فصل: مسألة: إذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الإجارات‏:‏

الأصل في جواز الإجارة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك‏}‏ وروى ابن ماجه في ‏"‏ سننه ‏"‏ عن عتبة بن الندر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ‏:‏ طس حتى إذا بلغ قصة موسى قال‏:‏ إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني حجج أو عشرا‏,‏ على عفة فرجه وطعام بطنه‏)‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏}‏ وهذا يدل على جواز أخذ الأجر على إقامته وأما السنة فثبت ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر‏,‏ استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خريتا‏)‏ وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ قال الله عز وجل‏:‏ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه‏,‏ ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره‏)‏ والأخبار في هذا كثيرة وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال‏:‏ لا يجوز ذلك لأنه غرر يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسار في الأمصار‏,‏ والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع‏,‏ ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها‏,‏ ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعا وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل أحد عمل ذلك‏,‏ ولا يجد متطوعا به فلا بد من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا للرزق‏,‏ حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة‏,‏ فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لأنها تتلف بمضي الساعات فلا بد من العقد عليها قبل وجودها‏,‏ كالسلم في الأعيان‏.‏

فصل‏:‏

واشتقاق الإجارة من الأجر وهو العوض قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏}‏ ومنه سمي الثواب أجرا لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته‏,‏ أو صبره على مصيبته‏.‏

فصل‏:‏

وهي نوع من البيع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع بمنزلة الأعيان‏,‏ لأنه يصح تمليكها في حال الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والإتلاف‏,‏ ويكون عوضها عينا ودينا وإنما اختصت باسم كما اختص بعض البيوع باسم كالصرف والسلم إذا ثبت هذا فإنها تنعقد بلفظ الإجارة والكراء لأنهما موضوعان لها وهل تنعقد بلفظ البيع‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ تنعقد به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف والثاني لا تنعقد به لأن فيها معنى خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى‏,‏ ولأن الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة‏,‏ ولأنه عقد يخالف البيع في الحكم والاسم فأشبه النكاح‏.‏

فصل‏:‏

ولا تصح إلا من جائز التصرف لأنه عقد تمليك في الحياة فأشبه البيع‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا وقعت الإجارة على مدة معلومة‏,‏ بأجرة معلومة فقد ملك المستأجر المنافع وملكت عليه الأجرة كاملة‏,‏ في وقت العقد إلا أن يشترطا أجلا ‏]‏

هذه المسألة تدل على أحكام ستة أحدها أن المعقود عليه المنافع وهذا قول أكثر أهل العلم منهم‏:‏ مالك وأبو حنيفة‏,‏ وأكثر أصحاب الشافعي وذكر بعضهم أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول‏:‏ أجرتك داري كما يقول‏:‏ بعتكها ولنا أن المعقود عليه هو المستوفى بالعقد‏,‏ وذلك هو المنافع دون الأعيان ولأن الأجر في مقابلة المنفعة ولهذا تضمن دون العين‏,‏ وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين لأنها محل المنفعة ومنشؤها‏,‏ كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة ولو قال‏:‏ أجرتك منفعة داري جاز‏.‏ الثاني أن الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة ولا خلاف في هذا نعلمه لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له‏,‏ فوجب أن تكون معلومة كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على سنة الأهلة لأنها المعهودة في الشرع‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏}‏ فوجب أن يحمل العقد عليه فإن شرط هلالية كان تأكيدا وإن قال‏:‏ عددية أو سنة بالأيام كان له ثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددي يكون ثلاثين يوما وإن استأجر سنة هلالية أول الهلال‏,‏ عد اثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا لأن الشهر الهلالي ما بين الهلالين ينقص مرة ويزيد أخرى وإن كان العقد في أثناء شهر‏,‏ عد ما بقي من الشهر وعد بعده أحد عشر شهرا بالهلال ثم كمل الشهر الأول بالعدد ثلاثين يوما لأنه تعذر إتمامه بالهلال‏,‏ فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل وحكي عن أحمد رواية أخرى‏,‏ أنه يستوفي الجميع بالعدد لأنها مدة يستوفى بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهرا واحدا‏,‏ ولأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه فكذلك كل شهر يأتي بعده ولأبي حنيفة والشافعي كالروايتين وهكذا إن كان العقد على أشهر دون السنة وإن جعلا المدة سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية‏,‏ وكانا يعلمان ذلك جاز وكان له ثلاثمائة وخمسة وستون يوما‏,‏ فإن الشهور الرومية منها سبعة أحد وثلاثون يوما وأربعة ثلاثون يوما وشهر واحد ثمانية وعشرون يوما‏,‏ وشهور القبط كلها ثلاثون ثلاثون وزادوها خمسة أيام لتساوي سنتهم السنة الرومية وإن كان أحدهما يجهل ذلك لم يصح لأن المدة مجهولة في حقه وإن أجره إلى العيد‏,‏ انصرف إلى الذي يليه وتعلق بأول جزء منه لأنه جعله غاية فتنتهي مدة الإجارة بأوله وقال القاضي‏:‏ لا بد من تعيين العيد فطرا أو أضحى‏,‏ من هذه السنة أو سنة كذا وكذلك الحكم إن علقه بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى وربيع يجب على قوله أن يذكر الأول أو الثاني‏,‏ من سنة كذا وإن علقه بشهر مفرد كرجب وشعبان فلا بد أن يبينه من أي سنة وإن علقه بيوم‏,‏ فلا بد على قوله أن يبينه من أي أسبوع وإن علقه بعيد من أعياد الكفار صح إذا علماه وإلا لم يصح‏,‏ وقد مضى نحو من هذا‏.‏

فصل‏:

ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد بل لو أجره سنة خمس وهما في سنة ثلاث‏,‏ أو شهر رجب في المحرم صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ لا يصح إلا أن يستأجرها من هي في إجارته ففيه قولان لأنه عقد على ما لا يمكن تسليمه في الحال‏,‏ فأشبه إجارة العين المغصوبة قال‏:‏ ولا يجوز أن يكتري بعيرا بعينه إلا عند خروجه لذلك ولنا أن هذه مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس‏,‏ كالتي تلي العقد وإنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوب التسليم كالمسلم فيه ولا يشترط وجوده ولا القدرة عليه حال العقد‏,‏ ولا فرق بين كونها مشغولة أو غير مشغولة لما ذكرناه وما ذكروه يبطل بما إذا أجرها من المكتري فإنه يصح مع ما ذكروه إذا ثبت هذا فإن الإجارة إن كانت على مدة تلي العقد‏,‏ لم يحتج إلى ذكر ابتدائها من حين العقد وإن كانت لا تليه فلا بد من ذكر ابتدائها‏,‏ لأنه أحد طرفي العقد فاحتيج إلى معرفته كالانتهاء وإن أطلق فقال‏:‏ أجرتك سنة‏,‏ أو شهرا صح وكان ابتداؤه من حين العقد وهذا قول مالك وأبي حنيفة وقال الشافعي وبعض أصحابنا‏:‏ لا يصح حتى يسمي الشهر ويذكر أي سنة هي فإن أحمد قال في رواية إسماعيل بن سعيد‏:‏ إذا استأجر أجيرا شهرا‏,‏ فلا يجوز حتى يسمي الشهر ولنا قول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام‏:‏ ‏{‏على أن تأجرني ثماني حجج‏}‏ ولم يذكر ابتداءها ولأنه تقدير بمدة ليس فيها قربة فإذا أطلقها‏,‏ وجب أن تلي السبب الموجب كمدة السلم والإيلاء وتفارق النذر فإنه قربة‏.‏

فصل‏:‏

ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة‏,‏ بل تجوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإن كثرت وهذا قول كافة أهل العلم إلا أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه فمنهم من قال‏:‏ له قولان أحدهما كقول سائر أهل العلم وهو الصحيح الثاني لا يجوز أكثر من سنة لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها ومنهم من قال‏:‏ له قول ثالث‏,‏ أنها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والأجر ولنا قول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏{‏على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك‏}‏ وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل ولأن ما جاز العقد عليه سنة‏,‏ جاز أكثر منها كالبيع والنكاح والمساقاة والتقدير بسنة وثلاثين‏,‏ تحكم لا دليل عليه وليس ذلك أولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه وإذا استأجره سنين لم يحتج إلى تقسيط الأجر على كل سنة‏,‏ في ظاهر كلام أحمد كما لو استأجر سنة لم يفتقر إلى تقسيط أجر كل شهر بالاتفاق ولو استأجر شهرا‏,‏ لم يفتقر إلى تقسيط أجر كل يوم ولأن المنفعة كالأعيان في البيع ولو اشتملت الصفقة على أعيان لم يلزمه تقدير ثمن كل عين‏,‏ كذلك ها هنا وقال الشافعي في أحد قوليه كقولنا وفي الآخر‏:‏ يفتقر إلى تقسيط أجر كل سنة لأن المنافع تختلف باختلاف السنين‏,‏ فلا يأمن أن ينفسخ العقد فلا يعلم بم يرجع وهذا يبطل بالشهور فإنه لا يفتقر إلى تقسيط الأجر عليها مع الاحتمال الذي ذكروه‏.‏

فصل‏:

والإجارة على ضربين‏:‏ أحدهما أن يعقدها على مدة والثاني أن يعقدها على عمل معلوم‏,‏ كبناء حائط وخياطة قميص وحمل إلى موضع معين فإذا كان المستأجر مما له عمل كالحيوان‏,‏ جاز فيه الوجهان لأن له عملا تتقدر منافعه به وإن لم يكن له عمل كالدار والأرض لم يجز إلا على مدة ومتى تقدرت المدة‏,‏ لم يجز تقدير العمل وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن الجمع بينهما يزيدها غررا لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة‏,‏ فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة وقد لا يفرغ من العمل في المدة‏,‏ فإن أتمه عمل في غير المدة وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد وهذا غرر أمكن التحرز عنه‏,‏ ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه وروي عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع‏,‏ على أن يدخله في ثلاث فدخله في ست فقال‏:‏ قد أضر به فقيل‏:‏ يرجع عليه بالقيمة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ يصالحه وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعا وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة مذكورة للتعجيل فلا يمتنع ذلك فعلى هذا‏,‏ إذا فرغ العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها لأنه وفي ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر‏,‏ كما لو قضى الدين قبل أجله وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لأن الأجير لم يف له بشرطه وإن رضي بالبقاء عليه‏,‏ لم يملك الأجير الفسخ لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة له إلى الفسخ‏,‏ كما لو تعذر أداء المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ ويملكه المسلم فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير‏,‏ ‏,‏ كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر والعمل وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله لأن العقد قد انفسخ‏,‏ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل‏.‏

فصل‏:

ومن اكترى دابة إلى العشاء فآخر المدة إلى غروب الشمس وبهذا قال الشافعي‏,‏ وقال أبو حنيفة وأبو ثور‏:‏ آخرها زوال الشمس لأن العشاء آخر النهار وآخر النهار النصف الآخر من الزوال‏,‏ ولذلك جاء في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏صلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي يعني الظهر أو العصر‏)‏ هكذا تفسيره ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم‏}‏ يعني العتمة وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل‏)‏ وإنما تعلق الحكم بغروب الشمس لأن هذه الصلاة تسمى العشاء الآخرة‏,‏ فدل على أن الأولى المغرب وهو في العرف كذلك فوجب أن يتعلق الحكم به لأن المدة إذا جعلت إلى وقت تعلقت بأوله‏,‏ كما لو جعلها إلى الليل وما ذكروه لا يصح لأن لفظ العشي غير لفظ العشاء فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتى يقوم دليل على أن معنى اللفظين واحد ثم لو ثبت أن معناهما واحد‏,‏ غير أن أهل العرف لا يعرفونه فلا يتعلق به حكم وكذلك الحكم فيما إذا اكتراها إلى العشي لأن أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرناه وإن اكتراها إلى الليل فهو إلى أوله‏,‏ وكذلك إن اكتراها إلى النهار فهو إلى أوله ويتخرج أن يدخل الليل في المدة الأولى والنهار في الثانية لما ذكرناه في مدة الخيار‏,‏ والأول أصح وإن اكتراها نهارا فهو إلى غروب الشمس وإن اكتراها ليلة فهي إلى طلوع الفجر في قول الجميع لأن الله تعالى قال في ليلة القدر‏:‏ ‏{‏سلام هي حتى مطلع الفجر‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل‏}‏‏.‏

فصل‏:

وإن اكترى فسطاطا إلى مكة‏,‏ ولم يقل متى أخرج فالكراء فاسد وبه قال أبو ثور وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ يجوز استحسانا بخلاف القياس ولنا أنها مدة غير معلومة الابتداء‏,‏ فلم يجز كما لو قال‏:‏ أجرتك داري من حين يخرج الحاج إلى آخر السنة وقد اعترفوا بمخالفته للدليل وما ادعوه دليلا لا نسلم كونه دليلا‏.‏

فصل‏:‏

الحكم الثالث أنه يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما لا نعلم في ذلك خلافا وذلك لأنه عوض في عقد معاوضة‏,‏ فوجب أن يكون معلوما كالثمن في البيع وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من استأجر أجيرا‏,‏ فليعلمه أجره‏)‏ ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة كالبيع سواء فإن كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة احتمل وجهين‏,‏ أشبههما الجواز لأنه عوض معلوم يجوز به البيع فجازت به الإجارة كما لو علم قدره والثاني‏:‏ لا يجوز لأنه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة‏,‏ فلا يدري بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض المسلم فيه والأول أولى وظاهر كلام الخرقي أن العلم بالقدر في عوض السلم ليس بشرط ثم الفرق بينهما أن المنفعة ها هنا أجريت مجرى الأعيان لأنها متعلقة بعين حاضرة‏,‏ والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا وللشافعي نحو مما ذكرنا في هذا الفصل‏.‏

فصل‏:‏

وكل ما جاز ثمنا في البيع‏,‏ جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا ومنفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى‏,‏ أو مختلفا كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد‏:‏ لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبهذا كله قال الشافعي‏,‏ قال الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال‏:‏ ‏{‏إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج‏}‏ فجعل النكاح عوض الإجارة وقال أبو حنيفة فيما حكي عنه‏:‏ لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى ولا يجوز أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء وكره الثوري الإجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه‏,‏ وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لأنه عوض يجوز في البيع‏,‏ فجاز في الإجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بيع دين بدين‏.‏

فصل‏:‏

ولو استأجر رجلا ليسلخ له بهيمة بجلدها‏,‏ لم يجز لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا وهل هو ثخين أو رقيق ولأنه لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع‏,‏ فلا يجوز أن يكون عوضا في الإجارة كسائر المجهولات فإن سلخه بذلك فله أجر مثله وإن استأجره لطرح ميتة بجلدها‏,‏ فهو أبلغ في الفساد لأن جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وإن فعل فله أجر مثله أيضا‏.‏

فصل‏:‏

ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها ونسلها وصوفها وشعرها‏,‏ أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه أحمد‏,‏ في رواية جعفر بن محمد النسائي لأن الأجر غير معلوم ولا يصلح عوضا في البيع وقال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويتحفظها‏,‏ وما ولدت من ولد بينهما فقال‏:‏ أكره ذلك وبه قال أبو أيوب وأبو خيثمة ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لأن العوض مجهول معدوم ولا يدري أيوجد أم لا‏,‏ والأصل عدمه ولا يصح أن يكون ثمنا فإن قيل‏:‏ فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها قلنا‏:‏ إنما جاز ثم تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء‏,‏ والمساقاة كالمضاربة وفي مسألتنا لا يمكن ذلك لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن إلحاقه بذلك وإن استأجره على رعايتها مدة معلومة‏,‏ بنصفها أو جزء معلوم منها صح لأن العمل والأجر والمدة معلوم‏,‏ فصح كما لو جعل الأجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك‏,‏ لأنه ملك الجزء المجعول له منها في الحال فيكون له نماؤه كما لو اشتراه‏.‏

فصل‏:‏

الحكم الرابع أن الإجارة إذا تمت‏,‏ وكانت على مدة ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدة ويكون حدوثها على ملكه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ تحدث على ملك المؤجر‏,‏ ولا يملكها المستأجر بالعقد لأنها معدومة فلا تكون مملوكة كالثمرة والولد ولنا أن الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص‏,‏ وقد ثبت أن هذه المنفعة المستقبلة كان مالك العين يتصرف فيها كتصرفه في العين فلما أجرها صار المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه المؤجر‏,‏ فثبت أنها كانت مملوكة لمالك العين ثم انتقلت إلى المستأجر بخلاف الولد والثمرة‏,‏ فإن المستأجر لا يملك التصرف فيها وقولهم‏:‏ إن المنافع معدومة قلنا‏:‏ هي مقدرة الوجود لأنها جعلت موردا للعقد والعقد لا يرد إلا على موجود‏.‏

فصل‏:‏

الحكم الخامس أن المؤجر يملك الأجرة بمجرد العقد‏,‏ إذا أطلق ولم يشترط المستأجر أجلا كما يملك البائع الثمن بالبيع وبهذا قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ لا يملكها بالعقد‏,‏ فلا يستحق المطالبة بها إلا يوما بيوم إلا أن يشترط تعجيلها قال أبو حنيفة‏:‏ إلا أن تكون معينة كالثوب والعبد والدار لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ فأمر بإيتائهن بعد الإرضاع‏,‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره‏)‏ فتوعد على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل فدل على أنها حالة الوجوب وروي عنه عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه عوض لم يملك معوضه‏,‏ فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد فإن المنافع معدومة لم تملك‏,‏ ولو ملكت فلم يتسلمها لأنه يتسلمها شيئا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد‏,‏ كالثمن والصداق أو نقول عوض في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذي ذكرنا فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الإرضاع‏,‏ أو تسليم نفسها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏}‏ أي إذا أردت القراءة ولأن هذا تمسك بدليل الخطاب ولا يقولون به‏,‏ وكذلك الحديث يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله كقوله‏:‏ ‏{‏فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن‏}‏ والصداق يجب قبل الاستمتاع‏,‏ وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل وقد قلتم‏:‏ تجب الأجرة شيئا فشيئا ويحتمل أنه توعده على ترك الإيفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة جواب آخر‏,‏ أن الآية والأخبار إنما وردت في من استؤجر على عمل فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به‏,‏ وأما إذا كانت الإجارة على عمل فإن الأجر يملك بالعقد أيضا لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل قال ابن أبي موسى‏:‏ من استؤجر لعمل معلوم‏,‏ استحق الأجر عند إيفاء العمل وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه وقال أبو الخطاب‏:‏ الأجر يملك بالعقد‏,‏ ويستحق بالتسليم ويستقر بمضي المدة وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل لأنه عوض‏,‏ فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في المبيع وفارق الإجارة على الأعيان لأن تسليمها جرى مجرى تسليم نفعها‏,‏ ومتى كان على منفعة في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها‏,‏ فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل وقولهم‏:‏ لم يملك المنافع قد سبق الجواب عنه فإن قيل‏:‏ فإن المؤجر إذا قبض الأجر انتفع به كله بخلاف المستأجر‏,‏ فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها قلنا‏:‏ لا يمتنع هذا كما لو شرطا التعجيل أو كان الثمن عينا‏.‏

فصل‏:‏

الحكم السادس‏,‏ أنه إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله وإن شرطه منجما يوما يوما‏,‏ أو شهرا شهرا أو أقل من ذلك أو أكثر فهو على ما اتفقا عليه لأن إجارة العين كبيعها‏,‏ وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل فكذلك إجارتها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر لأنه قبض المعقود عليه‏,‏ فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع وإن سلمت إليه العين التي وقعت الإجارة عليها ومضت المدة‏,‏ ولا حاجز له عن الانتفاع استقر الأجر وإن لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهي حقه‏,‏ فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا تلف في يد المشتري وإن كانت الإجارة على عمل فتسلم المعقود عليه‏,‏ ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها مثل أن يكتري دابة ليركبها إلى حمص فقبضها‏,‏ ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا‏:‏ يستقر عليه الأجر وهو مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه‏,‏ كما لو تلفت العين في يد المشتري وكما لو كانت الإجارة على مدة فمضت وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يستقر الأجر عليه حتى يستوفي المنفعة لأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها‏,‏ كالأجر للأجير المشترك فإن بذل تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة الإجارة فاستقر عليه الأجر‏,‏ كما لو كانت في يده وإن بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل فقال أصحابنا‏:‏ إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها‏,‏ استقر عليه الأجر وبهذا قال الشافعي لأن المنافع تلفت باختياره وقال أبو حنيفة‏:‏ لا أجر عليه وهو أصح عندي لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه‏,‏ ولأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها وإن كان هذا في إجارة فاسدة‏,‏ ففيما إذا عرضها على المستأجر فلم يأخذها لا أجر عليه لأنها لم تتلف تحت يده ولا في ملكه وإن قبضها ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا يمكن‏,‏ فعن أحمد روايتان إحداهما عليه أجر المثل لمدة بقائها في يده وهو قول الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها‏,‏ كما لو استوفاها والثانية لا شيء له وهو قول أبي حنيفة لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضها‏,‏ كالنكاح الفاسد وإن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أجر المثل وبه قال مالك‏,‏ والشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد ولنا أن ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد‏,‏ كالأعيان وما ذكره لا نسلمه والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا وقعت الإجارة على كل شهر بشيء معلوم لم يكن لواحد منهما الفسخ إلا عند تقضِّي كل شهر ‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا قال‏:‏ أجرتك هذا كل شهر بدرهم فاختلف أصحابنا‏,‏ فذهب القاضي إلى أن الإجارة صحيحة وهو المنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور واختيار الخرقي‏,‏ إلا أن الشهر الأول تلزم الإجارة فيه بإطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وله أجر معلوم وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به‏,‏ وهو السكنى في الدار إن كانت الإجارة على دار لأنه مجهول حال العقد فإذا تلبس به تعين بالدخول فيه فصح بالعقد الأول‏,‏ وإن لم يتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء الأول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب أبي ثور وأصحاب الرأي وحكي عن مالك نحو هذا‏,‏ إلا أن الإجارة لا تكون لازمة عنده لأن المنافع متقدرة بتقدير الأجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة إلا في اللزوم واختار أبو بكر عبد العزيز بن جعفر وأبو عبد الله بن حامد‏,‏ أن العقد باطل وهو قول الثوري والصحيح من قولي الشافعي لأن كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مبهما مجهولا‏,‏ فيكون فاسدا كما لو قال‏:‏ أجرتك مدة أو شهرا وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد في هذا على أن الإجارة وقعت على أشهر معينة ووجه الأول ‏(‏أن عليا رضي الله عنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه قال على‏:‏ كنت أدلو الدلو بتمرة وأشترطها جلدة‏)‏ وعن ‏(‏رجل من الأنصار أنه قال ليهودي‏:‏ أسقي نخلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ كل دلو بتمرة واشترط الأنصاري أن لا يأخذها خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ إلا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-‏)‏ رواهما ابن ماجه في ‏"‏ سننه ‏"‏ وهو نظير مسألتنا ولأن شروعه في كل شهر مع ما تقدم في العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضى ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه‏,‏ وصار كالبيع بالمعاطاة إذا جرى من المساومة ما دل على التراضي بها فعلى هذا متى ترك التلبس به في شهر‏,‏ لم تثبت الإجارة فيه لعدم العقد وإن فسخ فكذلك وليس بفسخ في الحقيقة لأن العقد في الشهر الثاني ما ثبت فأما أبو حنيفة‏,‏ فذهب إلى أنهما إذا تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد وهو عذر غير صحيح لأن العقد الفاسد في الأعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى ثم لم يحصل القبض ها هنا إلا فيما استوفاه وقول مالك لا يصح لأن الإجارة من العقود اللازمة‏,‏ فلا يجوز أن تكون جائزة‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف نعلمه لأن المدة معلومة‏,‏ وأجرها معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لأنها مدة واحدة فأشبه ما لو قال‏:‏ آجرتك عشرين شهرا‏,‏ بعشرين درهما وإن قال‏:‏ أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الأول لأنه أفرده بالعقد‏,‏ وبطل في الزائد لأنه مجهول ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال‏:‏ أجرتكها كل شهر بدرهم لأن معناهما واحد ولو قال‏:‏ أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو قال‏:‏ بدرهمين صح في الأول وفيما بعده وجهان‏.‏

فصل‏:‏ الإجارة عقد لازم من الطرفين

والإجارة عقد لازم من الطرفين‏,‏ ليس لواحد منهما فسخها وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنها عقد معاوضة‏,‏ فكان لازما كالبيع ولأنها نوع من البيع‏,‏ وإنما اختصت باسم كما اختص الصرف والسلم باسم وسواء كان له عذر أو لم يكن وبهذا قال مالك والشافعي‏,‏ وأبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يجوز للمكتري فسخها لعذر في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه‏,‏ فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته‏,‏ أو يكتري دكانا للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لأن العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها‏,‏ فملك به الفسخ كما لو استأجر عبدا فأبق ولنا أنه عقد لا يجوز فسخه مع استيفاء المنفعة المعقود عليها لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع‏,‏ ولأنه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعا للضرر عن كل واحد من العاقدين‏,‏ ولم يجز ثم فلا يجوز ها هنا ويفارق الإباق‏,‏ فإنه عذر في المعقود عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن استأجر عقارا مدة بعينها فبادله قبل تقضيها فقد لزمته الأجرة كاملة ‏]‏

وجملته أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر‏,‏ والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختيارا منه‏,‏ لم تنفسخ الإجارة والأجر لازم له ولم يزل ملكه عن المنافع‏,‏ كما لو اشترى شيئا وقبضه ثم تركه قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ رجل اكترى بعيرا فلما قدم المدينة قال له‏:‏ فاسخني قال‏:‏ ليس ذلك له‏,‏ قد لزمه الكراء قلت‏:‏ فإن مرض المستكري بالمدينة‏؟‏ فلم يجعل له فسخا وذلك لأنه عقد لازم بين الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب عليه‏,‏ كالبيع‏.‏

فصل‏:‏

ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار المنازل والدواب جائز ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة‏,‏ ولا بد من مشاهدته وتحديده فإنه لا يصير معلوما إلا بذلك ولا يجوز إطلاقه‏,‏ ولا وصفه وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور‏:‏ إذا ضبط بالصفة أجزأ وقال أصحاب الرأي‏:‏ له خيار الرؤية كقولهم في البيع ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على البيع‏,‏ والخلاف ها هنا مبني على الخلاف في البيع ولم يكتف بالصفة لأنه لا يصير معلوما إلا بالرؤية كما لا يعلم في البيع إلا بذلك فإن كان دارا أو حماما‏,‏ احتاج إلى مشاهدة البيوت لأن الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة ماء الحمام إما من قناة أو بئر‏,‏ فإن كان من بئر احتاج إلى مشاهدتها ليعلم عمقها ومؤنة استسقاء الماء منها ومشاهدة الأتون ومطرح الرماد‏,‏ وموضع الزبل ومصرف ماء الحمام فمتى أخل بهذا أو بعضه‏,‏ لم تصح للجهالة بما يختلف الغرض به‏.‏

فصل‏:‏

وكره أحمد كراء الحمام وسئل عن كرائه فقال‏:‏ أخشى فقيل له‏:‏ إذا شرط على المكتري أن لا يدخله أحد بغير إزار فقال‏:‏ ومن يضبط هذا‏؟‏ وكأنه لم يعجبه قال ابن حامد‏:‏ هذا على طريق الكراهة تنزيها لا تحريما لأنه تبدو فيه عورات الناس فتحصل الإجارة على فعل محظور‏,‏ فكرهه لذلك فأما العقد فصحيح وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام جائز‏,‏ إذا حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة وهذا قول مالك والشافعي‏,‏ وأبي ثور وأصحاب الرأي لأن المكتري إنما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة‏,‏ وإن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها‏,‏ فشرب فيها خمرا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يتصرف مالك العقار فيه إلا عند تقضِّي المدة ‏]‏

وجملته أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها‏,‏ كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لأنها صارت مملوكة لغيره كما لا يملك البائع التصرف في المبيع‏,‏ فإن تصرف فيها نظرنا فإن كان ذلك في حال بدا للمستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري دارا سنة فيسكنها شهرا ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره‏,‏ احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك لأنه يتصرف فيه قبل قبض المكتري له فأشبه ما لو تلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه فعلى هذا‏,‏ إن تصرف المالك في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه دون ما لم يتصرف فيه ويكون على المستأجر ما بقي‏,‏ فلو سكن المستأجر شهرا وتركها شهرا وسكن المالك عشرة أشهر‏,‏ لزم المستأجر أجر شهرين وإن سكنها شهرا وسكن المالك شهرين ثم تركها‏,‏ فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر ويحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه بقسط ذلك مما على المستأجر من الأجر ويلزمه الباقي لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه غير إذنه‏,‏ فأشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري له وقبض الدار ها هنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة وغيرها فعلى هذا‏,‏ لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شيء وإن فضلت منه فضلة‏,‏ لزم المالك أداؤها إلى المستأجر والأول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي‏,‏ وإن تصرف المالك قبل تسليم العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة‏,‏ وجها واحدا لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى‏,‏ ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن حوله المالك قبل تقضِّي المدة لم يكن له أجر لما سكن ‏]‏

يعني إذا استأجر عقارا مدة‏,‏ فسكنه بعض المدة ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى‏,‏ فلا شيء له من الأجرة وقال أكثر الفقهاء‏:‏ له أجر ما سكن لأنه استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته‏,‏ كما لو تعذر استيفاء الباقي لأمر غالب ولنا أنه لم يسلم إليه ما عقد الإجارة عليه فلم يستحق شيئا كما لو استأجره ليحمل له كتابا إلى موضع‏,‏ فحمله بعض الطريق أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الإجارة على الإجارة أولى من قياسها على البيع ويفارق ما إذا امتنع لأمر غالب لأن له عذرا والحكم في من اكترى دابة‏,‏ فامتنع المكري من تسليمها في بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها‏,‏ أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر‏,‏ أو حمل شيء إلى مكان وامتنع من إتمام العمل كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه‏,‏ وأنه لا يستحق شيئا لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:

إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها‏,‏ أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ‏,‏ فلا كلام وإن لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضي المدة يوما فيوما فإن عادت العين في أثناء المدة‏,‏ استوفى ما بقي منها فإن انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب‏,‏ أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله‏,‏ كما لو أسلم إليه في شيء فهرب ابتيع من ماله فإن لم يمكن ثبت للمستأجر الفسخ فإن فسخ‏,‏ فلا كلام وإن لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر عليه‏,‏ فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق‏,‏ إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة‏,‏ أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقدر ما استوفى بكل حال‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد‏,‏ لزمه من الأجر بمقدار مدة انتفاعه ‏]‏

وجملته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام ثلاثة‏:‏ أحدها أن تتلف العين‏,‏ كدابة تنفق أو عبد يموت فذلك على ثلاثة أضرب‏:‏ أحدها أن تتلف قبل قبضها‏,‏ فإن الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل قبضه والثاني أن تتلف عقيب قبضها فإن الإجارة تنفسخ أيضا‏,‏ ويسقط الأجر في قول عامة الفقهاء إلا أبا ثور حكي عنه أنه قال‏:‏ يستقر الأجر لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه أشبه المبيع وهذا غلط لأن المعقود عليه المنافع‏,‏ وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك‏,‏ فأشبه تلفها قبل قبض العين الثالث أن تتلف بعد مضي شيء من المدة فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة قال أحمد‏,‏ في رواية إبراهيم بن الحارث‏:‏ إذا اكترى بعيرا بعينه فنفق البعير يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع‏,‏ وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين‏,‏ فقبض إحداهما وتلفت الأخرى قبل قبضها ثم ننظر فإن كان أجر المدة متساويا‏,‏ فعليه بقدر ما مضى إن كان قد مضى النصف فعليه نصف الأجر وإن كان قد مضى الثلث‏,‏ فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي وإن كان مختلفا كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف‏,‏ وأرض أجرها في الصيف أكثر من الشتاء أو دار لها موسم كدور مكة‏,‏ رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة ويقسط الأجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع وكذلك لو كان الأجر على قطع مسافة‏,‏ كبعير استأجره على حمل شيء إلى مكان معين وكانت متساوية الأجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

القسم الثاني أن يحدث على العين ما يمنع نفعها كدار انهدمت‏,‏ وأرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينظر فيها فإن لم يبق فيها نفع أصلا‏,‏ فهي كالتالفة سواء وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار والأرض لوضع حطب فيها‏,‏ أو نصب خيمة في الأرض التي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الأرض التي غرقت انفسخت الإجارة أيضا لأن المنفعة التي وقع عليها العقد تلفت‏,‏ فانفسخت الإجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الرحى وقال القاضي‏,‏ في الأرض التي ينقطع ماؤها‏:‏ لا تنفسخ الإجارة فيها وهو منصوص الشافعي لأن المنفعة لم تبطل جملة لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة أو جمع حطب فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء فإن فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات‏,‏ وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الأجر لأن ذلك عيب فإذا رضي به‏,‏ سقط حكمه فإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك‏,‏ فله الفسخ بعد ذلك والأول أصح لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كما في البيع ولو كان النفع الباقي في الأعيان مما لا يباح استيفاؤه بالعقد‏,‏ كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجها واحدا لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاؤها مع سلامتها‏,‏ فلا يملكها مع تعيبها كبيعها وأما إن أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على نعت من القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء‏,‏ أو كان الماء ينحسر عن الأرض التي غرقت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها‏,‏ لم تنفسخ الإجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا‏,‏ إلا في الدار إذا انهدمت فإن فيها وجهين أحدهما لا تنفسخ الإجارة والثاني تنفسخ لأنه زال اسمها بهدمها‏,‏ وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها فأما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الأرض بماء ينحسر في قرب من الزمان لا يمنع الزرع ولا يضره‏,‏ وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لأن هذا ليس بعيب وإن حدث الغرق المضر‏,‏ أو انقطاع الماء أو انهدم بعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في تبقية العين لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الإمساك‏,‏ أمسك بالحصة من الأجر كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع‏.‏

فصل‏:‏

القسم الثالث أن تغصب العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخير حقه‏,‏ فإن فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين سواء وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة الإجارة‏,‏ فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل إلى بدل‏,‏ وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة المبيعة آدمي قبل قطعها ويتخرج انفساخ العقد بكل حال‏,‏ على الرواية التي تقول‏:‏ إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي في ذلك اختلاف وإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة مخيرا‏,‏ كما ذكرنا وإن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شيء إلى موضع معين فغصب جمله الذي يحمل عليه‏,‏ وعبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب‏,‏ وإقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده‏,‏ فإن تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها‏.‏

فصل‏:‏

القسم الرابع‏,‏ أن يتعذر استيفاء المنفعة من العين بفعل صدر منها مثل أن يأبق العبد أو تشرد الدابة‏,‏ وقد ذكرنا حكم ذلك فيما قبل هذا‏.‏

فصل‏:‏

القسم الخامس أن يحدث خوف عام يمنع من سكنى ذلك المكان الذي فيه العين المستأجرة أو تحصر البلد‏,‏ فيمتنع الخروج إلى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك فهذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ لأنه أمر غالب يمنع المستأجر استيفاء المنفعة‏,‏ فأثبت الخيار كغصب العين ولو استأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى مكان معين‏,‏ فانقطعت الطريق إليه لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق‏,‏ فلكل واحد منهما فسخ الإجارة وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما فأما إن كان الخوف خاصا بالمستأجر مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المستأجر‏,‏ أو حلولهم في طريقه لم يملك الفسخ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية‏,‏ فأشبه مرضه وكذلك لو حبس أو مرض أو ضاعت نفقته‏,‏ أو تلف متاعه لم يملك فسخ الإجارة لذلك لأنه ترك استيفاء المنافع لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب أجرها عليه‏,‏ كما لو تركها اختيارا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اكترى عينا فوجد بها عيبا لم يكن علم به فله فسخ العقد‏,‏ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر‏:‏ إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا‏,‏ أو نفورا أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار‏,‏ إن شاء ردها وفسخ الإجارة وإن شاء أخذها وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي‏,‏ ولأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة كتعثر الظهر في المشي‏,‏ والعرج الذي يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحة أو عضوضة‏,‏ وأشباه ذلك وفي المكتري للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام‏,‏ والبرص وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها‏,‏ وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمتنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك من النقائص‏,‏ ومتى حدث شيء من هذه العيوب بعد العقد ثبت للمكتري خيار الفسخ لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئا فشيئا فإذا حدث العيب‏,‏ فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه فأثبت الفسخ فيما بقي منها ومتى فسخ‏,‏ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين وإن رضي المقام ولم يفسخ لزمه جميع العوض لأنه رضي به ناقصا فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا وإن اختلفا في الموجود‏,‏ هل هو عيب أو لا رجع فيه إلى أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ ليس بعيب مثل أن تكون الدابة خشنة المشي أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا‏,‏ فليس له فسخ وإن قالوا‏:‏ هو عيب فله الفسخ هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد‏,‏ وعلى المكري إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها أشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه‏,‏ ولم يمكن إجباره عليه فللمكتري الفسخ أيضا‏.‏

فصل‏:‏

وعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع‏,‏ وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع فوجب عليه فإن ضاعت بغير تفريط من المكتري فعلى المكري بدلها لأنها أمانة في يد المكتري‏,‏ فأشبه ذلك حيطان الدار وأبوابها وعليه بناء حائط إن سقط وإبدال خشبه إن انكسر وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبزل ومجرى الماء لأنه بذلك يتمكن من الانتفاع‏,‏ وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكتري وأما التحسين والتزويق‏,‏ فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه وأما تنقية البالوعة والكنف فإن احتيج إلى ذلك عند الكراء فعلى المكري لأن ذلك مما يتمكن به من الانتفاع‏,‏ وإن امتلأت بفعل المكتري فعليه تفريغها وهذا قول الشافعي وقال أبو ثور‏:‏ هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع فأشبه ما لو اكترى وهي ملأى وقال أبو حنيفة‏:‏ القياس أنه على المكتري والاستحسان أنه على رب الدار لأن عادة الناس ذلك ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري‏,‏ فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف مائه كالقول في بالوعة الدار وإن انقضت الإجارة وفي الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن‏,‏ فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرط على مكتري الحمام‏,‏ أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يجز لأنه لا يجوز أن يؤجر مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشترط أنه يستوفي بقدرها بعد انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى أن يكون انتهاء مدة الإجارة مجهولا فإن أطلق وتعطل‏,‏ فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ ويتخرج أن له أرش العيب قياسا على المبيع المعيب وإن لم يعلم بالعيب حتى انقضت مدة الإجارة‏,‏ فعليه الأجر كله لأنه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه ويتخرج أن له أرش العيب‏,‏ كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى أكله أو تلف في يده‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرط الإنفاق على العين النفقة الواجبة على المكري‏,‏ كعمارة الحمام إذا شرطها على المكتري فالشرط فاسد لأن العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه وإذا أنفق بناء على هذا‏,‏ احتسب به على المكري لأنه أنفقه على ملكه بشرط العوض فإن اختلفا في قدر ما أنفق فالقول قول المكري لأنه منكر فإن لم يشترط لكن أذن له في الإنفاق‏,‏ ليحتسب له من الأجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري أيضا وإن أنفق من غير إذنه‏,‏ لم يرجع بشيء لأنه أنفق على ماله بغير إذنه نفقة غير واجبة على المالك فأشبه ما لو عمر دارا له أخرى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن استؤجر لعمل شيء بعينه فمرض‏,‏ أقيم مقامه من يعمله والأجرة على المريض ‏]‏

وجملة ذلك أنه يجوز استئجار الآدمي‏,‏ بغير خلاف بين أهل العلم وقد آجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم واستأجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق ‏(‏وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا استأجر أجراء كل أجير بفرق من ذرة‏,‏ وقال‏:‏ إنما مثلكم ومثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر أجراء فقال‏:‏ من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط‏؟‏ فعملت اليهود ثم قال‏:‏ من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط‏؟‏ فعملت النصارى ثم قال‏:‏ من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين‏؟‏ فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى‏,‏ وقالوا‏:‏ نحن أكثر عملا وأقل أجرا فقال‏:‏ هل ظلمتكم من أجركم شيئا‏؟‏ قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء‏)‏ ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت إجارته كالدور ثم إجارته تقع على ضربين أحدهما استئجاره مدة بعينها‏,‏ لعمل بعينه كإجارة موسى عليه السلام نفسه ثماني حجج واستئجار الأجراء المذكورين في الخبر والثاني‏,‏ استئجاره على عمل معين في الذمة كاستئجار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر دليلا يدلهما على الطريق واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط‏,‏ ويتنوع ذلك نوعين‏:‏ أحدهما أن تقع الإجارة على عين كإجارة عبده لرعاية غنمه أو ولده لعمل معين والثاني أن تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط‏,‏ فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله لأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه‏,‏ كالمسلم فيه ولا يجب على المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به فأما إن كانت الإجارة على عبده في مدة أو غيرها‏,‏ فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شيء في ذمته وعمل غيره ليس معقودا عليه‏,‏ وإنما وقع العقد على معين فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره‏,‏ ولا يبدله بخلاف ما لو وقع في الذمة فإنه يجوز إبدال المعيب‏,‏ ولا ينفسخ العقد بتلف ما تسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الإجارة وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة‏,‏ لكنه لا يقوم غير الأجير مقامه كالنسخ فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط‏,‏ لم يكلف إقامة غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير لأن الغرض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله منه‏,‏ فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وهكذا كل ما يختلف باختلاف الأعيان‏.‏

فصل‏:‏

يجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني لأنها منفعة معلومة يجوز أن يتطوع بها الرجل على غيره‏,‏ فجاز عقد الإجارة عليه كالخدمة ولا بد من تقدير العمل بمدة أو عمل معين‏,‏ فإن قيده بمدة نحو أن يقول‏:‏ استأجرتك شهرا لتحفر لي بئرا أو نهرا لم يحتج إلى معرفة القدر وعليه أن يحفر ذلك الشهر قليلا حفر أو كثيرا ويحتاج إلى معرفة الأرض التي يحفر فيها وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يحتاج إلى معرفتها لأن الغرض لا يختلف بذلك والأول أولى -إن شاء الله تعالى- لأن الأرض قد تكون صلبة فيكون الحفر عليه شاقا‏,‏ وقد تكون سهلة فيسهل ذلك عليه وإن قدره بالعمل فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة لأن المواضع تختلف بالسهولة والصلابة‏,‏ ولا ينضبط ذلك بالصفة ويعرف دور البئر وعمقها وطول النهر‏,‏ وعمقه وعرضه لأن العمل يختلف بذلك فإذا حفر بئرا فعليه شيل التراب لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك‏,‏ فقد تضمنه العقد فإن تهور تراب من جانبيها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله‏,‏ وكان على صاحب البئر لأنه سقط فيها من ملكه ولم يتضمن عقد الإجارة رفعه وإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض‏,‏ وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لأنها تختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ‏,‏ فإذا فسخ كان له من الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل فيقال‏:‏ كم أجر ما عمل‏؟‏ وكم أجر ما بقي‏؟‏‏,‏ ويقسط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه وإن نبع ما يمنعه من الحفر فهو بمنزلة الصخرة على ما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا‏,‏ ويكون على مدة أو عمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تبيين عدده‏,‏ وذكر قالبه وموضع الضرب لأن الأجر يختلف باختلافه لكون التراب في بعض الأماكن أسهل والماء أقرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز‏,‏ كما إذا كان المكيال معروفا وإن قدره بالطول والعرض والسمك جاز ولا يكتفى بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لأن فيه غررا وقد يتلف القالب فلا يصح كما لو أسلم في مكيال بعينه‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز الاستئجار للبناء‏,‏ وتقديره بالزمان أو العمل فإن قدره بالعمل فلا بد من معرفة موضعه لأنه يختلف أيضا بقرب الماء‏,‏ وسهولة التراب ولا بد من ذكر طوله وعرضه وسمكه‏,‏ وآلة البناء من لبن وطين أو حجر وطين أو شيد وآجر‏,‏ أو غير ذلك قال ابن أبي موسى‏:‏ وإذا استأجره لبناء ألف لبنة في حائطه أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استأجره عليه‏,‏ ثم سقط الحائط فله أجره لأنه وفي العمل وإن قال‏:‏ ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه‏,‏ ثم سقط فعليه إعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع وهذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل فأما إن فرط‏,‏ أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط‏,‏ فعليه إعادته وغرامة ما تلف منه‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز الاستئجار لتطيين السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لأن الطين يختلف فمنه رقيق وثخين‏,‏ وأرض السطح تختلف فمنها العالي ومنها النازل وكذلك الحيطان فلذلك لم يجز إلا على مدة‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز استئجار ناسخ لينسخ له كتب فقه أو حديث‏,‏ أو شعرا مباحا أو سجلات نص عليه‏,‏ في رواية مثنى بن جامع وسأله عن كتابة الحديث بالأجر فلم ير به بأسا ولا بد من التقدير بالمدة أو العمل‏,‏ فإن قدره بالعمل ذكر عدد الأوراق وقدرها‏,‏ وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه فإن عرف الخط بالمشاهدة‏,‏ جاز وإن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه وإلا فلا بد من مشاهدته لأن الأجر يختلف باختلافه ويجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع‏,‏ ويجوز بأجزاء الأصل المنسوخ منه وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز وإذا أخطأ بالشيء اليسير الذي جرت العادة به‏,‏ عفي عنه لأن ذلك لا يمكن التحرز منه وإن أسرف في الغلط بحيث يخرج عن العادة فهو عيب يرد به قال ابن عقيل‏:‏ وليس له محادثة غيره حالة النسخ‏,‏ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره تحديثه وشغله وكذلك كل الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة‏,‏ ونحوهما‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يستأجر لحصاد زرعه ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وكان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع ويجوز أن يقدره بمدة وبعمل معين مثل أن يقاطعه على حصاد زرع معين ويجوز أن يستأجر رجلا لسقي زرعه‏,‏ وتنقيته ودياسه ونقله إلى موضع معين ويجوز أن يستأجر رجلا ليحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة‏,‏ أشبه حصاد الزرع قال أحمد في رجل استأجر أجيرا على أن يحتطب له على حمارين كل يوم فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر‏,‏ ويأخذ منه الأجرة فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله لأنه قال‏:‏ إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فاعتبر الضرر وظاهر هذا أنه إذا لم يستضر‏,‏ لا يرجع بشيء لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شيء‏,‏ كما لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن في حال عمله فإن ضر المستأجر‏,‏ يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر فكان عليه قيمتها كما لو عمل لنفسه وقال القاضي‏:‏ معناه أنه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر‏,‏ لأن منافعه في هذه المدة مملوكة لغيره فما حصل في مقابلتها يكون للذي استأجره‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز الاستئجار لاستيفاء القصاص ، في النفس فما دونها . وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور . وقال أبو حنيفة : لا يجوز في النفس ؛ لأن عدد الضربات تختلف ، وموضع الضربات غير متعين ، إذ يمكن أن يضرب مما يلي الرأس ومما يلي الكتف ، فكان مجهولا . ولنا أنه حق يجوز التوكيل في استيفائه ، لا يختص فاعله بكونه من أهل القربة ، فجاز الاستئجار عليه ، كالقصاص في الطرف . وقوله : إن عدد الضربات يختلف ، وهو مجهول . يبطل بخياطة الثوب ، فإن عدد الغرزات مجهول . وقوله : إن محله غير متعين قلنا : هو متقارب ، فلا يمنع ذلك صحته ، كموضع الخياطة من حاشية الثوب . والأجر على المقتص منه . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور . وقال أبو حنيفة ، ومالك : هو على المستوفي ، لأنه غير متعين ، فليس على المقتص منه إلا التمكين ، كما لو اشترى ثمرة نخله . ولنا أنه أجر يجب لإيفاء حق ، فكان على الموفي ، كأجر الكيال والوزان . وما ذكروه غير صحيح ؛ فإن القطع مستحق عليه ، بخلاف الثمرة ، بدليل أنه لو مكنه من القطع فلم يقطع ، وقطعه آخر ، لم يسقط حق صاحب القصاص ، ولو كان التمكين تسليما ، لسقط حقه كالثمرة .

فصل‏:‏

ويجوز استئجار رجل ليدله على طريق ‏(‏فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر استأجرا عبد الله بن أريقط هاديا خريتا‏,‏ وهو الماهر بالهداية ليدلهما على طريق المدينة‏)‏ ويجوز استئجار كيال ووزان‏,‏ لعمل معلوم أو في مدة معلومة وبهذا قال مالك والثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وقد روي في حديث سويد بن قيس‏:‏ ‏(‏أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشترى منا رجل سراويل وثم رجل يزن بأجر‏,‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ زن وأرجح‏)‏ رواه أبو داود ويجوز استئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته وسئل أحمد عن ذلك فقال‏:‏ لا بأس قد شغله وقال في موضع آخر‏:‏ غير هذا أعجب إلى كرهه لأنه يئول إلى الخصومة وفيه تضييق على مسلم‏,‏ ولا يأمن أن يكون ظالما فيساعده على ظلمه لكنه جائز في الجملة لأن الظاهر أنه محق‏,‏ فإن الظاهر أن الحاكم لا يحكم إلا بحق ولهذا أجزنا للموكل فعله‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا‏,‏ ورخص فيه ابن سيرين وعطاء والنخعي وكرهه الثوري‏,‏ وحماد ولنا أنها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها‏,‏ كالبناء ويجوز على مدة معلومة مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم‏,‏ أشبه الخياط والقصار فإن عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا وإن قال‏:‏ كلما اشتريت ثوبا‏,‏ فلك درهم أجرا وكانت الثياب معلومة بصفة أو مقدرة بثمن جاز وإن لم يكن كذلك‏,‏ فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز لأن الثياب تختلف باختلاف أثمانها والأجر يختلف باختلافها‏,‏ فإن اشترى فله أجر مثله وهذا قول أبي ثور وابن المنذر لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له‏,‏ فكان له أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة‏.‏

فصل‏:

وإن استأجره ليبيع له ثيابا بعينها صح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يصح لأن ذلك يتعذر عليه‏,‏ فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير ولنا أنه عمل مباح تجوز النيابة فيه‏,‏ وهو معلوم فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب ولأنه يجوز عقد الإجارة عليه مقدرا بزمن‏,‏ فجاز مقدرا بعمل كالخياطة وقولهم‏:‏ إنه غير ممكن لا يصح فإن الثياب لا تنفك عن راغب فيها ولذلك صحت المضاربة‏,‏ ولا تكون إلا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه متعذر وإن استأجره على شراء ثياب معينة‏,‏ احتمل أن لا يصح لأن ذلك لا يكون إلا من واحد وقد لا يبيع فيتعذر تحصيل العمل بحكم الظاهر‏,‏ بخلاف البيع وإن استأجره في البيع لرجل بعينه فهو كما لو استأجره لشراء ثياب بعينها ويحتمل أن يصح لأنه ممكن في الجملة فإن حصل من ذلك شيء استحق الأجر وإلا بطلت الإجارة‏,‏ كما لو لم يعين البائع ولا المشتري‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يستأجر لخدمته من يخدمه كل شهر بشيء معلوم وسواء كان الأجير رجلا أو امرأة‏,‏ حرا أو عبدا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه تجوز النيابة فيه‏,‏ ولا يختص عامله بكونه من أهل القربة قال أحمد‏:‏ أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة ولا يشترط ذلك قيل له‏:‏ فيتطوع بالركعتين‏؟‏ قال‏:‏ ما لم يضر بصاحبه إنما أباح له ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف بترك معتكفه لها وقال ابن المبارك‏:‏ لا بأس أن يصلي الأجير ركعات السنة وقال أبو ثور‏,‏ وابن المنذر‏:‏ ليس له منعه منها وقال أحمد‏:‏ يجوز للرجل أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت‏,‏ ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها إنما قال ذلك لأن حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وفرق بين الأمة والحرة لأنهما يختلفان قبل الإجارة‏,‏ فكذلك بعدها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها ‏]‏

هذا قول مالك‏,‏ والشافعي وإسحاق والبتي‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر وقال الثوري وأصحاب الرأي‏,‏ والليث‏:‏ تنفسخ الإجارة بموت أحدهما لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين‏,‏ فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لأنه ما عقد مع الوارث‏,‏ وإذا مات المستأجر لم يمكن إيجاب الأجر في تركته ولنا أنه عقد لازم فلا ينفسخ بموت العاقد‏,‏ مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات وما ذكروه لا يصح فإنا قد ذكرنا أن المستأجر قد ملك المنافع وملكت عليه الأجرة كاملة في وقت العقد ثم يلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكان وجوب الأجر ها هنا بسبب من المستأجر‏,‏ فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئرا فوقع فيها شيء بعد موته‏,‏ ضمنه في ماله لأن سبب ذلك كان منه في حال الحياة كذا ها هنا‏.‏

فصل‏:

وإن مات المكتري ولم يكن له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة‏,‏ أو كان غائبا كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه‏,‏ وليس له عليه شيء يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد أن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة لأنه قد جاء أمر غالب‏,‏ يمنع المستأجر عن منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولأن بقاء العقد ضرر في حق المكتري والمكري لأن المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع‏,‏ والمكري يمتنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا‏,‏ فمات المكتري في بعض الطريق فإن رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له‏,‏ وإن كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر‏,‏ ولم يبق به انتفاع لأنه تعذر استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ‏,‏ أو انقلع قبل قلعه أو اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت‏,‏ أو ذهبت ويجب أن يقدر أنه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لأن الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع ولولا ذلك لما انفسخ العقد لأنه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه‏,‏ كما لو حبس مستأجر الدار ومنع من سكناها ولا يصح هذا لأنه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئا من الأجر ويفارق هذا ما لو حبس المستأجر لأن المعقود عليه انتفاعه‏,‏ وهذا لا يؤيس منه بالحبس فإنه في كل وقت يمكن خروجه من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة إما بأجر أو غيره‏,‏ بخلاف الميت فإنه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه فأشبه ما ذكرنا من الصور‏.‏

فصل‏:

إذا أجر الموقوف عليه الوقف مدة‏,‏ فمات في أثنائها وانتقل إلى من بعده ففيه وجهان أحدهما لا تنفسخ الإجارة لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم يبطل بموته‏,‏ كما لو أجر ملكه الطلق والثاني تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة لأنا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دون ملك غيره‏,‏ كما لو أجر دارين أحدهما له والأخرى لغيره وذلك لأن المنافع بعد الموت حق لغيره فلا ينفذ عقده عليها من غير ملك ولا ولاية‏,‏ بخلاف الطلق فإن الوارث يملكه من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه‏,‏ وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل إلى الوارث والمنافع التي أجرها قد خرجت عن ملكه بالإجارة فلا تنتقل إلى الوارث والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف‏,‏ فما حدث فيها بعد البطن الأول كان ملكا لهم فقد صادف تصرف المؤجر في ملكهم من غير إذنهم ولا ولاية له عليهم‏,‏ فلم يصح ويتخرج أن تبطل الإجارة كلها بناء على تفريق الصفقة وهذا التفصيل مذهب الشافعي فعلى هذا إن كان المؤجر قبض الأجر كله وقلنا‏:‏ تنفسخ الإجارة فلمن انتقل إليه الوقف أخذه ويرجع المستأجر على ورثة المؤجر بحصة الباقي من الأجر وإن قلنا‏:‏ لا تنفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على التركة بحصته‏.‏

فصل‏:‏

وإن أجر الولي الصبي‏,‏ أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فقال أبو الخطاب‏:‏ ليس له فسخ الإجارة لأنه عقد لازم‏,‏ عقده بحق الولاية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع داره أو زوجه ويحتمل أن تبطل الإجارة فيما بعد زوال الولاية‏,‏ على ما ذكرنا في إجارة الوقف ويحتمل أن يفرق بين ما إذا أجره مدة يتحقق بلوغه في أثنائها مثل إن أجره عامين وهو ابن أربع عشرة فتبطل في السادس عشر لأننا نتيقن أنه أجره فيها بعد بلوغه وهل تصح في الخامس عشر‏؟‏ على وجهين‏,‏ بناء على تفريق الصفقة وبين ما إذا لم يتحقق بلوغه في أثنائها كالذي أجره في الخامس عشر وحده فبلغ في أثنائه‏,‏ فيكون فيه ما قد ذكرنا في صدر الفصل لأننا لو قلنا‏:‏ يلزم الصبي بعد البلوغ بعقد الولي مدة يتحقق بلوغه فيها أفضى إلى أن يعقد على جميع منافعه طول عمره وإلى أن يتصرف فيه في غير زمن ولايته عليه‏,‏ ولا يشبه النكاح لأنه لا يمكن تقدير مدته فإنه إنما يعقد للأبد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا بلغ الصبي فله الخيار لأنه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرف في نفسه‏,‏ فإذا ملك ثبت له الخيار كالأمة إذا أعتقت تحت زوج ولنا أنه عقد لازم‏,‏ عقد عليه قبل أن يملك التصرف فإذا ملكه لم يثبت له الخيار كالأب إذا زوج ولده وما قاسوا عليه إنما يثبت لها الخيار إذا عتقت تحت عبد‏,‏ لأجل العيب لا لما ذكره ولهذا لو عتقت تحت حر‏,‏ لم يثبت لها الخيار وإن مات الولي المؤجر للصبي أو ماله أو عزل وانتقلت الولاية إلى غيره‏,‏ لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف في محل ولايته‏,‏ فلم يبطل تصرفه بموته أو عزله كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرفه فيما له النظر فيه ويفارق ما لو أجر الموقوف عليه الوقف مدة‏,‏ ثم مات في أثنائها لأنه أجر ملك غيره بغير إذنه في مدة لا ولاية له فيها وها هنا إنما يثبت للولي الثاني الولاية في التصرف فيما لم يتصرف فيه الأول‏,‏ وهذا العقد قد تصرف فيه الأول فلم تثبت للثاني ولاية على ما تناوله‏.‏

فصل‏:‏

وإن أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها‏,‏ صح العتق ولم يبطل عقد الإجارة في قياس المذهب‏,‏ ولا يرجع العبد على مولاه بشيء وهذا جديد قولي الشافعي وقال في القديم‏:‏ يرجع على مولاه بأجر المثل لأن المنافع تستوفى منه بسبب كان من جهة السيد فرجع به عليه كما لو أكرهه بعد عتقه على ذلك العمل ولنا أنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق‏,‏ فلم يرجع ببدلها كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول الزوج بها فإن ما يستوفيه السيد لا يرجع به عليه ويخالف المكره فإنه تعدى بذلك‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ للعبد الخيار في الفسخ أو الإمضاء كالصبي إذا بلغ للمعنى الذي ذكره ثم ولنا‏,‏ أنه عقد لازم عقده على ما يملكه فلا ينفسخ بالعتق ولا يزول ملكه عنه‏,‏ كما لو زوج أمته ثم باعها إذا ثبت هذا فإن نفقة العبد إن كانت مشروطة على المستأجر فهي عليه كما كانت وإن لم تكن مشروطة عليه‏,‏ فهي على معتقه لأنه كالباقي على ملكه بدليل أنه يملك عوض نفعه ولأن العبد لا يقدر على نفقة نفسه لأنه مشغول بالإجارة ولا على المستأجر لأنه استحق منفعته بعوض غير نفقته‏,‏ لم يبق إلا أنها على المولى‏.‏

فصل‏:‏

إذا أجر عينا ثم باعها صح البيع‏,‏ نص عليه أحمد سواء باعها للمستأجر أو لغيره وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر‏:‏ إن باعها لغير المستأجر‏,‏ لم يصح البيع لأن يد المستأجر حائلة تمنع التسليم إلى المشتري فمنعت الصحة كما في بيع المغصوب ولنا أن الإجارة عقد على المنافع‏,‏ فلم تمنع الصحة كما لو زوج أمته ثم باعها وقولهم‏:‏ يد المستأجر حائلة دون التسليم لا يصح لأن يد المستأجر إنما هي على المنافع‏,‏ والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر كما لو باع الأمة المزوجة ولئن منعت التسليم في الحال‏,‏ فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه وهو عند انقضاء الإجارة ويكفي القدرة على التسليم حينئذ‏,‏ كالمسلم فيه وقال أبو حنيفة‏:‏ البيع موقوف على إجازة المستأجر فإن أجازه جاز وبطلت الإجارة وإن رده بطل ولنا أن البيع على غير المعقود عليه في الإجارة‏,‏ فلم تعتبر إجازته كبيع الأمة المزوجة إذا ثبت هذا فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة‏,‏ ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ لأن تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها ونفعها إنما يستحقه إذا انقضت الإجارة فيصير هذا بمنزلة من اشترى عينا في مكان بعيد‏,‏ فإنه لا يستحق تسليمها إلا بعد مضي مدة يمكن إحضارها فيها كالمسلم إلى وقت لا يستحق تسلم المسلم فيه إلا في وقته فإن لم يعلم المشتري بالإجارة فله الخيار بين الفسخ وإمضاء البيع بكل الثمن لأن ذلك عيب ونقص‏.‏

فصل‏:‏

فإن اشتراها المستأجر‏,‏ صح البيع أيضا لأنه يصح بيعها لغيره فله أولى لأن العين في يده وهل تبطل الإجارة‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ لا تبطل لأنه ملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا‏,‏ كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الأصل بعقد آخر ولو أجر الموصى له بالمنفعة مالك الرقبة صحت الإجارة‏,‏ فدل على أن ملك المنفعة لا ينافي العقد على الرقبة وكذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها جاز فعلى هذا يكون الأجر باقيا على المشتري وعليه الثمن‏,‏ ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره والثاني تبطل الإجارة فيما بقي من المدة لأنه عقد على منفعة العين فبطل ملك العاقد للعين‏,‏ كالنكاح فإنه لو تزوج أمة ثم اشتراها‏,‏ بطل نكاحه ولأن ملك الرقبة يمنع ابتداء الإجارة فمنع استدامتها‏,‏ كالنكاح فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي من مدة الإجارة كما لو بطلت الإجارة بتلف العين وإن كان المؤجر قد قبض الأجر كله‏,‏ حسب عليه باقي الأجر من الثمن‏.‏

فصل‏:

وإن ورث المستأجر العين المستأجرة فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها‏,‏ إلا أنه لا فرق في الحكم بين فسخ الإجارة وبقائها فلو استأجر إنسان من أبيه دارا ثم مات أبوه‏,‏ وخلف ابنين أحدهما هو المستأجر فإن الدار تكون بينهما نصفين‏,‏ والمستأجر أحق بها لأن النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه والنصف الذي ورثه يستحقه إما بحكم الملك‏,‏ وإما بحكم الإجارة وما عليه من الأجر بينهما نصفين وإن كان أبوه قد قبض الأجر لم يرجع بشيء منه على أخيه ولا تركة أبيه ويكون ما خلفه أبوه بينهما نصفين لأنه لو رجع بشيء أفضى إلى أن يكون قد ورث النصف بمنفعته‏,‏ وورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة والله سبحانه قد سوى بينهما في الميراث ولأنه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي انتقضت الإجارة فيها إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة وأخذ عوضها من غيره‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى المستأجر العين‏,‏ ثم وجدها معيبة فردها فإن قلنا‏:‏ لا تنفسخ الإجارة بالبيع فهي باقية بعد رد العين كما كانت قبل البيع وإن قلنا‏:‏ قد انفسخت فالحكم فيها كما لو انفسخت بتلف العين وإن كان المشتري أجنبيا‏,‏ فرد المستأجر الإجارة لعيب فينبغي أن تعود المنفعة إلى البائع لأنه يستحق عوضها على المستأجر فإذا سقط العوض‏,‏ عاد إليه المعوض ولأن المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فلا يرجع إليه‏,‏ ما لم يملكه وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ يرجع إلى المشتري لأن المنفعة تابعة للرقبة وإنما استحقت بعقد الإجارة فإذا زالت عادت إليه‏,‏ كما لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج ولا يصح هذا القياس فإن منفعة البضع قد استقر عوضها للبائع بمجرد دخول الزوج بها ولا ينقسم العوض على المدة‏,‏ ولهذا لا يرجع الزوج بشيء من الصداق فيما إذا انفسخ النكاح أو وقع الطلاق بخلاف الأجر في الإجارة فإن المؤجر يستحق الأجر في مقابلة المنفعة مقسوما على مدتها فإذا كان له عوض المنفعة المستقبلة‏,‏ فزال بالفسخ رجع إليه معوضها وهو المنفعة ولأن منفعة البضع لا يجوز أن تملك بغير ملك الرقبة أو النكاح‏,‏ فلو رجعت إلى البائع لملكت بغيرهما ولأنها مما لا يجوز للزوج نقلها إلى غيره ولا المعاوضة عنها‏,‏ ومنفعة البدن بخلافها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وقعت الإجارة على عين مثل أن يستأجر عبدا للخدمة أو لرعاية الغنم‏,‏ أو جملا للحمل أو للركوب فتلفت انفسخ العقد بتلفها وإن خرجت مستحقة‏,‏ تبينا أن العقد باطل وإن وجد بها عيبا فردها انفسخ العقد ولم يملك إبدالها لأن العقد على معين‏,‏ فثبتت هذه الأحكام كما لو اشترى عينا وإن وقعت على عين موصوفة في الذمة انعكست هذه الأحكام‏,‏ فمتى سلم إليه عينا فتلفت لم تنفسخ الإجارة ولزم المؤجر إبدالها وإن خرجت مغصوبة‏,‏ لم يبطل العقد ولزمه بدلها وإن وجد بها عيبا فردها فكذلك لأن المعقود عليه غير هذه العين‏,‏ وهذه بدل عنه فلم يؤثر تلفها ولا غصبها‏,‏ ولا ردها بعيب في إبطال العقد كما لو اشترى بثمن في الذمة على ما قرر في موضعه فإن قيل‏:‏ فقد قلتم في من اكترى جملا ليركبه جاز أن يركبه من هو مثله ولو اكترى أرضا لزرع شيء بعينه‏,‏ جاز له زرع ما هو مثله أو دونه في الضرر فلم قلتم‏:‏ إذا اكترى جملا بعينه لا يجوز أن يبدله‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع إليه غير المعقود عليه‏,‏ كما لو اشترى عينا لا يجوز أن يأخذ غيرها والراكب غير معقود عليه إنما هو مستوف للمنفعة وإنما تشترط معرفته لتقدر به المنفعة‏,‏ لا لكونه معقودا عليه وكذلك الزرع في الأرض فإنما يعين ليعرف به قدر المنفعة المستوفاة فيجوز الاستيفاء بغيرها‏,‏ كما لو وكل المشتري غيره في استيفاء المبيع ألا ترى أنه لو تلف البعير أو الأرض انفسخت الإجارة‏,‏ ولو مات الراكب أو تلف البذر لم تنفسخ الإجارة‏,‏ وجاز أن يقوم غيره مقامه فافترقا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن استأجر عقارا فله أن يسكنه غيره إذا كان يقوم مقامه ‏]‏

وجملته أن من استأجر عقارا للسكنى‏,‏ فله أن يسكنه ويسكن فيه من شاء ممن يقوم مقامه في الضرر أو دونه‏,‏ ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به من الرحال والطعام ويخزن فيها الثياب وغيرها مما لا يضر بها‏,‏ ولا يسكنها ما يضر بها مثل القصارين والحدادين لأن ذلك يضر بها ولا يجعل فيها الدواب لأنها تروث فيها وتفسدها ولا يجعل فيها السرجين ولا رحى ولا شيئا يضر بها ولا يجوز أن يجعل فيها شيئا ثقيلا فوق سقف لأنه يثقله ويكسر خشبه ولا يجعل فيها شيئا يضر بها‏,‏ إلا أن يشترط ذلك وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وإنما كان كذلك لأن له استيفاء المعقود عليه بنفسه ونائبه والذي يسكنه نائب عنه في استيفاء المعقود عليه‏,‏ فجاز كما لو وكل وكيلا في قبض المبيع أو دين له ولم يملك فعل ما يضر بها لأنه فوق المعقود عليه‏,‏ فلم يكن له فعله كما لو اشترى شيئا لم يملك أخذ أكثر منه فأما أن يجعل الدار مخزنا للطعام فقد قال أصحابنا‏:‏ يجوز ذلك لأنه يجوز أن يجعلها مخزنا لغيره ويحتمل أن لا يجوز لأن ذلك يفضي إلى تحريق النار أرضها وحيطانها‏,‏ وذلك ضرر لا يرضى به صاحب الدار‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اكترى دارا جاز إطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى‏,‏ ولا صفتها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور‏:‏ لا يجوز حتى يقول‏:‏ أبيت تحتها أنا وعيالي لأن السكنى تختلف‏,‏ ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه ولنا أن الدار لا تكترى إلا للسكنى‏,‏ فاستغنى عن ذكره كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف به والتفاوت في السكنى يسير‏,‏ فلم يحتج إلى ضبطه وما ذكره لا يصح فإن الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك‏,‏ فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه ولو اشترط ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان‏,‏ وأن لا يبيت عنده ضيف ولا زائر ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن‏,‏ كما يعلم ذلك فيما إذا اكترى للركوب‏.‏

فصل‏:

وإذا اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه‏,‏ ولا يركبه من هو أثقل منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فله أن يستوفي ذلك بنفسه ونائبه وله أن يستوفي أقل منه لأنه يستوفي بعض ما يستحقه‏,‏ وليس له استيفاء أكثر منه لأنه لا يملك أكثر مما عقد عليه ولا يشترط التساوي في الطول والقصر ولا المعرفة بالركوب وقال القاضي‏:‏ يشترط أن يكون مثله في هذه الأوصاف كلها لأن قلة المعرفة بالركوب تثقل على المركوب وتضر به قال الشاعر‏:‏

لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا ** فهم ثقال على أعجازها عنف

ولنا أن التفاوت في هذه الأمور بعد التساوي في الثقل يسير‏,‏ فعفي عنه ولهذا لا يشترط ذكره في الإجارة ولو اعتبر ذلك لاشترطت معرفته في الإجارة‏,‏ كالثقل والخفة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط أن لا يستوفى في المنفعة بمثله ولا بمن هو دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد‏,‏ وبطلان الشرط فإن القاضي قال فيمن شرط أن يزرع في الأرض حنطة ولا يزرع غيرها‏:‏ يبطل الشرط‏,‏ ويصح العقد ويحتمل أن يصح الشرط وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به ولأنه قد يكون له غرض في تخصيصه باستيفاء هذه المنفعة‏,‏ وقالوا في الوجه الآخر‏:‏ يبطل الشرط لأنه ينافي موجب العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسلط على استيفائها بنفسه وبنائبه‏,‏ واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه والشرط ينافي ذلك‏,‏ فكان باطلا وهل يبطل به العقد‏؟‏ فيه وجهان أصحهما لا يبطله لأنه لا يؤثر في حق المؤجر نفعا ولا ضرا‏,‏ فألغي وبقي العقد على مقتضاه والآخر يبطله لأنه ينافي مقتضاه فأشبه ما لو شرط أن لا يستوفي المنافع‏.‏

فصل‏:

ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد وهو قول سعيد بن المسيب‏,‏ وابن سيرين ومجاهد وعكرمة‏,‏ وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي‏,‏ والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يجوز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه‏,‏ فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه والأول أصح لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها‏,‏ فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة ويبطل قياس الرواية الأخرى لهذا الأصل إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر لما تقدم فأما إجارتها قبل قبضها فلا تجوز من غير المؤجر‏,‏ في أحد الوجهين وهذا قول أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض‏,‏ كالأعيان والآخر يجوز وهو قول بعض الشافعية لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه‏,‏ فلم يقف جواز التصرف عليه فأما إجارتها قبل القبض من المؤجر فإذا قلنا‏:‏ لا يجوز من غير المؤجر كان فيها ها هنا وجهان أحدهما لا يجوز لأنه عقد عليها قبل قبضها والثاني يجوز لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه لا يصح من غير بائعه‏,‏ رواية واحدة وهل يصح من بائعه‏؟‏ على روايتين فأما إجارتها بعد قبضها من المؤجر فجائزة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى تناقض الأحكام لأن التسليم مستحق على الكراء‏,‏ فإذا اكتراها صار مستحقا له فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهذا تناقض ولنا أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد‏,‏ كالبيع وما ذكروه لا يصح لأن التسليم قد حصل وهذا المستحق له تسليم آخر ثم يبطل بالبيع‏,‏ فإنه يستحق عليه تسليم العين فإذا اشتراها استحق تسليمها فإن قيل‏:‏ التسليم ها هنا مستحق في جميع المدة بخلاف البيع قلنا المستحق تسليم العين‏,‏ وقد حصل وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار أو غصبها‏,‏ رجع عليه لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه‏.‏

فصل‏:

ويجوز للمستأجر إجارة العين بمثل الأجر وزيادة نص عليه أحمد وروي ذلك عن عطاء والحسن‏,‏ والزهري وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن أحمد‏,‏ أنه إن أحدث في العين زيادة جاز له أن يكريها بزيادة وإلا لم تجز الزيادة‏,‏ فإن فعل تصدق بالزيادة روى هذا الشعبي وبه قال الثوري وأبو حنيفة لأنه يربح بذلك فيما لم يضمن‏,‏ وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربح ما لم يضمن ولأنه يربح فيما لم يضمن فلم يجز كما لو ربح في الطعام قبل قبضه ويخالف ما إذا عمل عملا فيها لأن الربح في مقابلة العمل وعن أحمد‏,‏ رواية ثالثة إن أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز وكره ابن المسيب‏,‏ وأبو سلمة وابن سيرين ومجاهد‏,‏ وعكرمة والشعبي والنخعي‏,‏ الزيادة مطلقا لدخولها في ربح ما لم يضمن ولنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه‏,‏ وكما لو أحدث عمارة لا يقابلها جزء من الأجر وأما الخبر فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه‏,‏ فإنها لو فاتت من غير استيفائه كانت من ضمانه ولا يصح القياس على بيع الطعام قبل قبضه فإن البيع ممنوع منه بالكلية سواء ربح أو لم يربح‏,‏ وها هنا جائز في الجملة وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغي بما إذا كنس الدار ونظفها فإن ذلك يزيد في أجرها في العادة‏.‏

فصل‏:‏

ونقل الأثرم عن أحمد أنه سأله عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال‏,‏ فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل‏؟‏ قال‏:‏ ما أدري هي مسألة فيها بعض الشيء قلت‏:‏ أليس كان الخياط أسهل عندك‏,‏ إذا قطع الثوب أو غيره إذا عمل في العمل شيئا‏؟‏ قال‏:‏ إذا عمل عملا فهو أسهل قال النخعي‏:‏ لا بأس أن يتقبل الخياط الثياب بأجر معلوم ثم يقبلها بعد ذلك بعد أن يعين فيها‏,‏ أو يقطع أو يعطيه سلوكا أو إبرا أو يخيط فيها شيئا‏,‏ فإن لم يعن فيها بشيء فلا يأخذن فضلا وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله مبنيا على مذهبه في أن من استأجر شيئا لا يؤجره بزيادة وقياس المذهب جواز ذلك سواء أعان فيها بشيء أو لم يعن لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول أو دونه‏,‏ جاز بزيادة عليه كالبيع وكإجارة العين‏.‏

فصل‏:‏

وكل عين استأجرها لمنفعة ، فله أن يستوفي مثل تلك المنفعة وما دونها في الضرر . وقال أحمد : إذا استأجر دابة ، ليحمل عليها تمرا . فحمل عليها حنطة ، أرجو أن لا يكون به بأس ، إذا كان الوزن واحدا . فإن كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضررا ، أو مخالفة للمعقود عليها في الضرر ، لم يجز ؛ لأنه يستوفي أكثر من حقه ، أو غير ما يستحقه ، فإذا اكترى دابة ، ليحمل عليها حديدا ، لم يحمل عليها قطنا ، لأنه يتجافى ، وتهب فيه الريح ، فيتعب الظهر وإن اكتراها لحمل القطن ، لم يجز أن يحمل الحديد ؛ لأنه يجتمع في موضع واحد ، فيثقل عليه ، والقطن يتفرق ، فيقل ضرره . وإن اكتراه ليركبه ، لم يجز أن يحمل عليه ؛ لأن الراكب يعين الظهر بحركته . وإن اكتراه ليحمل عليه ، لم يجز أن يركبه ؛ لأن الراكب يقعد في موضع واحد ، فيشتد على الظهر ، والمتاع يتفرق على جنبيه وإن اكتراه ليركبه عريا ، لم يجز أن يركبه بسرج ؛ لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه . وإن اكتراه ليركبه بسرج ، لم يجز أن يركبه عريا ؛ لأنه إذا ركب عليه من غير سرج حمي ظهره ، فربما عقره . وإن اكتراه ليركبه بسرج لم يجز أن يركبه بأكثر منه . فلو اكترى حمارا بسرج لم يجز أن يركبه بسرج البرذون ، إذا كان أثقل من سرجه . وإن اكترى دابة بسرج ، فركبها بإكاف أثقل منه ، أو أضر ، لم يجز ، وإن كان أخف ، وأقل ضررا ، فلا بأس ومتى فعل ما ليس له فعله ، كان ضامنا ، وعليه الأجر . وهذا كله مذهب الشافعي ، وأبي ثور .

فصل‏:‏

وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معلومة‏,‏ أو يحمل عليها فيها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر أضر منها أو تخالف ضررها‏,‏ بأن تكون إحداهما أحسن والأخرى أخوف لم يجز وإن كان مثلها في السهولة والحزونة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا‏,‏ فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لأن المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها بها فلم تتعين‏,‏ كنوع المحمول والراكب ويقوى عندي أنه متى كان للمكري غرض في تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها‏,‏ مثل من يكري جماله إلى مكة فيحج معها فلا يجوز له أن يذهب بها إلى غيرها ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها‏,‏ أو ببلد العراق لم يجز الذهاب بها إلى مصر ولو أكرى جماله جملة إلى بلد لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة‏,‏ وبباقيها إلى جهة أخرى وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فإنه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إليه لم يجز‏,‏ وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يكتري قميصا ليلبسه لأنه يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ويجوز بيعه‏,‏ فجازت إجارته كالعقار ولا بد من تقدير المنفعة بالمدة وإن كانت عادة أهل بلده نزع ثيابهم عند النوم في الليل فعليه نزعه في ذلك لأن الإطلاق يحمل على المعتاد‏,‏ وله لبسه فيما سوى ذلك وإن نام نهارا لم يكن عليه نزعه لأنه العرف ويلبس القميص على ما جرت العادة به ولا يجوز أن يتزر به لأنه يعتمد عليه فيشقه وفي اللبس لا يعتمد ويجوز أن يرتدي به لأنه أخف ومن ملك شيئا‏,‏ ملك ما هو أخف منه وقيل فيه وجه آخر أنه لا يجوز لأنه استعمال لم تجر العادة به في القميص أشبه الاتزار به‏.‏

فصل‏:‏

وإن استأجر أرضا صح لما تقدم‏,‏ ولا يصح حتى يرى الأرض لأن المنفعة تختلف باختلافها ولا تعرف إلا بالرؤية لأنها لا تنضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء لأن الأرض تصلح لهذا كله‏,‏ وتأثيره في الأرض يختلف فوجب بيانه فإن قال‏:‏ أجرتكها لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما فأشبه ما لو قال‏:‏ بعتك أحد هذين العبدين‏,‏ وإن قال‏:‏ لتزرعها ما شئت أو تغرسها ما شئت صح وهذا منصوص الشافعي وخالفه أكثر أصحابه فقالوا‏:‏ لا يجوز لأنه لا يدري كم يزرع ويغرس وقال بعضهم‏:‏ يصح‏,‏ ويزرع نصفها ويغرس نصفها ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين فصح‏,‏ كما لو قال‏:‏ لتزرعها ما شئت ولأن اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين وقوله‏:‏ لتزرعها ما شئت إذن في نوعين وأنواع وقد صح‏,‏ فكذلك في الجنسين وله أن يغرسها كلها وإن أحب زرعها‏,‏ كلها كما لو أذن له في أنواع الزرع كله كان له زرع جميعها نوعا واحدا‏,‏ وله زرعها من نوعين كذلك ها هنا وإن أكراها للزرع وحده ففيه أربع مسائل‏:‏ إحداهن‏,‏ أكراها للزرع مطلقا أو قال‏:‏ لتزرعها ما شئت فإنه يصح وله زرع ما شاء وهذا مذهب الشافعي وحكي عن ابن سريج أنه لا يصح حتى يتبين الزرع لأن ضرره يختلف‏,‏ فلم يصح بدون البيان كما لو لم يذكر ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء ولنا أنه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضررا ويباح له جميع الأنواع لأنها دونه‏,‏ فإذا عمم أو أطلق تناول الأكثر وكان له ما دونه‏,‏ ويخالف الأجناس المختلفة فإنه لا يدخل بعضها في بعض فإن قيل‏:‏ فلو اكترى دابة للركوب لوجب تعيين الراكب قلنا‏:‏ لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا لا تجوز بخلاف المزروع‏,‏ ولأن للحيوان حرمة في نفسه فلم يجز إطلاق ذلك فيه بخلاف الأرض فإن قيل‏:‏ فلو استأجر دارا للسكنى مطلقا‏,‏ لم يجز أن يسكنها من يضر بها كالقصار والحداد فلم قلتم إنه يجوز أن يزرعها ما يضر بها‏؟‏ قلنا السكنى لا تقتضي ضررا‏,‏ فلذلك منع من إسكان من يضر بها لأن العقد لم يقتضه والزرع يقتضي الضرر فإذا أطلق كان راضيا بأكثره‏,‏ فلهذا جاز وليس له أن يغرس في هذه الأرض ولا يبني لأن ضرره أكثر من المعقود عليه المسألة الثانية أكراها لزرع حنطة‏,‏ أو نوع بعينه فإن له زرع ما يعينه وما ضرره كضرره أو دونه ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم إلا داود وأهل الظاهر‏,‏ فإنهم قالوا‏:‏ لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز له أن يزرع بيضاء لأنه عينه بالعقد‏,‏ فلم يجز العدول عنه كما لو عين المركوب أو عين الدراهم في الثمن ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ولهذا يستقر عليه العوض بمضي المدة‏,‏ إذا تسلم الأرض وإن لم يزرعها وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة فلم يتعين‏,‏ كما لو استأجر دارا ليسكنها كان له أن يسكنها غيره وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنهما معقود عليهما‏,‏ فتعينا والمعقود عليه ها هنا منفعة مقدرة وقد تعينت أيضا ولم يتعين ما قدرت به‏,‏ كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون المسألة الثالثة قال‏:‏ ليزرعها حنطة وما ضرره كضررها‏,‏ أو دونه فهذه كالتي قبلها إلا أنه لا مخالف فيها لأنه شرط ما اقتضاه الإطلاق وبين ذلك تصريح نصه‏,‏ فزال الإشكال المسألة الرابعة قال‏:‏ ليزرعها حنطة ولا يزرع غيرها فذكر القاضي أن الشرط باطل لأنه ينافي مقتضى العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء‏,‏ فلم يصح الشرط كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه والعقد صحيح لأنه لا ضرر فيه‏,‏ ولا غرض لأحد المتعاقدين لأن ما ضرره مثله لا يختلف في غرض المؤجر‏,‏ فلم يؤثر في العقد فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه وقد ذكرنا فيما إذا شرط مكتري الدار أنه لا يسكنها غيره وجها في صحة الشرط‏,‏ ووجها آخر في فساد العقد فيخرج ها هنا مثله‏.‏

فصل‏:‏

وإن أكراها للغراس ففيه ما ذكرنا من المسائل إلا أن له أن يزرعها لأن ضرر الزرع أقل من ضرر الغراس‏,‏ وهو من جنسه لأن كل واحد منهما يضر بباطن الأرض وليس له البناء لأن ضرره مخالف لضرره فإنه يضر بظاهر الأرض وإن أكراها للزرع‏,‏ لم يكن له الغرس ولا البناء لأن ضرر الغرس أكثر وضرر البناء مخالف لضرره وإن أكراها للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع لأن ضررهما يخالف ضرره‏.‏

فصل‏:

ولا تخلو الأرض من قسمين أحدهما أن يكون له ماء دائم‏,‏ إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا مدة لا يؤثر في الزرع أو من عين نابعة‏,‏ أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها ثم يسقي به أو من بئر يقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض‏,‏ وقرب الماء الذي تحت الأرض فهذا كله دائم ويصح استئجارها للغرس والزرع بغير خلاف علمناه وكذلك الأرض التي تشرب من مياه الأمطار ويكتفى بالمعتاد منه لأن ذلك بحكم العادة‏,‏ ولا ينقطع إلا نادرا فهو كسائر الصور المذكورة الثاني أن لا يكون لها ماء دائم وهي نوعان أحدهما ما يشرب من زيادة معتادة تأتي في وقت الحاجة‏,‏ كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباهه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر‏,‏ وأرض دمشق الشاربة من زيادة بردي أو ما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فهذه تصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكى ابن الصباغ ذلك مذهبا للشافعي وقال أصحابه‏:‏ إن أكراها بعد الزيادة صح‏,‏ ولا يصح قبلها لأنها معدومة لا نعلم هل يقدر عليها أم لا ولنا أن هذا معتاد الظاهر وجوده‏,‏ فجازت إجارة الأرض الشاربة به كالشاربة من مياه الأمطار ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد‏,‏ كالسلم في الفاكهة إلى أوانها النوع الثاني أن يكون مجيء الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير‏,‏ الذي يندر وجوده أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه إن أجرها بعد وجود ماء يسقيها به‏,‏ صح أيضا لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت إجارتها كذات الماء الدائم وإن أجرها قبله للغرس أو الزرع‏,‏ لم يصح لأنه يتعذر الزرع غالبا ويتعذر المعقود عليه في الظاهر‏,‏ فلم تصح إجارتها كالآبق والمغصوب وإن اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لأنه تمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها‏,‏ ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وإن حصل له ماء قبل زرعها‏,‏ فله زرعها لأن ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها وليس له أن يبني ولا يغرس لأن ذلك يراد للتأبيد وتقدير الإجارة بمدة تقتضي تفريغها عند انقضائها فإن قيل‏:‏ فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة قلنا‏:‏ التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة‏,‏ إلا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسألتنا وإن أطلق إجارة هذه الأرض‏,‏ مع العلم بحالها وعدم مائها صح لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها‏,‏ فأشبه ما لو شرطاه وإن لم يعلم عدم مائها أو ظن المكتري أنه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه لم يصح العقد‏,‏ ولأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك لها يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها وقيل‏:‏ لا يصح العقد مع الإطلاق وإن علم حالها لأن إطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة والأولى صحته لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه‏,‏ ومتى كان لها ماء غير دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها‏,‏ ومذهب الشافعي في هذا كله كما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وإن اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر‏,‏ فالعقد باطل لأن الانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا وإن كان ينحسر عنها وقت الحاجة إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل‏,‏ صح العقد لأن المقصود متحقق بحكم العادة المستمرة وإن كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها‏,‏ لم يجز إجارتها لأنها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة‏.‏

فصل‏:‏

ومتى غرق الزرع أو هلك ، بحريق أو جراد أو برد ، أو غيره ، فلا ضمان على المؤجر ، ولا خيار للمكتري . نص عليه أحمد . ولا نعلم فيه خلافا . وهو مذهب الشافعي ؛ لأن التالف غير المعقود عليه ، وإنما تلف مال المكتري فيه ، فأشبه من اشترى دكانا فاحترق متاعه فيه . ثم إن أمكن المكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع ، أو بالزرع في بقية المدة ، فله ذلك ، وإن تعذر ذلك ، فالأجر لازم له ؛ لأن تعذره لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر ، لا لمعنى في العين وإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض ، أو انقطاع مائها ، فللمستأجر الخيار ؛ لأنه لمعنى في العين . وإن تلف الزرع بذلك ، فليس على المؤجر ضمانه ؛ لأنه لم يتلفه بمباشرة ولا بسبب . وإن قل الماء بحيث لا يكفي الزرع ، فله الفسخ ؛ لأنه عيب . فإن كان ذلك بعد الزرع ، فله الفسخ أيضا ، ويبقى الزرع في الأرض إلى أن يستحصد ، وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ ، وأجر المثل لما بقي من المدة لأرض لها مثل ذلك الماء وكذلك إن انقطع الماء بالكلية ، أو حدث بها عيب من غرق يهلك بعض الزرع ، أو يسوء حاله به .

فصل‏:‏

وإذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده‏,‏ لم يخل من حالين‏:‏ أحدهما أن يكون لتفريط من المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب‏,‏ يخير المالك بعد المدة بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجر لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض‏,‏ فله ذلك لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد وذكر القاضي أن على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض‏,‏ وإن اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في الغاصب وقياس مذهبنا ما ذكرناه الحال الثاني أن يكون بقاؤه بغير تفريط‏,‏ مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره فإنه يلزم المؤجر تركه إلى أن ينتهي‏,‏ وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني قالوا‏:‏ يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع‏,‏ فيلزم العمل بموجبه وقد وجد منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل ولنا أنه حصل الزرع في أرض غيره بإذنه‏,‏ من غير تفريط فلزم تركه كما لو أعاره أرضا فزرعها‏,‏ ثم رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم‏:‏ إنه مفرط غير صحيح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها وفي زيادة المدة تفويت زيادة الأجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شيء متوهم على خلاف العادة هو التفريط‏,‏ فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في مدة الإجارة فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق فملك منعه منه فإن زرع‏,‏ لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة قال‏:‏ إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل‏,‏ فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن يكتري خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في سنة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها‏,‏ صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته وقد يكون له غرض في ذلك لأخذه إياه قصيلا أو غيره‏,‏ ويلزمه ما التزم وإن أطلق العقد ولم يشترط شيئا‏,‏ احتمل أن يصح لأن الانتفاع بالزرع في هذه المدة ممكن واحتمل أنه إن أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه‏,‏ مثل أن يزرعها شعيرا يأخذه قصيلا صح العقد لأن الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع ما لا ينتفع بالزرع فيه‏,‏ أشبه إجارة السبخة له فإن قلنا‏:‏ يصح فإن انقضت المدة ففيه وجهان أحدهما حكمه حكم زرع المستأجر لما لا يكمل في مدته لأنه ها هنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه بالأجر لأن التفريط منه حيث أكراه مدة لزرع لا يكمل فيها وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة يقتضي النقل فيها‏,‏ وشرط التبقية يخالفه ولأن مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله‏,‏ كالتي تقدمت‏.‏

فصل‏:‏

إذا أجره للغراس سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر المنافع‏,‏ وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت‏,‏ لم يكن له أن يغرس لزوال عقده فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القلع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه‏,‏ وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المكتري تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع‏,‏ واشتراطهما عليه وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر‏,‏ جاز وإن أطلق العقد فللمكتري القلع لأن الغرس ملكه فله أخذه‏,‏ كطعامه من الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة ها هنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك‏,‏ ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وإن أبى القلع لم يجبر عليه‏,‏ إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها‏,‏ كما لو استأجرها للزرع ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ مفهومه أن ما ليس بظالم له حق وهذا ليس بظالم ولأنه غرس بإذن المالك‏,‏ ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها‏,‏ ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل‏:‏ فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا‏:‏ إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية‏,‏ فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه جاز‏,‏ كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة شرطا يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء أحدها أن يدفع قيمة الغراس والبناء‏,‏ فيملكه مع أرضه والثاني أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه والثالث أن يقر الغراس والبناء‏,‏ ويأخذ منه أجر المثل وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ يخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه‏,‏ فيكونان شريكين وليس بصحيح لأن الغراس ملك لغارسه لم يدفع إليه عنه عوض ولا رضي بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه‏,‏ كسائر الغرس وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز‏,‏ ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين‏:‏ ليس له بيعهما لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه ولنا أنه مملوك له‏,‏ يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كشقص مشفوع‏,‏ وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص وشراءه ويجوز بيعه لغيره فأما إن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح‏,‏ وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء وهو قول أصحاب الشافعي ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في الزرع الذي لا يكمل قبل انقضاء المدة‏,‏ ولأن الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء به وهو مؤثر‏,‏ فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته ‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في من استأجر أجيرا بطعامه وكسوته‏,‏ أو جعل له أجرا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك‏,‏ وإسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها اختارها القاضي وهذا مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر‏,‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ والوارث ليس بزوج‏,‏ ولأن المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك وروي عنه رواية ثالثة‏:‏ لا يجوز ذلك بحال لا في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف‏,‏ ومحمد وأبو ثور وابن المنذر لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا‏,‏ فيكون مجهولا والأجر من شرطه أن يكون معلوما ولنا‏:‏ ما روى ابن ماجه عن عتبة بن الندر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى قال‏:‏ إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه‏,‏ وطعام بطنه‏)‏ وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال‏:‏ كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي‏,‏ أحطب لهم إذا نزلوا وأحدو بهم إذا ركبوا ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه فلم يظهر له نكير‏,‏ فكان إجماعا ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها‏,‏ ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة‏,‏ ولأن للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرف‏,‏ وهو الإطعام في الكفارات فجاز إطلاقه كنقد البلد ونخص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان إذا ثبت هذا‏,‏ فإنهما إن تشاحا في مقدار الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله قال أحمد‏:‏ إذا تشاحا في الطعام‏,‏ يحكم له بمد كل يوم ذهب إلى ظاهر ما أمر الله تعالى من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين ولأن الإطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه ضررا‏,‏ ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه‏.‏

فصل‏:

وإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كما يوصف في السلم جاز ذلك عند الجميع وإن لم يشترط طعاما ولا كسوة‏,‏ فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم عن أحد خلافا فيما ذكرت وإن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم أشبه ما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للأجير‏,‏ إن شاء أطعمه وإن شاء تركه وإن لم يكن موصوفا لم يجز لأن ذلك مجهول‏,‏ احتمل فيما إذا شرطه للأجير للحاجة إليه وجرت العادة به فلا يلزمه احتمالها مع عدم ذلك‏.‏ ولو استأجر دابة بعلفها‏,‏ أو بأجر مسمى وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه‏,‏ ولا نعلم أحدا قال بجوازه إلا أن يشترطه موصوفا فيجوز‏.‏

فصل‏:‏

وإن استغنى الأجير عن طعام المؤجر بطعام نفسه‏,‏ أو غيره أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته‏,‏ وكان له المطالبة بها لأنها عوض فلا تسقط بالغنى عنه كالدرهم وإن احتاج لدواء لمرضه‏,‏ لم يلزم المستأجر ذلك لأنه لم يشرط له الإطعام إلا صحيحا لكن يلزمه له بقدر طعام الصحيح يشتري له الأجير ما يصلح له لأن ما زاد على طعام الصحيح لم يقع العقد عليه فلا يلزم به‏,‏ كالزائد في القدر‏.‏

فصل‏:‏

إذا دفع إليه طعامه فأحب الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه نظرت فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب‏,‏ ليأكل قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المؤجر‏,‏ بأن يضعف عن العمل أو يقل لبن الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه إياه‏,‏ وإنما أباحه أكل قدر حاجته وفي الثانية على المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته فمنع منه‏,‏ كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وإن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة أو دفع إليه أكثر وملكه إياه‏,‏ ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر جاز لأنه حق لا ضرر على المؤجر فيه فأشبه الدراهم‏.‏

فصل‏:‏

وإن قدم إليه طعاما‏,‏ فنهب أو تلف قبل أكله نظرت فإن كان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لأنه لم يسلمه إليه‏,‏ فكان تلفه من ماله وإن خصه بذلك وسلمه إليه‏,‏ فهو من ضمان الأجير لأنه تسليم عوض على وجه التمليك أشبه البيع‏.‏

فصل‏:‏

إذا دفع إلى رجل ثوبا وقال‏:‏ بعه بكذا‏,‏ فما ازددت فهو لك صح نص عليه أحمد في رواية أحمد بن سعيد وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن سيرين‏,‏ وإسحاق وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة‏,‏ والثوري والشافعي وابن المنذر لأنه أجر مجهول‏,‏ يحتمل الوجود والعدم ولنا ما روى عطاء عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل الرجل الثوب أو غير ذلك‏,‏ فيقول‏:‏ بعه بكذا وكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف ولأنها عين تنمى بالعمل فيها أشبه دفع مال المضاربة إذا ثبت هذا‏,‏ فإن باعه بزيادة فهي له لأنه جعلها أجرة وإن باعه بالقدر المسمى من غير زيادة‏,‏ فلا شيء له لأنه جعل له الزيادة ولا زيادة ها هنا فهو كالمضارب إذا لم يربح وإن باعه بنقص عنه‏,‏ لم يصح البيع لأنه وكيل مخالف وإن تعذر رده ضمن النقص وقد قال أحمد‏:‏ يضمن النقصان مطلقا وهذا قد مضى مثله في الوكالة وإن باعه نسيئة لم يصح البيع لأن إطلاق البيع يقتضي النقد‏,‏ لما في النسيئة من ضرر التأخير والخطر بالمال ليحصل له نفع الربح ويفارق المضارب على رواية حيث يجوز له البيع نساء لأنه يحصل لرب المال نفع بما يحصل من الربح في مقابلة ضرره بالنسيئة‏,‏ وها هنا لا فائدة لرب المال في الربح بحال ولأن مقصود المضاربة تحصيل الربح وهو في النسيئة أكثر‏,‏ وها هنا ليس مقصود رب المال الربح ولا حظ له فيه فلا فائدة له في النسيئة وقال أحمد‏,‏ في رواية الأثرم‏:‏ ليس له شيء يعني إذا زاد على العشرة لأن الإطلاق إنما اقتضى بيعها حالا فإذا باع نسيئة فلم يمتثل الأمر‏,‏ فلم يستحق شيئا‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد في رواية مهنا‏:‏ لا بأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل‏,‏ بسدس ما يخرج منه وهو أحب إلى من المقاطعة إنما جاز ها هنا لأنه إذا شاهده فقد علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم‏,‏ ومن علم شيئا علم جزأه المشاع فيكون أجرا معلوما واختاره أحمد على المقاطعة مع أنها جائزة لأنه ربما لم يخرج من الزرع مثل الذي قاطعه عليه وها هنا يكون أقل منه ضرورة‏.‏