فصل: فصل: ولا يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ثم أولادهم وإن سفلوا‏,‏ ثم العمومة ثم أولادهم وإن سفلوا ثم عمومة الأب

وجملته أن الولاية بعد من ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب‏,‏ فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية فأولاهم بعد الآباء بنو المرأة ثم بنوهم وإن سفلوا‏,‏ ثم بنوا أبيها وهم الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جدها وهم الأعمام‏,‏ ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن سفلوا‏,‏ ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم‏,‏ وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لأن مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة‏,‏ فأقربهم أشفقهم ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم‏.‏

فصل‏:‏

ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال‏,‏ وعم الأم والجد أبي الأم ونحوهم

نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية‏,‏ أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه من أهل ميراثها فوليها كعصباتها ولنا ما روي عن علي‏,‏ أنه قال‏:‏ إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى إذا أدركن رواه أبو عبيد في ‏"‏ الغريب ‏"‏ ولأنه ليس من عصباتها فأشبه الأجنبي‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ثم المولى المنعم‏,‏ ثم أقرب عصبته به

لا خلاف نعلمه في أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها أن مولاها يزوجها ولا في أن العصبة المناسب أولى منه‏,‏ وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فلذلك يزوجها‏,‏ وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة والطفل والكافر‏,‏ فعصباته الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى‏,‏ ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب‏,‏ وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أبي المعتق فرجع به إلى الأصل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ثم السلطان

لا نعلم خلافا بين أهل العلم‏,‏ في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ فالسلطان ولي من لا ولي له ‏)‏‏)‏ وروى أبو داود بإسناده عن أم حبيبة ‏(‏‏(‏ أن النجاشى زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت عنده ولأن ‏)‏‏)‏ للسلطان ولاية عامة بدليل أنه يلي المال‏,‏ ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب‏.‏

فصل‏:‏

والسلطان ها هنا هو الإمام أو الحاكم‏,‏ أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في والى البلد فقال في موضع‏:‏ يزوج والى البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالى وليس فيه قاض‏:‏ يزوج إذا احتاط لها في المهر والكفء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان‏,‏ فيدخل في عموم الحديث وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولى‏:‏ فالسلطان المسلط على الشيء القاضي يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية وقال‏:‏ ما للوالى ولاية إنما هو القاضي وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالى أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض‏,‏ فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا استولى أهل البغي على بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه لأنه أجرى مجراه في قبض الصدقات والجزية والخراج والأحكام‏,‏ فكذلك في هذا‏.‏

فصل‏:‏

فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها فإنه قال في دهقان قرية‏:‏ يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر‏,‏ إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل‏:‏ أخذ قوم من أصحابنا من هذه الرواية أن النكاح لا يقف على ولي قال‏:‏ وقال القاضي‏:‏ نصوص أحمد تمنع من ذلك والصحيح أن هذا القول مختص بحال عدم الولي والسلطان لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض ووجه ذلك أن اشتراط الولي ها هنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز‏,‏ كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروى أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الأخبار فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا

وجملة ذلك أنه يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضرا أو غائبا مجبرا أو غير مجبر لأنه روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة‏,‏ ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة ‏)‏‏)‏ ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجهان أحدهما لا يجوز لأنه يلي بالإذن‏,‏ فلم يجز التوكيل له كالوكيل ولنا أنه يلي شرعا‏,‏ فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم‏:‏ إنه يلي بالإذن فإن ولايته ثابتة قبل إذنها وإنما إذنها شرط لصحة تصرفه‏,‏ فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج من غير إذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها‏,‏ فكيف تنيب لنائبها من قبلها

فصل‏:‏

ويجوز التوكيل مطلقا ومقيدا فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل في تزويج من يرضاه أو من يشاء قال أحمد -رحمه الله- في رواية عبد الله‏,‏ في الرجل يولى على أخته أو ابنته يقول‏:‏ إذا وجدت من ترضاه فزوجه فتزويجه جائز ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روى أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال‏:‏ إذا وجدت لها كفؤا فزوجه إياها ولو بشراك نعله فزوجها عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه فهي أم عمر بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر‏,‏ ولأنه إذن في النكاح فجاز مطلقا كإذن المرأة‏,‏ أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ولا يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل أبا أو غيره ولا يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية‏:‏ لا يجوز لغير المجبر التوكيل إلا بإذن المرأة وخرجه القاضي على الروايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح إلا بحضرة شاهدين لأنه يراد لحل الوطء‏,‏ فافتقر إلى الشهادة كالنكاح ولنا أنه إذن من الولي في التزويج‏,‏ فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إلى إشهاد كإذن الحاكم وقد بينا أن الولي ليس بوكيل للمرأة‏,‏ وهذا التوكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن بن صالح بالتسري‏.‏

فصل‏:‏

ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل وإن كان للولd الإجبار ثبت ذلك لوكيله وإن كانت ولايته ولاية مراجعة‏,‏ احتاج الوكيل إلى إذنها ومراجعتها لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبت لمن ينوب عنه وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائما مقامه‏.‏

فصل‏:‏

واختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية‏؟‏ فروى أنها تستفاد بها وهو اختيار الخرقي لقوله‏:‏ أو وصى ناظرا له في التزويج وهو قول الحسن وحماد بن أبي سليمان‏,‏ ومالك وعنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري والشعبي والنخعي‏,‏ والحارث العكلي وأبو حنيفة والشافعي‏,‏ وابن المنذر لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا فلم يجز أن يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على الوصى في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها‏,‏ فلم تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها‏,‏ كولاية الحاكم وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة‏,‏ جاز لعدم ذلك ولنا أنها ولاية ثابتة للأب فجازت وصيته بها‏,‏ كولاية المال ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته فيكون نائبه قائما مقامه بعد موته‏,‏ فجاز أن يستنيب فيها كولاية المال وما ذكروه يبطل بولاية المال فعلى هذا لا يصير وصيا في النكاح بالوصية إليه في المال لأنها إحدى الولايتين فلم يملكها بالوصية إليه في المال‏,‏ كالوصية الأخرى قياسا على وصية المال لا تملك بالوصية في النكاح‏.‏

فصل‏:‏

فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذى ولاية سواء كان مجبرا كالأب‏,‏ أو غير مجبر كغيره ووصى كل ولي يقوم مقامه فإن كان الولي له الإجبار فكذلك لوصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك لأنه قائم مقامه‏,‏ فهو كالوكيل وقال مالك‏:‏ إن عين الأب الزوج ملك الوصى إجبارها صغيرة كانت أو كبيرة‏,‏ وإن لم يعين الزوج وكانت ابنته كبيرة صحت الوصية‏,‏ واعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها‏,‏ فإذا أذنت جاز أن يزوجها بإذنها ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج‏,‏ ملك مع الإطلاق كالوكيل ومتى زوج وصى الأب الصغيرة فبلغت‏,‏ فلا خيار لها لأن الوصى قائم مقام الموصى فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو كافرا أو عبدا‏,‏ زوجها الأبعد من عصبتها

وجملة ذلك أن الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة بحال فعند ذلك يكون وجودهم كالعدم فتثبت الولاية لمن هو أبعد منهم كما لو ماتوا وتعتبر لثبوت الولاية لمن سمينا ستة شروط العقل‏,‏ والحرية والإسلام والذكورية‏,‏ والبلوغ والعدالة على اختلاف نذكره فأما العقل‏,‏ فلا خلاف في اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه‏,‏ فغيره أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره كطفل أو من ذهب عقله بجنون أو كبر‏,‏ كالشيخ إذا أفند قال القاضي‏:‏ والشيخ الذي قد ضعف لكبره فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له فأما الإغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قرب‏,‏ فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ومن كان يجن في الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يستديم زوال عقله‏,‏ فهو كالإغماء الشرط الثاني الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم‏,‏ فإن العبد لا ولاية له على نفسه فعلى غيره أولى وقال أصحاب الرأي‏:‏ يجوز أن يزوجها العبد بإذنها بناء منهم على أن المرأة تزوج نفسها‏,‏ وقد مضى الكلام في هذه المسألة الشرط الثالث الإسلام فلا يثبت لكافر ولاية على مسلمة وهو قول عامة أهل العلم أيضا قال ابن المنذر‏:‏ أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا قال أحمد‏:‏ بلغنا أن عليا أجاز نكاح أخ‏,‏ ورد نكاح الأب وكان نصرانيا الشرط الرابع الذكورية شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة قاصرة‏,‏ تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلأن لا تثبت لها ولاية على غيرها أولى الشرط الخامس البلوغ شرط في ظاهر المذهب قال أحمد‏:‏ لا يزوج الغلام حتى يحتلم‏,‏ ليس له أمر وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وابن المنذر وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق‏,‏ وأجيزت وكالته في الطلاق وهذا يحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا ووجه ذلك أنه يصح بيعه ووصيته وطلاقه فثبتت له الولاية كالبالغ والأول اختيار أبي بكر‏,‏ وهو الصحيح لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال لأنها تنفيذ التصرف في حق غيره اعتبرت نظرا له والصبى مولى عليه لقصوره‏,‏ فلا تثبت له الولاية كالمرأة الشرط السادس العدالة في كونها شرطا روايتان إحداهما‏,‏ هي شرط قال أحمد‏:‏ إذا كان القاضي مثل ابن الحلبى وابن الجعدى استقبل النكاح فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المتولى له وهذا قول الشافعي وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال‏:‏ لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولى مرشد قال أحمد‏:‏ أصح شيء في هذا قول ابن عباس وقد روى - يعني عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل ‏)‏‏)‏ وروي عن أبي بكر البرقاني بإسناده عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا نكاح إلا بولي مرشد‏,‏ وشاهدي عدل ‏)‏‏)‏ ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال والرواية الأخرى‏,‏ ليست بشرط نقل مثنى بن جامع أنه سأل أحمد‏:‏ إذا تزوج بولي فاسق وشهود غير عدول‏؟‏ فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء‏,‏ وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك وأبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فتثبت له الولاية على غيره كالعدل‏,‏ ولأن سبب الولاية القرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر‏,‏ فيلى كالعدل

فصل‏:‏

ولا يشترط أن يكون بصيرا لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة‏,‏ فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط كونه ناطقا بل يجوز أن يلي الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك في النكاح‏.‏

فصل‏:‏

ومن لم تثبت له الولاية‏,‏ لا يصح توكيله لأن وكيله نائب عنه وقائم مقامه وإن وكله الولي في تزويج موليته لم يجز لأنها ولاية وليس هو من أهلها‏,‏ ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبته بولاية النسب فلأن لا يملك تزويج مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق والصبى المميز في العقد لأنهم من أهل اللفظ بالعقد وعبارتهم فيه صحيحة‏,‏ ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية نفسها لأنه يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ به فأما إن وكله الزوج في قبول النكاح له‏,‏ أو وكله الأب في قبول النكاح لابنه الصغير فقال أصحابنا‏:‏ لا يصح لأنه أحد طرفي العقد فلم يجز توكيله فيه كالإيجاب ويحتمل جواز توكيل من ذكرنا فيه لأنهم من أهله‏,‏ ويصح قبولهم النكاح لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه عن غيرهم كالبيع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي في العبد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في من يزوج أمة المرأة‏,‏ فروي عنه أنه يلي نكاحها ولي سيدتها قال القاضي‏:‏ هذا هو الصحيح وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدليل كون الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها‏,‏ فتثبت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم يلونها لو عتقت‏,‏ ففي حال رقها أولى ثم إن كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج أمتها إلا بإذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير إذنه‏,‏ ويعتبر نطقها بذلك وإن كانت بكرا لأن صماتها إنما اكتفى به في تزويج نفسها لحيائها ولا تستحيى من تزويج أمتها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها‏,‏ فله تزويج أمتها إن كان الحظ في تزويجها وإلا فلا يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية‏:‏ ليس له تزويجها بحال لأن فيه تغريرا بمال الصغيرة لأنها ربما حملت فتلفت ولنا‏,‏ أن له التصرف بما فيه الحظ والتزويج ها هنا فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز‏,‏ كسائر التصرفات الجائزة واحتمال الخطر مرجوح لما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها‏,‏ وصيانتها عن الزنى الموجب للحد في حقها ونقص قيمتها والمرجوح كالمعدوم وإن كان وليها في مالها غير ولي تزويجها‏,‏ فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي التزويج لأنه هو المتصرف في المال وهي مال والرواية الثانية أن للمرأة أن تولى أمر أمتها رجلا يزوجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك‏,‏ وقد تحقق في المرأة وامتنعت المناشزة لنقص الأنوثة فملكت التوكيل‏,‏ كالرجل المريض والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدتها تزوجها فإنه قيل له‏:‏ تزوج أمتها‏؟‏ قال‏:‏ قد قيل ذلك‏,‏ هي مالها وهذا يحتمل أنه ذهب إليه وهو قول أبي حنيفة لأنها مالكة لها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها‏,‏ كالسيد ولأنها تملك بيعها وإجارتها فملكت تزويجها‏,‏ كسيدها ولأن الولاية إنما تثبت على المرأة لتحصيل الكفاية وصيانة لحظ الأولياء في تحصيلها‏,‏ فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاية وعدم الحق للأولياء فيها ويحتمل أن أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قد قال في سياقها‏:‏ أحب إلى أن تأمر من يزوجها لأن النساء لا يعقدن وقد ذكرنا في خبر أبي هريرة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا تنكح المرأة المرأة ‏)‏‏)‏ وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا‏,‏ فإن النساء لا يعقدن ولأن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها فغيرها أولى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ويزوج مولاتها من يزوج أمتها يعني عتيقتها

وهذه فيها روايتان إحداهما أن لمولاتها التوكيل في تزويجها رجلا لأنها عصبتها‏,‏ وترثها بالتعصيب فأشبهت المعتق والثانية ولي سيدتها وليها وهي الأصح لأن هذه ولاية لنكاح حرة‏,‏ والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصباتها لأنهم الذين يعقلون عنها‏,‏ ويرثونها بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج معتقته لموت أو جنون وقد ذكرنا أنه إذا انقرض العصبة من النسب‏,‏ ولي المولى المعتق ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب كذا ها هنا‏,‏ إلا أن ظاهر كلام الخرقي ها هنا تقديم أبي المعتقة على ابنها لأنه الذي يزوجها وذكرنا ثم خلاف هذا ويعتبر في ولايته شرطان أحدهما عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق‏,‏ وأولى منه الثاني إذن المزوجة لأنها حرة وليست له ولاية إجبار‏,‏ فإنه أبعد العصبات ولا يفتقر إلى إذن مولاتها لأنها لا ولاية لها ولا ملك فأشبهت قريب الطفل إذا زوج البعيد‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان للأمة مولى‏,‏ فهو وليها وإن كان لها موليان فالولاية لهما‏,‏ وليس لواحد منهما الاستقلال بالولاية بغير إذن صاحبه لأنه لا يملك إلا نصفها وإن اشتجرا لم يكن للسلطان أن ينوب عنهما لأن تزويجها تصرف في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها‏,‏ ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة حق لسيدها ونفعه عائد إليه‏,‏ فلم يثبت للسلطان عنه فيه فإن أعتقاها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وإن لم يكن لها عصبة‏,‏ فهما ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لأن ولايته على نصفها فإن اشتجرا أمام الحاكم أقام الحاكم مقام الممتنع منهما لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقا لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحدا‏,‏ وله عصبتان في درجة واحدة كالابنين أو الأخوين فلأحدهما الاستقلال بتزويجها‏,‏ كما يملك تزويج سيدتها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن أراد أن يتزوج امرأة هو وليها جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه بإذنها‏]‏

وجملته أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها وهو ابن العم‏,‏ أو المولى أو الحاكم أو السلطان إذا أذنت له أن يتزوجها‏,‏ فله ذلك وهل له أن يلي طرفي العقد بنفسه‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ إحداهما له ذلك وهو قول الحسن‏,‏ وابن سيرين وربيعة ومالك‏,‏ والثوري وأبي حنيفة وإسحاق‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر لما روى البخاري قال‏:‏ قال عبد الرحمن بن عوف‏,‏ لأم حكيم ابنة قارظ‏:‏ أتجعلين أمرك إلي‏؟‏ قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ قد تزوجتك ولأنه يملك الإيجاب والقبول فجاز أن يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير‏,‏ ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول فصح‏,‏ كما لو وجدا من رجلين وقد روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ‏)‏‏)‏ فإن قيل‏:‏ فقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح‏:‏ زوج وولي‏,‏ وشاهدان ‏)‏‏)‏ قلنا‏:‏ هذا لا نعرف صحته وإن صح فهو مخصوص بمن زوج أمته عبده الصغير فيخص منه محل النزاع أيضا وهل يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقبول‏,‏ أم يكتفى بمجرد الإيجاب‏؟‏ فيه وجهان أحدهما يحتاج أن يقول‏:‏ زوجت نفسى فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما افتقر إلى الإيجاب افتقر إلى القبول‏,‏ كسائر العقود والثاني يكفيه أن يقول‏:‏ زوجت نفسى فلانة أو تزوجت فلانة وهو قول مالك‏,‏ وأبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف ولأن إيجابه يتضمن القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء‏,‏ ولهذا قلنا‏:‏ إذا قال لأمته‏:‏ قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك انعقد النكاح بمجرد هذا القول والرواية الثانية لا يجوز أن يتولى طرفي العقد‏,‏ ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها قال أحمد -رحمه الله- في رواية ابن منصور‏:‏ لا يزوج نفسه حتى يولى رجلا على حديث المغيرة بن شعبة وهو ما روى أبو داود‏,‏ بإسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا زوجه امرأة المغيرة أولى به منه ولأنه عقد ملكه بالإذن فلم يجز أن يتولى طرفيه‏,‏ كالبيع وبهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير وعلى هذه الرواية إن وكل من يقبل له النكاح وتولى هو الإيجاب‏,‏ جاز وقال الشافعي في ابن العم والمولى‏:‏ لا يزوجها إلا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولا أن يوكل من يزوجه لأن وكيله بمنزلته‏,‏ وهذا عقد ملكه بالإذن فلا يتولى طرفيه كالبيع ولا يجوز أن يزوجه من هو أبعد منه من الأولياء لأنه لا ولاية لهم مع وجوده ولنا‏,‏ ما ذكرناه من فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره‏,‏ فصح أن يليه عليها له إذا كانت تحل له كالإمام إذا أراد أن يزوج موليته ولأن هذه امرأة ولها ولي حاضر غير عاضل‏,‏ فلم يلها الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره ومفهوم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ السلطان ولي من لا ولي له ‏)‏‏)‏ أنه لا ولاية له على هذه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج‏,‏ لم يجز أن يزوجها نفسه لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره فإن زوجها لابنه الكبير قبل لنفسه‏,‏ وإن زوجها لابنه الصغير ففيه الروايتان في تولى طرفي العقد فإن قلنا‏:‏ لا يتولاه فوكل رجلا يزوجها لولده وقبل هو النكاح له‏,‏ افتقر إلى إذنها للوكيل على ما قدمنا من أن الوكيل لا يزوجها إلا بإذنها وإن وكل رجلا يقبل لولده النكاح وأوجب هو النكاح‏,‏ لم يحتج إلى إذنها لأنها قد أذنت له‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏لا يزوج كافر مسلمة بحال ولا مسلم كافرة إلا أن يكون المسلم سلطانا أو سيد أمة‏]‏

أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال‏,‏ بإجماع أهل العلم منهم مالك والشافعي‏,‏ وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر‏:‏ أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وقال أبو الخطاب في الذمى‏:‏ إذا أسلمت أم ولده هل يلي نكاحها‏؟‏ على وجهين أحدهما‏,‏ يليه لأنها مملوكته فيلى نكاحها كالمسلم ولأنه عقد عليها فيليه كإجارتها والثاني‏,‏ لا يليه لقول الله تعالى ‏{‏ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ‏}‏ ولأنها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا أولى لما ذكرنا من الإجماع وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة غير السيد والسلطان وولى سيد الأمة الكافرة وذلك لقول الله تعالى ‏{‏ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ‏}‏ ولأن مختلفى الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه‏,‏ فلم يل عليه كما لو كان أحدهما رقيقا وأما سيد الأمة الكافرة فله تزويجها لكافر لكونها لا تحل للمسلمين‏,‏ وكذلك ولي سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالملك فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة مسلما كسائر الولايات‏,‏ ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها فأما السلطان فله الولاية على من لا ولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة على أهل دار الإسلام وهذه من أهل الدار‏,‏ فتثبت له الولاية عليها كالمسلمة وأما الكافر فتثبت له الولاية على أهل دينه‏,‏ على حسب ما ذكرناه في المسلمين ويعتبر فيهم الشروط المعتبرة في المسلمين ويخرج في اعتبار عدالته في دينه وجهان‏,‏ بناء على الروايتين في اعتبارها في المسلمين‏.‏

فصل‏:‏

إذا تزوج المسلم ذمية فوليها الكافر يزوجها إياه ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه وليها‏,‏ فصح تزويجه لها كما لو زوجها كافرا ولأن هذه امرأة لها ولي مناسب‏,‏ فلم يجز أن يليها غيره كما لو تزوجها ذمى وقال القاضي‏:‏ لا يزوجها إلا الحاكم لأن أحمد قال‏:‏ لا يعقد يهودي ولا نصراني عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر‏,‏ كنكاح المسلمين والأول أصح والشهود يرادون لإثبات النكاح عند الحاكم‏,‏ بخلاف الولاية‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها‏,‏ فالنكاح فاسد‏]‏

هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏

أنه إذا زوجها الولي الأبعد مع حضور الولي الأقرب‏,‏ فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ يصح لأن هذا ولي فصح له أن يزوجها بإذنها كالأقرب ولنا‏,‏ أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث‏,‏ وبهذا فارق القريب البعيد‏.‏

الحكم الثاني‏:‏

أن هذا العقد يقع فاسدا لا يقف على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحا‏,‏ وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في هذا كله باطل‏,‏ في أصح الروايتين نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وعن أحمد رواية أخرى أنه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز‏,‏ وإن لم يجزه فسد قال أحمد في صغير زوجه عمه‏:‏ فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز‏,‏ وإن لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت وقال‏:‏ إذا زوج العبد بغير إذن سيده‏,‏ ثم علم السيد فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد فإن أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي‏,‏ في كل مسألة يعتبر فيها الإذن وروى ذلك في النكاح بغير ولي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح‏,‏ وإسحاق وأبي يوسف ومحمد لما روى ‏(‏‏(‏ أن جارية بكرا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة‏,‏ فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏)‏‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه وروى ‏(‏‏(‏ أن فتاة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته قال‏:‏ فجعل الأمر إليها فقالت‏:‏ قد أجزت ما صنع أبي‏,‏ ولكني أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئا ‏)‏‏)‏ رواه ابن ماجه والنسائي وفي رواية ابن ماجه‏:‏ ‏(‏‏(‏ أردت أن يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ‏)‏‏)‏ ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية ولنا‏,‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ‏)‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل ‏)‏‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه إلا أن أبا داود قال‏:‏ هو موقوف على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان‏,‏ والتوارث وغيرها فلم ينعقد‏,‏ كنكاح المعتدة فأما حديث المرأة التي خيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مرسل عن عكرمة رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت‏:‏ زوجني من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته فخيرها لتزويجها من غير كفئها‏,‏ وهذا يثبت الخيار ولا يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت‏,‏ فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع على هذه الرواية لوضوحها فأما على الرواية الأخرى فإن الشهادة تعتبر في العقد لأنها شرط له‏,‏ فيعتبر وجودها معه كالقبول ولا تعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد‏,‏ ولأنها إذا وجدت استند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في العقد نماء ملك من حين العقد‏,‏ لا من حين الإجازة وإن مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه مات قبل تمام العقد وصحته وفيه وجه آخر‏,‏ إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه ورثه الآخر لأنه عقد يلزمه إجازته فهو كالصحيح‏,‏ وإن كان مما يفسخه لم يرثه‏.‏

فصل‏:‏

ومتى تزوجت المرأة بغير إذن وليها أو الأمة بغير إذن سيدها‏,‏ فقد ذكره أصحابنا من جملة الصور التي فيها الروايتان والصحيح عندي أنه لا يدخل فيها لتصريح النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بالبطلان ولأن الإجازة إنما تكون لعقد صدر من أهله في محله فأما ما لم يصدر من الأهل كالذي عقده المجنون أو الطفل فلا يقف على الإجازة‏,‏ وهذا عقد لم يصدر من أهله فإن المرأة ليست أهلا له بدليل أنه لو أذن لها فيه لم يصح منها‏,‏ وإذا لم يصح مع الإذن المقارن فلأن لا يصح بالإجازة المتأخرة أولى ولا تفريع على هذا فأما على القول الآخر‏,‏ فمتى تزوجت المرأة بغير إذن الولي فرفع إلى الحاكم لم يملك إجازته‏,‏ والأمر فيه إلى الولي فمتى رده بطل لأن من وقف الحكم على إجازته بطل برده‏,‏ كالمرأة إذا زوجت بغير إذنها وفيه وجه آخر أنه إذا كان الزوج كفؤا أمر الحاكم الولي بإجازته‏,‏ فإن لم يفعل أجازه الحاكم لأنه لما امتنع من الإجازة صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم‏,‏ كما في ابتداء العقد ومتى حصلت الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر واحد إما المسمى‏,‏ وإما مهر المثل إن لم يكن مسمى لأن الإجازة مستندة إلى حالة العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع‏,‏ ولذلك لم يجب الحد ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح لأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها‏,‏ ولأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك يمينه على ملك نكاحه وإن خرجت إلى من لا تحل له كالمرأة أو اثنين‏,‏ فكذلك أيضا لأن العقد إذا وقف على إجازة شخص لم يجز بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك‏,‏ فأجاز المشترى الثاني بيع الأجنبي وفيه وجه آخر أنه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء العقد فملك إجازته كالأول‏,‏ ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو إرث أو هبة أو غيره فأما إن أعتقها السيد احتمل أن يجوز النكاح لأنه إنما وقف لحق المولى فإذا أعتق سقط حقه‏,‏ فصح العقد واحتمل أن لا يجوز لأن إبطال حق المولى ليس بإجازة ولأن حق المولى إن بطل من الملك‏,‏ فلم يبطل من ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء‏.‏

فصل‏:‏

إذا زوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها وقلنا‏:‏ يقف على إجازتها فإجازتها بالنطق‏,‏ أو ما يدل على الرضى من التمكين من الوطء أو المطالبة بالمهر والنفقة ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب لأن أدلة الرضى تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبريرة‏:‏ ‏(‏‏(‏ إن وطئك زوجك‏,‏ فلا خيار لك ‏)‏‏)‏ جعل تمكينها دليلا على إسقاط حقها والمطالبة بالمهر والنفقة والتمكين من الوطء دليل على الرضى لأن ذلك من خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به‏.‏

الحكم الثالث‏:‏

إذا عضلها وليها الأقرب‏,‏ انتقلت الولاية إلى الأبعد نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ‏)‏‏)‏ ولأن ذلك حق عليه امتنع من أدائه‏,‏ فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب‏,‏ فملكه الأبعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه‏,‏ كما لو شرب الخمر فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم والحديث حجة لنا لقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ السلطان ولي من لا ولي له ‏)‏‏)‏ وهذه لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل لأن قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ فإن اشتجروا ‏)‏‏)‏ ضمير جمع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة أحدها أنها حق للولي‏,‏ والدين حق عليه الثاني أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل لعارض من جنون الولي أو فسقه أو موته الثالث‏,‏ أن الدين لا يعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا فإن قيل‏:‏ فلو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا‏:‏ فسقه بامتناعه‏,‏ فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق فزال فسقه‏,‏ فلذلك صح تزويجه والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه قال معقل بن يسار‏:‏ ‏(‏‏(‏ زوجت أختا لي من رجل فطلقها‏,‏ حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له‏:‏ زوجتك وأفرشتك‏,‏ وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها‏,‏ لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية‏:‏ ‏{‏فلا تعضلوهن‏}‏ فقلت‏:‏ الآن أفعل يا رسول الله قال‏:‏ فزوجها إياه ‏)‏‏)‏ رواه البخاري وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن عليهم في ذلك عارا‏,‏ وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن ولنا أن المهر خالص حقها‏,‏ وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها‏,‏ وأجرة دارها ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله‏,‏ فبعضه أولى ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ قال لرجل أراد أن يزوجه‏:‏ التمس ولو خاتما من حديد ‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏ وقال لامرأة زوجت بنعلين‏:‏ أرضيت بنعلين من نفسك‏؟‏ ‏)‏‏)‏ قالت‏:‏ نعم فأجازه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقولهم‏:‏ فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال‏:‏ لو كان مكرمة في الدنيا‏,‏ أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني غلو الصداق فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها‏,‏ وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك‏,‏ ولا يكون عاضلا لها بهذا لأنه لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح فلأن تمنع منه ابتداء أولى‏.‏