فصل: تفسير الآيات (51- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (46- 50):

{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)}
قوله: {النار} رفع على البدل من قوله: {سوء} [غافر: 45]. وقالت فرقة: {النار} رفع بالابتداء وخبره: {يعرضون}. وقالت فرقة: هذا الغدو والشعي هو في الدنيا، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار. وروي في ذلك عن الهزيل بن شرحبيل والسدي: أن أرواحهم في أجواف الطير سود تروح بهم وتغدو إلى النار، وقاله الأوزاعي حين قال له رجل: إني رأيت طيوراً بيضاً تغدو من البحر ثم ترجع بالعشي سوداً مثلها، فقال الأوزاعي: تلك هي التي في حواصلها أرواح آل فرعون يحترق رياشها وتسود بالعرض على النار. وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي، إذا لا غدو ولا عشي في الآخرة، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا وقوله: {ويوم تقوم الساعة} يحتمل أن يكون {يوم} عطفاً على {عشياً}، والعامل فيه {يعرضون}، ويحتمل أن يكون كلاماً مقطوعاً والعامل في: {يوم} {ادخلوا}، والتقدير: على كل قول يقال ادخلوا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة: {أدخلوا} بقطع الألف. وقرأ علي بن أبي طالب وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والحسن وقتادة: {ادخلوا} بصلة الألف على الأمر ل {آل فرعون} على هذه القراءة منادى مضاف. و: {أشد} نصب على ظرفية.
والضمير في قوله: {يتحاجون} لجميع كفار الأمم، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون، والعامل في {إذ}، فعل مضمر تقديره: واذكر. قال الطبري: {وإذ} هذه عطف على قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] وهذا بعيد.
قال القاضي أبو محمد: والمحاجة: التحاور بالحجة والخصومة.
و: {الضعفاء} يريد في القدر والمنزلة في الدنيا. و: {الذين استكبروا} هم أشراف الكفار وكبراؤهم، ولم يصفهم بالكبر إلا من حيث استكبروا، لأنهم من أنفسهم كبراء، ولو كانوا كذلك في أنفسهم لكانت صفته الكبر أو نحوه مما يوجب الصفة لهم. وتبع: قيل هو جمع واحد تابع، كغائب وغيب، وقيل هو مفرد يوصف به الجمع، كعدل وزور وغيره.
وقوله: {مغنون عنا} أي يحملون عنا كله ومشقته، فأخبرهم المستكبرون أن الأمر قد انجزم بحصول الكل منهم فيها وأن حكم الله تعالى قد استمر بذلك.
وقوله: {كل فيها} ابتداء وخبر، والجملة موضع خبر إن.
وقرأ ابن السميفع: {إنا كلاًّ}، بالنصب على التأكيد.
ثم قال جميع من في النار لخزنتها وزبانيتها: {ادعوا ربكم} عسى أن يخفف عنا مقدار يوم من أيام الدنيا من العذاب، فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ لهم. والتقرير: {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} فأقر الكفار عند ذلك وقالوا {بلى}، أي قد كان ذلك، فقال لهم الخزنة عند ذلك: فادعوا أنتم إذاً، وعلى هذا معنى الهزء بهم، فادعوا أيها الكافرون الذين لا معنى لدعائهم، وقالت فرقة: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} هو من قول الخزنة. وقالت فرقة: هو من قول الله تعالى إخباراً منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الأفعال على صيغة المضي، قال الناس الذين استكبروا وقال للذين في النار، لأنها وصف حال متيقنة الوقوع فحسن ذلك فيها.

.تفسير الآيات (51- 56):

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)}
أخبر الله تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال بعض المفسرين: وهذا خاص فيما أظهره الله على أمته كنوح وموسى ومحمد وليس بعام، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه كيحيى ولم ينصر عليهم، وقال السدي: الخبر عام على وجهه، وذلك أن نصرة الرسل واقعة ولا بد، إما في حياة الرسول المنصور كنوح وموسى، وإما فيما يأتي من الزمان بعد موته، ألا ترى إلى ما صنع الله ببني إسرائيل بعد قتلهم يحيى من تسليط بختنصر عليهم حتى انتصر ليحيى، ونصر المؤمنين داخل في نصر الرسل، وأيضاً فقد جعل الله للؤمنين الفضلاء وداً ووهبهم نصراً إذ ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «من رد عن أخيه المسلم في عرضه، كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم»، وقوله عليه السلام: «من حمى مؤمناً من منافق يغتابه، بعث الله ملكاً يحميه يوم القيامة».
وقوله تعالى: {ويوم يقوم الأشهاد} يريد يوم القيامة.
وقرأ الأعرج وأبو عمرو بخلاف {تقوم} بالتاء. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة: {يقوم} بالياء. و{الأشهاد}: جمع شاهد، كصاحب وأصحاب. وقالت فرقة: أشهاد: جمع شهيد، كشريف وأشراف.
و: {يوم لا ينفع} بدل من الأول. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وعيسى وأهل مكة {لا تنفع} بالتاء من فوق. وقرأ الباقون: {لا ينفع} بالياء، وهي قراءة جعفر وطلحة وعاصم وأبي رجاء، وهذا لأن تأنيث المعذرة غير حقيقي، وأن الحائل قد وقع، والمعذرة: مصدر يقع كالعذر. و: {اللعنة}: الإبعاد. و: {سوء الدار} فيه حذف مضاف تقديره: سوء عاقبة الدار.
ثم أخبر تعالى بقصة موسى وما أتاه من النبوة تأنيساً لمحمد عليه السلام، وضرب أسوة وتذكيراً لما كانت العرب تعرفه من أمر موسى، فيبين ذلك أن محمداً ليس ببدع من الرسل. و: {الهدى} النبوة والحكمة، والتوراة تعم جميع ذلك.
وقوله: {وأورثنا} عبر عن ذلك بالوراثة إذ كانت طائفة بني إسرائيل قرناً بعد قرن تصير فيها التوراة إماماً، فكان بعضهم يرثها عن بعض وتجيء التوراة في حق الصدر الأول منهم على تجوز. و: {الكتاب} التوراة. ثم أمر نبيه عليه السلام بالصبر وانتظار إنجاز الوعد أي فستكون عاقبة أمرك كعاقبة أمره. وقال الكلبي: نسخت آية القتال الصبر حيث وقع.
وقوله تعالى: {واستغفر لذنبك} يحتمل أن يكون ذلك قبل إعلام الله إياه إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأن آية هذه السورة مكية، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة، ويحتمل أن يكون الخطاب في هذه الآية له والمراد أمته، أي إنه إذا أمر بهذا فغيره أحرى بامتثاله.
{والإبكار} والبكر: بمعنى واحد. وقال الطبري: {الإبكار} من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وحكي عن قوم أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى. وقال الحسن: {بالعشي}، يريد صلاة العصر {والإبكار}: يريد به صلاة الصبح.
ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفار الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان وهم يريدون بذلك طمسها والرد في وجهها أنهم ليسوا على شيء، بل في صدورهم وضمائرهم كبر وأنفة عليك حسداً منهم على الفضل الذي آتاك الله، ثم نفى أن يكونوا يبلغون آمالهم بحسب ذلك الكبر فقال: {ما هم ببالغيه} وهنا حذف مضاف تقديره: ببالغي إرادتهم فيه، وفي هذا النفي الذي تضمن أنهم لا يبلغون أملاً تأنيس لمحمد عليه السلام. ثم أمره تعالى الاستعاذة بالله في كل أمره من كل مستعاذ منه، لأن الله يسمع أقواله وأقوال مخالفيه. وهو بصير بمقاصدهم ونياتهم، ويجازي كلاًّ بما يستوجبه، والمقصد بأن يستعاذ منه عند قوم الكبر المذكور، كأنه قال: هؤلاء لهم كبر لا يبغون منه أملاً، {فاستعذ بالله} من حالهم. وذكر الثعلبي: أن هذه الاستعاذة هي من الدجال وفتنته، والأظهر ما قدمناه من العموم في كل مستعاذ منه.

.تفسير الآيات (57- 60):

{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}
قوله تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين، كأنه قال: مخلوقات الله أكبر وأجل قدراً من خلق البشر، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة، فأعلم أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى. والخلق على هذا التأويل مصدر مضاف إلى المفعول. وقال النقاش: المعنى مما يخلق الناس، إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئاً، فالخلق في قوله: {من خلق الناس} مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل.
وقوله: {ولكن أكثر الناس} يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك، ولذلك مثل الأكثر الجاهل: ب {الأعمى}، والأقل العالم: ب {البصير}، وجعل: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعادلهم قوله: {ولا المسيء} وهو اسم جنس يعم المسيئين، وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون.
وقرأ أكثر القراء والأعرج وأبو جعفر وشيبة والحسن: {يتذكرون} بالياء على الكناية عن الغائب. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وقتادة وطلحة وعيسى وأبو عبد الرحمن: {تتذكرون} بالتاء من فوق على المخاطبة. والمعنى: قل لهم يا محمد. ثم جزم الإخبار بأن الساعة آتية، وهي القيامة المتضمنة للبعث من القبور والحساب بين يدي الله تعالى، واقترن الجمع إلى الجنة وإلى النار.
وقوله تعالى: {لا ريب فيها}، أي في نفسها وذاتها، وإن وجد من العالم من يرتاب فيها فليست فيها في نفسها ريبة.
وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} آية تفضل ونعمة ووعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإجابة عند الدعاء، وهذا الوعد مقيد بشرط المشيئة لمن شاء تعالى، لا أن الاستجابة عليه حتم لكل داع، لاسيما لمن تعدى في دعائه، فقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الذي قال: اللهم أعطني القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة. وقالت فرقة: معنى: {ادعوني} و{استجب}، معناه: بالثواب والنصر، ويدل على هذا التأويل قوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} ويحتج له لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية. وقال ابن عباس: المعنى: وحدوني أغفر لكم. وقيل للثوري: ادع الله، فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
وقرأ ابن كثير وأبو جعفر: {سيُدخَلون} بضم الياء وفتح الخاء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابن عامر والحسن وشيبة: بفتح الياء وضم الخاء، واختلف عن أبي عمرو وعن عاصم. والداخر: هو الصاغر الذليل.

.تفسير الآيات (61- 64):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)}
هذا تنبيه من الله تعالى على آيات، وعبر، متى تأملها العاقل أدته إلى توحيد الله والإقرار بربوبيته.
وقوله تعالى: {والنهار مبصراً} مجازه يبصر فيه، كما تقول: نهار صائم، وليل قائم.
وقوله تعالى: {خالق كل شيء} مخلوق، وما يستحيل أن يكون مخلوقاً كالقرآن والصفات فليس يدخل في هذا العموم، وهذا كما قال تعالى: {تدمر كل شيء} [الأحقاف: 25] معناه كل شيء مبعوث لتدميره.
وقرأت فرقة: {تؤفكون} بالتاء، وقرأت فرقة: {يؤفكون} بالياء، والمعنى في القراءة الأولى قل لهم.
و: {تؤفكون} معناه: تصرفون على طريق النظر والهدى، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع، ثم قال لنبيه: {كذلك يؤفك} أي على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف الله تعالى الكفار الجاحدين بآيات الله من الأمم المتقدمة على طريق الهدى، ثم بين تعالى نعمته في أن جعل {الأرض قراراً} ومهاداً للعباد، {والسماء بناء} وسقفاً.
وقرأ الناس: {صُوركم} بضم الصاد. وقرأ أبو رزين: {صِوركم} بكسر الصاد. وقرأت فرقة: {صوركم} بكسر الواو على نحو بسرة وبسر.
وقوله تعالى: {من الطيبات} يريد من المستلذات طعماً ولباساً ومكاسب وغير ذلك، ومتى جاء ذكر {الطيبات} بقرينة {رزقكم} ونحو فهو المستلذ، ومتى جاء بقرينة تحليل أو تحريم كما قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32] وكما قال: {ويحل لهم الطيبات} [الأعراف: 157] والطيبات في مثل هذا: الحلال، وعلى هذا النظر يخرج مذهب مالك رحمه الله في الطيبات والخبائث، وقول الشافعي رحمه الله: إن الطيبات هي المستلذات، والخبائث، هي المستقذرات ضعيف ينكسر بمستلذات محرمة ومستقذرات محللة لا رد له في صدرها، وأما حيث وقعت الطيبات مع الرزق فإنما هي تعديد نعمة فيما يستحسنه البشر، لاسيما هذه الآية التي هي مخاطبة لكفار، فإنما عددت عليه النعمة التي يعتقدونها نعمة، وباقي الآية بين.