فصل: مسألة: ينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته بالمعروف من ماله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولو قسم الحاكم ماله بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر رجع على الغرماء بقسطه‏,‏ وبهذا قال الشافعي وحكي ذلك عن مالك وحكي عنه‏:‏ لا يحاصهم لأنه نقض لحكم الحاكم ولنا‏,‏ أنه غريم لو كان حاضرا قاسمهم فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم‏,‏ كغريم الميت يظهر بعد قسم ماله وليس قسم الحاكم ماله حكما إنما هو قسمة بان الخطأ فيها‏,‏ فأشبه ما لو قسم مال الميت بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر أو قسم أرضا بين شركاء ثم ظهر شريك آخر أو قسم الميراث بين ورثة ثم ظهر وارث سواه‏,‏ أو وصية ثم ظهر موصى له آخر‏.‏

فصل‏:‏

ولو أفلس وله دار مستأجرة فانهدمت بعد قبض المفلس الأجرة‏,‏ انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة وسقط من الأجرة بقدر ذلك ثم إن وجد عين ماله‏,‏ أخذ بقدر ذلك وإن لم يجده ضرب مع الغرماء بقدره وإن كان ذلك بعد قسم ماله‏,‏ رجع على الغرماء بحصته لأنه سبب وجوبه قبل الحجر ولذلك يشاركهم إذا وجب قبل القسمة ولو باع سلعة وقبض ثمنها‏,‏ ثم أفلس فوجد بها المشتري عيبا فردها به أو ردها بخيار‏,‏ أو اختلاف في الثمن ونحوه ووجد عين ماله‏,‏ أخذها لأن البيع لما انفسخ زال ملك المفلس عن الثمن كزوال ملك المشتري عن المبيع‏,‏ وإن كان بعد تصرفه فيه شارك المشتري الغرماء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته بالمعروف من ماله‏,‏ إلى أن يفرغ من قسمته بين غرمائه وجملة ذلك أنه إذا حجر على المفلس وكان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته‏,‏ فنفقته في كسبه فإنه لا حاجة إلى إخراج ماله مع غناه بكسبه فلم يجز أخذ ماله‏,‏ كالزيادة على النفقة وإن كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله‏,‏ وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله مدة الحجر وإن طالت لأن ملكه باق‏,‏ وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ابدأ بنفسك ثم بمن تعول‏)‏ ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب نفقته عليه ويكون دينا عليه‏,‏ وهي الزوجة فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء‏,‏ ولأن الحي آكد حرمة من الميت لأنه مضمون بالإتلاف وتقديم تجهيز الميت‏,‏ ومؤنة دفنه على دينه متفق عليه فنفقته أولى وتقدم أيضا نفقة من تلزمه نفقته من أقاربه مثل الوالدين‏,‏ والمولودين وغيرهم ممن تحب نفقتهم لأنهم يجرون مجرى نفسه‏,‏ لأن ذوي رحمه منهم يعتقون إذا ملكهم كما يعتق إذا ملك نفسه فكانت نفقتهم كنفقته‏,‏ وكذلك زوجته تقدم نفقتها لأن نفقتها آكد من نفقة الأقارب لأنها تجب من طريق المعاوضة وفيها معنى الإحياء كما في الأقارب‏,‏ وممن أوجب الإنفاق على المفلس وزوجته وأولاده الصغار من ماله أبو حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي ولا نعلم أحدا خالفهم وتجب كسوتهم أيضا لأن ذلك مما لا بد منه ولا تقوم النفس بدونه والواجب من النفقة والكسوة أدنى ما ينفق على مثله بالمعروف‏,‏ وأدنى ما يكتسى مثله إن كان من جنس الطعام أو متوسطه وكذلك كسوته من جنس ما يكتسبه مثله‏,‏ وكسوة امرأته ونفقتها مثل ما يفترض على مثله وأقل ما يكفيه من اللباس قميص وسراويل وشيء يلبسه على رأسه‏,‏ إما عمامة وإما قلنسوة أو غيرهما مما جرت به عادته ولرجله حذاء‏,‏ إن كان يعتاده وإن احتاج إلى جبة أو فروة لدفع البرد دفع إليه ذلك وإن كانت له ثياب لا يلبس مثله مثلها‏,‏ بيعت واشترى له كسوة مثلها ورد الفضل على الغرماء‏,‏ فإن كانت إذا بيعت واشترى له كسوة لا يفضل منها شيء تركت فإنه لا فائدة في بيعها‏.‏

فصل‏:‏

وإن مات المفلس‏,‏ كفن من ماله لأن نفقته كانت واجبة من ماله في حال حياته فوجب تجهيزه منه بعد الموت كغيره وكذلك يجب كفن من يمونه لأنهم بمنزلته‏,‏ ولا يلزم تكفين الزوجة لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع وقد فات بالموت فسقطت النفقة ويفارق الأقارب لأن قرابتهم باقية وإن مات من عبيده واحد‏,‏ وجب تكفينه وتجهيزه لأن نفقته ليست في مقابلة الانتفاع به ولذلك تجب نفقة الصغير والمبيع قبل التسليم ويكفن في ثلاثة أثواب‏,‏ كما كان يلبس في حياته ثلاثة ويحتمل أن يكفن في ثوب واحد يستره لأن ذلك يكفيه‏,‏ فلا حاجة إلى الزيادة وفارق حالة الحياة لأنه لا بد له من تغطية رأسه وكشف ذلك يؤذيه‏,‏ بخلاف الميت ويمتد الإنفاق على المفلس إلى حين فراغه من القسمة بين الغرماء لأنه لا يزول ملكه إلا بذلك ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما ذكرنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ولا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها وجملته أن المفلس إذا حجر عليه باع الحاكم ماله ويستحب أن يحضر المفلس البيع‏,‏ لمعان أربعة أحدها ليحصي ثمنه ويضبطه الثاني‏,‏ أنه أعرف بثمن متاعه وجيده ورديئه فإذا حضر تكلم عليه‏,‏ وعرف الغبن من غيره الثالث أن تكثر الرغبة فيه فإن شراءه من صاحبه أحب إلى المشتري الرابع‏,‏ أن ذلك أطيب لنفسه وأسكن لقلبه ويستحب إحضار الغرماء أيضا لأمور أربعة أحدها‏,‏ أنه يباع لهم الثاني أنهم ربما رغبوا في شراء شيء منه فزادوا في ثمنه‏,‏ فيكون أصلح لهم وللمفلس الثالث أنه أطيب لقلوبهم وأبعد من التهمة الرابع‏,‏ أنه ربما كان فيهم من يجد عين ماله فيأخذها فإن لم يفعل وباعه من غير حضورهم كلهم‏,‏ جاز لأن ذلك موكول إليه ومفوض إلى اجتهاده وربما أداه اجتهاده إلى خلاف ذلك‏,‏ وبانت له المصلحة في المبادرة إلى البيع قبل إحضارهم ويأمرهم الحاكم أن يقيموا مناديا ينادي لهم على المتاع فإن تراضوا برجل ثقة أمضاه الحاكم‏,‏ وإن اتفقوا على غير ثقة رده فإن قيل‏:‏ فلم يرده وأصحاب الحق قد اتفقوا عليه فأشبه ما لو اتفق الراهن والمرتهن على أن يبيع الرهن غير ثقة لم يكن للحاكم الاعتراض‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن للحاكم ها هنا نظرا واجتهادا فإنه قد يظهر غريم آخر فيتعلق حقه به‏,‏ فلهذا نظر فيه بخلاف الرهن فإنه لا نظر للحاكم فيه فإن اختار المفلس رجلا‏,‏ واختار الغرماء آخر أقر الحاكم الثقة منهما فإن كانا ثقتين‏,‏ قدم المتطوع منهما لأنه أوفر فإن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر‏,‏ وإن كانا بجعل قدم أعرفهما وأوثقهما فإن تساويا قدم من يرى منهما فإن وجد متطوعا بالنداء‏,‏ وإلا دفعت الأجرة من مال المفلس لأن البيع حق عليه لكونه طريق وفاء دينه وقيل يدفع من بيت المال لأنه من المصالح وكذلك الحكم في أجر من يحفظ المتاع والثمن‏,‏ وأجر الحمالين ونحوهم ويستحب بيع كل شيء في سوقه البز في البزازين والكتب في سوقها‏,‏ ونحو ذلك لأنه أحوط وأكثر لطلابه ومعرفة قيمته فإن باع في غير سوقه بثمن مثله جاز لأن الغرض تحصيل الثمن‏,‏ وربما أدى الاجتهاد إلى أن ذلك أصلح ولذلك لو قال‏:‏ بع ثوبي في سوق كذا بكذا فباعه بذلك في سوق آخر جاز ويبيع بنقد البلد لأنه أوفر فإن كان في البلد نقود باع بغالبها‏,‏ فإن تساوت باع بجنس الدين وإن زاد في السلعة زائد في مدة الخيار ألزم الأمين الفسخ لأنه أمكنه بيعه بثمن‏,‏ فلم يجز بيعه بدونه كما لو زيد فيه قبل العقد وإن زاد بعد لزوم العقد استحب للأمين سؤال المشتري الإقالة‏,‏ واستحب للمشتري الإجابة إلى ذلك لتعليقه بمصلحة المفلس وقضاء دينه فيبدأ ببيع العبد الجاني‏,‏ فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته وما فضل منه رده إلى الغرماء ثم يبيع الرهن‏,‏ فيدفع إلى المرتهن قدر دينه وما فضل من ثمنه رده إلى الغرماء وإن بقيت من دينه بقية‏,‏ ضرب بها مع الغرماء ثم يبيع ما يسرع إليه الفساد من الطعام الرطب لأن بقاءه يتلفه بيقين ثم يبيع الحيوان‏,‏ لأنه معرض للتلف ويحتاج إلى مؤنة في بقائه ثم يبيع السلع والأثاث‏,‏ لأنه يخاف عليه وتناله الأيدي ثم العقار آخرًا لأنه لا يخاف تلفه‏,‏ وبقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه ومتى باع شيئا من ماله وكان الدين لواحد وحده دفعه إليه لأنه لا حاجة إلى تأخيره‏,‏ وإن كان له غرماء فأمكن قسمته عليهم قسم ولم يؤخر‏,‏ وإن لم يمكن قسمته أودع عند ثقة إلى أن يجتمع‏,‏ ويمكن قسمته فيقسم وإن احتاج في حفظه إلى غرامة دفع ذلك إلى من يحفظه إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب فنقول‏:‏ لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها وبهذا قال أبو حنيفة وإسحاق وقال شريح ومالك والشافعي‏:‏ تباع‏,‏ ويكترى له بدلها واختاره ابن المنذر لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال لغرمائه ‏(‏خذوا ما وجدتم‏)‏ وهذا مما وجدوه‏,‏ ولأنه عين مال المفلس فوجب صرفه في دينه كسائر ماله ولنا أن هذا مما لا غنى للمفلس عنه‏,‏ فلم يصرف في دينه كثيابه وقوته والحديث قضية في عين‏,‏ ويحتمل أنه لم يكن له عقار ولا خادم ويحتمل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏خذوا ما وجدتم‏]‏ مما تصدق به عليه‏,‏ فإن المذكور قبل ذلك كذلك روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه‏,‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خذوا ما وجدتم‏)‏ أي مما تصدق به عليه والظاهر أنه لم يتصدق عليه بدار وهو محتاج إلى سكناها ولا خادم وهو محتاج إلى خدمته ولأن الحديث مخصوص بثياب المفلس وقوته‏,‏ فنقيس عليه محل النزاع وقياسهم منتقض بذلك أيضا وبأجر المسكن‏,‏ وسائر ماله يستغنى عنه بخلاف مسألتنا‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان له داران يستغنى بسكنى إحداهما بيعت الأخرى لأن به غنى عن سكناها وإن كان مسكنه واسعا‏,‏ لا يسكن مثله في مثله بيع واشترى له مسكن مثله‏,‏ ورد الفضل على الغرماء كالثياب التي له إذا كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها ولو كان المسكن والخادم اللذين لا يستغنى عنهما عين مال بعض الغرماء أو كان جميع ماله أعيان أموال أفلس بأثمانها‏,‏ ووجدها أصحابها فلهم أخذها بالشرائط التي ذكرناها لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به‏)‏ ولأن حقه تعلق بالعين فكان أقوى سببا من المفلس ولأن الإعسار بالثمن سبب يستحق به الفسخ‏,‏ فلم يمنعه منه تعلق حاجة المشتري كما قبل القبض وكالعيب والخيار ولأن منعهم من أخذ أعيان أموالهم يفتح باب الحيل‏,‏ بأن يجيء من لا مال له فيشتري في ذمته ثيابا يلبسها ودارا يسكنها‏,‏ وخادما يخدمه وفرسا يركبها وطعاما له ولعائلته ويمتنع على أربابها أخذها لتعلق حاجته بها‏,‏ فتضيع أموالهم ويستغنى هو بها فعلى هذا يؤخذ ذلك ولا يترك له شيء منه لأنه أعيان أموال الناس فكانوا أحق بها منه كما لو كانت في أيديهم‏,‏ أو أخذها منهم غصبا‏.‏

فصل‏:‏

ولو كان المفلس ذا صنعة يكسب ما يمونه ويمون من تلزمه مؤنته أو كان يقدر على أن يكسب ذلك بأن يؤجر نفسه‏,‏ أو يتوكل لإنسان أو يكتسب من المباحات ما يكفيه لم يترك له من ماله شيء وإن لم يقدر على شيء مما ذكرناه‏,‏ ترك له من ماله قدر ما يكفيه قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ تعالى في رواية أبي داود‏:‏ ويترك له قوت يتقوت به‏,‏ وإن كان له عيال ترك له قوام وقال في رواية الميموني‏:‏ يترك له قدر ما يقوم به معاشه ويباع الباقي وهذا في حق الشيخ الكبير‏,‏ وذوي الهيئات الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم وينبغي أن يجعل ذلك مما لا يتعلق به حق بعضهم بعينه لأن من تعلق حقه بالعين أقوى سببا من غيره‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تلف شيء من مال المفلس تحت يد الأمين أو بيع شيء من ماله وأودع ثمنه فتلف عند المودع فهو من ضمان المفلس وبهذا قال الشافعي وقال مالك العروض من ماله‏,‏ والدراهم والدنانير من مال الغرماء وقال المغيرة‏:‏ الدنانير من مال أصحاب الدنانير والدراهم من مال أصحاب الدراهم ولنا أنه من مال المفلس‏,‏ ونماؤه له فكان تلفه في ماله كالعروض‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اجتمع مال المفلس قسم بين غرمائه‏,‏ فإن كانت ديونهم من جنس الأثمان أخذوها وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الأثمان كالقرض بغير الأثمان‏,‏ فرضي أن يأخذ عوض حقه من الأثمان جاز وإن امتنع وطلب جنس حقه‏,‏ ابتيع له بحصته من جنس دينه ولو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع وقال المفلس‏:‏ لا أوفيك إلا من جنس دينك قدم قوله لأن هذا على سبيل المعاوضة فلا يجوز إلا بتراضيهما عليه وإن كان فيهم من له دين من سلم‏,‏ لم يجز أن يأخذ إلا من جنس حقه وإن تراضيا على دفع عوضه لأن ما في الذمة من السلم لا يجوز أخذ البدل عنه لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من أسلم في شيء‏,‏ فلا يصرفه إلى غيره‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وإذا فرق مال المفلس وبقيت عليه بقية وله صنعة‏,‏ فهل يجبره الحاكم على إيجار نفسه ليقضي دينه‏؟‏ على روايتين إحداهما لا يجبره‏,‏ وهو قول مالك والشافعي لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}‏ [البقرة: 280]. ولما روى أبو سعيد ‏(‏أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تصدقوا عليه فتصدقوا عليه‏,‏ فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك‏)‏ رواه مسلم ولأن هذا تكسب للمال‏,‏ فلم يجبره عليه كقبول الهبة والصدقة وكما لا تجبر المرأة على التزويج لتأخذ المهر والثانية‏,‏ يجبر على الكسب وهو قول عمر بن عبد العزيز وسوار والعنبري وإسحاق لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باع سرقا في دينه وكان سرق رجلا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا‏,‏ فداينه الناس فركبته ديون ولم يكن وراءه مال‏,‏ فسماه سرقا وباعه بخمسة أبعرة والحر لا يباع ثبت أنه باع منافعه ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان‏,‏ في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى بها فكذلك في وفاء الدين منها ولأن الإجارة عقد معاوضة‏,‏ فجاز إجباره عليها كبيع ماله في وفاء الدين منها ولأنها إجارة لما يملك إجارته فيجبر عليها في وفاء دينه‏,‏ كإجارة أم ولده ولأنه قادر على وفاء دينه فلزمه كمالك ما يقدر على الوفاء منه فإن قيل‏:‏ حديث سرق منسوخ بدليل أن الحر لا يباع‏,‏ والبيع وقع على رقبته بدليل أن في الحديث أن الغرماء قالوا لمشتريه‏:‏ ما تصنع به‏؟‏ قال أعتقه قالوا‏:‏ لسنا بأزهد منك في إعتاقه فأعتقوه قلنا‏:‏ هذا إثبات النسخ بالاحتمال ولا يجوز‏,‏ ولم يثبت أن بيع الحر كان جائزا في شريعتنا وحمل لفظ بيعه على بيع منافعه أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم فإن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه سائغ كثير في القرآن‏,‏ وفي كلام العرب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشربوا في قلوبهم العجل‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 93‏]‏‏.‏ ‏{‏ولكن البر من آمن بالله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 177‏]‏‏.‏ ‏{‏واسأل القرية‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 82‏]‏‏.‏ وغير ذلك وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏أعتقه‏"‏ أي من حقي عليه وكذلك قال‏:‏ ‏"‏فأعتقوه‏"‏ يعني الغرماء وهم لا يملكون إلا الدين الذي عليه وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 280‏]‏‏.‏ فيتوجه منع كونه داخلا تحت عمومها فإن هذا في حكم الأغنياء‏,‏ في حرمان الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه‏,‏ وحديثهم قضية عين لا يثبت حكمها إلا في مثلها ولم يثبت أن لذلك الغريم كسبا يفضل عن قدر نفقته وأما قبول الهبة والصدقة‏,‏ ففيه منة ومعرة تأباها قلوب ذوي المروءات بخلاف مسألتنا إذا ثبت هذا فلا يجبر على الكسب إلا من في كسبه فضلة عن نفقته‏,‏ ونفقة من يمونه على ما تقدم ذكره‏.‏