فصل: فصل: إن كان لأحدهما عليه بناء‏‏ كحائط مبني عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة ونحوها فهو له

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فأما وضعه في جدار المسجد إذا وجد الشرطان‏,‏ فعن أحمد فيه روايتان‏:‏ إحداهما الجواز لأنه إذا جاز في ملك الجار مع أن حقه مبنى على الشح والضيق‏,‏ ففي حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة والمساهلة أولى والثانية لا يجوز نقلها أبو طالب لأن القياس يقتضي المنع في حق الكل ترك في حق الجار للخبر الوارد فيه‏,‏ فوجب البقاء في غيره على مقتضى القياس وهذا اختيار أبي بكر وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية وجها للمنع من وضع الخشب في ملك الجار لأنه إذا منع من وضع الخشب في الجدار المشترك بين المسلمين وللواضع فيه حق فلأن يمنع من المختص بغيره أولى ولأنه إذا منع في حق لله تعالى مع أن حقه على المسامحة والمساهلة لغنى الله تعالى وكرمه فلأن يمنع في حق آدمي مع شحه وضيقه أولى والمذهب الأول فإن قيل‏:‏ فلم لا تجيزون فتح الطاق والباب في الحائط بالقياس على وضع الخشب‏؟‏ قلنا لأن الخشب يمسك الحائط وينفعه‏,‏ بخلاف الطاق والباب فإنه يضعف الحائط لأنه يبقى مفتوحا في الحائط‏,‏ والذي يفتحه للخشبة يسده بها ولأن وضع الخشب تدعو الحاجة إليه بخلاف غيره‏.‏

فصل‏:‏

ومن ملك وضع خشبه على حائط‏,‏ فزال بسقوطه أو قلعه أو سقوط الحائط ثم أعيد‏,‏ فله إعادة خشبه لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر استحقاق ذلك وإن زال السبب‏,‏ مثل أن يخشى على الحائط من وضعه عليه أو استغنى عن وضعه لم تجز إعادته لزوال السبب المبيح وإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه‏,‏ أو استغنى عن وضعه لزم إزالته لأنه يضر بالمالك ويزول الخشب وإن لم يخف عليه‏,‏ لكن استغنى عن إبقائه عليه لم يلزم إزالته لأن في إزالته ضررا بصاحبه ولا ضرر على صاحب الحائط في إبقائه‏,‏ بخلاف ما لو خشى سقوطه‏.‏

فصل‏:‏

ولو كان له وضع خشبه على جدار غيره لم يملك إعارته ولا إجارته لأنه إنما كان له ذلك لحاجته الماسة إلى وضع خشبه ولا حاجة له إلى وضع خشب غيره‏,‏ فلم يملكه وكذلك لا يملك بيع حقه من وضع خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره لأنه أبيح له من حق غيره لحاجته فلم يجز له ذلك فيه‏,‏ كطعام غيره إذا أبيح له من أجل الضرورة ولو أراد صاحب الحائط إعارة الحائط أو إجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه‏,‏ لم يملك ذلك لأنه وسيلة إلى منع ذي الحق من حقه فلم يملكه كمنعه ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة‏,‏ لم يملك ذلك لما فيه من تفويت الحق وإن احتاج إلى هدمه للخوف من انهدامه أو لتحويله إلى مكان آخر أو لغرض صحيح ملك ذلك لأن صاحب الخشب إنما يثبت حقه للإرفاق به مشروطا بعدم الضرر لصاحب الحائط‏,‏ فمتى أفضى إلى الضرر زال الاستحقاق لزوال شرطه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه عليه في الموضع الذي لا يستحق وضعه‏,‏ جاز فإذا فعل ما أذن له فيه صارت العارية لازمة‏,‏ فإذا رجع المعير فيها لم يكن له ذلك ولم يلزم المستعير إزالة ما فعله لأن إذنه اقتضى البقاء والدوام‏,‏ وفي القلع إضرار به فلا يملك ذلك المعير كما لو أعاره أرضا للدفن والغراس‏,‏ لم يملك المطالبة بنقل الميت والغراس بغير ضمان وإن أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يكن له ذلك لأن المستعير قد استحق تبقية الخشب عليه ولا ضرر في تبقيته وإن كان مستهدما‏,‏ فله نقضه وعلى صاحب البناء والخشب إزالته وإذا أعيد الحائط لم يملك المستعير رد بنائه وخشبه إلا بإذن جديد سواء بناه بآلته أو غيرها وهكذا لو قلع المستعير خشبا أو سقط بنفسه‏,‏ لم يكن له رده إلا بإذن مستأنف لأن المنع من القلع إنما كان لما فيه من الضرر وها هنا قد حصل القلع بغير فعله فأشبه ما لو كان في الأرض شجر فانقلع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي‏,‏ وقالوا في الآخر‏:‏ ذلك لأنه قد استحق بقاء ذلك على التأبيد وليس كذلك فإنه إنما استحق الإبقاء ضرورة دفع ضرر القلع وقد حصل القلع ها هنا فلا يبقى الاستحقاق وإن قلع صاحب الحائط ذلك عدوانا‏,‏ كان للآخر إعادته لأنه أزيل بغير حق تعديا ممن عليه الحق فلم يسقط الحق عنه بعدوانه وإن أزاله أجنبي‏,‏ لم يملك صاحبه إعادته بغير إذن المالك لأنه زال بغير عدوان منه فأشبه ما لو سقط بنفسه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أذن له في وضع خشبه‏,‏ أو البناء على جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة معلومة أو صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله إعادته‏,‏ سواء زال لسقوطه أو سقوط الحائط أو غير ذلك لأنه استحق إبقاءه بعوض‏,‏ ويحتاج إلى أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن‏,‏ والآجر وما أشبه ذلك لأن هذا كله يختلف فيحتاج إلى معرفته وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الإجارة سقوطا لا يعود‏,‏ انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة ورجع من الأجرة بقسط ما بقي من المدة وإن أعيد رجع من الأجرة بقدر المدة التي سقط البناء والخشب عنه وإن صالحه مالك الحائط على رفع بنائه أو خشبه بشيء معلوم جاز كما يجوز الصلح على وضعه‏,‏ سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر لأن هذا عوض عن المنفعة المستحقة له وكذلك لو كان له مسيل ماء في أرض غيره أو ميزاب‏,‏ أو غيره فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك بعوض ليزيله عنه جاز وإن كان الخشب أو الحائط قد سقط‏,‏ فصالحه بشيء على أن لا يعيده جاز لأنه لما جاز أن يبيع ذلك منه جاز أن يصالح عنه لأن الصلح بيع‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وجد بناؤه أو خشبه على حائط مشترك‏,‏ أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله إعادته لأن الظاهر أن هذا الوضع بحق من صلح أو غيره‏,‏ فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه وكذلك لو وجد مسيل مائه في أرض غيره أو مجرى ماء سطحه على سطح غيره وما أشبه هذا‏,‏ فهو له لأن الظاهر أنه له بحق فجرى ذلك مجرى اليد الثابتة وإذا اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعدوان‏؟‏ فالقول قول صاحب الخشب والبناء والمسيل مع يمينه لأن الظاهر معه‏.‏

فصل‏:‏

إذا ادعى رجل دارا في يد أخوين فأنكره أحدهما‏,‏ وأقر له الآخر ثم صالحه عما أقر له بعوض صح الصلح‏,‏ ولأخيه الأخذ بالشفعة ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كان الإنكار مطلقا وبين ما إذا قال‏:‏ هذه لنا ورثناها جميعا عن أبينا أو أخينا فيقال‏:‏ إذا كان الإنكار مطلقا كان له الأخذ بالشفعة‏,‏ وإن قال‏:‏ ورثناها عن أبينا فلا شفعة له لأن المنكر يزعم أن الملك لأخيه المقر لم يزل وأن الصلح باطل فيؤاخذ بذلك ولا يستحق به شفعة ووجه الأول‏,‏ أن الملك ثبت للمدعي حكما وقد رجع إلى المقر بالبيع وهو معترف بأنه بيع صحيح فتثبت فيه الشفعة كما لو كان الإنكار مطلقا ويجوز أن يكون انتقل نصيب المقر إلى المدعي ببيع أو هبة أو سبب من الأسباب‏,‏ فلا يتنافى إنكار المنكر وإقرار المقر كحالة إطلاق الإنكار وهذا أصح‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا تداعى نفسان جدارا معقودا ببناء كل واحد منهما تحالفا‏,‏ وكان بينهما وكذلك إن كان محلولا من بنائهما وإن كان معقودا ببناء أحدهما كان له مع يمينه‏]‏ وجملة ذلك أن الرجلين إذا تداعيا حائطا بين ملكيهما وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معا‏,‏ وهو أن يكون متصلا بهما اتصالا لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط مثل اتصال البناء بالطين كهذه الفطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض‏,‏ أو تساويا في كونه محلولا من بنائهما أي غير متصل ببنائهما الاتصال المذكور بل بينهما شق مستطيل‏,‏ كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر فهما سواء في الدعوى فإن لم يكن لواحد منهما بينة تحالفا فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط‏,‏ أنه له ويجعل بينهما نصفين لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط لكون الحائط في أيديهما وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه له‏,‏ وما هو لصاحبه جاز وهو بينهما وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لأن المختلفين في العين‏,‏ إذا لم يكن لواحد منهما بينة فالقول قول من هي في يده مع يمينه فإذا كانت في أيديهما كانت يد كل واحد منهما على نصفها‏,‏ فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما بينة‏,‏ تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما فإن لم يكن لهما بينة ونكلا عن اليمين‏,‏ كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى على الناكل‏,‏ فكان الكل للآخر وإن كان الحائط متصلا ببناء أحدهما دون الآخر فهو له مع يمينه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور‏:‏ لا يرجح بالعقد‏,‏ ولا ينظر إليه ولنا أن الظاهر أن هذا البناء بنى كله بناء واحدا فإذا كان بعضه لرجل‏,‏ كان بقيته له والبناء الآخر المحلول الظاهر أنه بنى وحده‏,‏ فإنه لو بنى مع هذا كان متصلا به فالظاهر أنه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه‏,‏ فوجب أن يرجح بهذا كاليد والأزج فإن قيل‏:‏ فلم لم تجعلوه له بغير يمين لذلك‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن ذلك ظاهر وليس بيقين‏,‏ إذ يحتمل أن يكون أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه أو كان له فوهبه إياه أو بناه بأجرة‏,‏ فشرعت اليمين من أجل الاحتمال كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين فأما إن كان معقودا ببناء أحدهما عقدا يمكن إحداثه مثل البناء باللبن والآجر‏,‏ فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبنى نصف لبنة أو آجرة أو يجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين فقال القاضي‏:‏ لا يرجح بهذا لاحتمال أن يكون صاحب الحائط فعل هذا ليتملك الحائط المشترك وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال‏,‏ كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن إحداثه لأن الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه بنزع آجره وتغيير بنائه‏,‏ وفعل ما يدل على ملكه فوجب أن يرجح بهذا كما يرجح باليد‏,‏ فإنه يمكن أن تكون يدا عادية حدثت بالغصب أو بالسرقة أو العارية أو الإجارة فلم يمنع ذلك الترجيح بها‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان لأحدهما عليه بناء‏,‏ كحائط مبنى عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة ونحوها فهو له وبهذا قال الشافعي لأن وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة عليه‏,‏ لكونه منتفعا به فجرى مجرى كون حمله على البهيمة وزرعه في الأرض ولأن الظاهر أن الإنسان لا يترك غيره يبني على حائطه وكذلك إن كانت له عليه سترة‏,‏ ولو كان في أصل الحائط خشبة طرفها تحت حائط ينفرد به أحدهما أو له عليها أزج معقود فالحائط المختلف فيه له لأن الظاهر أن الخشبة لمن ينفرد بوضع بنائه عليها‏,‏ فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان لأحدهما خشب موضوع فقال أصحابنا‏:‏ لا ترجح دعواه بذلك وهو قول الشافعي لأن هذا مما يسمح به الجار وقد ورد الخبر بالنهي عن المنع منه وعندنا إنه حق يجب التمكين منه فلم ترجح به الدعوى كإسناد متاعه إليه‏,‏ وتجصيصه وتزويقه ويحتمل أن ترجح به الدعوى وهو قول مالك لأنه منتفع به بوضع ماله عليه فأشبه الباني عليه والزارع في الأرض وورود الشرع بالنهي عن المنع منه‏,‏ لا يمنع كونه دليلا على الاستحقاق بدليل أنا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقا على الدوام حتى متى زال جازت إعادته‏,‏ ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه وأما السماح به فإن أكثر الناس لا يتسامحون به‏,‏ ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏‏,‏ طأطئوا رءوسهم كراهة لذلك فقال‏:‏ مالي أراكم عنها معرضين‏؟‏ والله لأرمين بها بين أكتافكم‏)‏ وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا‏,‏ ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه ولأن الحائط يبنى لذلك فيرجح به كالأزج وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد لأن الحائط لا يبنى له‏,‏ ويرجح بالجذعين لأن الحائط يبنى لهما ولنا أنه موضوع على الحائط فاستوى في ترجيح الدعوى به قليله وكثيره‏,‏ كالبناء‏.‏