فصل: تفسير الآيات (1- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة الدخان:

.تفسير الآيات (1- 10):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)}
تقدم القول في: {حم}. وقوله: {والكتاب المبين} قسم أقسم الله تعالى به. و: {المبين} يحتمل أن يكون من الفعل المتعدي، أي يبين الهدى والشرع ونحوه، ويحتمل أن يكون من غير المتعدي، أي هو مبين في نفسه.
وقوله تعالى: {إنا أنزلناه} يحتمل أن يقع القسم عليه، ويحتمل أن يكون: {إنا أنزلناه} من وصف الكتاب فلا يحسن وقوع القسم عليه، وهذا اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ويحسن القسم به، ويكون الذي وقع القسم عليه: {إنا كنا منذرين}.
واختلف الناس في تعيين الليلة المباركة، فقال قتادة والحسن: هي ليلة القدر، وقالوا: إن كتب الله كلها إنما نزلت في رمضان: التوراة في أوله، والإنجيل في وسطه، والزبور في نحو ذلك ونزل القرآن في آخره في ليلة القدر، ومعنى هذا النزول: أن ابتداء النزول كان في ليلة القدر، وهذا قول الجمهور. وقالت فرقة: بل أنزله الله جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور، ومن هنالك كان جبريل يتلقاه. وقال عكرمة وغيره: الليلة المباركة هي النصف من شعبان.
وقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا} معناه: يفصل من غيره ويتخلص، وروي عن عكرمة في تفسير هذه الآية أن الله تعالى يفصل للملائكة في ليلة النصف من شعبان، وقال الحسن وعمير مولى غفرة ومجاهد وقتادة: في ليلة القدر كل ما في العام المقبل من الأقدار والآجال والأرزاق وغير ذلك، ويكتب ذلك لهم إلى مثلها من العام المقبل. قال هلال بن يساف كان يقال: انتظروا القضاء من شهر رمضان. وروي في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل يتزوج ويعرس وقد خرج اسمه في الموتى، لأن الآجال تقطع في شعبان».
وقرأ الحسن والأعرج والأعمش: {يَفرُق} بفتح الياء وضم الراء. و: {حكيم} بمعنى محكم.
وقوله: {أمراً من عندنا} نصب على المصدر. وقوله: {من عندنا} صفة لقوله: {أمراً}.
وقوله: {إنا كنا مرسلين} يحتمل أن يريد الرسل والأنبياء، ويحتمل أن يريد الرحمة التي ذكر بعد، وعلى التأويل الأول نصب قوله: {رحمة} على المصدر، ويحتمل أن يكون نصبها على الحال.
وقوله: {إن كنتم موقنين} تقرير وتثبيت، أي إن كنت موقناً بهذا يكون يقينك، كما تقول لإنسان تقيم نفسه: العلم غرضك إن كنت رجلاً.
وقوله: {ربكم ورب آبائكم الأولين} أي مالككم ومالك آبائكم الأولين.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {ربُّ السماوات} بالرفع على القطع والاستئناف، وهي قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وأبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالكسر على البدل {من ربك} المتقدم، وهي قراءة ابن محيصن والأعمش. وأما قوله تعالى: {ربُّكم وربُّ} فالجمهور على رفع الباء.
وقرأ الحسن بالكسر، رواها أبو موسى عن الكسائي.
وقوله تعالى: {بل هم في شك} إضراب قبله نفي مقدر، كأنه يقول: ليس هؤلاء ممن يؤمن ولا ممن يتبع وصاة، بل هم في شك يلعبون في أقوالهم وأعمالهم.
واختلف الناس في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه، فقالت فرقة منها علي بن أبي طالب وزيد بن علي وابن عمر وابن عباس والحسن بن أبي الحسن وأبو سعيد الخدري: هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين حتى تكون كأنها مصلية حنيذة. وقالت فرقة منها عبد الله بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي: هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجدب والجوع دخاناً بينه وبين السماء، وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل. وقال ابن مسعود: خمس قد مضين، الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم وذكر الطبري حديثاً عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول آيات الساعة الدخان، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن» وضعف الطبري سند هذا الحديث، واختار قول ابن مسعود رضي الله عنه في الدخان قال: ويحتمل إن صح حديث حذيفة أن يكون قد مر دخان ويأتي دخان.

.تفسير الآيات (11- 18):

{يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)}
{يغشى} معناه: يغطي.
وقوله تعالى: {هذا عذاب أليم} يحتمل أن يكون إخباراً من الله تعالى، كأنه يعجب منه على نحو من قوله تعالى لما وصف قصة الذبح: {إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: 106]، ويحتمل أن يكون {هذا عذاب أليم} من قول الناس، كأن تقدير الكلام: يقولون هذا عذاب أليم، ويؤيد هذا التأويل سياقه حكاية عنهم أنهم يقولون {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}، وعلم الله تعالى أن قولهم في حال الشدة {إنا مؤمنون} إنما هو عن غير حقيقة منهم، فدل على ذلك بقوله: {أنى لهم الذكرى}، أي من أين لهم أن يتذكروا وهم قد تركوا الذكرى وراء ظهورهم بأن جاءهم رسول مبين، وهو محمد عليه السلام فكفروا به. و{تولوا عنه} أي أعرضوا، وقالوا إنه يعلم هذا الكلام الذي يتلو وأنه {مجنون}، وإخباره تعالى بأنه يكشف عنهم {العذاب قليلاً} إخبار عن إقامة الحجة عليهم ومبالغة في الإملاء لهم، ثم أخبرهم بأنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة: هو توعد بمعاد الآخرة، ثم أخبرهم بأنه ينتقم منهم بسبب هذا كله في يوم البطشة، وقدم اليوم وذكره على الذي عمل فيه تهمماً به وتخويفاً منه، والعامل فيه {منتقمون}، وقد ضعف البصريون هذا من حيث هو خبر إن، وأبعدوا أن يعمل خبرها فيما قبلها، وقالوا العامل فعل مضمر يدل عليه {منتقمون}.
واختلف الناس في يوم {البطشة الكبرى}، فقال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة: هو يوم القيامة وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس أيضاً وأبي بن كعب ومجاهد: هو يوم بدر.
وقرأ جمهور الناس: {نَبطِش} بفتح النون وكسر الطاء. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: بضم الطاء. وقرأ الحسن أيضاً وأبو رجاء وطلحة بن مصرف: بضم النون وكسر الطاء، ومعناها: نسلط عليهم من يبطش بهم، ثم ذكر تعالى قوم فرعون على جهة المثال لقريش.
و: {فتنا} معناه: امتحنا واختبرنا. والرسول الكريم: قال قتادة: هو موسى عليه السلام، ومعنى الآية يعطي ذلك بلا خلاف وهنا متروك يدل عليه الظاهر، تقديره قال لهم: {أدوا} هذا، مأخوذ من الأداء، كأنه يقول: أن ادفعوا إلي وأعطوني ومكنوني.
واختلف المتأولون في الشيء المؤدى في هذه الآية ما هو؟ فقال مجاهد وابن زيد وقتادة: طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل وإياهم أراد بقوله: {عباد الله} وقال ابن عباس المعنى: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق، فقوله: {عباد الله} منادى مضاف، والمؤدى هي الطاعة والإيمان والأعمال.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من شرع موسى عليه السلام أنه بعث إلى دعاء فرعون إلى الإيمان، وأن يرسل بني إسرائيل، فلما أبى أن يؤمن، ثبتت المكافحة في أن يرسل بني إسرائيل، وفي إرسالهم هو قوله: {أن أدوا إلى عباد الله} أي بني إسرائيل، ويقوي ذلك قوله بعد: {وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} [الدخان: 21]، وهذا قريب نص في أنه إنما يطلب بني إسرائيل فقط، ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى: {فاسر بعبادي} فيظهر أنه إياهم أراد موسى بقوله: {عباد الله} وقوله: {رسول أمين} معناه على وحي الله تعالى أؤديه إلى عباده.

.تفسير الآيات (19- 28):

{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)}
المعنى كانت رسالته وقوله: {أن أدوا} [الدخان: 18] {وأن تعلوا} وعبر بالعلو عن الطغيان والعتو على الله تعالى وعلى شرعه وعلى رسوله.
وقرأ الجمهور: {إني آتيكم} بكسر الألف على الإخبار المؤكد، والسلطان: الحجة، فكأنه قال: لا تكفروا، فإن الدليل المؤدي إلى الإيمان بيّن. وقرأت فرقة: {أني آتيكم} بفتح الألف. و{أن} في موضع نصب بمعنى: لا تكفروا من أجل أني آتيكم بسلطان مبين، فكأن مقصد هذا الكلام التوبيخ، كما تقول لإنسان: لا تغضب، لأن الحق قيل لك.
وقوله: {وإني عذت} الآية، كلام قاله موسى عليه السلام لخوف لحقه من فرعون وملئه و: {عذت} معناه: استجرت وتحرمت. وأدغم الدال في التاء الأعرج وأبو عمرو.
واختلف الناس في قوله: {أن ترجمون} فقال قتادة وغيره: أراد الرجم بالحجارة المؤدي إلى القتل. وقال ابن عباس وأبو صالح: أراد الرجم بالقول من السباب والمخالفة ونحوه، والأول أظهر، لأنه أعيذ منه ولم يعذ من الآخر، بل قيل فيه عليه السلام وله.
وقوله: {تؤمنوا لي} بمعنى: تؤمنوا بي. والمعنى: تصدقوا. وقوله: {فاعتزلون} مشاركة صريحة. قال قتادة: أراد خلّوا سبيلي.
وقوله: {فدعا ربه} قبله محذوف من الكلام، تقديره: فما كفوا عنه، بل تطرقوا إليه وعتوا عليه وعلى دعوته {فدعا ربه}.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى {إن هؤلاء} بكسر الألف من إن على معنى قال إن، وقرأ جمهور الناس والحسن أيضاً: {أن هؤلاء} بفتح الألف، والقراءتان حسنتان.
وحكم عليهم بالإجرام المضمن للكفر حين يئس منهم، وهنا أيضاً محذوف من الكلام تقديره: فقال الله له: {فاسر بعبادي} وهذا هو الأمر الذي أنفذه الله إلى موسى بالخروج من ديار مصر ببني إسرائيل، وقد تقدم شرحه وقصصه في سورة الأنبياء وغيرها.
وقرأ جمهور الناس: {فاسر} موصولة الألف. وقرأ: {فأسر} بقطع الألف: الحسن وعيسى، ورويت عن أبي عمرو. وأعلمه تعالى بأنهم {متبعون}، أي يتبعهم فرعون وجنوده.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: {واترك البحر رهواً}. متى قالها لموسى؟ فقالت فرقة: هو كلام متصل {إنكم متبعون واترك البحر} إذا انفرق لك {رهواً} وقال قتادة وغيره: خوطب به بعد ما اجتاز البحر وخشي أن يدخل فرعون وقومه وراءه، وأن يخرجوا من المسالك التي خرج منها بنو إسرائيل، فهم موسى أن يضرب البحر عسى أن يلتئم ويرجع إلى حاله، فقيل له عند ذلك: {واترك البحر رهواً}.
واختلفت عبارة المفسرين في تفسير الرهو، فقال مجاهد وعكرمة معناه: يبساً من قوله تعالى: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً} [طه: 77]. وقال الضحاك بن مزاحم معناه: دمثاً ليناً.
وقال عكرمة أيضاً: جرداً. وقال ابن زيد: سهلاً. وقال ابن عباس معناه: ساكناً، أي كما جزته، وهذا القول الأخير هو الذي تؤيده اللغة، فإن العيش الواهي هو الذي هو في خفض ودعة وسكون، حكاه المبرد وغيره. والرهو في اللغة هو هذا المعنى، ومنه قول عمرو بن شييم القطامي:
يمشون رهواً فلا الأعجاز خاذلة ** ولا الصدور على الأعجاز تتكل

فإنما معناه: يمشون اتئاداً وسكوناً وتماهلاً. ومنه قول الآخر:
وأمة خرجت رهواً إلى عيد

أي خرجوا في سكون وتماهل، فقيل لموسى عليه السلام: اترك البحر ساكناً على حاله من الانفراق ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. والرهو: من أسماء الكركي الطائر، ولا مدخل له في تفسير هذه الآية، ويشبه عندي أن سمي رهواً لسكونه، وأنه أبداً على تماهل.
وقوله: {كم تركوا} الآية، قبله محذوف تقديره: فغرقوا وقطع الله دابرهم، ثم أخذ يعجب من كثرة ما تركوا من الأمور الرفيعة الغبيطة في الدنيا، و: {كم} خبر للتكثير. والجنات والعيون: روي أنها كانت متصلة ضفتي النيل جميعاً من رشيد إلى أسوان. وأما العيون فيحتمل أنه أراد الخلجان الخارجة من النيل فشبهها بالعيون، ويحتمل أنه كانت ثم عيون ونضبت كما يعتري في كثير من بقاع الأرض.
وقرأ قتادة ومحمد بن السميفع اليماني ونافع في رواية خارجة عنه: {ومُقام} بضم الميم، أي موضع إقامة. وكذلك قرأ اليماني في كل القرآن إلا في مريم {خير مقاماً} [مريم: 73] فكأن المعنى: {كم تركوا} من موضع حسن كريم في قدره ونفعه. وقرأ جمهور الناس ونافع: {ومَقام} بفتح الميم، أي موضع قيام، فعلى هذه القراءة قال ابن عباس ومجاهد وابن جبير: أراد المنابر. وعلى ضم الميم في: {مُقام} قال قتادة: أراد المواضع الحسان من المساكن وغيرها، والقول بالمنابر بهي جداً.
والنَعمة بفتح النون: غضارة العيش ولذاذة الحياة، والنِعمة بكسر النون أعم من هذا، لأن النعمة بالفتح هي من جملة النعم بالكسر، وقد تكون الأمراض والآلام والمصائب نعماً، ولا يقال فيها نَعمة بالفتح. وقرأ أبو رجاء: {ونعمة} بالنصب.
وقرأ جمهور الناس: {فاكهين} بمعنى: ناعمين. والفاكه: الطيب النفس: أو يكون بمعنى أصحاب فاكهة كلابن وتامر. وقرأ أبو رجاء والحسن بخلاف عنه، وابن القعقاع: {فكهين}، ومعناه قريب من الأول، لأن الفكه يستعمل كثيراً في المستخف المستهزئ، فكأنه هنا يقول: كانوا في هذه النعمة مستخفين بشكرها والمعرفة بقدرها.
وقوله: {كذلك وأورثناها} معناه الأمر كذلك، وسماها وراثة من حيث كانت أشياء أناس وصلت إلى قوم آخرين من بعد موت الأولين، وهذه حقيقة الميراث في اللغة وربطها الشرع بالنسب وغيره من أسباب الميراث، والآخرون من ملك مصر بعد القبط. وقال قتادة: القوم الآخرون، هم بنو إسرائيل، وهذا ضعيف، لأنه لم يرو أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ولا ملكوها قط، إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشام، وقد ذكر الثعلبي عن الحسن أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.