصةً عنهن ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهنلقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقارنتهن‏.‏

قال وهب بم منبه‏:‏ وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليته وغضبه في كبده وصرامته في قلبه ورعبه في رئته وضحكه في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه وجعل فيه ثلثمائة وستين مفصلاً‏.‏

الأصمعي‏:‏ من لم يخف شعره قبل الثلاثين لم يصلع أبداً ومن لم يحمل اللحم قبل الثلاثين لم يحمله أبداً‏.‏

حدث زيد بن أخزم قال‏:‏ حدثني بشر بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي مخنثاً‏.‏

وقالوا‏:‏ كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه إذا خصي نقص ريحه وذهب صنانه غير الإنسان فإنه إذا خصي زاد نتنه واشتد صنانه وخبث عرقه وريحه‏.‏

وقالوا‏:‏ وكل شيء من الحيوان يخصى فإن عظمه يرق وإذا رق عظمه استرخى لحمه إلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض‏.‏

وقالوا‏:‏ الخصي والمرأة لا يصلعان أبداً والخصي تطول قدمه وتعظم‏.‏

وبلغني أنه كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره وحسن‏.‏

قالوا‏:‏ والخصي تلين معاقد عصبه وتسترخي ويعتريه الاعوجاج والفدع في أصابعه وتسرع دمعته ويجود جلده ويسرع غضبه ورضاه ويضيق صدره عن كتمان السر‏.‏

وزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع كما تطول أعمار البغال‏.‏

وقالوا‏:‏ إن على قصر أعمار العصافير من كثرة الجماع‏.‏

وقالوا‏:‏ في الغلمان من لا يحتلم أبداً وفي النساء من لا تحيض أبداً وذلك عيب‏.‏

ومن الناس من لا يسقط شعره ولا يتبدل سنه فمنهم عبد الصمد بن علي ذكروا أنه دخل قبره برواضعه‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ إن الجنين يغتذي بدم الحيض يقبل إليه من قبل السرة ولذلك لا تحيض الحوامل إلا القليل‏.‏

وقد رأينا من الحوامل من تحيض‏.‏

وذلك لكثرة الدم‏.‏

وتقول العرب‏:‏ حملت المرأة سهواً إذا حاضت عليه‏.‏

وقال الهذلي‏:‏ ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل يعني أنها لم تر عليه دم حيض في حملها به‏.‏

وقالوا‏:‏ فإذا خرج الولد من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان الجنين يغتذيه إلى الثديين وهما عضوان باردان عصبيان يغيرانه لبناً خالصاً سائغاً للشاربين‏.‏

وقالوا‏:‏ يعيش الإنسان حيث تعيش النار ويتلف حيث لا تبقى النار‏.‏

وأصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على فتق في بطن الأرض أو مغارة قدموا شمعة في طرف قناة فإن عاشت بالنار وثبتت دخلوا في طلبها وإلا أمسكوا‏.‏

والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً‏.‏

وكان قيس بن زهير أزرق بكراً ابن بكرين‏.‏

وحدث محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن حارث بن نوفل قال‏:‏ بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة‏.‏

يعني من الشياطين‏.‏

قالوا‏:‏ وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه‏.‏

والعرب تذكر أن الغيرى لا تنجب‏.‏

وقال عمرو بن معد يكرب‏:‏ ألست تصير إذا ما نسب ت بين المغارة والأحمق قالت الحكماء‏:‏ كل امرأة أو دابة تبطئ عن الحمل إن واقعها الفحل في الأيام التي يجري فيها الماء في العود فإنها تحمل بإذن الله‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيباً لأن بلادهم سخنت جداً فأحرقتهم في الأرحام‏.‏

وكذلك من بردت بلاده فلم تنضجه الرحم‏.‏

وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال‏.‏

وقالوا‏:‏ الشمس هي التي شيطت شعر الزنج وقبضته والشعر إن أدنيته من النار تقبض فإذا زدته شيئاً تفلفل فإن زدته احترق‏.‏

وقالوا‏:‏ أطيب الأمم أفواها الزنج وإن لم تستن وذلك لرطوبة أفواهها وكثرة الريق فيها وكذلك الكلاب من سائر الحيوان أطيبها أفواها لكثرة الماء فيها وخلوف فم الصائم يكون لقلة الريق وكذلك الخلوف في آخر الليل‏.‏

وقالت الحكماء أيضاً‏:‏ كل الحيوان إذا ألقي في الماء سبح‏.‏

إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر قالوا‏:‏ وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر إلا إذا أخذ على يساره ولذلك قالوا‏:‏ فمال على وحشية وأنحى على شؤمي يديه‏.‏

وقالوا‏:‏ كل ذي عين ذوات الأربع‏:‏ السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما الأشفار منها بجفنها الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار يعني الهدب بجفنيه معاً الأعلى والأسفل‏.‏

وقالوا‏:‏ كل جلد ينسلخ إلا الإنسان فإن جلده لا ينسلخ‏.‏

وحدث أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ اختصم رجلان إلى عمر رضي الله عنه في غلام كلاهما يدعيه فسأل عمر أمه فقالت‏:‏ غشيني أحدهما ثم أهرقت دماً ثم غشيني الآخر‏.‏

فدعا عمر بالرجلين فسألهما فقال أحدهما‏:‏ أعلن أم سر قال‏:‏ أسر‏.‏

قال‏:‏ اشتركنا فيه‏.‏

فضربه عمر حتى اضطجع‏.‏

ثم سأل الآخر فقال مثل ذلك‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما كنت أرى مثل هذا يكون ولقد علمت أن الكلبة يسفدها الكلاب فتؤدي إلى كل كلب نجله‏.‏

وركب الناس في أرجلهم وركب ذات الأربع في أيديها وكل طائر كفه رجله‏.‏

الليث بن سعد عن ابن عجلان أن امرأة حملت فأقامت حاملاً خمس سنين ثم ولدت وحملت مرة أخرى فأقامت حاملاً ثلاث سنين ثم ولدت‏.‏

وولد الضحاك بن مزاحم وهو ابن ثلاثة عشر شهراً‏.‏

وقال جرير‏:‏ ولد الضحاك لسنتين ما نقص من خلقة الحيوان حدث أبو حاتم عن أبي عبيدة والأصمعي وأبو زيد قالوا‏:‏ الفرس لا طحال له‏.‏

والبعير لا مرارة له والظليم لا مخ له‏.‏

وقال زهير‏:‏ من الظلمان جؤجؤه هواء وكذلك طير الماء‏.‏

والحيتان لا ألسنة لها ولا أدمغة لها وصفن البعير لا بيضة فيه والسكة لا رئة لها ولا تنفس وكل ذي رئة يتنفس‏.‏

المشتركات من الحيوان الراعبي بين الورشان والحمامة‏.‏

والجوامز من الإبل بين العراب والفوالج‏.‏

والحمير الأخدرية من الأخدر فرس كان لأردشير كسرى‏.‏

توحش وحمى عانات حمير فضرب بها‏.‏

وأعمارها كأعمار الخيل‏.‏

والزرافة بين الناقة من نوق الحبش وبين البقرة الوحشية وبين الضبعان واسمها ‏"‏ اشتركا وبلناك ‏"‏ وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين خلق الناقة والضبعان فإن كان ولد تلك الناقة ذكراً عرض للمهاة فألقحها زرافة‏.‏

وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنها جمل وبقرة وضبع‏.‏

والزرافة في كلام العرب‏:‏ الجماعة‏.‏

وقال صاحب المنطق‏:‏ الكلاب تسفدها الذئاب في أرض سلوقية فتكون منها الكلاب السلوقية‏.‏

الأنعام حديث يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما خلق الله دابة أكرم من النعجة وذلك أنه ستر حياها دون حيا غيرها‏.‏

وحدث أبو حاتم عن الأصمعي عن إهاب بن عمير قال‏:‏ كان لنا جمل يعرف فسج الحامل قبل أن يشمها‏.‏

وقيل لأبنة الخس‏:‏ ما تقولين في مائة من المعز قالت‏:‏ قنى‏.‏

قيل‏:‏ فمائة من الضأن قال‏:‏ غنى‏.‏

قيل‏:‏ فمائة من الإبل قالت‏:‏ منى‏.‏

والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعز فتقول‏:‏ أصرد من عنز جرباء‏.‏

سئل دغفل العلامة عن بني مخزوم فقال‏:‏ معزى مطيرة عليها قشعريرة إلا بني المغيرة فإن فيهم تشادق الكلام ومصاهرة الكرام‏.‏

ومما تقول الأعراب على ألسنة البهائم تقول المعزى‏:‏ الاست جهوى والذنب ألوى والجلد زقاق والشعر رفاق‏.‏

والضأن تضع مرة في السنة وتفرد ولا تتئم والمعز قد تلد مرتين في السنة وتضع الثلاثة وأكثر وأقل والنماء والعدد والبركة في الضأن‏.‏

ونحو هذا الخنازير ربما تضع الأنثى عشرين خنزيراً لا نماة فيها ولا بركة‏.‏

ويقال‏:‏ الجواميس ضأن البقر والبخت ضأن الإبل والبراذين ضأن الخيل والحرذان ضأن الفأر والدلدل ضأن القنافذ والنمل ضأن الذر‏.‏

وتقول الأطباء‏:‏ في لحم المعز‏:‏ إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم‏.‏

ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة إضراراً شديداً حتى يصرعهم في غير أوان الصرع‏:‏ الأهلة وأنصاف الشهور‏.‏

وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء ولزيادة القمر إلى أن يصير بدراً بين في زيادة الدماغ والدم وجميع الرطوبات‏.‏

قال الشاعر‏:‏ كأن القوم عشوا لحم ضأن فهم نعجون قد مالت طلاهم وفي الماعز أيضاً أنها ترضع من خلفها وهي محفلة حتى تأتي على كل ما في ضرعها‏.‏

وقال ابن أحمر‏:‏ وإذا رعت الماعزة في فضل نبت ما تأكله الضائنة ولم ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرض بأسنانها والماعزة تقلعه وتجذبه من أصله‏.‏

وإذا حملت الماعزة أنزلت اللبن في أول الحمل إلى الضرع والضائنة لا تنزل اللبن إلا عند الولادة ولذلك تقول العرب‏:‏ رمدت المعزى فربق ربق ورمدت الضأن فربق ربق‏.‏

وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإن الصفايا أحسن منها وأصوات ذكور كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنها أجهر أصواتاً من ذكورها‏.‏

وقرأت في كتاب للروم‏:‏ إذا أردت أن تعرف ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن الجنين يكون على لونه‏.‏

وقرأت فيه‏:‏ إن الإبل تتحامى أمهاتها فلا تسفدها‏.‏

وقالوا‏:‏ كل ثور أفطس وكل بعير أعلم وكل ذباب أقرح‏.‏

وقالوا‏:‏ البعير إذا صعب وخافوه استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم يكومه فحل آخر فيذل وقد يفعل ذلك بالثور‏.‏

وقال بعض القصاص‏:‏ مما فضل الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر‏.‏

وفي مناجاة عزير‏:‏ اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة ومن الطير الحمامة ومن النبات الحبة وفي الحديث ‏"‏ إن الغنم إذا أقبلت وإذا أدبرت أقبلت والإبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم ‏"‏‏.‏

والأقط قد يكون من المعزى‏.‏

قال امرؤ القيس‏:‏ لنا غنم نسوقها غزار كأن قرون جلتها عصي فتملأ بيتنا أقطا وسمنا وحسبك من غنى شبع وري النعام قالوا في الظليم‏:‏ إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر بالحمرة ابتدأ لون وظيفيه بالحمرة فلا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسرة‏.‏

لذلك قيل له خاضب وللنعام خواضب‏.‏

وفي الظليم أن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه نهض على الأخرى والظليم إذا انكسرت إحدى رجليه جثم ولذا قال الشاعر في نفسه وأخيه‏:‏ إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد على أختها نهضا ولا دونها صبرا قالوا‏:‏ وعلة ذلك أنه لا مخ في عظمه‏.‏

وكل عظم كسر يجبر إلا عظما لا مخ فيه‏.‏

والظليم يغتذي المدر والصخر فتذيبه قانصته بطبعها حتى يصير كالماء‏.‏

وفي النعامة أنها أخذت من البعير المنسم والوظيف والعنق والخدامة ومن الطير الريش والجناحين والمناقير فهي لا بعير ولا طائر‏.‏

وقال الأحيمر السعدي‏:‏ كنت ممن خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في البوادي حتى ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريباً من ذلك وإني كنت أرى النوى في رجيع الذئاب وكنت أغشى الذئاب وغيرها من بهائم الوحش ولا تنفر مني لأنها لم تر أحداً قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه إلا النعام فإني لم أره قط إلا نافراً فزعاً‏.‏

الطير بلغني عن مكحول أنه قال‏:‏ كان من دعاء داود النبي عليه السلام‏:‏ يا رازق النعاب في عشه‏.‏

وذلك أن الغراب إذا فقس عن فراخه خرجت بيضاء فإذا رآها كذلك نفر عنها وتفتح أفواهها فيرسل الله ذباباً يدخل في أفواهها فيكون ذلك غذاءها حتى تسود فإذا اسودت عاد الغراب فغذاها ودفع الله الذباب عنها‏.‏

قال الرياشي‏:‏ ليس شيء تغيب أذناه من جميع الحيوان إلا وهو يبيض وليس شيء تظهر أذناه قال‏:‏ هذا يروى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعة من الطير‏:‏ الصرد والهدهد والذرة والنحلة‏.‏

وقالوا‏:‏ الطير ثلاثة أضرب‏:‏ بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور وسباع الطير وهي التي تتغذى باللحم ومشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير فإنه ليس بذي مخلب ولا منسر‏.‏

وإذا سقط الطير على عود قدم أصابعه الثلاثة وأخر الدابرة‏.‏

وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين‏.‏

ويشارك سباع الطير فإنه يلقم فراخه ولا يزقها وإنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل‏.‏

وقالوا‏:‏ العصفور شديد الوطء والفيل خفيف الوطء‏.‏

وقال صاحب الفلاحة‏:‏ العقاب والحدأة يتبدلان فيصير العقاب حدأة والحدأة عقاباً والأرنب تتبدل فتصير الأنثى ذكراً والذكر أنثى‏.‏

وذكر الغربان لا يحضن وكذلك ذكر الأوز وذكر الدجاج‏.‏

وقال كعب الأحبار‏:‏ ما ذهب طائر في السماء قط أكثر من اثني عشر ميلاً‏.‏

ومن حديث سفيان الثوري عن أنس بن مالك قال‏:‏ عمر الذباب أربعون يوماً والبعوضة ثلاثة قال‏:‏ والحمام تعجب بالكمون وتألف الموضع الذي يكون فيه وكذلك العدس ولا سيما إذا نقع في عصير حلو‏.‏

ومما يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك‏.‏

وأيمن مواضعها وأصلحها أن يبني لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى‏:‏ كوة في سمك البيت وكوة من قبل المغرب وباب من قبل الجنوب‏.‏

قال‏:‏ والسذاب إذا ألقي في اللبن تحامته السنانير البرية‏.‏

هشام بن محمد قال‏:‏ حدثني ابن الكلى قال‏:‏ أسماء نساء بني نوح ‏)‏إذا كتين في زوايا بيت البرج سلمت الفراخ ونمت وسلمت من الآفات‏.‏

قال هشام‏:‏ فجربته أنا وغيري فوجدناه كما قال واسم امرأة سام بن نوح محلت محم واسم امرأة حام نف نسا واسم امرأة يافث فالر‏.‏

والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع والوطواط والخفاش وغراب الليل‏.‏

قالوا‏:‏ وإذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه في حلقه لتتسع الحوصلة بعد التحامها وتنفتق فإذا اتسعت زقاه عند ذلك اللعاب ثم زقاه بعد ذلك الحب‏.‏

قال المثنى بن زهير‏:‏ لم أر قط في رجل أو امرأة إلا رأيته في الحمام رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها وذكراً لا يريد إلا أنثاه إلا أن يهلك أحدهما أو يفقد ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور ورأيت حمامة لا تقمط إلا بعد شدة الطلب ورأيت حمامة تزيف للذكر ساعة يريدها ورأيت حمامة تقمط الذكر ورأيت ذكراً يقمط ما لقي ولا يزاوج ورأيت ذكراً له أنثيان يحضن مع هذه وهذه‏.‏

قالوا‏:‏ ومن عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة وتحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش وتحمل ولدها تحت جناحها وربما قبضت عليه بفيها وربما ولدت وهي تطير ولها أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها‏.‏

قالوا‏:‏ والخطاف يتبع الربيع حيث كان وتقلع إحدى عينيه وترجع‏.‏

البيض قالوا‏:‏ والبيض يكون من أربعة أشياء‏:‏ منه ما يتكون من السفاد ومنه ما يتكون من التراب ومنه ما يتكون من نسيم ريح يصل إلى أرحامها وهو شيء يعتري الحجل وما شاكلها في الطبيعة فربما كانت الأنثى على قبالة الريح التي تهب في بعض الزمان فتحتشي لذلك بيضاً‏.‏

وكذلك النخلة التي تكون تحت الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريح وتكتفي بذلك‏.‏

والدجاجة إذا هرمت لم يكن لبيضها مخ وإذا لم يكن لها مخ لم يكن لبيضها فرخ لأن الفرخ السباع يقال‏:‏ إنه ليس في السباع أطيب أفواها من الكلاب ولا في الوحش أطيب أفواها من الظباء‏.‏

ويقال‏:‏ ليس أشد بخراً من الأسد والصقر ولا في السباع أسبح من كلب‏.‏

وليس في الأرض فحل من سائر الحيوان لذكره حجم إلا الإنسان والكلب‏.‏

والأسد لا يأكل الحار ولا الحامض ولا يدنو من النار وكذلك أكثر السباع‏.‏

وتقول الروم‏:‏ الأسد يذعر لصوت الذئب ولا يدنو من المرأة الطامث‏.‏

والأسد إذا بال شغر كما يشغر الكلب وهو قليل الشرب ونجوه كنجو الكلب ودواء عضته كدواء عضة الكلب‏.‏

قالوا‏:‏ والعيون التي تضيء بالليل‏:‏ عيون الأسد والنمور والأفاعي والسنانير‏.‏

وقالوا‏:‏ ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها‏:‏ الأسد والكلب والسنور‏.‏

وقالوا‏:‏ أيام حمل الكلبة ستون يوماً فإن وضعت قبل ذلك لم تكد أولادها تعيش‏.‏

وأناث الكلاب تحيض كل سبعة أيام يوماً وعلامة ذلك إن يرم ثفر الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك الوقت‏.‏

وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة وتعيش أناثها اثنتي عشرة سنة‏.‏

وليس يلقى الكلب من أسنانه إلا النابين‏.‏

والذئاب تسفد الكلاب في أرض سلوقية فتكون منها الكلاب السلوقية‏.‏

والكلب من الحيوان يحتلم كما يحتلم الإنسان‏.‏

وقالوا‏:‏ في طبع الذئب محبة الدم ويبلغ بطبعه أن يرى ذئباً مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه‏.‏

قال الشاعر‏:‏ وكنا كذئب السوء لما رأى دماً بصاحبه يوماً أحال على الدم ويقولون‏:‏ ربما ينام الذئب بإحدى عينيه ويفتح الأخرى قال حميد بن ثور‏:‏ ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم قالوا‏:‏ والذئب أشد السباع مطالبةً وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت به الذئاب فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان أو غيره فتأكله وليس في السباع من يفعل ذلك غيرها‏.‏

وقضيب الذكر من الأرانب من عظم وكذلك قضيب الثعلب‏.‏

والأرانب تنام مفتوحة العين وتحيض‏.‏

وليس لشيء من ذكور الحيوان ثدي في صدره إلا الإنسان والفيل‏.‏

ولسان الفيل مقلوب على طرفه داخل‏.‏

وقال صاحب المنطق‏:‏ ظهر فيل عاش أربعمائة سنة‏.‏

وحدثني شيخ لنا عن الزيادي قال‏:‏ رأيت فيلاً أيام أبي جعفر قيل إنه سجد لسابور ذي الأكتاف ولأبي جعفر‏.‏

والفيلة تضع في سبع سنين‏.‏

الحيوان الذي لا يصلح إلا بأمير الناس والفأرة والغرانيق والكراكي والنحل والحشرات‏.‏

قتادة عن ابن عمر قال‏:‏ الفأرة يهودية ولو سقيتها ألبان الإبل ما شربته‏.‏

والفأر أصناف‏:‏ منها الزباب وهو أصم لا يسمع والخلد وهو أعمى‏.‏

وتقول العرب‏:‏ هو أسود من زبابة وفأرة البش والبش سم قاتل يقال‏:‏ هو قرون السنبل وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره‏.‏

وفأرة المسك من غير هذا‏.‏

وفأرة الإبل‏:‏ أرواحها إذا عرقت‏.‏

قالوا‏:‏ والأفعى إذا نفثت في فيها الأتراج وأطبقت لحييها الأعلى على الأسفل لم تقتل بعضتها أياماً‏.‏

قالوا‏:‏ الثوم والملح وبعر الغنم نافع جداً إذا وضع على موضع لسعة الحية والحيات تقتل بريح وليس في الأرض حيوان أصبر على الجوع من الحية ثم الضب بعدها‏.‏

وإذا هرمت الحية صغر بدنها وقنعت بالنسيم‏.‏

قالوا‏:‏ وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل ما عدا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى‏.‏

وبمصر سمكة يقال لها الرعادة من اصطادها لم تزل يده ترعد ما دامت في شبكته‏.‏

والجعل إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى تسحبه ميتاً فإذا أدنيته من الروث تحرك ورجعت نفسه‏.‏

والبعير إذا ابتلع في علفه خنفساء قتلته إذا وصلت إلى جوفه حية‏.‏

والضب يذبح ثم يمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك‏.‏

والأفعى تذبح فتبقى أياماً تتحرك وإذا وطئها أحد نهشته ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت ذلك المقطوع‏.‏

قالوا‏:‏ وللضب ذكران وللضبة حران‏.‏

حكاه أبو حاتم عن الأصمعي‏.‏

ويقال لذلك النزك‏.‏

وأنشد‏:‏ سبحل له نزكان كانا فضيلة على كل حافٍ في الأنام وناعل وسام أبرص لا يدخل بيتاً فيه زغفران‏.‏

وخرطوم الذباب يده ومنه يغني وفيه يجري الصوت كما يجري الزامر الصوت في القصبة بالنفخ‏.‏

والسلحفاة إذا أكلت أفعى أكلت سعتراً جبلياً‏.‏

وابن عرس إذا قاتل الحية أكل السذاب‏.‏

والكلاب إذا كان في أجوافها داء أكلت سنبل القمح‏.‏

والإيل إذا مهشته الحية أكل السراطين‏.‏

قال ابن ماسويه‏:‏ فلذلك يظن أن السراطين صالحة لمن نهشته الحية‏.‏

قال صاحب المنطق‏:‏ الحية إذا اشتكت كبدها من رفع الأرانب والثعالب في الهواء تعالجت بأكل الأكباد حتى تبرأ‏.‏

وبعض الناس يعملون من الأوزاغ سماً أنفذ من البيش ومن ريق الأفاعي‏.‏

وإذا زرع في نواحي الزرع خردل تجنبته دبي الجراد وإذا أخذ المر داسنج وخلط بعجين الدقيق ثم طرح للفأر وأكل منه مات وكذلك برادة الحديد‏.‏

وإذا أخذ الأفيون والشونيز والبازرند وقرن الإيل وبابونج وظلف من أظلاف العنز فخلط ذلك جميعاً ثم يدق وينخل نخلاً جيداً ويعجن بخل ثقيف ثم يقطع قطعاً فيدخن قطعة منه هربت الحيات والهوام والنمل والعقارب من ريحه‏.‏

والبعوض تهرب من دخان الكبريت والعلك‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ لحم ابن عرس نافع من الصرع ولحم القنفذ نافع من الجذام والسل والشنج ووجع الكلى يجفف ويشوى ويطعمه العليل مطبوخاً ومشوياً ويضمد به الشنج‏.‏

وعين الأفعى وعين الجراد لا تدوران‏.‏

وليس ينسج من العناكب إلا الأنثى وهي الخدرنق وولد العنكب ينسج ساعة تولد‏.‏

والقمل يتخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسود أو أبيض أو مخضوباً‏.‏

وأم حبين لا تقيم بمكان تكون فيه السرقة وهي دويبة يضرب بها المثل في الصنعة فيقال‏:‏ أصنع من سرفة‏.‏

أبو حاتم‏:‏ عن الأصمعي قال‏:‏ قال أبو بكر المهجري‏:‏ ما من شيء يضر إلا وفيه منفعة‏.‏

وقيل لبعض الأطباء‏:‏ إن فلاناً يقول إنما أنا مثل العقرب أضر ولا أنفع‏.‏

فقال‏:‏ ما أقل علمه بها إنها لتنفع إذا شق بطنها ووضعت على مكان اللسعة وقد تجعل في جوف فخار مسدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في تنور‏.‏

فإذا صارت العقرب رماداً سقي من ذلك الرماد مثل نصف دانق من به حصاة من غير أن يضر سائر الأعضاء‏.‏

وقد تلسع من به حمى عتيقة فتقلع عنه وقد تلسع المفلوج فيذهب عنه الفالج‏.‏

وقد تلقى العقرب في الدهن وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الذهن مفرقاً للأورام الغليظة‏.‏

وقال المأمون‏:‏ قلت لبختيشوع وسلمويه وابن ماسويه‏:‏ إن الذباب إذا دلك على موضع لسعة الزنبور سكن ألمها فلسعني زنبور فحككت على موضع لسعته عشرين ذبابة فما سكن إلا في قدر الحين الذي يسكن فيه من غير علاج فلم يبق في يدي منهم إلا أن قالوا‏:‏ كان هذا الزنبور حتفاً قاضياً ولولا هذا العلاج له لقتلك‏.‏

وقال محمد بن الجهم‏:‏ لا تتهاونوا بكثير مما ترون من علاج العجائز فإن كثيراً منه وقع إليهن من قدماء الأطباء كالذباب يلقي في الإثمد فيسحق معه ليزيد ذلك من نور البصر ويشد مراكز شعر الأجفان في حافات الجفون‏.‏

قالوا‏:‏ وللسع الأفاعي والحيات ينفع ورق الآس الرطب يعصر ويسقى من مائه قدر نصف رطل‏.‏

مصايد الطير قال صاحب الفلاحة‏:‏ من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى يتحيرن ويغشى عليهن فيصيدهن عمد إلى الحلتيت فدافه بالماء ثم جعل في ذلك شيئاً من عسل ثم نقع فيه برا يوماً وليلة ثم ألقى ذلك البر إلى الطير فإذا لقطه تحير وغشى عليه فلا يقدر على الطيران إلا أن يسقى لبناً قال‏:‏ وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بجير ثم طرح للطير والحجل فأكلا منه تحيرت وأخذت‏.‏

ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في مواقعهن إناء فيه خمر ويجعل فيه خريق أسود وينقع فيه شعير ثم يلقى لهن فإذا أكلن منه أخذهن الصائد كيف شاء‏.‏

وقال غيره‏:‏ تصاد العصافير بأيسر حيلة تؤخذ سلة في صورة المحبرة المنكوسة ويجعل في جوفها عصفور فتنقض عليه العصافير وتدخل عليه فما دخل لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل منها من يومه ما شاء وهو وادع‏.‏

وقال‏:‏ ويصاد طير الماء الساكن بالقرعة وذلك أن تأخذ قرعة يابسة صحيحة فيرمي بها في الماء فإنها تتحرك بتحرك الماء فإذا أبصرها الطير تحرك وفزع فإذا كثر ذلك عليه أنس حتى ربما سقط عليها ثم تأخذ قرعة مثلها فتقطع رأسها ويفتق فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيها ويدخل الماء ويمشي رويداً وكلما دنا من الطائر مد يده تحت الماء حتى يقبض على رجليه ويغمس يده به تحت الماء ويكسر جناحيه ويخليه فيبقى طافياً على الماء يسبح برجليه ولا يطيق الطيران وسائر الطير لا تنكر انغماسه في الماء فإذا فرغ من صيد ما أراد بالقرعة لقطها وحملها‏.‏

السباع العادية تصاد بالزبى والمغويات وهي آبار تحفر في أنشاز الأرض ولذلك يقال‏:‏ قد بلغ السيل الزبى‏.‏

قال صاحب الفلاحة‏:‏ ومما يصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر الكبار السمان فيقطع قطعاً ثم تشدخ وتكتل كتلاً ثم تؤجج نار في غائط من الأرض تقرب من السباع ثم تقذف تلك الكتل فيها واحدة بعد أخرى حتى ينتشر دخان تلك النار وقتار تلك الكتل في تلك الأرض ثم يطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيه الخربق الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع ذلك اللحم ويخرج عليه فيصيدها الكامنون لها كيف شاءوا‏.‏

تفاضل البلدان الأصمعي يرفعه إلى قتادة قال‏:‏ الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ فبلد السودان منها اثنا عشر ألف فرسخ وبلد الروم ثمانية آلاف فرسخ وبلد الفرس ثلاثة آلاف فرسخ وبلد العرب ألف‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ جزيرة العرب ما بين نجران إلى العذيب وقال غيره‏:‏ أرض العرب ما بين بحر القلزم وبحر الهند‏.‏

قالوا‏:‏ وسواد البصرة‏:‏ الأهواز وفارس‏.‏

وسواد الكوفة‏:‏ كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية وهذه كلها من عمل العراق‏.‏

وعمل العراق من هيث إلى الصين والهند والسند ثم كذلك إلى الري وخراسان كلها إلى بلد الديلم والجبال‏.‏

وأصفهان سرة العراق وافتتحها أبو موسى الأشعري‏.‏

والجزيرة ليست من عمل العراق‏.‏

وهي ما بين الدجلة والفرات والموصل من الجزيرة‏.‏

ومكة والمدينة ومصر ليست من عمل العراق‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ البصرة كلها عثمانية والكوفة كلها علوية والشام كلها أموية والجزيرة خارجية والحجاز سنية‏.‏

وإنما صارت البصرة عثمانية من يوم الجمل إذ قاموا مع عائشة وطلحة والزبير فقتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

وقيل لرجل من أهل البصرة‏:‏ أتحب علياً قال‏:‏ كيف أحب رجلاً قتل من قومي من لدن كانت الشمس هكذا إلى أن صارت هكذا ثلاثين ألفاً‏.‏

والكوفة علوية لأنها وطن علي رضي الله عنه وداره‏.‏

والشام أموية لأنها مركز ملك بني أمية وبيضتهم‏.‏

والجزيرة خارجية لأنها مسكن ربيعة‏.‏

وهي رأس كل فتنة وأكثرها نصارى وخوارج ومنازلهم الخابور وهو واد بالجزيرة‏.‏

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبني تغلب‏:‏ يا خنازير العرب‏.‏

والله لئن صار هذا الأمر إلي لأضعفن عليكم الجزية‏.‏

وقال هارون الرشيد ليزيد بن مزيد‏:‏ ما أكثر الخلفاء في ربيعة‏.‏

قال‏:‏ بلى ولكن منابرهم الجذوع‏.‏

الأعمش عن سليم‏:‏ قال‏:‏ ذكر عمر بن الخطاب الكوفة فقال‏:‏ جمجمة العرب وكنز الإيمان ورمح الله في الأرض ومادة الأمصار‏.‏

علي بن محمد المديني قال‏:‏ الكوفة جارية حسناء تصنع لزوجها فكلما رآها سرته‏.‏

وقال محمد بن عمير بن عطارد‏:‏ الكوفة سفلت عن الشام ورباها‏.‏

وارتفعت عن البصرة وعمقها فهي مرية مريعة عذبة برية وإذا أتتها الشمال هبت على مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور وإذا هبت الجنوب جاءتها بريح السواد وورده وياسمينه وأتراجه فماؤها عذب وعيشها خصب‏.‏

قال ابن عياش الهمداني لأبي بكر الهذلي عن أبي العباس وذكرت عنده الكوفة والبصرة فقال‏:‏ إنما مثل الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته ومثل البصرة مثل المثانة يأتيها الماء بعد تغير وفساد‏.‏

وقال الحجاج‏:‏ الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء أوتيت من كل حلى وزينة‏.‏

وقال جعفر بن سليمان‏:‏ العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة وداري عين المربد‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ تذاكروا عند زياد الكوفة والبصرة‏.‏

فقال زياد‏:‏ لو أضللت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها‏.‏

وقال حذيفة‏:‏ أهل البصرة لا يفتحون باب هدىً ولا يغلقون باب ضلالة وقد رفع الطاعون عن جميع أهل الأرض إلا عن أهل البصرة‏.‏

ومما نقم على أهل الكوفة أنهم أغدر الناس‏.‏

طعنوا الحسن بن علي وانتهبوا عسكره وخذلوا الحسين بن علي بعد أن استدعوه حتى قتل‏.‏

وشكوا سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي فدعا عليهم أن لا يرضيهم الله عن والٍ ولا يرضي والياً عنهم‏.‏

وقد دعا عليهم علي بن أبي طالب فقال‏:‏ اللهم ارمهم بالغلام الثقفي‏.‏

يعني الحجاج بن يوسف‏.‏

وشكوا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة وطردوا سعيد بن العاص وخذلوا زيد بن علي‏.‏

وادعى النبوة منهم غير واحد منهم المختار بن أبي عبيد‏.‏

وكتب إلى الأحنف‏:‏ بلغني أنكم تكذبونني وتكذبوا رسلي وقد كذبت الأنبياء من قبلي ولست بخير من كثير منهم‏.‏

وقيل لعبد الله بن عمر‏:‏ إن المختار يزعم أنه يوحى إليه‏.‏

قال‏:‏ صدق الشياطين يوحون إلى أوليائهم‏.‏

ولما أرادت سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم الرحيل من الكوفة إلى المدينة بعد قتل زوجها المصعب حف بها أهل الكوفة وقالوا‏:‏ أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله ‏)‏‏.‏

فقالت‏:‏ لا جزاكم الله خيراً من قوم ولا أحسن الخلافة عليكم قتلتم أبي وجدي وأخي وعمي وزوجي أيتمتموني صغيرة وأيمتموني كبيرة‏.‏

ولما دخل عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل المصعب أقبل إليه جماعة من هؤلاء قالوا‏:‏ أمراؤك أهل الكوفة‏.‏

قال‏:‏ قتلة عثمان قالوا‏:‏ نعم وقتلة علي‏!‏ قال‏:‏ هذه بهذه‏.‏

قدم عبد الله بن الكواء على معاوية فقال‏:‏ أخبرني عن أهل البصرة قال‏:‏ يقبلون معاً ويدبرون شتى‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل الكوفة‏.‏

قال‏:‏ أنظر الناس في صغيرة وأوقفهم في كبيرة‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل المدينة‏.‏

قال‏:‏ أحرص الناس على الفتنة وأعجزهم عنها‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل مصر‏.‏

قال‏:‏ لقمة آكل‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل الجزيرة‏.‏

قال‏:‏ كناسة بين حشين‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن أهل الشام قال‏:‏ جند أمير المؤمنين ولا أقول فيهم شيئاً‏.‏

قال‏:‏ لتقولن‏.‏

قال‏:‏ أطوع خلق الله لمخلوق وأعصاهم للخالق ولا يخشون في السماء ساكناً‏.‏

قتادة قال‏:‏ قيست البصرة في زمن خالد بن عبد الله القسري فوجدوا طولها فرسخين وعرضها فرسخين‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ قال ابن شهاب الزهري‏:‏ من قدم أرضاً فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي من وبائها‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ دخلت الطائف فكأني كنت أبشر وكان قلبي ينضح بالسرور وما أجد لذلك علةً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها‏.‏

ودخل سليمان بن عبد الملك الطائف فنظر إلى بيادر الزبيب فقال‏:‏ ما تلك الجرار السود قيل له‏:‏ ليست بجرار يا أمير المؤمنين ولكنها بيادر الزبيب‏.‏

فقال‏:‏ لله در قسي في أي عش أودع أفراخه يريد بقسي ثقيفاً‏.‏

كذلك كان اسمه‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ من أمثال العامة يقولون‏:‏ حمى خيبر وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطواعين الشام‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ ذكروا أن في باب سمرقند مكتوباً‏:‏ بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وبين بغداد وأفريقية ألف فرسخ وبين الكوفة والبصرة ثمانون فرسخاً وواسط بينهما متوسطة ولذلك سميت واسطاً‏.‏

الشامات أول حد الشام من طريق مصر أمج ثم يليها غزة ثم الرملة رملة فلسطين ومدينتها العظمى فلسطين وعسقلان وبها بيت المقدس‏.‏

وفلسطين هي الشام الأولى‏.‏

ثم الشام الثانية هي الأردن ومدينتها العظمى طبرية وهي التي على شاطئ البحيرة والغور ثم الشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق ومن سواحلها طرابلس‏.‏

ثم الشام الرابعة وهي أرض حمص‏.‏

ثم الشام الخامسة وهي قنسرين ومدينتها العظمى - حيث السلطان - حلب‏.‏

وبين قنسرين وحلب أربعة فراسخ وساحلها أنطاكية مدينة عظيمة على شاطئ البحر في داخلها البساتين والأنهار والمزارع وهي مدينة حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى‏.‏

وبها مسجد ينسب إلى حبيب النجار‏.‏

ومن ثغور الشام الخامسة‏:‏ المصيصة وطرسوس ونهرا جيحان وسيحان‏.‏

الجزيرة ثم الجزيرة وهي ما بين دجلة والفرات وبهما نهران يقال لهما الخابور والبليخ ومخرجهما من رأس العين مدينة عظيمة بالجزيرة في داخلها عين هي عنصر الخابور والبليخ‏.‏

وعلى الخابور منازل ربيعة أكثرها نصارى وخوارج‏.‏

ونصيين من الجزيرة وهي مدينة عظيمة مطلة على جبل الجودي‏.‏

والموصل من الجزيرة أيضاً‏.‏

والرقة وحران من الجزيرة أيضاً‏.‏

ومن ثغور الجزيرة في جهة عمورية من أرض الروم بطرة وملطية‏.‏

وفي جوف الفرات جزائر فيها مدن يقال لها عانة وعانات‏.‏

وعلى شط الفرات مما يلي الجزيرة قرقيسيا ومما يلي الشام الرحبة رحبة مالك بن طوق‏.‏

العراقان العراقان‏:‏ هما البصرة والكوفة وقد تقدم ذكرهما واختلاف الناس فيهما‏.‏

ومما أحدث الخلفاء بالعراق خلفاء بني هاشم من المدن الأنبار وهي مدينة أبي العباس أول من ولي الخلافة ابتناها واتخذها دار خلافته‏.‏

ثم ولي أخوه أبو جعفر المنصور فانتقل إلى بغداد وابتنى بها الكرخ وهي مدينة السلام في جوف بغداد وهي دار خلافة بني هاشم‏.‏

حتى قام المعتصم محمد بن هارون فانتقل منها إلى سامرا‏.‏

وتفسير سامرا أن سام بن نوح عليه السلام بناها‏.‏

وإنما هو بالسريانية وهي دار الخلافة إلى الآن‏.‏

فارس منها الأهواز مدينة عظيمة وبلدها واسع جداً وهي من سواد البصرة‏.‏

وتستر مدينة يعمل فيها التستري من الملاحف‏.‏

ومدينة يقال لها جور وإليها ينسب ماء الورد الجوري‏.‏

ومدينة يقال لها السوس بها تعمل الثياب السوسية من الخز وغيره‏.‏

ومدينة يقال لها العسكر وإليها تنسب الثياب العسكرية ومدينة يقال لها الأفساسار وبها تعمل الأكسية الأفساسارية الجياد‏.‏

ومدينة يقال لها دستوا وبها تعمل الثياب الدستوائية‏.‏

ومدينة يقال لها ميسان وبها يعمل الوطاء الميساني‏.‏

ومدينة يقال لها الدسكرة دسكرة الملك كانت لكسرى‏.‏

ومدينة يقال لها حلوان وهي أول الجبال من خراسان وآخر العراق‏.‏

خراسان أول مدنها الري وهي آخر الجبال من خراسان وإليها ينسب من الرجال الرازي ومن خراسان مرو وهي دار خلافة المأمون ومنها خرج أبو مسلم صاحب الدعوة‏.‏

ومن ينسب إليها من الرجال يقال له مروزي ومن الثياب مروي‏.‏

ومدينة يقال لها قومس وإليها تنسب الطيقان القومسية‏.‏

ومدينة يقال لها سابور بها ملك بني طاهر‏.‏

ومدينة يقال لها هراة إليها ينسب الهروي من الرجال والمتاع‏.‏

ومدينة يقال لها بلخ وإليها ينسب البلخي وبها معادن البجادي العتيق وهو جنس من الفصوص تسميه العامة البزادي‏.‏

ومدينة يقال لها خوارزم وإليها ينسب الخوارزمي وهي على شط البحر المحيط‏.‏

وبلخ على شط النهر العظيم الذي يقال له جيحان بخراسان‏.‏

ثم جرجان وهي مدينة عظيمة على شط البحر المحيط وإليها ينسب الوشي الجرجاني والمتاع‏.‏

ثم قوهى وهي مدينة عظيمة إليها ينسب القوهي من الثياب‏.‏

ثم كابل وهي مدينة يؤتى منها بالإهليلج الكابلي‏.‏

ثم سمرقند وهي مدينة عظيمة إليها ينسب السمرقندي من الثياب‏.‏

وبين بغداد وبينها مسيرة ستة أشهر ومما يليها كرمان وهي على بطائح السند وبلاد السند من آخر خراسان ما بين المغرب والمشرق من جهة القبلة‏.‏

وآخر مدن خراسان مدينة يقال لها تبت وهي من أرض الترك وبها مجمع المسك وإليها ينسب المسك التبتي‏.‏

ومدينة يقال لها فرغانة وأهلها جنس من العجم يقال لهم الصغد وهم الذين يقطعون آذانهم من الحزن إذا مات لهم كبير‏.‏

ومن المدن التي في صدر خراسان مع الجبال مدينة يقال لها قرميسين‏.‏

ثم الدينور وإليها ينسب الدينوري‏.‏

ومدينة همدان مدينة عظيمة وطبرستان مدينة عظيمة فيها تعمل الأكسية الطبرية ثم قم وهي مدينة عظيمة منها يؤتى بالزعفران‏.‏

ثم أصبهان وهي مدينة عظيمة ثم طوس وهي من ثغور الجبال‏.‏

مصر من ناحية الشام الفسطاط وهي مدينة بها منبران ومسجدان يجمع فيهما العسكر حيث السلطان‏.‏

وعين شمس بها منبر وهي كانت مدينة فرعون وفيها بنيانه قائم‏.‏

والفرما لها منبر والعريش الذي يقال له عريش مصر له منبر وهي آخر مصر وأول الشام‏.‏

ومن أسفل الأرض بوصير لها منبر‏.‏

وتنيس لها منبر وإليها تنسب الثياب التنيسية وبها طراز للخليفة‏.‏

وشطا لها منبر وإليها ينسب الشطوي وديبق لها منبر وإليها ينسب الدبيقي من الثياب‏.‏

والإسكندرية لها منبر‏.‏

من ناحية الحجاز‏.‏

القلزم لها منبر‏.‏

وأيلة لها منبر‏.‏

ومن ناحية الصعيد القس وإليها ينسب القسي من الثياب‏.‏

والصفن وإليها تنسب الأكسية الصفنية الحمر‏.‏

ودلاص لها منبر وهي مجمع سحر مصر‏.‏

والفيوم مدينة لها منبر تؤدي كل يوم ألف دينار وخلف ذلك بوق وبها تكون معادن الذهب والجواهر والزبرجد‏.‏