فصل: مسألة: وإن كانت حاملا فحتى تضع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وأم الولد إذا مات سيدها‏,‏ فلا تنكح حتى تحيض حيضة كاملة‏]‏

هذا المشهور عن أحمد وهو قول ابن عمر وروي ذلك عن عثمان وعائشة والحسن‏,‏ والشعبي والقاسم بن محمد وأبي قلابة‏,‏ ومكحول ومالك والشافعي‏,‏ وأبي عبيد وأبي ثور وروي عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهو قول سعيد بن المسيب‏,‏ وأبي عياض وابن سيرين وسعيد بن جبير‏,‏ ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن عبد العزيز‏,‏ والزهري ويزيد بن عبد الملك والأوزاعي‏,‏ وإسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال‏:‏ لا تفسدوا علينا سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها أربعة أشهر وعشر رواه أبو داود ولأنها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها أربعة أشهر وعشرا‏,‏ كالزوجة الحرة وحكى أبو الخطاب رواية ثالثة أنها تعتد شهرين وخمسة أيام ولم أجد هذه الرواية عن أحمد‏,‏ في ‏(‏‏(‏الجامع‏)‏‏)‏ ولا أظنها صحيحة عن أحمد وروي ذلك عن عطاء وطاوس‏,‏ وقتادة ولأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة الأمة كما لو مات رجل عن زوجته الأمة‏,‏ فعتقت بعد موته ويروي عن علي وابن مسعود وعطاء‏,‏ والنخعي والثوري وأصحاب الرأي‏,‏ أن عدتها ثلاث حيض لأنها حرة تستبرأ فكان استبراؤها بثلاث حيض كالحرة المطلقة ولنا أنه استبراء لزوال الملك عن الرقبة‏,‏ فكان حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات ولأنه استبراء لغير الزوجات والموطوآت بشبهة‏,‏ فأشبه ما ذكرنا قال القاسم بن محمد‏:‏ سبحان الله يقول الله تعالى في كتابه‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‏}‏ ما هن بأزواج فأما حديث عمرو بن العاص فضعيف قال ابن المنذر‏:‏ ضعف أحمد وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص وقال محمد بن موسى‏:‏ سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص‏,‏ فقال‏:‏ لا يصح وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا ثم قال‏:‏ أين سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا‏؟‏ وقال‏:‏ أربعة أشهر وعشر إنما هي عدة الحرة من النكاح وإنما هذه أمة خرجت من الرق إلى الحرية ويلزم من قال بهذا أن يورثها وليس لقول‏:‏ تعتد بثلاث حيض وجه‏,‏ وإنما تعتد بذلك المطلقة وليست هذه مطلقة ولا في معنى المطلقة وأما قياسهم إياها على الزوجات‏,‏ فلا يصح لأن هذه ليست زوجة ولا في حكم الزوجة ولا مطلقة‏,‏ ولا في حكم المطلقة‏.‏

فصل

ولا يكفى في الاستبراء طهر واحد ولا بعض حيضة وهذا قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب مالك‏:‏ متى طعنت في الحيضة فقد تم استبراؤها وزعم أنه مذهب مالك وقال الشافعي‏,‏ في أحد قوليه‏:‏ يكفي طهر واحد إذا كان كاملا وهو أن يموت في حيضها فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية‏,‏ حلت وتم استبراؤها وهكذا الخلاف في الاستبراء كله وبنوا هذا على أن القروء الأطهار‏,‏ وهذا يرده قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ وقال رويفع بن ثابت‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم خيبر‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة‏)‏ رواه الأثرم وهذا صريح فلا يعول على ما خالفه ولأن الواجب استبراء‏,‏ والذي يدل على البراءة هو الحيض فإن الحامل لا تحيض فأما الطهر فلا دلالة فيه على البراءة فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة فيه عليه‏,‏ دون ما يدل عليه وبناؤهم قولهم هذا على قولهم‏:‏ إن القروء الأطهار بناء للخلاف على الخلاف وليس ذلك بحجة ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه‏,‏ فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءا ولم يجعلوا الطهر الذي مات فيه سيد أم الولد قرءا وخالفوا الحديث والمعنى فإن قالوا‏:‏ إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة قلنا‏:‏ فيكون الاعتماد حينئذ على بعض الحيضة‏,‏ وليس ذلك قرءا عند أحد فإذا تقرر هذا فإن مات عنها وهي طاهر فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة حلت‏,‏ وإن كانت حائضا لم تعتد ببقية تلك الحيضة ولكن متى طهرت من الحيضة الثانية حلت لأن استبراء هذه بحيضة‏,‏ فلا بد من حيضة كاملة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت آيسا فبثلاثة أشهر‏]‏

وهذا المشهور عن أحمد أيضا وهو قول الحسن وابن سيرين‏,‏ والنخعي وأبي قلابة وأحد قولي الشافعي وسأل عمر بن عبد العزيز أهل المدينة والقوابل‏,‏ فقالوا‏:‏ لا تستبرأ الحبلى في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه قولهم وعن أحمد رواية أخرى أنها تستبرأ بشهر وهو قول ثان للشافعي لأن الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والأمة المطلقة‏,‏ فكذلك في الاستبراء وذكر القاضي رواية ثالثة أنها تستبرأ بشهرين كعدة الأمة المطلقة ولم أر لذلك وجها ولو كان استبراؤها بشهرين‏,‏ لكان استبراء ذات القرء بقرأين ولم نعلم به قائلا وقال سعيد بن المسيب وعطاء‏,‏ والضحاك والحكم في الأمة التي لا تحيض‏:‏ تستبرأ بشهر ونصف ورواه حنبل عن أحمد‏,‏ فإنه قال‏:‏ قال عطاء‏:‏ إن كانت لا تحيض فخمس وأربعون ليلة قال عمي‏:‏ كذلك أذهب لأن عدة الأمة المطلقة الآيسة كذلك والمشهور عن أحمد الأول قال أحمد بن القاسم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان حيضة وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا‏؟‏ فقال‏:‏ إنما قلنا بثلاثة أشهر من أجل الحمل‏,‏ فإنه لا يتبين في أقل من ذلك فإن عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك وجمع أهل العلم والقوابل‏,‏ فأخبروه أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه ذلك ثم قال‏:‏ ألا تسمع قول ابن مسعود‏:‏ إن النطفة أربعين يوما ثم علقة أربعين يوما‏,‏ ثم مضغة بعد ذلك قال أبو عبد الله‏:‏ فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم‏,‏ فتبين حينئذ وقال لي‏:‏ هذا معروف عند النساء فأما شهر فلا معنى فيه ولا نعلم به قائلا ووجه استبرائها بشهر‏,‏ أن الله تعالى جعل الشهر مكان الحيضة ولذلك اختلفت الشهور باختلاف الحيضات فكانت عدة الحرة الآيسة ثلاثة أشهر‏,‏ مكان ثلاثة قروء وعدة الأمة شهرين مكان قرأين‏,‏ وللأمة المستبرأة التي ارتفع حيضها عشرة أشهر تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة فيجب أن يكون مكان الحيضة ها هنا شهر‏,‏ كما في حق من ارتفع حيضها فإن قيل‏:‏ فقد وجد ثم ما دل على البراءة وهو تربص تسعة أشهر قلنا‏:‏ وهاهنا ما يدل على البراءة وهو الإياس‏,‏ فاستويا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن ارتفع حيضها لا تدرى ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر وشهر مكان الحيضة‏]‏

في هذه المسألة‏:‏ أيضا روايتان إحداهما‏,‏ أنها تستبرأ بعشرة أشهر والثانية بسنة تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته وثلاثة أشهر مكان الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات وقد ذكرنا الروايتين في الآيسة‏,‏ وذكرنا أن المختار عن أحمد استبراؤها بثلاثة أشهر وهاهنا جعل مكان الحيضة شهرا لأن اعتبار تكرارها في الآيسة لتعلم براءتها من الحمل‏,‏ وقد علم براءتها منه ها هنا بمضي غالب مدته فجعل الشهر مكان الحيضة على وفق القياس‏.‏

فصل

وإن علمت ما رفع الحيض لم تزل في الاستبراء حتى يعود الحيض‏,‏ فتستبرئ نفسها بحيضة إلا أن تصير آيسة فتستبرئ نفسها استبراء الآيسات وإن ارتابت بنفسها‏,‏ فهي كالحرة المستريبة وقد ذكرنا حكمها فيما مضى من هذا الباب والله تعالى أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت حاملا فحتى تضع‏]‏

وهذه بحمد الله‏,‏ لا خلاف فيها فإن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع‏)‏ ولأن عدة الحرة والأمة والمتوفى عنها والمطلقة واستبراء كل أمة إذا كانت حاملا بوضع حملها وذلك لأن المقصود من العدة والاستبراء معرفة براءة الرحم من الحمل‏,‏ وهذا يحصل بوضعه ومتى كانت حاملا باثنين أو أكثر فلا ينقضي استبراؤها حتى تضع آخر حملها على ما ذكرنا في المعتدة‏.‏

فصل

وإذا زوج أم ولده‏,‏ ثم مات عتقت ولم يلزمها استبراء لأنها محرمة على المولى‏,‏ وليست له فراشا وإنما هي فراش للزوج فلم يلزمها الاستبراء ممن ليست له فراشا‏,‏ ولأنه لم يزوجها حتى استبرأها فإنه لا يحل له تزويجها قبل استبرائها فإن طلقها الزوج قبل دخوله بها فلا عدة عليها أيضا‏,‏ وإن طلقها بعد المسيس أو مات عنها قبل ذلك أو بعده فعليها عدة حرة كاملة لأنها قد صارت حرة في حال وجوب العدة عليها وإن مات سيدها وهي في عدة الزوج‏,‏ عتقت ولم يلزمها استبراء لما ذكرناه‏,‏ ولأنه زال فراشه عنها قبل موته فلم يلزمها استبراء من أجله كغير أم الولد إذا باعها ثم مات وتبني على عدة أمة إن كان طلاقها بائنا‏,‏ أو كانت متوفى عنها وإن كانت رجعية بنت على عدة حرة‏,‏ على ما مضى وإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد الدخول‏,‏ فقضت عدته ثم مات سيدها فعليها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه وقال أبو بكر‏:‏ لا يلزمها استبراء‏,‏ إلا أن يردها السيد إلى نفسه لأن فراشه قد زال بتزويجها ولم يتجدد لها ما يردها إليه فأشبهت الأمة غير الموطوءة‏.‏

فصل

فإن مات زوجها وسيدها‏,‏ ولم تعلم أيهما مات أولا فعلى قول أبي بكر ليس عليها استبراء لأن فراش سيدها قد زال عنها‏,‏ ولم تعد إليه وعليها أن تعتد لوفاة زوجها عدة الحرائر ولأنه يحتمل أن سيدها مات أولا ثم مات زوجها وهي حرة فلزمها عدة الحرة‏,‏ لتخرج من العدة بيقين وعلى القول الآخر إن كان بين موتهما شهران وخمسة أيام فما دون فليس عليها استبراء لأن السيد إن كان مات أولا‏,‏ فقد مات وهي زوجته وإن كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة‏,‏ وليس عليها استبراء في هاتين الحالتين وعليها أن تعتد بعد موت الآخر منهما عدة الحرة لما ذكرناه وإن كان بين موتهما أكثر من ذلك فعليها بعد موت الآخر منهما أطول الأجلين‏,‏ من أربعة أشهر وعشر واستبراء بحيضة لأنه يحتمل أن السيد مات أولا فيكون عليها عدة الحرة من الوفاة‏,‏ ويحتمل أنه مات آخرا بعد انقضاء عدتها من الزوج وعودها إلى فراشه‏,‏ فلزمها الاستبراء بحيضة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر‏:‏ وعلى هذا جميع القائلين من العلماء بأن عدة الأمة من سيدها بحيضة ومن زوجها شهران وخمس ليال‏,‏ فإن جهل ما بين موتهما فالحكم فيه كما لو علمنا أن بينهما شهرين وخمس ليال احتياطا لإسقاط الفرض بيقين‏,‏ كما أخذنا بالاحتياط في الإيجاب بين عدة حرة وحيضة فيما إذا علمنا أن بينهما شهرين وخمس ليال وقول أصحاب الشافعي في هذا الفصل مثل قولنا وكذلك قول أبي حنيفة وأصحابه‏,‏ إلا أنهم جعلوا مكان الحيضة ثلاث حيضات بناء على أصلهم في استبراء أم الولد وقال ابن المنذر حكمها حكم الإماء وعليها شهران وخمسة أيام‏,‏ ولا أنقلها إلى حكم الحرائر إلا بإحاطة أن الزوج مات بعد المولى وقيل‏:‏ إن هذا قول أبي بكر عبد العزيز أيضا والذي ذكرناه أحوط فأما الميراث فإنها لا ترث من زوجها شيئا لأن الأصل الرق والحرية مشكوك فيها‏,‏ فلم ترث مع الشك والفرق بين الإرث والعدة أن إيجاب العدة عليها استظهار لا ضرر فيه على غيرها‏,‏ وإيجاب الإرث إسقاط لحق غيرها ولأن الأصل تحريم النكاح عليها فلا يزول إلا بيقين‏,‏ والأصل عدم الميراث لها فلا ترث إلا بيقين فإن قيل‏:‏ أفليس زوجة المفقود لو ماتت وقف ميراثه منها مع الشك في إرثه‏؟‏ قلنا‏:‏ الفرق بينهما أن الأصل ها هنا الرق والشك في زواله وحدوث الحال التي يرث فيها‏,‏ والمفقود الأصل حياته والشك في موته وخروجه عن كونه وارثا فافترقا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن أعتق أم ولده‏,‏ أو أمة كان يصيبها لم تنكح حتى تحيض حيضة كاملة وكذلك إن أراد أن يزوجها‏,‏ وهي في ملكه استبرأها بحيضة ثم زوجها‏]‏

لا يختلف المذهب في أن الاستبراء ها هنا بحيضة في ذات القروء وهو قول الشافعي وهو قول الزهري والثوري‏,‏ في من أراد تزويج أمة كان يصيبها وقال أصحاب الرأي‏:‏ ليس عليها استبراء لأن له بيعها فكان له تزويجها كالتى لا يصيبها وقال عطاء‏,‏ وقتادة‏:‏ عدتها حيضتان كعدة الأمة المطلقة ولنا أنها فراش لسيدها فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء‏,‏ كما لو مات عنها ولأن هذه موطوءة وطئا له حرمة فلم يجز أن تتزوج قبل الاستبراء‏,‏ كالموطوءة بشبهة وهذا لأنه إذا وطئها سيدها اليوم ثم زوجها‏,‏ فوطئها الزوج في آخر اليوم أفضى إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب‏,‏ وهذا لا يحل ويخالف البيع فإنها لا تصير به فراشا ولا يحل لمشتريها وطؤها حتى يستبرئها‏,‏ فلا يفضي إلى اختلاط المياه ولهذا يصح في المعتدة والمزوجة بخلاف التزويج‏.‏

فصل

فإن لم تكن من ذوات القروء‏,‏ فاستبراؤها بما ذكرنا في أم الولد على ما شرحنا ومفهوم كلام الخرقي أنها إذا كانت أمة لا يطؤها سيدها‏,‏ لم يلزمها استبراء لأنها ليست فراشا لسيدها فلم يلزمها الاستبراء كالمزوجة والمعتدة‏,‏ ولأن تركها بالاستبراء لا يفضي إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب بخلاف الموطوءة‏.‏

فصل

وإن مات عن أمة كان يصيبها‏,‏ فاستبراؤها بما ذكرنا في أم الولد لأنها فراش لسيدها فأشبهت أم الولد إلا أنها إذا كانت من ذوات القروء‏,‏ فاستبراؤها بحيضة واحدة رواية واحدة لأنها لا تصير حرة‏.‏

فصل

وإن أعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها‏,‏ أو غيرها ممن تحل له إصابتها فله أن يتزوجها في الحال من غير استبراء لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أعتق صفية‏,‏ وتزوجها وجعل عتقها صداقها‏)‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ثلاثة يوفون أجرهم مرتين رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها‏,‏ وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها‏)‏ ولم يذكر استبراء ولأن الاستبراء لصيانة مائه وحفظه عن الاختلاط بماء غيره‏,‏ ولا يصان ماؤه عن مائه ولهذا كان له أن يتزوج مختلعته في عدتها وقد روي عن أحمد في الأمة التي لا يطؤها إذا أعتقها‏:‏ لا يتزوجها بغير استبراء لأنه لو باعها لم تحل للمشتري بغير استبراء والصحيح أنه يحل له ذلك لأنه يحل له وطؤها بملك اليمين‏,‏ فكذلك بالنكاح كالتى كان يصيبها ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية وتزوجها‏,‏ ولم ينقل أنه كان أصابها والحديث الآخر يدل على حلها له بظاهره لدخولها في العموم‏,‏ ولأنها تحل لمن تزوجها سواه فله أولى ولأنه لو استبرأها‏,‏ ثم أعتقها وتزوجها في الحال كان جائزا حسنا فكذلك هذه‏,‏ فإنه تارك لوطئها ولأن وجوب الاستبراء في حق غيره إنما كان لصيانة مائه عن الاختلاط بغيره‏,‏ ولا يوجد ذلك ها هنا وكلام أحمد محمول على من اشتراها ثم تزوجها قبل أن يستبرئها‏.‏

فصل

وإن اشترى أمة‏,‏ فأعتقها قبل استبرائها لم يجز أن يتزوجها حتى يستبرئها وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ له ذلك ويحكى أن الرشيد اشترى جارية فتاقت نفسه إلى جماعها قبل استبرائها‏,‏ فأمره أبو يوسف أن يعتقها ويتزوجها ويطأها قال أبو عبد الله‏:‏ وبلغني أن المهدي اشترى جارية فأعجبته فقيل له‏:‏ اعتقها وتزوجها قال أبو عبد الله‏:‏ سبحان الله‏,‏ ما أعظم هذا أبطلوا الكتاب والسنة جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل‏,‏ فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا تعتد من أجل الحمل وسن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استبراء الأمة بحيضة من أجل الحمل ففرج يوطأ يشتريه‏,‏ ثم يعتقها على المكان فيتزوجها فيطؤها‏,‏ يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا فإن كانت حاملا كيف يصنع‏؟‏ هذا نقض الكتاب والسنة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا توطأ الحامل حتى تضع‏,‏ ولا غير الحامل حتى تحيض‏)‏ وهذا لا يدرى أهي حامل أم لا ما أسمج هذا قيل له‏:‏ إن قوما يقولون هذا‏:‏ فقال‏:‏ قبح الله هذا وقبح من يقوله وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الأحاديث كفاية مع ما ذكرنا فيما قبل هذا الفصل إذا ثبت هذا‏,‏ فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها إذا لم يعتقها لأنها ممن يجب استبراؤها فلم يجز أن يتزوج‏,‏ كالمعتدة وسواء في ذلك المشتراة من رجل يطؤها أو من رجل قد استبرأها ولم يطأها‏,‏ أو ممن لا يمكنه الوطء كالصبي والمرأة والمجبوب وقال الشافعي‏:‏ إذا اشتراها ممن لا يطؤها فله تزويجها‏,‏ سواء أعتقها أو لم يعتقها وله أن يتزوجها إذا أعتقها لأنها ليست فراشا وقد كان لسيدها تزويجها قبل بيعها‏,‏ فجاز ذلك بعد بيعها ولأنها لو عتقت على البائع بإعتاقه أو غيره لجاز لكل أحد نكاحها‏,‏ فكذلك إذا أعتقها المشتري ولنا عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ ولأنها أمة يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها فحرم عليه تزويجها والتزوج بها كما لو كان بائعها يطؤها فأما إن أعتقها في هذه الصورة‏,‏ فله تزويجها لغيره لأنها حرة لم تكن فراشا فأبيح لها النكاح كما لو أعتقها البائع‏,‏ وفارق الموطوءة فإنها فراش يجب عليها استبراء نفسها إذا عتقت فحرم عليها النكاح كالمعتدة‏,‏ وفارق ما إذا أراد سيدها نكاحها فإنه لم يكن له وطؤها بملك اليمين فلم يكن له أن يتزوجها‏,‏ كالمعتدة ولأن هذا يتخذ حيلة على إبطال الاستبراء فمنع منه‏,‏ بخلاف تزويجها لغيره‏.‏

فصل

وإذا كانت له أمة يطؤها فاستبرأها ثم أعتقها‏,‏ لم يلزمها استبراء لأنها خرجت عن كونها فراشا باستبرائه لها وإن باعها فأعتقها المشتري قبل وطئها لم تحتج إلى استبراء لذلك وإن باعها قبل استبرائها‏,‏ فأعتقها المشتري قبل وطئها واستبرائها فعليها استبراء نفسها وإن مضى بعض الاستبراء في ملك المشتري لزمها إتمامه بعد عتقها‏,‏ ولا ينقطع بانتقال الملك فيها لأنها لم تصر فراشا للمشتري ولم يلزمها استبراء بإعتاقه‏.‏

فصل

وإذا كانت الأمة بين شريكين فوطئاها‏,‏ لزمها استبراءان وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين‏:‏ يلزمها استبراء واحد لأن القصد معرفة براءة الرحم ولذلك لا يجب الاستبراء بأكثر من حيضة واحدة‏,‏ وبراءة الرحم تعلم باستبراء واحد ولنا أنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالعدتين‏,‏ ولأنهما استبراءان من رجلين فأشبها العدتين وما ذكروه يبطل بالعدتين من رجلين‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن ملك أمة‏,‏ لم يصبها ولم يقبلها حتى يستبرئها بعد تمام ملكه لها بحيضة إن كانت ممن تحيض أو بوضع الحمل‏,‏ إن كانت حاملا أو بمضي ثلاثة أشهر إن كانت من الآيسات أو من اللائي لم يحضن‏]‏

وجملته‏,‏ أن من ملك أمة بسبب من أسباب الملك كالبيع والهبة والإرث‏,‏ وغير ذلك لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة‏,‏ ممن تحمل أو ممن لا تحمل وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأكثر أهل العلم منهم مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن عمر‏:‏ لا يجب استبراء البكر وهو قول داود لأن الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر‏,‏ فلا حاجة إلى الاستبراء وقال الليث‏:‏ إن كانت ممن لا يحمل مثلها لم يجب استبراؤها لذلك وقال عثمان البتى‏:‏ يجب الاستبراء على البائع دون المشتري لأنه لو زوجها‏,‏ لكان الاستبراء على المزوج دون الزوج كذلك ها هنا ولنا ما روى أبو سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏نهى عام أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع‏,‏ ولا غير حامل حتى تحيض‏)‏ رواه أحمد في المسند وعن رويفع بن ثابت قال‏:‏ إنني لا أقول إلا ما سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي‏,‏ حتى يستبرئها بحيضة‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر يقول‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره‏,‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة‏)‏ رواه الأثرم ولأنه ملك جارية محرمة عليه فلم تحل له قبل استبرائها كالثيب التي تحمل‏,‏ ولأنه سبب موجب للاستبراء فلم يفترق الحال فيه بين البكر والثيب والتي تحمل والتي لا تحمل‏,‏ كالعدة قال أبو عبد الله‏:‏ قد بلغني أن العذراء تحمل فقال له بعض أهل المجلس‏:‏ نعم قد كان في جيراننا وذكر ذلك بعض أصحاب الشافعي وما ذكروه يبطل بما إذا اشتراها من امرأة أو صبي أو ممن تحرم عليه برضاع أو غيره‏,‏ وما ذكره البتي لا يصح لأن الملك قد يكون بالسبي والإرث والوصية فلو لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه‏,‏ واشتباه الأنساب والفرق بين البيع والتزويج أن النكاح لا يراد إلا للاستمتاع‏,‏ فلا يجوز إلا في من تحل له فوجب أن يتقدمه الاستبراء ولهذا لا يصح تزويج معتدة‏,‏ ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية‏,‏ ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة والبيع يراد لغير ذلك فصح قبل الاستبراء‏,‏ ولهذا صح في هذه المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري لما ذكرناه فأما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها وهو ظاهر كلام أحمد‏,‏ وفي أكثر الروايات عنه قال‏:‏ تستبرأ وإن كانت في المهد وروي عنه أنه قال‏:‏ إن كانت صغيرة بأي شيء تستبرأ إذا كانت رضيعة وقال في رواية أخرى‏:‏ تستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض‏,‏ وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممن توطأ وتحبل فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك‏,‏ وهو الصحيح لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص فيه ولا معنى نص لأن تحريم مباشرة الكبيرة إنما كان لكونه داعيا إلى الوطء المحرم‏,‏ أو خشية أن تكون أم ولد لغيره ولا يتوهم هذا في هذه فوجب العمل بمقتضي الإباحة فأما من يمكن وطؤها‏,‏ فلا تحل قبلتها ولا الاستمتاع منها بما دون الفرج قبل الاستبراء إلا المسبية‏,‏ على إحدى الروايتين وقال الحسن‏:‏ لا يحرم من المشتراة إلا فرجها وله أن يستمتع منها بما شاء ما لم يمس لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى عن الوطء‏,‏ ولأنه تحريم للوطء مع ثبوت الملك فاختص بالفرج كالحيض ولنا أنه استبراء يحرم الوطء‏,‏ فحرم الاستمتاع كالعدة ولأنه لا يأمن من كونها حاملا من بائعها‏,‏ فتكون أم ولد والبيع باطل فيكون مستمتعا بأم ولد غيره‏,‏ وبهذا فارق تحريم الوطء للحيض فأما المسبية فظاهر كلام الخرقي تحريم مباشرتها فيما دون الفرج لشهوة وهو الظاهر عن أحمد لأن كل استبراء حرم الوطء حرم دواعيه كالعدة‏,‏ ولأنه داعية إلى الوطء المحرم لأجل اختلاط المياه واشتباه الأنساب‏,‏ فأشبهت المبيعة وروي عن أحمد أنه لا يحرم لما روي عن ابن عمر أنه قال‏:‏ وقع في سهمي يوم جلولاء جارية‏,‏ كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفسي أن قمت إليها فقبلتها والناس ينظرون ولأنه لا نص في المسبية‏,‏ ولا يصح قياسها على المبيعة لأنها تحتمل أن تكون أم ولد للبائع فيكون مستمتعا بأم ولد غيره ومباشرا لمملوكة غيره‏,‏ والمسبية مملوكة له على كل حال وإنما حرم وطؤها لئلا يسقى ماءه زرع غيره وقول الخرقي بعد تمام ملكه لها يعني أن الاستبراء لا يكون إلا بعد ملك المشتري لجميعها ولو ملك بعضها‏,‏ ثم ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من حين ملك باقيها وإن ملكها ببيع فيه الخيار انبنى على نقل الملك في مدته‏,‏ فإن قلنا‏:‏ ينتقل فابتداء الاستبراء من حين البيع وإن قلنا‏:‏ لا ينتقل فابتداؤه من حين انقطع الخيار وإن كان المبيع معيبا فابتداء الخيار من حين البيع لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف وهل يبتدأ الاستبراء من حين البيع قبل القبض أو من حين القبض‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما‏,‏ من حين البيع لأن الملك ينتقل به والثاني من حين القبض لأن القصد معرفة براءتها من ماء البائع ولا يحصل ذلك مع كونها في يده وإن اشترى عبده التاجر أمة‏,‏ فاستبرأها ثم صارت إلى السيد حلت له بغير استبراء لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده‏,‏ فقد حصل استبراؤها في ملكه وإن اشترى مكاتبه أمة فاستبرأها ثم صارت إلى سيده‏,‏ فعليه استبراؤها لأن ملكه تجدد عليها إذ ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه إلا أن تكون الجارية من ذوات محارم المكاتب‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ تباح للسيد بغير استبراء لأنه يصير حكمها حكم المكاتب إن رق رقت وإن عتق عتقت‏,‏ والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم والاستبراء الواجب ها هنا في حق الحامل بوضعه بلا خلاف وفي ذات القروء بحيضة‏,‏ في قول أكثر أهل العلم وقال سعيد بن المسيب وعطاء‏:‏ بحيضتين وهو مخالف للحديث الذي رويناه وللمعنى فإن المقصود معرفة براءتها من الحمل‏,‏ وهو حاصل بحيضة وفي الآيسة والتى لم تحض والتى ارتفع حيضها بما ذكرناه في أم الولد على ما مضى من الخلاف فيه‏.‏

فصل

ومن ملك مجوسية‏,‏ أو وثنية فأسلمت قبل استبرائها لم تحل له حتى يستبرئها‏,‏ أو تتم ما بقي من استبرائها لما مضى وإن استبرأها ثم أسلمت حلت له بغير استبرائها وقال الشافعي‏:‏ لا تحل له حتى تجدد استبراءها بعد إسلامها لأن ملكه تجدد على استمتاعها فأشبهت من تجدد ملكه على رقبتها ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ وهذا ورد في سبايا أوطاس‏,‏ وكن مشركات ولم يأمر في حقهن بأكثر من حيضة ولأنه لم يتجدد ملكه عليها‏,‏ ولا أصابها وطء من غيره فلم يلزمه استبراؤها كما لو حلت المحرمة‏,‏ ولأن الاستبراء إنما وجب كي لا يفضي إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب ومظنة ذلك تجدد الملك على رقبتها‏,‏ ولم يوجد ولو باع أمته ثم ردت عليه بفسخ أو إقالة بعد قبضها أو افتراقهما لزمه استبراؤها لأنه تجديد ملك‏,‏ سواء كان المشتري لها امرأة أو غيرها وإن كان ذلك قبل افتراقهما أو قبل غيبة المشتري بالجارية ففيها روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ عليه الاستبراء وهو مذهب الشافعي لأنه تجديد ملك والثانية ليس عليه استبراء وهو قول أبي حنيفة إذا تقابلا قبل القبض لأنه لا فائدة في الاستبراء مع تعين البراءة‏.‏

فصل

وإذا زوج الرجل أمته‏,‏ فطلقها الزوج لم يلزم السيد استبراؤها ولكن إن طلقت بعد الدخول‏,‏ أو مات عنها فعليها العدة ولو ارتدت أمته أو كاتبها‏,‏ ثم أسلمت المرتدة وعجزت المكاتبة حلت لسيدها بغير استبراء‏,‏ وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يجب عليه الاستبراء في هذا كله لأنه زال ملكه عن استمتاعها ثم عاد فأشبهت المشتراة ولنا أنه لم يتجدد ملكه عليها‏,‏ فأشبهت المحرمة إذا حلت والمرهونة إذا فكت فإنه لا خلاف في حلهما بغير استبراء‏,‏ ولأن الاستبراء شرع لمعنى مظنته تجدد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى‏.‏

فصل

وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول‏,‏ لم تبح بغير استبراء نص عليه أحمد وقال‏:‏ هذه حيلة وضعها أهل الرأي لا بد من استبراء ووجه ذلك أن هذه تجدد الملك فيها‏,‏ ولم يحصل استبراؤها في ملكه فلم تحل بغير استبراء كما لو لم تكن مزوجة‏,‏ ولأن إسقاط الاستبراء ها هنا ذريعة إلى إسقاطه في حق من أراد إسقاطه بأن يزوجها عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع‏,‏ والحيل حرام فأما إن كان الزوج دخل بها ثم طلقها فعليها العدة ولا يلزم المشتري استبراؤها لأن ذلك قد حصل بالعدة‏,‏ ولأنها لو عتقت لم يجب عليها مع العدة استبراء ولأنها قد استبرأت نفسها ممن كانت فراشا له فأجزأ ذلك‏,‏ كما لو كانت استبرأت نفسها من سيدها إذا كانت خالية من زوج وإن اشتراها وهي معتدة من زوجها لم يجب عليها استبراء لأنها لم تكن فراشا لسيدها‏,‏ وقد حصل الاستبراء من الزوج بالعدة ولذلك لو عتقت في هذه الحال لم يجب عليها استبراء وقال أبو الخطاب‏,‏ في المزوجة‏:‏ هل يدخل الاستبراء في العدة‏؟‏ على وجهين وقال القاضي في المعتدة‏:‏ يلزم السيد استبراؤها بعد قضاء العدة ولا يتداخلان لأنهما من رجلين ومفهوم كلام أحمد ما ذكرناه أولا لأنه علل فيما قبل الدخول بأنها حيلة وضعها أهل الرأي‏,‏ ولا يوجد ذلك ها هنا ولا يصح قولهم‏:‏ إن الاستبراء من رجلين فإن السيد ها هنا ليس له استبراء‏.‏

فصل

وإن كانت الأمة لرجلين فوطئاها‏,‏ ثم باعاها لرجل أجزأه استبراء واحد لأنه يحصل به معرفة البراءة فإن قيل‏:‏ فلو أعتقها لألزمتموها استبراءين قلنا‏:‏ وجوب الاستبراء في حق المعتقة معلل بالوطء ولذلك لو أعتقها وهي ممن لا يطؤها‏,‏ لم يلزمها استبراء وقد وجد الوطء من اثنين فلزمها حكم وطئهما‏,‏ وفي مسألتنا هو معلل بتجديد الملك لا غير ولهذا يجب على المشتري الاستبراء سواء كان سيدها يطؤها أو لم يكن‏,‏ والملك واحد فوجب أن يتجدد الاستبراء‏.‏

فصل

وإذا اشترى الرجل زوجته الأمة لم يلزمه استبراؤها لأنها فراش له‏,‏ فلم يلزمه استبراؤها من مائه لكن يستحب ذلك ليعلم هل الولد من النكاح فيكون عليه ولاء له لأنه عتق بملكه له‏,‏ ولا تصير به الأمة أم ولد أو هو حادث في ملك يمينه فلا يكون عليه ولاء‏,‏ وتصير به الأمة أم ولد‏؟‏ ومتى تبين حملها فله وطؤها لأنه قد علم الحمل وزال الاشتباه‏.‏

فصل

وإن وطئ الجارية التي يلزمه استبراؤها قبل استبرائها أثم‏,‏ والاستبراء باق بحاله لأنه حق عليه فلا يسقط بعدوانه فإن لم تعلق منه استبرأها بما كان يستبرئها به قبل الوطء‏,‏ وتبنى على ما مضى من الاستبراء وإن علقت منه فمتى وضعت حملها‏,‏ استبرأها بحيضة ولا يحل له الاستمتاع منها في حال حملها لأنه لم يستبرئها وإن وطئها وهي حامل حملا كان موجودا حين البيع من غير البائع‏,‏ فمتى وضعت حملها انقضى استبراؤها قال أحمد‏:‏ ولا يلحق بالمشتري ولا يتبعه ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد وقد روى أبو داود‏,‏ بإسناده عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط‏,‏ فقال‏:‏ لعله يريد أن يلم بها فقالوا‏:‏ نعم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له أو كيف يستخدمه وهو لا يحل له‏,‏‏)‏ ومعناه أنه إن استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده وإن اتخذه مملوكا‏,‏ لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الوطء يزيد في الولد وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وطء الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن‏)‏ رواه النسائي‏,‏ والترمذي‏.‏

فصل

ومن أراد بيع أمته فإن كان لا يطؤها لم يلزمه استبراؤها‏,‏ لكن يستحب ذلك ليعلم خلوها من الحمل فيكون أحوط للمشتري‏,‏ وأقطع للنزاع قال أحمد‏:‏ وإن كانت لامرأة فإني أحب أن لا تبيعها حتى تستبرئها بحيضة فهو أحوط لها وإن كان يطؤها‏,‏ وكانت آيسة فليس عليه استبراؤها لأن انتفاء الحمل معلوم وإن كانت ممن تحمل وجب عليه استبراؤها وبه قال النخعي‏,‏ والثوري وعن أحمد رواية أخرى لا يجب عليه استبراؤها وهو قول أبي حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي لأن عبد الرحمن بن عوف باع جارية كان يطؤها قبل استبرائها ولأن الاستبراء على المشتري فلا يجب على البائع فإن الاستبراء في حق الحرة آكد‏,‏ ولا يجب قبل النكاح وبعده كذلك لا يجب في الأمة قبل البيع وبعده ولنا أن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطؤها قبل استبرائها‏,‏ فروى عبد الله بن عبيد بن عمير قال‏:‏ باع عبد الرحمن بن عوف جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل عند الذي اشتراها‏,‏ فخاصموه إلى عمر فقال له عمر‏:‏ كنت تقع عليها‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فبعتها قبل أن تستبرئها‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ ما كنت لذلك بخليق قال‏:‏ فدعا القافة فنظروا إليه‏,‏ فألحقوه به ولأنه يجب على المشتري الاستبراء لحفظ مائه فكذلك البائع ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد‏,‏ فيجب الاستبراء لإزالة الاحتمال فإن خالف وباع فالبيع صحيح في الظاهر لأن الأصل عدم الحمل ولأن عمر وعبد الرحمن‏,‏ لم يحكما بفساد البيع في الأمة التي باعها قبل استبرائها إلا بلحاق الولد به ولو كان البيع باطلا قبل ذلك لم يحتج إلى ذلك وذكر أصحابنا الروايتين في كل أمة يطؤها‏,‏ من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والأولى أن ذلك لا يجب في الآيسة لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو وهم بعيد والأصل عدمه‏,‏ فلا نثبت به حكما بمجرده‏.‏

فصل

وإذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من أحوال خمسة‏:‏ أحدها‏:‏ أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله‏,‏ وأتت بولد لدون الستة أشهر أو يكون البائع ادعى الولد فصدقه المشتري‏,‏ فإن الولد يكون للبائع والجارية أم ولد له والبيع باطل الحال الثاني‏,‏ أن يكون أحدهما استبرأها ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري‏,‏ والجارية أم ولد له الحال الثالث‏:‏ أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق نسبه بواحد منهما‏,‏ ويكون ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهرا فإن ادعاه كل واحد منهما فهو للمشتري لأنه ولد في ملكه مع احتمال كونه منه وإن ادعاه البائع وحده‏,‏ فصدقه المشتري لحقه وكان البيع باطلا‏,‏ وإن كذبه فالقول قول المشتري في ملك الولد لأن الملك انتقل إليه ظاهرا فلم تقبل دعوى البائع فيما يبطل حقه كما لو أقر بعد البيع أن الجارية مغصوبة أو معتقة وهل يثبت نسب الولد من البائع‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما يثبت لأنه نفع للولد من غير ضرر على المشتري‏,‏ فيقبل قوله فيه كما لو أقر لولده بمال والثاني لا يقبل لأن فيه ضررا على المشتري‏,‏ فإنه لو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه منه ولذلك لو أقر عبدان كل واحد منهما أنه أخو صاحبه لم يقبل إلا ببينة الحال الرابع‏:‏ أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري قبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري‏,‏ فإن ادعاه البائع فأقر له المشتري لحقه‏,‏ وبطل البيع وإن كذبه فالقول قول المشتري وإن ادعى كل واحد منهما أنه من الآخر‏,‏ عرض على القافة فألحق بمن ألحقته به لحديث عبد الرحمن بن عوف ولأنه يحتمل كونه من كل واحد منهما وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما‏,‏ وينبغي أن يبطل البيع وتكون أم ولد للبائع لأننا نتبين أنها كانت حاملا منه قبل بيعها الحال الخامس إذا أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها‏,‏ ولم يكن أقر بوطئها فالبيع صحيح في الظاهر والولد مملوك للمشتري‏,‏ فإن ادعاه البائع فالحكم فيه كما ذكرنا في الحال الثالث سواء‏.‏