فصل: بَابُ الْمَنَاسِكِ وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ النَّسْخِ :

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن



.بَابُ الْمَنَاسِكِ وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ النَّسْخِ :

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا مَنَاسِكُ الْحَجِّ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي التَّنْزِيلِ مِنْهَا مَنْسُوخًا وَلَكِنَّ فِيهَا سُنَّتَيْنِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ الْأَئِمَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ رَأَى فِيهِمَا سِوَى ذَلِكَ وَهُمَا: فَسْخُ الْإِحْرَامِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ، وَلَا نَرَى تَرْكَ مَنْ تَرَكَهَا كَانَ إِلَّا لِأَمْرٍ عَلِمُوهُ نَاسِخًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ أَوْ لِشَيْءٍ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَصْحَابِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَبِكُلٍّ قَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ فَأَمَّا فَسْخُ الْإِحْرَامِ.
308 - فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، كَيْفَ نَجْعَلُهُ عُمْرَةً، فَقَالَ: انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَاصْنَعُوا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
309 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ، ثُمَّ نَادَى النَّاسَ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهُ عُمْرَةً» قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي الْمَنَاسِكِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
310 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، حَتَّى إِذَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ قَالَ: «اجْعَلُوهُ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» قَالَ: فَأَحْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ وَانْطَلَقْنَا إِلَى مِنًى.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
311 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ التَّرْوِيَةِ وَتَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى وَجَعَلْنَا ظُهُورَنَا إِلَى مَكَّةَ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
312 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا، سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَوْ دَنَوْنَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً قَالَتْ: فَأَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ قَالَ: قَالَ يَحْيَى، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: جَاءَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
314 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟» قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ» قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي، فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ؛ فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَأْتَمُّوا بِهِ قَالَ: فَقَدِمَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟، فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَإِنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
315 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِلنَّاسِ أَحَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى إِحْرَامِهِمْ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
316 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، كَانَا يَقْدُمَانِ مُلَبِّيَيْنِ فَلَا يُحِلَّانِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
317 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ لِحَجَّتِهِ، ثُمَّ أَقَامَ حَرَامًا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا عُثْمَانُ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُغَلِّظُ فِي الْمُتْعَةِ فَالْفَسْخُ أَشَدُّ وَلَا نَرَى الْأَئِمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْفَسْخِ إِلَّا لِأَحَدِ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْخُصُوصِيَّةِ، عَلَى أَنَّ تِبْيَانَهُ قَدْ جَاءَنَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
318 - حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: «لَا بَلْ لَنَا خَاصَّةً».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
319 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُرَقَّعِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ ثُمَّ يَفْسَخَهُ بِعُمْرَتِهِ إِلَّا لِلرَّكْبِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
320 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ بِالْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً.
قَالَ: أَبُو مُعَاوِيَةَ يَعْنِي أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّ عُمْرَةً.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلَ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ. .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِلَى هَذَا انْتَهَتِ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ لَا يَرَوْنَ لِلْحَاجِّ وَالْقَارِنِ إِحْلَالًا دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ، حَتَّى قَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ الْفَسْخَ وَيُحَدِّثُ بِخِلَافِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
322 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى وَأَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلَّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِهْلَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَأْخُذُ بِهَذَا وَيُنْكِرُ قَوْلَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ الْفَسْخَ مَعْرُوفٌ مِنْ رَأْيِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
324 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَطُوفُ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ إِلَّا حَلَّ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّمَا هَذَا بَعْدَ الْمُعَرَّفِ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلَ وَبَعْدَ .
قَالَ: قُلْتُ مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْخُذُ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنْ يَحِلُّوا وَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33].
325 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْهُجَيْمِ يُقَالُ لَهُ: فُلَانُ بْنُ عَبْدٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي قَدْ شَغَبَتِ النَّاسَ، أَنَّهُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ، فَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِنْ رَغِمْتُمْ.
قَالَ حَجَّاجٌ قَالَ شُعْبَةُ: أَنَا أَقُولُ: شَغَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هِيَ؟، وَقَالَ حَجَّاجٌ: إِنَّمَا هُوَ شَعَّبَتْ وَهِيَ عِنْدِي، كَمَا قَالَ حَجَّاجٌ يَعْنِي أَنَّهَا: فَرَّقَتْ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفُتْيَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْيَوْمَ يَذْهَبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ مَذْهَبٌ وَحُجَّةٌ لَوْلَا حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَقَالَةُ أَبِي ذَرٍّ وَمَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ وَأَمَّا الْمُتْعَةُ.
326 - فَإِنَّ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ وَهُمَا يَتَذَاكَرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
327 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ، مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ قَالَ: يَعْنِي: فُلَانًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْعُرُشُ بُيُوتُ مَكَّةَ يَعْنِي أَنَّهُ مُقِيمٌ بِهَا وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ.
328 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ قَالَ: «بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ»، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ خُصَيْفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسُرَاقَةَ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «بَلْ هِيَ لِأَبَدِ الْآبِدِينَ».
330 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسُرَاقَةَ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «بَلْ هِيَ لِأَبَدِ آبِدٍ» وَزَادَ فِيهِ: فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَالَ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَلِمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ تُفَسَّرُ تَفْسِيرَيْنِ أَحَدَهُمَا: أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ هُوَ الْفَسْخُ بِعَيْنِهِ وَذَلِكْ أَنْ يُهِلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ هُوَ الْفَسْخُ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يُهِلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ حَجِّهِ بِعُمْرَةٍ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَالْآخَرَ: أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ هُوَ الْمُتْعَةُ نَفْسُهَا، وَذَلِكَ أَنْ يَقْرَبَ الرَّجُلُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا قَضَاهَا وَطَافَ لَهَا وَحَلَقَ، ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ اسْتَأْنَفَ لَهُ إِهْلَالًا، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَعْرِفُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتُنْكِرُهُ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ. وَيُرْوَى عَنِ طَاوُسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِذَلِكَ رُوجِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا بِعُمْرَةٍ وَمِنْ أَجَلِهِ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ: عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ حَتَّى قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مَا قَالَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِالرُّخْصَةِ وَالْإِذْنِ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الْقِرَانَ، بِذَلِكَ جَاءَ أَكْثَرُ الْآثَارِ.
332 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يَقُولُ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ وَإِنَّهُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ أُمْسِكَ عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُهُ عَادَ إِلَيَّ».
333 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ «جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ».
334 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، قَالَ بَكْرٌ: فَلَقِيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
335 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَحُمَيْدٌ كُلُّهُمْ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
336 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، فَأَرَادَ الْجِهَادَ، فَقِيلَ لَهُ: ابْدَأْ بِالْحَجِّ، فَأَتَى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا فَفَعَلَ، فَبَيْنَا هُوَ يُلَبِّي بِهِمَا إِذْ مَرَّ يَزِيدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَسَمِعَهَا الصُّبَيُّ، فَكَبُرَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ ذلك لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الصُّبَيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا مُوسَى فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ شَيْئًا هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
338 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا، فَقَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ وَتَفْعَلُهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
339 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جُرَيَّ بْنَ كُلَيْبٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَلِيٌّ، يَأْمُرُ بِهَا قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا، فَقُلْتُ: إِنَّ بَيْنَكُمَا لَشَرًّا أَنْتَ تَأْمُرُ بِهَا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: مَا بَيْنَنَا إِلَّا خَيِّرٌ، وَلَكِنْ خَيْرُنَا أَتْبَعُنَا لِهَذَا الدِّينِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
340 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي حُرَيْثُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعُذْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، يَبْدَأُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إِنَّكَ مِمَّنْ يُنْظَرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا، أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ إِلَّا مَا سَمِعْتَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَالثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّهُ قَرَنَ؛ لِأَنَّ مَنْ رَوَاهُ أَكْثَرُ، مِنْهُمْ: عُمَرُ، حِينَ قَالَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ وَقَدْ قَرْنَ بَيْنَهُمَا: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَأَوَّلَهُ عَلَى الدُّعَاءِ لِلصُّبَيِّ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا مَوْضِعُ دُعَاءٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَمَا جَاءَهُ مُسْتَفْتِيًا، فَكَيْفَ يُجِيبُهُ دَاعِيًا؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ لِعُثْمَانَ: لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ أَحَدٍ، وَمِنْهُمْ أَبُو طَلْحَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحَادِيثَهُمْ، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الْحَجَّ خَاصَّةً لَا تَرُدُّ رِوَايَةَ الْآخَرِينَ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ حَفِظُوا مَا حَفِظَ أُولَئِكَ وَزَادُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظُوهُ، وَهَذَا مِثْلُ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُونَ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، فَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِرَادَّةٍ لِلْأُخْرَى، إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ حَفِظُوا الزِّيَادَةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ إِنَّمَا هَذَا كَرَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِصَاحِبِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءٌ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الَّذِينَ زَادُوا أَوْجَبُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْأُولَى لَمْ تُكَذِّبْهُمْ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ زَادُوا مَا لَمْ يَحْفَظْ أُولَئِكَ، فَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَفِي تَلْبِيَتِهِ بِالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ، إِنَّمَا الثَّبْتُ عِنْدَنَا مَنْ حَفِظَ الزِّيَادَةَ، فَوَجَدْنَا مُتْعَةَ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَجَدْنَا قِرَانَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ مَنْ أَنْكَرَ الْقِرَانَ أَنْ يُبْطِلَهُ الْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ الْمُتْعَةَ وَلَا نَعْلَمُ لِلْقِرَانِ أَصْلًا إِلَّا سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا الْقِرْانُ وَالْمُتْعَةُ هُمَا تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُخْصَةٌ إِذْ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ فِيهِمَا بِسَفَرٍ وَاحِدٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
341 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَزْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ، رَجُلٌ عَنِ امْرَأَةٍ صَرُورَةٍ لَمْ تَحُجَّ، أَتَعْتَمِرُ فِي حَجِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي} [البقرة: 196] الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الرُّخْصَةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً فِي سُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنْهُمْ إِنْ هُمْ تَمَتَّعُوا وَقَرَنُوا، وَإِنَّ الَّذِي تَأَوَّلَهُ عُمَرُ خِلَافُ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْآيَةَ تَغْلِيظًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَرُخْصَةً لِسَائِرِ النَّاسِ سِوَاهُمْ، فَأَرَادَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَأْذَنْ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ الْبَتَّةَ لِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمُ التَّمَتُّعُ، وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إِلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا وَلَا دَمَّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّأْوِيلِ وَجْهٌ إِلَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَنْ مَكَّةَ إِذَا أَخْطَأَتْهُمُ الرُّخْصَةُ فِي الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانُ لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنْ خُلَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْتَمِرُوا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجُّوا وَفِي ذَلِكَ طُولُ الثَّوَى وَالِاغْتِرَابُ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَالْخُلَّةُ الْأُخْرَى: أَنْ يَنْصَرِفُوا بَعْدَ الْعُمْرَةِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ يُنْشِؤَا لِلْحَجِّ سَفَرًا ثَانِيًا فِي أَوَانِهِ وَكِلْتَا الْخُلَّتَيْنِ فِيهِمَا مَشَقَّةٌ وَأَذَى، فَأَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ بِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ مَعَ إِقَامَةٍ يَسِيرَةٍ، وَأَخْرَجَ أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ هَذِهِ الرُّخْصَةِ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَهْلِيهِمْ لَا يَتَجَشَّمُونَ سَفَرًا، وَلَا يَطُولُ بِهِمُ اغْتِرَابٌ عَنْ وَطَنٍ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ هَذِهِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَلَا الْكَرَاهَةِ لَهَا، وَكَيْفَ يَأْبَاهَا وَهِيَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ لِخِلَالٍ شَتَّى:
إِحْدَاهُنَّ: الْفَضِيلَةُ لِيَكُونَ الْحَجُّ فِي أَشْهُرِهِ الْمَعْلُومَةِ لَهُ، وَتَكُونَ الْعُمْرَةُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الشُّهُورِ. وَالْخُلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ أَحَبَّ عُمَارَةَ الْبَيْتِ وَأَنْ يَكْثُرَ زُوَّارُهُ فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ، وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ أَرَادَ إِدْخَالَ الْمِرْفَقِ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ بِدُخُولِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ، وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ جَاءَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ عَنْهُ مُفَسَّرَةً .
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
342 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنْ تَقْرِنُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَجْعَلُوا الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
343 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَقَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، فَأَخْلِصُوا أَشْهُرَ الْحَجِّ لِلْحَجِّ وَاعْتَمِرُوا فِيمَا سِوَاهَا مِنَ الشُّهُورِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ تَتِمَّ عُمْرَتُهُ إِلَّا بِهَدْيٍ، وَمَنِ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ إِلَّا أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَدْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَوْضِعُ التَّفْضِيلِ، وَأَمَّا عُمَارَةُ الْبَيْتِ وَالنَّظَرُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ.
344 - فَإِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إِرَادَةَ أَنْ لَا يُعَطِّلَ الْبَيْتَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
345 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ قَالَ: إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، لِمَكَانِ أَهْلِ الْبَلَدِ لِيَكُونَ مَوْسِمَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَيُصِيبَهُمْ مِنْ مَنْفَعَتِهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ جَاءَنَا عَنْهُ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، إِيثَارُ الْمُتْعَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
346 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَوِ اعْتَمَرَتُ، ثُمَّ اعْتَمَرَتُ، ثُمَّ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
348 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لِأَنْ أَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فِي شَهْرٍ يَجِبُ عَلَيَّ فِيهِ الْهَدْيُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ فِي شَهْرٍ لَا يَجِبُ عَلَيَّ فِيهِ الْهَدْيُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْمُتْعَةِ مِنَ الرُّخْصَةِ وَقَدْ أَبَاهَا مَعَ هَذَا قَوْمٌ عُلَمَاءُ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ تُخْتَصَّ الْعُمْرَةُ بِسَفَرٍ وَيُفْرِدُوهَا بِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
349 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ امْرَأَةٍ أَرَادَتْ أَنْ تَجْمَعَ مَعَ حَجِّهَا عُمْرَةً، فَقَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، مَا أُرَهَا إِلَّا أَشْهُرَ الْحَجِّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
351 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ أَوْ عَنْ أُذَيْنَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: ائْتِ عَلِيًّا فَسَلْهُ قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْتَ، مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا نَرَى عَلِيًّا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ، كَانَ أَفْقَهُ مِنْ أَنْ يُرِيدَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَلَكِنَّا نَحْسَبُهُ ذَهَبَ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ نَاوِيًا لِلْعُمْرَةِ خَالِصَةً لَا يَخْلِطُهَا بِحَجٍّ وَلَكِنْ يُخْلِصُ لَهَا سَفَرًا ثُمَّ يُحْرِمُ مَتَى مَا شَاءَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلُ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
352 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا عُمَّارًا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: أَحَلَقْتُمُ الشَّعْرَ وَقَضَيْتُمُ التَّفَثَ، أَمَا إِنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ مَدَرِكُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: مِنْ مَدَرِكُمْ: هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَرَادَهُ يَعْنِي: عَلِيًّا، أَنْ يُنْشِئَ لَهَا سَفَرًا غَيْرَ سَفَرِ الْحَجِّ، فَالَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِسَفَرٍ يُخْتَصُّ بِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْفَضِيلَةِ، وَأَنَّ الْمُتْعَةَ وَالْإِقْرَانَ مُجْزِيَانِ عَنْ أَهْلِهِمَا عَنْ تَمَامٍ غَيْرِ نَقَصٍ إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ، فَهَذَا مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَتَكَلَّمَتْ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ نَسْخِ الْمَنَاسِكِ وَاخْتِلَافِ وَجْهِهَا، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَلَا نَعْلَمُهُ نَزَلَ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَجِّ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّنْزِيلَ كَانَ هُوَ النَّاسِخَ لَهُ ثُمَّ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ .
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
353 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ جَمِيعًا، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا يَحُجُّ الْبَيْتَ أَوْ يَعْرِضُوا لَهُمْ، مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَهَا: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17].

.بَابُ الْجِهَادِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ :

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجَدْنَا نَسْخَ الْجِهَادِ فِي أَرْبَعِ خِلَالٍ: مِنْهَا اثْنَتَانِ فِي الْقِتَالِ وَثَالِثَةٌ فِي الْأُسَارَى وَرَابِعَةٌ فِي الْمَغَانِمِ، فَأَمَّا اللَّتَانِ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ الْأُولَى مِنْهُمَا إِذْنُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا مِنْهُمَا عَنْهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بَعْدَهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
354 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ الْقِتَالَ فِي آيٍ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
355 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 159] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]، قَالَ: نَسَخَ هَذَا كُلَّهُ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجِهَادِ وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرِ مِنَ الْإِذْنِ حَتَّى عَاتَبَ أَهْلَ التَّخَلُّفِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَخَلُّفُهُمْ بِاسْتِئْذَانٍ مِنْهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
356 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 45] قَالَ: هَذَا تَعْيِيرٌ لِلْمُنَافِقِينَ حِينَ اسْتَأْذَنُوهُ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَعَذَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
357 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 45] قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] الْآيَةَ قَالَ: فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى النَّظَرَيْنِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ وَكَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِهَادَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُجَاهَدَةَ عَشَرَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى التَّخَفُّفِ عَنْهُمْ وَوَصَفَهُمْ بِالضَّعْفِ نَسَخَ ذَلِكَ بِأَنْ أَلْزَمَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِقَاءَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
358 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الْآيَةَ قَالَ: فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] إِلَى قَوْلِهِ: {مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
359 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّجُلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلَ عَشْرَةً مِنَ الْكُفَّارِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرَحِمَهُمْ، فَقَالَ: {إِنْ تَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
360 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ، فَإِنْ فَرَّ مِنَ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ زَادَ اللَّهُ الْجِهَادَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ تَغْلِيظًا وَتَوْكِيدًا بِأَنْ قَطَعَ الْمُوَادَعَاتِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ عَاهَدَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤْذِنَهُمْ فِي بَرَاءَةَ بِالْحَرْبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَّتَهَا لَهُمْ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
361 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] قَالَ: نَسَخَتْهَا {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
362 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] قَالَ: حَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينَ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِيهَا حَيْثُ شَاءُوا، وَأَجَّلَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَقَالَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوَا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، قَالَ: وَأَمَرَهُ إِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ، فِيمَنْ عَاهَدَ إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَنَقَضَ مَا سَمَّى لَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، فَأَذْهَبَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ ثُمَّ قَالَ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
363 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَطَافَا فِي النَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ وَأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا يَتَبَايَعُونَ فِيهَا كُلِّهَا وَالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ أَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْمُنْسَلِخَاتُ الْمُتَوَالِيَاتُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُوُنَّ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ.
قَالَ: وَهِيَ الْحُرُمُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُمِّنُوا فِيهَا حَتَّى يَسِيحُونَهَا، وَآذَنَ اللَّهُ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
364 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الْحَجَّةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدٌ: «ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِذَلِكَ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، نَحْوَ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ: «وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
366 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 90] إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90]، وَفِي قَوْلِهِ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] قَالَ: ثُمَّ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَاتِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكَانَتْ بَرَاءَةُ هِيَ النَّاسِخَةَ لِلْهُدْنَةِ وَالْقَاطِعَةَ لِلْعُهُودِ وَالْمُشَخِّصَةَ النَّاسَ لِلْجِهَادٍ، بِذَلِكَ وَصَفَتْهَا الْعُلَمَاءُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
367 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ يُجَاعِلَ، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَتَجَهَّزُ، فَقُلْتُ: أَلَمْ تَكُنْ أَرَدْتَ أَنْ تُجَاعِلَ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةُ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
368 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَأَبُو الْيَمَانِ، كِلَاهُمَا، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، أَوِ ابْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ، أَنَّهُ وَافَى الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ بِحِمْصَ عَلَى تَابُوتٍ مِنْ تَوَابِيتِ الصَّيَارِفَةِ وَقَدْ فَضُلُ عَنْهُ عِظَمًا قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْأَسْوَدِ قَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ أَوْ قَالَ: قَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ، يَعْنِي: فِي الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ، فَقَالَ: أَبَتْ عَلَيْنَا سُورَةُ بَرَاءَةُ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
369 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا عَامًا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْجَيْشِ رَجُلٌ شَابٌّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَا عَلَى مَنِ اسْتَعْمَلَ عَلَيَّ، وَكَانَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]، فَلَا أَجِدُنِي إِلَّا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا .
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
370 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]، فَقَالَ: هَا أَرَى اللَّهَ، أَلَا يَسْتَنْفِرُنَا إِلَّا شَبَابًا وَشُيُوخًا، جِهِزُّونِي فَجَهَّزُوهُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَمَاتَ فِي غَزَاتِهِ تِلْكَ قَالَ: فَمَا وَجَدْنَا لَهُ جَزِيرَةً نَدْفِنُهُ أَوْ قَالَ: يَدْفِنُوهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَابِعَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
371 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالُوا: فِينَا الثَّقِيلُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالضَّعِيفُ وَالْمُتَيَسَّرُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {انْفِرُوا خِفَافًا} [التوبة: 41] وَثِقَالًا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
372 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] قَالَ الشَّابُّ وَالشَّيْخُ .
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا قَالَ: مَشَاغِيلُ وَغَيْرُ مَشَاغِيلَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ نَزَلَ مَعَ بَرَاءَةَ آيٌ كَثِيرٌ كُلُّهَا تَحُضُّ عَلَى الْجِهَادِ وَتُوجِبُهُ عَلَى النَّاسِ، مِنْهَا قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] وَقَوْلُهُ: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]، وَقَوْلُهُ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 75] فِي آيَاتٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِبَيَانِ ذَلِكَ وَتَصْدِيقِهِ فِي آثَارٍ مُتَتَابِعَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» وَقَوْلُهُ: «الْجِهَادُ مَاضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَرُدُّهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» وَقَوْلُهُ: «حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُ عِصَابَةٍ مِنْ أُمَّتِي الدَّجَّالَ» وَقَوْلُهُ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» إِنَّمَا تَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا: خَيْلُ الْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ بَعْدُ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
378 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيجِ الرَّقِّيِّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْفَرَائِضِ وَابْنُ عُمَرَ جَالِسٌ حَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، فَقَالَ: الْفَرَائِضُ شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: فَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «الْفَرَائِضُ شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ» وَتَرَكَ الْجِهَادَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
379 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: أَلَا تَغْزُو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرْفُوعٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
381 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ الْغَزْوُ عَلَى النَّاسِ؟ فَقَالَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا عَلِمْنَاهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
382 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ مَكْحُولٌ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ثُمَّ يَحْلِفُ عَشَرَةَ أَيْمَانٍ: أَنَّ الْغَزْوَ وَاجِبٌ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ شِئْتُمْ زِدْتُكُمْ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
383 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ،عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَتَبَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزَوْا أَوْ قَعَدُوا، فَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَ، وَإِنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ، وَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَحْسَبُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَمَّا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَكَانَ يَقُولُ: لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَكِنْ لَا يَسَعُ النَّاسَ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَيُجْزِئُ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ لَازِمٌ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقْضِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا وَسِعَهُمْ هَذَا لِلْآيَةِ الْأُخْرَى، قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]، فَإِنَّهَا فِيمَا يُقَالُ: نَاسِخَةٌ لِفَرْضِ الْجِهَادِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
385 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَانْفِرُوا ثَبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71] وَفِي قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] قَالَ:.نَسَخَتْهَا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] الْآيَةَ، قَالَ: تَنْفِرُ طَائِفَةٌ وَتَمْكُثُ طَائِفَةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: فَالْمَاكِثُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيُنْذِرُونَ إِخْوَانَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مِنَ الْغَزْوِ بِمَا نَزَلَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَحُدُودِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: يَعْنِي السَّرَايَا كَانَتْ تَرْجِعُ وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهُمْ قُرْآنٌ تَعَلَّمَهُ الْقَاعِدُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَتَمْكُثُ السَّرَايَا يَتَعَلَّمُونَ مَا أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُمْ، وَتُبْعَثُ سَرَايَا أُخْرَى قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ ذَلِكَ. .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ الْجِهَادُ حَتْمًا وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَعَلَتْ لِلنَّاسِ الرُّخْصَةَ فِي قِيَامِ بَعْضِهِمْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَمَعَ هَذَا أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ نَظَائِرَ لِلْجِهَادِ، مِنْهَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَحُضُورُ الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، فَهَذِهِ كُلُّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُومُ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَكِنَّ الْفَضِيلَةَ وَالتَّبْرِيزَ لِقَاضِيهَا دُونَ الْمَقْضِيِّ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ الْجِهَادُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَانَ اشْتَرَطَ فِيهِ شَرْطًا حِينَ أَمَرَ بِهِ، فَجَعَلَهُ مَحْظُورًا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينَ الْقَيِّمَ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] هُوَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْقِتَالَ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ كَبِيرٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِ تَحْرِيمِهَا وَإِبَاحَةِ الْقِتَالِ فِيهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
388 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا لَهُمْ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَغْزُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ غَزْوُهُمْ بَعْدُ قَالَ: فَحَلَفَ لِي بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَغْزُوا فِي الْحُرُمِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا وَمَا نُسِخَت.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
389 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى وَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا أَنْ يُغْزَى أَوْ يَغْزُو.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
391 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ، أَبِيهِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْكُفَّارَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: نَعَم.
قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ بِالثُّغُورِ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ الْغَزْوَ مُبَاحًا فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ لَمْ أَرْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّامِ وَلَا الْعِرَاقِ يُنْكِرُهُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ أَحْسَبُ قَوْلَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْحُجَّةُ فِي إِبَاحَتِهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الثُّغُورِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ النَّاسِخَةُ عِنْدَهُمْ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَهَذَا نَاسِخُ الْقِتَالِ وَمَنْسُوخُهُ.

.بَابُ الْأُسَارَى :

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا أَمْرُ الْأُسَارَى فِي الْفِدَاءِ وَالْمَنِّ وَالْقَتْلِ فَإِنَّ.
392 - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَنَا، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ هَذَا فِي الْأُسَارَى: {فَإِمَّا مِنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَعْبَدُوهُمْ.
شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي: اسْتَعْبَدُوهُمْ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
393 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ، وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِيهَا قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، قَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
395 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يُقْتَلُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُفَادَوْنَ حَتَّى يُثْخِنَ فِيهِمُ الْقَتْلَ وَقَدْ قَالَ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَفِيهِ قَوْلٌ آخَر.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
396 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَرِهَ قَتْلَ الْأَسِيرِ، وَقَالَ: مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِه.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ نَحْوَهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
398 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ق‍َالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَتْلِ الْأَسِيرِ، فَقَالَ: مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِه. قَالَ: وَسَأَلْتُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: تَصْنَعُ بِهِ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِأُسَارَى بَدْرٍ يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ آيَاتِ الْأُسَارَى، فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ الْفِدَاءِ هِيَ الْمُحْكَمَةُ النَّاسِخَةُ بِقَتْلِهِمْ وَإِلَى مَذْهَبِهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَفِي قَوْلِ السُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ هِيَ الْمُحْكَمَةُ النَّاسِخَةُ لِلْفِدَاءِ وَالْمَنِّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ. .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْآيَاتِ جَمِيعًا مُحْكَمَاتٌ لَا مَنْسُوخَ فِيهِنَّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاضِيَةِ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا بِالْآيَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ نُسِخَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَكَانَ أَوَّلُ أَحْكَامِهِ فِيهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَعَمِلَ بِهَا كُلِّهَا يَوْمَئِذٍ، بَدَأَ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ فِي قُفُولِهِ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَحَكَمَ فِي سَائِرِهِمْ بِالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ إِذْ سَارَتْ إِلَيْهِ الْأَحْزَابُ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى صَرَفَهَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ، وَخَرَجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لَمُمَالَأَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانَتْ لِلْأَحْزَابِ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ فِيهِمْ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، فَصَوَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ رَأْيَهُ وَأَمْضَى فِيهِمْ حُكْمَهُ وَمَنَّ عَلَى الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا مِنْ بَيْنِهِمْ لِتَكْلِيمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِيَّاهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ الزُّبَيْرُ هُوَ الْمُخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْقَتْلَ، ثُمَّ كَانَتْ غَزَاةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَهِيَ الَّتِي سَبَى فِيهَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ رَهْطَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَاسْتَحْيَاهُمْ جَمِيعًا وَأَعْتَقَهُمْ فَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلِمْنَاهُ، ثُمَّ كَانَتْ خَيْبَرُ، فَافْتَتَحَ حُصُونَ الشق ونطاة عَنْوَةً بِلَا عَهْدٍ، فَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَعْلَمُهُ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ صَبْرًا بَعْدَ فَتْحِهَا، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَقِيَّةِ حُصُونِ خَيْبَرَ الْكَثِيبَةِ وَالْوَطِيحَةِ وَسَلَالِمَ، فَأَخَذَهَا أَوْ أَخَذَ بَعْضَهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمَهُ آلُ أَبِي الْحُقَيْقِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ وَكَتَمُوهُ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ دِمَاءَهُمْ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَلَمْ يَمُنَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ هِلَالِ بْنِ خَطَلٍ، وَمَقِيسِ بْنِ صُبَابَةَ، وَنَفَرٍ سَمَّاهُمْ، وَأَطْلَقَ الْبَاقِينَ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ، ثُمَّ كَانَتْ حُنَيْنٌ فَسَبَى فِيهَا هَوَازِنَ وَمَكَثَ سَبْيُهُمْ فِي يَدَيْهِ أَيَّامًا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُهُمْ فَوَهَبَهُمْ لَهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمُ امْتِنَانًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ كَانَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَضَتْ فِيهَا أَحْكَامُهُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ، مِنْ ذَلِكَ قَتْلُهُ أَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ كَانَ مَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِيهَا إِطْلَاقُهُ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ، وَمِنْهَا مُفَادَاتُهُ بِالْمَرْأَةِ الْفَزَارِيَّةِ الَّتِي سَبَاهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَا أَسِيرَيْنِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ، فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ لَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَبْلُ عَامِلًا بِهَا عَلَى مَا أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَبَاحَهَا لَهُ فِي الْأُسَارَى وَجَعَلَ الْخِيَارَ وَالنَّظَرَ فِيهَا إِلَيْهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَارَ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ بِسِيرَتِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ، فَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الرِّدَّةِ حَتَّى عَادَ أَهْلُهَا مُسْلِمِينَ بِالطَّوْعِ وَالْكُرْهِ إِلَّا مَنْ أَبَادَهُ الْقَتْلُ، فَكَانَ مِمَّنِ اسْتَحْيَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَقُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ، وَكَانَ قَدِمَ بِهِمَا عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مُوَثَّقَيْنِ، فَمَنَّ عَلَيْهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مُوثَقًا، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَحَهُ وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّدَّةِ الْفُجَاءَةُ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ؛ وَذَلِكِ لِسُوءِ آثَارِهِمْ كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ كَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِاصْطِلَامِ بَنِي حَنِيفَةَ إِنْ ظَفِرَ بِهِمْ، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَالْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بِالْمَنِّ عَلَى كِنْدَةَ الَّذِينَ حُوصِرُوا بِحِصْنِ النَّجِيرِ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْأُسَارَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِنْ أَحْكَامِهِمْ شَيْءٌ وَلَكِنْ لِلْإِمَامٍ، يُخَيَّرَ فِي الذُّكُورِ وَالْمُدْرِكِينَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ وَهِيَ: الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ، وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ، إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ مَيْلٌ بِهَوًى فِي الْعَفْوِ وَلَا طَلَبُ الذَّحْلِ فِي الْعُقُوبَةِ وَلَكِنْ عَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.