فصل: تفسير الآيات (22- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (18- 21):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)}
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله، وهو الذي أراد ب {يوم الآزفة}، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد: ومعنى {الآزفة}: القريبة، من أزف الشيء إذا قرب، و{الآزفة} في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله، فعبر عنه بالقرب تخويفاً، والتقدير: يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال: وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها.
وقوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} معناه: عند الحناجر، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة، ويحتمل أن يكون تجوزاً عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب، وهذا كما تقول العرب: كادت نفسي أن تخرج، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو.
وقوله: {كاظمين} حال مما أبدل منه قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} أو مما تتضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى: {تشخص فيه الأبصار مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم: الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة: اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: {يطاع} في موضع الصفة ل {شفيع}، لأن التقدير: ولا شفيع يطاع، وموضع {يطاع} يحتمل أن يكون خفضاً حملاً على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعاً عطفاً على الموضع قبل دخول {من}.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.
وقوله: {يعلم خائنة الأعين} متصل بقوله: {سريع الحساب} [غافر: 17] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة: {يعلم} متصل بقوله: {لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة: مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون {خائنة} اسم فاعل، كما تقول: ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها.
وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان، فتلكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه، ثم قال عليه السلام لأصحابه: «هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه؟»، فقالو يا رسول الله: ألا أومأت إلينا؟ فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عز وجل: أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون. وقال مجاهد: {خائنة الأعين}: مسارقة النظر إلى ما لا يجوز: ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره، فقالوا {خائنة الأعين}: هي النظرة الثانية. {وما تخفي الصدور}: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها، وهذا المثال جزء من {خائنة الأعين}.
ثم قدح في جهة الأصنام، فأعلم أنه لا رب غيره {يقضي بالحق}، أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثل، وينصف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك من أقضية الحق والعدل، والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمراً. و: {يدعون} معناه: يعبدون.
وقرأ جمهور القراء: {يدعون} بالياء على ذكر الغائب. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة: {تدعون} بالتاء على معنى قل لهم يا محمد: والذين تدعون أنتم.
ثم ذكر تعالى لنفسه صفتين بين عرو الأوثان عنهما وهي في جهة الله تعالى عبارة عن الإدراك على إطلاقه، ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في {يسيروا} على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها الله تعالى.
وقوله: {فينظروا} يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام، ويحتمل أن يكون مجزوماً عطفاً على {يسيروا}. و: {كيف} في قوله: {كيف كان عاقبة} خبر {كان} مقدم، وفي {كيف} ضمير، وهذا مع أن تكون {كان} الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع، ف {كيف} ظرف ملغى لا ضمير فيه.
وقرأ ابن عامر وحده: {أشد منكم} بالكاف، وكذلك هي في مصاحف الشام، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون: {أشد منهم} وكذلك هي في سائر المصاحف، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.
والآثار في ذلك: هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء، والواقي: الساتر المانع، مأخوذ من الوقاية.

.تفسير الآيات (22- 25):

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)}
قوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق. ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من الله ببينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن الله تعالى أخذهم، ووصف نفسه تعالى بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.
ثم ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملإه، وهي قصة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر، وآيات موسى عليه السلام كثيرة عظمها، والذي عرضه على جهة التحدي بالعصا واليد، ووقعت المعارضة في العصا وحدها ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. والسلطان: البرهان.
وقرأ عيسى بن عمر: {سلُطان} بضم اللام، والناس على سكونها.
وخص تعالى {هامان وقارون} بالذكر تنبيهاً على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون وقيل إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل هو ذلك، ولكنه كان منقطعاً إلى فرعون خادماً مستعيناً معه.
وقوله: {ساحر} أي في أمر العصا. و: {كذاب} في قوله: إني رسول من الله.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند الله، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه. قال قتادة: هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها: هؤلاء أبناء فلانة.
وقوله تعالى: {وما كيد الكافرين إلا في ضلال} عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل الله سعيهم وكيدهم.

.تفسير الآيات (26- 28):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)}
الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى عليه السلام انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره، وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما، في هذه الآية على ذلك دليلان، أحدهما قوله: {ذروني} فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنقاذ أوامرهم. والدليل الثاني: مقالة المؤمن وما صدع به، وأن مكاشفته لفرعون أكثر من مسايرته، وحكمه بنبوة موسى أظهر من توريته في أمره. وأما فرعون فإنما لجأ إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي، ومن ذلك قوله: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه} أي إني لا أبالي عن رب موسى، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال: {إني أخاف أن يبدل دينكم}. والدين: السلطان، ومنه قول زهير:
لئن حللت بجوٍّ من بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وأن. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {أو أن}، ورجحها أبو عبيد بزيادة الحرف، فعلى الأولى خاف أمرين، وعلى الثانية: خاف أحد أمرين.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن وقتادة والجحدري وأبو رجاء ومجاهد وسعيد بن المسيب ومالك بن أنس: يُظهِر بضم الياء وكسر الهاء. الفسادَ نصيباً. وقرأ ابن كثير وابن عامر: {يَظهرَ} بفتح الياء والهاء {الفسادُ} بالرفع على إسناد الفعل إليه، وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم والأعرج وعيسى والأعمش وابن وثاب. وروي عن الأعمش أنه قرأ: {ويظهرُ في الأرض الفساد} برفع الراء. وفي مصحف ابن مسعود: {ويظهر} بفتح الراء.
ولما سمع موسى عليه السلام مقالة فرعون-لأنه كان معه في مجلس واحد- دعا وقال: {إني عذت بربي وربكم} الآية. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر ببيان الذال. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {عذت} بالإدغام، واختلف عن نافع، وفي مصحف أبي بن كعب: عت، على الإدغام في الخط ثم حكى مقالة رجل مؤمن من آل فرعون وشرفه بالذكر، وخلد ثناءه في الأمم، سمعت أبي رضي الله عنه يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري على المنبر وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة، فأطرق قليلاً ثم رفع رأسه وأنشد [عدي بن زيد]: [الطويل]
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ** فكل قرين بالمقارن مقتد

ماذا تريدون من قوم قرنهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا عبد الله سراً بعد اليوم.
وقرأت فرقة: {رجْل} بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور بضم الجيم واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون وأهله، وكان يكتم إيمانه، ف {يكتم} على هذا في موضع الصفة دون تقديم وتأخير، وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون. وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون. بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى: وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير، والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط، ويقال فيه من آل فرعون، إذ كان في الظاهر على دينه ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطويل]
فلا تبك مْيتاً بعد مْيت أجنه ** علي وعباس وآل أبي بكر

يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق.
وقوله: {أن يقول} مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول: وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة، وحذفت النون من: {يك} تخفيفاً على ما قال سيبويه وتشبيهاً بالنون في تفعلون وتفعلان على مذهب المبرد، وتشبيهاً بحرف العلة الياء والواو على مذهب أبي علي الفارسي وقال: كأن الجازم دخل على يكن وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من يقضي والواو من يدعو، لأن خفتها على اللسان سواء.
واختلف المتأولون في قوله: {يصبكم بعض الذي يعدكم} فقال أبو عبيدة وغيره: {بعض} بمعنى كل، وأنشدوا قول القطامي عمرو بن شييم: [البسيط]
قد يدرك المتأني بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إضافة الكل. وقالت فرقة، أراد: يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر إلي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم وإن كفروا بالعذاب فإن كان صادقاً فالعذاب بعض ما وعد به. وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي وفي البعض كفاية في الإهلاك، ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله: {إن الله لايهدي من هو مسرف كذاب} قال السدي: معناه: مسرف بالقتل. وقال قتادة: مسرف بالكفر.