فصل: فصل: (الحكم إن التقطه موسر ومعسر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ تضمين الأجير واختلاف المتكاريين

الأجير على ضربين‏:‏ خاص ومشترك فالخاص‏:‏ هو الذي يؤجر نفسه مدة فلا ضمان عليه فيما يتلف في يده بغير تفريط مثل أن يأمره بالسقي فيكسر الجرة أو بكيل شيء فيكسر الكيل أو بالحرث فيكسر آلته نص عليه أو بالرعي فتهلك الماشية بغير تفريطه والمشترك‏:‏ الذي يؤجر نفسه على عمل فظاهر كلام الخرقي أنه يضمن ما تلف بعمله ونص عليه أحمد رضي الله عنه في حائك دفع إلى غزل فأفسد حياكته يضمن والقصار ضامن لما يتخرق من مده ودقه وعصره وبسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبخه لما روى جلاس بن عمرو أن عليا رضي الله عنه كرم الله وجهه‏:‏ كان يضمن الأجير ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق فكان ضامنا لها كالمستعير وقال القاضي وأصحابه‏:‏ إن كان يعمل في ملك المستأجر كخياط أو خباز أخذه إلى دار ليستعمله فيها فلا ضمان عليه ما لم يتعد فيه مثل أن يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته فيضمن لأنه أتلفه بعدوانه وما لا فلا ضمان عليه لأنه سلم نفسه لصاحب العمل فأشبه الخاص وإن كان العمل في غير ملك المستأجر ضمن ما جنت يداه لما ذكرناه ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه لأنها أمانة في يده فأشبه المودع وإن حبسها على أجرتها فتلفت ضمنها لأنه متعد بإمساكها إذ ليست رهنا ولا عوضا عن الأجرة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تلف العين المستأجرة بغير تفريط‏]‏

ولا ضمان على المستأجر في عين المستأجرة إن تلفت بغير تفريط لأنه قبضها ليستوفي ما ملكه فيها فلم يضمنها كالزوجة والنخلة التي اشتراها ليستوفي ثمرتها وإن تلفت بفعله بغير عدوان كضرب الدابة وكبحها لم يضمن لأنها تلفت من فعل مستحق فلم يضمنها كما لو تلفت تحت الحمل وإن تلفت بعدوان كضربها من غير حاجة أو لإسرافه فيه ضمن لأنه جناية عن مال الغير وإن اكترى إلى مكان فتجاوزه فهلك الظهر ضمنه لأنه متعد أشبه الغاصب وإن هلك بعد نزوله عنه وتسليمه إلى صاحبه لم يضمنه لأنه برئ بتسليمه إليه إلا أن يكون هلاكه لتعب الحمل فيضمنه لأنه هلك بدونه وإن حمل عليه أكثر مما استأجره فتلف ضمنه لذلك وإن اكترى دابة ليركبها فركب معه آخر بغير إذن فتلف ضمانها الآخر كلها لأن عدوانه سبب تلفها فضمنها كمن ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها وإن تلفت الدابة بعد عودها إلى المسافة ضمنها لأن يده صارت ضامنة فلم يسقط عنه ذلك إلا بإذن جديد ولم يوجد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم لو قال لخياط‏:‏ إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه فلم يكفه‏]‏

ولو قال لخياط‏:‏ إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه فلم يكفه ضمنه لأن إنما أذن له في قطعة بشرط الكفاية ولم يوجد وإن قال‏:‏ هو يكفيك قميصا فقال‏:‏ اقطعه فقطعه فلم يكفه لأنه قطعه بإذن مطلق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الامتناع من تسليم العين المستأجرة‏]‏

ومن أجر عينا فامتنع من تسليمها فلا أجرة له لأنه لم يسلم المعقود عليه فلم يستحق عوضه كالمبيع إذا لم يسلمه وإن سلمه بعض المدة ومنعه بعضا فقال أصحابنا‏:‏ لا أجرة له لأنه لم يسلم ما تناوله العقد فأشبه الممتنع عن تسليم الجميع ويحتمل أن يلزمه عوض ما استوفاه كما باعه مكيلا فسلم إليه بعضه ومنعه من باقيه وإن أجر نفسه على عمل وامتنع من إتمامه فكذلك وإن أجر عبده فهرب أو دابة فشردت في بعض المدة فله من الأجرة بقدر ما استوفي من المدة لأن الامتناع بغير فعله فأشبه ما لو مات وإن تلف الثوب في يد الصانع بغير تفريطه فلا أجرة له فيما عمل لأنه لم يسلمه إلى المستأجر فلم يستحق عوضه وإن تلف بتفريطه خير المالك بين تضمنه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته وبين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وإن استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصا فأتلف الثوب فلا ضمان على الخاص ويضمنه المشترك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اختلاف المتكاريين في قدر الأجرة أو المنفعة‏]‏

وإذا اختلف المتكاريان في قدر الأجرة أو المنفعة تحالفا لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ثم الحكم في فسخ الإجارة كالحكم في فسخ البيع لأنها بيع وإن اختلفا في العدوان فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن اختلفا في رد العين ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ القول قول المؤجر لأن الأصل عدم الرد ولأن المستأجر قبض العين لنفسه أشبه المستعير‏.‏

والثاني‏:‏ القول قول الأجير لأنه أمين فأشبه المودع وإن هلكت العين فقال الأجير‏:‏ هلكت بعد العمل فلي الأجرة فأنكره المستأجر فالقول قوله لأن الأصل عدم العمل وإن دفع ثوبا إلى خياط فقطعه قباء وقال‏:‏ بهذا أمرتني فلي الأجرة ولا ضمان علي وقال صاحبه‏:‏ إنما أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول الأجير نص عليه لأنه مأذون له في القطع والخلاف في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب لأن الأصل عدم وجوب الغرم فكان القول قول من ينفيه ويتخرج أن يقبل قول المالك لأن والقول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم ما ينفيه فكان القول قوله فيه‏.‏

باب‏:‏ الجعالة

وهي أن يجعل جعلا لمن يعمل له عملا من رد آبق أو ضالة أو بناء أو خياطة وسائر ما يستأجر عليه من الأعمال فيجوز ذلك لقول الله تعلى‏:‏ ‏{‏ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم‏}‏ ولما روى أبو سعيد أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينا هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا‏:‏ هل فيكم من راق‏؟‏ فقالوا‏:‏ لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقة ويتفل فبرئ الرجل فأتوه بالشياه فقالوا‏:‏ لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي منها بسهم‏]‏ متفق عليه ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالإجارة ويجوز عقد الجعالة لعامل غير معين وعمل مجهول فيقول‏:‏ من رد ضالتي فله كذا للآية ولأن الحاجة داعية إليه مع الجهل فجاز كالمضاربة ولا يجوز إلا بعوض معلوم لأنه عقد معاوضة فاشترط العلم بعوضه كالإجارة فإن شرط مجهولا فسد وله أجرة المثل لأنه عقد يجب المسمى في صحيحه فوجبت أجرة المثل في فاسده كالإجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏معنى الجعالة‏]‏

وهي عقد جائز لأنها تنعقد على مجهول فكانت جائزة كالمضاربة وأيهما فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء للعامل وإن فسخه العامل قبل تمام العمل فلا شيء له إنما يستحق بعد الفراغ من عمله وقد تركه وإن فسخ الجاعل بعد التلبس به فعليه أجرة ما عمل العامل لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له وإن تم العمل لزم العقد ووجب الجعل لأنه استقر بتمام العمل فأشبه الربح في المضاربة وإن زاد في الجعل أو النقص منه قبل الشروع في العمل جاز لأنه عقد جائز فجازت الزيادة فيه والنقصان قبل العمل كالمضاربة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏استحقاق الجعل‏]‏

ولا يستحق الجعل إلا بعد فراغه من العمل لأنه كذا شرط وإن جعل له جعلا على رد آبق فرده إلى باب الدار فهرب أو مات قبل تسليمه لم يستحق شيئا لأنه لم يأت بما جعل الجعل فيه وإن قال‏:‏ من رده من مصر فله دينار فرد من نصف طريقها أو قال‏:‏ من رد عبدي فله دينار فرد أحدهما فله نصف الدينار لأنه عمل نصف العمل وإن رده من أبعد من مصر لم يستحق إلا الدينار لأنه لم يضمن لما زاد شيئا وإن رده جماعة اشتركوا في الدينار لأنهم اشتركوا في العمل فإن جعل لواحد في رده دينارا ولآخر اثنين ولآخر ثلاثة فلكل واحد منهم ثلث جعله وإن جعل لواحد منهم ثوبا فله ثلث أجرة المثل لأنه عوض مجهول فاستحق ثلث أجرة المثل وإن جعل لواحد جعلا فأعانه آخر فالجعل كله للمجعول له لأن العمل كله له فإن قال الآخر‏:‏ شاركته لأشاركه في الجعل فللعامل نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل ولا شيء للآخر لأنه لم يشرط له شيء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من عمل لغيره عملا بغير جعل‏]‏

ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له لأنه بذل منفعته بغير عوض فلم يستحقه وإن التقط لقطة قبل الجعل ثم بلغه الجعل لم يستحقه لأنه وجب عليه ردها بالتقاطها فلم يجز له أخذ العوض عن الواجب وإن التقطها بعد الجعل ولم يعلم بذلك لم يستحقه لأنه تطوع بالالتقاط وإن نادى غير صاحب الضالة‏:‏ من ردها فله دينار فردها رجل فالدينار على المنادي لأنه ضمن العوض وإن قال في النداء‏:‏ فال فلان‏:‏ من رد ضالتي فاله دينار فردها رجل لم يضمن المنادي لأنه لم يضمن إنما حكى قول غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في الجعل أو في قدره‏]‏

وإن اختلفا في الجعل أو في قدره أو في المجعول فيه الجعل فالقول قول المالك لأنه منكر ما يدعى عليه والأصل عدمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏رد الآبق من غير شرط‏]‏

وإن رد آبقا من غير شرط ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا جعل له فيما ذكرنا‏.‏

والثانية‏:‏ له الجعل لأن ذلك يروى عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه جعل في الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا ولأن في ذلك حثا على رد الإباق وصيانة عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم فينبغي أن يكون مشروعا وقدر الجعل دينارا أو اثني عشر درهما لما روينا ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ أنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما وإن رده من المصر فله دينار لأنه يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه وسواء كان ذلك كقيمة العبد أو أقل أو أكثر فإن مات السيد استحق الجعل في تركته وما أنفقه على الآبق في قوته رجع به على سيده سواء رده أو هرب منه في بعض الطريق‏.‏

باب‏:‏ المسابقة

تجوز المسابقة على الأقدام والدواب وبالسهام والحراب والسفن وغيرها لما روى ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق‏)‏ متفق عليه وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها على قدميه وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يديه ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يربعون حجرا أي يرفعونه بأيديهم ليعلم الشديد منهم فلم ينكر عليهم ولا يجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر‏]‏ رواه أبو داود فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعا بينه وبين ما روينا والمراد بالحافر الخيل خاصة وبالخف الإبل وبالنصل السهام لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ليس من اللهو إلا ثلاث‏:‏ تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله‏]‏ ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر والفر والقتال وغير السهام لا يعتاد الرمي بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المسابقة بعوض‏]‏

والمسابقة بعوض جعالة فيه لأنه عقد على ما لا لم يعلم القدرة على تسليمه فأشبه رد الآبق ولكل واحد منهما فسخها قبل الشروع في المسابقة وما لم يظهر فضل أحدهما فإن ظهر فللفاضل الفسخ والنقصان والزيادة ولا يجوز للمفضول لئلا يفوت غرض المسابقة فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ وذكر القاضي وجها آخر أنها عقد لازم لأن من شرطها العلم بالعوضين فكانت لازمة كالإجارة ويجوز بذل العوض من بيت المال ومن السلطان ومن المتسابقين وآحاد الرعية لأنه إخراج مال لمصلحة فجاز من الجميع كارتباط الخيل في سبيل الله فإن بذل العوض فيها تحريض على التعلم والاستعداد للجهاد ومن شرط العوض كونه معلوما لما ذكرنا في الجعالة له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المسابقة بين جنسين مختلفين‏]‏

ولا تجوز المسابقة بين جنسين كالخيل والإبل لأن تفاضل الجنسين معلوم فأما النوعان كالعربي والهجين والبختي والعرابي فقال القاضي‏:‏ تجوز المسابقة بينهما لأن الجنس يشملهما فأشبها النوع الواحد وقال أبو الخطاب‏:‏ لا تصح لأنهما يختلفان في الجري عادة فأشبها الجنسين وكذا الخلاف في المناضلة بنوعين من القسي كالعربي والفارسي وقوس الجرح النبل لذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعيين المركوبين‏]‏

ويشترط تعيين المركوبين لأن القصد جوهرهما وتعيين الراميين لأن القصد معرفة حذقهما ولا يعتبر تعيين الراكبين ولا القوسين لأنهما آلة للمقصود فلم يعتبر تعيينهما كسرج الدابة ويعتبر تحديد المسافة لحديث ابن عمر ولأنهما إذا أجريا إلى غير غاية لم يؤمن أن يسبق أحدهما حتى يعطبا أو أحدهما ولا يجوز إجراؤهما إلا بتدبير الراكبين لأنهما إذا جريا لأنفسهما تنافرا ولم يمضيا إلى الغاية ولا يجوز أن يستبقا على أن من سبق صاحبه بخمسة أقدام فهو السابق لأن هذا لا ينضبط فإن الفرسين لا يقفان عند الغاية ليقدر ما بينهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان الجعل من غيرهم‏]‏

وإذا كان الجعل من غيرهم فقال‏:‏ من سبق منكم فله عشرة صح فإن سبق واحد فهي له لأنه سبق وإن سبق اثنان أو أكثر اشتركوا في السبق وإن جاء الكل معا فلا شيء لهم لأنهم لا سابق فيهم وإن جعل السبق للمصلي وحده أو فضله عن السابق لم يصح لأن كل واحد منهم يجتهد أن لا يسبق فيفوت الغرض وكذلك إن جعل للسابق عشرة وللثالث أربعة ولم يجعل للمصلي شيئا لم يصح لأن من عدا السابق يجتهد أن لا يسبق صاحبه وإن سوى بين السابق والمصلي ولا ثالث معهما لم يصح لفوات الغرض به وإن كان معهما ثالث نقص عنهما صح لأن كل واحد منهم يجتهد في أن لا يكون الثالث وإن جعل للمجلي وهو الأول مائة وللمصلي وهو في الثاني تسعين وللمسلي وهو الثالث ثمانين وللتالي وهو الرابع سبعين وللمرتاح وهو الخامس ستين وللعاطف وهو السادس خمسين وللحظي وهو السابع أربعين وللمؤمل وهو الثامن ثلاثين وللطيم وهو التاسع عشرين وللحظي وهو العاشر عشرة وللفسكل وهو الأخير خمسة صح لأن الغرض حاصل وكل واحد يجتهد في سبق الآخر لينال أعلى من رتبته وإن جعل كل رتبة يشترك فيه جميع من بلغها احتمل أن يصح لذلك واحتمل أن لا يصح لأنه قد يشترك في السبق جماعة وينفرد المصلي فيفضلهم بكثرة ما جعل له فيفوت الغرض وإن قال‏:‏ من بلغ الغاية فله عشرة لم يكن ذلك مسابقة لأن مقصود المسابقة التحريض على السبق وتعلم الفروسية وهذا يفوت بالتسوية ولكنه جعالة محضة لأنه بذل العوض في أمر فيه غرض صحيح وكذلك إن قال‏:‏ ارم عشرة اسهم فإن كانت إصابتك أكثر من خطئك فلك كذا أو قال‏:‏ إن أصبت بهذا السهم فلك كذا صح ولم يكن مناضلة لذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أخرج الجعل أحد المتسابقين‏]‏

وإن أخرج الجعل أحد المتسابقين جاز لأن فيهما من يأخذ ولا يعطي فلا يكون قمارا فإن سبق من أخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من صاحبه شيئا وإن سبق الآخر أحرز الجعل لأنه سابق وإن جاءا معا فالجعل لصاحبه لأنه لا سبق فيهما وإن أخرجا معا لم يجز لأنه يكون قمارا لأنه ليس فيهما إلا من يأخذ إذا سبق ويعطي إذا سبق إلا أن يدخلا معهما ثالثا يساوي فرسه فرسيهما لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار‏]‏ رواه أبو داود ولأنه مع وجود المحلل المكافئ فيهم من يأخذ ولا يعطي فيخالف القمار فإن كان لا يكافئهما فوجوده كعدمه لأنه معلوم أنه لا يأخذ شيئا وسواء كان المحلل واحدا أو اكثر والمسابقة بين اثنين أو حزبين لأن الغرض الخروج من القمار وقد حصل على أي صفة كان فإذا تسابقوا فجاؤوا معا أو جاء المستبقان معا قبل المحلل أحرز كل واحد منهما سبقه ولا شيء للمحلل لأنه لم يسبق ولم يسبق أحدهما صاحبه وإن سبقهما المحلل أخذ سبقيهما لأنه سبقهما وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز السبقين لسبقه ولم يأخذ من المحلل شيئا وإن سبق أحدهما مع المحلل أحرز المستبق سبق نفسه لأنه غير مسبوق وكان سبق الآخر بينه وبين المحلل نصفين لاشتراكهما في سبقه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كيف تكون المسابقة‏؟‏‏]‏

وترسل الفرسان معا من أول المسافة في حال واحدة ولا يجوز لأحدهما أن يجنب مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصلح به ولا يجلب عليه لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا جلب ولا جنب في الرهان‏]‏ رواه أبو داود وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا‏]‏ فإن استوى الفرسان في طول العنق فسبق أحدهما برأسه فهو سابق وإن اختلفا في طول العنق أو كان بعيرين اعتبر السبق بالكتف فمن سبق به أو ببعضه فهو سابق ولا عبرة بالعنق وإن عثر أحدهما أو ساخت قوائمه في الأرض أو وقف لعلة فسبقه الآخر لم يحكم له بالسبق لأن سبقه إياه للعارض لا لفضل جريه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موت أحد المركوبين‏]‏

وإن مات أحد المركوبين بطلت المسابقة لأن العقد تعلق بعينه فأشبه تلف المعقود عليه في الإجارة وإن مات الراكب لم تبطل لأنه غير المعقود عليه وللوارث أن يقوم مقامه وله أن لا يفعل لأن العقد حائز ومن جعله لازما ألزمه أن يقوم مقامه كالإجارة‏.‏

باب‏:‏ المناضلة

وهي المسابقة بالرمي وتجوز بين اثنين وحزبين ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أصحاب له يتناضلون فقال‏:‏ ‏[‏ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك الآخرون‏]‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله كيف نرمي وأنت معهم فقال‏:‏ ‏[‏ارموا وأنا معكم كلكم‏]‏ رواه البخاري ولأنه إذا جاز على اثنين جاز على ثلاثة كسباق الخيل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط صحة المناضلة‏]‏

ويشترط لصحتها شروط ثمانية‏:‏

أحدهما‏:‏ تعيين الرماة لأن الغرض معرفة الحذق في الرمي فلا يتحقق مع عدم التعيين كسباق الخيل فإن عقد اثنان نضالا على أن يكون مع كل واحد منهما ثلاثة لم يصح لذلك وإن عقد جماعة نضالا ليتناضلوا حزبين احتمل أن لا يصح لأن التعيين لا يتحقق قبل التفاضل وقال القاضي‏:‏ يصح ويجعل لكل حزب رئيس فيختار أحدهما واحدا ويختار الآخر آخر كذلك حتى يتناضلوا فإن اختلقا في المبتدئ منهما بالخيار أقرع بينهما ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة لأنها ربما وقعت على الحذاق في أحد الحزبين ولا يجوز أن يجعل زعيم الحزبين واحدا لأنه قد يميل إلى أحدهما فتلحقه التهمة ولا يجوز أن يجعل الخيرة في تمييز الحزبين إلى واحد ولا يجوز أن يجعل إلى واحد والسبق عليه لأنه يختار الحذاق فيبطل معنى النضال‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثاني

تعيين نوع القسي لأن الأغراض تختلف باختلافها فقد يكون الرامي أحذق بنوع منه بالنوع الآخر وإن لم يكن في البلد إلا نوع واحد لم يحتج إلى التعيين لأن الإطلاق ينصرف إليه كالنقد فإن عقدا على نوع فأراد أحدهما أن ينتقلا إلى غيره أو ينتقل أحدهما لم يجز لما ذكرناه وإن عقدا على قوس بعينه فانتقل أحدهما إلى غيره من نوعه جاز لأن الأغراض لا تختلف باختلاف الأعيان وإن شرط عليه أن لا ينتقل خرج على الوجهين فيما إذا شرط في الإجارة أن لا يستوفي المنفعة بمثله‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثالث

أن يرميا غرضا وهو ما يقع فيه السهم المصيب من جلد أو ورق أو نحوه وإن قالا‏:‏ السيف لأبعدنا رميا لم يصح لأن القصد بالرمي الإصابة لا الإبعاد فلم يجز أخذ العوض من غير المقصود والسنة أن يكون لهما غرضان في هدفين متقابلين يرميان من أحدهما الآخر ثم يرميان من الآخر الأول فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك كانوا يرمون فروي عن حذيفة وابن عمر أنهما كانا يشتدان بين الغرضين إذا أصاب أحدهما خصلة قال‏:‏ أنا بها في قميص رواه سعيد ويروى أن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة والهدف‏:‏ اسم لما ينصب الغرض فيه‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الرابع

أن يكون قدر الغرض معلوما طوله وعرضه وانخفاضه وارتفاعه لأن الإصابة تختلف باختلافه فوجب علمه كتعيين النوع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إطلاق العقد‏]‏

فإن أطلقا العقد حمل على إصابته أي موضع كان من الغرض من أطرافه وعراه وغيرها وإن أصاب علاقته لم يحسب له لأن العلاقة ما يعلق به والغرض‏:‏ هو المعلق وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدارة التي في وسطه أو الخاتم الذي في الدارة لم يحتسب بإصابة غيره ويستحب أن يصفا الإصابة فيقولا‏:‏ خواصل وهو اسم للإصابة كيفما كانت أو خوارق وهو ما ثقب الأرض أم خواسق وهو ما ثقبه وثبت فيه أو موارق وهو ما ثقبه ونفذ منه أو خوارم وهو ما قطع طرفه فإن أطلقا الإصابة حمل على الخواصل والقرع كالخصل فإن أصاب سهما في الغرض قد عرق إلى فوقه حسب له لأنه لولاه لوقع السهم في الغرض وإن كان السهم معلقا بنصله وباقيه خارج من الغرض لم يحسب له ولا عليه لأن بينه وبين الغرض طول السهم فلا يدري أكان يصيب أم لا فإن أطارت الريح الغرض فأصاب السهم موضعه حسب له وإن وقع في الغرض في الموضع الذي انتقل إليه حسب عليه في الخطأ لأنه أخطأ في الرمي وإنما أصاب بفعل الريح وإن عرضت ريح شديدة لم يحسب له السهم في إصابة ولا خطأ لأن ذلك من أجل الريح وإن كانت لينة حسب في الإصابة والخطأ لأنها لا تمنع وإن وقع السهم دون الغرض ثم ازدلف فأصابه حسب خاطئا لأن هذا لسوء رميه وإن عرض عارض من كسر قوس أو انقطاع وتر أو ريح في يده فأصاب حسب له لأن إصابته مع اختلال الآلة أدل على حذقه وإن أخطأ لم يحسب عليه لأنه للعارض وقال القاضي‏:‏ يحسب له لأنه لا يحسب عليه في الخطأ فلا يحسب له في الإصابة كما في الريح الشديدة وإن انكسر السهم فوقع دون الغرض لم يحسب عليه لأنه لعارض وإن أصاب بنصله حسب له لما ذكرناه وإن أصاب بغيره لم يحسب له وإن أعرق الرامي في النزع حتى أخرج السهم من الجانب الآخر احتسب له وعليه لأنه لسوء رميه أخطأ ولحذقه أصاب ولأن ما حسب عليه في الخطأ حسب له في الإصابة كغيره وإن مرت بهيمة بين يديه وتشوش رميه لم يحسب عليه في الخطأ لأنه لذلك العارض وإن خرقه وأصاب حسب له لأن هذا لقوة نزعه وسداد رميه وإن شرطا الخسق فأصاب الغرض وثبت فيه حسب له فإن سقط بعد لم يؤثر كما لو نزعه إنسان وإن ثقب ولم يثبت ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يحسب له لأن الخاسق ما ثبت ولم يوجد‏.‏

والثاني‏:‏ يحسب له لأنه ثقب ما يصلح له فالظاهر أنه لم يثبت لعارض من سعة الثقب أو غلظ لقيه وإن مرق منه حسب له لأنه لقوة رميه وإن خدشه ولم يثبت فيه لمانع من حجر أو غلظ الأرض فعلى الوجهين لكن إن لم يحسب له لم يحسب عليه لأن العارض منعه وإن لم يكن مانع حسب عليه فإن اختلفا في العارض وعلى موضع السهم وفيه مانع فالقول قول صاحب السهم وإلا فالقول قول رسيله ولا يمين لأن الحال تشهد بصدق المدعي وإن لم يعلم موضع السهم ولم يوجد وراء الغرض مانع فالقول قول رسيله لذلك وإن كان وراءه مانع فقال الرسيل‏:‏ لم يثقب موضع المانع أو أنكر الثقب فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم ما يدعيه صاحبه لكنه محتمل فأحلفناه لذلك وإن كان في الغرض خرق أو موضع بال فوقع السهم فيه وثبت في الهدف وكان صلابته كصلابة الغرض حسب له لأنه لولا الخرق لثبت في الغرض وإن لم يكن كذلك لم يحسب له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض أو لا‏؟‏ وإن ثبت في الهدف فوجد في نصله قطعة من الغرض فقال الرامي‏:‏ هذا الجلد قطعه سهمي لقوته وقال رسيله‏:‏ بل هذه جلدة كانت منقطعة من قبل فالقول قول الرسيل لأن الأصل عدم الخسق والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الخامس

أن يكون مدى الغرض معلوما مقدرا بما يصيب مثلهما وفي مثله عادة لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد فاشترط العلم به كالنوع وإن جعلاه قدرا لا يصيبان في مثله أو لا يصيبان إلا نادرا كالزائد على ثلاثمائة ذراع لم يجز لأن الإصابة تندر في مثل هذا فيفوت الغرض‏.‏

الشرط السادس‏:‏ أن يكون الرشق معلوما والرشق بكسر الراء عدد الرمي لأن الحذق في الرمي لا يعلم إلا بذلك‏.‏

فصل‏:‏ الشرط السابع

أن يكون عدد الإصابة معلوما كخمسة من عشرين ونحوها ويعتبر أن يكون إصابة لا يندر مثلها فإن شرطا إصابة الجميع أو تسعة من عشرة لم يصح لأن هذا يندر فيفوت الغرض ويستحب أن يبينا حكم الإصابة هل هي مبادرة أو محاطة‏؟‏ والمبادرة‏:‏ أن يقولا‏:‏ من سبق إلى إصابتين أو نحوهما فهو السابق فأيهما سبق إليهما مع تساويهما في الرمي فهو السابق فإذا رمى كل واحد عشرة فأصاب أحدهما إصابتين دون الآخر فهو السابق ولا يلزم إتمام الرمي لأن المقصود قد حصل وإن أصاب كل واحد منهما من العشرة إصابتين فلا سابق فيهما وبطل النضال لأن الزيادة على عدد الإصابة غير معتد بها فإن رميا العشرين فلم يصب واحدا منهما إصابتين أو أصاباهما معا فلا سابق فيهما وأما المحاطة فهي أن يشترطا حط ما تساويا فيه من الإصابة ثم من فضل صاحبه بإصابة معلومة فقد سبق فإن شرطا فضل ثلاث إصابات فرميا خمسة عشر أصابها أحدهما كلها أو أخطأها الآخر فالمصيب سابق ولا يجب إتمام الرمي لعدم الفائدة فيه لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب المخطئ الخمسة الباقية ويخطئها الأول ولا يخرج الثاني بذلك عن كونه مسبوقا وإن كان في إتمامه فائدة مثل أن يكون الثاني أصاب من الخمسة عشر تسعة فإذا أصاب الخمسة الباقية وأخطأها الأول لم يكن مسبوقا وجب إتمام الرمي فإن أطلقا العقد انصرف إلى المبادرة لأن العقد على المسابقة والمبادر سابق ذكر هذا القاضي وقال أبو الخطاب‏:‏ يشترط بيان ذلك في المسابقة لأن الغرض يختلف به فمن الناس من تكثر إصابته في الأول دون الثاني فوجب اشتراطه كقدر مدى الغرض‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثامن

التسوية بين المتناضلين في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن تفاضلا في شيء منه أو شرطا أن يكون في يد أحدهما من السهام أكثر أو أن يرمي أحدهما والشمس في وجهه أو يحسب له خاصل بخاسق أو لا يحسب عليه سهم خاطئ لم يصح لأن القصد معرفة حذقهما ولا يعرف مع الاختلاف لأنه ربما فضله بشرطه لا بحذقه وإن شرطا بحسب خاسق كل واحد منهما بخاصلين أو يسقط القريب من إصابة أحدهما ما هو أبعد منها من رمي الآخر فمن فضل بعد بثلاث إصابات فهو السابق صح لأنه لا فضل لأحدهما في عدد ولا صفة وهذه نوع محاطة فصحت كاشتراط حط ما تساويا فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعدد الرماة‏]‏

وإن كان الرماة حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمته عليهم إن كان كل حزب ثلاثة وجب أن يكون له ثلث صحيح لأنه يجب التسوية بينهما في عدد الرمي ولا يمكن إلا بذلك فوجب وإذا نضل أحد الحزبين صاحبه فالجعل بين الناضلين سواء من أصاب ومن لم يصب ويحتمل أن يكون بينهما على قدر إصابتهم لأنهم بها يستحقون والجعل على المنضولين بالسوية وجها واحدا لأنه لزمهم بالتزامهم لإصابتهم بخلاف الناضلين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وجود من لا يحسن الرمي‏]‏

فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه لأنها لا تنعقد على من لا يحسن الرمي ويخرج من الحزب الآخر بإزائه كما إذا بطل البيع في بعض المبيع بطل في ثمنه وهل يبطل العقد في الباقين‏؟‏ إلى وجهين بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا‏:‏ لا يبطل فلهم الخيار في الفسخ والإمضاء لأن الصفقة تفرقت عليهم فإن اختاروا إمضاءه ورضوا بمن يخرج بازائه وإلا انفسخ العقد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تتابع الرمي‏]‏

ويرمي واحد بعد الآخر لأن رميهما يفضي إلى التنازع بالمصيب فإن اتفقا على المبتدئ منهما جاز وإن كان بينهما شرط عمل به وإن اختلفا ولا شرط بينهما قدم المخرج فإن كان المخرج غيرهما اختار منهما فإن لم يختر أقرع بينهما وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلا بينهما فإن شرطا البداية لأحدهما في كل الوجوه لم يصح لأنه تفضيل وإن فعلاه بغير شرط جاز لأنه لا أثر له في إصابة ولا تجويد رمي ويرميان مراسلة سهما وسهما أو سهمين وسهمين وإن اتفقا على غير هذا جاز لعدم تأثيره في مقصود المناضلة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موت أحد الراميين‏]‏

وإن مات أحد الراميين أو ذهبت يده بطل العقد لأن المعقود عليه تلف فأشبه موت الفرس في السباق وإن مرض أو رمد لم تبطل لأنه يمكن الاستيفاء بعد زوال العذر وله الفسخ لأن فيه تأخير المعقود عليه فملك الفسخ كالإجارة وإن عرض مطر أو ريح أو ظلمة أخر إلى زوال العارض وإن أراد أحدهما التأخير لغير عذر فله ذلك إن قلنا‏:‏ هي جعالة لأنها جائزة وليس له ذلك إن قلنا‏:‏ هي إجارة ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره لأن فيه كسر قلبه أو قلب صاحبه‏.‏

باب‏:‏ اللقطة

وهي المال المضاع عن ربه وهي ضربان‏:‏ ضال وغيره فأما غير الضال فيجوز التقاطه بالإجماع وهو نوعان‏:‏ يسير يباح التصرف فيه بغير تعريف لما روى جابر قال‏:‏ ‏[‏رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

ولا تحديد في اليسير إلا أنه ينبغي أن يعفى عما رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وشبهه وقال أحمد رضي الله عنه‏:‏ ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق لأنه تافه قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ كانوا لا يقطعون في الشيء التافه‏.‏

والنوع الثاني‏:‏ الكثير فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن ترك التقاطه أفضل لأنه أسلم من خطر التفريط وتضييع الواجب من التعريف فأشبه ولاية اليتيم واختار أبو الخطاب‏:‏ أن أخذه أفضل إذا وجد بمضيعة وأمن نفسه عليه لما فيه من حفظ مال المسلم فكان أولى كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه لأنه أمانة فلم يجب كالوديعة ومن لم يأمن نفسه عليه ويقوى على أداء الواجب لم يجز له أخذه لأنه تضييع لمال غيره فحرم كإتلافه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كيفية تعريف اللقطة‏]‏

إذا أخذها عرف عفاصها وهو‏:‏ وعاؤها ووكاءها وهو‏:‏ الذي تشد به وجنسها وقدرها لما روى بن خالد الجهني قال‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال‏:‏ ‏[‏اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه‏]‏ متفق عليه نص على الكاء والعفاص وقسنا عليهما القدر والجنس ولألنه إذا عرف هذه الأشياء لم تختلط بغيرها وعرف بذلك صدق مدعيها أو كذبه وإن أخر معرفة صفتها إلى مجيىء مدعيها أو تصرفه فيها جاز لأن المقصود يحصل وقد جاء ذلك في حديث أبي ولا يحل له التصرف فيها إلا بعد معرفة صفتها لأن عينها تذهب فلا يعلم صدق مدعيها إلا من حفظ صفتها ويستحب أن يشهد عليها نص عليه لما روى عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب‏]‏ رواه أبو داود ولأن فيه حفظها من ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس وصيانته من الطمع فيها ولا يجب ذلك لتركه في حديث زيد ولأنه أمانة فلا يجب الإشهاد عليها كالوديعة قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ ولا يبين في الإشهاد كم هي لكن يقول‏:‏ أصبت لقطة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تعريفها‏]‏

ويجب تعريفها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه طريق وصولها إلى صاحبها فوجب كحفظها ويجب التعريف حولا من حين التقاطها متواليا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به عند وجدانها والأمر يقتضي الفور ولأن الغرض وصول الخبر وظهور أمرها وإنما يحصل بذلك لأن صاحبها إنما يطلبها عقيب ضياعها ويكون التعريف في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد وأوقات الصلوات لأن المقصود إشاعة أمرها وهذا طريقه ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها ولا يعرفها في المسجد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله تعالى عليك فإن المساجد لم تبن لهذا‏]‏ رواه مسلم ويقول‏:‏ من ضاع منه كذا يذكر جنسها‏:‏ أو يقول‏:‏ شيء ولا يزيد في صفتها لئلا يفوت طريق معرفة صاحبها وأجرة المعرف على الملتقط لأن التعريف عليه ولأنه سبب تملكها فكان على متملكها قال أبو الخطاب‏:‏ إن التقطها للحفظ لصاحبها لا غير فالأجرة على مالكها يرجع بها عليه وقاله ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏دفع اللقطة إلى صاحبها‏]‏

فإذا جاء مدعيها فوصفها بصفاتها المذكورة لزم دفعها إليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنها لو لم تدفع بالصفة لتعذر وصول صاحبها إليها لتعذر إقامة البينة فإن وصفها اثنان أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه كما لو ادعى الوديعة اثنان وقال أبو الخطاب‏:‏ تقسم بينهما وإن وصفها أحدهما وللآخر بينة قدم ذو البينة لأنها أقوى من الوصف فإن كان الواصف سبق فأخذها نزعت منه وإن تلفت في يده فلصاحبها تضمين من شاء منهما لأن الواصف أخذ مال غيره بغير إذنه والملتقط دفعه إليه بغير إذن مالكه ويستقر الضمان على الواصف لأن التلف حصل في يده فإن ضمن لم يرجع على أحد وإن ضمن الملتقط رجع عليه إلا أن يكون الملتقط دفعها بحكم حاكم فلا يضمن لأنها تؤخذ منه قهرا وإن أتلفها الملتقط فغرمه الواصف عوضها ثم جاء صاحب البينة لم يرجع إلا على الملتقط لأن الواصف إنما أخذ مال الملتقط ولم يأخذ اللقطة ثم يرجع الملتقط على الواصف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لمن تكون اللقطة إذا لم تعرف‏؟‏‏]‏

فإن لم تعرف دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكما كالميراث لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد‏:‏ ‏[‏وإن لم تعرف فاستنفقها‏]‏ وفي لفظ ‏[‏وإلا فهي كسبيل مالك‏]‏ ولأنه كسب مال بفعل فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد واختار أبو الخطاب أنه لا يملكها إلا باختياره لأنه تملك مال ببدل فاعتبر فيه اختيار التملك كالبيع والغني والفقير سواء في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق ولأنه تملك مال بعوض أشبه البيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كيف تملك اللقطة‏؟‏‏]‏

وما جاز التقاطه ووجب تعريفه ملك به نص عليه أحمد رضي الله عنه في الصياد يقع في شبكته الكيس والنحاس يعرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فهو كسائر ماله وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أكثر أصحابنا لا يملك غير الأثمان لأن الخير ورد فيها ومثلها لا يقوم مقامها من كل وجه لعدم تعلق الغرض بعينها فلا يقاس عليها غيرها وقال أبو بكر‏:‏ ويعرفها أبدا وقال القاضي‏:‏ هو مخير بين ذلك وبين دفعها إلى الحاكم وقال الخلال‏:‏ كل من روى عن أبي عبد الله أنه يعرفها سنة ثم يتصدق بها والذي نقل عنه أنه يعرفها أبدا قول قديم رجع عنه والأول أولى لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة‏؟‏ ‏[‏قال‏:‏ عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به‏]‏ رواه الأثرم وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عيبة- والعيبة‏:‏ هي وعاء من أدم يوضع فيه الثياب-‏:‏ عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه مال يجوز التقاطه ويجب تعريفه فملك به كالأثمان وقد دل الخبر على جواز أخذ الغنم مع تعلق الغرض بعينها فيقاس عليها غيرها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لقطة الحرم‏]‏

ولقطة الحرم تملك بالتعريف في ظاهر كلامه لظاهر الخبر ولأنه أحد الحرمين أشبه المدينة وعنه‏:‏ لا تملك بحال ويجب تعريفها أبدا أو يدفعها إلى الحاكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة‏:‏ ‏[‏لا تحل ساقطتها إلا لمنشد‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اللقطة أمانة‏]‏

واللقطة مع الملتقط قبل تملكها أمانة عليه حفظها بما يحفظ به الوديعة وإن ردها إلى موضعها ضمنها لأنه ضيعها وإن تلفت بغير تفريط لم يضمنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ولتكن الوديعة وديعة عندك‏]‏ ولأنه يحفظها لصاحبها بإذن الشرع أشبه الوديعة وإن جاء صاحبها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنها ملكه وإن جاء بعد تملكها أخذها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه‏]‏ ويأخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطها لأنها حدثت على ملكه فأشبه نماء المبيع في يد المشتري فإن تلفت بعد تملكها ضمنها لأنها تلفت من ماله وإن نقصت بعد التملك فعليه أرش نقصها وإن باعها أو وهبها بعد تملكها صح لأنه تصرف صادف ملكه فإن جاء صاحبها في مدة الخيار وجب فسخ البيع وردها إليه لأنه يستحق العين وقد أمكن ردها إليه وإن جاء بعد لزوم البيع فهو كتلفها لأنه تعذر ردها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الضال من الحيوان‏]‏

الضرب الثاني‏:‏ الضوال وهي الحيوانات الضائعة وهى نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يمتنع من صغار السباع إما بقوته كالإبل والخيل أو بجناحه كالطير أو بسرعته كالظباء أو بنابه كالفهد فلا يجوز التقاطه لما روى زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال‏:‏ ‏[‏ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها‏]‏ متفق عليه وللإمام أخذها ليحفظها لأربابها لأن للإمام ولاية في حفظ أموال المسلمين ولهذا كان لعمر حظيرة يحفظ فيها الضوال فإذا أخذها وكان له حمى ترعى فيه تركها وأشهد عليها ورسمها بسمة الضوال وإن لم يكن له حمى خلاها وحفظ صفاتها ثم باعها وحفظ ثمنها لصاحبها لأنها تحتاج إلى علف فربما استغرق ثمنها وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها ولم يملكها وإن عرفها فإن دفعها إلى الإمام برئ من ضمانها لأنه دفعها إلى من له الولاية عليها أشبه دفعها إلى صاحبها وإن ردها إلى موضعها لم يبرأ لأن ما لزمه ضمانه لا يبرأ منه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما لا ينحفظ من صغار‏]‏

النوع الثاني‏:‏ ما لا ينحفظ من صغار السباع كالشاة وصغار الإبل والبقر ونحوها فعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ لا يجوز التقاطها لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يؤوي الضالة إلا ضال‏]‏ رواه أبو داود ولأنه حيوان أشبه الإبل والمذهب جواز التقاطها لما روى زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشاة فقال‏:‏ ‏[‏خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب‏]‏ متفق عليه وهذا يخص عموم الحديث الآخر ولأنه يخشى عليها التلف أشبه غير الضالة وسواء وجدها في المصر أو في مهلكة لأن الحديث عام فيهما ولأنه مال يجوز التقاطه فاستويا فيه كالأثمان والعبد الصغير كالشاة في جواز التقاطه لأنه لا ينحفظ بنفسه فأما الحمر فألحقها أصحابنا في النوع الأول لأن لها قوة فأشبهت البقر وظاهر حديث زيد إلحاقها بالغنم لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب عليها والحمر مثلها في ذلك وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها بقوله‏:‏ ‏[‏معها سقاءها‏]‏ والحمر بخلافها ومتى التقط هذا النوع خير بين أكله في الحال وحفظه لصاحبه وبيعه وحفظ ثمنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏هي لك‏]‏ ولم يأمره بحفظها ولأن إبقاءها يحتاج إلى غرامة ونفقة دائمة فيستغرق قيمتها فإن اختار إبقاءها وحفظها لصاحبها فهو الأولى متفق عليه وينفق عليها لأن به بقاءها فإن لم يفعل ضمنها لأنه فرط فيها وإن أنفق عليها متبرعا لم يرجع على صاحبها وإن نوى الرجوع على صاحبها وأشهد على ذلك ففي الرجوع به روايتان بناء على الوديعة وإن اختار أكلها أو بيعها لزمه حفظ صفتها ثم يعرفها عاما فإذا جاء صاحبها دفع إليه ثمنها أو غرمه له إن أكلها ولا يلزمه عزل ثمنها إذا أكلها لأنه لا يخرج من ذمته بعزله فلم يلزمه كسائر ما يلزمه ضمانه وإن أراد بيعها فله أن يتولى ذلك بنفسه لأن ما ملك أكله فبيعه أولى فإذا عرفها حولا ولم تعرف ملكها إن كانت باقية أو ثمنها إن باعها لأن حديث زيد يدل على ملكه لها لأنه أضاف إليها بلام التمليك ولأنه مال يجوز التقاطه فيملك بالتعريف كالأثمان وعنه‏:‏ لا يملكها والمذهب الأول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التقاط ما لا يبقى‏]‏

فإن التقط ما لا يبقى عاما كالبطيخ والطبيخ لم يجز تركه ليتلف فإن فعل ضمنه لأنه فرط في حفظه فإن كان مما لا يبقى بالتجفيف كالطبيخ خير بين بيعه وأكله وإن كان يبقى بالتجفيف كالعنب والرطب فعل ما فيه الحظ لصاحبه من بيعه وأكله وتجفيفه فإن احتاج في التجفيف إلى غرامة باع بعضه فيها وإن أنفقها من عنده رجع بها لأن النفقة هاهنا لا تتكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تتكرر فربما استغرقت قيمته فلا يكون لصاحبها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة عنه وإن أراد بيعها فله البيع بنفسه لما ذكرنا في الضوال وعنه‏:‏ له بيع اليسير وأما الكثير فإنه يرفعه إلى السلطان والقول في تعريفه وسائر أحكامه كالقول في الشاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة‏]‏

قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة فهي للصياد وإن وجد دراهم فهي لقطة لأنها لا تبتلع الدراهم إلا بعد ثبوت اليد عليها وقد تبتلع درة من البحر مباحة فيملكها الصياد بما فيها فإن باعها ولم يعلم بالدرة لم يزل ملكه عن الدرة كما لو باع دارا له فيها مال لم يعلم به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وجد اللقطة أكثر من واحد‏]‏

فإن وجد اللقطة اثنان فهي بينهما لأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في الحكم وإن ضاعت من واجدها فوجدها آخر ردها على الأول لأنه قد ثبت له الحق فيها فوجبر ردها إليه كالملك وإن رآها اثنان فرفعها أحدهما فهي له لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‏]‏ وإن رآها أحدهما فقال للآخر‏:‏ ارفعها ففعل فهي لرافعها لأنه مما لا يصح التوكيل فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه‏]‏

فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه صح التقاطه لأنه كسب بفعل فصح منه كالصيد فإن تلفت في يده بغير تفريط لم يضمنها لأنه أخذ ماله وإن تلفت بتفريط ضمنها ومتى علم وليه بها لزمه نفعها منه وتعريفها لأنه أمانة والمحجور عليه ليس من أهلها فإن تم تعريفها دخلت في ملك واجدها حكما كالميراث‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التقاط العبد‏]‏

ويصح التقاط العبد بغير إذن سيده لعموم الخير ولما ذكرنا في الصبي ويصح تعريفه لها لأن له قولا صحيحا فصح تعريفه كالحر فإذا تم تعريفها ملكها سيده لأنها كسب عبده ولسيده انتزاعها منه قبل تعريفها لأن كسب عبده له ويتولى تعريفها أو إتمامه وله إقرارها في يد عبده الأمين ويكون مستعينا به في حفظها وتعريفها ولا يجوز إقراراها في يد من ليس بأمين لأنها أمانة وإن فعل فعليه الضمان وإن علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه وتسليمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان وإن أتلفها العبد فحكم ذلك حكم جنايته وإن عتق العبد بعد الالتقاط فلسيده أخذها لأنها كسبه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التقاط المكاتب‏]‏

والمكاتب كالحر لأن كسبه لنفسه والمدبر وأم الولد كالقن ومن نصفه حر فلقطته بينه وبين سيده ككسبه فإن كانت بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنهما من الأكساب النادرة فأشبهت الميراث والآخر تدخل لأنهما من كسبه فهي كصيده وفي الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة وجهان كاللقطة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التقاط الذمي‏]‏

والذمي كالمسلم للخبز ولأنه كسب يصح من الصبي فصح من الذمي كالصيد والفاسق كالعدل لذلك لكن إن أعلم الحاكم بهما ضم إليه أمينا يحفظها ويتولى تعريفها لأنها أمانة فلا يؤمن خيانته فيها فإذا عرفها ملكها ملتقطها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من التقط لقطة لغير التعريف‏]‏

ومن التقط لقطة لغير التعريف ضمنها ولم يملكها وإن عرفها لأنه أخذها على وجه يحرم عليه فلم يملكها كالغاصب ومن ترك التعريف في الحول الأول لم يملكها وإن عرفها بعد لأن السبب الذي يملكها به قد فات ولم يبرأ منها إلا بتسليمها إلى الحاكم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من ترك دابة بمهلكة‏]‏

ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فخلصها ملكها لما روى الشعبي قال‏:‏ حدثني غير واحد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من وجد دابة عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له‏]‏ ولأن فيه إنقاذ للحيوان من الهلاك مع نبذ صاحبه له فأشبه السنبل الساقط فإن كان مكانها عبدا لم يملكه لأنه في العادة يمكنه التخلص وإن كان متاعا لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه‏.‏

باب‏:‏ اللقيط

وهو الطفل المنبوذ والتقاطه فرض على الكفاية لأنه إنجاء آدمي من الهلاك فوجب كتخليص الغريق وهو محكوم بحريته لما روى سنين أبو جميلة قال‏:‏ وجدت ملقوطا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال‏:‏ اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته رواه سعيد في سننه ولأن الأصل في الآدميين الحرية ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها وإن وجد في بلد فيه كفار ولا مسلم فيه فهو كافر لأن الظاهر أنه ولد كافرين وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو كافر لأه في دارهم‏.‏

والثاني‏:‏ هو مسلم تغليبا لإسلام المسلم الذي فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما يوجد في يد اللقيط‏]‏

وما يوجد عليه من ثياب أو حلي أو تحته من فراش أو سرير أو غيره أو في يده من نفقة أو عنان دابة أو مشدود في ثيابه أو ببعض جسده أو مجعولا فيه كدار وخيمة فهو له لأنه آدمي حر فما في يده له كالبالغ وإن كان مطروحا بعيدا منه أو قريبا مربوطا بغيره لم يكن له لأنه لا يد له عليه وكذلك المدفون تحته لأن البالغ لو جلس على دفين لم يكن له وقال ابن عقيل وإن كان الحفر طريا فهو له لأن الظاهر أنه حفر النابذ له وإن وجد بقربه مال موضوع ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو له إن لم يكن له غيره لأن الإنسان يترك ماله بقربه‏.‏

والثاني‏:‏ ليس هو له لأنه لا يد له عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏النفقة على اللقيط‏]‏

وينفق عليه من ماله لأنه حر فينفق عليه من ماله كالبالغ ويجوز للولي الإنفاق عليه من غير إذن الحاكم لأنه ولي فملك ذلك كولي اليتيم ويستحب استئذانه لأنه أنفى للتهمة فإن بلغ واختلفا في النفقة فالقول قول المنفق وإن لم يكن له مال فنفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه وعلينا نفقته ولأنه آدمي حر له حرمة فوجب على السلطان القيام به عند حاجته كالفقير وليس على الملتقط نفقته لحديث عمر ولأنه لا نسب بينهما ولا ملك فأشبه الأجنبي وإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال فعلى من علم حاله الإنفاق عليه فرض كفاية لأن به بقاءه فوجب كإنقاذ الغريق فإن اقترض الحاكم ما أنفق عليه ثم بان رقيقا أو له أب موسر رجع عليه لأنه أدى الواجب عنه فإن لم يظهر له أحد وفي من بيت المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إقرار الملتقط على ما في يده‏]‏

فإن كان الملتقط أمينا حرا مسلما أقر في يده لحديث عمر رضي الله عنه ولأنه لا بد له من كافل والملتقط أحق للسبق وفي الإشهاد عليه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يجب كما لا يجب في اللقطة‏.‏

والثاني‏:‏ يجب لأن القصد به حفظ النسب والحرية فوجب كالإشهاد في النكاح وإن التقطه فاسق نزع منه لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق قال القاضي‏:‏ هذا المذهب وظاهر قول الخرقي أنه يقر في يده لقوله‏:‏ إن لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به فعلى هذا يضم إليه أمين يشارفه ويشهد عليه ويشيع أمره لينحفظ بذلك وليس لكافر التقاط محكوم بإسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم فإن التقطه نزع منه وله التقاط المحكوم بكفره ويقر في يده لثبوت ولايته عليه وليس للعبد الالتقاط إلا بإذن سيده فتكون الولاية للسيد والعبد نائب عنه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السفر باللقيط‏]‏

فإن أراد الملتقط السفر به وهو ممن لم تختبر أمانته في الباطن نزع منه لأنه ما لا يؤمن أن يدعي رقه وإن علمت أمانته باطنا فأراد نقله من الحضر إلى البدو منع منه لأنه ينقله إلى العيش في الشقاء ومواضع الجفاء وإن أراد النقلة إلى بلد آخر يقيم فيه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقر في يده لأنهما سواء فيما ذكرنا‏.‏

والثاني‏:‏ يمنع منه لأن بقاءه في بلده أرجى لظهور نسبه وإن كان اللقيط في بدو فله نقله إلى الحضر لأنه أرفق به وله الإقامة به في البدو وفي حلة لا تنتقل عن مكانها لأن الحلة كالقرية وإن كان متنقلا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقر في يده لأنه أرجى لكشف نسبه‏.‏

والثاني‏:‏ ينزع منه لأنه يشقى في التنقل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن التقطه موسر ومعسر‏]‏

فإن التقطه موسر ومعسر قدم الموسر لأنه أحفظ للطفل فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم‏}‏ ولأنهما تساويا في الحق فأقرع بينهما كالعبدين في العتق وإن ترك أحدهما نصيبه كلفه الآخر والرجل والمرأة في هذا سواء لأن المرأة أجنبية والرجل يحضنه بأجنبية فهما سواء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في الملتقط‏]‏

فإن اختلفا في الملتقط وهو في يد أحدهما فالقول قوله وهل يستحلف‏؟‏ فيه وجهان وإن كان في يديهما قدم أحدهما بالقرعة وهل يستحلف‏؟‏ على وجهين وإن لم يكن في يد واحد منهما سلمه السلطان إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا يد لأحدهما وإن كان لأحدهما بينة قضى بها لأنها أقوى فإن كانت لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأنه يثبت بها السبق إلى الالتقاط وإن تساويا وهو في يد أحدهما انبنى على بينة الداخل والخارج وإن تساويا في اليد أو عدمها سقطتا وأقرع بينهما فقدم بها أحدهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ادعى نسبه رجل‏]‏

وإن ادعى نسبه رجل لحق به لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه إلى أحد فقبل كما لو أقر له بمال ويأخذ من الملقط إن كان من أهل الكفالة لأن الوالد أحق بكفالة ولده وإن كان كافرا لم يتبعه في الدين لأنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يزول ذلك بدعوى كافر ولا يدفع إليه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ويثبت نسبه منه لأن الكافر كالمسلم في ثبوت النسب منه ولا ضرر على أحد في انتسابه إليه وإن كانت له بينة بولادته على فراشه ألحق به نسبا ودينا لأنه ثبت أنه ابنه ببينة ذكره بعض أصحابنا وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تقوم البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته وإن ادعت المرأة نسبه ففيها ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ يقبل قولها لأنها أحد الأبوين فثبت النسب بدعواها كالأب ويلحق بها دون زوجها‏.‏

والثنية‏:‏ إن كان لها زوج لم تقبل دعواها لأنه يؤدي إلى أن تلحق بزوجها نسبا لم يقر به أو ينسب إليها ما تتعد به وإن لم يكن قبل لعدم ذلك‏.‏

والثالثة‏:‏ إن كان لها أخوة ونسب معروف لم تقبل دعوتها لأن ولادتها لا تخفى عليهم وإن لم يكن قبلت والأمة كالحرة إلا أننا إذا ألحقنا النسب بها لم يثبت رق ولدها لأنه محكوم بحريته فلا يثبت رقه بمجرد الدعوى كما لم يثبت كفره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ادعى نسبه رجلان‏]‏

فإن ادعى نسبه رجلان ولأحدهما بينة فهو ولده لأن له حجة فإن كان لهما بينتان أو لا بينة لهما عرض على القافة معهما أو من عصبتهما عند فقدهما فإن ألحقته بأحدهما ألحق به لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال‏:‏ ‏[‏ألم تري أن مجززا المدلجي نظر أنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال‏:‏ إن هذه الأقدام بعضها من بعض‏]‏ متفق عليه فلولا أن ذلك حق لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم وإن ألحقته بهما لحقهما لما روى سليمان بن يسار‏:‏ عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف‏:‏ قد اشتركا فيه فجعله عمر بينهما رواه سعيد وعن علي مثله قال أحمد‏:‏ ويرثهما ويرثانه ونسبه من الأول قائم لا يزيل شيء قال‏:‏ ويلحق بثلاثة وينبغي أن يلحق بمن ألحقه منهم وإن كثروا لأن المعنى في الاثنين موجود فيما زاد فيقاس عليه وقال القاضي‏:‏ لا يلحق بأكثر من ثلاثة وقال ابن حامد‏:‏ لا يلحق بأكثر من اثنين لأننا صرنا إلى ذلك للأثر فيجب أن نقتصر عليه فإن لم توجد قافة أو أشكل عليهم أو نفته عنهما أو تعارضت أقوالهما فقال أبو بكر يضيع نسبه لأنه لا دليل لأحدهما فأشبه من لم يدع نسبه أحد وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ ويؤاخذان بنفقته لأن كل واحد منهما مقر به فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه ولأن الطبع يميل إلى الوالد ما لا يميل إلى غيره فإذا تعذرت القافة رجعنا إلى اختياره ولا يصح انتسابه قبل بلوغه لأنه قول يتعين له النسب وتلزم به الأحكام فلا يقبل من الصبي كقول القائف وسواء كان المدعيان مسلمين حرين أو كافرين رقيقين أو مسلما وكافرا وحرا وعبدا لأن كل واحد منهم لو انفرد صحت دعواه فإن ادعاه امرأتان وقلنا بصحة دعوتيهما فهما كالرجلين إلا أنه لا يلحق بأكثر من واحدة لأنه يستحيل ولد من أنثيين وإن كانت إحداهما تسمع دعواها دون الأخرى فهي كالمنفردة به وإن ألحقته القافة بكافر وأمة لم يحكم برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر الدار فلا يزول ذلك بظن لا شبهة كما لم تزل بمجرد الدعوة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة أنها أم الابن‏]‏

فإن كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة أنها أم الابن احتمل أن يعرض معهما على القافة واحتمل أن يعرض لبنهما على أهل الخبرة فمن كان لبنها لبن ابن فهو ابنها وقد قيل‏:‏ إن لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبر ذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم العمل القيافة‏]‏

والقافة‏:‏ قوم من العرب عرفت منهم الإصابة في معرفة الأنساب واشتهر ذلك في بني مدلج رهط مجزز وسراقة بن مالك بن جعشم ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة لأن ذلك يجري مجرى الحكم فاعتبر ذلك فيه قال القاضي‏:‏ يترك الغلام مع عشرة غير مدعيه ويرى القائف فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله وإن نفاه عنهم جعلناه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه بمدعيه علمت إصابته وهل يكتفى بواحد‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكتفى به لأن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز وحده لأنه بمنزلة الحاكم يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم ويحكم‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل إلا اثنان لأنه حكم بالشبهة والخلقة فلا يقبل من واحد كالحكم بالمثل في جزاء الصيد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏دعوى رق اللقيط‏]‏

فإن ادعى رجل رقه لم يقبل لأن الأصل الحرية فإن شهدت هل بينة بالملك قبلت وإن لم يذكر السبب كما لو شهدت له بملك مال وإن شهدت باليد للملتقط لم يحكم له بالملك لأن سبب يده قد علم وإن شهدت بها لغيره ثبت والقول قوله في الملك مع يمينه كما لو كان في يده مال فحلف عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم بالإسلام له‏]‏

ومن حكمنا بإسلامه لإسلام أحد أبويه أو موته أو إسلام سابيه فحكمه حكم سائر المسلمين في حياته وموته ووجوب القود على قاتله قبل البلوغ أو بعده وإن كفر بعد بلوغه فهو مرتد يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل لأنه محكوم بإسلامه يقينا فأشبه غيره من المسلمين ومن حكمنا بإسلامه للدار وهو اللقيط فكذلك لأنه محكوم بإسلامه ظاهرا فهو كالثابت يقينا وذكر القاضي وجها آخر‏:‏ أنه يقر على كفره لأنه لم يثبت إسلامه يقينا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن بلغ اللقيط فقذف إنسان أو جنى عليه‏]‏

فإن بلغ اللقيط فقذف إنسان أو جنى عليه أو ادعى رقه فكذبه اللقيط فالقول قول اللقيط لأنه حر في الحكم ويحتمل أن يقبل قول المدعي في درء حد القذف خاصة لأنه مما يدرأ بالشبهات بخلاف القصاص‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تصرف اللقيط‏]‏

وإن بلغ فتصرف ثم ثبت رقه فحكم تصرفه حكم تصرف العبيد لأنه ثبت أنه مملوك وإن أقر بالرق على نفسه بعد أن كان أقر بالحرية لم يقبل إقراره بالرق لأنه قد لزمه بالحرية أحكام من العبادات والمعاملات فلم يملك إسقاطها وإن لم يتقدم منه إقرار بالحرية وكذبه المقر له بطل إقراره لأنه لا يثبت رقه لمن لا يدعيه فإن أقر بعده لغيره قبل كما لو أقر له بمال ويحتمل أن لا يقبل لأن في إقراره الأول اعترافا بأنه ليس لغيره فلم يقبل رجوعه عنه كما لا يقبل رجوعه عن الحرية وإن صدقه الأول ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يقبل لأنه محكوم بحريته فلا يقبل إقراره بما يبطلها كما لو أقر بها‏.‏

والثاني‏:‏ يقبل لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما لصاحبه بالرق فعلى هذا يحتمل أن يقبل إقراره في جميع أحكامه لأنه معنى يثبت الرق فأثبته في جميع أحكامه كالبينة ويحتمل أن يقبل فيما عليه دون ما له لأنه أقر بما يوجب حقا له وعليه فيثبت ما عليه دون ما له كما لو قال‏:‏ لفلان علي ألف على رهن لي عنده فإن قلنا بالأول وكان قد نكح فهو فاسد حكمه حكم ما لو تزوج العبد أو الأمة بغير إذن سيده وإن تصرف بغير النكاح فسدت عقوده كلها وترد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة ثبتت قيمتها في ذمته لأنها ثبتت برضى أصحابها وإن قلنا‏:‏ لا يقبل في ما له وهي أمة فنكاحها صحيح ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها الأقل من المسمى أو مهر المثل ولزوجها الخيار بين المقام معها على أنها أمة أو فراقها إن كانت ممن يجوز له نكاح الأمة لأنه قد ثبت كونها أمة في المستقبل وإن كان المقر ذكرا فسد نكاحه لإقراره أنه عبد نكح بغير إذن سيده وحكمه حكم الحر في وجوب المسمى أو نصفه إن كان قبل الدخول ولا تبطل عقوده وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يده وما فضل ففي ذمته وما فضل معه فلسيده وإن جنى جناية توجب القصاص اقتص منه حرا كان المجني عليه أو عبدا وإن كانت خطأ تعلق أرشها برقبته لأنه عبد وإن جنى عليه حر فلا قَوَدَ لأنه عَبْدٌ‏.‏