فصل: تفسير الآيات (20- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (20- 25):

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}
ذكر الله تعالى احتجاج الكفار لمذهبهم ليبين فساد منزعهم، وذلك أنهم جعلوا إمهال الله لهم وإنعامه عليهم وهم يعبدون الأصنام، دليلاً على أنه يرضى عبادة الأصنام ديناً، وأن ذلك كالأمر به، فنفى الله عن الكفرة أن يكون لهم علم بهذا وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك، وإنما هم يظنون و{يخرصون} ويخمنون، وهذا هو الخرص والتخرص.
وقرأ جمهور الناس: {على أُمة} بضم الهمزة، وهي بمعنى الملة والديانة، والآية على هذا تعيب عليهم التقليد. وقرأ مجاهد والعبدري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: {على إمة} بكسر الهمزة وهي بمعنى النعمة، ومنه قول الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ** بإمته يعطي القطوط ويافق

ومنه قول عدي بن زيد: [الخفيف]
ثم بعد الفلاح والملك والإمّ ** ة وارتهم هناك القبور

فالآية على هذا استمرار في احتجاجهم، لأنهم يقولون: وجدنا آباءنا في نعمة من الله وهم يعبدون الأصنام، فذلك دليل رضاه عنهم، وكذلك اهتدينا نحن بذلك {على آثارهم}. وذكر الطبري عن قوم: أن الأمة الطريقة، مصدر من قولك: أممت كذا أمة ثم ضرب تعالى المثل لنبيه محمد عليه السلام وجعل له الإسوة فيمن مضى من النذر والرسل، وذلك أن المترفين من قومهم وهم أهل التنعم والمال قد قابلوهم بمثل هذه المقالة.
وقرأ جمهور القراء: {قل أولو} والمعنى: فقلنا للنذير قل. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: {قال أو لو}، ففي قال ضمير بعود على النذير. وباقي الآية يدل على أن: قل في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد عليه السلام، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير.
وقوله تعالى: {أو لو} هي ألف الاستفهام دخلت على واو عطف جملة كلام على جملة متقدمة، و{لو} في هذا الموضع كأنها شرطية بمعنى أن، كأن معنى الآية: وإن جئتكم بأبين وأوضح مما كان آباؤكم عليه فيصح لجاجكم وتقليدكم، فأجاب الكفار حينئذ لرسلهم: {إنا بما أرسلتم به كافرون}.
وفي قوله تعالى: {فانتقمنا منهم} الآية وعيد لقريش وضرب مثل بمن سلف من الأمم المعذبة المكذبة بأنبيائها كما كذبت هي بمحمد عليه السلام.
وقرأ جمهور الناس: {أو لو جئتكم} وقرأ أبو جعفر وأبو شيخ وخالد: {أو لو جئناكم}. وقرأ الأعمش: {أو لو أتيتم}.

.تفسير الآيات (26- 30):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)}
المعنى: واذكر إذا قال إبراهيم، ولما ضرب تعالى المثل لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنذر وجعلهم إسوة له، خص إبراهيم بالذكر لعظم منزلته، وذكر محمداً صلى الله عليه وسلم بمنابذة إبراهيم عليه السلام لقومه، أي فافعل أنت فعله وتجلد جلده. و: {براء} صفة تجري على الواحد والاثنين والجميع كعدل وزور.
وقرأ جمهور الناس: {بَرَاء} بفتح الباء. وقرأت فرقة: {بُراء} بضم الباء. وفي مصحف عبد الله وقراءة الأعمش: {إني} بنون واحدة {برئ} قال الفراء: ومن الناس من يكتب شكل الهمزة المخففة ألفاً في كل موضع، ولا يراعي حركة ما قبلها، قال: فربما كان خط مصحف عبد الله بألف كما في مصحف الجماعة، لكن كان يلفظ بها: {برئ} بكسر الراء.
وقوله: {إلا الذي فطرني} قالت فرقة: الاستثناء متصل، وكانوا يعرفون الله ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم: أنا لا أوافقكم إلا على عبادة الله الفاطر. وقالت فرقة: الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن الذي فطرني معبودي، وعلى هذا فلم يكونوا يعبدون الله إلا قليلاً ولا كثيراً، وعلل إبراهيم لقومه عبادته بأنه الهادي المنجي من العذاب، وفي هذا استدعاء لهم وترغيب في الله وتطميع برحمته، والضمير في قوله: {وجعلها كلمة} قالت فرقة: ذلك عائد على كلمته بالتوحيد في قوله: {إنني براء} وقال مجاهد وقتادة والسدي، ذلك مراد به: لا إله إلا الله، وعاد الضمير عليها وإن كانت لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: المراد بذلك: الإسلام ولفظته، وذلك قوله عليه السلام: {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 128] وقوله: {إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة: 131] وقول الله تعالى {هو سماكم المسلمين من قبل} [الحج: 78]. والعقب: الذرية وولد الولد ما امتد فرعهم.
قوله عز وجل: {بل متعت} الآية، كلام متصل بما قبله، لأنه لما قال في عقبه، وكانت قريش من عقبه، اقتضى الكلام أن يقدر فيه لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم. والمعنى في الآية: بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة مع كفرهم حتى جاءهم الحق والرسول، وذلك هو شرع الإسلام والرسول: محمد عليه السلام.
و: {متعتُ} بضم التاء هي قراءة البجمهور. وقرأ قتادة: {متعتَ} بفتح التاء الأخيرة على معنى: قل يا رب متعت، ورواها يعقوب عن نافع. وقرأ الأعمش: {بل متعنا}، وهي تعضد قراءة الجمهور. و: {مبين} في هذه الآية يحتمل التعدي وترك التعدي.
ثم أخبر تعالى عنهم على جهة التقريع بأنهم {قالوا} للقرآن: {هذا سحر} وأنهم كفروا به، وإنما جعلوه بزعمهم سحراً من حيث كان عندهم يفرق بين المرء وولده وزوجه، فجعلوه لذلك كالسحر، ولم ينظروا إلى الفرق في أن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في ذهنه.

.تفسير الآيات (31- 35):

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}
الضمير في {قالوا} لقريش، وذلك أنهم استبعدوا أولاً أن يرسل الله بشراً، فلما تقرر أمر موسى وعيسى وإبراهيم ولم يكن لهم في ذلك مدفع، رجعوا يناقضون فيما يخض محمداً عليه السلام بعينه، فقالوا: لم كان محمد ولم يكن نزول الشرع {على رجل} من إحدى الفرقتين {عظيم}، وقدر المبرد قولهم على رجل من رجلين من القريتين، والقريتان: مكة والطائف، ورجل مكة الذي أشاروا إليه: قال ابن عباس وقتادة هو: الوليد بن المغيرة المخزومي. وقال مجاهد هو: عتبة بن ربيعة. وقال قتادة: بلغنا أنه لم يبق فخذ من قريش إلا ادعاه. ورجل الطائف قال قتادة هو: عروة بن مسعود. وقال ابن عباس: حبيب بن عبد بن عمير. وقال مجاهد: كنانة بن عبد ياليل.
قال القاضي أبو محمد: وإنما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسن والقدم، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حينئذ أعظم من هؤلاء، لكن لما عظم أولئك قبل مدة النبي وفي صباه استمر ذلك لهم.
ثم وقف على جهة التوبيخ لهم بقوله: {أهم يقسمون رحمة ربك} المعنى على اختيارهم وإرادتهم تنقسم الفضائل والمكانة عند الله. والرحمة: اسم يعم جميع هذا. ثم أخبر تعالى خبراً جازماً بأنه قاسم المعايش والدرجات في الدنيا ليسخر بعض الناس بعضاً، المعنى فإذا كان اهتمامنا بهم أن نقسم هذا الحقير الفاني، فأحرى أن نقسم الأهم الخطير.
وفي قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} تزهيد في السعايات، وعون على التوكل على الله تعالى، ولله در القائل: [الرجز]
لما أتى نحن قسمنا بينهم زال المرا

وقرأ الجمهور: {معيشتهم}. وقرأ ابن مسعود والأعمش: {معائشهم}.
وقرأ جمهور الناس {سُخرياً} بضم السين. وقرأ أبو رجاء وابن محيصن: {سِخرياً} بكسر السين، وهما لغتان في معنى التسخير، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.
وقوله تعالى: {ورحمة ربك خير مما يجمعون} قال قتادة والسدي: يعني الجنة.
قال القاضي أبو محمد: لا شك أن الجنة هي الغاية، ورحمة الله في الدنيا بالهداية، والإيمان خير من كل مال، وهذا اللفظ تحقير للدنيا، ثم استمر القول في تحقيرها بقوله: {ولولا أن يكون للناس} الآية، وذلك أن معنى الآية: أن الله تعالى أبقى على عبيده وأنعم بمراعاة بقاء الخير والإيمان وشاء حفظه على طائفة منهم بقية الدهر، ولولا كراهية أن يكون الناس كفاراً كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرد لها لوسع على الكفار غاية التوسعة ومكنهم من الدنيا، إذ حقارتهم عنده تقتضي ذلك، لأنها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها، فقوله: {أمة واحدة} معناه: في الكفر، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي، ومن هذا المعنى قول النبي عليه السلام: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء» ثم يتركب معنى الآية على معنى هذا الحديث. واللام في قوله: {لكن يكفر بالرحمن} لام الملك. واللام في قوله: {لبيوتهم} لام تخصيص، كما تقول: هذا الكساء لزيد لدابته، أي هو لدابته حلس ولزيد ملك. قال المهدوي: ودلت هذه الآية على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو، إذ هو منسوب إلى البيوت، وهذا تفقه واهن.
وقرأ جمهور القراء: {سقُفا} بضم السين والقاف. وقرأ مجاهد: {سَقْفاً} بضم السين وسكون القاف على الإفراد.
والمعارج: الأدراج التي يطلع عليها، قاله ابن عباس وقتادة والناس. وقرأ طلحة: {معاريج} بزيادة ياء. و: {يظهرون} معناه يعلون، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: والشمس في حجرتها لم تظهر. والسرر: جمع سرير.
واختلف الناس في الزخرف، فقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: الزخرف: الذهب نفسه وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان».
قال القاضي أبو محمد: الحسن أحمر، والشهوات تتبعه.
وقال ابن زيد: الزخرف أثاث البيت وما يتخذ له من الستور والنمارق ونحوه. وقالت فرقة الزخرف: التزاويق والنقش ونحوه من التزيين وشاهد هذا القول: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} [يونس: 24].
وقرأ جمهور القراء: {وإن كل ذلك لمَا} بتخفيف الميم من لمَا ف إنْ مخففة من الثقيلة، واللام في: لمَا داخلة لتفصل بين النفي والإيجاب. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه، والحسن وطلحة والأعمش وعيسى: {لمَّا متاع} بتشديد الميم من لمّا فإن لمّا نافية بمعنى ما. و{لما}: بمعنى: إلا، وقد حكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت، وحمله على إلا. وفي مصحف أبي بن كعب: {وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا}. وقرأ أبو رجاء: لِمَا بكسر اللام وتخفيف، الميم، ف ما بمعنى الذي، والعائد عليها محذوف، والتقدير: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا.
وفي قوله تعالى: {والآخرة عند ربك للمتقين} وعد كريم وتحريض على التقوى، إذ في الآخرة هو التباين في المنازل.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
{من} في قوله: {ومن يعش} شرطية، وعشى يعشو، معناه: قل الإبصار منه كالذي يعتري في الليل، وكذلك هو الأعشى من الرجال، ويقال أيضاً: عشى الرجل يعشي عشاء إذا فسد بصره فلم ير، أو لم ير إلا قليلاً.
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري: {ومن يعشَ} بفتح الشين، وهي من قولهم: عشى يعشي، والأكثر عشى يعشو، ومنه قول الشاعر [الحطيئة]: [الطويل]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد

وفي شعر آخر [عبد الله بن الحر]:
تجد حطباً جزلاً وجمراً تأججا

وقرأ الأعمش: {ومن يعش عن الرحمن}، وسقط: {ذكر}.
فالمعنى في الآية: ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن، أي فيما ذكر به عباده، فالمصدر إلى الفاعل، {نقيض له شيطاناً} أي نيسر له ونعد، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً.
وقرأ الجمهور: {نقيض} بالنون. وقرأ الأعمش: {يقيض}، بالياء {شيطاناً}، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس: {يُقيَّض له شيطانٌ}، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من شيطانٌ.
والضمير في قوله: {وإنهم} عائد على الشياطين. وفي: {يصدونهم} على الكفار. و: {السبيل} هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في: {يحسبون} للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري: حتى إذا جاءانا على التثنية، يريد العاشي والقرين، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: جاءنا يريد العاشي وحده. وفاعل: {قال} هو العاشي.
وقوله: {بعد المشرقين} يحتمل ثلاثة معان، أحدهما: أن يريد بعد المشرق من المغرب، فسماهما مشرقين، كما يقال: القمران والعمران، قال الفرزدق:
لما قمراها والنجوم الطوالع

والثاني: أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث: أن يريد {بعد المشرقين} من المغربين، فاكتفى بذكر {المشرقين}.
وقوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم} الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب، ألا ترى إلى قول الخنساء: [الوافر]
ولولا كثرة الباكين حولي ** على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن ** أعزي النفس عنه بالتأسي

فهذا التأسي قد كفاها مؤونة قتل النفس، فنفى الله تعالى عنهم الانتفاع بالتأسي، وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير، وفاعل قوله: {ينفعكم} الاشتراك.
وقرأ جمهور القراء: أنكم بفتح الألف. وقرأ ابن عامر وحده: {إنكم} بكسر الألف، وقد يجوز أن يكون الفاعل {ينفعكم} التبري الذي يدل عليه قوله: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} وعلى هذا يكون {أنكم} في موضع نصب على المفعول من أجله، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة.