فصل: تفسير الآيات (41- 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (29- 33):

{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
قول هذا المؤمن: {يا قوم لكم الملك اليوم} استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم وتحذير من زوال ترفتهم ونصيحة لهم في أمر دنياهم.
وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم. ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون، ولذلك استكان هو ورجع يقول: {ما أريكم إلا ما أرى} كما تقول لمن لا تحكم له.
وقوله: {أريكم} من رأى قد عدي بالهمزة، فللفعل مفعولان أحدهما الضمير في {أريكم} والآخر ما في قوله: {إلا ما} وكأن الكلام أراكم ما أرى، ثم أدخل في صدر الكلام {ما} النافية وقلب معناها ب {إلا} الموجبة تخصيصاً وتأكيداً للأمر، وهذا كما تقول: قام زيد، فإذا قلت: ما قام إلا زيد أفدت تخصيصه وتأكيد أمره. و{أرى} متعدية إلى مفعول واحد وهو الضمير الذي فيه العائد على {ما}، تقديره: إلا ما أراه، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة.
وقرأ الجمهور: {الرشاد} مصدر رشد، وفي قراءة معاذ بن جبل: {سبيل الرشّاد} بشد الشين، قال أبو الفتح: وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة وهو من الفعل الثلاثي رشد فهو كعباد من عبد. وقال النحاس: هو لحن وتوهمه من الفعل الرباعي وقوله مردود. قال أبو حاتم: كان معاذ بن جبل يفسرها سبيل الله. ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه، وهل كان فرعون إلا يدعي أنه إله، ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل.
واختلف الناس من المراد بقوله: {وقال الذي آمن} فقال جمهور المفسرين: هو المؤمن المذكور أولاً، قص الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات. وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قديم، وإنما أرد تعالى ب {الذي آمن} موسى عليه السلام، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه، وأنه جلح معه بالإيمان وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم.
وقوله: {مثل يوم الإحزاب} مثل يوم من أيامهم، لأن عذابهم لم يكن في واحد ولا عصر واحد. و{الأحزاب}: المتحزبون على أنبياء الله تعالى، و{مثل} الثاني بدل من الأول. والدأب. العادة.
وقوله: {وما الله يريد ظلماً للعباد} أي من نفسه أن يظلمهم هو عز وجل، فالإرادة هنا على بابها، لأن الظلم منه لا يقع البتة، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد لبعض، والبرهان وقوعه، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى.
وقوله: {يوم التنادي} معناه ينادي قوم قوماً ويناديهم الآخرون. واختلف المتأولون في {التنادي} المشار إليه، فقال قتادة: هو نداء أهل الجنة أهل النار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً} [الأعراف: 44]، ونداء أهل النار لهم: {أفيضوا علينا من الماء} [الأعراف: 50]. وقالت فرقة: بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} [الإسراء: 71]. وقال ابن عباس وغيره: هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضاً، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، ولها أجوبة بنداء وهي كثيرة منها ما ذكرناه، ومنها «يا أهل النار خلود لا موت»، ومنها «يا أهل الجنة خلود لا موت»، ومنها نداء أهل الغدرات والنداء {لمقت الله} [غافر: 10]، والنداء {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] إلى غير ذلك.
وقرأت فرقة: {التنادْ} بسكون الدال في الوصل، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع، وقرأ نافع وابن كثير: {التنادي} بالياء في الوصل والوقف وهذا على الأصل. وقرأ الباقون {التناد} بغير يا فيهما، وروي ذلك عن نافع وابن كثير، وحذفت الياء مع الألف واللام حملاً على حذفها مع معاقبها وهو التنوين. وقال سيبويه: حذفت الياء تخفيفاً. وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي: {التنادّ} بشد الدال، وهذا معنى آخر ليس من النداء، بل هو من ند البعير إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثاً أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفاً بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب، فإذا رأى العالم هو القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم، قالت هذه الفرقة، ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله: {والملك على أرجائها} [الحاقة: 17] وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} [الفجر: 22] وقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33].
وقوله تعالى: {يوم تولون مدبرين} معناه: على بعض الأقاويل في التنادي تفرون هروباً من المفزع وعلى بعضها تفرون مدبرين إلى النار. والعاصم: المنجي.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)}
قد قدمنا ذكر الخلاف في هذه الأقوال كلها، هل هي من قول مؤمني آل فرعون أو من قول موسى عليه السلام: وقالت فرقة من المتأولين منه الطبري: {يوسف} المذكور هو يوسف بن يعقوب صلى الله عليه. وقالت فرقة: بل هو حفيده يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب. والبينات التي جاء بها يوسف لم تعين لنا حتى نقف على معجزاته. وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى لقي يوسف، وأن هذا التقريع له كان. وروى أشهب عن مالك أن بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة. وقالت فرقة: بل هو فرعون آخر.
وقوله: {قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً} حكاية لرتبه قولهم لأنهم إنما أرادوا أن يجيء بعد هذا من يدعي مثل ما ادعى ولم يقر أولئك قط برسالة الأول ولا الآخر، ولا بأن الله يبعث الرسل فحكى رتبة قولهم، وجاءت عبارتهم مشنعة عليهم، ولذلك قال بإثر هذا: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} أي كما صيركم من الكفر والضلالة في هذا الحد فنحو ذلك هو إضلاله لصنعكم أهل السرف في الأمور وتعدي الطور والارتياب بالحقائق. وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود: {قلتم لن يبعث الله}، ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستجلاباً، فقال {الذين يجادلون في آيات الله} أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله كبر مقت جدالهم عند الله، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه، ورد الفاعل ب {كبر} نصيباً على التمييز كقولك: تفقأت شحماً وتصببت عرقاً. و: {يطبع} معناه. يختم بالضلال ويحجب عن الهدى.
وقرأ أبو عمرو وحده الأعرج بخلاف عنه {على كلِّ قلب} بالتنوين متكبراً على الصفة. وقرأ الباقون: {على كلِّ قلبِ} بغير تنوين وبإضافته إلى {متكبرٍ}. قال أبو علي: المعنى يطبع الله على القلوب إذ كانت قلباً قلباً من كل متكبر، ويؤكد ذلك أن في مصحف عبد الله بن مسعود: {على قلب كل متكبر جبار}.
قال القاضي أبو محمد: ويتجه أن يكون المراد عموم قلب المتكبر الجبار بالطبع أي لا ذرة فيه من إيمان ولا مقاربة فهي عبارة عن شدة إظلامه.

.تفسير الآيات (36- 40):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)}
ذكر الله عز وجل مقالة فرعون حين أعيته الحيل في مقاومة موسى عليه السلام بحجة، وظهر لجميع المشاهدين أن ما يدعو إليه موسى من عبادة إله السماء حق، فنادى فرعون هامان وهو زيره والناظر في أموره، فأمره أن يبني له بناء عالياً نحو السماء. والصرح كل بناء عظيم شنيع القدر، مأخوذ من الظهور والصراحة، ومنه قولهم: صريح النسب، وصرح بقوله، فيورى أن هامان طبخ الآجر لهذا الصرح ولم يطبخ قبله، وبناه ارتفاع مائة ذراع فعبث الله جبريل فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر، تفرقت اثنتان ووقعت ثالثة في البحر. وروي أن هامان لم يكن من القبط، وقيل: كان منهم. و: {الأسباب} الطرق، قاله السدي. وقال قتادة: أراد الأبواب وقيل: عنى لعله يجد مع قربه من السماء سبباً يتعلق به.
وقرأ الجمهور: {فأطلع} بالرفع عطفاً على أبلغ، وقرأ حفص عن عاصم والأعرج: {فأطلعَ} بالنصب بالفاء في جواب التمني.
ولما قال فرعون بمحضر من ملإه {فأطلع إلى إله موسى} اقتضى كلامه الإقرار ب {إله موسى}، فاستدرك ذلك استدراكاً قلقاً بقوله: {وإني لأظنه كاذباً}، ثم قال تعالى: {وكذلك زين} أي إنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة كذلك جرى جميع أمره. و: {زين} أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله.
وقرأ الجمهور: {وصد عن السبيل} بفتح الصاد بإسناد الفعل إلى فرعون. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وجماعة: {وصُدَّ} بضم الصاد وفتح الدال المشددة عطفاً على {زين} وحملاً عليه. وقرأ يحيى بن وثاب: {وصِد} بكسر الصاد على معنى صد، أصله، صدد، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال. وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد ورفع الدال المشددة وتنوينها عطفاً على قوله: {سوء عمله}.
و: {السبيل} سبيل الشرع والإيمان و{التباب}: الخسران، ومنه: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] وبه فسر مجاهد وقتادة. وتب فرعون ظاهر، لأنه خسر ماله في الصرح وغيره، وخسر ملكه وخسر نفسه وخلد في جهنم، ثم وعظ الذي آمن فدعا إلى اتباع أمر الله.
وقوله: {اتبعون أهدكم} يقوي أن المتكلم موسى، وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك، أي اتبعوني في اتباعي موسى، ثم زهد في الدنيا وأخبر أنه شيء يتمتع به قليلاً، ورغب في الآخرة إذ هي دار الاستقرار.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو رجاء وشيبة والأعمش: {يَدخُلون} بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى: {يُدخَلون} بضم الياء وفتح الخاء.

.تفسير الآيات (41- 45):

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)}
قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصاراً واقتضاباً. وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دنيهم: هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصاراً، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.
وقوله: {ما ليس لي به علم} ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلاً، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: {لا جرم} مذهب سيبويه والخليل أنها {لا} النافية دخلت على {جرم}، ومعنى: {جرم} ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر [أبو اسماء بن الضريبة]: [الكامل]
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ** جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب {لا}، وإثبات للمستأنف ب {جرم} وأن على هذا النظر في موضع رفع ب {جرم}، وكذلك {أن} الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن {لا جرم} بمعنى لابد ولا محالة ف {أن} على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. وما بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.
وقوله: {ليس له دعوة} أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله. وأهل الإسراف والشرك. هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف. قال ابن مسعود ومجاهد: المسرفون: سفاكو الدماء بغير حلها. وقال قتادة: هم المشركون. ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عن حلول العذاب بهم، وسوف بالسين. إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة، وهذا تأويل ابن زيد. وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من: أمريَ، والضمير في: {وقاه} يحتمل أن يعود على موسى، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون، وقال قائلو ذلك: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر، وفر في جملة من فر معه من المتبعين.
وقرأ عاصم: {فوقاه الله} بالإمالة.
{وحاق} معناه: نزل، وهي مستعملة في المكروه. و: {سوء العذاب} الغرق وما بعده من النار وعذابها.