فصل: باب في الوصية بالحج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة ***


كتاب الحج الثالث

قلت‏:‏ لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت كل هدي قلده رجل من جزاء الصيد أو نذر أو هدي القران أو غير ذلك من الهدي الواجب أو التطوع إذا قلده أو أشعره وهو صحيح يجوز في الهدي ثم عطب بعد ذلك أو عمي أو أصابه عيب فحمله صاحبه أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى‏.‏

قال‏:‏ قال مالك يجزئه‏.‏

قلت‏:‏ فإن ساقه إلى منى وقد فاته الوقوف بعرفة أيجزئه أن ينحره بمنى أو حتى يرده إلى الحل ثانية فيدخله الحرم في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ إن كان أدخله من الحل فلا يخرجه إلى الحل ثانية ولكن يسوقه إلى مكة فينحره بمكة‏.‏

قال‏:‏ قال مالك كل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله مكة ليس له محل دون ذلك وليس منى له بمحل‏.‏

قلت‏:‏ فإن فاته الوقوف بهذا الهدي فساقه من منى إلى مكة فعطب قبل أن يبلغ مكة‏.‏

قال‏:‏ لا يجزئه وهذا لم يبلغ محله عند مالك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت من اشترى أضحية عن نفسه ثم بدا له بعد أن نواها لنفسه أن يشرك فيها أهل بيته أيجوز ذلك في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم في رأيي ولم أسمع من مالك فيه شيئا لأنه كان يجوز له أن يشركهم أولا‏.‏

قال‏:‏ والهدي عند مالك مخالف للضحايا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت البقرة أو الناقة أو الشاة إذا نتجت وهي هدي كيف يصنع بولدها في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ يحمل ولدها معها إلى مكة‏.‏

قلت‏:‏ أعليها أم على غيرها‏.‏

قال‏:‏ إن كان له محمل حمله على غيرها عند مالك وإن لم يكن له محمل غير أمه حمله على أمه‏.‏

قلت‏:‏ فإن لم يكن في أمه ما يحمله عليها كيف يصنع بولدها في قول مالك‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ أرى إن يكلف حمله‏.‏

قلت‏:‏ فهل يشرب من لبن الهدي في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا يشرب من لبن الهدي شيء من الأشياء ولا ما فضل عن ولدها‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن شرب من لبنها ما عليه في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا أحفظ من مالك فيه شيئا لأنه قد جاء عن بعض من مضى فيه رخصة إذا كان ذلك بعد ري فصيلها‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن بعثت هديا تطوعا وأمرت الذي بعثت به معه إن هو عطب إن يخلي بين الناس وبينه فعطب فتصدق به أيضمنه أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا أحفظ من مالك فيه شيئا ولكني لا أرى على هذا ضمانا وأراه قد أجزأ عنه لأن صاحبه لم يتصدق به وإنما هذا كأنه رجل عطب هديه تطوعا فخلى بين الناس وبينه فأتى رجل أجنبي فقسمه بين الناس وجعل يتصدق به على المساكين ولا يكون على صاحبه الذي خلى بين الناس وبينه شيء ولا أرى على الذي تصدق به ضمانا لأن الآخر قد خلى بين الناس وبينه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن احتاج إلى ظهر هديه كيف يصنع في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ إذا احتاج إلى ظهر هديه ركبه‏.‏

قلت‏:‏ فإن ركبه أينزل إذا استراح أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ لا أرى عليه النزول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اركبها ويحك في الثانية أو الثالثة وإنما استحسن الناس أن لا يركبها حتى يحتاج إليها فإن احتاج إليها ركبها‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إذا أطعم الأغنياء من هدي جزاء الصيد أو الفدية أيكون عليه البدل أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ أرى أن يكون عليه البدل لأن مالكا قال إن أعطى زكاته الأغنياء وهو يعرفهم لم يجزه فكذلك هذا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن لم يعلم أنهم أغنياء‏.‏

قال‏:‏ لا أدري ما قول مالك ولكن أرى إذا اجتهد فأخطأ فأعطى منه الأغنياء فلا أرى ذلك مجزئا عنه في الزكاة والجزاء والفدية ولا يضع عنه خطؤه ما أوجب الله عليه من ذلك للمساكين والفقراء من جزاء الصيد وما يشبهه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن كنا رفقاء وقد سقنا كلنا الهدي كل واحد منا قد ساق هديه وقلده فلما كان النحر وقع الخطأ بيننا فنحرت هدي صاحبي ونحر صاحبي هديي أيجزىء عنا في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم يجزئ عندي في قول مالك لأن الهدي إذا أشعر وقلد فمن نحره بعد أن يبلغ محله فهو مجزئ عن صاحبه‏.‏

قلت‏:‏ فإن كانت ضحايا فأخطؤوا فنحر هذا ضحية هذا ونحر هذا ضحية هذا أيجزىء ذلك عنهم في قول مالك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا يجزئ ذلك في قول مالك‏.‏

قلت‏:‏ فما فرق ما بين الضحايا والهدي في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لأن الهدي إذا أشعر وقلد لم يرجع لصاحبه في مال والضحايا لصاحبها أن يبدلها بخير منها فهذا فرق ما بينهما‏.‏

كيف ينحر الهدي

قلت‏:‏ كيف ينحر الهدي في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال لنا مالك قياما‏.‏

قلت‏:‏ أمعقولة أم مصفوفة أيديها‏.‏

قال‏:‏ قال مالك الشأن أن تنحر قياما ولا أقف على حفظ ذلك الساعة في المعقولة إن امتنعت ولا أرى أنا بأسا أن تنحر معقولة إن امتنعت‏.‏

قلت‏:‏ فتنحر الابل في قول مالك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فالبقر في قول مالك كيف يصنع بها أتنحر أم تذبح‏.‏

قال‏:‏ قال مالك تذبح‏.‏

قلت‏:‏ فيأمر بها أن تنحر بعد أن تذبح‏؟‏ قال لا‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك الابل إذا نحرها لا يأمر مالك بذبحها بعد نحرها‏.‏

قال‏:‏ نعم لا يأمر بذبحها بعد نحرها‏.‏

إذا ذبح الضحية أو الهدي غير صاحبه أو يهودي أو نصراني

قلت‏:‏ فهل يكره مالك للرجل أن ينحر هديه غيره‏.‏

قال‏:‏ نعم كراهية شديدة وكان يقول لا ينحر هديه إلا هو بنفسه وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك هو بنفسه‏.‏

قلت‏:‏ فالضحايا أيضا كذلك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فإن ذبح غيري هديي أو أضحيتي أجزأني ذلك في قول مالك إلا أنه كان يكرهه لي‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فهل كان مالك يكره أن يذبح النسك والضحايا والهدي نصراني‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فإن ذبحها نصراني أو يهودي أجزأت في قول مالك وقد أساء فيما صنع‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا تجزئه وعليه بدلها وكذلك قال مالك في الضحايا‏.‏

والهدي عندي مثله‏.‏

قلت‏:‏ فإذا ذبح أيقول بسم الله والله أكبر اللهم تقبل من فلان‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إن قال ذلك فحسن وإن لم يقل ذلك وسمى الله أجزأه ذلك‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك فيمن نحر هديه بمنى قبل طلوع الفجر يوم النحر جزاء صيد أو متعة أو نذرا أو غير ذلك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إذا حل الرمي فلقد حل النحر ولكن لا ينحر حتى يرمي قال مالك ومن رمى بعد ما طلع الفجر قبل أن تطلع الشمس ثم نحر هديه فقد أجزأه ومن رمى قبل الفجر أو نحر لم يجزئه ذلك وعليه الإعادة قلت فمن سوى أهل منى هل يجزئهم أن ينحروا قبل صلاة العيد ونحر الإمام في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا يجزئهم إلا بعد صلاة العيد ونحر الإمام‏.‏

قلت‏:‏ وأهل البوادي كيف يصنعون في قول مالك الذين ليس عندهم إمام ولا يصلون صلاة العيد جماعة‏.‏

قال‏:‏ يتحرون أقرب أئمة القرى إليهم فينحرون بعده‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت أهل مكة من لم يشهد الموسم منهم متى يذبح أضحيته في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ هم مثل أهل الآفاق في ضحاياهم إذا لم يشهدوا الموسم‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك كل شيء في الحج إنما هو هدي وما ليس في الحج إنما هو أضاحي‏.‏

قلت‏:‏ فلو أن رجلا اشترى بمنى يوم النحر شاة أو بقرة أو بعيرا ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم وينوي به الهدي وإنما أراد بما اشترى أن يضحي أيجوز له أن يذبحه قبل طلوع الشمس أو يؤخره وتكون أضحية ويذبح إذا ذبح الناس ضحاياهم في الآفاق في قول مالك أم كيف يصنع‏.‏

قال‏:‏ يذبحها ضحوة وليست بضحية لأن أهل منى ليس عليهم أضاحي في رأيي‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت من أوقف هديه من جزاء صيد أو متعة أو غير ذلك أوقفه بعرفة ثم قدم به مكة فنحره بمكة جاهلا وترك منى متعمدا أيجزئه ويكون قد أساء أم لا‏؟‏ يجزئه‏.‏

قال‏:‏ قال مالك في الهدي الواجب إذا أوقفه بعرفة فلم ينحره بمنى أيام منى ضل منه فلم يجده إلا بعد أيام منى‏.‏

قال‏:‏ لا أرى أن يجزئ عنه وأرى أن ينحر هذا وعليه الهدي الذي كان عليه كما هو‏.‏

قال‏:‏ وقد أخبرني بعض من أثق به عن مالك أنه كان يقول قبل الذي سمعت منه إنه ان أصاب الهدي الذي ضل منه أيام منى بعد ما أوقفه بعرفة أصابه بعد أيام منى فإنه ينحره بمكة ويجزئ عنه‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وقوله الأول الذي لم أسمعه منه أحب إلي من قوله الذي سمعت منه وأرى في مسألتك أن يجزئ إذا نحره بمكة‏.‏

قلت‏:‏ هل بمكة أو بعرفات في أيام التشريق جمعة أم هل يصلون صلاة العيد أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا أدري ما قول مالك في هذا إلا أن مالكا قال أرى في أهل مكة إذا وافق يوم التروية يوم الجمعة إنه يجب عليهم الجمعة وعلى أهل مكة صلاة العيد ويجب على من كان بها من الحاج ممن قد أقام قبل يوم التروية أربعة أيام أجمع على مقامها إنه يصلي الجمعة إذا زالت الشمس وهو بمنى إذا أدركته الصلاة قبل أن يخرج إلى منى‏.‏

من لا تجب عليهم الجمعة

قال‏:‏ وقال مالك لا جمعة بمنى يوم التروية ولا يوم النحر ولا أيام التشريق ولا يصلون صلاة العيد ولا جمعة بعرفة يوم عرفة‏.‏

ما نحر قبل الفجر

قلت‏:‏ أرأيت ما كان من هدي ساقه رجل فنحره ليلة النحر قبل طلوع الفجر أيجزئه أم لا‏؟‏ وكيف إن كان وجب عليه إذا نحره قبل طلوع الفجر في قول مالك أم لا‏؟‏ وهل هدي المتعة في هذا أو هدي القران كغيرهما من الهدايا أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك الهدايا كلها إذا نحرها صاحبها قبل انفجار الصبح يوم النحر لم تجزه وإن كان قد ساقها في حجه فلا تجزئه وإن هو قلد نسك الأذى فلا يجزئه أن ينحره إلا بمنى بعد طلوع الفجر والسنة أن لا ينحر حتى يرمي ولكن إن نحره بعد انفجار الصبح قبل أن يرمي أجزأه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت الهدي هل يذبح ليالي أيام النحر أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا تذبح الضحايا والهدايا إلا في أيام النحر ولا تذبح ليلا‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وتأول مالك هذه الآية ليذكر اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏.‏

قال‏:‏ فإنما ذكر الله الأيام في هذا ولم يذكر الليالي‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك من ذبح أضحيته بالليل في ليالي أيام الذبح أعاد بأضحية أخرى‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا قلد هديه فضل منه وقد قلده وأشعره فأصابه رجل وهو ضال فأوقفه بعرفة فأصابه ربه الذي قلده يوم النحر أو بعد ذلك أيجزئه ذلك التوقيف أم لا‏؟‏ يجزئه‏.‏

قال‏:‏ يجزئه في رأيي‏.‏

قلت‏:‏ ولم يجزئه وهو لم يوقفه وقد قال مالك فيما يوقف التجار إنه لا يجزئ عمن اشتراه‏.‏

قال‏:‏ قال مالك ما أوقف التجار فليس مثل هذا لأن هذا لا يرجع في ماله إن أصابه وعليه أن ينحره وما أوقف التجار إن لم يصيبوا من يشتريه ردوه فباعوه وجاز ذلك لهم فليس توقيف التجار مما يوجبه هديا وهذا قد وجب هديا فهذا فرق ما بينهما‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا نحر هديه من جزاء صيد أو متعة أو هدي قران أو فوت حج أو نسك في فدية الأذى أيجزئه أن يطعم مساكين أهل الذمة‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا يطعم منها مساكين أهل الذمة‏.‏

قلت‏:‏ فإن أطعم مساكين أهل الذمة منها ما عليه‏.‏

قال‏:‏ إن أطعم من جزاء صيد أو فدية فعليه البدل في ذلك وإن كان أطعم من هدي غير هذين قال فهو خفيف عندي ولا أرى عليه في ذلك القضاء ولا أحفظه عن مالك وقد أساء فيما صنع‏.‏

عيوب الهدي

قلت‏:‏ أرأيت المكسورة القرن هل تجوز في الهدي والضحايا في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك المكسورة القرن جائز إذا كان قد برأ فإن كان القرن يدمي فلا تصلح‏.‏

قلت‏:‏ فما قول مالك هل يجوز المجروح أو الدبر في الهدي‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا يجزئ الدبر من الابل في الهدي وذلك في الدبرة الكبيرة‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ فأرى المجروح بتلك المنزلة إذا كان جرحا كبيرا‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك لو أن قوما أخطؤا في ضحاياهم فذبح هؤلاء ضحايا هؤلاء وهؤلاء ضحايا هؤلاء إنه يضمن كل واحد منهم ضحيته لصاحبه الذي ذبحها بغير أمره‏.‏

قال‏:‏ ولا يجزئهم من الضحايا وعليهم ان يشتروا ضحايا فيضحوا عن أنفسهم‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك إذا لم يكن مع الرجل هدي فأراد أن يهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي وإذا كان معه الهدي فليس له أن يقلده ويشعره ويؤخر الإحرام وإنما يحرم عند ما يقلده ويشعره بعد التقليد والاشعار وكذلك قال لي مالك‏.‏

من لا يجد نعلين ويجد دراهم

قال‏:‏ وسئل مالك عن الرجل لا يجد نعلين ويجد دراهم أهو ممن لا يجد نعلين حتى يجوز له لبس الخفين ويقطعهما من أسفل الكعبين‏.‏

قال‏:‏ نعم قال فقلنا لمالك أرأيت إن وجد نعلين فسام بهما صاحبهما ثمنا كثيرا‏.‏

قال‏:‏ أما ما يشبه ثمن النعال أو فوق ذلك قليلا فإني أرى ذلك عليه أن يشتري وأما ما يتفاحش من الثمن في ذلك مثل أن يسام بالنعلين الثمن الكثير فإني لا أرى عليه ان يشتري وأرجو أن يكون في سعة‏.‏

فيمن نسي ركعتي الطواف

قال‏:‏ وسئل مالك عن رجل دخل مكة حاجا أو معتمرا فطاف بالبيت ونسي الركعتين للطواف وسعى بين الصفا والمروة وقضى جميع حجه أو عمرته فذكر ذلك في بلده أو بعد ما خرج من مكة‏.‏

قال‏:‏ إن ذكر ذلك بمكة أو قريبا منها بعد خروجه رأيت أن يرجع فيطوف ويركع ركعتي الطواف ويسعى بين الصفا والمروة‏.‏

قال‏:‏ فإذا فرغ من سعيه بعد رجعته فإن كان في عمرة لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قد لبس الثياب وتطيب وإن كان في حج وكانت الركعتان هما للطواف الذي طاف حين دخل مكة الذي وصل به السعي بين الصفا والمروة وكان قريبا رجع فطاف وركع ركعتين وسعى وأهدى وإن كانتا في الطواف الآخر وكان قريبا رجع فطاف وركع ركعتين إذا كان وضوءه قد انتقض ولا شيء عليه وإن كان قد بلغ بلده وتباعد ركع الركعتين ولا يبالي من أي الطوافين كانتا وأهدى وأجزأت عنه ركعتاه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إذا دخل مراهقا فلم يطف بالبيت حتى خرج إلى عرفة فلما زار البيت لطواف الافاضة طاف طواف الافاضة ونسي ركعتي الطواف وسعى بين الصفا والمروة ثم فرغ من أمر الحج ثم ذكر بعد ما خرج وهو قريب من مكة أو بمكة‏.‏

قال‏:‏ يرجع فيطوف ويصلي الركعتين ويسعى بين الصفا والمروة‏.‏

قلت‏:‏ ويكون عليه الدم في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا لأن هاتين الركعتين إنما تركهما من طواف هو بعد الوقوف بعرفة وذلك الأول إنما تركهما من طواف هو قبل الخروج إلى عرفة فذلك الذي جعل مالك فيه دما وهذا رجل مراهق فلا دم عليه للطواف الأول لأنه مراهق ولا دم عليه لما أخر من الركعتين بعد الطواف الذي بعد الوقوف بعرفة لأنه قد قضاه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إذا لم يذكر هاتين الركعتين من الطواف الأول الذي قبل الوقوف أو من الطواف طواف الافاضة دخل مراهقا ولم يكن طاف قبل ذلك بالبيت فذكر ذلك بعد ما بلغ بلاده أو تباعد من مكة‏.‏

قال‏:‏ قال مالك يمضي ويركع الركعتين حيث ذكرهما وليهرق لذلك دما ومحل هذا الدم مكة‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن أوقفت هديي بعرفة فضل منى فوجده رجل فنحره بمنى لأنه رآه هديا أيجزىء عني في قول مالك إذا أصبته وقد نحره‏.‏

قال‏:‏ بلغني عن مالك أنه قال يجزئه إذا نحره الذي نحره من أجل أنه رآه هديا قال وأرى ذلك ولم أسمعه من مالك‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت العبد إذا أذن له سيده بالحج فأحرم فأصاب النساء وتطيب وقد أصاب الصيد وأماط عنه الاذى أيكون عليه الجزاء أو الفدية أو الهدي لما أصاب كما يكون على الحر المسلم أم لا‏؟‏ في قول مالك وهل يكون ذلك على سيده أم عليه‏.‏

قال‏:‏ قال مالك على العبد الفدية لما أصابه من الأذى مما احتاج فيه العبد إلى الدواء أو إماطة الأذى‏.‏

قال‏:‏ وليس له أن يطعم أو ينسك من مال سيده إلا أن يأذن له سيده فإن لم يأذن له سيده في ذلك صام‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ ولا أرى لسيده أن يمنعه الصيام‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وأنا أرى أن كل ما أصاب العبد من الصيد خطأ ما لم يعمد له أو فوات حج أصابه لم يتخلف له عامدا أو كل ما أصابه خطأ مما يجب عليه فيه الهدي إن سيده لا يمنعه من الصيام في ذلك إذا لم يهد عنه سيده أو يطعم عنه لأنه أذن له بالحج ولأن الذي أصابه خطأ لم يعمده فليس للسيد أن يمنعه من الصيام إلا أن يهدي أو يطعم عنه وإن كان أصاب ما وجب عليه به الهدي عمدا أو الفدية عمدا فلسيده أن يمنعه من أن يفتدي بالنسك وبالصدقة ولسيده أن يمنعه من الصيام إذا كان ذلك مضرا به في عمله فإن لم يكن مضرا به في عمله لم أر أن يمنع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال لا ضرر ولا ضرار‏.‏

ومما يبين ذلك أن العبد إذا ظاهر من امرأته فليس له سبيل إلى امرأته حتى يكفر وليس له أن يصوم إلا برضى سيده إذا كان ذلك مضرا بسيده في عمله لأنه هو الذي أدخل على سيده ما يضره وليس له أن يمنعه الصيام إذا لم يكن مضرا به في عمله وكذلك قال مالك في الظهار مثل الذي قلت لك‏.‏

قلت‏:‏ فالذي أصاب الصيد متعمدا أو وطىء النساء أو صنع في حجه ما يوجب عليه الدم أو الطعام أو الصيام إنما رأيته مثل الظهار من قول مالك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إذا أذن السيد لعبده في الإحرام ألسيده أن يمنعه ويحله في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك ليس لسيده أن يحله بعد ما أذن له في الإحرام‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك في رجل كبر فيئس إن يبلغ مكة لكبره وضعفه أله أن يحج أحدا عن نفسه صرورة كان هذا الشيخ أو غير صرورة‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا أحبه ولا أرى أن يفعل‏.‏

باب في الوصية بالحج

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك فيمن مات وهو صرورة فلم يوص بأن يحج عنه أيحج عنه أحد تطوعا بذلك عنه ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي من الناس‏.‏

قال‏:‏ قال مالك يتطوع عنه بغير هذا أو يتصدق عنه أو يعتق عنه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك في الرجل أوصى عند موته أن يحج عنه أصرورة أحب إليك أن يحج عن هذا الميت أم من قد حج‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إذا أوصى أنفذ ذلك ويحج عنه من قد حج أحب إلي‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وأحب إلي إذا أوصى أن ينفذ ما أوصى به ولا يستأجر له إلا من قد حج وكذلك سمعت أنا منه‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وإن جهلوا واستأجروا من لم يحج أجزأ ذلك عنه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن أوصى هذا الميت فقال يحج عني فلان بثلثي وفلان ذلك وارث أو غير وارث كيف يكون هذا في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إن كان وارثا دفع إليه قدر كرائه ونفقته ورد ما بقي على الورثة وإن كان غير وارث دفع الثلث إليه فحج به عن الميت فإن فضل من المال عن الحج شيء فهو له يصنع به ما شاء‏.‏

قلت‏:‏ لم جعل مالك لهذا الرجل ما فضل عن الحج‏.‏

قال‏:‏ سألنا مالكا عن الرجل يدفع إليه النفقة ليحج عن الرجل ففضل عن حجه من النفقة فضل لمن تراه‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إن استأجره استئجارا فله ما فضل وإن كان أعطى على البلاغ رد ما فضل‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم فسر لي ما الاجارة وما البلاغ‏.‏

فقال‏:‏ إذا استؤجر بكذا وكذا دينارا على أن يحج عن فلان فهذه إجارة له ما زاد وعليه ما نقص‏.‏

وإذا قيل له هذه دنانير تحج بها عن فلان على أن علينا ما نقص عن البلاغ أو يقال له خذ هذه الدنانير فحج منها عن فلان فهذه على البلاغ ليست إجارة‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ والناس يعرفون كيف يأخذون إن أخذوا على البلاغ فهو على البلاغ وإن أخذوا على أنهم ضمنوا الحج فقد ضمنوا الحج‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك في رجل دفع إليه مال ليحج به عن ميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة‏.‏

قال‏:‏ أرى أن ذلك مجزئ عنه إلا أن يكون اشترط على الذي يحج عن الميت أن يحج من أفق من الآفاق أو من المواقيت فأرى ذلك عليه ضامنا ويرجع ثانية فيحج عن الميت ثم رجع بن القاسم عنها فقال عليه أن يحج ثانية وهو ضامن‏.‏

قلت‏:‏ فإن قرن وقد أخذ مالا ليحج به عن الميت فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت‏.‏

قال‏:‏ لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه ضامنا للمال لأنه أخذ نفقتهم وأشرك في عملهم غير ما أمروا به‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ في رجل اعتمر عن نفسه ثم حج عن ميت فعليه الهدي‏.‏

قلت‏:‏ له أرأيت إن حج رجل عن ميت فأغمي عليه أو ترك من المناسك شيئا يجب عليه فيه الدم‏.‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن أرى أن تجزئه الحجة عن الميت إذا كان هذا الحاج عن الميت لو كانت الحجة عن نفسه أجزأته فكذلك إذا حج عن الميت وكذلك قال مالك فيمن حج عن نفسه فأغمي عليه إن ذلك مجزئ عنه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن دفعوا وصية هذا الميت إلى عبد ليحج عن هذا الميت أيجزئ عن الميت‏.‏

قال‏:‏ لا ولم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن العبد لا حج له فمن ثم رأيت أن لا يحج عن هذا الميت وكذلك الصبيان‏.‏

قلت‏:‏ فالمرأة تحج عن الرجل والرجل عن المرأة‏.‏

قال‏:‏ لا بأس بذلك‏.‏

قلت‏:‏ وهو قول مالك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فالمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر في هذا سواء عندك بمنزلة العبد لا يحجون عن ميت أوصى‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فمن يضمن هذه النفقة التي حج بها عن العبد‏.‏

قال‏:‏ الذي يدفع إليهم المال‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت لو أن رجلا هلك فأوصى أن يحج عنه فأنفذ الوصي ذلك ثم أتى رجل فاستحق رقبة الميت هل يضمن الوصي أو الحاج عن الميت المال وكيف بما قد بيع من مال الميت وأصابه قائما بعينه‏.‏

قال‏:‏ أرى إذا كان الميت حرا عند الناس يوم بيع ماله فلا يضمن له الوصي شيئا ولا الذي حج عن الميت ويأخذ ما أدرك من مال الميت وما أصاب مما قد باعوا من مال الميت قائما بعينه فليس له أن يأخذه إلا بالثمن ويرجع هو على من باع تلك الأشياء فيقبض منه ثمن ما باع من مال عبده‏.‏

قال‏:‏ لأن مالكا قال في رجل شهد عليه أنه مات فباعوا رقيقه ومتاعه وتزوجت امرأته ثم أتى الرجل بعد ذلك قال إن كانو اشهدوا بزور ردت إليه امرأته وأخذ رقيقه حيث وجدهم أو الثمن الذي به باعوهم إن أحب ذلك‏.‏

قال‏:‏ مالك وإن كانوا شبه عليهم وكانوا عدولا ردت إليه امرأته وما وجد من متاعه أو رقيقه لم يغير عن حاله وقد بيع أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى من ابتاعه وليس له أن يأخذ ذلك حتى يدفع الثمن إلى من ابتاعه وما تحول عن حاله ففات أو كانت جارية وطئت فحملت من سيدها أو أعتقت فليس له إلا الثمن وإنما له الثمن على من باع الجارية فأرى أن يفعل في العبد مثل ذلك‏.‏

قالابن القاسم‏:‏ وأنا أرى العتق والتدبير والكناية فوتا فيما قال لي مالك والصغير إذا كبر فوتا فيما قال لي مالك لأن مالكا قال لي إذا لم تغير عن حالها فهذه قد تغيرت عن حالها والذي أراد مالك تغيير بدنها‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم فكيف يتبين شهود الزور ها هنا من غير شهود الزور كيف نعرفهم في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ إذا أتوا بأمر يشبه أن يكون إنما شهدوا بحق مثل ما لو حضروا معركة فصرع فنظروا إليه في القتلى ثم جاء بعد ذلك أو طعن فنظروا إليه في القتلى ثم جاء بعد ذلك أو صعق به فظنوا أنه قد مات فخرجوا على ذلك ثم حي بعدهم أو أشهدهم قوم على موته فشهدوا بذلك عند القاضي فهؤلاء يعلم أنهم لم يعمدوا الزور في هذا وما أشبهه‏.‏

وأما الزور في قول مالك فهو إذا لم يأتوا بأمر يشبه وعرف كذبهم‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك إذا شهدوا بزور رد إليه جميع ماله حيث وجده‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وأرى إن كانوا شهود زور أنه يرد إليه ما أعتق من رقيقه وما دبر وما كوتب وما كبر وأم الولد وقيمة ولدها أيضا‏.‏

قال مالك‏:‏ ويأخذ المشتري ولدها بالقيمة‏.‏

وكذلك قال لي مالك في الذي يباع عليه بشهادة زور إنه يأخذها ويأخذ قيمة ولدها أيضا إذا شهدوا على سيدها بزور أنه مات عنها فباعوها في السوق وقد قال مالك في الجارية المسروقة إن صاحبها يأخذها ويأخذ قيمة ولدها وهو أحب قوله إلي‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ قال مالك وإنما يأخذ قيمة ولدها يوم يحكم فيهم ومن مات منهم فلا قيمة له‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن حج عن ميت وإنما أخذ المال على البلاغ لم يؤاجر نفسه فأصابه أذى فوجبت عليه الفدية على من تكون هذه الفدية‏.‏

قال‏:‏ لا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولكني أرى أن تكون هذه الفدية في مال الميت‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن هو أغمي عليه أيام منى فرمي عنه الجمار في أيام منى على من يكون هذا الهدي أفي مال الميت أم في مال هذا الذي حج عن الميت‏.‏

قال‏:‏ كل شيء لم يتعمده هذا الحاج عن الميت فهو في مال الميت مثل الفدية وما ذكرت من الاغماء وما يشبه ذلك وكل شيء يتعمده فهو في ماله إذا كان إنما أخذ المال على البلاغ وإن كان أجيرا فكل شيء أصابه فهو في ماله من خطأ أو عمد‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن أخذ هذا الرجل مالا ليحج به عن الميت على البلاغ أو على الإجارة فصده عدو عن البيت‏.‏

قال‏:‏ إن كان أخذه على البلاغ رد ما فضل عن نفقته ذاهبا وراجعا وإن كان أخذه على الإجارة رد المال وكان له من إجارته بحساب ذلك إلى ذلك الموضع الذي صد عنه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏.‏

قال‏:‏ هذا رأيي وقد قال مالك في رجل استؤجر ليحج عن ميت فمات قبل أن يبلغ فسئل عنه فقال أرى أن يحاسب فيكون له من الإجارة بقدر ذلك من الطريق ويرد ما فضل‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن دفع إلى رجل مال ليحج به عن ميت فأحصر بمرض وقد كان أخذ المال على البلاغ أو على الإجارة‏.‏

قال‏:‏ أما إذا أخذه على البلاغ فلا شيء عليه وله نفقته في مال الميت ما أقام مريضا لا يقدر على الذهاب وإن أقام إلى حج قابل أجزأ ذلك عن الميت فإن لم يقم إلى حج قابل وقوى على الذهاب إلى البيت قبل ذلك فله نفقته‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت هذا الذي حج عن الميت إن سقطت منه النفقة كيف يصنع‏.‏

قال‏:‏ لا أحفظ عن مالك في هذه المسألة هكذا بعينها شيئا ولكني أرى إن كان إنما أخذ ذلك على البلاغ فإنه حيث سقطت نفقته يرجع ولا يمضي ويكون عليهم ما أنفق في رجعته وإن مضى ولم يرجع فقد سقطت عنهم نفقته فهو متطوع في الذهاب ولا شيء عليهم في ذهابه إلا أن يكون أحرم ثم سقطت منه النفقة فليمش ولينفق في ذهابه ورجعته ويكون ذلك على الذي دفع إليه المال ليحج به عن الميت لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع‏.‏

قال‏:‏ وهذا إذا أخذ المال على البلاغ فإنما هو رسول لهم‏.‏

قال وإذا أخذه على الإجارة فسقط فهو ضامن للحج أحرم أو لم يحرم وهو رأيي‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت لو أن رجلا مات فقال حجوا عني بهذه الاربعين الدينار فدفعوها إلى رجل على البلاغ ففضلت منها عشرون‏.‏

قال‏:‏ أرى أن يرد إلى الورثة ما فضل عنه وإنما ذلك مثل ما لو قال رجل اشتروا غلام فلان بمائة دينار فأعتقوه عني فاشتروه بثمانين قال قال مالك يرد ما بقي إلى الورثة فعلى هذا رأيت أمر الحج‏.‏

وإن كان قال أعطوا فلانا أربعين دينارا يحج بها عني فاستأجروه بثلاثين دينارا فحج وفضلت عشرة فإني أرى أيضا أن ترد العشرة ميراثا بين الورثة لأني سمعت مالكا غير مرة وسألته عن الرجل يوصي أن يشتري له غلام فلان بمائة دينار ليعتق عنه فيشتريه الورثة بثمانين دينارا لمن ترى العشرين قال مالك أرى أن ترد إلى الورثة فيقتسموها على فرائض الله فرأيت أنا الحج إذا قال ادفعوها إلى رجل بعينه على هذا‏.‏

وقد سمعت مالكا وسئل عن رجل دفع إليه أربعة عشر دينارا يتكارى بها من المدينة من يحج عن الميت فكارى بعشرة كيف يصنع بالأربعة قال يردها إلى من دفعها إليه ولم يرها للذي حج عن الميت‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم هل كان مالك يوسع أن يعتمر أحد عن أحد إذ كان يوسع في الحج‏.‏

قال‏:‏ نعم ولم أسمعه منه وهو رأيي إذا أوصى بذلك‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم فما قول مالك فيمن حج عن ميت أيقول لبيك عن فلان أم النية تجزئه‏.‏

قال‏:‏ النية تجزئه‏.‏

قلت‏:‏ له أرأيت من أصاب صيدا في حجه فقال احكموا علي يجزائه فحكم عليه بجزائه فأراد أن يؤخر الجزاء إلى حج قابل أو إلى أبعد من ذلك حتى يحل أو حتى يجعل ذلك في عمرة هل يجوز له ذلك في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم يجوز له أن يهدي هديه هذا متى شاء إن شاء أهداه وهو حرام وإن شاء أهداه وهو حلال ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى وإن قلده وهو معتمر أو بعث به نحر بمكة‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت من أوصى فقال حجوا عني حجة الإسلام وأوصى بعتق نسمة بعينها وأوصى أن يشتري عبد بعينه فيعتق عنه وأعتق عبدا في مرضه فبتله ودبر عبدا وأوصى بعتق عبد له آخر وأوصى بكتابة عبد له آخر وأوصى بزكاة بقيت عليه من ماله وأقر بديون للناس في مرضه‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ قال مالك الديون مبدأة كانت لمن يجوز اقراره له أو لمن لا يجوز له اقراره ثم الزكاة ثم العتق بتلا والمدبر جميعا معا لا يبدأ أحدهما على صاحبه‏.‏

قال مالك ثم النسمة بعينها والذي أوصى أن يشتري بعينه جميعا لا يبدأ أحدهما على صاحبه‏.‏

قال ثم المكاتب ثم الحج‏.‏

فإن كانت الديون لمن يجوز له اقراره أخذها وإن كانت لمن لا يجوز له اقراره رجعت ميرثا إلا أنه يبدأ بها قبل الوصايا ثم الوصايا في ثلث ما بقي بعدها‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت لو أن رجلا قال أحجوا فلانا حجة في وصيته ولم يقل عني أيعطي من الثلث شيئا أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ يعطي من الثلث قدر ما يحج به إن حج فإن أبى أن يحج فلا شيء له ولا يكون له أن يأخذ المال ثم يقعد ولا يحج فإن أخذ المال ولم يحج أخذ منه ولم يترك له إلا أن يحج‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم هل تحج المرأة عن الرجل في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم كان يجيزه ولم يكن يرى بذلك بأسا‏.‏

قال‏:‏ وسمعت مالكا يقول في رجل أوصى أن يمشي عنه‏.‏

قال‏:‏ لا أرى أن يمشي عنه وأرى أن يهدي عنه هديان فإن لم يجدوا فهدي واحد‏.‏

قال‏:‏ ولقد سألنا مالكا عن امرأة أوصت بأن يحج عنها إن حمل ذلك ثلثها فإن لم يحمل ذلك الثلث أعتق به رقبة إن وجدوها بذلك الثمن فحمل الثلث إن يحج عنها‏.‏

قال‏:‏ أرى إن يعتق عنها رقبة ولا يحج عنها‏.‏

قلت‏:‏ هل يجزئ إن يدفعوا إلى عبد أو إلى صبي بأن يحج عن الميت في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيها شيئا وأرى إن دفعوا ذلك إلى عبد أو إلى صبي ضمنوا ذلك في رأيي إلا أن يكون عبدا ظنوا أنه حر ولم يعرفوه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن أوصى أن يحج عنه هذا العبد بعينه أو هذا الصبي بعينه‏.‏

قال‏:‏ لم أسمع من مالك في ذلك شيئا ولكني أرى أن يدفع إليهما فيحجان عن الرجل إذا أذن السيد للعبد أو أذن للولد ولا ترد وصيته ميراثا لأن الحج بر وإن حج عنه صبي أو عبد لأن حجة الصبي والعبد تطوع فالميت لو لم يكن صرورة فأوصى بحجة تطوعا أنفذت ولم ترد وصيته إلى الورثة فكذلك هذا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت الصبي إذا لم يكن له أب وأذن له الولي أن يحج عن الميت أيجوز له إذنه‏؟‏ قال لا أرى بذلك بأسا إلا أن يخاف عليه في ذلك ضيعة أو مشقة من السفر فلا أرى ذلك يجوز لأن الولي لو أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز ذلك ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع باذن الولي لم يكن بذلك بأس في رأيي فإذا كان هذا له جائز فجائز له أن يحج عن الميت إذا أوصى إليه الميت بذلك وأذن له الولي وكان فوتا على الذهاب وكان ذلك نظرا له ولم يكن عليه في ذلك ضرورة‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن لم يأذن له الولي قال يوقف المال حتى يبلغ الصبي فإن حج به الصبي وإلا رجع ميراثا‏.‏

قلت‏:‏ تحفظه عن مالك‏؟‏ قال لا‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وهذا الذي أوصى إن يحج عنه هذا الصبي علمنا إنه إنما أراد التطوع ولم يرد الفريضة‏.‏

قال‏:‏ ولو أنه كان صرورة وقصد قصد رجل بعينه فقال يحج عني فلان فأبى فلان أن يحج عنه أعطى ذلك غيره قال وهذا قول مالك‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وليس التطوع عندي بمنزلة الفريضة‏.‏

قال‏:‏ وهذا أوصى بحجة تطوعا أن يحج بها عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه رد إلى الورثة ومثل ذلك مثل رجل قصد قصد مسكين بعينه فقال تصدقوا عليه بمائة دينار من ثلثي فمات المسكين قبل الموصي أو أبى أن يقبل إنها ترجع ميراثا إلى ورثته أو قال اشتروا عبد فلان فأعتقوه عني في غير عتق عليه واجب فأبي أهله ان يبيعوه فإن الوصية ترجع ميراثا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت امرأة أهلت بالحج بغير أذن زوجها وهي صرورة ثم إن زوجها حللها ثم أذن لها من عامها فحجت أتجزئها حجتها عن التي وجبت عليها من التي حللها زوجها منها وعن حجة الإسلام‏.‏

قال‏:‏ أرجو ذلك ولا أحفظه عن مالك‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك الامة والعبد يحرمان بغير اذن سيدهما فيحللهما السيد ثم يعتقان فيحجان عن التي حللهما السيد منها وعن حجة الإسلام أتجزئهما هذه الحجة منهما جميعا‏؟‏ قال لا‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك قال هذا رأيي لأني سمعت مالكا يقول في عبد نذر إن أعتق الله رقبته فعليه المشي إلى بيت الله في حج قال يحج حجة الإسلام ثم النذر بعدها وهذا حين أحرم فقد نذرها فلا تجزئه حجته حين أعتق عنهما‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت السيد يأذن لعبده أو لأمته أو الزوج لزوجته بالإحرام فأراد أن يحلهم بعد ذلك أله ذلك في قول مالك‏؟‏ قال لا‏.‏

قلت‏:‏ فإن خاصموه قضى لهم عليه أن لا يحلهم في قول مالك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن باع عبده أو أمته وهما محرمان أيجوز بيعه أم لا‏؟‏ في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم في قول مالك يجوز بيعه إياهما وليس للذي اشتراهما أن يحلهما ويكونان على إحرامهما‏.‏

قلت‏:‏ فإن لم يعلم بإحرامهما أتراه عيبا يردهما به إن أحب‏.‏

قال‏:‏ لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه عيبا يردهما به إن لم يكن أعلمه بإحرامهما إلا أن يكون ذلك قريبا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن أحرم العبد بغير أذن سيده فحلله من إحرامه ثم أذن له في أن يحج قضاء عن حجته التي حلله منها بعد ما مضى عامه ذلك أيجزئه من التي حلله منها في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم في رأيي‏.‏

قلت‏:‏ ويكون على العبد الهدي أو الصيام أو الإطعام لموضع ما حلله السيد من إحرامه‏.‏

قال‏:‏ إذا أهدي عنه السيد أو أطعم أجزأه وإلا صام هو وأجزأه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا قول مالك‏.‏

قال‏:‏ هذا رأيي‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت الرجل يهل بحجة فتفوته أيهل منها حين فاتته بالعمرة اهلالا مستقبلا في قول مالك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ يمضي على اهلاله الأول ولا يهل بالعمرة اهلالا مستقبلا ولكن يعمل فيها عمل العمرة وهو على اهلاله الأول ويقطع التلبية إذا دخل الحرم لأن الحج قد فاته فصار عمله فيما بقي منها في قول مالك مثل عمل العمرة‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت رجلا حج ففاته الحج فجامع عد ما فاته الحج وتطيب وأصاب الصيد ما عليه في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ عليه في كل شيء صنعه من ذلك مثل ما علي الصحيح الحج إلا أنه يهريق دم الفوات في حجة القضاء وما أصاب الصيد وتطيب ولبس فيها فليهرقه متى ما شاء والهدي عليه عن جماعه قبل ان يفوته الحج أو بعد أن فاته هدي واحد ولا عمرة عليه ولو كان يكون عليه العمرة إذا وطىء بعد ان فاته الحج لكان عليه عمرة إذا وطىء وهو في الحج ثم فاته الحج لأن الذي فاته قد صار إلى عمرة فعليه هديان هدي لوطئه وهدي لما فاته وكذلك قال مالك‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت الرجل يحرم بالحج فيفوته الحج أله أن يثبت على إحرامه في قول مالك إلى قابل أم لا‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك من أحرم بالحج ففاته الحج فله أن يثبت على إحرامه إلى قابل إن أحب ذلك‏.‏

قال مالك‏:‏ وأحب إلي ان يمضي لوجهه فيحل من إحرامه ذلك ولا ينتظر قابلا‏.‏

قال‏:‏ وإنما له أن يثبت على إحرامه إلى قابل ما لم يدخل مكة فإن دخل مكة فلا أرى له أن يثبت على إحرامه وليمض إلى البيت فليطف وليسع بين الصفا والمروة وليحل من إحرامه فإذا كان قابلا فليقض الحجة التي فاتته وليهرق دما‏.‏

قلت‏:‏ فإن ثبت على إحرامه بعد ما دخل مكة حتى حج بإحرامه ذلك قابلا أيجزئه أم لا‏؟‏ من حجة الإسلام‏.‏

قال‏:‏ نعم يجزئه‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت من أهل بحجة ففاتته فأقام على إحرامه حتى إذا كان من قابل في أشهر الحج حل منها ثم حج من عامه أيكون متمتعا في قول مالك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا أحفظ من مالك في هذا شيئا ولكن لا أرى لأحد فاته الحج فأقام على إحرامه حتى يدخل في أشهر الحج أن يفسخ حجته في عمرة فإن فعل رأيته متمتعا‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت المرأة إذا أحرمت بغير اذن زوجها ثم حللها أو العبد إذا أحرم بغير اذن سيده ثم حلله ثم أعتقه ثم حج العبد بعد ما أعتقه عن التي حلله سيده وعن حجة الإسلام‏.‏

قال‏:‏ لا تجزئه وإذا حجت المرأة إذا أذن لها زوجها عن حجة الإسلام وعن الحجة التي حللها منها زوجها‏.‏

قال‏:‏ تجزئها هذه الحجة عنهما جميعا‏.‏

قال‏:‏ لأن المرأة حين فرضت الحج فحللها زوجها منها إن كانت فريضة فهذه تجزئها من تلك وهذه قضاء تلك الفريضة وهي تجزئها من الفريضة التي عليها‏.‏

قال‏:‏ وإن كانت حين حللها زوجها إنما حللها من تطوع فهذه قضاء عن ذلك التطوع الذي حللها زوجها منه‏.‏

قال‏:‏ والعبد ليس مثل هذا حين أعتق لأن العبد حين حلله سيده إنما حلله من التطوع فإن أعتق ثم حج حجة الإسلام ينوي بها عن الحجة التي أحله سيده منها وحجة الفريضة فلا تجزئه حجة واحدة من تطوع وواجب وتكون حجة هذا العبد التي حجها بعد عتقه إذا نوى بها عنهما جميعا عن التي حلله سيده منها وعليه حجة الفريضة مثل ما قال مالك في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث وهو صرورة فيمشي في حجة فريضة ينوي بذلك نذره وحجة الفريضة لم تجزه من حجة الفريضة وأجزأت من نذره وكان عليه حجة الفريضة فمسئلة العبد عندي مثل هذا‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت لو أن مكيا قرن الحج والعمرة من ميقات من المواقيت أيكون عليه دم القران في قول مالك أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا يكون عليه دم القران كذلك قال مالك‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من أتى وقد فاته الحج في قول مالك متى يقطع التلبية‏.‏

قال‏:‏ إذا دخل الحرم‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من أتى وقد فاته الحج أيرمل بالبيت ويسعى في المسيل بين الصفا والمروة في قول مالك‏؟‏ قال نعم‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك وكذلك من اعتمر من الجعرانة أو التنعيم فإذا طاف بالبيت فأحب إلي أن يرمل فإذا سعى بين الصفا والمروة فأحب إلي أن يسعى ببطن المسيل قلت أفكان مالك يخفف ويوسع لهذا الذي اعتمر من الجعرانة أو التنعيم إن لا يرمل وأن لا يسعى ببطن المسيل بين الصفا والمروة‏.‏

قال‏:‏ كان يستحب لهما إن يرملا وإن يسعيا ويأمرهما بذلك ولم أره يوجب عليهما الرمل بالبيت كما يوجب ذلك على من حج أو اعتمر من المواقيت وأما السعي بين الصفا والمروة فكان يوجبه على من اعتمر من التنعيم وغير ذلك‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت طواف الصدر إن تركه رجل فهل عليه عند مالك طعام أو دم أو شيء من الأشياء‏.‏

قال‏:‏ لا إلا أن مالكا كان يستحب له أن لا يخرج حتى يطوف طواف الوداع‏.‏

قلت لابن القاسم‏:‏ فلو أنه طاف طواف الوداع ثم اشترى وباع بعد ما طاف أيعود فيطوف طواف الوداع أم لا‏؟‏ قال‏:‏ سألت مالكا عن الرجل يطوف طواف الوداع ثم يخرج من المسجد الحرام ليشتري بعض جهازه أو طعامه يقيم في ذلك ساعة يدور فيها ثم يخرج ولا يعود إلى البيت فقال لا شيء عليه ولا أرى عليه في هذا عودة إلى البيت‏.‏

قال‏:‏ فقلت له ولو أن كريهم أراد بهم لخروج في يوم فبرزبهم إلى ذي طوى فطافوا طواف الوداع ثم أقام كريهم بذي طوى يومه وليلته وبات بها أكنت ترى عليهم ان يرجعوا فيطوفوا طواف الوداع‏؟‏ قال لا وليخرجوا‏.‏

قال‏:‏ فقلت لمالك أرأيت إذ هم بذى طوى بعد ما خرجوا يقصرون الصلاة أم يتمون وقد رحلوا من مكة إلى ذي طوى وهم على رحيل من ذي طوى إلى بلادهم‏.‏

قال‏:‏ يتمون بذي طوى حتى يخرجوا منها إلى بلادهم لأن ذا طوى عندي من مكة‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من أقام بمكة بعد طواف الوداع يوما أو بعض يوم‏.‏

قال‏:‏ لم أسمع من مالك فيه شيئا وأنا أرى أن يعود فيطوف‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت طواف الصدر أهو على النساء والصبيان والعبيد في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم هو على كل احد‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت من خرج من مكة ولم يطف طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ قال مالك إن كان ذلك قريبا رجع إلى مكة فطاف طواف الوداع وإن كان قد تباعد مضى ولا شيء عليه‏.‏

قلت‏:‏ فهل قال لكم مالك إنه يعود من مر الظهران إن هو ترك طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ ولم يجد لنا مالك في ذلك شيئا وأرى إن كان لا يخشى فوت أصحابه ولا منعا من كريه أن يقيم عليه فأرى أن يعود فإن خاف أن لا يقيم عليه الكرى أو أن يفوته أصحابه فأرى أن يمضي ولا شيء عليه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك في امرأة طافت طواف الافاضة ثم حاضت أتخرج قبل ان تطوف طواف الوداع‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ فإن كانت لم تطف طواف الافاضة ثم حاضت أتخرج‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا تخرج حتى تطوف طواف الافاضة‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك يحبس عليها كريها أقصى ما كان يمسكها الدم ثم تستظهر بثلاث ولا يحبس عليها كريها أكثر من ذلك‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك في النفساء أيضا يحبس عليها كريها أكثر ما يمسك النساء دم النفاس من غير سقم ثم لا يحبس عليها بعد ذلك إذا كانت لم تطف طواف الافاضة‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أيكون على أهل مكة إذا حجوا طواف الوداع أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا أحفظه عن مالك ولا أرى عليهم طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ وسألنا مالكا عن الرجل يفرغ من حجه فيريد العمرة من التنعيم أو من الجعرانة أعليه أن يطوف طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ قال مالك لا أرى ذلك عليه‏.‏

قال‏:‏ وقال مالك وإن هو خرج إلى ميقات من المواقيت مثل الجحفة وغيرها من المواقيت ليعتمر منها فأرى عليه إذا أراد الخروج أن يطوف طواف الوداع‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم وكل من دخل مكة حاجا يريد أن يستوطنها أيكون عليه أن يطوف طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ لا هذا سبيله سبيل أهل مكة‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من حج من أهل مر الظهران أيكون عليه طواف الوداع أم لا‏؟‏ إذا خرج في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ أرى أن عليه طواف الوداع لأن مالكا قال فيمن أراد الخروج من مكة إلى سفر من الأسفار إنه يطوف طواف الوداع إذا أراد الخروج‏.‏

قال‏:‏ فأرى هذا بمنزلة المكي إذا أراد الخروج‏.‏

قلت‏:‏ وأهل عرفات عندك بهذه المنزلة في طواف الوداع‏.‏

قال‏:‏ نعم ولم أسمع من مالك في هذا شيئا وهو رأيي وليس من يخرج من مكة إلى منزله يريد الإقامة إن كان منزله قريبا بمنزلة من يخرج إلى موضع قريب ثم يعود‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت العمرة هل فيها طواف الوداع في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ نعم إذا أقام ثم أراد الخروج طاف طواف الوداع وقد قال مالك في المكي إذا أراد الخروج إلى سفر من الأسفار إنه يطوف طواف الوداع فهذا مثله فإن خرج من مكانه فلا شيء عليه ويجزئه طوافه ذلك عند مالك‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك من فاته الحج ففسخه في عمرة أو أفسد حجه فكذلك أيضا عليهم طواف الصدر‏.‏

قال‏:‏ نعم مثل قول مالك في المكي إذا أراد الخروج إذا أقام هذا المفسد حجه بمكة لأن عمله قد صار إلى عمل عمرة فإن خرج مكانه فلا شيء عليه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من تعدى الميقات فأحرم بعد ما تعدى الميقات ثم فاته الحج أيكون عليه الدم لترك الميقات في قول مالك‏.‏

قال‏:‏ لا أحفظه عن مالك ولكني لا أرى عليه الدم قلت فإن تعدى الميقات ثم جامع ففسد عليه حجه أيكون عليه الدم لترك الميقات‏؟‏ قال نعم‏.‏

قلت‏:‏ ما فرق ما بينهما‏.‏

قال‏:‏ لأن الذي فاته الحج إنما اسقطت عنه الدم لترك الميقات لأن عليه قضاء هذه الحجة‏.‏

قلت‏:‏ والذي جامع أيضا عليه قضاء حجته‏.‏

قال‏:‏ لا يشبه الذي فاته الحج الذي جامع في تركه الميقات لأن الذي فاته الحج كان عمله في الحج فلما فاته الحج كان عمله عمل العمرة فلا أرى عليه الدم لأنه لم يقم على الحج الذي أحرم عليه إنما كان الدم الذي وجب عليه لترك الميقات فلما حال عمله إلى عمل العمرة سقط عنه الدم وأما الذي جامع في حجه فهو على عمل الحج حتى يفرغ من إحرامه فلذلك رأيت عليه الدم لأنه لم يخرج من إحرامه إلى إحرام آخر مثل الذي فاته الحج فهذا فرق ما بينهما‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من قلد هديه أو بدنته ثم باعه‏.‏

قال‏:‏ ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن إن كان يعرف موضعه رد ولم يجز البيع فيه فإن ذهب ولم يعرف موضعه كان عليه أن يشتري مكانه بدنة بثمنه إلا أن لا يجد بثمنه فعليه أن يزيد على ثمنه لأنه قد ضمنه حتى يشتري بدنة وليس له أن ينقص من ثمنه وإن أصاب بدنة بأقل من ثمنه‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم ما قول مالك فيمن دل على صيد وهو محرم أو أشار أو أمر بقتله هل عليه في قول مالك لذلك شيء أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا شيء عليه إلا أن يكون الذي أمره بقتله عبده فيكون عليه جزاء واحد إلا أنه قد أساء وعلى الذي قتله إن كان محرما الجزاء وإن كان حلالا فلا شيء عليه إلا أن يكون في الحرم‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت إن أفسد المحرم وكر الطير أيكون عليه شيء أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا شيء عليه إن لم يكن في الوكر فراخ أو بيض‏.‏

قلت‏:‏ أتحفظه عن مالك‏؟‏ قال لا‏.‏

قلت‏:‏ فإن كان في الوكر فراخ أو بيض فأفسد الوكر‏.‏

قال‏:‏ أرى عليه في البيض ما يكون على المحرم وفي الفراخ وذلك من قبل أنه لما أفسد الوكر فقد عرض الفراخ والبيض للهلاك‏.‏

قلت‏:‏ أتحفظه عن مالك‏؟‏ قال لا‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت من أرسل كلبه على صيد في الحرم فأشلاه رجل آخر فأخذ الصيد أيكون على المشلي شيء أم لا‏؟‏ قال‏:‏ لا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولكن إن انشلى الكلب فأشلاه الرجل الذي أشلاه فأرى على الذي أشلاه الجزاء أيضا‏.‏

قلت‏:‏ فإن أرسل كله على ذئب في الحرم فأخذ صيدا أيكون عليه الجزاء أم لا‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك من غرر بقرب الحرم فأرسل كلبه على صيد في الحل قرب الحرم فأخذه في الحرم كان عليه الجزاء‏.‏

قال‏:‏ وأرى من أرسل كلبه في الحرم على ذئب فأخذ صيدا فسبيله سبيل من غرر بقرب الحرم فعليه الجزاء‏.‏

قلت‏:‏ لابن القاسم أرأيت لو أن محرما أمسك صيدا فقتله حرام أو حلال أمسكه له حتى قتله أو أمسكه ولم يرد أن يمسكه للقتل فقتله القاتل‏.‏

قال‏:‏ إن أمسكه وهو لا يريد قتله إنما يريد أن يرسله فعدا عليه حرام فقتله فعلى القاتل جزاؤه وإن قتله حلال فعلى الذي أمسكه جزاؤه لأن قتله كان من سببه وإن أمسكه لأحد يريد قتله فقتله فإن كان الذي قتله حراما فعليهما جميعا جزاآن وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه وليس على الحلال جزاؤه وليستغفر الله تعالى‏.‏