فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة (نسخة منقحة)


القضايا الكلية للاعتقاد في الكتاب والسنة

.المقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
وبعد:
فقد مضى للآن عشر سنوات تقريبا على إخراج أول طبعة من (القضايا الكلية للاعتقاد) وقد طبعت بعد ذلك طبعات كثيرة بعضها مصور في أماكن شتى من العالم الإسلامي حيث تلقاها الناس بالقبول والحمد لله على نعمائه، ولقد كان الهدف من إخراج هذه الرسالة المختصرة هو وضع كليات المعتقد أمام أخوة الإسلام ليتصور المسلم الصورة الكلية لمعتقده، وذلك جريا على سنة سلفنا الصالح من العلماء الذين ألفوا العقائد المختصرة لهذا السبب وقد راعينا بحمد الله أن تكون هذه (القضايا الكلية) مكتوبة بأسلوب ميسر ومفصلة بالأرقام ليسهل إدراكها وحفظها. وقد كنت أنوي أن أشرع فورا في كتابة شرح مختصر لهذا المعتقد ولكن انشغالي بالكتابة في الموضوعات اليومية الملحة والردود العاجلة صرفني عن كتابة شرح لها. ولكن الله وفق سبحانه وتعالى بشرحها في دروس ومحاضرات متتابعة سجلت على أشرطة في نحو خمسة وأربعين شريطا سارت بها الركبان-بحمد الله- شرقا وغربا، وانتفع بها طلاب العلم في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي.
وفي هذه السنوات العشر التي مضت على إخراج أول طبعة وإلى يومنا هذا اصطدمنا بكثير من الفتن العقائدية، والانحرافات والتحريفات والإلحاد في أسماء الله وصفاته مما استوجب ذلك وضع ضوابط تكفل للمسلم العصمة من الزيغ عن سواء الصراط.

.طرق تعلم العقيدة الإسلامية:

فمن المعلوم أن العقيدة الإسلامية تتعلم بطريقين:

.الطريق الأول:

هو الخبر المجرد كما في قوله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}{اللَّهُ الصَّمَدُ}{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
فهذه السورة إخبار من الله سبحانه وتعالى عن نفسه يعرفنا الله فيها بذاته العليا وصفاته السنية وأنه سبحانه أحد فرد صمد لا ند له ولا شبيه له، وأنه لم يلد ولم يولد. وقد روي في سبب نزول هذه السورة أحاديث مفادها أن قريشا أو بعض الأعراب سألوا رسول الله فقالوا: يا محمد انسب لنا ربك فنزلت. وسواء كان هذا أو غيره فإن هذه السورة ومثلها كثير نزل من الله إخبارا عن نفسه دون أن يتعلق ذلك بالرد على شبهة ما أو عقيدة باطلة كانت موجودة فجاءت الآيات ردا عليها.

.الطريق الثاني:

أن يأتي تعليم العقيدة من خلال الشبهات التي تكون منتشرة فينزل الله الآيات التي تبدد هذه الشبهات وتضع الحق في نصابه وذلك كقوله تعالى مثلا {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}.. الآيات فهنا رد الله على عقيدة باطلة كانت موجودة لدى مشركي العرب وهي زعمهم أن الملائكة بنات الله فنفى الله هذا عن نفسه وبين لهم أن الملائكة عبيده المكرمون وليسوا بناته كما يزعمون..
ومثل هذه الآيات كثير في القرآن كقوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} الآية وقوله تعالى {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} الآيات.
وهذا النوع من تثبيت العقيدة وبيانها من خلال الرد على الشبهات كثير جدا بل تكاد تكون عامة الآيات في العقائد والإيمان ردودا على مفاهيم خاطئة في العقيدة. ولا شك أن تعليم العقيدة من خلال الرد على الشبهات عظيم جدا لأن الأشياء تعرف بأضدادها والنور لا يعرف إلا بالظلام والحق لا يهتدى إليه إلا من خلال العلم بالباطل كما قال تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وهذا يعني أنه لا بد أن يكون علم بالطاغوت حتى يكفر به.
وقد جرينا في جمع هذه القواعد وترتيبها وفق معتقد أهل السنة والجماعة حيث نرسي التصور الصحيح لمعتقد السلف في إطار قضايا كلية كفيلة بحول الله بالعصمة من الوقوع في الباطل ولم نترك بحمد الله وتوفيقه عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة، ولا مسألة عامة إلا وذكرناها مستوفين بذلك ما كتبه علماء الإسلام الأجلاء قديما وحديثا- فقد ضمنا هذه العقيدة (القضايا الكلية) ما هو موجود في عقيدة الإمام ابن تيمية التي لخصها في فتاويه والعقيدة الواسطية التي أوجزت معتقده، والطحاوية وعقيدة أبي زيد القيرواني السلفي. هذا مع ما استجد من شبهات كثيرة كان لا بد من الرد عليها ووضع قواعد تعصم من الانزلاق إلى الباطل في هذه الشبهات الجديدة والفتن الحادثة.
ومعلوم لكل من درس شيئا من تاريخ الكتابة في العقائد أن كثيرة من فروع الدين قد جاء وقت أصبحت فيه من أصول الدين ومن شئون العقائد كالمسح على الخفين مثلا، وأمامه الصديق أبي بكر، وتحديد من هم أهل بيت الرسول، ونكاح المتعة ونحو ذلك من الفروع الفقهية. وذلك لما ترتب على الخلاف في مثل هذه الأمور من الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم والقول بنقص القرآن، وهكذا يأتي على الناس وقت قد يبالغون فيه في الخلاف حول قضية فرعية حتى يصل بهم الأمر إلى الخطأ في قضية أصولية.
وكذلك قد يقع الخطأ في قضية أصولية فيستتبع ذلك أخطاء في قضايا فرعية تنبني على الخطأ الأصولي. والمشاهد لما عليه أهل الأهواء المتفرقون عن الدين الصحيح أن خلافهم في الأصول بدأ بخطأ يسير في قضية فرعية ثم تطور الانفراج عن الحق والبعد عن الدين بإضافة خطأ إلى خطأ حتى نشأ لكل فرقة فقه خاص ومن ثم دين ونحلة خاصة.
ويشبه هذا ما تورط فيه كثير من الناس في الوقت الحاضر في جعل جماعة صغيرة تدعو إلى الله هي جماعة المسلمين وأن من عداهم كفار أو مشركون فأصل هذه القضية خلاف حول أمر فرعي ولكنه تطور حتى صار فيه كفر وإيمان وجماعة (مشروعة) وجماعة (غير مشروعة) وكذلك الشأن والأمر في معاملة غير المسلمين والسبيل إلى نصر الدين، ومناهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو هذا من مسائل كثيرة يتنازع فيها الناس الآن هذه المسائل أصلها من مسائل الفروع كرجم الزاني المحصن والزواج بأربع، وعورة المرأة.. إلخ.
ولكنها تطورت حتى أصبحت من مسائل وقضايا الأصول لما ترتب عليها من الفصل بين القرآن والسنة في الاحتجاج والاستدلال ومن وقوع الفرقة والشقاق بين المسلمين.
وهذا الذي حدانا إلى جمع هذه القضايا جميعا في معتقد واحد شمل عقيدة المؤمن في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما يندرج تحت هذه الأركان من مسائل اختلفت فيها الناس قديما وحديثا وكذلك العقيدة الواجبة في أصول الفقه والاستنباط وكذلك موقف المؤمن من أمة الإسلام، وكذلك من غير المسلمين. وبهذا شملت هذه العقيدة بحمد الله عامة القضايا الأساسية التي لا يجوز لمسلم أن يجهلها والتي يلزم كل مسلم تعلمها ليصحح معتقده ويقيم إيمانه على أسس ثابتة وتمسك بالصراط المستقيم.
وهذا المعتقد هو بحمد الله معتقد أهل السنة والجماعة الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل القرون الثلاثة الأولى الذين شهد لهم الرسول بالخير فقال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». وقد كان فيهم بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أئمة الفقه المشهود لهم بالخير كالأئمة الأربعة ورجال الحديث النبوي من أمثال الإمام أحمد بن حنبل، والبخاري، وابن معين، وابن المديني، ومسلم بن الحجاج، وسفيان الثوري وابن عيينة، وغيرهم ومن سار على درب هؤلاء واتبع طريقهم في المعتقد والعمل كالإمام شيخ الإسلام وناصر الدين ورافع ألويته ابن تيمية الحراني الدمشقي وتلاميذه الأفذاذ علماء الإسلام، ابن القيم، وابن كثير، والحافظ المزي وغيرهم، ثم الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ومن جاء بعده ممن تتلمذ عليه، وعرف الدين الحق من خلال دعوته وجهاده. وهذه الدعوة السلفية بحمد الله هي دعوة الحق وأهلها من الصحابة ومن سار على دربهم في المعتقد والعمل هم الفرقة الناجية الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يقاتل آخرهم الدجال» وهذه العقيدة السلفية هي العقيدة الوحيدة التي بفضلها يمكن جمع المسلمين على كلمة سواء لأنها عقيدة الكتاب والسنة التي أجمعت عليها الأمة في عصورها المشهودة لها بالخير والتي لا تنتمي إلى رجل بعينه وإمام بذاته، والتي جانبت كل البدع العقائدية والعبادية وقامت على مر العصور بتخليص المسلمين من الانحراف، والإلحاد، والتحريف وهي العقيدة التي حارب حاملوها كل المذاهب الباطلة والنحل المتفرقة، فكانوا بحمد الله وفضله هم الفرقة المنصورة الناجية الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة» (الأحاديث الصحيحة للألباني 204).
فالسلفيون الذين ساروا على منهج الرسول وأصحابه صلى الله عليه وسلم هم الجماعة أهل الحق المعتصمون بكتاب الله وسنة رسوله المائلين عن كل طرائق الشرك والباطل والبدعة.
وخلاصة الدعوة السفلية وعقيدة الفرقة الناجية هي ما ضمناه هذه الرسالة بحمد الله وتوفيقه- وقد راعينا أن تكون بأسهل عبارة لأننا نكتب لعامة الناس ولا نخاطب بهذه العقيدة فئة بعينها بل أملنا-في الله- أن تصبح هذه العقيدة في كل قلب وأن يحملها كل مسلم ويبشر بها كل داع إلى الله والحمد لله رب العالمين والأمل في الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي قريب إخراج شرح مختصر لهذه القضايا يوضح مستند كل قضية من كتاب الله وسنة رسوله والله المسئول أن يجعل هذا خالصا لوجهه الكريم وأن يجنبنا الزلل في المعتقد والقول والعمل إنه هو السميع العليم.
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت في 27 من ذي القعدة سنة 1402 هـ
الموافق 15 / 9 / 1982