فصل: فصل: (حكم من طولب بالفيئة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ الشروط في الطلاق

يصح تعليق الطلاق بشرط كدخول الدار ومجيء زيد ودخول سنة فإن علقه بشرط تعلق به فمتى وجد الشرط وقع وإن لم يوجد لم يقع لأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية أشبه العتق ولو قال‏:‏ عجلت ما علقته لم تطلق لأنه تعلق بالشرط فلم يتغير فإن قال‏:‏ أردت الطلاق في الحال وإنما سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال لأنه أقر على نفسه ما يوجب التغليظ من غير تهمة وإن قال‏:‏ أنت طالق ثم قال‏:‏ أردت إذا دخلت الدار دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أدوات الشرط المستعملة في الطلاق والعتاق‏]‏

وأدوات الشرط المستعملة في الطلاق والعتاق ستة‏:‏ إن ومن وإذا ومتى وأي وكلما وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا ‏(‏كلما‏)‏ فإذا قال‏:‏ إن قمت أو إذا قمت أو متى قمت أو أي وقت قمت أو من قام منكن فهي طالق فقامت طلقت وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق لأن اللفظ لا يقتضي التكرار وإن قال‏:‏ كلما قمت فأنت طالق فقامت طلقت وإن تكرر القيام تكرر الطلاق لأن اللفظ يقتضي التكرار وقال أبو بكر‏:‏ في ‏(‏متى‏)‏ ما يقتضي تكرارها لأنها تستعمل للتكرار قال الشاعر‏:‏

‏(‏متى تأته تعشو إلى ضوء ناره‏.‏‏.‏‏.‏ تجد خير نار عندها خير موقد‏)‏‏.‏

والصحيح‏:‏ أنها لا تقتضيه لأنها اسم زمان فأشبهت إذا وكل هذه الأدوات على التراخي إذا خلت من حروف لم كانت إن على التراخي و‏(‏إذا‏)‏ فيها وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هي على الفور لأنها اسم زمان فأشبهت ‏(‏متى‏)‏‏.‏

والثاني‏:‏ هي على التراخي لأنها أخلصت للشرط فهي بمعنى ‏(‏إن‏)‏ وإن احتملت الأمرين لم يقع الطلاق بالشك وسائر الأدوات على الفور لأنها تقتضيه فإذا قال‏:‏ إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا بعينه ولا دلت عليه قرينة لم يقل الطلاق إلا عند قربه منه وذلك في آخر جزء من حياة أحدهما وإن قال‏:‏ متى لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق أو من لم أطلقها منكن فهي طالق فمضى زمن يمكن طلاقها ولم يطلقها طلقت وإن قال‏:‏ إذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق قي الحال أو في آخر حياة أحدهما‏؟‏ على وجهين وإن قال‏:‏ كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا لأن معناه‏:‏ كلما سكت عن طلاقك فأنت طالق وقد سكت ثلاث سكتات في ثلاثة أوقات‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ إن دخلت الدار أنت طالق‏]‏

وإن قال‏:‏ إن دخلت الدار أنت طالق لم تطلق حتى تدخل كما لو قال‏:‏ أنت طالق إن دخلت الدار ويحتمل أن يقع في الحال لأن جواب الشرط إذا تأخر عنه لم يكن إلا بالفاء أو بإذا وإن قال‏:‏ إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت في الحال لأن الواو ليست جوابا للشرط فإن قال‏:‏ أردت بها الجزاء أو أردت أن أجعلهما شرطين لشيء ثم أمسكت دين لأنه محتمل لما قاله وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين فإن قال‏:‏ أنت طالق وإن دخلت الدار طلقت لأنه معناه‏:‏ ولو دخلت كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏[‏من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق‏]‏ وإن قال‏:‏ أنت طالق لو دخلت الدار طلقت لأن لو تستعمل بعد الإثبات لغير المنع كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏}‏ وإن قال‏:‏ أردت الشرط قبل لأنه محتمل وإن قال‏:‏ أنت طالق أن دخلت بفتح الهمزة طلقت عند أبي بكر لأن ‏(‏أن‏)‏ للتعليل لا للشرط كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمنون عليك أن أسلموا‏}‏ وقال القاضي‏:‏ قياس قول أحمد أنه كان نحويا وقع طلاقه لذلك وإن كان عاميا فهي للشرط لأن العامي لا يريد بها إلا الشرط فأجرى عليه حكمه وحكي عن الخلال‏:‏ أن النحوي إذا لم يكن له نية فهو كالعامي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أنت طالق إن شربت إذا أكلت ونحو ذلك‏]‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن شربت إذا أكلت أو متى أكلت لم تطلق حتى تشرب بعد الأكل لأن إدخال الشرط على الشرط يقتضي تقديم المؤخر وإن قال‏:‏ أنت طالق إن شربت إن أكلت فكذلك لما ذكرناه وإن قال‏:‏ أنت طالق إن شربت فأكلت أو إن شربت ثم أكلت لم تطلق حتى تأكل بعد الشرب لأنهما حرفا ترتيب وإن قال أنت طالق إن شربت وأكلت طلقت بوجودهما على أي صفة لأن الواو للجمع ولا تقتضي ترتيبا ولا تطلق بوجود أحدهما لأنها للجمع وإن قال‏:‏ أنت طالق إن أكلت أو شربت طلقت بوجد أحدهما لأن ‏(‏أو‏)‏ تقتضي تعليق الجزاء على واحدة من المذكورين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر‏}‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ إن حضت فأنت طالق‏]‏

إذا قال‏:‏ إن حضت فأنت طالق طلقت بأول جزء من الحيض فإن رأت دما وتبينت أنه ليس بحيض تبين أن الطلاق لم يقع فإن قالت‏:‏ قد حضت فكذبها قبل قولها بغير يمين وعنه‏:‏ لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا والمذهب الأول لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن‏}‏ فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن كتمانه ولأنه لا يعرف إلا من جهتها وإن قال‏:‏ قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره وإن قال‏:‏ إن حضت فضرتك طالق فقالت‏:‏ قد حضت فكذبها لم تطلق ضرتها لأن قولها يقبل في حقها دون غيرها وإن قال الزوج قد حضت فكذبته طلقت بإقراره فإن قال‏:‏ إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت‏:‏ قد حضت فصدقها طلقتا وإن كذبها طلقت وحدها ولم تطلق الضرة وإن صدقها وإن قال‏:‏ إن حضتما فأنتما طالقتان فصدقهما طلقتا وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على محيضهما ولا يقبل قول واحدة منهما في حق ضرتها وإن صدق إحداهما وحدها لم تطلق لأن قول المكذبة غير مقبول في حقها وطلقت المكذبة لأنها مقبولة القول في نفسها وقد صدق الزوج صاحبتها فوجد الشرطان في طلاقها فطلقت وإن قال لأربع نسوة له‏:‏ إن حضتن فأنتن طوالق فقد علق طلاق كل واحدة منهن بحيض الأربع فإن قلن‏:‏ قد حضنا فصدقهن طلقن لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه وإن كذبهن أو كذب ثلاثا أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأن قول كل واحدة لا يقبل إلا في حق نفسها فلم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة لما ذكرنا في الاثنتين إذا صدق إحداهما فإن قال‏:‏ كلما حاضت إحداكن فضرائرها طوالق فقد جعل حيض كل واحدة شرطا لطلاق البواقي فإن قلن‏:‏ قد حضنا فصدقهن طلق ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر فتطلق بحيض كل واحدة طلقة وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة منهن طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة لأن حيضها ثبت بتصديقه ولم تطلق المصدقة لأنه ليس لها صاحبة تثبت حيضها وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين لأن لكل واحدة منهما ضرتين مصدقتين فإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لحائض‏:‏ إذا حضت فأنت طالق‏]‏

إذا قال لحائض‏:‏ إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض لأن إذا اسم لزمن مستقبل فتقضي فعلا مستقبلا وإن قال لها‏:‏ إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم نص عليه لأنه ثبت لها أحكام الطهر من وجوب الغسل والصلاة وصحة الصوم وذكر أبو بكر قولا آخر‏:‏ أنها لا تطلق حتى تغتسل لأن بعض أحكام الحيض باقية وإن قال لطاهر‏:‏ إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر لما ذكرنا وإن قال لها‏:‏ إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه لأنها لا تحيض حيضة كاملة إلا بذلك وإن قال‏:‏ إن حضت نصف حيضة فأنت طالق احتمل أن تطلق إذا مضى نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة واحتمل أنه متى مضت حيضها تبينا وقوع الطلاق في نصفها وحكي عن القاضي‏:‏ أنه يلغو قوله‏:‏ نصف حيضة ويتعلق الطلاق بأول الدم وقيل عنه‏:‏ تطلق بمضي سبعة أيام ونصف لأنه نصف أكثر الحيض يعني- والله أعلم- أنه ما دام حيضها باقيا لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي نصف أكثر الحيض لأن ما قبل ذلك لا يتيقن به مضي نصف الحيضة فلا يقع الطلاق بالشك فإن طهرت بدون ذلك تبينا وقوع الطلاق ونصف الحيضة قلت أو كثرت لأننا تبينا مضي نصف الحيضة بمضيها كلها فإن قال لزوجتيه‏:‏ إذا حضتما حيضة واحدة فأنتما طلقتان لغا قوله‏:‏ حيضة واحدة لاستحالة ذلك وصار كقوله‏:‏ إذا خضتما فأنتما طالقتان فإن قال‏:‏ أردت إذا حاضت كل واحدة منهما حيضة قبل لأنه محتمل لما قاله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قوله لمن طلاقها سنة وبدعة‏:‏ أنت طالق للسنة‏]‏

إذا قال لمن لطلاقها سنة وبدعة- وهي المدخول بها من ذوات الأقراء- أنت طالق للسنة وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال لوجود الصفة وإن كانت حائضا أو في طهر أصابها فيه لم تطلق في الحال لعدم الصفة فإذا طهرت الحائض أو حاضت المصابة ثم طهرت طلقت لوجود الصفة حينئذ وإن قال لها‏:‏ أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم تطلق لعدم الصفة فإذا حاضت أو جامعها طلقت وإن قال لها‏:‏ أنت طالق للسنة إن كنت الآن ممن يطلق للسنة وكانت في زمن السنة طلقت لوجود الصفة وإلا لم تطلق بحال لأنه شرط لوقوعه كونها الآن ممن يطلق للسنة ولم يوجد ذلك وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت في الحال واحدة فإذا صارت إلى ضد حالها طلقت الأخرى وإن قال‏:‏ طلقت للسنة والبدعة لغا قوله‏:‏ للسنة وللبدعة لاستحالة اجتماعهما وطلقت في الحال وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا للسنة فعلى قول الخرقي تطلق ثلاثا في طهر لم يصيبها فيه لأنه وقت السنة وعلى قول أبي بكر تطلق واحدة في طهر لم يصيبها فيه وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إن وجدا لأن السنة تطليقة واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت طلقتين في الحال والثالثة في الحال الأخرى لأن قسط الحال الأولى طلقة ونصف فكمل فصار طلقتين وإن قال‏:‏ أردت في هذه الحال واحدة والباقي في الأخرى قبل قوله لأن البعض يقع على الطلقة الواحدة حقيقة فلم تخالف دعواه الظاهر فقبلت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم طلاق من لا سنة لطلاقها ولا بدعة‏]‏

وإن كان له امرأة صغيرة لا تحيض أو آيسة أو حامل تبين حملها أو غير مدخول بها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة فإذا قال‏:‏ أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت لوجود الصفة وإن قال‏:‏ أنت طالق للسنة أو للبدعة أو للسنة والبدعة طلقت في الحال لأنه وصفها بصفة لا تتصف بها فلغت الصفة ووقع الطلاق فإن قال‏:‏ أردت إيقاعه بها إذا صارت من أهل سنة الطلاق وبدعته دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قوله‏:‏ أنت طالق أحسن الطلاق ونحوه‏]‏

إذا قال لمن لطلاقها سنة وبدعة‏:‏ أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله وأعدله وما أشبه هذا من الصفات الجميلة طلقت للسنة وإن قال‏:‏ أقبح الطلاق وأسمجه وما أشبه من صفات الذم طلقت للبدعة فإن قال‏:‏ أردت بالأول طلاق البدعة وبالثاني طلاق السنة لأنه الأليق بها فإن كان أغلظ عليه قبل قوله لأنه مقر على نفسه وإن كان أخف عليه دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين وإن قال‏:‏ أنت طالق طلاق الحرج فهو طلاق البدعة لأنه يأثم به وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال على أي صفة كانت لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق وإن قال لها‏:‏ أنت طالق في كل قرء طلقة وهي ممن لطلاقها سنة وبدعة طلقت في كل حيضة طلقة إلا على قولنا‏:‏ الأقراء‏:‏ الأطهار فإنه يقع في كل طهر طلقة وإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة طلقت في الحال طلقة ثم إن كانت ممن يتجدد لها أقراء طلقت في كل قرء منها طلقة ويحتمل أن لا تطلق في الحال شيئا لأن القرء والطهر بين الحيضتين وليس ذلك لها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لها‏:‏ إن كنت حاملا فأنت طالق‏]‏

إذا قال لها‏:‏ إن كنت حاملا فأنت طالق حرم وطؤها نص عليه لأنه يحتمل أن تكون حاملا فيغلب التحريم وحكى أبو الخطاب رواية أخرى‏:‏ لا يحرم وطؤها لأن الأصل عدم الحمل ثم إن ولدت لأقل من ستة أشهر تبينا وقوع الطلاق لأنها كانت حاملا وإن ولدت لأكثر من أربع سنين لم تطلق لأننا علمنا أنها لم تكن حاملا وإن ولدت فيما بين ستة أشهر وأربع سنين ولم يكن لها من يطؤها طلقت لأنها كانت حاملا وإن كان لها زوج يطأها فولدت لأقل من ستة أشهر من حين وطء طلقت لأننا علمنا أنه ليس من الوطء وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من وطئه لم تطلق لأن الأصل الحمل والطلاق وإن قال لها‏:‏ إن لم تكوني حاملا فأنت طالق حرم وطؤها قبل استبرائها لأن الأصل عدم الحمل وكل موضع يقع الطلاق في التي قبلها لا يقع هاهنا وكل موضع لا يقع ثم وقع هاهنا لأنها ضدها إلا إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أرع سنين فهل يقع الطلاق هنا‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء‏.‏

والثاني‏:‏ لا تطلق لأن الأصل بقاء النكاح ويحصل الاستبراء بحيضة نص عليه لأن براءة الرحم تحصل بحيضة وذكر القاضي رواية أخرى‏:‏ أنها تستبرئ بثلاثة قروء لأنه استبراء حرة فأشبهت عدتها والأولى أصح لأن المقصود معرفة براءتها من الحيض وهو يحصل بحيضة وأما عدة الحرة بثلاثة قروء ففيها نوع من التعبد ولذلك يجب مع علمنا ببراءة الرحم مثل أن يكون زوجها غائب عنها سنين وقد حاضت قبل طلاقه حيضات كثيرة فلا يجوز تعديتها إلى محل لم يرد الشرع بالتعبد فيه ولهذا كفى استبراؤها قبل يمينه وإن استبرأها قبل عقد اليمين أجزأ لأن معرفة براءة الرحم تحصل به وهو المقصود ولو قال‏:‏ إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا وإن قال إن كان حملك أو ما في بطنك ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا وإن قال‏:‏ إن كان حملك أو ما في بطنك ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى لم تطلق لأن الشرط أن يكون جميع حملها أو ما في بطنها ذكرا أو أنثى ولم يوجد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ إذا ولدت ولدا فأنت طالق‏]‏

إذا قال‏:‏ إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا حيا أو ميتا ذكرا أو أنثى أو خنثى طلقت لأنه ولد وإن قال‏:‏ كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأن صفة الثلاث قد وجدت وهي زوجة وإن ولدتهم واحدا بعد واحد من حمل واحد طلقت بالأول طلقة وبالثاني أخرى وبانت بالثالث ولم تطلق به ذكره أبو بكر لأن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق بائنا فلم يقع كما لو قال‏:‏ إذا مت فأنت طالق وقال ابن حامد‏:‏ تطلق به الثالثة لأن من زمن الوقوع زمن البينونة ولا تنافي بينهما والأول أصح وعليه التفريع فلو قال‏:‏ إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا فإن ولدتهما واحدا بعد واحد وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم تطلق به فإن أشكل الأول منهما طلقت واحدة بيقين ولم تلزمه الثانية بالشك وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو الأول ولو قال‏:‏ إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كانت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة لم تطلق لأن لا أول فيهما ومتى ادعت الولادة فصدقها أو ادعى هو ولادتها وأنكرته طلقت بإقراره فإن ادعته المرأة فأنكرها لم تطلق إلا ببينة لأن هذا يمكن إقامة البينة عليه بخلاف الحيض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لمدخول بها‏:‏ إذا طلقتك فأنت طالق‏]‏

إذا قال لمدخول بها‏:‏ إذا طلقتك فأنت طالق ثم طلقها طلقت طلقتين واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة فإن قال‏:‏ أردت أنك تطلقين بما أوقعه من طلاقك لأجعله شرطا دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على روايتين لأن الظاهر جعله شرطا وإن وكل من طلقها فهو كمباشرته لأن فعل الوكيل كفعل الموكل وإن قال‏:‏ إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال‏:‏ إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين واحدة بقيامها وأخرى بالصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها وإن قال مبتدئا‏:‏ إن قمت فأنت طالق ثم قال‏:‏ إذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة بقيامها ولم تطلق الأخرى لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع ووقوع الطلاق هاهنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة لعقد الطلاق شرطا ولو قال‏:‏ إذا قمت فأنت طالق ثم قال‏:‏ إذا قمت فأنت طالق فقامت طلقت اثنتين لأن قوله‏:‏ أوقعت عليك الطلاق كقوله‏:‏ طلقتك وقال القاضي‏:‏ لا تطلق إلا طلقة بقيامها ولا تطلق بالصفة لأن ذلك يقتضي مباشرتها به لا وقوعه بالصفة وإن قال‏:‏ كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال‏:‏ أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بقوله‏:‏ أنت طالق والأخرى بالصفة ولا تقع الثالثة لأن الصفة إيقاع الطلاق ولم يتكرر فلم يتكرر الطلاق وإن قال‏:‏ كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو صفة طلقت ثلاثا لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع عليها الثالثة وإن قال‏:‏ كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال‏:‏ أنت طالق فقال ابن عقيل‏:‏ تطلق واحدة بالمباشرة ويلغو ما علي عليها لأنه طلاق في زمن ماض فأشبه قوله‏:‏ أنت طالق أمس وقال القاضي‏:‏ تطلق ثلاثا لأنه وصف المعلق بصفة يستحيل وصفه بها فإنه يستحيل وقوعها بالشرط قبله فلغت صفتها بالقبلية وصار كأنه قال‏:‏ إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثا فإن قال لزوجتيه‏:‏ كلما طلقت حفصة فعمرة طالق وكلما طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق إحداهما طلقتا جميعا إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة فإن كانت المباشرة به حفصة لم تزد واحدة منهما على طلقة لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا إنما طلقت بالصفة السابقة وإن كانت المباشرة عمرة طلقت الأخرى بالصفة الحادثة بعد تعليقه طلاقها وإن قال لحفصة‏:‏ كلما طلقت عمرة فأنت طالق وقال لعمرة‏:‏ كلما طلقت حفصة فأنت طالق ثم طلق عمرة طلقت كل واحدة واحدة وإن طلق حفصة طلقة طلقت طلقتين وطلقت عمرة واحدة وإن قال لأربع نسائه‏:‏ أيتكن وقع عليها طلاقي فضرائرها طوالق ثم وقع بإحداهن طلاقه طلق الجميع ثلاثا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان له أربع نساء وعبيد فقال‏:‏ كلما طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر ونحو ذلك‏]‏

وإن كان له أربع نساء وعبيد فقال‏:‏ كلما طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق الأربع متفرقات أو متجمعات فإنه يعتق من عبيده خمسة عشر يعتق بطلاق الواحد واحد وبطلاق الثانية ثلاث لأنها واحدة وهي إلى صاحبتها اثنتان ويعتق بطلاق الثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع صاحبتيها ثلاث ويعتق بطلاق الرابعة سبعة لأنها واحدة وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع صواحبها أربع وإن شئت قلت‏:‏ فيهن أربع صفات هن أربع فيعتق لذلك أربع وهن أربعة آحاد فيعتق بذلك أربعة أخر وهن اثنتان واثنتان فيعتق بذلك أربعة أخر وفيهن ثلاث فذلك خمسة عشر وقيل‏:‏ يعتق عشرة بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة والأول أصح لأن الصفة إذا تكررت تكرر الجزاء وإن كان في محل واحد ولذلك لو قال‏:‏ إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت أسود فأنت طالق وإن كلمت طويلا فأنت طالق فكلمت رجلا أسودا طويلا طلقت ثلاثا ولو قال‏:‏ كلما أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا واحدة لكونها رمانة واثنتان بأكلها نصفين ولو قال‏:‏ إذا ولدت ولدا فأنت طالق وإذا ولدت غلاما فأنت طالق وإذا ولدت أسود فأنت طالق فولدت غلاما أسود طلقت ثلاثا‏.‏

باب‏:‏ الشك في الطلاق

إذا شك هل طلق أم لا‏؟‏ لم تطلق لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك وإن طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاث‏؟‏ بنى على اليقين كذلك نص عليه أحمد فإذا ارتعجها فعليه نفقتها واختلف أصحابنا في حلها فقال الخرقي‏:‏ هي محرمة لأنه متيقن للتحريم الحاصل بالطلاق شاك في حصول الحل بالرجعة فلا يزول التحريم المتيقن بالشك وقال غيره‏:‏ تحل لأن الرجعة مزيلة لحكم المتيقن من الطلاق ومنهم من منع حصول التحريم بالطلاق لكون الرجعية مباحة فلم يكن التحريم متيقنا والورع أن يلتزم حكم الطلاق الأكثر فيدعها حتى تقضي عدتها لتحل لغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏دع ما يريبك إلى ما لا يريبك‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال لنسائه‏:‏ إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها‏]‏

وإذا قال لنسائه‏:‏ إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن نص عليه لأن ذلك يروى عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ولأن الطلاق إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وإن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فانصرف إليه وقوله في ذلك مقبول لأنه لا يعلم إلا من جهته فقبل منه كقول المرأة في حيضها وإن قال‏:‏ هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأن إقراره بطلاق الثانية مقبول ورجوعه عن طلاق الأولى غير مقبول وإن قال‏:‏ طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخريين وإن قال‏:‏ هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأوليين وإن قال‏:‏ هذه وهذه أو هذه احتمل أن يكون الشك في الجميع لأنه أتى بحرف الشك بعد الأوليين فيعود إليهما واحتمل أن يكون الشك في الثانية والثالثة لأن حرف الشك بينهما وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه ففي أحد الوجهين يكون شاكا في طلاق الجميع لا يدري أطلق الأولى وحدها أو الأخريين جميعا‏؟‏ وفي الأخرى يكون متيقنا لطلاق الثانية شاكا في الأوليين وكل موضع علم أنه طلق بعضهن فاشتبهت عليه بغيرها فحكمها حكم المنسية على ما سنذكره وإن لم ينو واحدة بعينها تعينت بالقرعة وعليه نفقة الجميع حتى تتعين المطلقة لأنهن محبوسات عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن طلق واحدة بعينها ثلاثا وأنسيها أو خفيت عليه‏]‏

وإن طلق واحدة بعينها ثلاثا وأنسيها أو خفيت عليه بأن طلقها في ظلمة أو من وراء حجاب أو يراها في طاقة فيطلقها وتشتبه عليه فإنه يحرم عليه الجميع لأنه اشتبهت زوجته بغيرها فحرمتا كما لو اشتبهت بمن لم يتزوجها وإن علمها عينها وقبل قوله لأنه لا يعلم إلا من جهته فإن امتنع مع المعلم حبس حتى يعينها لأنه حق عليه امتنع من إيفائه وإن ادعت غير المعينة عليه أنها المطلقة فالقول قوله من غير يمين فإن مات أقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها قال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال‏:‏ أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت‏:‏ أرأيت إن مات بعدها‏؟‏ قال‏:‏ أقول بالقرعة وذلك لأنه تصير القرعة على المال وقد روي عن علي رضي الله عنه في رجل له أربع نسوة طلق إحداهن ثم مات لا يدري أيتهن طلق أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وقسم بينهن الميراث وكذلك إن ماتت إحداهن أو متن جميعا أقرعنا بينهن فمن خرجت عليها القرعة حرمناه ميراثها وقال الخرقي وكثير من أصحابنا‏:‏ يقرع بينهن في حياته فمن خرجت عليها قرعة الطلاق بانت وحل له البواقي احتجاجا بحديث علي رضي الله عنه فإن ذكر بعد ذلك أن المطلقة غيرها بانت المذكورة لأنها المطلقة ويكون وطؤه لها وطأ بشبهة وترد إليه الأخرى إلا أن تكون قد تزوجت أو تكون القرعة بحكم حاكم فلا ترد نص عليه لأنها إذا تزوجت فقد تعلق بها حق غيره فلم يقبل قوله في فسخ نكاح غيره وقرعة الحاكم كحكمه لا سبيل إلى تقضه وقال أبو بكر وابن حامد‏:‏ لا ترد إليه التي عينتها القرعة بحال لأنه لا يقبل قوله عليها ولا يرثها إن ماتت وإن مات هو ورثته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن رأى طائرا فقال‏:‏ إن كان غرابا فحفصة طالق وإن كان حماما فعمرة طالق فطار ولم يعرف ما هو‏]‏

وإن رأى طائرا فقال‏:‏ إن كان غرابا فحفصة طالق وإن كان حماما فعمرة طالق فطار ولم يعرف ما هو لم يلزمه طلاق لأنه يحتمل أنه غيرهما ولو قال‏:‏ إن كان غرابا فحفصة طالق وإن لم يكن غرابا فعمرة طالق ولم يعرف ما هو طلقت إحداهما والحكم فيها على ما ذكرنا في المشتبهة وإن كان الحالف رجلين فقد حنث أحدهما فيحرم الوطء عليهما لأننا علمنا التحريم في إحداهما فأشبه ما لو كان الحالف واحدا على زوجتين ويبقى في حق كل واحد منهما أحكام النكاح من النفقة والكسوة والمسكن لأن نكاحه كان متيقنا وزواله مشكوك فيه وإن قال أحدهما‏:‏ إن كان غرابا فعبدي حر وقال الآخر‏:‏ إن لم يكن غرابا فعبدي حر لم يعتق واحد منهما لأن الأصل الرق فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه عتق لأن تمسكه بعبده اعتراف منه بعتق الآخر وقد ملكه فيعتق قاله القاضي وقال أبو الخطاب‏:‏ يقرع بينهما حينئذ لأن العبدين صارا له وقد علم عتق أحدهما لا بعينه فيعتق بالقرعة إلا أن يكون أحدهما قد أقر أن الحانث صاحبه فيؤخذ بإقراره ولو كان الحالف واحدا فقال‏:‏ إن كان غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة ولم يعرف أقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو الحر لأن القرعة تستعمل لتعيين الحرية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال لحماته‏:‏ ابنتك طالق‏]‏

إن قال لحماته‏:‏ ابنتك طالق أو كان اسم زوجته زينب فقال‏:‏ زينب طالق طلقت زوجته فإن قال‏:‏ أردت ابنتك الأخرى أو امرأة أجنبية اسمها زينب دين لأنه يحتمل ما قاله ولم يقبل في الحكم نص عليه لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه فلم يقبل تفسيره بها وإن نظر إلى زوجته وأجنبية فقال‏:‏ إحداكما طالق فكذلك لما ذكرناه وقال القاضي‏:‏ هل يقبل في الحكم‏؟‏ على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كانت له زوجتان هند وزينب فقال‏:‏ يا هند فأجابته زينب فقال‏:‏ أنت طالق ينوي المجيبة‏]‏

فإن كانت له زوجتان هند وزينب فقال‏:‏ يا هند فأجابته زينب فقال‏:‏ أنت طالق ينوي المجيبة أو لم يكن له نية طلقت المجيبة وحدها لأنها المخاطبة بالطلاق ولم يرد غيرها به وإن قال‏:‏ ظننت المجيبة هندا فطلقتها طلقت هند رواية واحدة لأنه أرادها بطلاقه وفي زينب روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تطلق اختارها ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق فطلقت كما لو لم يكن له نية‏.‏

والثانية‏:‏ لا تطلق لأنه لم يردها بكلامه فلم تطلق كما لو أراد أن يقول‏:‏ أنت طاهر فسبق لسانه بقوله أنت طالق وقال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد‏:‏ أنها لا تطلق وإن قال‏:‏ علمت أن المجيبة زينب وأردت طلاق هند طلقتا معا ‏(‏هند‏)‏ بإرادته وزينب بخطابه لها بالطلاق اختيارا ولو لقي أجنبية ظنها زوجته فقال‏:‏ أنت طالق طلقت زوجته لأنه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت كالتي قبلها وإن لقي زوجته فظنها أجنبية فقال‏:‏ تنحي يا مطلقة أو أمته فقال‏:‏ تنحي يا حرة يظنها أجنبية فقال أبو بكر لا يلزمه عتق ولا طلاق لأنه لم يقصد طلاقا ولا عتقا ويخرج على قول ابن حامد‏:‏ أن يقع العتق والطلاق بناء على المسألة في أول الفصل‏.‏

كتاب‏:‏ الرجعة

إذا طلق الحر زوجته بعد الدخول بغير عوض أقل من ثلاث أو العبد أقل من اثنتين فله ارتجاعها ما دامت في العدة لقول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن في ذلك‏}‏ يريد الرجعة عند جماعة أهل التفسير وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وروى ابن عمر قال‏:‏ طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏[‏مره فليراجعها‏]‏ متفق عليه وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة وراجعها رواه أبو داود‏.‏

وإن انقضت عدتها لم يملك رجعتها لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏أحق بردهن في ذلك‏}‏ وإن طلق قبل الدخول فلا رجعة له لأنه لا عدة عليها فلا تربص في حقها يرتجعها فيه وكل هذا مجمع عليه بحمد الله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما‏]‏

وإذا كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله رجعتها قبل وضع الثاني لأن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله وإن طهرت ذات القرء من القرء الثالث ولم تغتسل ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ له رجعتها اختاره كثير من أصحابنا لأن ذلك يروى عن أبي بكر وعمر وعلي وغيرهم‏.‏

والثانية‏:‏ لا رجعة له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وهي الحيض وقد زال الحيض وهذا اختيار أبي الخطاب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ملك الرجل مراجعة زوجته بغير رضاها‏]‏

ويملك رجعتها بغير رضاها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف‏}‏ ولا تفتقر الرجعة إلى ولي ولا صداق لأنها إمساك وهل تفتقر إلى إشهاد‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تفتقر إلى الإشهاد لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود أشبه النكاح‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجب لأنه إمساك لا يفتقر إلى رضى المرأة أشبه التكفير في الظهار‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المطلقة الرجعية‏]‏

والرجعية‏:‏ زوجة بدليل أن الله تعالى سمى الرجعة إمساكا وسمى المطلقين بعولة فقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ فيلحقها طلاقه وظهاره ولعانه وخلعه ويرثها وترثه لأنها زوجه فثبت فيها ما ذكرنا كما قبل الطلاق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تزين المطلقة طلاقا رجعيا لزوجها والتشرف له‏]‏

والرجعية مباحة لزوجها فلها التزين والتشرف له وله السفر بها والخلوة معها ووطؤها في ظاهر المذهب لقوله اله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون‏.‏ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏}‏ وهذه زوجة وعنه‏:‏ أنها محرمة وهو ظاهر كلام الخرقي لأنها معتدة من طلاقه فحرمت عليه كالمختلعة فإن وطئها فلا حد عليه لأنها زوجته ولا مهر عليه كذلك ويحتمل أن يجب المهر على القول بالتحريم إذا أكرهها على الوطء لأنه وطء حرمه الطلاق فأشبه وطء المختلعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بم تحصل الرجعة‏؟‏‏]‏

وتحصل الرجعة بالوطء في ظاهر المذهب قصد أو لم يقصد لأن سبب زوال الملك انعقد مع الخيار والوطء من المالك يمنع زواله كوطء البائع في مدة الخيار ولا يحصل باستمتاع سواه من قبله أو لمس أو نظر إلى محرم منها في ظاهر كلام احمد وقال ابن حامد‏:‏ يخرج فيه وجهان‏:‏ مبنيان على الروايتين في تحريم المصاهرة به فأما الخلوة بها فليست رجعة بحال لأن تحريم المصاهرة لا يثبت بها وقال بعض أصحابنا‏:‏ يحصل بها لأنه محرم من غير الزوجة فأشبه الاستمتاع وعن أحمد‏:‏ لا تحصل الرجعة إلا بالقول وهو ظاهر كلام الخرقي لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ ولا يحصل الإشهاد إلا على القول ولأنه استباحة بضع مقصود أشبه النكاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ألفاظ الرجعة‏]‏

وألفاظ الرجعة‏:‏ راجعتك وارتجعتك لورود السنة بهما في حديث ابن عمر واشتهارهما في العرف بهذا اللفظ ورددتك وأمسكتك لورود الكتب بهما في قوله‏:‏ ‏{‏أحق بردهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأمسكوهن بمعروف‏}‏ ويحتمل أن يكون الصريح لفظ المراجعة وحده لاشتهاره في العرف دون غيره وإن قال‏:‏ نكحتك أو تزوجتك ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تصح الرجع به اختاره ابن حامد لأن الأجنبية تحل به فالزوجة أولى‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأنه وضع ابتداء النكاح وهذه لاستدامته فإن قال‏:‏ راجعتك للمحبة أو الإهانة فهي رجعة صحيحة لأنه أتى بصريح الرجعة وما قرنه به يحتمل أن يكون بيانا للعلة ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك فأن نوى به أنني راجعتك لمحبتي إياك أو لأهينك لم يقدح في الرجعة لأنه ضم إليها بيان علتها وأن لم يرد الرجعة وإنما أراد راجعتك إلى الإهانة بفراقي إياك أو إلى المحبة فليس برجعه لأنه قصد بلفظه غير الرجعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعليق الرجعة على شرط‏]‏

ولا يصح تعليقها على شرط لأنه استباحه بضع فأشبهت النكاح ولو قال‏:‏ راجعتك إن شئت أو كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح وإن راجعها في الردة فقال أبو الخطاب لا يصح لأنه استباحة بضع فأشبه النكاح‏.‏

وقال القاضي‏:‏ إن قلنا بتعجل الفرقة فلا يصح وإن قلنا‏:‏ لا تتعجل فهي موقوفة إن أسلم صحت وإن لم يسلم لم تصح كما يقف الطلاق والنكاح وهذا اختيار ابن حامد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ادعاء المرأة انقضاء عدتها بالقروء‏]‏

وإذا ادعت المرأة انقضاء عدتها بالقروء في زمن يمكن انقضاؤها فيه أو بوضع الحمل الممكن فأنكرها الزواج فالقول قولها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن‏}‏ فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن كتمانه كالشهود لما حرم عليه كتمان الشهادة دل على قبولها منهم وإن ادعت انقضاء عدتها بالشهور فأنكرها فالقول قوله لأنه اختلاف في وقت الطلاق والقول قوله فيه وإن ادعت انقضاءها في مدة لا يمكن انقضاؤها فيها لم تسمع دعواها مثل أن تدعي انقضاءها بالقروء في أقل من ثمانية وعشرين يوما إذا قلنا‏:‏ الأقراء‏:‏ الأطهار أو في أقل من تسعة وعشرين إذا قلنا‏:‏ هي الحيض لأننا نعلم كذبها وإن ادعت انقضاءها بالقروء في شهر لم يقبل قولها إلا ببينه نص عليه لأنه يروى عن علي رضي الله عنه ولأن ذلك يندر جدا وظاهر قول الخرقي‏:‏ قبول قولها بمجرده لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ادعى الزوج رجعتها في عدتها فأنكرته‏]‏

وإن ادعى الزوج رجعتها في عدتها فأنكرته فالقول قوله لأنه يملك رجعتها فقبل قوله فيه كالطلاق فإن ادعى رجعتها بعد العدة فأنكرته فالقول قولها لأنه في زمن لا يملكها والأصل عدمها فإن كان في زمن يمكن انقضاء العدة فيه فقالت‏:‏ قد انقضت عدتي فقال‏:‏ قد كنت راجعتك وأنكرته لم يقبل قوله لأن قولها في انقضاء عدتها مقبول فصار دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضائها ولو سبق فقال‏:‏ قد كنت راجعتك فقالت‏:‏ قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فالقول قوله لأنه ادعى الرجعة قبل الحكم بانقضاء عدتها وظاهر كلام الخرقي‏:‏ أن القول قولها في الحالين لأن من قبل قوله سابقا قبل مسبوقا كسائر الدعاوى وإن ادعى أنه أصابها ليثبت له رجعتها فأنرته فالقول قولها لأن الأصل عدمها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن طلقها فقضت عدتها وتزوجت ثم ادعى رجعتها‏]‏

فإن طلقها فقضت عدتها وتزوجت ثم ادعى رجعتها ‏[‏فصدقته‏]‏ هي وزوجها ردت إليه لأننا تبينا أن الثاني نكحها وهي زوجة الأول وإن صدقه أحدهما دون الآخر قبل قوله وحده في حقه فإن صدقه الزوج انفسخ نكاحه لاعترافه بفساده ولم تسلم المرأة إليه لأن إقرار لزوج عليها غير مقبول وإن كان هذا قبل دخوله بها فلها عليه نصف المهر وإن كان بعده فلها الجميع بمنزلة طلاقها وإن صدقته المرأة وحدها لم يقبل قولها في يفسخ نكاح الزوج فإن بانت منه بطلاق أو غيره ردت إلى الأول لأن المنع الذي كان لحق الثاني قد زال وإن طلقها قبل الدخول فلا مهر لها لاعترافها أنها ليست زوجة له فإن أنكراه فالقول قولهما فإن قام بينة بدعواه قبلت وردت إليه سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل لأننا تبينا أن الثاني نكحها وهي زوجة الأول وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى‏:‏ إن دخل بها الثاني فهي زوجته ويبطل نكاحها الأول لأنه يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول والأول المذهب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم زواج الرجعية في عدتها‏]‏

وإن تزوجت الرجعية في عدتها فوطئها الثاني وحملت منه انقطعت عدة الأول فإذا وضعت حملها أتمت عدة الأول وله رجعتها في هذا التمام لأنها في عدته وإن راجعها قبل الوضع ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح لأنها في عدة غيره لا في عدته‏.‏

والثاني‏:‏ يصح لأن الزوجية باقية وإنما انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وطئ الزوج الرجعية وقلنا‏:‏ لا تحصل الرجعة به‏]‏

وإن وطئ الزوج الرجعية وقلنا‏:‏ لا تحصل الرجعة به فعليها استئناف العدة من الوطء ويدخل فيها بقية عدة الطلاق لأنهما عدتان من رجل واحد فتداخلتا وله ارتجاعها في بقية العدة الأولى وليس له ارتجاعها بعدها لأن عدة الطلاق انقضت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا طلق الحر زوجته ثلاثا أو طلق العبد زوجته طلقتين‏]‏

إذا طلق الحر زوجته ثلاثا أو طلق العبد زوجته طلقتين حرمت عليه ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره‏:‏ ويطأها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره‏}‏ ويشترط لحلها الأول شرطان‏:‏

أحدهما‏:‏ نكاح زوج غيره للآية فلو كانت أمة فوطئها سيدها أو وطئت بشبهة أو استبرأها من سيدها لم تحل له ولا بد أن يكون نكاحا صحيحا فلو نكحها نكاحا فاسدا ووطئها لم تحل له وذكر أبو الخطاب وجها آخر أنه يحلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لعن الله المحلل والمحلل له‏]‏ فسماه محللا مع فساد نكاحه والمذهب‏:‏ الأول لأن النكاح المطلق في الكتاب والسنة إنما يحمل على الصحيح وإنما سماه محللا لقصده التحليل فيما لا يحل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فيحلوا ما حرم الله‏}‏ فلو أحل حقيقة لم يكن هو والزوج ملعونين‏.‏

الثاني‏:‏ أن يطأها الزوج في الفرج وأدناه تغييب الحشفة مع الانتشار لما روت عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير فقالت‏:‏ والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏[‏لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته‏]‏ متفق عليه فإن وطئها في الدبر أو دون الفرج أو غيب الحشفة من غير انتشار لم تحل لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بذواق العسيلة ولا يحصل بذلك فإن كان الذكر مقطوعا فبقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا وإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لدخوله في عموم الآية وعنه‏:‏ لا يحلها لأنه لا تذاق عسيلته قال أبو بكر‏:‏ العمل على أنه يحلها لأنه لا يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الإحلال ولو كانت ذمية فوطئها زوج ذمي أحلها للمسلم لدخوله في الآية والخبر وكذلك المملوك والصبي والمجنون وقال ابن حامد‏:‏ لا يحلها المجنون لأنه لا يذوق العسيلة والأول المذهب لدخوله في عموم الآية والخبر ولا يصح دعوى أنه لا يذوق العسيلة فإن المجنون كالصحيح في الشهوة واللذة وافتراقهما في العقل لا يوجب افتراقهما في ذلك فإنه يوجد في البهائم مع عدم العقل وإن وطئها نائمة أو مغمى عليها أو وطئها يعتقدها أجنبية أو استدخلت ذكره وهو نائم حلت لأن الوطء وجد في نكاح صحيح ويحتمل ألا تحل بالوطء في الإغماء لأنها لا تذوق عسيلته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوطء الذي تحل به المرأة لزوجها الأول‏]‏

واشترط أصحابنا أن يكون الوطء حلالا فلو وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو صوم مفروض أو إحرام لم تحل لأنه وطء حرم لحق الله تعالى فلم يحلها كوطء المرتدة وظاهر النص أن يحلها لدخوله في العموم ولأنه وطء تام في نكاح صحيح تام فأحلها كما لو كان التحريم لحق آدمي مثل أن يطأ مريضة تتضرر بوطئه فإنه لا خلاف في حلها به فأما الوطء في ردتهما أو ردة أحدهما فلا يحلها لأنه إن عاد إلى الإسلام فقد وقع الوطء في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة وإن لم تسلم في العدة فلم يصادف الوطء نكاحا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا غابت المطلقة ثلاثا ثم أتت زوجها فذكرت أنها نكحت من أصابها‏]‏

وإذا غابت المطلقة ثلاثا ثم أتت زوجها فذكرت أنها نكحت من أصابها وكان ذلك ممكنا وهل يعرف منها الصدق والصلاح حلت له لأنها مؤتمنة على ما تدعيه وقد وجد ما يغلب على ظنه صدقها وإن لم يوجد ما يغلب على ظنه صدقها لم تحل له لأن الأصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تنقل عنه فلم يحل كما لو أخبره فاسق غيرها فإن كذبها ثم غلب على ظنه صدقها فصدقها حلت له لأنه قد لا يعلم ثم يتجدد علمه بذلك وإن تزوجت زوجا ثم طلقها فادعت أنه أصابها فأحلها واستقر عليه مهرها فأنكر فالقول قولها في حلها لأنها لا تدعي عليه حقا والقول قوله في استقرار مهرها لأنه حق عليه والأصل عدمه وإن ادعت عليه طلاقها فأنكرها لم تحل للأول لأنه لم يثبت طلاقها فتبقى على نكاح الثاني‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا عادت المطلقة ثلاثا إلى زوجها بعد زوج وإصابة‏]‏

وإذا عادت المطلقة ثلاثا إلى زوجها بعد زوج وإصابة ملك عليها ثلاث تطليقات لأنه قد استوفى ما كان يملك من الطلاق الثلاث فوجب أن يستأنفها وإن كان طلاقها أقل من ثلاث رجعت إليه على ما بقي من طلاقها لأنها عادت قبل استيفاء العدد فرجعت بما بقي من العدد كما لو رجعت قبل نكاح آخر وعنه‏:‏ أنها إن رجعت بعد نكاح زوج آخر رجعت على طلاق ثلاث لأنها رجعت بعد زوج وإصابة فأشبهت المطلقة ثلاثا‏.‏

كتاب‏:‏ الإيلاء

وهو الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربع أشهر لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ ويصح من كل زوج مكلف قادر على الوطء ولا يصح من غير زوج كالسيد يؤلي من أمته أو من أجنبية ثم يتزوجها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من نسائهم‏}‏ ولا يصح من صبي ولا مجنون لأنه لا حكم ليمينهما فأما العاجز عن الوطء فإن كان لسبب يرجى زواله كالمرض والحبس صح إيلاؤه لأنه يمنع نفسه الوطء بيمينه فأشبه القادر وإن كان لسبب غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح إيلاؤه لأنه حلف ترك مستحيل فلم يصح كالحلف على ترك الطيران ولأن الإيلاء اليمين المانعة من الجماع وهذا لا تمنعه منه يمينه ويحتمل أن يصح إيلاؤه كالعاجز بالمرض ويصح إيلاء الذمي لعموم الآية ولأن من صح طلاقه ويمينه عند الحاكم صح إيلاؤه كالمسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط صحة الإيلاء‏]‏

ويشترط لصحته أربعة شروط‏:‏

أحدها‏:‏ الحلف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏للذين يؤلون‏}‏ والإيلاء‏:‏ الحلف فإن حلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته كان مؤليا بغير خلاف وإن حلف بالطلاق أو العتاق أو الظهار أو صدقة المال ونحوه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يكون مؤليا لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير الآية‏:‏ يحلفون بالله هكذا ذكره الإمام أحمد ولأنه لم يحلف بالله فلم يكن مؤليا كالحالف بالكعبة‏.‏

والثانية‏:‏ يكون مؤليا لأنها يمين يلزم بالحنث فيها حق فيصح الإيلاء بها كاليمين بالله تعالى وقال أبو بكر‏:‏ ما أوجب الكفارة كالحرام كان به مؤليا وما لا كفارة فيه كالطلاق والعتاق لم يكن به مؤليا ولا يختلف المذهب أنه لا يكون مؤليا بما لا يلزمه به حق كقوله‏:‏ إن وطئتك فأنت زانية لأنه لا يصح تعليق القذف بشرط فلا يلزمها بالوطء حق فلا يكون مؤليا ولو قال‏:‏ إن وطئتك فعلي صوم أمس أو صوم هذا الشهر لم يصح لأنه يصير عند وجوب الفيئة ماضيا ولا يصح نذر الماضي وإن قال‏:‏ إن وطئتك فالمسلم حر عن ظهاري صار مؤليا لأنه يلزمه بالوطء حق وهو تعيين عتق سالم وإن قال‏:‏ إن وطئتك فسالم حر عن ظهاري أن تظاهرت لم يكن مؤليا في الحال لأنه يمكنه الوطء بغير حق يلزمه وإن تظاهر صار مؤليا لأنه لا يمكنه الوطء إلا بحق يلزمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثاني من شروط صحة الإيلاء‏]‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يحلف على ترك الوطء بالفرج لأنه الذي يحصل الضرر به وإن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج فليس بمؤل لأنه لا ضرر فيه وألفاظ الإيلاء تنقسم ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ صريح في الظاهر والباطن وهي قوله‏:‏ والله لا آتيك أو لا أدخل أو أغيب أو أولج ذكري أو حشفتي أو لا أفتضك للبكر خاصة فهذه صريحة ولا يدين فيها لأنها لا تحتمل غير الإيلاء‏.‏

والقسم الثاني‏:‏ صريحة في الحكم ويدين فيها وهي عشرة ألفاظ‏:‏ لا وطئتك لا جامعتك لا أصبتك لا باشرتك لا مسستك لا قربتك لا أتيتك لا باضعتك لا باعلتك لا اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في الوطء عرفا وقد ورد الكتاب والسنة ببعضها فلا يقبل تفسيرها بما يحيله كوطء القدم والإصابة باليد ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل ما قاله‏.‏

القسم الثالث‏:‏ كناية هو‏:‏ ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع وغيره كقوله‏:‏ لأسوأنك ولا دخلت عليك ولا جمع رأسي ورأسك شيء فهذا لا يكون مؤليا بها إلا بالنية لأنها ليس ظاهر في الجماع فلم يحمل عليه إلا بالنية ككنايات الطلاق فيه فإن قال‏:‏ والله لا جامعتك إلا جماع سوء ونوى به الجماع في الدبر أو دون الفرج فهو مؤل وإن نوى جماعا ضعيفا لا يزيد على تغييب الحشفة فليس بمؤل لأن الضعيف كالقوي في الحكم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثالث من شروط صحة الإيلاء‏]‏

الشرط الثالث‏:‏ أن يكون الحالف زوجا مكلفا قادرا على الوطء في الجملة وقد ذكرنا ذلك‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ الشرط الرابع من شروط صحة الإيلاء‏]‏

الشرط الرابع‏:‏ أن يحلف على مدة تزيد على أربعة أشهر فإن حلف على أربعة فيما دونها لم يكن مؤليا حرا كان أو عبدا من حرة أو أمة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ فدل على أنه لا يكون مؤليا بما دونها ولأن المطالبة بالطلاق والفيئة إنما تكون بعدها فلا تصح المطالبة من غير إيلاء فإذا قال‏:‏ والله لا وطئتك كان مؤليا لأنه يقتضي التأبيد وكذلك إن قال‏:‏ حتى تموتي أو أموت لأنه للتأبيد وكذلك إن علقه على مستحيل فقال‏:‏ حتى تطيري ويشيب الغراب ويبيض القار لأن معناه التأبيد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط‏}‏ أي‏:‏ لا يلج الجمل في سم الخياط أي لا يدخلونها أبدا وإن علقه على فعل يقين أو يغلب على ظنه أنه لا يوجد في أربعة أشهر كقيام الساعة وخروج الدجال ونزول عيسى من السماء أو موت زيد فهو مؤل لأنه لا يوجد في أربعة أشهر ظاهرا فأشبه ما لو صرح به وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مؤل لأنها لا تحبل من غير وطئه فهو كالحلف على ترك الوطء دائما وقال القاضي‏:‏ إن كانت ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا ولا أعلم لهذا وجها لأنه لا يمكن حملها من غير وطء وإن قال‏:‏ أردت ب ‏(‏حتى‏)‏ السببية أي لا أطؤك لتحبلي قبل منه لأنه يحتمل ما قاله ولا يكون مؤليا لأنه يمكن وطؤها لغير ذلك وإن علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة أشهر كجفاف بقل أو ما يغلب على الطن وجوده قبلها كنزول الغيث في أوانه وقدوم الحاج في زمانه أو ما يحتمل الأمرين على السواء كقدوم زيد من سفر قريب لم يكن مؤليا لأنه لم يغلب على الظن وجود الشرط فلا يثبت حكمه وإن قال‏:‏ والله ليطولن تركي لجماعك ونوى مدة الإيلاء فهو مؤل وإلا فلا وإن قال‏:‏ والله لأسوأنك ولتطولن غيبتي عنك ونوى ترك الجماع في مدة الإيلاء فهو مؤل لأنه عنى بلفظه ما يحتمله وإلا فلا وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك طاهرا أو وطأ مباحا فهو مؤل لأنه حلف على ترك الوطء الذي يطالب به في الفيئة فكان مؤليا كما لو قال‏:‏ والله لا وطئتك إلا في الدبر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ والله لا وطئتك في هذا البيت أو البلد‏]‏

وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك في هذا البيت أو البلد لم يكن مؤليا لأنه يمكنه الوطء بغير حنث وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك إلا برضاك أو إلا أن تشائي فليس بمؤل كذلك وكذلك‏:‏ والله لا وطئتك مريضة أو محزونة أو مكروهة أو ليلا أو نهارا لم يكن مؤليا كذلك وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا وإلا فلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعليق الإيلاء على شرط‏]‏

ويصح تعليق الإيلاء على شرط لأنه يمين فإذا قال‏:‏ إن وطئتك فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا في الحال لأنه يمكنه وطؤها بغير حنث فإذا وطئها صار مؤليا لأنه لا يمكنه الوطء إلا بحنث وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك في هذه السنة إلا مرة لم يصر مؤليا في الحال كذلك فإذا وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار مؤليا لأنه صار ممنوعا من وطئها بيمينه وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك سنة إلا يوما فكذلك لأن اليوم منكر فلم يختص يوم بعينه فصارت كالتي قبلها ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال لأن اليوم المستثنى يكون من آخر السنة كما في التأجيل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ والله لا وطئتك عاما ثم قال‏:‏ والله لا وطئتك نصف عام‏]‏

فإن قال‏:‏ والله لا وطئتك عاما ثم قال‏:‏ والله لا وطئتك نصف عام دخلت المدة الثانية في الأولى لأنها بعضها ولم يعقب إحداهما بالأخرى فتداخلا كما لو قال‏:‏ له علي مائة ثم قال‏:‏ له علي خمسون فإن قال‏:‏ والله لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك نصف عام فهما إيلاإن في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الآخر فإن انقضى حكم الأول ثبت حكم الآخر وإن قال‏:‏ والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يكن مؤليا لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر ويحتمل أن يكون مؤليا لأنه ممتنع بيمينه من وطئها مدة متوالية أكثر من أربعة أشهر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن قال لأربعة نسوة‏:‏ والله لا أطأكن‏]‏

وإن قال لأربعة نسوة‏:‏ والله لا أطأكن انبنى على أصل وهو‏:‏ هل يحنث بفعل بعض المحلوف عليه أم لا‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يحنث فيكون مؤليا في الحال منهن لأنه لا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بحنث فإذا وطء واحدة انحلت يمينه لأنها يمين واحدة فتنحل بالحنث فيها كما لو حلف على واحدة‏.‏

وعلى الأخرى‏:‏ لا يحنث بفعل البعض فلا يكون مؤليا في الحال لأنه يمكن وطء كل واحدة بغير حنث فإذا وطء ثلاثا صار مؤليا في الرابعة وابتداء المدة حينئذ فإن مات بعضهن أو طلقها انحل الإيلاء لأنه أمكنه وطء الباقيات بغير حنث وإن قال‏:‏ والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا في الحال لأنه لا يمكنه الوطء إلا بحنث فإن طلق واحدة منهن أو ماتت كان مؤليا من الباقيات لأنه تعلق بكل واحدة منفردة وإن وطء واحدة سقط الإيلاء من الباقيات لأنها يمين واحدة فإذا حنث مرة لم يعد الحنث مرة ثانية وإن نوى واحدة بعينها كان مؤليا منها وحدها ويقبل قوله في ذلك لأن اللفظ يحتمله وهو أعلم بنيته وإن قال‏:‏ نويت واحدة معينة قبل لأنه يحتمل ذلك وقياس المذهب‏:‏ أن يخرج المؤلي منها بالقرعة كالطلاق وذكر القاضي‏:‏ أن الحكم فيمن أطلق يمينه ولم ينو شيئا كذلك والأول أولى لأنه نكرة في سياق النفي فيكون عاما ولو قال‏:‏ والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن ولم يقبل قوله‏:‏ نويت واحدة لأن لفظه لا يحتمل ذلك وينحل اليمين بوطء واحدة لما ذكرنا فإن طالبن بالفيئة وقف لهن كلهن وإن اختلفت مطالبهن وقف لكل واحدة عند طلبها لأنه لا يؤخذ بحقها قبل طلبها وعنه‏:‏ يوقف لهن جميعهن عند طلب أولاهن لأنها يمين واحدة فكان الوقف لها واحدا وإن قال لزوجتيه كلما وطئت إحداكما فالأخرى طالق وقلنا بكونه إيلاء فهو مؤل منهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ والله لا وطئتك ثم قال للأخرى‏:‏ شركتك معها‏]‏

فإن قال‏:‏ والله لا وطئتك ثم قال للأخرى‏:‏ شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية لأن اليمين بالله لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة وهذا كناية وقال القاضي‏:‏ يكون مؤليا منهما وإن قال‏:‏ إن أصبتك فأنت طالق وقال للأخرى‏:‏ أشركتك معها ونوى وقلنا بكونه إيلاء من الأولى صار مؤليا من الثانية لأن الطلاق يصح بالكناية ولو قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي ثم قال للأخرى‏:‏ شركتك معها كان مظاهرا منهما لأن الظهار تحريم فصح بالكناية كالطلاق وهل يفتقر إلى نية‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يفتقر إليها لأن التشريك لا بد أن يقع في شيء يوجب صرفه إلى المذكور كجواب السؤال‏.‏

والثاني‏:‏ يفتقر إليها ذكره أبو الخطاب لأنه ليس صريح في الظهار فافتقر إلى النية كسائر كناياته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل يطالب المؤلي بشيء قبل أربعة أشهر‏؟‏‏]‏

ولا يطالب المؤلي بشيء قبل أربعة أشهر للآية وابتداء المدة من حين اليمين لأنها تثبت بالنص والإجماع فلم تفتقر إلى حاكم كمدة العدة فإن كان بالمرأة عذر يمنع الوطء كصغر أو مرض أو نشوز أو جنون أو إحرام أو صوم فرض أو اعتكاف فرض لم يحتسب عليه بمدته لأن المنع منها وإن طرأ منه شيء انقطعت المدة لأنها إنما ضربت لامتناع الزوج من الوطء ولا امتناع منه مع العذر ويستأنف المدة عند زوال العذر لأن من شأنها أن تكون متوالية ويحتسب بمدة الحيض لأنه عذر معتاد لا ينفك منه فلو قطع المدة سقط حكم الإيلاء وكذلك لا يقطع التتابع في الصيام وفي النفاس وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو كالحيض لأنه مثله في أحكامه‏.‏

والثاني‏:‏ هو كالمرض لأنه عذر نادر أشبه المرض وإن كان بالزوج عذر حسبت عليه مدته ولم يقطع المدة طريانه لأن الامتناع من جهته والزوجية باقية فحسبت عليه المدة وإن آلى من الرجعية احتسب عليه المدة ذكره ابن حامد وإن طرأ الطلاق الرجعي لم يقطع المدة لأن الرجعية مباحة ويحتمل أن تنقطع إذا قلنا بتحريمها وغن طلقها طلاقا بائنا انقطعت المدة لأنها حرمت عليه فإذا تزوجها وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر استؤنفت المدة سواء كان الطلاق في المدة أو بعدها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وطئها قبل انقضاء المدة‏]‏

وإن وطئها حنث وسقط الإيلاء لزوال اليمين والضرر عنها سواء وطئها يقظانة أو نائمة أو عاقلة أو مجنونة وهكذا إن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام أو صيام أو ظهار لما ذكرنا وقال أبو بكر‏:‏ قياس المذهب ألا يخرج من حكم الإيلاء بالوطء الحرام لأنه لا يؤمر به في الفيئة فهو كالوطء في الدبر والأول أولى لأن اليمين تنحل به فيزول الإيلاء بزوالها وإن وطئها وهو مجنون لم يحنث لأن القلم عنه مرفوع ويسقط الإيلاء لأنه وفاها حقها ويحتمل ألا يسقط لأن حكم اليمين باق ولو أفاق لمنعته اليمين الوطء وقال أبو بكر‏:‏ يحنث وينحل الإيلاء لأنه فعل ما حل عليه وإن وطئها ناسيا فهل يحنث‏؟‏ على روايتين أصحهما‏:‏ لا يحنث فعلى هذا هل يسقط الإيلاء‏؟‏ على وجهين كما ذكرنا في المجنون وإن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لأنه ما وطئ وهل يسقط الإيلاء‏؟‏ على وجهين لما ذكرنا وأدنى الوطء الذي تحصل به الفيئة تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به وإن وطئها في الدبر أو دون الفرج لم يعتد به لأن الضرر واليمين لا يزولان به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا وطء قبل انتهاء الأربعة أشهر‏]‏

وإذا وطء لزمته الكفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه‏]‏ متفق عليه وإن كان الإيلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع لأنه معلق على شرط قد وجد وإن كان على نذر خير بين الوفاء به والتكفير لأنه نذر لجاج وهذا حكمه وإن كان معلقا على طلاق ثلاث لم يحل له الوطء لأنه آخره يقع في أجنبية ويوقع طلاق البدعة من وجهين جمع الثلاث ووقوعه بعد الإصابة وذكر القاضي‏:‏ أن كلام أحمد يقتضي روايتين فإن وطئ فعليه النزع حين يولج لأن الحنث حصل به فصارت أجنبية فإذا فعل هذا فلا حد عليه ولا مهر لأنه تارك للوطء وإن لبث أو أتم الإيلاج فلا حد أيضا لتمكن الشبهة منه لكونه وطأ بعضه في زوجة وفي المهر وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجب لأنه وطء في محل غير مملوك أشبه ما لو وطئ بعد النزع‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجب لأنه إيلاج في محل مملوك فكان آخره تابع له في سقوط المهر ويلحق النسب به وإن نزع ثم أولج وهما عالمان بالتحريم فهما زانيان زنا لا شبهة فيه فعليهما الحد ولا مهر لها إذا كانت مطاوعة وإن كانت مكروهة أو جاهلة بالتحريم فلا حد عليها ولها عليه المهر وإن جهلا التحريم معا فلا حد ويجب لها المهر ويلحقه النسب وإن قال‏:‏ إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي فقال أحمد‏:‏ لا يطأ حتى يكفر يريد أنه إذا وطئها مرة لم يكن له أن يطأها ثانيا حتى يكفر لأنها لم تصير محرمة عليه بالظهار فأما قبل ذلك فلا يصح منه التفكير لأنه لا يجوز تقديم الكفارة على سببها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن انقضت المدة ولم يطأ‏]‏

وإن انقضت المدة ولم يطأ فلها المطالبة بالفيئة أو الطلاق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم‏.‏ وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم‏}‏ فإن سكتت عن المطالبة لم يسقط حقها وإن عفت عنها سقط حقها في أحد الوجهين كما لو عفت امرأة العنين والآخر لا يسقط ولها الرجوع والمطالبة لأنها ثبتت بترك الضرر بترك الوطء وذلك يتجدد مع الأحوال فأشبه النفقة والقسم وإن طلب الإمهال ولا عذر له لم يمهل لأن الحق حال عليه وهو قادر عليه وإن كان ناعسا فقال‏:‏ أمهلوني حتى يذهب النعاس أو جائعا فقال‏:‏ أمهلوني حتى أتغدى أو حتى ينهضم الطعام أو حتى أفطر من صيامي أمهل بقدر ذلك ولا يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال فإن وطئها فقد وفاها حقها وإن أبى ولا عذر له أمر بالطلاق إن طلبت ذلك فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه ولا يطالب أكثر من طلقة لأنها تفضي إلى البينونة فإن امتنع طلق الحاكم عليه لأنه حق تعين مستحقه ودخلته النيابة فقام الحاكم مقامه عند امتناعه منه كقضاء دينه وعن أحمد‏:‏ لا تطلق عليه ولكن يحبس ويضيق عليه حتى يطلق لأن ما خير فيه بين شيئين لم يقم الحاكم مقامه فيه كاختيار إحدى الزوجات إذا أسلم على أكثر من أربع فإن قلنا‏:‏ إن الحاكم يملك الطلاق فله أن يطلق واحدة أو ثلاثا ولأنه قائم مقام الزوج فملك ما يملكه فإن طلق الزوج أو الحاكم ثلاثا حرمت عليه إلا بزوج وإصابة فإن طلق أحدهما أقل من ثلاث فله رجعتها وعن أحمد أنها تكون طلقة بائنة لأنها شرعت لدفع الضرر الحاصل منه فوجب أن لا يملك رجعتها كالمختلعة وعنه‏:‏ أن تفريق الحاكم يحرمها على التأبيد لأنه تفريق حاكم فأشبه فرقة اللعان والأول أصح لأنه لم يستوف عدد طلاقها فلم تحرم على التأبيد كما لو طلق الزوج وإن قال الحاكم‏:‏ فرقت بينكما فهو فسخ للنكاح لا تحل له إلا بنكاح جديد نص عليه ومتى وقع الطلاق ثم ارتجعها أو تركها ثم انقضت عدتها ثم تزوجها أو طلق ثلاثا فتزوجت غيره ثم تزوجها وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر وقف لها لأنه ممتنع من وطئها بيمين في حال الزوجية فأشبه ما لو راجعها وإن بقي أقل من أربعة أشهر لم يثبت حكم الإيلاء لقصوره عن مدته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن انقضت المدة وهي حائض أو نفساء‏]‏

وإن انقضت المدة وهي حائض أو نفساء لم تطالب بالفيئة لأنها لا تستحق الوطء في هذه الحال وإن كان مغلوبا على عقله لم يطالب أيضا لأنه لا يصلح لخطاب ولا يصح منه جواب وإن كان مريضا أو محبوسا لا يمكنه الخروج طولب بفيئة المعذور وهو أن يقول‏:‏ متى قدرت جامعتها أو نحو ذلك لأن القصد بالفيئة ترك ما قصد من الإضرار بما أتى به من الاعتذار فمتى قدر على الوطء طولب به لأنه تأخر للعذر فإن زال العذر طولب به كالدين وهذا اختيار الخرقي وقال أبو بكر‏:‏ إذا فاء فيئة المعذور لم يطالب لأنه فاء مرة فلم يلزمه فيئة أخرى كالذي فاء بالوطء لا يلزمه بالفيئة باللسان كفارة لأنه لم يحنث وإن كان غائبا لا يمكنه القدوم لخوف أو نحوه فاء فيئة المعذور وإن أمكنه القدوم فلها أن توكل من يطالبها بالمسير إليها أو حملها إليه أو الطلاق وإن كان محرما فاء فيئة المعذور في قول الخرقي لأنه عاجز عن الوطء أشبه المريض ويتخرج في الاعتكاف المنذور مثله وإن كان مظاهرا لم يؤمر بالوطء لأنه محرم ولا يحل الأمر بمعصية الله ويقال له‏:‏ إما أن تكفر وتفيء وإما أن تطلق فإن طلب الإمهال ليطلب رقبة يعتقها أو طعاما يشتريه أمهل ثلاثة أيام لأنها قريبة وإن علم أنه قادر على التكفير وأن قصده المدافعة لم يمهل لأن الحق حال عليه وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة وإن كان فرضه الصيام لم يمهل حتى يصوم لأنه كثير وإن كان قد بقي عليه من الصيام مدة يسيرة أمهل فيها ويتخرج أن يفيء المظاهر فيئة المعذور ويمهل ليصوم كالمحرم فإن أراد الوطء في حال الإحرام أو الظهار فمنعته لم يسقط حقها لأنها منعته مما يحرم فأشبه ما لو منعته في الحيض وذكر القاضي‏:‏ أنه يسقط حقها لأنها منعته من إيفائه وإن انقضت مدة العاجز لجب أو شلل ففيئته‏:‏ لو قدرت لجامعتك لأنه لا قدرة له على غير ذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من طولب بالفيئة‏]‏

ومن طولب بالفيئة فقال‏:‏ قد وطئتها فأنكرته فإن كانت ثيبا فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وعدم ما يوجب إزالته وهل يحلف‏؟‏ على روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ يحلف وهو اختيار الخرقي لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين‏.‏

والأخرى‏:‏ لا يمين عليه اختاره أبو بكر لأنه لا يقضى فيه بالنكول وإن كانت بكرا أريت النساء الثقات فإن شهدن ببكارتها فالقول قولها لأنه يعلم كذبه وإلا فالقول قوله وإن ادعى عجزه عن الوطء ولم يكن علم أنه عنين ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يقبل قوله لأن الأصل سلامته فيؤمر بالطلاق‏.‏

والثاني‏:‏ يقبل قوله لأنه لا يعرف إلا من جهته وإن اختلفا في انقضاء المدة فالقول قول الزوج لأنه اختلاف في وقت حلفه فكان القول قوله فيه وهل يحلف‏؟‏ على روايتين والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ترك الزوج الوطء بغير يمين‏]‏

وإن ترك الزوج الوطء بغير يمين فليس بمؤل لأن الإيلاء من شرطه الحلف فلا يثبت بدونه لكن إن تركه مضرا بها لغير عذر ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يلزمه شيء لأنه ليس بمؤل فلا يثبت له الحكم كما لو تركه لعذر ولأن تخصيص الإيلاء بحكمه يدل على أنه لا يثبت بدونه‏.‏

والثانية‏:‏ تضرب له مدة الإيلاء وتوقف بعدها كالمؤلي سواء لأنه تارك لوطئها مضرا بها فأشبه المؤلي ولأن ما لا يجب إذا لم يحلف لا يجب إذا حلف على تركه كالزيادة على الواجب وثبوت حكم الإيلاء له لا يمنع من قياس غيره عليه إذا كان في معناه كسائر الأحكام الثابتة بالقياس والله اعلم‏.‏