فصل: فصل: وجوب العدة على الذمية من الذمي والمسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب العدد

الأصل في وجوب العدة‏:‏ الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏}‏ وأما السنة فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث‏,‏ إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا‏)‏ ‏(‏وقال لفاطمة بنت قيس‏:‏ اعتدي في بيت ابن أم مكتوم‏)‏ في أي وأحاديث كثيرة وأجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها وأجمعوا على أن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا‏}‏ ولأن العدة تجب لبراءة الرحم‏,‏ وقد تيقناها ها هنا وهكذا كل فرقة في الحياة كالفسخ لرضاع أو عيب‏,‏ أو عتق أو لعان أو اختلاف دين‏.‏

فصل

وتجب العدة على الذمية من الذمي والمسلم وقال أبو حنيفة‏:‏ إن لم تكن من دينهم‏,‏ لم تلزمها لأنهم لا يخاطبون بفروع الدين ولنا عموم الآيات ولأنها بائن بعد الدخول أشبه المسلمة وعدتها كعدة المسلمة‏,‏ في قول علماء الأمصار منهم مالك والثوري والشافعي‏,‏ وأبو عبيد وأصحاب الرأي ومن تبعهم إلا ما روي عن مالك‏,‏ أنه قال‏:‏ تعتد من الوفاة بحيضة ولنا عموم قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏}‏ ولأنها معتدة من الوفاة أشبهت المسلمة‏.‏

فصل

والمعتدات ثلاثة أقسام‏:‏ معتدة بالحمل وهي كل امرأة حامل من زوج‏,‏ إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته عنها حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة‏,‏ فعدتها بوضع الحمل ولو بعد ساعة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ والثاني معتدة بالقروء‏,‏ وهي كل معتدة من فرقة في الحياة أو وطء في غير نكاح إذا كانت ذات قرء‏,‏ فعدتها القرء لقول الله تعالى ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ والثالث معتدة بالشهور وهي كل من تعتد بالشهر إذا لم تكن ذات قرء لصغر‏,‏ أو يأس لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ وذوات القرء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وعدة الآيسة‏,‏ وكل من توفى عنها زوجها ولا حمل بها قبل الدخول أو بعده حرة أو أمة فعدتها بالشهور لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏}‏‏.‏

فصل

وكل فرقة بين زوجين فعدتها عدة الطلاق‏,‏ سواء كانت بخلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار‏,‏ أو إعتاق أو اختلاف دين أو غيره‏,‏ في قول أكثر أهل العلم وروي عن ابن عباس أن عدة الملاعنة تسعة أشهر وأبي ذلك سائر أهل العلم وقالوا‏:‏ عدتها عدة الطلاق لأنها مفارقة في الحياة‏,‏ فأشبهت المطلقة وأكثر أهل العلم يقولون‏:‏ عدة المختلعة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وعروة‏,‏ وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن‏,‏ والشعبي والنخعي والزهري‏,‏ وقتادة وخلاس بن عمرو وأبو عياض ومالك والليث‏,‏ والأوزاعي والشافعي وروي عن عثمان بن عفان‏,‏ وابن عمر وابن عباس وأبان بن عثمان‏,‏ وإسحاق وابن المنذر أن عدة المختلعة حيضة ورواه ابن القاسم عن أحمد لما روي ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه‏,‏ فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدتها حيضة رواه النسائي وعن ربيع بنت معوذ مثل ذلك وأن عثمان قضى به رواه النسائي وابن ماجه ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة‏,‏ فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏قرء الأمة حيضتان‏)‏ عام‏,‏ وحديثهم يرويه عكرمة مرسلا قال أبو بكر‏:‏ هو ضعيف مرسل وقول عثمان وابن عباس قد خالفه قول عمر وعلي‏,‏ فإنهما قالا‏:‏ عدتها ثلاث حيض وقولهما أولى وأما ابن عمر فقد روى مالك عن نافع‏,‏ أنه قال‏:‏ عدة المختلعة عدة مطلقة وهو أصح عنه‏.‏

فصل

والموطوءة بشبهة تعتد عدة المطلقة وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد وبهذا قال الشافعي لأن وطء الشبهة في النكاح الفاسد في شغل الرحم ولحوق النسب‏,‏ كالوطء في النكاح الصحيح فكان مثله فيما تحصل به البراءة وإن وطئت المزوجة بشبهة لم يحل لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدتها‏,‏ كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وله الاستمتاع منها بما دون الفرج في أحد الوجهين لأنها زوجة حرم وطؤها لعارض مختص بالفرج‏,‏ فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحائض‏.‏

فصل

والمزني بها كالموطوءة بشبهة في العدة وبهذا قال الحسن‏,‏ والنخعي وعن أحمد رواية أخرى أنها تستبرأ بحيضة ذكرها ابن أبي موسى وهذا قول مالك وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا عدة عليها وهو قول الثوري‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي لأن العدة لحفظ النسب ولا يلحقه نسب وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يدل على ذلك ولنا أنه وطء يقتضي شغل الرحم‏,‏ فوجبت العدة منه كوطء الشبهة وأما وجوبها كعدة المطلقة فلأنها حرة فوجب استبراؤها بعدة كاملة‏,‏ كالموطوءة بشبهة وقولهم‏:‏ إنما تجب لحفظ النسب لا يصح فإنها لو اختصت بذلك لما وجبت على الملاعنة المنفى ولدها‏,‏ والآيسة والصغيرة ولما وجب استبراء الأمة التي لا يلحق ولدها بالبائع‏,‏ ولو وجبت لذلك لكان استبراء الأمه على البائع ثم لو ثبت أنها وجبت لذلك‏,‏ فالحاجة إليها داعية فإن المزني بها إذا تزوجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزوج بالولد من الزنا فلا يحصل حفظ النسب‏.‏

مسألة

قال - رحمه الله- تعالى -‏:‏ ‏[‏وإذا طلق الرجل زوجته وقد خلا بها‏,‏ فعدتها ثلاث حيض غير الحيضة التي طلقها فيها‏]‏

في هذه المسألة‏:‏ ثلاثة فصول‏:‏

الفصل الأول

أن العدة تجب على كل من خلا بها زوجها وإن لم يمسها ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس فأما إن خلا بها ولم يصبها‏,‏ ثم طلقها فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال عروة‏,‏ وعلي بن الحسين وعطاء والزهري‏,‏ والثوري والأوزاعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي والشافعي في قديم قوليه وقال الشافعي في الجديد‏:‏ لا عدة عليها وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‏}‏ وهذا نص ولأنها مطلقة لم تمس‏,‏ فأشبهت من لم يخل بها ولنا إجماع الصحابة روى الإمام أحمد الأثرم‏,‏ بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال‏:‏ قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا أو أغلق بابا‏,‏ فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه الأثرم أيضا عن الأحنف عن عمر وعلي‏,‏ وعن سعيد بن المسيب عن عمر وزيد بن ثابت وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر‏,‏ فصارت إجماعا وضعف أحمد ما روي في خلاف ذلك وقد ذكرناه في كتاب الصداق ولأنه عقد على المنافع والتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلقة‏,‏ كعقد الإجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا يصح القياس على من لم يخل بها لأنه لم يوجد منها التمكين‏.‏

فصل ‏:‏

وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا فرق بين أن يخلو بها مع المانع من الوطء ، أو مع عدمه ، سواء كان المانع حقيقيا ، كالجب والعنة والفتق والرتق ، أو شرعيا كالصوم والإحرام والحيض والنفاس والظهار ؛ لأن الحكم علق هاهنا على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها ، ولهذا لو خلا بها فأتت بولد لمدة الحمل ، لحقه نسبه ، وإن لم يطأ ‏.‏ وقد روي عن أحمد ، أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع ، فكذلك يخرج في العدة ‏.‏ وروي عنه ، أن صوم شهر رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة ، وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا ، كالإحرام وشبهه ، منع كمال الصداق ، ولم تجب العدة ؛ لأن الخلوة إنما أقيمت مقام المسيس ؛ لأنها مظنة له ، ومع المانع لا تتحقق المظنة ‏.‏ فأما إن خلا بها ، وهي صغيرة لا يمكن وطؤها ، أو كان أعمى فلم يعلم بها ، فلا عدة عليها ، ولا يكمل صداقها ؛ لأن المظنة لا تتحقق مع ظهور استحالة المسيس‏.‏

الفصل الثاني

إن عدة المطلقة‏,‏ إذا كانت حرة وهي من ذوات القروء ثلاثة قروء بلا خلاف بين أهل العلم وذلك لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ والقرء في كلام العرب يقع على الحيض والطهر جميعا فهو من الأسماء المشتركة‏,‏ قال أحمد بن يحيى بن ثعلب‏:‏ القروء الأوقات الواحد قرء وقد يكون حيضا وقد يكون طهرا لأن كل واحد منهما يأتي لوقت قال الشاعر‏:‏

كرهت العقر عقر بني تميم ** إذا هبت لقاريها الرياح

يعني‏:‏ لوقتها وقال الخليل بن أحمد يقال‏:‏ أقرأت المرأة‏:‏ إذا دنا حيضها وأقرأت‏:‏ إذا دنا طهرها‏,‏ وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏دعي الصلاة أيام أقرائك فهذا الحيض‏)‏ وقال الشاعر‏:‏

مورثة عزا وفي الحي رفعة ** لما ضاع فيها من قروء نسائكا

فهذا الطهر واختلف أهل العلم في المراد بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ واختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فروى أنها الحيض روي ذلك عن عمر وعلي‏,‏ وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري‏,‏ والأوزاعي والعنبري وإسحاق وأبي عبيد‏,‏ وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وأبي موسى وعبادة بن الصامت‏,‏ وأبي الدرداء قال القاضي‏:‏ الصحيح عن أحمد أن الأقراء الحيض وإليه ذهب أصحابنا ورجع عن قوله بالأطهار‏,‏ فقال‏:‏ في رواية النيسابوري‏:‏ كنت أقول‏:‏ إنه الأطهار وأنا أذهب اليوم إلى أن الأقراء الحيض وقال في رواية الأثرم‏:‏ كنت أقول الأطهار ثم وقفت لقول الأكابر والرواية الثانية عن أحمد‏,‏ أن القروء الأطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة‏,‏ وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله‏,‏ وأبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك‏,‏ والشافعي وأبي ثور وقال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك قال ابن عبد البر‏:‏ رجع أحمد إلى أن القروء الأطهار قال في رواية الأثرم‏:‏ رأيت الأحاديث عمن قال‏:‏ القروء الحيض تختلف‏,‏ والأحاديث عمن قال‏:‏ إنه أحق بها حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديثها صحاح وقوية واحتج من قال ذلك بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ أي في عدتهن كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونضع الموازين القسط ليوم القيامة‏}‏ أي‏:‏ في يوم القيامة وإنما أمر بالطلاق في الطهر لا في الحيض ويدل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر‏:‏ مره ‏(‏فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏,‏ فإن شاء طلق وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء‏)‏ متفق عليه وفي رواية ابن عمر‏:‏ ‏(‏فطلقوهن في قبل عدتهن‏)‏ ولأنها عدة عن طلاق مجرد مباح‏,‏ فوجب أن يعتبر عقيب الطلاق وكعدة الآيسة والصغيرة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ فنقلهن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر فدل ذلك على أن الأصل الحيض‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا‏}‏ الآية ولأن المعهود في لسان الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏تدع الصلاة أيام أقرائها‏)‏ رواه أبو داود وقال لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ ‏(‏انظري‏,‏ فإذا أتى قرؤك فلا تصلي وإذا مر قرؤك‏,‏ فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء‏)‏ رواه النسائي ولم يعهد في لسانه استعماله بمعنى الطهر في موضع فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة طلقتان‏,‏ وقرؤها حيضتان‏)‏ رواه أبو داود وغيره فإن قالوا‏:‏ هذا يرويه مظاهر بن مسلم وهو منكر الحديث قلنا‏:‏ قد رواه عبد الله بن عيسى‏,‏ عن عطية العوفي عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن ماجه‏,‏ في ‏(‏ سننه‏)‏ وأبو بكر الخلال في ‏(‏ جامعه‏)‏ ‏,‏ وهو نص في عدة الأمة فكذلك عدة الحرة ولأن ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وجوب التربص ثلاثة كاملة ومن جعل القروء الأطهار‏,‏ لم يوجب ثلاثة لأنه يكتفي بطهرين وبعض الثالث فيخالف ظاهر النص ومن جعله الحيض‏,‏ أوجب ثلاثة كاملة فيوافق ظاهر النص فيكون أولى من مخالفته‏,‏ ولأن العدة استبراء فكانت بالحيض كاستبراء الأمة‏,‏ وذلك لأن الاستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل والذي يدل عليه الحيض فوجب أن يكون الاستبراء به فإن قيل‏:‏ لا نسلم أن استبراء الأمة بالحيضة‏,‏ وإنما هو بالطهر الذي قبل الحيضة كذلك قال ابن عبد البر وقال‏:‏ قولهم‏:‏ إن استبراء الأمة حيضة بإجماع ليس كما ظنوا بل جائز لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة‏,‏ واستيقنت أن دمها دم حيض كذلك قال إسماعيل بن إسحاق ليحيى بن أكثم حين دخل عليه في مناظرته إياه قلنا‏:‏ هذا يرده قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ ولأن الاستبراء تعرف براءة الرحم‏,‏ وإنما يحصل بالحيضة لا بالطهر الذي قبلها ولأن العدة تتعلق بخروج خارج من الرحم‏,‏ فوجب أن تتعلق بالطهر كوضع الحمل يحققه أن العدة مقصودها معرفة براءة المرأة من الحمل‏,‏ فتارة تحصل بوضعه وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض الذي لا يتصور وجوده معه فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ فيحتمل أنه أراد قبل عدتهن‏,‏ إذ لا يمكن حمله على الطلاق في العدة ضرورة أن الطلاق سبق العدة لكونه سببها‏,‏ والسبب يتقدم على الحكم فلا يوجد قبله والطلاق في الطهر تطليق قبل العدة إذا كانت الأقراء الحيض‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

أن الحيضة التي تطلق فيها ، لا تحسب من عدتها ‏.‏ بغير خلاف بين أهل العلم ؛ لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء ، فتناول ثلاثة كاملة ، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة ، فلا يعتد بها ‏.‏ ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض ؛ لما فيه من تطويل العدة عليها ، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءا ، كان أقصر لعدتها ، وأنفع لها ، فلم يكن محرما ، ومن قال ‏:‏ القروء الأطهار ‏.‏ احتسب لها بالطهر الذي طلقها فيه قرءا ، فلو طلقها وقد بقي من قرئها لحظة ، حسبها قرءا ، وهذا قول كل من قال ‏:‏ القروء الأطهار ‏.‏ إلا الزهري وحده ، قال ‏:‏ تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه ‏.‏ ‏.‏ وحكي عن أبي عبيد ، أنه إن كان جامعها في الطهر ، لم يحتسب ببقيته ؛ لأنه زمن حرم فيه الطلاق ، فلم يحتسب به من العدة ، كزمن الحيض ‏.‏ ولنا أن الطلاق حرم في زمن الحيض دفعا لضرر تطويل العدة عليها ، فلو لم يحتسب ببقية الطهر قرءا ، كان الطلاق في الطهر أضر بها ، وأطول عليها ، وما ذكر عن أبي عبيد لا يصح ؛ لأن تحريم الطلاق في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته ، فلا يجوز أن تجعل العلة في عدم الاحتساب تحريم الطلاق ، فتصير العلة معلولا ، وإنما تحريم الطلاق في الطهر الذي أصابها فيه ، لكونها مرتابة ، ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها ، فأما إن انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر ، فإن الطلاق يقع في أول الحيضة ، ويكون محرما ، ولا تحتسب بتلك الحيضة من عدتها ، وتحتاج أن تعتد بثلاث حيض بعدها ، أو ثلاثة أطهار ، على الرواية الأخرى ‏.‏ ولو قال لها ‏:‏ أنت طالق في آخر طهرك ‏.‏ أو في آخر جزء من طهرك ‏.‏ أو انقضت حروف الإيقاع ، ولم يبق من الطهر إلا زمن الوقوع ، فإنها لا تحتسب بالطهر الذي وقع فيه الطلاق ؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق ، وليس بعده طهر تعتد به ، ولا يجوز الاعتداد بما قبله ‏.‏ ولا بما قاربه ، ومن جعل القرء الحيض ، اعتد لها بالحيضة التي تلي الطلاق ؛ لأنها حيضة كاملة ، لم يقع فيها طلاق ، فوجب أن تعتد بها قرءا ‏.‏ وإن اختلفا ، فقال الزوج ‏:‏ وقع الطلاق في أول الحيض ‏.‏ وقالت ‏:‏ بل في آخر الطهر ‏.‏ أو قال ‏:‏ انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر ‏.‏ وقالت ‏:‏ بل قد بقي منه بقية ‏.‏ فالقول قولها ؛ لأن قولها مقبول في الحيض ، وفي انقضاء العدة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة‏,‏ أبيحت للأزواج‏]‏

حكى أبو عبد الله بن حامد في هذه المسألة‏:‏ روايتين‏:‏ إحداهما أنها في العدة ما لم تغتسل‏,‏ فيباح لزوجها ارتجاعها ولا يحل لغيره نكاحها قال أحمد عمر وعلى وابن مسعود يقولون‏:‏ قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم قال شريك له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة قال أبو بكر وروي عن أبي عبد الله أنها في عدتها ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها وهذا قول الثوري وبه قال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر الحيض فإن انقطع لأكثره‏,‏ انقضت العدة بانقطاعه ووجه اعتبار الغسل قول الأكابر من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض‏,‏ فأشبهت الحائض والرواية الثانية أن العدة تنقضي بطهرها من الحيضة الثالثة وانقطاع دمها اختاره أبو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي في القديم لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وقد كملت القروء بدليل وجوب الغسل عليها‏,‏ ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها‏,‏ ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان‏,‏ والنفقة فكذلك فيما نحن فيه قال القاضي‏:‏ إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه إباحة الرجعة وتحريمها على الأزواج‏,‏ فأما سائر الأحكام فإنها تنقطع بانقطاع دمها‏.‏

فصل‏:‏

وإن قلنا‏:‏ القروء الأطهار فطلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة‏,‏ وإن طلقها حائضا انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الرابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ومالك وأبي ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكى عنه قول آخر‏,‏ لا تنقضى العدة حتى يمضى من الدم يوم وليلة لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا نحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال وحكى القاضي هذا احتمالا في مذهبنا أيضا ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص‏,‏ فلا يعول عليه ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم عنهم بإسناده‏,‏ ولفظ حديث زيد بن ثابت ‏(‏إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها‏,‏ ولا ترثه ولا يرثها‏)‏ وقولهم‏:‏ إن الدم يجوز أن يكون دم فساد قلنا‏:‏ قد حكم بكونه حيضا في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض‏,‏ فكذلك في انقضاء العدة ثم إن كان التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال فإذا تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم‏,‏ كما لو قال لها‏:‏ إن حضت فأنت طالق اختلف القائلون بهذا القول فمنهم من قال‏:‏ اليوم والليلة من العدة لأنه دم تكمل به العدة فكان منها‏,‏ كالذي في أثناء الأطهار ومنهم من قال‏:‏ ليس منها إنما يتبين به انقضاؤها ولأننا لو جعلناه منها‏,‏ أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ولكنا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة ولو راجعها زوجها فيها‏,‏ لم تصح الرجعة وهذا أصح الوجهين‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت أمة فإذا اغتسلت من الحيضة الثانية‏]‏

أكثر أهل العلم يقولون‏:‏ عدة الأمة بالقرء قرءان منهم عمر وعلي وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعبد الله بن عتبة والقاسم وسالم وزيد بن أسلم والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن ابن سيرين‏,‏ عدتها عدة الحرة إلا أن تكون قد مضت بذلك سنة وهو قول داود لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏قرء الأمة حيضتان‏)‏ وقد ذكرناه وقول عمر وعلي وابن عمر‏,‏ ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان إجماعا وهذا يخص عموم الآية ولأنه معنى ذو عدد‏,‏ بنى على التفاضل فلا تساوي فيه الأمة الحرة كالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا‏,‏ كما كان حدها على النصف من حد الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين‏,‏ ولهذا قال عمر رضي الله عنه‏:‏ لو أستطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفا لفعلت فإذا تقرر هذا فانقضاء عدتها بالغسل من الحيضة الثانية في إحدى الروايتين‏,‏ وفي الأخرى بانقطاع الدم من الحيضة الثانية وعلى الرواية التي تقول‏:‏ إن القروء الأطهار فانقضاء عدتها برؤية الدم من الحيضة الثانية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت من الآيسات أو ممن لم يحضن‏,‏ فعدتها ثلاثة أشهر‏]‏

أجمع أهل العلم على هذا لأن الله تعالى ذكره في كتابه بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ فإن كان الطلاق في أول الهلال اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏}‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم‏}‏ ولم يختلف الناس في أن الأشهر الحرم معتبرة بالأهلة وإن وقع الطلاق في أثناء شهر اعتدت بقيته ثم اعتدت شهرين بالأهلة‏,‏ ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة تحتسب بقية الأول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الأول تاما كان أو ناقصا لأنه لو كان من أول الهلال‏,‏ كانت العدة بالأهلة فإذا كان من بعض الشهر وجب قضاء ما فات منه وخرج أصحابنا وجها ثانيا‏,‏ أن جميع الشهور محسوبة بالعدد وهو قول ابن بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من بعض الشهر فيجب أن يحسب بالعدد‏,‏ وكذلك الثالث ولنا أن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والأصل الهلال‏,‏ فإذا أمكن اعتبار الهلال اعتبروا وإذا تعذر‏,‏ رجع إلى العدد وفي هذا انفصال عما ذكر لأبي حنيفة وأما التخريج الذي ذكرناه فإنه لا يلزم إتمام الشهر الأول من الثاني ويجوز أن يكون تمامه من الرابع‏.‏

فصل

وتجب العدة من الساعة التي فارقها زوجها فيها‏,‏ فلو فارقها نصف الليل أو نصف النهار اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله في قول أكثر أهل العلم وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ لا تحتسب بالساعات‏,‏ وإنما تحتسب بأول الليل والنهار فإذا طلقها نهارا احتسبت من أول الليل الذي يليه‏,‏ وإن طلقها ليلا احتسبت بأول النهار الذي يليه وهذا قول مالك لأن حساب الساعات يشق‏,‏ فسقط اعتباره ولنا قول الله تعالى ‏{‏فعدتهن ثلاثة أشهر‏}‏ فلا تجوز الزيادة عليها بغير دليل وحساب الساعات ممكن إما يقينا‏,‏ وإما استظهارا فلا وجه للزيادة على ما أوجبه الله تعالى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والأمة شهران‏]‏

اختلفت الروايات عن أبي عبد الله في عدة الأمة فأكثر الروايات عنه‏,‏ أنها شهران رواه عنه جماعة من أصحابه واحتج فيه بقول عمر رضي الله عنه‏:‏ عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كان عدتها شهرين رواه الأثرم عنه بإسناده وهذا قول عطاء‏,‏ والزهري وإسحاق وأحد قولي الشافعي لأن الأشهر بدل من القروء وعدة ذات القروء قرءان فبدلهما شهران‏,‏ ولأنها معتدة بالشهور عن غير الوفاة فكان عددها كعدد القروء لو كانت ذات قروء‏,‏ كالحرة والرواية الثانية أن عدتها شهر ونصف نقلها الميموني والأثرم‏,‏ واختارها أبو بكر وهذا قول علي رضي الله عنه وروي ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وسالم والشعبي والثوري وأصحاب الرأي وهو قول ثان للشافعي لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر ونصف‏,‏ وإنما كملنا لذات الحيض حيضتين لتعذر تبعيض الحيضة فإذا صرنا إلى الشهور‏,‏ أمكن التنصيف فوجب المصير إليه كما في عدة الوفاة‏,‏ ويصير هذا كالمحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مد أجزأه إخراجه‏,‏ فإن أراد الصيام مكانه صام يوما كاملا ولأنها عدة أمكن تنصيفها فكانت على النصف من عدة الحرة‏,‏ كعدة الوفاة ولأنها معتدة بالشهور فكانت على النصف من عدة الحرة كالمتوفى عنها زوجها والرواية الثالثة أن عدتها ثلاثة أشهر‏,‏ وروي ذلك عن الحسن ومجاهد وعمر بن عبد العزيز والنخعي ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وهو القول الثالث للشافعي لعموم قوله تعالى ‏{‏فعدتهن ثلاثة أشهر‏}‏ ولأنه استبراء للأمة الآيسة بالشهور فكان ثلاثة أشهر‏,‏ كاستبراء الأمة إذا ملكها أو مات سيدها ولأن اعتبار الشهور ها هنا للعلم ببراءة رحمها‏,‏ ولا يحصل هذا بدون ثلاثة أشهر في الحرة والأمة جميعا لأن الحمل يكون نطفة أربعين يوما وعلقة أربعين يوما‏,‏ ثم يصير مضغة ثم يتحرك ويعلو بطن المرأة‏,‏ فيظهر الحمل وهذا معنى لا يختلف بالرق والحرية ولذلك كان استبراء الأمة في حق سيدها ثلاثة أشهر ومن رد هذه الرواية قال‏:‏ هي مخالفة لإجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين الأولين‏,‏ ومتى اختلف الصحابة على قولين لم يجز إحداث قول ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم‏,‏ ولا يجوز ذلك ولأنها معتدة لغير الحمل فكانت دون عدة الحرة‏,‏ كذات القروء المتوفى عنها زوجها‏.‏

فصل

واختلف عن أحمد في السن الذي تصير به المرأة من الآيسات فعنه‏:‏ أوله خمسون سنة لأن عائشة قالت‏:‏ لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد خمسين سنة وعنه‏:‏ إن كانت من نساء العجم فخمسون وإن كانت من نساء العرب فستون لأنهن أقوى طبيعة وقد ذكر الزبير بن بكار في كتاب ‏"‏ النسب ‏"‏‏,‏ أن هندا بنت أبي عبيدة ابن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال‏:‏ يقال‏:‏ إنه لن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وللشافعي قولان‏:‏ أحدهما‏,‏ يعتبر السن الذي يتيقن أنه إذا بلغته لم تحض قال بعضهم‏:‏ هو اثنان وستون سنة والثاني يعتبر السن الذي ييأس فيه نساء عشيرتها لأن الظاهر أن نشأها كنشئهن وطبعها كطبعهن والصحيح -إن شاء الله تعالى- أنه متى بلغت المرأة خمسين سنة‏,‏ فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة لأن وجود الحيض في حق هذه نادر بدليل قول عائشة وقلة وجوده‏,‏ فإذا انضم إلى هذا انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده فلها حينئذ أن تعتد بالأشهر‏,‏ وإن انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها‏,‏ فهو حيض في الصحيح لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادرا وإن رأته بعد الستين‏,‏ فقد تيقن أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد ذلك قال الخرقي وإذا رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالأشهر‏,‏ كالتى لا ترى دما‏.‏

فصل

وأقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين لأن المرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من تحيض لتسع وقد روي عن الشافعي أنه قال‏:‏ رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة فهذه إذا أسقطت من عمرها مدة الحملين في الغالب عاما ونصفا وقسمت الباقي بينها وبين ابنتها‏,‏ كانت كل واحدة منهما قد حلمت لدون عشر سنين فإن رأت دما قبل ذلك فليس بحيض لأنه لم يوجد مثلها متكررا والمعتبر من ذلك ما تكرر ثلاث مرات في حال الصحة‏,‏ ولم يوجد ذلك فلا يعتد به‏.‏

فصل

فإن بلغت سنا تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض‏,‏ كخمس عشرة سنة فعدتها ثلاثة أشهر في ظاهر قول الخرقي‏,‏ وهو قول أبي بكر وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وضعف أبو بكر الرواية المخالفة لهذا وقال‏:‏ رواها أبو طالب فخالف فيها أصحابه وذلك ما روى أبو طالب عن أحمد أنها تعتد سنة قال القاضي‏:‏ هذه الرواية أصح لأنه متى أتى عليها زمان الحيض فلم تحض‏,‏ صارت مرتابة يجوز أن يكون بها حمل منع حيضها فيجب أن تعتد بسنة‏,‏ كالتي ارتفع حيضها بعد وجوده ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ وهذه من اللائي لم يحضن ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها‏,‏ ولهذا لو حاضت قبل بلوغ سن يحيض لمثله النساء في الغالب مثل أن تحيض ولها عشر سنين اعتدت بالحيض‏,‏ وفارق من ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه فإنها من ذوات القروء وهذه لم تكن منهن‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وهي أمة‏,‏ فلم تنقض عدتها حتى أعتقت بنت على عدة حرة وإن طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فأعتقت‏,‏ اعتدت عدة أمة‏]‏

هذا قول الحسن والشعبي والضحاك وإسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد أقوال الشافعي والقول الثاني تكمل عدة أمة سواء كانت بائنا أو رجعية وهو قول مالك وأبي ثور لأن الحرية طرأت بعد وجوب العدة عليها‏,‏ فلا يعتبر حكمها كما لو كانت بائنا أو كما لو طرأت بعد وجوب الاستبراء ولأنه معنى يختلف بالرق والحرية‏,‏ فكان الاعتبار بحالة الوجوب كالحد وقال عطاء والزهري وقتادة تبني على عدة حرة بكل حال وهو القول الثالث للشافعي لأن سبب العدة الكاملة إذا وجد في أثناء العدة انتقلت إليها وإن كانت بائنا‏,‏ كما لو اعتدت بالشهور ثم رأت الدم ولنا أنها إذا أعتقت وهي رجعية فقد وجدت الحرية وهي زوجة تعتد عدة الوفاة لو مات‏,‏ فوجب أن تعتد عدة الحرائر كما لو أعتقت قبل الطلاق وإن أعتقت وهي بائن فلم توجد الحرية في الزوجية‏,‏ فلم تجب عليها عدة الحرائر كما لو أعتقت بعد مضي القرأين ولأن الرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة لو مات فتنتقل إلى عدة الحرائر‏,‏ والبائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة فلا تنتقل إلى عدة الحرائر كما لو انقضت عدتها وما ذكرناه لمالك يبطل بما إذا مات زوج الرجعية‏,‏ فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة والفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا حاضت الصغيرة أن الشهور بدل عن الحيض‏,‏ فإذا وجد المبدل زال حكم البدل كالمتيمم يجد الماء‏,‏ وليس كذلك ها هنا فإن عدة الأمة ليست ببدل ولذلك تبني الأمة على ما مضى من عدتها اتفاقا‏,‏ وإذا حاضت الصغيرة استأنفت العدة فافترقا وتخالف الاستبراء فإن الحرية لو قارنت سبب وجوبه لم تكمل‏,‏ ألا ترى أن أم الولد إذا مات سيدها عتقت لموته ووجب الاستبراء كما يجب على التي لم تعتق‏,‏ ولأن الاستبراء لا يختلف بالرق والحرية بخلاف مسألتنا‏.‏

فصل

إذا عتقت الأمة تحت العبد فاختارت نفسها‏,‏ اعتدت عدة الحرة لأنها بانت من زوجها وهي حرة وقد روى الحسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة‏)‏ وإن طلقها العبد طلاقا رجعيا فأعتقها سيدها‏,‏ بنت على عدة الحرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح لأنها عتقت في عدة رجعية وإن لم تفسخ فراجعها في عدتها‏,‏ فلها الخيار بعد رجعتها فإن اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف العدة‏,‏ أم تبني على ما مضى من عدتها‏؟‏ على وجهين فإن قلنا‏:‏ تستأنف فإنها تستأنف عدة حرة وإن قلنا‏:‏ تبني بنت على عدة حرة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا طلقها وهي ممن قد حاضت فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه‏,‏ اعتدت سنة‏]‏

وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته وهي من ذوات الأقراء‏,‏ فلم تر الحيض في عادتها ولم تدر ما رفعه فإنها تعتد سنة تسعة أشهر منها تتربص فيها لتعلم براءة رحمها لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل‏,‏ فإذا لم يبن الحمل فيها علم براءة الرحم ظاهرا فتعتد بعد ذلك عدة الآيسات‏,‏ ثلاثة أشهر هذا قول عمر رضي الله عنه قال الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه وبه قال مالك‏,‏ والشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن الحسن وقال الشافعي في قول آخر‏:‏ تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر لأن هذه المدة هي التي يتيقن بها براءة رحمها‏,‏ فوجب اعتبارها احتياطا وقال في الجديد‏:‏ تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس‏,‏ تعتد حينئذ بثلاثة أشهر وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وطاوس والشعبي والنخعي والزهري وأبي الزناد والثوري وأبي عبيد وأهل العراق لأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله وهذه ليست آيسة‏,‏ ولأنها ترجو عود الدم فلم تعتد بالشهور كما لو تباعد حيضها لعارض ولنا الإجماع الذي حكاه الشافعي‏,‏ ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا تحصل به براءة رحمها فاكتفى به‏,‏ ولهذا اكتفى في حق ذات القرء بثلاثة قروء وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين‏,‏ لاعتبر أقصى مدة الحمل ولأن عليها في تطويل العدة ضررا فإنها تمنع من الأزواج‏,‏ وتحبس دائما ويتضرر الزوج بإيجاب السكنى والنفقة عليه وقد قال ابن عباس‏:‏ لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر فإن قيل‏:‏ فإذا مضت تسعة أشهر‏,‏ فقد علم براءة رحمها ظاهرا فلم اعتبرتم ثلاثة أشهر بعدها‏؟‏ قلنا‏:‏ الاعتداد بالقروء والأشهر إنما يكون عند عدم الحمل وقد تجب العدة مع العلم ببراءة الرحم‏,‏ بدليل ما لو علق طلاقها بوضع الحمل فوضعته وقع الطلاق‏,‏ ولزمتها العدة‏.‏

فصل

فإن عاد الحيض إليها في السنة ولو في آخرها لزمها الانتقال إلى القروء لأنها الأصل‏,‏ فبطل بها حكم البدل وإن عاد بعد مضيها ونكاحها لم تعد إلى القروء لأن عدتها انقضت وحكمنا بصحة نكاحها فلم تبطل‏,‏ كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر وتزوجت ثم حاضت وإن حاضت بعد السنة‏,‏ وقبل نكاحها ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا تعود لأن العدة انقضت بالشهور‏,‏ فلم تعد كالصغيرة والثاني تعود لأنها من ذوات القروء‏,‏ وقد قدرت على المبدل قبل تعلق حق زوج بها فلزمها العود كما لو حاضت في السنة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت أمة‏,‏ اعتدت بأحد عشر شهرا تسعة أشهر للحمل وشهران للعدة‏]‏

هذه المسألة‏:‏ مبنية على أصلين‏:‏ أحدهما‏,‏ أن الحرة تعتد بسنة إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه الثاني أن عدة الأمة الآيسة شهران فتتربص تسعة أشهر لأن مدة الحمل تتساوى فيها الحرة والأمة لكونه أمرا حقيقيا‏,‏ فإذا يئست من الحمل اعتدت عدة الآيسة شهرين وعلى الرواية التي جعل عدتها شهرا ونصفا تكون عدتها عشرة أشهر ونصفا ومن جعلها ثلاثة أشهر‏,‏ فعدتها سنة كالحرة‏.‏

مسألة‏:‏

قال ‏:‏ وإن عرفت ما رفع الحيض ، كانت في عدة حتى يعود الحيض ، فتعتد به ، إلا أن تصير من الآيسات ، فتعتد بثلاثة أشهر من وقت تصير في عداد الآيسات أما إذا عرفت أن ارتفاع الحيض بعارض ؛ من مرض ، أو نفاس ، أو رضاع ، فإنها تنتظر زوال العارض ، وعود الدم وإن طال ، إلا أن تصير في سن الإياس ، وقد ذكرناه ‏.‏ فعند ذلك تعتد عدة الآيسات ‏.‏ وقد روى الشافعي ، في مسنده بإسناده عن حبان بن منقذ أنه طلق امرأته طلقة واحدة ، وكانت لها منه بنية ترضعها ، فتباعد حيضها ، ومرض حبان ، فقيل له ‏:‏ إنك إن مت ورثتك ‏.‏ فمضى إلى عثمان وعنده علي وزيد بن ثابت فسأله عن ذلك ، فقال عثمان لعلي وزيد ما تريان ‏؟‏ فقالا ‏:‏ نرى أنها إن ماتت ورثها ، وإن مات ورثته ؛ لأنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ، ولا من الأبكار اللائي لم يبلغن المحيض ‏.‏ فرجع حبان إلى أهله ، فانتزع البنت منها ، فعاد إليها الحيض ، فحاضت حيضتين ، ومات حبان قبل انقضاء الثالثة ، فورثها عثمان رضي الله عنه ‏.‏ وروى الأثرم بإسناده عن محمد بن يحيى بن حبان ، أنه كانت عند جده امرأتان ؛ هاشمية ، وأنصارية ، فطلق الأنصارية وهي مرضع ، فمرت بها سنة ، ثم هلك ولم تحض ، فقالت الأنصارية ‏:‏ لم أحض ‏.‏ فاختصموا إلى عثمان رضي الله عنه فقضى لها بالميراث ، فلامت الهاشمية عثمان فقال ‏:‏ هذا عمل ابن عمك ، هو أشار علينا بهذا ‏.‏ يعني علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن حاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه لم تنقض عدتها إلا بعد سنة بعد انقطاع الحيض‏]‏

وذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏,‏ في رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه‏:‏ تجلس تسعة أشهر‏,‏ فإذا لم يستبن بها حمل تعتد بثلاثة أشهر فذلك سنة ولا نعرف له مخالفا قال ابن المنذر‏:‏ قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار‏,‏ ولم ينكره منكر وقال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة‏,‏ ثم يرتفع حيضها قال‏:‏ أذهب إلى حديث عمر إذا رفعت حيضتها فلم تدر مما ارتفعت فإنها تنتظر سنة قيل له‏:‏ فحاضت دون السنة فقال‏:‏ ترجع إلى الحيضة قيل له‏:‏ فإن ارتفعت حيضتها أيضا لا تدري مما ارتفعت‏؟‏ قال‏:‏ تقعد سنة أخرى وهذا قول كل من وافقنا في المسألة‏:‏ الأولى وذلك لأنها لما ارتفعت حيضتها‏,‏ حصلت مرتابة فوجب أن تنتقل إلى الاعتداد بسنة كما لو ارتفع حيضها حين طلقها‏,‏ ‏,‏ ووجب عليها سنة كاملة لأن العدة لا تنبني على عدة أخرى ولذلك لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست‏,‏ انتقلت إلى ثلاثة أشهر كاملة ولو اعتدت الصغيرة شهرا أو شهرين ثم حاضت‏,‏ انتقلت إلى ثلاثة قروء‏.‏

فصل

فإن كانت عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض وإن طالت لأن هذه لم يرتفع حيضها‏,‏ ولم تتأخر عن عادتها فهي من ذوات القروء باقية على عادتها‏,‏ فأشبهت من لم يتباعد حيضها ولا نعلم في هذا مخالفا‏.‏

فصل

في عدة المستحاضة لا تخلو إما أن يكون لها حيض محكوم به بعادة أو تمييز أو لا تكون كذلك فإن كان لها حيض محكوم به بذلك‏,‏ فحكمها فيه حكم غير المستحاضة إذا مرت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها قال أحمد المستحاضة تعتد أيام أقرائها التي كانت تعرف وإن علمت أن لها في كل شهر حيضة‏,‏ ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر وإن شكت في شيء تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها‏,‏ أو ناسية لا تعرف لها وقتا ولا تمييزا فعن أحمد فيها روايتان‏:‏ إحداهما أن عدتها ثلاثة أشهر وهو قول عكرمة وقتادة وأبي عبيد لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر حمنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة‏,‏ فجعل لها حيضة في كل شهر تترك فيها الصلاة والصيام ويثبت فيها سائر أحكام الحيض فيجب أن تنقضي به العدة لأن ذلك من أحكام الحيض والرواية الثانية‏,‏ تعتد سنة بمنزلة من رفعت حيضتها لا تدري ما رفعها قال أحمد إذا كانت قد اختلطت ولم تعلم إقبال الدم وإدباره اعتدت سنة لحديث عمر لأن به يتبين الحمل وهو قول مالك وإسحاق لأنها لم تتيقن لها حيضا‏,‏ مع أنها من ذوات القروء فكانت عدتها سنة كالتي ارتفع حيضها وعلى الرواية الأولى‏,‏ ينبغي أن يقال‏:‏ إننا متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها وإن قلنا‏:‏ القروء الأطهار فطلقها في آخر شهر‏,‏ ثم مر لها شهران وهل الثالث انقضت عدتها وهذا مذهب الشافعي‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو طلقها وهي من اللائي لم يحضن فلم تنقض عدتها بالشهور حتى حاضت‏,‏ استقبلت العدة بثلاث حيض إن كانت حرة وبحيضتين إن كانت أمة‏]‏

وجملته أن الصغيرة التي لم تحض أو البالغ التي لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعة‏,‏ لزمها استئناف العدة في قول عامة علماء الأمصار منهم سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وقتادة والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأهل المدينة وأهل البصرة وذلك لأن الشهور بدل عن الحيض‏,‏ فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء ويلزمها أن تعتد بثلاث حيض إن قلنا‏:‏ القروء الحيض وإن قلنا‏:‏ القروء الأطهار فهل تعتد بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءا‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما تعتد به لأنه طهر انتقلت منه إلى حيض‏,‏ فأشبه الطهر بين الحيضتين والثاني لا تعتد به وهو ظاهر كلام الشافعي لأن القرء هو الطهر بين حيضتين وهذا لم يتقدمه حيض فلم يكن قرءا فأما إن انقضت عدتها بالشهور‏,‏ ثم حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه معنى حدث بعد انقضاء العدة كالتى حاضت بعد انقضاء العدة بزمن طويل‏,‏ ولا يمكن منع هذا الأصل لأنه لو صح منعه لم يحصل لمن لم تحض الاعتداد بالشهور بحال‏.‏

فصل

ولو حاضت حيضة أو حيضتين ثم صارت من الآيسات‏,‏ استأنفت العدة بثلاثة أشهر لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر إتمامها بالحيض فوجب تكميلها بالأشهر وإن ظهر بها حمل من الزوج‏,‏ سقط حكم ما مضى وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا لأن الحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل لأقل من ستة أشهر منذ انقضت الحيضة الثالثة تبينا أن الدم ليس بحيض لأنها كانت حاملا مع رؤية الدم‏,‏ والحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل يمكن أن يكون حادثا بعد قضاء العدة بأن تأتي به لستة أشهر منذ فرغت من عدتها‏,‏ لم تلحق بالزوج وحكمنا بصحة الاعتداد وكان هذا الولد حادثا وإن أتت به لدون ذلك‏,‏ تبينا أن الدم ليس بحيض لأنه لا يجوز وجوده في مدة الحمل‏.‏

فصل

وإذا ارتابت المعتدة ومعناه أن ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة ونحوهما وشكت هل هو حمل أم لا‏؟‏ فلا يخلو من ثلاثة أحوال‏:‏ أحدها أن تحدث بها الريبة قبل انقضاء عدتها‏,‏ فإنما تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه‏,‏ فإن زالت وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالقروء أو الشهور فإن زوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات في الظاهر ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل‏,‏ أنه يصح النكاح لأنا تبينا أنها تزوجت بعد انقضاء عدتها الثاني‏:‏ أن تظهر الريبة بعد قضاء عدتها والتزوج فالنكاح صحيح لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه‏,‏ فلا يزول به ما حكم بصحته لكن لا يحل لزوجها وطؤها لأننا شككنا في صحة النكاح‏,‏ ولأنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ثم ننظر فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكحها وهي حامل‏,‏ وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به ونكاحه صحيح الحال الثالث‏,‏ ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان أحدهما لا يحل لها أن تتزوج‏,‏ وإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها تتزوج مع الشك في انقضاء العدة فلم يصح كما لو وجدت الريبة في العدة‏,‏ ولأننا لو صححنا النكاح لوقع موقوفا ولا يجوز كون النكاح موقوفا‏,‏ ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك لم يجز أن يتزوج أختها لأن نكاحها يكون موقوفا على إسلام الأولى والثاني يحل لها النكاح ويصح لأننا حكمنا بانقضاء العدة‏,‏ وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكم به بالشك الطارئ‏,‏ ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده ورجوع الشهود‏.‏

فصل

وإذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أخرجت بالقرعة وعليها العدة دون غيرها‏,‏ وتحسب عدتها من حين طلق لا من حين القرعة وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ففي قول أصحابنا‏,‏ الحكم فيها كذلك والصحيح أنه يحرم عليه الجميع فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدة الطلاق والوفاة لأن النكاح كان ثابتا بيقين‏,‏ وكل واحدة منهن يجوز أن تكون هي المطلقة وأن تكون زوجة فوجب أقصى الأجلين إن كان الطلاق بائنا‏,‏ ليسقط الفرض بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلي خمس صلوات‏,‏ لكن ابتداء القرء من حين طلق وابتداء عدة الوفاة من حين الموت وهذا مذهب الشافعي وإن طلق الجميع ثلاثا بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن وإن طلق ثلاثا وأنسيهن‏,‏ فهو كما لو طلق واحدة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو مات عنها وهو حر أو عبد قبل الدخول أو بعده‏,‏ انقضت عدتها لتمام أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة ولتمام شهرين وخمسة أيام‏,‏ إن كانت أمة‏]‏

أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها‏,‏ سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا‏)‏ متفق عليه فإن قيل‏:‏ ألا حملتم الآية على المدخول بها‏,‏ كما قلتم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ قلنا‏:‏ إنما خصصنا هذه بقوله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‏}‏ ولم يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص لوجهين‏:‏ أحدهما أن النكاح عقد عمر‏,‏ فإذا مات انتهى والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل‏,‏ وأحكام الإجارة بانقضائها والعدة من أحكامه الثاني أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت‏,‏ فلا يؤمن أن تأتي بولد فيلحق الميت نسبه وما له من ينفيه‏,‏ فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها عن التصرف والمبيت في غير منزلها حفظا لها إذا ثبت هذا فإنه لا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم وحكى عن مالك أنها إذا كانت مدخولا بها‏,‏ وجبت أربعة أشهر وعشر فيها حيضة واتباع الكتاب والسنة أولى ولأنه لو اعتبر الحيض في حقها‏,‏ لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة وهذا الخلاف يختص بذات القرء فأما الآيسة والصغيرة‏,‏ فلا خلاف فيهما وأما الأمة المتوفى عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار‏,‏ والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم إلا ابن سيرين فإنه قال‏:‏ ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة‏,‏ إلا أن تكون قد مضت في ذلك سنة فإن السنة أحق أن تتبع وأخذ بظاهر النص وعمومه ولنا اتفاق الصحابة‏,‏ رضي الله عنهم على أن عدة الأمة المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة‏.‏

فصل

والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال بأيامها فتجب عشرة أيام مع الليالي وبهذا قال مالك والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي ‏,‏ وقال الأوزاعي يجب عشر ليال وتسعة أيام لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعا قلنا‏:‏ العرب تغلب اسم التأنيث في العدد خاصة على المذكر‏,‏ فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها كما قال الله تعالى لزكريا‏:‏ ‏{‏آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا‏}‏ يريد بأيامها بدليل أنه قال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا‏}‏ يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان‏,‏ لزمه الليالي والأيام ويقول القائل‏:‏ سرنا عشرا يريد الليالي بأيامها فلم يجز نقلها عن العدة إلى الإباحة بالشك‏.‏

فصل

وإذا مات زوج الرجعية‏,‏ استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه‏,‏ وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة وإن مات مطلق البائن في عدتها‏,‏ بنت على عدة الطلاق إلا أن يطلقها في مرض موته فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء نص على هذا أحمد وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن‏,‏ وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر تبني على عدة الطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة ولنا أنها وارثة له‏,‏ فيجب عليها عدة الوفاة كالرجعية وتلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم‏,‏ وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل‏,‏ أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته وقال القاضي‏:‏ عليهن عدة الوفاة إذا قلنا‏:‏ يرثنه لأنهن يرثنه بالزوجية‏,‏ فتجب عليهن عدة الوفاة كما لو مات بعد الدخول وقبل قضاء العدة ورواه أبو طالب عن أحمد في التي انقضت عدتها وذكر ابن أبي موسى فيها روايتين والصحيح أنها لا عدة عليها لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‏}‏ وقال ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ فلا يجوز تخصيص هذه النصوص بالتحكم‏,‏ ولأنها أجنبية تحل للأزواج ويحل للمطلق نكاح أختها وأربع سواها فلم تجب عليها عدة لموته‏,‏ كما لو تزوجت وتخالف التي مات في عدتها فإنها لا تحل لغيره في هذه الحال‏,‏ ولم تنقض عدتها ولا نسلم أنها ترثه فإنها لو ورثته لأفضى إلى أن يرث الرجل ثماني زوجات فأما إن تزوجت إحدى هؤلاء‏,‏ فلا عدة عليها بغير خلاف نعلمه ولا ترثه أيضا وإن كانت المطلقة البائن لا ترث‏,‏ كالأمة أو الحرة يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم والمختلعة أو فاعلة ما يفسخ نكاحها‏,‏ لم تلزمها عدة سواء مات زوجها في عدتها أو بعدها على قياس قول أصحابنا‏,‏ فهم عللوا نقلها إلى عدة الوفاة بإرثها وهذه ليست وارثة فأشبهت المطلقة في الصحة وأما المطلقة في الصحة إذا كانت بائنا‏,‏ فمات زوجها فإنها تبني على عدة الطلاق ولا تعتد للوفاة وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة عليها أطول الأجلين‏,‏ كما لو طلقها في مرض موته ولنا قوله سبحانه ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ ولأنها أجنبية منه في نكاحه وميراثه والحل له ووقوع طلاقه‏,‏ وظهاره وتحل له أختها وأربع سواها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها وذكر القاضي‏,‏ في المطلقة في المرض أنها إذا كانت حاملا تعتد أطول الأجلين وليس هذا بشيء لأن وضع الحمل تنقضي به كل عدة‏,‏ ولا يجوز أن يجب عليها الاعتداد بغير الحمل على ما سنذكره في المسألة‏:‏ التي تلي هذه -إن شاء الله تعالى-‏.‏