فصل: مسألة: إن كان أحدهما يسير والآخر واقفا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا يبلغ بالتعزير الحد‏]‏

التعزير‏:‏ هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها‏,‏ كوطء الشريك الجارية المشتركة أو أمته المزوجة أو جارية ابنه‏,‏ أو وطء امرأته في دبرها أو حيضها أو وطء أجنبية دون الفرج أو سرقة ما دون النصاب‏,‏ أو من غير حرز أو النهب أو الغصب‏,‏ أو الاختلاس أو الجناية على إنسان بما لا يوجب حدا ولا قصاصا ولا دية أو شتمه بما ليس بقذف ونحو ذلك يسمى تعزيرا لأنه منع من الجناية والأصل في التعزير المنع‏,‏ ومنه التعزير بمعنى النصرة لأنه منع لعدوه من أذاه واختلف عن أحمد في قدره فروى عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات نص أحمد على هذا في مواضع وبه قال إسحاق لما روى أبو بردة قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط‏,‏ إلا في حد من حدود الله تعالى‏)‏ متفق عليه والرواية الثانية‏:‏ ‏"‏ لا يبلغ به الحد ‏"‏ وهو الذي ذكره الخرقي فيحتمل أنه أراد لا يبلغ به أدنى حد مشروع وهذا قول أبي حنيفة‏,‏ والشافعي فعلى هذا لا يبلغ به أربعين سوطا لأنها حد العبد في الخمر والقذف وهذا قول أبي حنيفة وإن قلنا‏:‏ إن حد الخمر أربعون لم يبلغ به عشرين سوطا في حق العبد‏,‏ وأربعين في حد الحر وهذا مذهب الشافعي فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطا ولا الحر على تسعة وثلاثين سوطا وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف‏:‏ أدنى الحدود ثمانون‏,‏ فلا يزاد في التعزير على تسعة وسبعين ويحتمل كلام أحمد والخرقي أنه لا يبلغ بكل جناية حدا مشروعا في جنسها ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها وروى عن أحمد ما يدل على هذا فعلى هذا‏,‏ ما كان سببه الوطء جاز أن يجلد مائة إلا سوطا لينقص عن حد الزنا وما كان سببه غير الوطء لم يبلغ به أدنى الحدود لما روى عن النعمان بن بشير‏,‏ في الذي وطئ جارية امرأته بإذنها يجلد مائة وهذا تعزير لأنه في حق المحصن وحده إنما هو الرجم وعن سعيد بن المسيب‏,‏ عن عمر في أمة بين رجلين وطئها أحدهما‏:‏ يجلد الحد إلا سوطا واحدا‏,‏ رواه الأثرم واحتج به أحمد قال القاضي‏:‏ هذا عندي من نص أحمد لا يقتضي اختلافا في التعزير بل المذهب أنه لا يزاد على عشر جلدات إتباعا للأثر‏,‏ إلا في وطء جارية امرأته لحديث النعمان وفي الجارية المشتركة لحديث عمر وما عداهما يبقى على العموم لحديث أبي بردة وهذا قول حسن وإذا ثبت تقدير أكثره‏,‏ فليس أقله مقدرا لأنه لو تقدر لكان حدا ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدر أكثره ولم يقدر أقله فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام فيما يراه‏,‏ وما يقتضيه حال الشخص وقال مالك‏:‏ يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام لما روى أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال‏,‏ ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالا فبلغ عمر رضي الله عنه فضربه مائة‏,‏ وحبسه فكلم فيه فضربه مائة أخرى‏,‏ فكلم فيه من بعد فضربه مائة ونفاه وروى أحمد بإسناده‏,‏ أن عليا أتى بالنجاشى قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين الحد وعشرين سوطا لفطره في رمضان‏,‏ وروى أن أبا الأسود استخلفه ابن عباس على قضاء البصرة فأتى بسارق قد كان جمع المتاع في البيت ولم يخرجه‏,‏ فقال أبو الأسود‏:‏ أعجلتموه المسكين فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلى سبيله ولنا حديث أبي بردة وروى الشالنجى بإسناده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من بلغ حدا في غير حد‏,‏ فهو من المعتدين‏)‏ ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية والمعاصى المنصوص على حدودها أعظم من غيرها فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين عقوبة أعظمها وما قالوه يؤدى إلى أن من قبل امرأة حراما‏,‏ يضرب أكثر من حد الزنا وهذا غير جائز لأن الزنا مع عظمه وفحشه لا يجوز أن يزاد على حده‏,‏ فما دونه أولى فأما حديث معن فيحتمل أنه كانت له ذنوب كثيرة فأدب على جميعها‏,‏ أو تكرر منه الأخذ أو كان ذنبه مشتملا على جنايات أحدها‏:‏ تزويره والثاني‏:‏ أخذه لمال بيت المال بغير حقه‏,‏ والثالث‏:‏ فتحه باب هذه الحيلة لغيره وغير هذا وأما حديث النجاشى فإن عليا ضربه الحد لشربه‏,‏ ثم عزره عشرين لفطره فلم يبلغ بتعزيره حدا وقد ذهب أحمد إلى هذا وروى أن من شرب الخمر في رمضان يحد‏,‏ ثم يعزر لجنايته من وجهين والذي يدل على صحة ما ذكرناه ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى أن لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا‏.‏

فصل

والتعزير يكون بالضرب والحبس والتوبيخ ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه‏,‏ ولا أخذ ماله لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به ولأن الواجب أدب والتأديب لا يكون بالإتلاف‏.‏

فصل

والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام وبه قال مالك‏,‏ وأبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ ليس بواجب لأن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها فقال‏:‏ ‏"‏ أصليت معنا‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم فتلا عليه‏:‏ ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ وقال في الأنصار‏:‏ ‏"‏ اقبلوا من محسنهم‏,‏ وتجاوزوا عن مسيئهم ‏"‏ وقال رجل للنبى -صلى الله عليه وسلم- في حكم حكم به للزبير‏:‏ أن كان ابن عمتك فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يعزره على مقالته وقال له رجل‏:‏ إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فلم يعزره ولنا أن ما كان من التعزير منصوصا عليه كوطء جارية امرأته‏,‏ أو جارية مشتركة فيجب امتثال الأمر فيه وما لم يكن منصوصا عليه‏,‏ إذا رأى الإمام المصلحة فيه أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب لأنه زجر مشروع لحق الله تعالى‏,‏ فوجب كالحد‏.‏

فصل

وإذا مات من التعزير لم يجب ضمانه وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يضمنه لقول على‏:‏ ليس أحد أقيم عليه الحد‏,‏ فيموت فأجد في نفسي شيئا إن الحق قتله إلا حد الخمر‏,‏ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسنه لنا وأشار على عمر بضمان التي أجهضت جنينها حين أرسل إليها ولنا أنها عقوبة مشروعة للردع والزجر فلم يضمن من تلف بها‏,‏ كالحد وأما قول على في دية من قتله حد الخمر فقد خالفه غيره من الصحابة فلم يوجبوا شيئا به‏,‏ ولم يعمل به الشافعي ولا غيره من الفقهاء فكيف يحتج به مع ترك الجميع له وأما قوله في الجنين فلا حجة لهم فيه‏,‏ فإن الجنين الذي تلف لا جناية منه ولا تعزير عليه فكيف يسقط ضمانه‏؟‏ ولو أن الإمام حد حاملا‏,‏ فأتلف جنينها ضمنه مع أن الحد متفق عليه بيننا‏,‏ على أنه لا يجب ضمان المحدود إذا أتلف به‏.‏

فصل

وليس على الزوج ضمان الزوجة إذا تلفت من التأديب المشروع في النشوز ولا على المعلم إذا أدب صبيه الأدب المشروع وبه قال مالك وقال الشافعي وأبو حنيفة‏:‏ يضمن ووجه المذهبين ما تقدم في التي قبلها قال الخلال‏:‏ إذا ضرب المعلم ثلاثا‏,‏ كما قال التابعون وفقهاء الأمصار وكان ذلك ثلاثا فليس بضامن‏,‏ وإن ضربه ضربا شديدا مثله لا يكون أدبا للصبى ضمن لأنه قد تعدى في الضرب قال القاضي‏:‏ وكذلك يجيء على قياس قول أصحابنا‏:‏ إذا ضرب الأب أو الجد الصبى تأديبا فهلك‏,‏ أو الحاكم أو أمينه أو الوصى عليه تأديبا فلا ضمان عليهم‏,‏ كالمعلم‏.‏

فصل

وإن قطع طرفا من إنسان فيه أكلة أو سلعة بأذنه وهو كبير عاقل‏,‏ فلا ضمان عليه وإن قطعه مكرها فالقطع وسرايته مضمون بالقصاص‏,‏ سواء كان القاطع إماما أو غيره لأن هذه جراحة تؤدى إلى التلف والأكلة إن كان بقاؤها مخوفا فقطعها مخوف‏,‏ وإن كان من قطعت منه صبيا أو مجنونا وقطعها أجنبى فعليه القصاص لأنه لا ولاية له عليه‏,‏ وإن قطعها وليه وهو الأب أو وصيه‏,‏ أو الحاكم أو أمينه المتولى عليه فلا ضمان عليه لأنه قصد مصلحته‏,‏ وله النظر في مصالحه فكان فعله مأمورا به فلم يضمن ما تلف به‏,‏ كما لو ختنه فمات والسلعة‏:‏ غدة بين اللحم والجلد تظهر في البدن كالجوزة‏,‏ وتكون في الرأس والبدن وهي بكسر السين والسلعة‏:‏ بفتح السين‏:‏ الشجة‏.‏

فصل

وإذا ختن الولي الصبي في وقت معتدل في الحر والبرد لم يلزمه ضمان إن تلف به لأنه فعل مأمور به في الشرع‏,‏ فلم يضمن ما تلف به كالقطع في السرقة وإن كان رجلا أو امرأة لم يختتنا فأمر السلطان بهما فختنا‏,‏ فإن كان ممن زعم الأطباء أنه يتلف بالختان أو الغالب تلفه به فعليه الضمان لأنه ليس له ذلك فيهما‏,‏ وإن كان الأغلب السلامة فلا ضمان عليه إذا كان في زمن معتدل‏,‏ ليس بمفرط الحر والبرد وبهذا قال الشافعي وزعم أبو حنيفة ومالك أنه ليس بواجب لأنه روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏الختان سنة في الرجال‏,‏ ومكرمة في النساء‏)‏ ولنا أنه قطع عضو صحيح من البدن يتألم بقطعه فلم يقطع إلا واجبا‏,‏ كاليد والرجل ولأنه يجوز كشف العورة من أجله ولو لم يكن واجبا ما جاز ارتكاب المحرم من أجله فأما الخبر فقد قيل‏:‏ هو ضعيف وعلى أن الواجب يسمى سنة‏,‏ فإن السنة ما رسم ليحتذى ولا يجب إلا بعد البلوغ فإن لم يفعله‏,‏ وإلا أجبره الحاكم عليه‏.‏

فصل

إذا أمر السلطان إنسانا بالصعود في سور أو نزول في بئر أو نحوه‏,‏ فعطب به فقال القاضي وأصحاب الشافعي‏:‏ على السلطان ضمانه لأن عليه طاعة إمامه فإذا أفضت طاعته إلى الهلاك‏,‏ فكأنه ألجأه إليه ولو كان الآمر غير الإمام لم يضمن لأن طاعته غير لازمة فلم يلجئه إليه وإن أمره السلطان بالمضى في حاجة‏,‏ فعثر فهلك لم يضمنه لأن المشى ليس بسبب الهلاك في الأعم الأغلب بخلاف ما ذكرناه أولا فعلى هذا‏,‏ إن كان أمره الموجب للضمان لمصلحة المسلمين فالضمان في بيت المال وإن كان لمصلحة نفسه‏,‏ فالضمان عليه أو على عاقلته إن كان مما تحمله عاقلته وإن أقام الإمام الحد في شدة حر أو برد‏,‏ أو ألزم إنسانا الختان في ذلك فهل يضمن ما تلف‏؟‏ يحتمل وجهين‏.‏

مسألة

‏[‏وإذا حمل عليه جمل صائل فلم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه‏,‏ فضربه فقتله فلا ضمان عليه‏]‏

وجملته أن الإنسان إذا صالت عليه بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بقتلها‏,‏ جاز له قتلها إجماعا وليس عليه ضمانها إذا كانت لغيره وبهذا قال مالك والشافعي‏,‏ وإسحاق وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ عليه ضمانها لأنه أتلف مال غيره لإحياء نفسه فكان عليه ضمانه كالمضطر إلى طعام غيره إذا أكله وكذلك قالوا في غير المكلف من الآدميين‏,‏ كالصبى والمجنون‏:‏ يجوز قتله ويضمنه لأنه لا يملك إباحة نفسه ولذلك لو ارتد‏,‏ لم يقتل ولنا أنه قتله بالدفع الجائز فلم يضمنه‏,‏ كالعبد ولأنه حيوان جاز إتلافه فلم يضمنه‏,‏ كالآدمى المكلف ولأنه قتله لدفع شره فأشبه العبد وذلك لأنه إذا قتله لدفع شره‏,‏ كان الصائل هو القاتل لنفسه فأشبه ما لو نصب حربة في طريقه فقذف نفسه عليها‏,‏ فمات بها وفارق المضطر فإن الطعام لم يلجئه إلى إتلافه ولم يصدر منه ما يزيل عصمته ولهذا لو قتل المحرم صيدا لصياله لم يضمنه‏,‏ ولو قتله لاضطراره إليه ضمنه ولو قتل المكلف لصياله لم يضمنه‏,‏ ولو قتله ليأكله في المخمصة وجب القصاص وغير المكلف كالمكلف في هذا وقولهم‏:‏ لا يملك إباحة نفسه قلنا‏:‏ والمكلف لا يملك إباحة دمه ولو قال‏:‏ أبحت دمى لم يبح‏,‏ على أنه صال فقد أبيح دمه بفعله فيجب أن يسقط ضمانه‏,‏ كالمكلف‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا دخل منزله بالسلاح فأمره بالخروج فلم يفعل‏,‏ فله أن يضربه بأسهل ما يخرجه به فإن علم أنه يخرج بضرب عصا لم يجز أن يضربه بحديدة‏,‏ فإن آل الضرب إلى نفسه فلا شيء عليه وإن قتل صاحب الدار كان شهيدا‏]‏

وجملته أن الرجل إذا دخل منزل غيره بغير إذنه‏,‏ فلصاحب الدار أمره بالخروج من منزله سواء كان معه سلاح أو لم يكن لأنه متعد بدخول ملك غيره فكان لصاحب الدار مطالبته بترك التعدي‏,‏ كما لو غصب منه شيئا فإن خرج بالأمر لم يكن له ضربه لأن المقصود إخراجه وقد روى عن ابن عمر‏,‏ أنه رأى لصا فأصلت عليه السيف قال‏:‏ فلو تركناه لقتله وجاء رجل إلى الحسن‏,‏ فقال‏:‏ لص دخل بيتى ومعه حديدة أقتله‏؟‏ قال‏:‏ نعم بأى قتلة قدرت أن تقتله ولنا‏,‏ أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل فلم يجز القتل كما لو غصب منه شيئا‏,‏ فأمكن أخذه بغير القتل وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب لا على قصد إيقاع الفعل فإن لم يخرج بالأمر فله ضربه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به لأن المقصود دفعه‏,‏ فإذا اندفع بقليل فلا حاجة إلى أكثر منه فإن علم أنه يخرج بالعصا‏,‏ لم يكن له ضربه بالحديد لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا وإن ذهب موليا لم يكن له قتله‏,‏ ولا اتباعه كأهل البغى وإن ضربه ضربة عطلته لم يكن له أن يثنى عليه لأنه كفى شره وإن ضربه فقطع يمينه‏,‏ فولى مدبرا فضربه فقطع رجله فقطع الرجل مضمون عليه بالقصاص أو الدية لأنه في حال لا يجوز له ضربه‏,‏ وقطع اليد غير مضمون فإن مات من سراية القطع فعليه نصف الدية كما لو مات من جراحة اثنين وإن عاد إليه بعد قطع رجله‏,‏ فقطع يده الأخرى فاليدان غير مضمونتين وإن مات فعليه ثلث الدية‏,‏ كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس فقياس المذهب أن يضمن نصف الدية لأن الجرحين قطع رجل واحد فكان حكمهما واحدا كما لو جرح رجل رجلا مائة جرح‏,‏ وجرحه آخر جرحا واحدا ومات كانت ديته بينهما نصفين‏,‏ ولا تقسم الدية على عدد الجراحات كذا ها هنا فأما إن لم يمكنه دفعه إلا بالقتل أو خاف أن يبدره بالقتل إن لم يقتله‏,‏ فله ضربه بما يقتله أو يقطع طرفه وما أتلف منه فهو هدر لأنه تلف لدفع شره‏,‏ فلم يضمنه كالباغى ولأنه اضطر صاحب الدار إلى قتله‏,‏ فصار كالقاتل لنفسه وإن قتل صاحب الدار فهو شهيد لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل‏,‏ فهو شهيد‏)‏ رواه الخلال بإسناده ولأنه قتل لدفع ظالم فكان شهيدا كالعادل إذا قتله الباغى‏.‏

فصل

وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه‏,‏ فحكمه ما ذكرنا في من دخل منزله في دفعهم بأسهل ما يمكن دفعهم به فإن كان بينه وبينهم نهر كبير‏,‏ أو خندق أو حصن لا يقدرون على اقتحامه فليس له رميهم‏,‏ وإن لم يمكن إلا بقتالهم فله قتالهم وقتلهم قال أحمد في اللصوص يريدون نفسك ومالك‏:‏ قاتلهم تمنع نفسك ومالك وقال عطاء‏,‏ في المحرم يلقى اللصوص قال‏:‏ يقاتلهم أشد القتال وقال ابن سيرين‏:‏ ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما إلا أن يجبن وقال الصلت بن طريف‏:‏ قلت للحسن‏:‏ إني أخرج في هذه الوجوه‏,‏ أخوف شيء عندي يلقانى المصلون يعرضون لي في مالى فإن كففت يدي ذهبوا بمالى وإن قاتلت المصلى ففيه ما قد علمت‏؟‏ قال‏:‏ أي بني‏,‏ من عرض لك في مالك فإن قتلته فإلى النار وإن قتلك فشهيد ونحو ذلك عن أنس‏,‏ والشعبي والنخعي وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها فقتلته لتحصن نفسها‏,‏ فقال‏:‏ إذا علمت أنه لا يريد إلا نفسها فقتلته لتدفع عن نفسها فلا شيء عليها وذكر حديثا يرويه الزهري‏,‏ عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير أن رجلا أضاف ناسا من هذيل‏,‏ فأراد امرأة على نفسها فرمته بحجر فقتلته فقال عمر‏:‏ والله لا يودى أبدا ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز بذله وإباحته‏,‏ فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحال أولى إذا ثبت هذا فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك لأن التمكين منها محرم وفي ترك الدفع نوع تمكين فأما من أريدت نفسه أو ماله‏,‏ فلا يجب عليه الدفع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة‏:‏ ‏(‏اجلس في بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل‏)‏ ولأن عثمان‏,‏ ترك القتال مع إمكانه مع إرادتهم نفسه فإن قيل‏:‏ فقد قلتم في المضطر‏:‏ إذا وجد ما يدفع به الضرورة لزمه الأكل منه في أحد الوجهين‏,‏ فلم لم تقولوا ذلك ها هنا‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن الأكل يحيى به نفسه من غير تفويت نفس غيره وها هنا في إحياء نفسه فوات نفس غيره‏,‏ فلم يجب عليه فأما إن أمكنه الهرب فهل يلزمه‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ يلزمه لأنه أمكنه الدفع عن نفسه من غير ضرر يلحق غيره فلزمه‏,‏ كالأكل في المخمصة والثاني لا يلزمه لأنه دفع عن نفسه فلم يلزمه‏,‏ كالدفع بالقتال‏.‏

فصل

وإذا صال على إنسان صائل يريد ماله أو نفسه ظلما أو يريد امرأة ليزنى بها‏,‏ فلغير المصول عليه معونته في الدفع ولو عرض اللصوص لقافلة جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏انصر أخاك ظالما أو مظلوما‏)‏ وفي حديث‏:‏ ‏(‏إن المؤمنين يتعاونون على الفتان‏)‏ ولأنه لولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم لأن قطاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يعنه غيره‏,‏ فإنهم يأخذون أموال الكل واحدا واحدا وكذلك غيرهم‏.‏

فصل

وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله‏,‏ فلا قصاص عليه ولا دية لما روي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يتغدى يوما إذ أقبل رجل يعدو‏,‏ ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم فجاء حتى قعد مع عمر فجعل يأكل‏,‏ وأقبل جماعة من الناس فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته فقال عمر‏:‏ ما يقول هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ ضرب الآخر فخذى امرأته بالسيف‏,‏ فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال لهم عمر‏:‏ ما يقول‏؟‏ قالوا ضرب بسيفه فقطع فخذى امرأته فأصاب وسط الرجل‏,‏ فقطعه باثنين فقال عمر‏:‏ إن عادوا فعد رواه هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أخرجه سعيد وإذا كانت المرأة مطاوعة‏,‏ فلا ضمان عليه فيها وإن كانت مكرهة فعليه القصاص وإذا قتل رجلا‏,‏ وادعى أنه وجده مع امرأته فأنكر وليه فالقول قول الولي لما روى عن على رضي الله عنه‏,‏ أنه سئل عن رجل دخل بيته فإذا مع امرأته رجل فقتلها وقتله قال على‏:‏ إن جاء بأربعة شهداء‏,‏ وإلا فليعط برمته ولأن الأصل عدم ما يدعيه فلا يسقط حكم القتل بمجرد الدعوى واختلفت الرواية في البينة فروى أنها أربعة شهداء لخبر علي‏,‏ ولما روى أبو هريرة ‏(‏أن سعدا قال‏:‏ يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتى رجلا أمهله حتى آتى بأربعة شهداء‏؟‏ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ نعم‏)‏ وروى أنه يكفى شاهدان لأن البينة تشهد على وجوده على المرأة‏,‏ وهذا يثبت بشاهدين وإنما الذي يحتاج إلى الأربعة الزنى وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنى فإن قيل‏:‏ فحديث عمر في الذي وجد مع امرأته رجلا ليس فيه بينة‏,‏ وكذلك روى أن رجلا من المسلمين خرج غازيا وأوصى بأهله رجلا فبلغ الرجل أن يهوديا يختلف إلى امرأته‏,‏ فكمن له حتى جاء فجعل ينشد‏:‏

وأشعث غره الإسلام مني ** خلوت بعرسه ليل التمام

أبيت على ترائبها ويضحي ** على جرداء لاحقة الحزام

كأن مواضع الربلات منها ** فئام ينهضون إلى فئام

فقام إليه فقتله فرفع ذلك إلى عمر‏,‏ فأهدر دمه ولم يطالب فالجواب أن ذلك ثبت عنده بإقرار الولي وإن لم تكن بينة فادعى علم الولي بذلك‏,‏ فالقول قول الولي مع يمينه‏.‏

فصل

ولو قتل رجل رجلا وادعى أنه قد هجم منزلي فلم يمكني دفعه إلا بالقتل لم يقبل قوله إلا ببينة‏,‏ وعليه القود سواء كان المقتول يعرف بسرقة أو عيارة أو لا يعرف بذلك‏,‏ فإن شهدت البينة أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بالسلاح المشهور فضربه هذا فقد هدر دمه‏,‏ وإن شهدوا أنهم رأوه داخلا داره ولم يذكروا سلاحا أو ذكروا سلاحا غير مشهور‏,‏ لم يسقط القود بذلك لأنه قد يدخل لحاجة ومجرد الدخول المشهود به لا يوجب إهدار دمه وإن تجارح رجلان وادعى كل واحد منهما إني جرحته دفعا عن نفسي حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه‏,‏ وعليه ضمان ما جرحه لأن كل واحد منهما مدع على الآخر ما ينكره والأصل عدمه‏.‏

فصل

ولو عض رجل يد آخر فله جذبها من فيه‏,‏ فإن جذبها فوقعت ثنايا العاض فلا ضمان فيها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي‏,‏ وروى سعيد عن هشيم عن محمد بن عبد الله أن رجلا عض رجلا‏,‏ فانتزع يده من فيه فسقط بعض أسنان العاض فاختصما إلى شريح‏,‏ فقال شريح‏:‏ انزع يدك من في السبع وأبطل أسنانه وحكي عن مالك وابن أبي ليلى‏,‏ عليه الضمان لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏في السن خمس من الإبل‏)‏ ولنا ما روى يعلى بن أمية قال‏:‏ كان لي أجير فقاتل إنسانا‏,‏ فعض أحدهما يد الآخر قال‏:‏ فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع إحدى ثنيتيه فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأهدر ثنيته‏,‏ فحسبت أنه قال‏:‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أفيدع يده في فيك تقضمها قضم الفحل‏)‏ متفق عليه ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه فلم يضمن‏,‏ كما لو صال عليه فلم يمكنه دفعه إلا بقطع عضوه وحديثهم يدل على دية السن إذا قلعت ظلما وهذه لم تقلع ظلما‏,‏ وسواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما لأن العض محرم إلا أن يكون العض مباحا مثل أن يمسكه في موضع يتضرر بإمساكه‏,‏ أو يعض يده ونحو ذلك مما لا يقدر على التخلص من ضرره إلا بعضه فيعضه‏,‏ فما سقط من أسنانه ضمنه لأنه عاض والعض مباح ولذلك لو عض أحدهما يد الآخر ولم يمكن المعضوض تخليص يده إلا بعضه فله عضه‏,‏ ويضمن الظالم منهما ما تلف من المظلوم وما تلف من الظالم هدر وكذلك الحكم فيما إذا عضه في غير يده أو عمل به عملا غير العض أفضى إلى تلف شيء من الفاعل‏,‏ لم يضمنه وقد روى محمد بن عبد الله‏:‏ أن غلاما أخذ قمعا من أقماع الزياتين فأدخله بين فخذى رجل ونفخ فيه‏,‏ فذعر الرجل من ذلك وخبط برجله فوقع على الغلام‏,‏ فكسر بعض أسنانه فاختصموا إلى شريح فقال شريح‏:‏ لا أعقل الكلب الهرار قال القاضي‏:‏ يخلص المعضوض يده بأسهل ما يمكن‏,‏ فإن أمكنه فك لحييه بيده الأخرى فعل وإن لم يمكنه لكمه في فكه فإن لم يمكنه جذب يده من فيه‏,‏ فإن لم يخلص فله أن يعصر خصيتيه فإن لم يمكنه‏,‏ فله أن يبعج بطنه وإن أتى على نفسه والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر وله أن يجذب يده من فيه أولا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل‏,‏ ولأنه لا يلزمه ترك يده في فم العاض حتى يتحيل بهذه الأشياء المذكورة ولأن جذب يده مجرد تخليص ليده وما حصل من سقوط الأسنان حصل ضرورة التخليص الجائز‏,‏ ولكم فكه جناية غير التخليص وربما تضمنت التخليص وربما أتلفت الأسنان التي لم يحصل العض بها‏,‏ وكانت البداءة بجذب يده أولى وينبغى أنه متى أمكنه جذب يده فعدل إلى لكم فكه فأتلف سنا‏,‏ ضمنه لإمكان التخلص بما هو أولى منه‏.‏

فصل

ومن اطلع في بيت إنسان من ثقب أو شق باب‏,‏ أو نحوه فرماه صاحب البيت بحصاة أو طعنه بعود‏,‏ فقلع عينه لم يضمنها وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يضمنها لأنه لو دخل منزله ونظر فيه‏,‏ أو نال من امرأته ما دون الفرج لم يجز قلع عينه فمجرد النظر أولى ولنا‏,‏ ما روى أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة‏,‏ ففقأت عينه لم يكن عليك جناح‏)‏ وعن سهل بن سعد ‏(‏أن رجلا اطلع في حجر من باب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحك رأسه بمدرى في يده‏,‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لو علمت أنك تنظرنى لطمت أو لطعنت بها في عينك‏)‏ متفق عليهما ويفارق ما قاسوا عليه لأن من دخل المنزل يعلم به فيستتر منه‏,‏ بخلاف الناظر من ثقب فإنه يرى من غير علم به ثم الخبر أولى من القياس وظاهر كلام أحمد‏,‏ أنه لا يعتبر في هذا أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر وقال ابن حامد‏:‏ يدفعه بأسهل ما يمكنه دفعه به فيقول له أولا‏:‏ انصرف فإن لم يفعل‏,‏ أشار إليه يوهمه أنه يحذفه فإن لم ينصرف فله حذفه حينئذ واتباع السنة أولى

فصل

فأما إن ترك الاطلاع ومضى‏,‏ لم يجز رميه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطعن الذي اطلع ثم انصرف ولأنه ترك الجناية فأشبه من عض ثم ترك العض‏,‏ لم يجز قلع أسنانه وسواء كان المطلع منه صغيرا كثقب أو شق أو واسعا‏,‏ كثقب كبير وذكر بعض أصحابنا أن الباب المفتوح كذلك والأولى أنه لا يجوز حذف من نظر من باب مفتوح لأن التفريط من تارك الباب مفتوحا والظاهر أن من ترك بابه مفتوحا‏,‏ أنه يستتر لعلمه أن الناس ينظرون منه ويعلم بالناظر فيه‏,‏ والواقف عليه فلم يجز رميه كداخل الدار وإن اطلع‏,‏ فرماه صاحب الدار فقال المطلع‏:‏ ما تعمدت الاطلاع لم يضمنه على ظاهر كلام أحمد لأن الاطلاع قد وجد‏,‏ والرامى لا يعلم ما في قلبه وعلى قول ابن حامد يضمنه لأنه لم يدفعه بما هو أسهل وكذلك لو قال‏:‏ لم أر شيئا حين اطلعت وإن كان المطلع أعمى‏,‏ لم يجز رميه لأنه لا يرى شيئا ولو كان إنسان عريانا في طريق لم يكن له رمى من نظر إليه لأنه المفرط وإن كان المطلع في الدار من محارم النساء اللائى فيها‏,‏ فقال بعض أصحابنا‏:‏ ليس لصاحب الدار رميه إلا أن يكن متجردات فيصرن كالأجانب وظاهر الخبر أن لصاحب الدار رميه‏,‏ سواء كان فيها نساء أو لم يكن لأنه لم يذكر أنه كان في الدار التي اطلع فيها على النبي -صلى الله عليه وسلم- نساء وقوله‏:‏ ‏"‏ لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته ‏"‏ عام في الدار التي فيها نساء وغيرها‏.‏

فصل

وليس لصاحب الدار رمى الناظر بما يقتله ابتداء‏,‏ فإن رماه بحجر يقتله أو حديدة ثقيلة ضمنه بالقصاص لأنه إنما له ما يقلع به العين المبصرة‏,‏ التي حصل الأذى منها دون ما يتعدى إلى غيرها فإن لم يندفع المطلع برميه بالشيء اليسير‏,‏ جاز رميه بأكثر منه حتى يأتى ذلك على نفسه وسواء كان الناظر في الطريق أو ملك نفسه أو غير ذلك‏.‏

مسألة

‏[‏وما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها‏,‏ وما أفسدت من ذلك نهارا لم يضمنوه‏]‏

يعني إذا لم تكن يد أحد عليها فإن كان صاحبها معها أو غيره‏,‏ فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته من نفس أو مال ونذكر ذلك في المسألة‏:‏ التي تلى هذه وإن لم تكن يد أحد عليها فعلى مالكها ضمان ما أفسدته من الزرع ليلا دون النهار وهذا قول مالك‏,‏ والشافعي وأكثر فقهاء الحجاز وقال الليث‏:‏ يضمن مالكها ما أفسدته ليلا ونهارا بأقل الأمرين من قيمتها أو قدر ما أتلفته‏,‏ كالعبد إذا جنى وقال أبو حنيفة‏:‏ لا ضمان عليه بحال لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏العجماء جرحها جبار‏)‏ يعني هدرا ولأنها أفسدت وليست يده عليها فلم يلزمه الضمان كما لو كان نهارا أو كما لو أتلفت غير الزرع ولنا‏,‏ ما روى مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة‏,‏ أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن على أهل الأموال حفظها بالنهار‏,‏ وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم قال ابن عبد البر‏:‏ إن كان هذا مرسلا فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول ولأن العادة من أهل المواشى إرسالها في النهار للرعي‏,‏ وحفظها ليلا وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل فإذا ذهبت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ‏,‏ وإن أتلفت نهارا كان التفريط من أهل الزرع فكان عليهم‏,‏ وقد فرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما وقضى على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته وأما غير الزرع فلا يضمن لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة‏,‏ فلا يحتاج إلى حفظها بخلاف الزرع‏.‏

فصل

قال بعض أصحابنا‏:‏ إنما يضمن مالكها ما أتلفته ليلا إذا كان التفريط منه‏,‏ بإرسالها ليلا أو إرسالها نهارا ولم يضمنها ليلا‏,‏ أو ضمنها بحيث يمكنها الخروج أما إذا ضمنها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان على مخرجها‏,‏ أو فاتح بابها لأنه المتلف قال القاضي‏:‏ هذه المسألة‏:‏ عندي محمولة على موضع فيه مزارع ومراع أما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين قراحين كساقية وطريق وطرف زرع‏,‏ فليس لصاحبها إرسالها بغير حافظ عن الزرع فإن فعله فعليه الضمان لتفريطه‏,‏ وهذا قول بعض أصحاب الشافعي‏.‏

فصل

وإن أتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلا كان أو نهارا ما لم تكن يده عليها وحكى عن شريح‏,‏ أنه قضى في شاة وقعت في غزل حائك ليلا بالضمان على صاحبها وقرأ شريح ‏(‏إذ نفشت فيه غنم القوم‏)‏ قال‏:‏ والنفش لا يكون إلا بالليل وعن الثوري‏:‏ يضمن‏,‏ وإن كان نهارا لأنه مفرط بإرسالها ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏العجماء جرحها جبار‏)‏ متفق عليه أي هدر وأما الآية فإن النفش هو الرعى بالليل‏,‏ فكان هذا في الحرث الذي تفسده البهائم طبعا بالرعى وتدعوها نفسها إلى أكله بخلاف غيره‏,‏ فلا يصح قياس غيره عليه‏.‏

فصل

ومن اقتنى كلبا عقورا فأطلقه فعقر إنسانا‏,‏ أو دابة ليلا أو نهارا أو خرق ثوب إنسان‏,‏ فعلى صاحبه ضمان ما أتلفه لأنه مفرط باقتنائه إلا أن يدخل إنسان داره بغير إذنه فلا ضمان فيه لأنه متعد بالدخول‏,‏ متسبب بعدوانه إلى عقر الكلب له وإن دخل بإذن المالك فعليه ضمانه لأنه تسبب إلى إتلافه وإن أتلف الكلب بغير العقر مثل أن ولغ في إناء إنسان‏,‏ أو بال لم يضمنه مقتنيه لأن هذا لا يختص به الكلب العقور قال القاضي‏:‏ وإن اقتنى سنورا يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه‏,‏ كما يضمن ما أتلفه الكلب العقور ولا فرق بين الليل والنهار وإن لم يكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه جنايته‏,‏ كالكلب إذا لم يكن عقورا ولو أن الكلب العقور أو السنور حصل عند إنسان من غير اقتنائه ولا اختياره فأفسد‏,‏ لم يضمنه لأنه لم يحصل الإتلاف بسببه‏.‏

فصل

وإن اقتنى حماما أو غيره من الطير فأرسله نهارا فلقط حبا‏,‏ لم يضمنه لأنه كالبهيمة والعادة إرساله‏.‏

مسألة

‏[وما جنت الدابة بيدها ، ضمن راكبها ما أصابت من نفس ، أو جرح ، أو مال ، وكذلك إن قادها أو ساقها] وهذا قول شريح ، وأبي حنيفة ، والشافعي . وقال مالك : لا ضمان عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (العجماء جرحها جبار). ولأنه جناية بهيمة ، فلم يضمنها ، كما لو لم تكن يده عليها . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الرجل جبار) . رواه سعيد ، بإسناده عن هزيل بن شرحبيل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتخصيص الرجل بكونه جبارا ، دليل على وجوب الضمان في جناية غيرها ، ولأنه يمكنه حفظها عن الجناية إذا كان راكبها ، أو يده عليها ، بخلاف من لا يد له عليها ، وحديثه محمول على من لا يد له عليها .

مسألة

‏[‏وما جنت برجلها فلا ضمان عليه‏]‏

وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ وعن أحمد رواية أخرى أنه يضمنها وهو قول شريح والشافعي لأنه من جناية بهيمة‏,‏ يده عليها فيضمنها كجناية يده ولنا‏,‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الرجل جبار‏)‏ ولأنه لا يمكنه حفظ رجلها عن الجناية فلم يضمنها كما لو لم تكن يده عليها فأما إن كانت جنايتها بفعله‏,‏ مثل أن كبحها بلجامها أو ضربها في وجهها ونحو ذلك‏,‏ ضمن جناية رجلها لأنه السبب في جنايتها فكان ضمانها عليه ولو كان السبب في جنايتها غيره‏,‏ مثل أن نخسها أو نفرها فالضمان على من فعل ذلك‏,‏ دون راكبها وسائقها وقائدها لأن ذلك هو السبب في جنايتها‏.‏

فصل

فإن كان على الدابة راكبان فالضمان على الأول منهما لأنه المتصرف فيها القادر على كفها‏,‏ إلا أن يكون الأول منهما صغيرا أو مريضا أو نحوهما ويكون الثاني المتولى لتدبيرها فيكون الضمان عليه وإن كان مع الدابة قائد وسائق فالضمان عليهما لأن كل واحد لو انفرد ضمن فإذا اجتمعا ضمنا وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب‏,‏ ففيه وجهان أحدهما الضمان عليهم جميعا لذلك والثاني‏,‏ على الراكب لأنه أقوى يدا وتصرفا ويحتمل أن يكون على القائد لأنه لا حكم للراكب مع القائد‏.‏

فصل

والجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب يضمن جنايته لأنه في حكم القائد فأما الجمل المقطور على الجمل الثاني‏,‏ فينبغي أن لا تضمن جنايته إلا أن يكون له سائق لأن الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية ولو كان مع الدابة ولدها لم تضمن جنايته لأنه لا يمكنه حفظه‏.‏

فصل

وإن وقفت الدابة في طريق ضيق‏,‏ ضمن ما جنت بيد أو رجل أو فم لأنه متعد بوقفها فيه وإن كان الطريق واسعا ففيه روايتان إحداهما‏,‏ يضمن وهو مذهب الشافعي لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة وكذلك لو ترك في الطريق طينا فزلق به إنسان‏,‏ ضمنه والثانية لا يضمن لأنه متعد بوقفها في الطريق الواسع فلم يضمن‏,‏ كما لو وقفها في موات وفارق الطين لأنه متعد بتركه في الطريق‏.‏

مسألة

‏[‏وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر‏[‏

وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر‏,‏ من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين‏,‏ أو بغلين أو حمارين أو جملين‏,‏ أو كان أحدهما فرسا والآخر غيره سواء كانا مقبلين أو مدبرين وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ وصاحباه وإسحاق وقال مالك والشافعي‏:‏ على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما‏,‏ فكان الضمان منقسما عليهما كما لو جرح إنسان نفسه وجرحه غيره‏,‏ فمات منهما ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية‏,‏ فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا‏,‏ تقاصتا وسقطتا وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى فلصاحبها الزيادة‏,‏ وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها‏.‏

فصل

فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر‏,‏ فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما‏,‏ فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف‏.‏

مسألة

‏[‏وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا‏,‏ فعلى السائر قيمة دابة الواقف‏]‏

نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته وإن انحرف الواقف‏,‏ فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما وإن كان الواقف متعديا بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق‏,‏ فالضمان عليه دون السائر لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجرا في الطريق‏,‏ أو جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان‏.‏

مسألة

‏[‏وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا‏,‏ فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر‏]‏

روي هذا عن علي رضي الله عنه والخلاف ها هنا في الضمان كالخلاف فيما إذا اصطدم الفارسان إلا أنه لا تقاص ها هنا في الضمان لأنه على غير من له الحق لكون الضمان على عاقلة كل واحد منهما وإن اتفق أن يكون الضمان على من له الحق مثل أن تكون العاقلة هي الوارثة‏,‏ أو يكون الضمان على المتصادمين تقاصا ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمدا أو خطأ لأن الصدمة لا تقتل غالبا‏,‏ فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ ولا فرق بين البصيرين والأعميين والبصير والأعمى فإن كانتا امرأتين حاملتين‏,‏ فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لأنهما اشتركتا في قتله‏,‏ وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في الجنين وإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه‏,‏ وعلى كل واحدة عتق رقبتين وإن أسقطتا معا ولم تمت المرأتان ففي مال كل واحدة ضمان نصف الجنينين بغرة‏,‏ إذا سقطا ميتين وعتق رقبتين وإن اصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين وإن اصطدم راكبان فماتا‏,‏ فهو كما لو كانا ماشيين‏.‏

فصل

وإن اصطدم عبدان فماتا هدرت قيمتهما لأن قيمة كل واحد منهما تعلقت برقبة الآخر فسقطت بتلفه وإن مات أحدهما‏,‏ تعلقت قيمته برقبة الحي فإن هلك قبل استيفاء القيمة سقطت لفوات محلها وإن تصادم حر وعبد‏,‏ فماتا تعلقت دية الحر برقبة العبد ثم انتقلت إلى قيمة العبد‏,‏ ووجبت قيمة العبد في تركة الحر فيتقاصان فإن كانت دية الحر أكثر من قيمة العبد سقطت الزيادة لأنها لا متعلق لها‏,‏ وإن كانت قيمة العبد أكثر أخذ الفضل من تركة الجانى وفي مال الحر عتق رقبة‏,‏ ولا شيء على العبد لأن تكفيره بالصوم فيفوت بفواته وإن مات العبد وحده فقيمته في ذمة الحر لأن العاقلة لا تحمل العبد وإن مات الحر وحده‏,‏ تعلقت ديته برقبة العبد وعليه صيام شهرين متتابعين وإن مات العبد قبل استيفاء الدية سقطت وإن قتله أجنبي‏,‏ فعليه قيمته ويتحول ما كان متعلقا برقبته إلى قيمته لأنها بدله وقائمة مقامه‏,‏ وتستوفى ممن وجبت عليه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا وقعت السفينة المنحدرة على المصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة المصاعدة‏,‏ أو أرش ما نقصت إن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها‏]‏

وجملته أن السفينتين إذا اصطدمتا‏,‏ لم تخل من حالين أحدهما أن تكونا متساويتين كاللتين في بحر أو ماء واقف‏,‏ أو كانت إحداهما منحدرة والأخرى مصاعدة فنبدأ بما إذا كانت إحداهما منحدرة والأخرى مصاعدة لأنها مسألة الكتاب ولا يخلو من حالين أحدهما‏,‏ أن يكون القيم بها مفرطا بأن يكون قادرا على ضبطها أو ردها عن الأخرى‏,‏ فلم يفعل أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل‏,‏ أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجالات وغيرهما فعلى المنحدر ضمان المصاعدة لأنها تنحط عليها من علو فيكون ذلك سببا لغرقها‏,‏ فتنزل المنحدرة بمنزلة السائر والمصاعدة بمنزلة الواقف وإن غرقتا جميعا فلا شيء على المصعد‏,‏ وعلى المنحدر قيمة المصعد أو أرش ما نقصت إن لم تتلف كلها إلا أن يكون التفريط من المصعد بأن يمكنه العدول بسفينته‏,‏ والمنحدر غير قادر ولا مفرط فيكون الضمان على المصعد لأنه المفرط وإن لم يكن من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح‏,‏ أو كان الماء شديد الجرية فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان عليه لأنه لا يدخل في وسعه ضبطها‏,‏ ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها الحال الثاني‏:‏ أن يكونا متساويتين فإن كان القيمان مفرطين ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر‏,‏ بما فيها من نفس ومال كما قلنا في الفارسين يصطدمان وإن لم يكونا مفرطين‏,‏ فلا ضمان عليهما وللشافعي في حال عدم التفريط قولان أحدهما عليهما الضمان لأنهما في أيديهما فلزمهما الضمان‏,‏ كما لو اصطدم الفارسان لغلبة الفرسين لهما ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب‏,‏ ولا الاحتراز من ذلك فأشبه ما لو نزلت صاعقة أحرقت السفينة ويخالف الفرسين‏,‏ فإنه ممكن ضبطهما والاحتراز من طردهما وإن كان أحدهما مفرطا وحده فعليه الضمان وحده‏,‏ وإن اختلفا في تفريط القيم فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم التفريط وهو أمين‏,‏ فهو كالمودع وعند الشافعي أنهما إذا كان مفرطين فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه‏,‏ كقوله في اصطدام الفارسين على ما مضى‏.‏

فصل

فإن كان القيمان مالكين للسفينتين بما فيهما تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله‏,‏ وإن كانا أجيرين ضمنا ولا تقاص ها هنا لأن من يجب له غير من يجب عليه وإن كان في السفينتين أحرار فهلكوا‏,‏ وكانا قد تعمدا المصادمة وذلك مما يقتل غالبا فعليهما القصاص وإن كانوا عبيدا‏,‏ فلا ضمان على القيمين إذا كان حرين وإن لم يتعمدا المصادمة أو كان ذلك مما لا يقتل غالبا وجبت دية الأحرار على عاقلة القيمين‏,‏ وقيمة العبيد في أموالهما وإن كان القيمان عبدين تعلق الضمان برقبتهما فإن تلفا جميعا‏,‏ سقط الضمان وأما مع عدم التفريط فلا ضمان على أحد وإن كان في السفينتين ودائع ومضاربات لم تضمن لأن الأمين لا يضمن‏,‏ ما لم يوجد منه تفريط أو عدوان وإن كانت السفينتان بأجرة فهما أمانة أيضا لا ضمان فيهما وإن كان فيهما مال يحملانه بأجرة إلى بلد آخر‏,‏ فلا ضمان لأن الهلاك بأمر غير مستطاع‏.‏

فصل

وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة‏,‏ إن كان مفرطا ولا ضمان عليه إن لم يفرط على ما قدمنا‏.‏

فصل

وإن خيف على السفينة الغرق‏,‏ فألقى بعض الركبان متاعه لتخف وتسلم من الغرق لم يضمنه أحد لأنه أتلف متاع نفسه باختياره لصلاحه وصلاح غيره وإن ألقى متاع غيره بغير أمره‏,‏ ضمنه وحده وإن قال لغيره‏:‏ ألق متاعك فقبل منه لم يضمنه له لأنه لم يلتزم ضمانه وإن قال‏:‏ ألقه وأنا ضامن له أو‏:‏ وعلى قيمته لزمه ضمانه له لأنه أتلف ماله بعوض لمصلحة‏,‏ فوجب له العوض على من التزمه كما لو قال‏:‏ أعتق عبدك وعلى ثمنه وإن قال‏:‏ ألقه وعلى وعلى ركبان السفينة ضمانه فألقاه‏,‏ ففيه وجهان أحدهما يلزمه ضمانه وحده وهذا نص الشافعي وهو الذي ذكره أبو بكر لأنه التزم ضمانه جميعه فلزمه ما التزمه وقال القاضي‏:‏ إن كان ضمان اشتراك‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ نحن نضمن لك أو قال‏:‏ على كل واحد منا ضمان قسطه أو ربع متاعك لم يلزمه إلا ما يخصه من الضمان وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنه لم يضمن إلا حصته وإنما أخبر عن الباقين بالضمان فسكتوا‏,‏ وسكوتهم ليس بضمان وإن التزم ضمان الجميع وأخبر عن كل واحد منهم بمثل ذلك لزمه ضمان الكل‏,‏ وإن قال‏:‏ ألقه على أن أضمنه لك أنا وركبان السفينة فقد أذنوا لي في ذلك فألقاه ثم أنكروا الإذن‏,‏ فهو ضامن لجميعه وإن قال‏:‏ ألقى متاعى وتضمنه لي‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فألقاه ضمنه له وإن قال‏:‏ ألق متاعك‏,‏ وعلى ضمان نصفه وعلى أخي ضمان ما بقي فألقاه فعليه ضمان النصف وحده‏,‏ ولا شيء على الآخر لأنه لم يضمن‏.‏

فصل

وإذا خرق سفينة، فغرقت بما فيها، وكان عمدا، وهو ما يغرقها غالبا، ويهلك من فيها، لكونهم في اللجة، أو لعدم معرفتهم بالسباحة، فعليه القصاص إن قتل من يجب القصاص بقتله، وعليه ضمان السفينة بما فيها من مال ونفس، وإن كان خطأ، فعليه ضمان العبيد، ودية الأحرار على عاقلته‏.‏ وإن كان عمد خطأ، مثل أن يأخذ السفينة ليصلح موضعا، فقلع لوحا، أو يصلح مسمارا، فنقب موضعا، فهذا عمد الخطأ‏.‏ وذكره القاضي، وهو مذهب الشافعي‏.‏ والصحيح أن هذا خطأ محض؛ لأنه قصد فعلا مباحا، فأفضى إلى التلف لما لم يرده، فأشبه ما لو رمى صيدا، فأصاب آدميا‏.‏ ولكن إن قصد قلع اللوح في موضع الغالب أنه لا يتلفها، فأتلفها، فهو عمد الخطأ، وفيه ما فيه‏.‏ والله أعلم ‏.‏