فصل: فصل: إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الخلع

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل‏,‏ وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه‏]‏‏.‏

وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه‏,‏ أو دينه أو كبره أو ضعفه‏,‏ أو نحو ذلك وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ وروي ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصبح‏,‏ فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قالت‏:‏ لا أنا ولا ثابت لزوجها‏,‏ فلما جاء ثابت قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة‏:‏ يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثابت بن قيس‏:‏ خذ منها فأخذ منها‏,‏ وجلست في أهلها‏)‏ وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك وأحمد وغيرهما‏,‏ وفي رواية البخاري قال‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق‏,‏ إلا إني أخاف الكفر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أتردين عليه حديقته‏؟‏ قالت‏:‏ نعم فردتها عليه وأمره ففارقها‏)‏ وفي رواية فقال له‏:‏ ‏(‏اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏ وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام قال ابن عبد البر ولا نعلم أحدا خالفه‏,‏ إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج‏}‏ الآية وروي عن ابن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ ولنا الآية التي تلوناها والخبر‏,‏ وأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة لم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فيكون إجماعا‏,‏ ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شيء من ذلك إذا ثبت هذا‏,‏ فإن هذا يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏هن لباس لكم وأنتم لباس لهن‏}‏ ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏‏.‏

فصل‏:‏

ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال‏:‏ يجوز الخلع دون السلطان وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك‏,‏ والشافعي وإسحاق وأهل الرأي وعن الحسن‏,‏ وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان ولنا قول عمر وعثمان ولأنه معاوضة‏,‏ فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي‏,‏ أشبه الإقالة‏.‏

فصل‏:‏

ولا بأس بالخلع في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة‏,‏ فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها‏,‏ والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاء منها به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها‏]‏

هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق‏,‏ وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشيء صح وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا‏:‏ لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب‏:‏ لا يأخذ أكثر مما أعطاها وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع واختاره أبو بكر قال‏:‏ فإن فعل رد الزيادة وعن سعيد بن المسيب قال‏:‏ ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا واحتجوا بما روي ‏(‏أن جميلة بنت سلول أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق‏,‏ ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أتردين عليه حديقته‏؟‏ قالت‏:‏ نعم فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه بدل في مقابلة فسخ‏,‏ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ ولأنه قول من سمينا من الصحابة‏,‏ قالت الربيع بنت معوذ‏:‏ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر فلم ينكر‏,‏ فيكون إجماعا ولم يصح عن علي خلافه فإذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد فإن فعل جاز مع الكراهية ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها‏)‏ رواه أبو حفص بإسناده وهو صريح في الحكم‏,‏ فنجمع بين الآية والخبر فنقول‏:‏ الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهية والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو خالعته لغير ما ذكرنا‏,‏ كره لها ذلك ووقع الخلع‏]‏

في بعض النسخ ‏"‏ بغير ما ذكرنا ‏"‏ بالباء فيحتمل أنه أراد بأكثر من صداقها وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبل هذه‏,‏ والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله لأنه لو أراد الأول لقال‏:‏ كره له فلما قال‏:‏ كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له‏,‏ والحال عامرة والأخلاق ملتئمة فإنه يكره لها ذلك‏,‏ فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال‏:‏ الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر‏,‏ فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود وقال ابن المنذر وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله‏}‏ وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا إلا يقيما حدود الله ثم قال‏:‏ ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فدل بمفهومه على أن الجناح لاحق بهما إذا افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال‏:‏ ‏{‏تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون‏}‏ وروى ثوبان قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أيما امرأة سألت زوجها الطلاق‏,‏ من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏المختلعات والمنتزعات هن المنافقات‏)‏ رواه أبو حفص ورواه أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏‏,‏ وذكره محتجا به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ولأنه إضرار بها وبزوجها‏,‏ وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة فحرم لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ واحتج من أجازه بقول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا‏}‏ قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا‏,‏ حرمه الله في العقد وأباحه في الهبة والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية الجواز‏,‏ مع ما عضدها من الأخبار والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

فأما إن عضل زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة‏,‏ والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت‏,‏ فالخلع باطل والعوض مردود روي ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة‏:‏ العقد صحيح والعوض لازم‏,‏ وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله‏}‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن‏}‏ ولأنه عوض أكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع‏,‏ والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا‏:‏ الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث‏,‏ فله رجعها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة وإن قلنا‏:‏ هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين‏,‏ وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ها هنا بالعوض فإذا لم يحصل له العوض‏,‏ لا يحصل المعوض وقال مالك إن أخذ منها شيئا على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا‏:‏ يصح الخلع بغير عوض‏.‏

فصل‏:‏

فأما إن ضربها على نشوزها‏,‏ ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن ذلك لا يمنعهما أن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة أنها ‏(‏كانت تحت ثابت بن قيس‏,‏ فضربها فكسر ضلعها فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتا فقال‏:‏ خذ بعض مالها‏,‏ وفارقها ففعل‏)‏ رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها‏,‏ ولكن عليه إثم الظلم‏.‏

فصل‏:‏

فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت‏,‏ صح الخلع لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ والاستثناء من النهي إباحة ولأنها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره‏,‏ وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر‏:‏ لا يصح لأنه عوض أكرهت عليه‏,‏ أشبه ما لو لم تزن والنص أولى‏.‏

فصل‏:‏

إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق‏,‏ فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر وإن كانت قبضته كله‏,‏ ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة وهذا قول عطاء‏,‏ والنخعي والزهري والشافعي وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية‏,‏ فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل لأنها ما وجبت بعد ولنا أن المهر حق لا يسقط بالخلع إذا كان بلفظ الطلاق‏,‏ فلا يسقط بلفظ الخلع والمبارأة كسائر الديون ونفقة العدة إذا كانت حاملا‏,‏ ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة‏,‏ والنصف لها لا يبرأ منه بقولها‏:‏ بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها‏.‏

فصل‏:‏

وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له العرف والمفاداة لأنه ورد به القرآن بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه‏,‏ فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية وما عدا هذه مثل‏:‏ بارأتك‏,‏ وأبرأتك وأبنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية‏,‏ كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته‏,‏ صح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النية فيه‏,‏ وإن لم يكن دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية‏,‏ سواء قلنا‏:‏ هو فسخ أو طلاق ولا يقع بالكناية إلا بنية ممن تلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج قال القاضي‏:‏ هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون وقد أومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب‏,‏ إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفتى بذلك ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا فقال ابن شهاب‏:‏ المخلعة على وجهين‏,‏ مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول‏:‏ لا أنا ولا أنت‏,‏ ولا أبر لك قسما وأنا أفتدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال‏,‏ انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روى قال‏:‏ قلت لأحمد كيف الخلع‏؟‏ قال‏:‏ إذا أخذ المال فهي فرقة وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي الله عنه من قبل مالا على فراق‏,‏ فهي تطليقة بائنة لا رجعة له فيها واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لجميلة‏:‏ ‏(‏أتردين عليه حديقته‏؟‏ قالت‏:‏ نعم ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما وقال‏:‏ خذ ما أعطيتها‏,‏ ولا تزدد‏)‏ ولم يستدع منه لفظا ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجرة‏,‏ وإن لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون اللفظ كما لو سألته أن يطلقها بعوض‏,‏ ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق‏,‏ ولأن أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع‏,‏ ولأن الخلع إن كان طلاقا فلا يقع بدون صريحة أو كنايته وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح‏,‏ فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد وأما حديث جميلة فقد رواه البخاري‏:‏ ‏(‏اقبل الحديقة‏,‏ وطلقها تطليقة‏)‏ وهذا صريح في اعتبار اللفظ وفي رواية‏:‏ فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق‏,‏ فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال‏:‏ ففرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما‏,‏ وقال ‏(‏خذ ما أعطيتها‏)‏ فجعل التفريق قبل العوض ونسب التفريق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يباشر التفريق فدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به‏,‏ ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولا بد منه اتفاقا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق‏,‏ ولو واجهها به وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن‏,‏ والشعبي ومالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أن يقول‏:‏ كل امرأة لي طالق وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب‏,‏ وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد‏,‏ والثوري لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة‏)‏ ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير‏,‏ ولا نعرف لهما مخالفا في عصرهما ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول‏,‏ أو المنقضية عدتها ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه‏,‏ كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية‏,‏ فلا يلحقها الصريح المعين كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول‏:‏ أنت طالق أو لا يواجهها به‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ فلانة طالق وحديثهم لا نعرف له أصلا ولا ذكره أصحاب السنن‏.‏

فصل‏:‏

ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا‏:‏ هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا‏:‏ الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق‏,‏ فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق ولنا‏,‏ قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فيما افتدت به‏}‏ وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه‏,‏ ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر‏,‏ وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط في الخلع أن له الرجعة‏,‏ فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد‏,‏ كالنكاح ولأنه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط‏,‏ كالطلاق الثلاث ويحتمل أن يبطل الخلع وتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة متنافيان فإذا شرطاهما سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط‏,‏ ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع وإذا حكمنا بالصحة‏,‏ فقال القاضي‏:‏ يسقط المسمى في العوض لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه‏,‏ فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل أن يجب المسمى لأنهما تراضيا به عوضا‏,‏ فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط الخيار لها أو له يوما أو أكثر‏,‏ وقبلت المرأة صح الخلع وبطل الخيار وبه قال أبو حنيفة فيما إذا كان الخيار للرجل وقال‏:‏ إذا جعل الخيار للمرأة‏,‏ ثبت لها الخيار ولم يقع الطلاق ولنا أن سبب وقوع الطلاق وجد‏,‏ وهو اللفظ به فوقع كما لو أطلق‏,‏ ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه‏.‏

فصل‏:‏

نقل مهنا في رجل قالت له امرأته‏:‏ اجعل أمري بيدي‏,‏ وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئا هو له‏,‏ إنما قالت‏:‏ اجعل أمري بيدي وأعطيك فقيل له‏:‏ متى شاءت تختار‏؟‏ قال‏:‏ نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي أن ترجع عليه بالعوض لأنه استرجع ما جعل لها‏,‏ فتسترجع منه ما أعطته ولو قال‏:‏ إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق أولى كالوكالة قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها‏,‏ فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئا ووجهه أن الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار‏,‏ وقد فعل فاستحق الألف وليست الألف في مقابلة الفرقة‏.‏