فصل: كتاب الفريدة الثانية في الطعام والشراب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  كتاب الفريدة الثانية في الطعام والشراب

فرش الكتاب قال الفقيه أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه‏:‏ قد مضى قولنا في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان والنتف ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الطعام والشراب اللذين بهما نمو الغراسة وهما قوم الأبدان وعليهما بقاء الأرواح‏.‏

قال المسيح عليه الصلاة والسلام في الماء‏:‏ هذا أبي وفي الخبز هذا أمي‏.‏

يريد أنهما يغذيان الأبدان كما يغذيها الأبوان‏.‏

وهذا الكتاب جزآن جزء في الطعام وجزء في الشراب‏.‏

فالذي في الطعام منهما متقص جميع ما يتم ويتصرف به أغذية الطعام من المنافع والمضار وتعاهد الأبدان بما يصلحها من ذلك في أوقاته وضروب حالاته واختلاف الأغذية مع اختلاف الأزمنة بما لا يخلي المعدة وما لا يكظها فقد جعل الله لكل شيء قدراً‏.‏

والذي في الشراب منهما مشتمل على صفوف الأشربة وما اختلف الناس فيه من الأنبذة ومحمود ذلك ومذمومه فإنا نجد النبيذ قد أجازه قوم صالحون وكرهه قوم صالحون‏.‏

وقد وضعنا لكل شيء من ذلك باب فيحتاط كل رجلٍ لنفسه بمبلغ تحصله ومنتهى نظره فإن الرائد لا يكذب أهله‏.‏

أطعمة العرب الوشيقة من اللحم وهو أن يغلى إغلاءةً ثم يرفع يقال منه وشقت أشق وشقا قال الحسن بن هانئ‏:‏ حتى رفعنا قدرنا بضرامها واللحم بين موذم وموشق والصفيف مثله ويقال‏:‏ هو القديد يقال‏:‏ صففته أصفة صفاً‏.‏

والربيكة‏:‏ شيء يطبخ من بر وتمر ويقال‏:‏ منه ربكته أربكه ربكاً‏.‏

والبسيسة‏:‏ كل شيء خلطته بغيره مثل السويق بالأقط ثم تلته بالسمن أو بالزيت أو مثل الشعير بالنوى للإبل يقال‏:‏ بسسته أبسه بساً‏.‏

والعبيثة‏:‏ بالعين غير معجمة‏:‏ طعام يطبخ ويجعل فيه جراد وهو الغثيمة أيضاً‏.‏

والبغيث والعليث‏:‏ الطعام المخلوط بالشعير‏.‏

فإذا كان فيه الزؤان فهو المعلوث‏.‏

والبكيلة والبكالة جميعاً‏:‏ وهي الدقيق يخلط بالسويق ثم يبل بماء أو سمن أو زيت يقال‏:‏ بكلته والفريقة‏:‏ شيء يعمل من اللبن‏.‏

فإذا قطعت اللحم صغاراً قلت‏:‏ كتفته تكتيفاً‏.‏

أبو زيد قال‏:‏ إذا جعلت اللحم على الجمر قلت‏:‏ حسحسته وهو أن تقشر عنه الرماد بعد أن يخرج من الجمر‏.‏

فإذا أدخلته النار ولم تبالغ في طبخه قلت‏:‏ ضهبته وهو مضهب‏.‏

والمضيرة سميت بذلك لأنها طبخت باللبن الماضر وهو الحامض والهريسة لأنها تهرس‏.‏

والعصيدة لأنها تعصد أي تلوى واللفيتة لأنها تلفت‏.‏

والفالوذ‏:‏ وهو السرطراط‏.‏

ومن أسماء الفالوذ أيضاً‏:‏ السريط لأنه يسترط مثل يزدرد‏.‏

ويقال‏:‏ ‏"‏ لا تكن حلوا فتسترط ولا مراً فتعقي ‏"‏‏.‏

يقال‏:‏ أعقى الشيء‏:‏ اشتدت مرارته‏.‏

الرغيدة‏:‏ اللبن الحليب يغلى ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط فيلعق لعقاً‏.‏

الحريرة‏:‏ الحساء من الدسم والدقيق‏.‏

والسخينة‏:‏ حساء كانت تعمله قريش في الجاهلية فسميت به قال حسان‏:‏ زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب والعكيس‏:‏ الدقيق يصب عليه الماء ثم يشرب‏:‏ قال منظور الأسدي‏:‏ تمذحت أي انتفخت‏.‏

أسماء الطعام الوليمة‏:‏ طعام العرس‏.‏

والنقيعة‏:‏ طعام الإملاك‏.‏

والإعذار‏:‏ طعام الختان‏.‏

والخرس‏:‏ طعام الولادة‏.‏

والعقيقة‏:‏ طعام سابع الولادة‏.‏

والنقيعة‏:‏ طعام يصنع عند قود الرجل من سفره يقال‏:‏ أنقعت إنقاعاً‏.‏

والكيرة‏:‏ طعام يصنع عند البناء يبنيه الرجل في داره‏.‏

والمأدبة‏:‏ كل طعام يصنع لدعوة يقال‏:‏ آدبت أودب إيداباً‏.‏

وأدبت أدباً‏.‏

قال طرفة‏:‏ نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر الآداب‏:‏ صاحب المأدبة‏.‏

والجفلى‏:‏ دعوة العامة‏.‏

والنقري‏:‏ دعوة الخاصة‏.‏

والسلفة‏:‏ طعام يتعلل به قبل الغداء‏.‏

والقفي‏:‏ الطعام الذي يكرم به الرجل يقال منه‏:‏ قفوته فأنا أقفوه قفواً‏.‏

والقفاوة‏:‏ ما يرفع من المرق للإنسان قال الشاعر‏:‏ ونقفي وليد الحي إن كان جائعاً ونحسبه إن كان ليس بجائع صفة الطعام قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض‏.‏

وكلوا سقط المائدة‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ ليس في الطعام سرف وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ‏"‏‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ الكبادات أربعة‏:‏ العصيدة والهريسة والحيس والسميذ‏.‏

أبو حاتم‏:‏ والسويق طعام المسافر والعجلان والحزين والنفساء وطعام من لا يشتهي الطعام‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ قال أبو صوارة‏:‏ الأرز الأبيض بالسمن المسلي والسكر الطبرزذ ليس من طعام أهل الدنيا‏.‏

وقال مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن‏:‏ أكل الخبيص يزيد في الدماغ‏.‏

وقال الحسن لفرقد السبخي‏:‏ بلغني أنك لا تأكل الفالوذج‏!‏ قال‏:‏ يا أبا سعيد أخاف أن لا أؤدي شكره‏!‏ قال‏:‏ يا لكع وهل تؤدي شكر الماء البارد في الصيف والحار في الشتاء أما سمعت قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏"‏‏.‏

وسمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال‏:‏ لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عاب هذا مسلم‏.‏

وقال رجل في مجلس الأحنف‏:‏ ما شيء أبغض إلي من الزبد والكمأة‏.‏

فقال الأحنف‏:‏ ‏"‏ رب ملوم لا ذنب له ‏"‏‏.‏

ولد لعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام فصنع الأخبصة ودعا الناس وفيهم مساور الوراق فلما أكلوا قال مساور الوراق‏:‏ من لم يدمم بالثريد سبالنا بعد الخبيص فلاهناه الفارس الرقاشي قال‏:‏ أخبرنا أبو هفان أن رقبة بن مصقلة طرح نفسه بقرب حماد الراوية في المسجد فقال له حماد‏:‏ ما لك قال‏:‏ صريع فالوذج‏.‏

قال له حماد‏:‏ عند من فطالما كنت صريع سمك مملوح خبيث‏.‏

قال‏:‏ عند حكم في الفرقة وفصل في الجماعة‏.‏

قال‏:‏ وما أكلتم عنده قال‏:‏ أتانا بالأبيض المنضود والملوز المعقود والذليل الرعديد والماضي المودود‏.‏

محمد بن سلام الجمحي قال‏:‏ قال بلال بن أبي بردة وهو أمير على البصرة للجاوود بن أبي سبرة الهذلي‏:‏ أتحضر طعام هذا الشيخ يعني عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فصفه لي‏.‏

قال‏:‏ نأتيه فنجده متصحباً يعني نائماً فنجلس حتى يستيقظ فيأذن لنا فنساقطه الحديث فإن حدثناه أحسن الاستماع وإن حدثنا أحسن الحديث ثم يدعو بمائدته وقد تقدم إلى جواريه وأمهات أولاده أن لا تلطفه واحدة منهن إلا إذا وضعت مائدته ثم يقبل خبازه فيمثل بين يديه فيقول‏:‏ ما عندك اليوم فيقول‏:‏ عندي كذا عندي كذا فيعدد كل ما عنده ويصفه يريد بذلك أن يحبس كل رجل نفسه وشهوته على ما يريد من الطعام وتقبل الألطاف من هاهنا وهاهنا وتوضع على المائدة ثم يؤتى بثريدة شهباء من الفلفل رقطاء من الحمص ذات حفافين من العراق فنأكل معه حتى إذا ظن أن القوم قد كادوا يمتلئون جثا على ركبتيه ثم استأنف الأكل معهم‏.‏

فقال أبو بردة‏:‏ لله در عبد الأعلى ما أربط جأشه على وقع الأضراس‏.‏

وحضر أعرابي طعام عبد الأعلى فلما وقف الخباز بين يديه ووصف ما عنده قال‏:‏ أصلحك الله أتأمر غلامك يسقيني ماء فقد شبعت من وصف هذا الخباز‏.‏

وقال له عبد الأعلى يوماً‏:‏ ما تقول يا أعرابي لو أمرت الطباخ فعمل لون كذا ولون كذا قال‏:‏ أصلحك الله لو كانت هذه الصفة في القرآن لكانت موضع سجود‏.‏

أبو عبيدة قال‏:‏ مر الفرزدق بيحيى بن المنذر الرقاشي فقال له‏:‏ هل لك أبا فراس في جدي رضيع ونبيذٍ صليب منشراب الزبيب قال‏:‏ وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة‏.‏

وقال الأحوص لجرير لما قدم المدينة‏:‏ ماذا ترى أن نعد لك قال‏:‏ شواء وطلاء وغناء‏.‏

قال‏:‏ قد أعد لك‏.‏

وقال مساور الوراق في وصف طعام‏:‏ اسمع بنعتي للملوك ولا تكن فيما سمعت كميت الأحياء إني نعت لذيذ عيشي كله والعيش ليس لذيذه بسواء ثم اختصصت في اللذيذ وعيشه صفة الطعام لشهوة الحلواء فبدأت بالعسل الشديد بياضه شهد تباكره بماء سماء إني سمعت لقول ربك فيهما فجمعت بين مبارك وشفاء أيام أنت هناك بين عصابة حضروا ليوم تنعم أكفاء لا ينطقون إذا جلست إليهم فيما يكون بلفظةٍ عوراء متنسمين رياح كل هبوبة بين النخيل بغرفة فيحاء فقعدت ثم دعوت لي بمبذرف متشمر يسعى بغير رداء قد لف على عضلاته قلص القميص مشمر سعاء فأتى بخبز كالملاء منقط فبناه فوق أخاون الشيزاء حتى ملاها ثم ترجم عندها بالفارسية داعياً بوحاء فإذا القصاع من الخلنج لديهم تبدن جوانبها مع الوصفاء ومصوص دراج كثير طيب ونواهض يؤتى بهن شواء وثريدة ملمومة قد سقفت من فوقها بأطايب الأعضاء وتزينت بتوابل معلومة وخبيصاتٍ كالجمان نقاء هذا الثريد وما سواه تعلل ذهب الثريد بنهمتي وهوائي ولقد كلفت بنعت جدي راضع قد صنته شهرين بين رعاء قال نال من لبن كثير طيب حتى تفتق من رضاع الشاء من كل أحمر لا يقر إذا ارتوى من بين رقص دائم ونزاء متعكن الجنبين صافٍ لونه عبل القوائم من غذاء رخاء فإذا مرضت فداوني بلحومها إني وجدت لحومهن دوائي ودع الطبيب ولا تثق بدوائه ما خالفتك رواضع الجزاء إن الطبيب إذا حباك بشربة تركتك بين مخافة ورجاء وإذا تنطع في دواء صديقه لم يعد ما في جونة الرقاء ليست بآكلة الحشيش ولا التي يبتاعها الخناق في الظلماء

  باب آداب الأكل والطعام

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الأكل في السوق دناءة ‏"‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ويشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ‏"‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ سموا إذا أكلتم واحمدوا إذا فرغتم ‏"‏‏.‏

وكان يلطع أصابعه بعد الطعام‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي اللمم‏.‏

ومن الأدب في الوضوء أن يبدأ صاحب البيت فيغسل يديه قبل الطعام ويقدم أصحابه بعد الطعام‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ املكوا العجين فإنه أحد الريعين ‏"‏‏.‏

وكان فرقد يقول لأصحابه‏:‏ إذا أكلتم فشدوا الإزار على أوساطكم وصغروا اللقم وشدوا المضغ ومصوا الماء ولا يحل أحدكم إزاره فيتسع معاه ويأكل كل واحد ما بين يديه‏.‏

وقالوا‏:‏ كان ابن هبيرة يباكر الغداء فسئل عن ذلك فقال‏:‏ إن فيه ثلاث خصال‏:‏ أما الواحدة‏:‏ فإنه ينشف المرة والثانية‏:‏ أنه يطيب النكهة والثالثة‏:‏ أنه يعين على المروءة‏.‏

فقيل له‏:‏ وكيف يعين على المروءة قال‏:‏ إذا خرجت من بيتي وقد تغديت لم أتطلع إلى طعام أحدٍ من الناس‏.‏

البطنة وقولهم فيها قالوا‏:‏ البطنة تذهب الفطنة‏.‏

وقال مسلمة بن عبد الملك لأليون ملك الروم‏:‏ ما تعدون الأحمق فيكم قال‏:‏ الذي يملأ بطنه من كل ما وجد‏.‏

وحضر أبو بكرة سفرة معاوية ومعه ولده عبد الرحمن فرآه يلقم لقماً شديداً فلما كان بالعشي راح إليه أبو بكرة فقال له معاوية‏:‏ ما فعل ابنك التلقامة قال‏:‏ اعتل‏.‏

قال‏:‏ مثله لا يعدم العلة‏.‏

ورأى أبو الأسود الدؤلي رجلاً يلقم لقماً منكراً فقال‏:‏ كيف اسمك قال‏:‏ لقمان قال‏:‏ صدق الذي سماك‏.‏

ورأى أعرابي رجلاً سميناً فقال له‏:‏ أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك‏.‏

وقعد أعرابي على مائدة المغيرة فجعل ينهش ويتعرق فقال المغيرة‏:‏ يا غلام ناوله سكيناً‏.‏

قال قال أعرابي‏:‏ كنت أشتهي ثريدة دكناء من الفلفل رقطاء من الحمص ذات جفافين من العراق فأضرب فيها كما يضرب الولي السوء في ما اليتيم‏.‏

وقال أعرابي‏:‏ ألا ليت لي خبزاً تسربل رائباً وخيلاً من البرني فرسانها الزبد فأطلب فيما بينهن شهادة بموت كريمٍ لا يعد له لحد واصطحب شيخ وحدث من الأعراب في سفر وكان لهما قرص في كل يوم وكان الشيخ مخلع الأضراس وكان الحدث يبطش بالقرص ثم يقعد يشكو العشق والشيخ يتضور جوعاً وكان يسمى جعفراً فقال الشيخ فيه‏:‏ لقد رابني من جعفر أن جعفراً يطيش بقرصي ثم يبكي على جمل فقلت له لو مسك الحب لم تبت بطيناً ونساك الهوى شدة الأكل الأصمعي قال‏:‏ تقول العرب في الرجل الأكول‏:‏ إنه برم قرون‏.‏

البرم‏:‏ الذي يأكل مع الجماعة ولا يجعل شيئاً‏.‏

والقرون‏:‏ الذي يأكل تمرتين تمرتين ويأكل أصحابه تمرة تمرة‏.‏

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن‏.‏

وكان عبد الله بن الزبير إذا قدم التمر إلى أصحابه قال عبد الله بن عمر‏:‏ إياكم والقران فإن وقيل لبسرة الأحول‏:‏ كم تأكل كل يوم قال‏:‏ من مالي أو من مال غيري قيل له‏:‏ من مالك‏.‏

قال‏:‏ مكوكاً‏.‏

قيل‏:‏ فمن مال غيرك قال‏:‏ اخبزوا واطرحوا‏.‏

وقال رجل من أهل العراق في قينة حفص الكاتب‏:‏ قينة حفص ويلها فيها خصالٌ عشره أولها أن لها وجهاً قبيح المنظره ودارها في وهدةٍ أوسع منها القنطره تأكل في مقعدها ثوراً وتخرى بقره قال تأبط شراً‏:‏ ما أحببت شيئاً قط حبي ثلاثة‏:‏ أكل اللحم وركوب اللحم وحك اللحم باللحم‏.‏

وقال أبو اليقظان‏:‏ كان هلال بن الأسعر التميمي أكولاً فيزعمون أنه أكل جملاً وأكلت امرأته فصيلاً فلما أراد أن يجامعها لم يصل إليها فقالت له‏:‏ وكيف تصل إلي وبيني وبينك بعيران‏.‏

وكان الواثق واسمه هارون بن محمد بن هارون أكولاً وكان مفتوناً بحب الباذنجان وكان يأكل في أكلة واحدة أربعين باذنجانة فأوصى إليه أبوه - وكان ولي عهده - ويلك متى رأيت خليفة أعمى فقال للرسول‏:‏ أعلم أمير المؤمنين أني تصدقت بعيني جميعاً على الباذنجان‏.‏

وكان سليمان بن عبد الملك من الأكلة حدث العتبي عن أبيه عن المشردل وكيل عمرو بن العاص قال‏:‏ لما قدم سليمان الطائف دخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب وابنه بستاناً لعمرو بن العاص فجال فيه ساعة ثم قال‏:‏ ناهيكم بمالكم هذا مالاً ثم ألقى صدره على غصن وقال‏:‏ ويلك يا شمردل ما عندك شيء تطعمني قال‏:‏ بلى إن عندي جدياً كانت تغدو عليه بقرة وتروح عليه أخرى‏.‏

قال‏:‏ عجل به‏.‏

قال‏:‏ فأتيته به كأنه عكة سمن فأكله وما دعا عمر ولا ابنه حتى إذا بقي الفخذ قال‏:‏ هلم أبا حفص‏.‏

قال‏:‏ إني صائم‏.‏

فأتى عليه ثم قال‏:‏ ويلك يا شمردل ما عندك شيء تطعمني قال‏:‏ بلى والله عندي خمس دجاجات هنديات كأنهن رثلان النعام‏.‏

قال‏:‏ فأتيت بهن فكان يأخذ برجلي الدجاجة فيلقي عظامها نقية حتى أتى عليهن ثم قال‏:‏ يا شمردل ما عندك شيء تطعمني قلت‏:‏ بلى والله إن عندي حريرة كأنها قراضة الذهب‏.‏

فقال‏:‏ عجل بها‏.‏

فأتيته بعس يغيب فيه الرأس فجعل يلاطمها بيديه ويشرب فلما فرغ تجشأ فكأنما صاح في جب ثم قال‏:‏ يا غلام أفرغت من غدائي قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ ثمانون قدراً قال‏:‏ ائتني بها قدراً قدراً قال‏:‏ فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم وأقل ما أكل لقمة ثم مسح يده واستلقى على فراشه ثم أذن للناس ووضعت المائدة وقعد فأكل مع الناس فما أنكرت من أكله شيئاً‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ كنت يوماً عند هارون الرشيد فقدمت إليه فالوذجة فقال‏:‏ يا أصمعي‏.‏

قلت‏:‏ لبيك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ حدثني بحديث مزرد أخي الشماخ‏.‏

قلت‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين إن مزرداً كان رجلاً جشعاً نهماً وكانت أمه تؤثر عيالها بالزاد عليه وكان ذلك مما يضريه ويحفظه فذهبت يوماً في بعض حقوق أهلها وخلفت مزرداً في بيتها ورحلها فدخل الخيمة فأخذ صاعين من دقيق وصاعاً من عجوة وصاعاً من سمن فضرب بعضه ببعض فأكله ثم أنشأ يقول‏:‏ ولما مضت أمي تزور عيالها أغرت على العكم الذي كان يمنع خلطت بصاعي حنطة صاع عجوة إلى صاع سمن فوقه يتريع ودبلت أمثال الأثافي كأنها رؤوس رخال قطعت لا تجمع وقلت لبطني أبشري اليوم إنه حمى أمنا مما تفيد وتجمع فإن كنت مصفوراً فهذا دواؤه وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع قال‏:‏ فاستضحك هارون حتى أمسك على بطنه واستلقى على ظهره ثم قعد فمد يده وقال‏:‏ خذ فذا يوم تشبع يا أصمعي‏.‏

وقال حميد الأرقط وهو الذي يقال له‏:‏ ‏"‏ هجاء الأضياف ‏"‏ يصف أكل الضيف‏:‏ أتانا وما ساواه سحبان وائل بياناً وعلماً بالذي هو قائل فما زال عنه اللقم حتى كأنه من العي لما أن تكلم باقل وقال‏:‏ لا أبغض الضيف ما بي جل مأكله إلا تنفجه حولي إذا قعد ما زال ينفخ جنبيه وحبوته حتى أقول لعل الضيف قد ولدا وقال‏:‏ لا مرحباً بوجوه القوم إذ نزلوا دسم العمائم تحكيها الشياطين ألقيت جلتنا الشهريز بينهم كأن أظفارهم فيها سكاكين فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى يلقى المساكين أبو الحسن المدائني قال‏:‏ أقبل نصراني إلى سليمان بن عبد الملك وهو بدابق بسلين أحدهما مملوء بيضاً والآخر مملوء تيناً فقال‏:‏ اقشروا فجعل يأكل بيضة وتينة حتى فرغ من السلين ثم أتوه بقصعة مملوءة مخا بسكر فأكله فأتخم ومرض فمات‏.‏

والأكلة كلهم يعيبون الحمية ويقولون‏:‏ الحمية إحدى العلتين‏.‏

وقالوا‏:‏ من احتمى فهو على يقين من المكروه وفي شك من العافية‏.‏

الحمية وقولهم فيها قيل لبقراط‏:‏ مالك تقل الأكل جداً قال‏:‏ إني إنما آكل لأحيا وغيري يحيا ليأكل‏.‏

وأجمعت الأطباء على أن رأس الداء كله إدخال الطعام على الطعام وقالوا‏:‏ احذروا إدخال اللحم على اللحم فإنه ربما قتل السباع في القفر‏.‏

وأكثر العلل كلها إنما يتولد من فضول الطعام‏.‏

والحمية مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأى صهيباً يأكل تمراً وبه رمد فقال‏:‏ ‏"‏ أتأكل تمراً وأنت أرمد ‏"‏‏.‏

ودخل على علي رضي اللهعنه وهو عليل وبيده عنقود عنب فنزعه من يده‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم ‏"‏‏.‏

وقيل للحارث بن كلدة طبيب العرب‏:‏ ما أفضل الدواء قال‏:‏ الأزم‏.‏

يريد قلة الأكل‏.‏

ومنه قيل للمجاعة‏:‏ الأزمة وللكثير أزمات‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ ما أفضل الدواء قال‏:‏ أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه‏.‏

أبو الأشهب عن أبي الحسن قال‏:‏ قيل للمنذر بن جندب‏:‏ إن ابنك أكل طعاماً كظله حتى كاد ودعا عبد الملك بن مروان رجلاً إلى الغداء فقال‏:‏ ما في فضل يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ لا خير في الرجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل‏.‏

وقال الأحنف بن قيس‏:‏ جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام فإني أبغض الرجل أن يكون وصافاً لبطنه وفرجه‏.‏

وقيل لبعض الحكماء‏:‏ أي الأدواء أطيب قال‏:‏ الجوع ما ألقيت إليه من شيء قبله‏.‏

وقال رجل من أهل الشام لرجل من أهل المدينة‏:‏ عجبت منكم أن فقهاءكم أظرف من فقهائنا ومجانينكم أظرف من مجانيننا قال‏:‏ أوتدري من أين ذلك قال‏:‏ لا أدري‏.‏

قال‏:‏ من الجوع ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لما خلا جوفه‏.‏

وقال الجاحظ‏:‏ كان أبو عثمان الثوري يجلس ابنه معه يوم الرأس وكان له يوم معروف يأكل فيه رأساً لا محالة وكان يجلس ابنه معه‏:‏ ويقول‏:‏ إياك يا بني ونهم الصبيان وأخلاق النوائح ونهش الأعراب وكل مما يليك واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة أو مضغة شهية أو شيء مستطرف فإنما ذلك للشيخ المعظم أو للصبي المدلل ولست بواحد منهما‏.‏

وقد قالوا‏:‏ مدمن اللحم كمدن الخمر‏.‏

أي بني عود نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوة ولا تنهش نهش السباع ولا تخضم خضم البراذين ولا تدمن الأكل إدمان النعاج ولا تلقم لقم الجمال فإن الله جعلك إنساناً فلا تجعل نفسك بهيمة‏.‏

واحذر صرعة الكظة وسرف البطنة فقد قال بعض الحكماء‏:‏ إذا كنت نهماً فعد نفسك من الزمنى واعلم أن الشبع داعية البشم والبشم داعية السقم وأن السقم داعية الموت ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة لأنه قاتل نفسه وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره‏.‏

أي بني والله ما أدى الركوع والسجود ذو كظة ولا خشع لله ذو بطنة والصوم مصحة والوجبات عيش الصالحين‏.‏

أي بني لأمر ما طالت أعمار أهل الهند وصحت أبدان العرب ولله در الحارث بن كلدة إذ زعم أن الدواء هو الأزم فالداء كله من فضول الطعام فكيف لا ترغب في شيء يجمع لك صحة البدن وذكاء الذهن وصلاح الدين والدنيا والقرب من عيش الملائكة أي بني لم صار الضب أطول عمراً إلا لأنه يتبلغ بالنسيم ولم قال الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ إن الصوم وجاء إلا لأنه جعله حجازاً دون الشهوات فافهم تأديب الله عز وجل وتأديب رسوله عليه الصلاة والسلام‏.‏

أي بني قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي سن ولا انتشر لي عصب ولا عرفت ذنين أنف ولا سيلان عين ولا سلس بول ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد‏.‏

فإن كنت تحب الحياة سياسة الأبدان بما يصلحها قال الحجاج بن يوسف للباذون طبيبه‏:‏ صف لي صفةً آخذ بها نفسي ولا أعدوها‏.‏

قال له‏:‏ لا تتزوج من النساء إلا شابة ولا تأكل اللحم إلا فتياً ولا تأكله حتى تنعم طبخه ولا تشرب دواء إلا من علة ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه وكل ما أحببت من الطعام واشرب عليه فإذا شربت فلا تأكل ولا تحبس الغائظ ولا البول وإذا أكلت بالنهار فنم وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولو مائة خطوة‏.‏

قيل ليهود خيبر‏:‏ بم صححتم على وباء خيبر قالوا‏:‏ بأكل الثوم وشرب الخمر وسكنى اليفاع وتجنب بطون الأودية والخروج من خيبر عند طلوع النجم وعند سقوطه‏.‏

وقال قيصر لقس بن ساعدة‏:‏ صف لي مقدار الأطمعة‏.‏

فقال‏:‏ الإمساك عن غاية الإكثار والبقيا على البدن عند الشهوة‏.‏

قال‏:‏ فما أفضل الحكمة قال‏:‏ معرفة الإنسان قدره‏.‏

قال‏:‏ فما أفضل العقل قال‏:‏ وقوف الإنسان عند منتهى علمه‏.‏

وسأل عبد الملك بن مروان أبا المفوز‏:‏ هل أتخمت قط قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ لأنا إذا طبخنا أنضجنا وإذا مضغنا دققنا ولا نكظ المعدة ولا نخليها‏.‏

وقيل لبزر جمهر‏:‏ أي وقت فيه الطعام أصلح قال‏:‏ أما لمن قدر فإذا جاع ولمن لم يقدر فإذ وجد‏.‏

وقال‏:‏ أربع يهدمن العمر وربما قتلن‏:‏ الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق‏.‏

وقال إبراهيم النظام‏:‏ ثلاثة أشياء تفسد العقل‏:‏ طول النظر في المرآة والاستغراق في الضحك ودوام النظر في البحر‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ جمع هارون من الأطباء أربعة‏:‏ عراقياً ورومياً وهندياً ويونانياً فقال‏:‏ ليصف لي كل واحد منكم الدواء الذي لا داء معه‏.‏

فقال العراق‏:‏ الدواء الذي لاداء معه حب الرشاد الأبيض‏.‏

وقال الهندي‏:‏ الإهليلج الأسود‏.‏

وقال الرومي‏:‏ الماء الحار وقال اليوناني - وكان أطبهم - حب الرشاد الأبيض يولد الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والإهليلج الأسود يرق المعدة لكن الدواء الذي لا داء معه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه‏.‏

تدبير الصحة ثم نذكر بعد هذا من وصف الطعام وحالاته وما يدخل على الناس من ضروب آفاته باباً في تدبير الصحة التي لا تقوم الأبدان إلا به ولا تنمى النفوس إلا عليه‏.‏

وقد قال الشافعي‏:‏ العلم علمان‏:‏ علم الأديان وعلم الأبدان‏.‏

ولم نجد بداً - إذ كانت جملة هذه المطاعم التي بها نمو الغراسة وعليها مدار الأغذية تضر في حالة وتنفع في أخرى - من ذكر ما ينفع منها ومقدار نفعه وما يضر منها ومبلغ ضره وأن نحكم على كل ضرب منها بالأغلب عليه من طباعه وقلما نجد شيئاً ينفع في حالة إلا وهو يضر في الأخرى ألا ترى أن الغيث الذي جعله الله رحمة لخلقه وحياة لأرضه قد يكون منه السيول المهلكة والخراب المجحف وأن الرياح التي سخرها الله مبشرات بين يدي رحمته قد أهلك باه قوماً وانتقم بها من قوم وفي هذا المعنى قال حبيب الطائي‏:‏ ولم تر نفعاً عند من ليس ضائراً ولم تر ضراً عند من ليس ينفع قال خالد بن صفوان لخادمه‏:‏ أطعمينا جبناً فإنه يشهي الطعام ويهيج المعدة وهو حمض العرب‏.‏

قال‏:‏ ما عندنا منه شيء‏.‏

فقال‏:‏ لا عليك فإنه يقدح الأسنان ويشد البطن‏.‏

ولما كانت أبدان الناس دائمة التحلل لما فيها من الحرارة الغريزية من داخل وحرارة الهواء المحيط بها من خارج احتاجت إلى أن يخلف عليها ما تحلل واضطرت بذلك إلى الأطعمة والأشربة وجعلت فيها قوة الشهوة ليعلم بها وقت الحاجة منها إليها ومقدار ما يتناول منها والنوع الذي يحتاج إليه ولأنه لا يخلف الشيء الذي يتحلل ولا يقوم مقامه إلا مثله وليس تستطيع القوة التي تحيل الطعام والشراب في بدن الإنسان أن تحيل إلا ما شاكل البدن وقاربه‏.‏

فإذا كان هذا هكذا فلا بد لمن أراد حفظ الصحة أن يقصد لوجهين‏:‏ أحدهما أن يدخل على البد الأغذية الموافقة لما يتحلل منه والآخر أن ينفي عنه ما يتولد فيه من فضول الأغذية‏.‏

ما يصلح لكل طبيعة من الأغذية وينبغي لك أن تعرف اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها لتعرف بذلك موافقة كل نوع من الأطعمة لكل صنف الناس‏.‏

وذلك أن الأغذية مختلفة فمنها معتدلة كالتي يتولد منها الدم الخالص النقي ومنها غير معتدلة كالتي يتولد منها البلغم والمرة الصفراء والسوداء والرياح الغليظة ومنها لطيفة ومنها غليظة ومنها ما يتولد منه كيموس لزج وكيموس غير لزج ومنها ما له خاصة منفعة أو مضرة في بعض الأعضاء دون بعض‏.‏

فقد يجب متى كان المستولي على البدن الدم النقي أن تكون أغذيته قصداً في قدرها معتدلة في طبائعها‏.‏

ومتى كان الغالب عليه البلغم فيجب أن تكون مسخنة أو يغتذي بما يزيد في الحرارة ويقمع الرطوبة‏.‏

ومتى كان الغالب عليه المرة السوداء فينبغي له أن يغتذي بالأغذية الحارة الرطبة‏.‏

ومتى كان الغالب عليه المرة الصفراء فيغتذى بالأغذية الباردة الرطبة ومتى كان البدن مستحصفاً عسر التحلل فينبغي أن يغتذى بأغذية يسيرة لطيفة جافة ومتى كان متخلخلاً فينبغي له أن يتعذى بأغذية لزجة لكثرة ما يتحلل من البدن‏.‏

فهذا التدبير ينبغي أن يلتزم ما لم يكن في بعض أعضاء البدن ألم فينبغي أن يستعمل النظر في الأغذية الموافقة للعضو الألم لأنا ربما اضطررنا إلى استعمال ما يوافق العضو الآلم إن كان مخالفاً لسائر البدن كما أنه لو كانت الكبد باردة ضيقة المجاري احتجنا إلى استعمال الأغذية اللطيفة وتجنب الأغذية الغليظة وإن كان سائر البدن غير محتاج إليها لضعف أو نحافة لئلا تحدث الطبيعة في الكبد سدداً وربما كانت الكبد حارة فتحذره الأغذية الحلوة وإن احتاج إليها لسرعة استحالتها إلى المرة الصفراء‏.‏

وربما كانت المعدة ضعيفة فتحتاج إلى ما يقويها من الأغذية وربما كان يولد الطعام فيها بلغماً فتحتاج إلى ما يقمع الصفراء وإلى تجنب الأشياء المولد لها‏.‏

وربما كان الطعام يبقى على رأس المعدة طافياً فيستعمل الأغذية الغليظة الراسية ليتثقل بثقلها إلى أسفل المعدة وتأمره بحركة يسيرة بعد الطعام لينحط الطعام عن رأس المعدة‏.‏

وربما كان رأس المعدة حاراً قابلاً للحار فيتجنب الأغذية الحارة وإن احتاج إليها سائر البدن‏.‏

وينبغي ألا يقتصر على ما ذكرنا دون النظر في مقدار الحركة قبل الطعام والنوع بعده فمتى كانت الحركة قبل الطعام كثيرة غذيناه بأغذية كثيرة غليظة لزجة إلى اليبس ما هي بطيئة التحلل ولم نأمره بالحمية لقلة الحاجة إليها‏.‏

ومتى لم تكن قبل الطعام حركة أو كانت يسيرة فينبغي ألا يقتصر على الحمية بقلة الطعام ولطافته دون أن يستعين على تخفيف ما يتولد في البدن من الفضول باستفراغ الأدوية المسهلة وبالحمام وبإخراج الدم‏.‏

ومتى كانت الحركة كافية استعملنا الأغذية المعتدلة في كثرتها وقد لطافتها وغلظها‏.‏

ومت كان النوم بعد الطعام كثيراً احتجنا إلى استعمال أغذية كثيرة غزيرة الغذاء لطول الليل وكثرة النوم ومتى كان النوم قليلاً احتجنا إلى الطعام القليل الخفيف اللطيف كالذي يغتذي به في الصيف لقصر الليل وقلة النوم‏.‏

تقدير الطعام وما يقدر منه وما يؤخر ويجب في الطعام أن يقدر فيه اربعة أنحاء‏:‏ أولها ملاءمة الطعام لبدن المغتذي به في الوقت الذي يعتذي به فيه كما ذكرنا آنفاً‏:‏ أنه متى كان الغالب على البدن الحرارة احتاج إلى الأغذية البادرة‏.‏

ومتى كان الغالب عليه البرد احتاج إلى الأغذية الحارة ومتى كان معتدلاً احتاج إلى الأغذية المعتدلة المشاكلة له‏.‏

والنحو الثاني‏:‏ تقدير الطعام بأن يكون على مقدار قوة الهضم لأنه وإن كان في نفسه محموداً وكان ملائماً للبدن وكان أكثر من قد احتمال قوة الهضم ولم يستحكم هضمه تولد منه غذاء رديء‏.‏

والنحو الثالث‏:‏ تقديم ما ينبغي أن يقدم من الطعام وتأخير ما ينبغي أن يؤخر منه ومثل ذلك أنه ربما جمع الإنسان في أكلة واحدة طعاماً يلين البطن وطعماً يحبسه‏.‏

فإن هو قدم الملين وأتبعه الآخر سهل انحدار الطعام منه ومتى قدم الطعام الحابس وأتبعه الملين لم ينحدر وفسدا جميعاً‏.‏

وذلك أن الملين حال فيما بينه وبين النزول الطعام الحابس فبقي في المعدة بعد انهضامه ففسد به الطعام الآخر‏.‏

ومتى كان الطعام الملين قبل الحابس انحدر الملين بعد انهضامه وسهل الطريق لانحدار الحابس‏.‏

وكذلك أيضاً إن جمع أحد في أكلة واحدة طعاماً سريع الانهضام وآخر بطيء الانهضام فينبغي له أن يقدم البطيء الانهضام ويتبعه السريع الانهضام ليصير البطيء في قعر المعدة لأن قعر المعدة أسخن وهو أقوى على الهضم لكثرة ما فيه من أجزاء اللحم المخالطة له وأعلى المعدة عصبي بارد لطيف ضعيف الهضم‏.‏

ولذلك إذا طفا الطعام على رأس المعدة لم ينهضم‏.‏

والنحو الرابع‏:‏ أن من يتناول الطعام الثاني بعد انحدار الأول وقد قدم قبله حركة كافية وأتبعه بنوم كاف استمرأه‏.‏

ومن أخذ وقد بقي في معدته أو أمعائه بقية من الطعام الأول غير منهضمة فسد الطعام الثاني ببقية الأول‏.‏