فصل: كتاب الأضاحي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الأضاحي

الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب‏:‏ فقول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ قال بعض أهل التفسير‏:‏ المراد به الأضحية بعد صلاة العيد وأما السنة‏:‏ فما روى أنس قال‏:‏ ‏(‏ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما‏)‏ متفق عليه والأملح‏:‏ الذي فيه بياض وسواد وبياضه أغلب قاله الكسائي وقال ابن الأعرابي‏:‏ هو النقي البياض

قال الشاعر‏:‏

حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا ** أملح لا لدا ولا محببا

وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والأضحية سنة لا يستحب تركها لمن يقدر عليها‏]‏

أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة روي ذلك عن أبى بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال ربيعة ومالك والثوري والأوزاعي والليث وأبو حنيفة‏:‏ هي واجبة لما روى أبو هريرة‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا‏)‏ وعن مخنف بن سليم‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة‏)‏ ولنا ما روي الدارقطني بإسناده عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ثلاث كتبت علي وهن لكم تطوع‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏الوتر والنحر وركعتا الفجر‏)‏ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا‏)‏ رواه مسلم علقه على الإرادة والواجب لا يعلق على الإرادة ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها‏,‏ فلم تكن واجبة كالعقيقة فأما حديثهم فقد ضعفه أصحاب الحديث‏,‏ ثم نحمله على تأكيد الاستحباب كما قال‏:‏ ‏(‏غسل الجمعة واجب على كل محتلم‏)‏ وقال ‏(‏من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا‏)‏ وقد روي عن أحمد في اليتيم يضحي عنه وليه إذا كان موسرا وهذا على سبيل التوسعة في يوم العيد لا على سبيل الإيجاب‏.‏

فصل

والأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها نص عليه أحمد وبهذا قال ربيعة وأبو الزناد وروي عن بلال أنه قال‏:‏ ما أبالي أن لا أضحي إلا بديك‏,‏ ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه فهو أحب إلى من أن أضحي وبهذا قال الشعبي وأبو ثور وقالت عائشة‏:‏ لأن أتصدق بخاتمى هذا أحب إلى من أن أهدى إلى البيت ألفا ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى والخلفاء بعده ولو علموا أن الصدقة أفضل‏,‏ لعدلوا إليها وروت عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها‏,‏ وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا‏)‏ رواه ابن ماجه ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما قول عائشة فهو في الهدي دون الأضحية‏,‏ وليس الخلاف فيه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا‏]‏

ظاهر هذا تحريم قص الشعر وهو قول بعض أصحابنا وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وسعيد بن المسيب وقال القاضي‏,‏ وجماعة من أصحابنا‏:‏ هو مكروه غير محرم وبه قال مالك والشافعي لقول عائشة‏:‏ كنت أفتل قلائد هدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها‏,‏ ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدى متفق عليه وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر‏,‏ وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي ولنا ما روت أم سلمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل العشر‏,‏ وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي‏)‏ رواه مسلم ومقتضى النهي التحريم‏,‏ وهذا يرد القياس ويبطله وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه‏,‏ بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها قال الله تعالى إخبارا عن شعيب‏:‏ ‏{‏وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه‏}‏ ولأن أقل أحوال النهي أن يكون مكروها ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليفعله فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره ولأن عائشة تعلم ظاهرا ما يباشرها به من المباشرة أو ما يفعله دائما كاللباس والطيب‏,‏ فأما ما يفعله نادرا كقص الشعر وقلم الأظفار‏,‏ مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها وإن احتمل إرادتها إياه‏,‏ فهو احتمال بعيد وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب‏,‏ فيكفي فيه أدنى دليل وخبرنا دليل قوي فكان أولى بالتخصيص ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله‏,‏ والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصا له إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار فإن فعل استغفر الله تعالى ولا فدية فيه إجماعا‏,‏ سواء فعله عمدا أو نسيانا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وتجزئ البدنة عن سبعة وكذلك البقرة‏]‏

وهذا قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن على وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء وطاوس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وعن عمر أنه قال‏:‏ لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة ونحوه قول مالك قال أحمد‏:‏ ما علمت أحدا إلا يرخص في ذلك إلا ابن عمر وعن سعيد بن المسيب‏,‏ أن الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة وبه قال إسحاق لما روى رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير متفق عليه وعن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في الجزور عن عشرة‏,‏ والبقرة عن سبعة رواه ابن ماجه ولنا ما روي جابر قال‏:‏ نحرنا بالحديبية مع النبي -صلى الله عليه وسلم- البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وقال أيضا‏:‏ كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنذبح البقرة عن سبعة‏,‏ نشترك فيها رواه مسلم وهذان أصح من حديثهم وأما حديث رافع فهو في القسمة لا في الأضحية إذا ثبت هذا‏,‏ فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا مفترضين أو متطوعين أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه‏,‏ فلا تضره نية غيره في عشره‏.‏

فصل

ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة أو بقرة أو بدنة نص عليه أحمد وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق وروي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة قال صالح‏:‏ قلت لأبي‏:‏ يضحي بالشاة عن أهل البيت‏؟‏ قال‏:‏ نعم لا بأس‏,‏ قد ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- كبشين فقرب أحدهما فقال‏:‏ ‏(‏بسم الله‏,‏ اللهم هذا عن محمد وأهل بيته‏)‏ وقرب الآخر فقال‏:‏ ‏(‏بسم الله اللهم هذا منك ولك‏,‏ عمن وحدك من أمتي‏)‏ وحكي عن أبى هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجيء ابنته‏,‏ فتقول‏:‏ عنى‏؟‏ فيقول‏:‏ وعنك وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة لأن الشاة لا تجزئ عن أكثر من واحد فإذا اشترك فيها اثنان لم تجز عنهما‏,‏ كالأجنبيين ولنا ما روي مسلم بإسناده عن عائشة ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى بكبش ليضحي به فأضجعه‏,‏ ثم ذبحه ثم قال‏:‏ بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد‏)‏ وعن جابر قال ‏(‏ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الذبح كبشين أملحين أقرنين فلما وجههما قال‏:‏ وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض على ملة‏,‏ إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين‏,‏ إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك‏,‏ عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر ثم ذبح‏)‏ رواه أبو داود وروى ابن ماجه‏,‏ عن أبى أيوب قال‏:‏ ‏(‏كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون‏,‏ ويطعمون الناس‏)‏ حديث حسن صحيح‏.‏

فصل

وأفضل الأضاحي البدنة ثم البقرة ثم الشاة‏,‏ ثم شرك في بقرة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك‏:‏ الأفضل الجذع من الضأن ثم البقرة ثم البدنة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين‏,‏ ولا يفعل إلا الأفضل ولو علم الله خيرا منه لفدى به إسحاق ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏في الجمعة من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة‏,‏ ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة‏,‏ فكأنما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة‏,‏ ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة‏)‏ ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى فكانت البدنة فيه أفضل‏,‏ كالهدى فإنه قد سلمه ولأنها أكثر ثمنا ولحما وأنفع فأما التضحية بالكبش فلأنه أفضل أجناس الغنم وكذلك حصول الفداء به أفضل‏,‏ والشاة أفضل من شرك في بدنة لأن إراقة الدم مقصودة في الأضحية والمنفرد يتقرب بإراقته كله والكبش أفضل الغنم لأنه أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أطيب لحما وذكر القاضي أن جذع الضأن أفضل من ثنى المعز لذلك‏,‏ ولأنه يروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏نعم الأضحية الجذع من الضأن‏)‏ وهو حديث غريب ويحتمل أن الثنى أفضل لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن‏)‏ رواه مسلم‏,‏ وأبو داود وهذا يدل على فضل الثنى على الجذع لكونه جعل الثنى أصلا والجذع بدلا لا ينتقل إليه إلا عند عدم الثنى‏.‏

فصل

ويسن استسمان الأضحية واستحسانها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ تعظيمها استسمانها واستعظامها واستحسانها ولأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض لما روي عن مولاة أبى ورقة بن سعيد‏,‏ قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين‏)‏ رواه أحمد بمعناه وقال أبو هريرة‏:‏ دم بيضاء أحب إلى الله من دم سوداوين ولأنه لون أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ما كان أحسن لونا‏,‏ فهو أفضل‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثنى من غيره‏]‏

وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو عبيد‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ابن عمر والزهري‏:‏ لا يجزئ الجذع لأنه لا يجزئ من غير الضأن‏,‏ فلا يجزئ منه كالحمل وعن عطاء والأوزاعي فلا يجزئ الجذع من جميع الأجناس لما روى مجاشع بن سليم قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏إن الجذع يوفى مما يوفى منه الثني‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والنسائي ولنا على أن الجذع من الضأن يجزئ حديث مجاشع وأبي هريرة وغيرهما‏,‏ وعلى أن الجذعة من غيرها لا تجزئ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم‏,‏ فاذبحوا الجذع من الضأن‏)‏ وقال أبو بردة بن نيار‏:‏ ‏(‏عندي جذعة أحب إلى من شاتين فهل تجزئ عنى‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ ولا تجزئ عن أحد بعدك‏)‏ متفق عليه وحديثهم محمول على الجذع من الضأن لما ذكرنا قال إبراهيم الحربي‏:‏ إنما يجزئ الجذع من الضأن لأنه ينزو فيلقح فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يكون ثنيا‏.‏

فصل

ولا يجزئ في الأضحية غير بهيمة الأنعام وإن كان أحد أبويه وحشيا‏,‏ لم يجزئ أيضا وحكي عن الحسن بن صالح أن بقرة الوحش تجزئ عن سبعة والظبى عن واحد وقال أصحاب الرأي‏:‏ ولد البقر الإنسية يجزئ وإن كان أبوه وحشيا وقال أبو ثور‏:‏ يجزئ إذا كان منسوبا إلى بهيمة الأنعام ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏}‏ وهي الإبل والبقر والغنم وعلى أصحاب الرأي‏,‏ أنه متولد من بين ما يجزئ وما لا يجزئ فلم يجزئ كما لو كانت الأم وحشية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع‏]‏

قال أبو القاسم‏:‏ وسمعت أبى يقول‏:‏ سألت بعض أهل البادية‏:‏ كيف تعرفون الضأن إذا أجذع‏؟‏ قال‏:‏ لا تزال الصوفة قائمة على ظهره مادام حملا فإذا نامت الصوفة على ظهره علم أنه قد أجذع وثنى المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية‏,‏ والبقرة إذا صار لها سنتان ودخلت في الثالثة والإبل إذا كمل لها خمس سنين ودخلت في السادسة قال الأصمعى أبو زياد الكلابى وأبو زيد الأنصاري‏:‏ إذا مضت السنة الخامسة على البعير‏,‏ ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني‏,‏ ونرى إنما سمى ثنيا لأنه ألقى ثنيته وأما البقرة‏:‏ فهي التي لها سنتان لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا تذبحوا إلا مسنة‏)‏ ومسنة البقر التي لها سنتان وقال وكيع‏:‏ الجذع من الضأن يكون ابن سبعة أو ستة أشهر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويجتنب في الضحايا العوراء البين عورها والعجفاء التي لا تنقى والعرجاء البين عرجها‏,‏ والمريضة التي لا يرجى برؤها والعضباء والعضب ذهاب أكثر من نصف الأذن أو القرن‏]‏

أما العيوب الأربعة الأول‏,‏ فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء لما روى البراء قال‏:‏ قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ ‏(‏أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لا تنقي‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والنسائي ومعنى العوراء البين عورها التي قد انخسفت عينها وذهبت لأنها قد ذهبت عينها‏,‏ والعين عضو مستطاب فإن كان على عينها بياض ولم تذهب جازت التضحية بها لأن عورها ليس ببين‏,‏ ولا ينقص ذلك لحمها والعجفاء المهزولة التي لا تنقى هي التي لا مخ لها في عظامها لهزالها والنقى‏:‏ المخ‏,‏ قال الشاعر‏:‏ لا يشتكين عملا ما أنقين ما دام مخ في سلامى أو عين فهذه لا تجزئ لأنها لا لحم فيها إنما هي عظام مجتمعة وأما العرجاء البين عرجها‏:‏ فهي التي بها عرج فاحش وذلك يمنعها من اللحاق بالغنم فتسبقها إلى الكلإ فيرعينه ولا تدركهن‏,‏ فينقص لحمها فإن كان عرجا يسيرا لا يفضي بها إلى ذلك أجزأت وأما المريضة التي لا يرجى برؤها‏:‏ فهي التي بها مرض قد يئس من زواله لأن ذلك ينقص لحمها وقيمتها نقصا كبيرا‏,‏ والذي في الحديث المريضة البين مرضها وهي التي يبين أثره عليها لأن ذلك ينقص لحمها ويفسده وهو أصح وذكر القاضي أن المراد بالمريضة الجرباء لأن الجرب يفسد اللحم ويهزل إذا كثر وهذا قول أصحاب الشافعي وهذا تقييد للمطلق‏,‏ وتخصيص للعموم بلا دليل والمعنى يقتضي العموم كما يقتضيه اللفظ فإن كان المرض يفسد اللحم وينقصه‏,‏ فلا معنى للتخصيص مع عموم اللفظ والمعنى وأما العضب‏:‏ فهو ذهاب أكثر من نصف الأذن أو القرن وذلك يمنع الإجزاء أيضا وبه قال النخعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ تجزئ مكسورة القرن وروى نحو ذلك عن على وعمر وعمار وابن المسيب والحسن وقال مالك‏:‏ إن كان قرنها يدمى‏,‏ لم يجز وإلا جاز وقال عطاء ومالك‏:‏ إذا ذهبت الأذن كلها لم يجز‏,‏ وإن ذهب يسير جاز واحتجوا بأن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أربع لا تجوز في الأضاحي‏)‏ يدل على أن غيره يجزئ ولأن في حديث البراء عن عبيد بن فيروز‏,‏ قال‏:‏ قلت للبراء فإنى أكره النقص من القرن ومن الذنب فقال‏:‏ اكره لنفسك ما شئت وإياك أن تضيق على الناس ولأن المقصود اللحم ولا يؤثر ذهاب ذلك فيه ولنا ما روي عن على رضي الله عنه قال ‏(‏نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يضحي بأعضب القرن والأذن‏)‏ قال قتادة‏:‏ فسألت سعيد بن المسيب‏,‏ فقال‏:‏ نعم العضب النصف فأكثر من ذلك رواه الشافعي وابن ماجه وعن على رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والنسائي وهذا منطوق يقدم على المفهوم‏.‏

فصل

ولا تجزئ العمياء لأن النهي عن العوراء تنبيه على العمياء وإن لم يكن عماها بينا لأن العمى يمنع مشيها مع الغنم ومشاركتها في العلف ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالألية والأطباء لأن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ لا تجوز العجفاء ولا الجداء قال أحمد‏:‏ هي التي قد يبس ضرعها ولأن ذلك أبلغ في الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين‏.‏

فصل

ويجزئ الخصى لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين موجوءين والوجأ رض الخصيتين وما قطعت خصيتاه أو شلتا‏,‏ فهو كالموجوء لأنه في معناه ولأن الخصاء ذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويكثر ويسمن قال الشعبي‏:‏ ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا‏.‏

فصل

وتجزئ الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء‏,‏ وهي الصغيرة الأذن والبتراء وهي التي لا ذنب لها‏,‏ سواء كان خلقة أو مقطوعا وممن لم ير بأسا بالبتراء ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير والنخعي والحكم وكره الليث أن يضحي بالبتراء ما فوق القصبة وقال ابن حامد‏:‏ لا تجوز التضحية بالجماء لأن ذهاب أكثر من نصف القرن يمنع فذهاب جميعه أولى ولأن ما منع منه العور منع منه العمى‏,‏ فكذلك ما منع منه العضب يمنع منه كونه أجم أولى ولنا أن هذا نقص لا ينقص اللحم ولا يخل بالمقصود‏,‏ ولم يرد به نهى فوجب أن يجزئ وفارق العضب‏,‏ فإن النهي عنه وارد وهو عيب فإنه ربما آدمي وآلم الشاة‏,‏ فيكون كمرضها ويقبح منظرها بخلاف الأجم‏,‏ فإنه حسن في الخلقة ليس بمرض ولا عيب إلا أن الأفضل ما كان كامل الخلقة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏,‏ ضحى بكبش أقرن أملح وقال‏:‏ ‏(‏خير الأضحية الكبش الأقرن‏)‏ وأمر باستشراف العين والأذن‏.‏

فصل‏:‏

وتكره المشقوقة الأذن والمثقوبة وما قطع شيء منها لما روي عن على رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن‏,‏ ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء‏,‏ ولا شرقاء قال زهير قلت لأبي إسحاق ما المقابلة‏؟‏ قال يقطع طرف الأذن قلت‏:‏ فما المدابرة‏؟‏ قال يقطع من مؤخر الأذن قلت‏:‏ فما الشرقاء‏؟‏ قال‏:‏ تشق الأذن قلت‏:‏ فما الخرقاء‏؟‏ قال‏:‏ تشق أذنها السمة‏)‏ رواه أبو داود والنسائي قال القاضي‏:‏ الخرقاء التي انثقبت أذنها وهذا نهى تنزيه ويحصل الإجزاء بها‏,‏ لا نعلم فيه خلافا ولأن اشتراط السلامة من ذلك يشق إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو أوجبها سليمة فعابت عنده ذبحها وكانت أضحية‏]‏

وجملته أنه إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء ذبحها‏,‏ وأجزأته روى هذا عن عطاء والحسن والنخعي‏,‏ والزهري والثوري ومالك‏,‏ والشافعي وإسحاق وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا تجزئه لأن الأضحية عندهم واجبة فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة‏,‏ كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت ولنا‏,‏ ما روى أبو سعيد قال‏:‏ ‏(‏ابتعنا كبشا نضحى به فأصاب الذئب من أليته فسألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرنا أن نضحى به‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة‏,‏ فلم يمنع الإجزاء كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ولا نسلم أنها واجبة في الذمة‏,‏ وإنما تعلق الوجوب بعينها فأما إن تعيبت بفعله فعليه بدلها وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا عالج ذبحها فقلعت السكين عينها‏,‏ أجزأت استحسانا ولنا أنه عيب أحدثه بها قبل ذبحها‏,‏ فلم تجزئه كما لو كان قبل معالجة الذبح‏.‏

فصل

وإن نذر أضحية في ذمته ثم عينها في شاة تعينت فإن عابت تلك الشاة قبل ذبحها لم تجزئ لأن ذمته لا تبرأ إلا بذبح شاة سليمة كما لو نذر عتق رقبة أو كان عليه عتق رقبة في كفارة فاشتراها ثم عابت عنده لم تجزئه، وإن قال لله علي عتق هذا العبد فعاب أجزأ عنه.

فصل

إذا أتلف الأضحية الواجبة فعليه قيمتها لأنها من المتقومات‏,‏ وتعتبر القيمة يوم أتلفها فإن غلت الغنم فصار مثلها خيرا من قيمتها‏,‏ فقال‏:‏ أبو الخطاب‏:‏ يلزمه مثلها لأنه أكثر الأمرين ولأنه تعلق بها حق الله - تعالى - في ذبحها فوجب عليه مثلها‏,‏ كما لو لم تتعيب بخلاف الآدمي وهذا مذهب الشافعي وظاهر قول القاضي‏,‏ أنه لا يلزمه إلا القيمة يوم إتلافها وهو قول أبى حنيفة لأنه إتلاف أوجب القيمة فلم يجب أكثر من القيمة يوم الإتلاف كما لو أتلفها أجنبي‏,‏ وكسائر المضمونات فإن رخصت الغنم فزادت قيمتها على مثلها مثل أن كانت قيمتها عند إتلافها عشرة‏,‏ فصارت قيمة مثلها خمسة فعليه عشرة وجها واحدا‏,‏ فإن شاء اشترى بها أضحية واحدة تساوى عشرة وإن شاء اشترى اثنتين وإن شاء اشترى أضحية واحدة‏,‏ فإن فضل من العشرة ما لا يجيء به أضحية اشترى به شركا في بدنة فإن لم يتسع لذلك‏,‏ أو لم تمكنه المشاركة ففيه وجهان أحدهما يشترى لحما‏,‏ ويتصدق به لأن الذبح وتفرقة اللحم مقصودان فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر والثاني يتصدق بالفضل لأنه إذا لم يحصل له التقرب بإراقة الدم‏,‏ كان اللحم وثمنه سواء فإن كان المتلف أجنبيا فعليه قيمتها يوم أتلفها وجها واحدا‏,‏ ويلزمه دفعها إلى صاحبها فإن زاد على ثمن مثلها فحكمه حكم ما لو أتلفها صاحبها‏,‏ وإن لم تبلغ القيمة ثمن أضحية فالحكم فيه على ما مضى فيما زاد على ثمن الأضحية في حق المضحى فإن تلفت الأضحية في يده بغير تفريط أو سرقت‏,‏ أو ضلت فلا شيء عليه لأنها أمانة في يده فلم يضمنها إذا لم يفرط كالوديعة‏.‏

فصل

وإن اشترى أضحية‏,‏ فلم يوجبها حتى علم بها عيبا فله ردها إن شاء وإن شاء أخذ أرشها‏,‏ ثم إن كان عيبها يمنع إجزاءها لم يكن له التضحية بها وإلا فله أن يضحي بها‏,‏ والأرش له وإن أوجبها ثم علم أنها معيبة فذكر القاضي أنه مخير بين ردها وأخذ أرشها‏,‏ فإن أخذ أرشها فحكمه حكم الزائد عن قيمة الأضحية على ما ذكرناه ويحتمل أن يكون الأرش له لأن إيجابها إنما صادفها بدون هذا الذي أخذ أرشه‏,‏ فلم يتعلق الإيجاب بالأرش ولا بمبدله فأشبه ما لو تصدق بها ثم أخذ أرشها وعلى قول أبى الخطاب‏:‏ لا يملك ردها لأنه قد زال ملكه عنها بإيجابها‏,‏ فأشبه ما لو اشترى عبدا معيبا فأعتقه ثم علم عيبه وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا يتعين أخذ الأرش وفي كون الأرش للمشتري‏,‏ ووجوبه في التضحية وجهان ثم ننظر فإن كان عيبها لا يمنع إجزاءها‏,‏ فقد صح إيجابها والتضحية بها وإن كان عيبها يمنع إجزاءها‏,‏ فحكمها حكم ما لو أوجبها عالما بعيبها على ما سنذكره في موضعه -إن شاء الله تعالى-‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن ولدت ذبح ولدها معها‏]‏

وجملته أنه إذا عين أضحية فولدت فولدها تابع لها حكمه حكمها سواء كان حملا حين التعيين أو حدث بعده وبهذا قال الشافعي وعن أبى حنيفة‏,‏ لا يذبحه ويدفعه إلى المساكين حيا وإن ذبحه‏,‏ دفعه إليهم مذبوحا وأرش ما نقصه الذبح لأنه من نمائها فلزمه دفعه إليهم على صفته‏,‏ كصوفها وشعرها ولنا أن استحقاق ولدها حكم يثبت للولد بطريق السراية من الأم فيثبت له ما يثبت لها‏,‏ كولد أم الولد والمدبرة إذا ثبت هذا فإنه يذبحه كما يذبحها لأنه صار أضحية على وجه التبع لأمه ولا يجوز ذبحه قبل يوم النحر‏,‏ ولا تأخيره عن أيامه كأمه وقد روي عن على رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏,‏ إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها وإنها وضعت هذا العجل‏؟‏ فقال على‏:‏ لا تحلبها إلا فضلا عن تيسير ولدها فإذا كان يوم الأضحى‏,‏ فاذبحها وولدها عن سبعة رواه سعيد بن منصور عن أبى الأحوص عن زهير العبسي‏,‏ عن المغيرة بن حذف عن على

فصل

ولا يشرب من لبنها إلا الفاضل عن ولدها فإن لم يفضل عنه شيء‏,‏ أوكان الحلب يضر بها أو ينقص لحمها لم يكن له أخذه‏,‏ وإن لم يكن كذلك فله أخذه والانتفاع به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحلبها ويرش على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن‏,‏ فإن احتلبها تصدق به لأن اللبن متولد من الأضحية الواجبة‏,‏ فلم يجز للمضحى الانتفاع به كالولد ولنا قول على رضي الله عنه يحلبها إلا فضلا عن تيسير ولدها ولأنه انتفاع لا يضرها‏,‏ فأشبه الركوب يفارق الولد فإنه يمكن إيصاله إلى محله‏,‏ أما اللبن فإن حلبه وتركه فسد وإن لم يحلبه‏,‏ تعقد الضرع وأضر بها فجوز له شربه‏,‏ وإن تصدق به كان أفضل وإن احتلب ما يضر بها أو بولدها لم يجز له وعليه أن يتصدق به فإن قيل‏:‏ فصوفها شعرها‏,‏ ووبرها إذا جزه تصدق به ولم ينتفع به‏,‏ فلم أجزتم له الانتفاع باللبن‏؟‏ قلنا‏:‏ الفرق بينهما من وجهين أحدهما‏:‏ أن لبنها يتولد من غذائها وعلفها وهو القائم به فجاز صرفه إليه‏,‏ كما أن المرتهن إذا علف الرهن كان له أن يحلب ويركب وليس له أن يأخذ الصوف ولا الشعر الثاني‏,‏ أن الصوف والشعر ينتفع به على الدوام فجرى مجرى جلدها وأجزائها واللبن يشرب ويؤكل شيئا فشيئا فجرى مجرى منافعها وركوبها‏,‏ ولأن اللبن يتجدد كل يوم والصوف والشعر عين موجودة دائمة في جميع الحول‏.‏

فصل

وأما صوفها فإن كان جزه أنفع لها‏,‏ مثل أن يكون في زمن الربيع تخف بجزه وتسمن جاز جزه‏,‏ ويتصدق به وإن كان لا يضر بها لقرب مدة الذبح أو كان بقاؤه أنفع لها لكونه يقيها الحر والبرد لم يجز له أخذه كما أنه ليس له أخذ بعض أجزائها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإيجابها أن يقول هي أضحية‏]‏

وجملة ذلك أن الذي تجب به الأضحية‏,‏ وتتعين به هو القول دون النية وهذا منصوص الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ إذا اشترى شاة أوغيرها بنية الأضحية‏,‏ صارت أضحية لأنه مأمور بشراء أضحية فإذا اشتراها بالنية وقعت عنها كالوكيل ولنا‏,‏ أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا تؤثر فيه النية المقارنة للشراء كالعتق والوقف‏,‏ ويفارق البيع فإنه لا يمكنه جعله لموكله بعد إيقاعه وها هنا بعد الشراء يمكنه جعلها أضحية فأما إذا قال‏:‏ هذه أضحية صارت واجبة‏,‏ كما يعتق العبد بقول سيده‏:‏ هذا حر ولو أنه قلدها أوأشعرها ينوي به جعلها أضحية لم تصر أضحية حتى ينطق به لما ذكرنا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو أوجبها ناقصة ذبحها‏,‏ ولم تجزئه‏]‏

يعنى إذا كانت ناقصة نقصا يمنع الإجزاء فأوجبها وجب عليه ذبحها لأن إيجابها كالنذر لذبحها فيلزمه الوفاء به‏,‏ ولأن إيجابها كنذر هدى من غير بهيمة الأنعام فإنه يلزمه الوفاء به ولا يجزئه عن الأضحية الشرعية ولا تكون أضحية لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أربع لا تجزئ في الأضاحي‏)‏ ولكنه يذبحها‏,‏ ويثاب على ما يتصدق به منها كما يثاب على الصدقة بما لا يصلح أن يكون هديا وكما لو أعتق عن كفارته عبدا لا يجزئ في الكفارة‏,‏ إلا أنه ها هنا لا يلزمه بدلها لأن الأضحية في الأصل غير واجبة ولم يوجد منه ما يوجبها وإن كانت الأضحية واجبة عليه مثل من نذر أضحية في ذمته‏,‏ أو أتلف أضحيته التي أوجبها لم تجزئه هذه عما في ذمته فإن زال عيبها كأن كانت عجفاء فزال عجفها‏,‏ أو مريضة فبرأت أو عرجاء فزال عرجها فقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أنها تجزئ‏,‏ وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا تجزئ لأن الاعتبار بحال إيجابها ولأن الزيادة فيها كانت للمساكين كما أن نقصها بعد إيجابها عليهم لا يمنع من كونها أضحية ولنا‏,‏ أن هذه أضحية يجزئ مثلها فتجزئ كما لو لم يوجبها إلا بعد زوال عينها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا تباع أضحية الميت في دينه‏,‏ ويأكلها ورثته‏]‏

يعنى إذا أوجب أضحية ثم مات لم يجز بيعها وإن كان على الميت دين لا وفاء له وبهذا قال أبو ثور‏,‏ ويشبه مذهب الشافعي وقال الأوزاعي‏:‏ إن ترك دينا لا وفاء له إلا منها بيعت فيه وقال مالك‏:‏ إن تشاجر الورثة فيها باعوها ولنا أنه تعين ذبحها‏,‏ فلم يصح بيعها في دينه كما لو كان حيا إذا ثبت هذا فإن ورثته يقومون مقامه في الأكل والصدقة والهدية لأنهم يقومون مقام موروثهم فيما له وعليه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والاستحباب أن يأكل ثلث أضحيته‏,‏ ويهدى ثلثها ويتصدق بثلثها ولو أكل أكثر جاز‏]‏

قال أحمد‏:‏ نحن نذهب إلى حديث عبد الله‏:‏ يأكل هو الثلث‏,‏ ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث قال علقمة‏:‏ بعث معي عبد الله بهدية فأمرنى أن آكل ثلثا‏,‏ وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث وأن أتصدق بثلث وعن ابن عمر قال‏:‏ الضحايا والهدايا ثلث لك‏,‏ وثلث لأهلك وثلث للمساكين وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ يجعلها نصفين‏,‏ يأكل نصفا ويتصدق بنصف لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير‏}‏ وقال أصحاب الرأي‏:‏ ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم- أهدى مائة بدنة وأمر من كل بدنة ببضعة‏,‏ فجعلت في قدر فأكل هو وعلى من لحمها وحسيا من مرقها ونحر خمس بدنات‏,‏ أو ست بدنات وقال‏:‏ من شاء فليقتطع ولم يأكل منهن شيئا‏)‏ ولنا ما روي ‏(‏عن ابن عباس‏,‏ في صفة أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤال بالثلث‏)‏ رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني‏,‏ في الوظائف وقال‏:‏ حديث حسن ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان إجماعا ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر‏}‏ والقانع‏:‏ السائل يقال‏:‏ قنع قنوعا إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي قال الشاعر‏:‏

لمال المرء يصلحه فيغني ** مفاقره أعف من القنوع

والمعتر‏:‏ الذي يعتريك أي يتعرض لك لتطعمه فلا يسأل فذكر ثلاثة أصناف‏,‏ فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثا وأما الآية التي احتج بها أصحاب الشافعي فإن الله - تعالى - لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به وقد نبه عليه في آيتنا‏,‏ وفسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعله وابن عمر بقوله وابن مسعود بأمره وأما خبر أصحاب الرأي‏,‏ فهو في الهدى والهدى يكثر فلا يتمكن الإنسان من قسمه‏,‏ وأخذ ثلثه فتتعين الصدقة بها والأمر في هذا واسع‏,‏ فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز وقال أصحاب الشافعي‏:‏ يجوز أكلها كلها ولنا أن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وأطعموا البائس الفقير‏}‏ والأمر يقتضي الوجوب وقال بعض أهل العلم‏:‏ يجب الأكل منها‏,‏ ولا تجوز الصدقة بجميعها للأمر بالأكل منها ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر خمس بدنات ولم يأكل منهن شيئا‏,‏ وقال ‏"‏ من شاء فليقتطع ‏"‏ ولأنها ذبيحة يتقرب إلى الله - تعالى - بها فلم يجب الأكل منها كالعقيقة والأمر للاستحباب‏,‏ أو الإباحة كالأمر بالأكل من الثمار والزرع والنظر إليها‏.‏

فصل

ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث‏,‏ في قول عامة أهل العلم ولم يجزه على ولا ابن عمر رضي الله عنه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم‏)‏ رواه مسلم وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إنما نهيتكم للدافة التي دفت‏,‏ فكلوا وتزودوا وتصدقوا‏,‏ وادخروا‏)‏ وقال أحمد‏:‏ فيه أسانيد صحاح فأما على وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد كانوا سمعوا النهي فرووا على ما سمعوا‏.‏

فصل

ويجوز أن يطعم منها كافرا وبهذا قال الحسن وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وقال مالك‏:‏ غيرهم أحب إلينا وكره مالك والليث إعطاء النصرانى جلد الأضحية ولنا أنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمى كسائر طعامه ولأنه صدقة تطوع‏,‏ فجاز إطعامها الذمى والأسير كسائر صدقة التطوع فأما الصدقة الواجبة منها فلا يجزئ دفعها إلى كافر لأنها صدقة واجبة‏,‏ فأشبهت الزكاة وكفارة اليمين‏.‏