فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن




.المقدمة:

قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ الصَّالِحِ بَقِيَّةِ الْمَشَايِخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدِ بْنِ مُفْرِحِ بْنِ غِيَاثٍ الْأَرْيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينِ بْنِ عُمَرَ الْفَرَّا الْمُوصِلِي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْمُقْرِئُ الْحِمْصِيُّ بِخَطِّهِ بِمِصْرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيدِ بْنِ مُوسَى الرَّشَا قِرَاءَةً عَلَيهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَثَلاثِمَائَةٍ قَالَ: أَخْبَرْنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمَوتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغْدَادِيُّ بِمَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمَائَتَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ:

.بَابُ فَضْلِ عِلْمِ نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ وَتَأْوِيلِ النَّسْخِ فِي التَّنْزِيلِ وَالْآثَارِ:

1 - قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِقَاصٍّ يَقُصُّ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ .
2 - أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ رَأَى قَاصًّا يَقُصُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَةِ عَلِيٍّ سَوَاءً.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
3 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ، وَمَنْسُوخِهِ وَمُحْكَمِهِ، وَمُتَشَابِهِهِ وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ وَأَمْثَالِهِ قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، فَإِنَّهُ يَعْنِي: تَأْوِيلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
4 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ نَاسِخُهُ، وَحَلَالُهُ، وَحَرَامُهُ، وَفَرَائِضُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ: مَنْسُوخُهُ وَمُقَدَّمُهُ، وَمُؤَخَّرُهُ، وَأَمْثَالُهُ، وَأَقْسَامُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ ولَا يُعْمَلُ بِهِ. قال: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قَالَ: مَا نُبَدِّلْ مِنْ آيَةَ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] قَالَ: نَتْرُكُهَا لَا نُبَدِّلُهَا قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] يَقُولُ: يُبَدِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَشَاءُ فَيَنْسُخُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
5 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] قَالَ: نُثْبِتُ خَطَّهَا، وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا.
6 - قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] يَقُولُ: مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: {أَوْ نَنْسَأْهَا} قَالَ: نُؤَخِّرْهَا فَلَا تَكُونُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قِرَاءَةُ عَطَاءٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
7 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] قَالَ: نُؤَخِّرْهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ: {نَنْسَأْهَا} نُؤَخِّرْهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
9 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمَا قَرَآهَا: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا}.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
10 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ: {أَوْ نَنْسَأْهَا}.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي قَرَأَ بِهَا عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَكَثِيرٌ عَنِ الْقُرَّاءِ، مِنْهُمْ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالنَّسْخِ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَأَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ الْمَنْسُوخُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ يَقُولُونَ: لِأَنَّهُ نُسِخَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ، فَأَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ النَّسْءُ: مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَلَمْ يُنْزِلْهُ، وَكَذَلِكَ النَّسْءُ فِي التَّأْوِيلِ إِنَّمَا هُوَ التَّأْخِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] هُوَ فِي التَّفْسِيرِ: تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ «مَنْ سَرَّهُ النَّسِيءُ فِي الْأَجَلِ وَالْمَدُّ فِي الرِّزْقِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيَّ، يُحَدِّثُهُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا الَّذِي أَرَادَ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قَالَ: مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَبِقَوْلِهِ: {أَوْ نَنْسَأْهَا} قَالَ: نُؤَخِّرْهَا .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَنْ قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَتَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ وَنَخْتَارُهُ فَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ مَا تَعْرِفُهُ الْأُمَّةُ مِنْ نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ، وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] بِمَعْنَى النِّسْيَانِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَكَابِرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، - عَلَى أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ فِيهَا، - وَقَرَأَ بِهَا مِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
12 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِكَ}.
13 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: مَا نُنْسِكَ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَخْهَا.
يُحَدِّثُونَ بِذَلِكَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَرَأَهَا الضَّحَّاكُ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
15 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ قَانِفٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقْرَأُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةَ أَوْ تَنْسَهَا} . قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقْرَأُ: {أَوْ نَنْسَهَا} أَوْ {نُنْسِهَا} [البقرة: 106] - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى آلِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}، {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
16 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِيِّ وَشَيْبَةَ بْنِ نَصَّاحٍ وَنَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا: {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَعْنَى فِي قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النِّسْيَانِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَضَافَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُمْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَفْعَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا وَفَقَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، فَإِذَا أَنْسَاهُ نَسِيَ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَاصَّةً أَرَادَ بِالنِّسْيَانِ التَّرْكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَوْ نُنْسِهَا قَالَ: نَتْرُكْهَا فَلَا نُبَدِّلْهَا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تَنْسَى} [طه: 126]، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] هُوَ فِي التَّفْسِيرِ التَّرْكُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَضِلَّ وَلَا يَنْسَى، فَهَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ وَالْقِرَاءَتَيْنِ فِي النَّسْءِ وَالنِّسْيَانِ.
وَأَمَّا النَّسْخُ: فَإِنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِكُلِّهَا شَوَاهِدُ وَدَلَائِلُ، فَأَحَدُهَا: نَسْخُ الْقُرْآنِ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ عِلْمُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ، وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ مَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّهُ إِبْدَالُ الْآيَةِ مَكَانَ الْآيَةِ، ثُمَّ أَوْضَحَهُ مُجَاهِدٌ، فَقَالَ: يُثْبِتُ خَطَّهَا وَيُبَدِّلُ حُكْمَهَا، فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَالِمِ أَنَّ الْآيَةَ النَّاسِخَةَ وَالْمَنْسُوخَةَ جَمِيعًا ثَابِتَتَانِ فِي التِّلَاوَةِ وَفِي خَطِّ الْمُصْحَفِ، إِلَّا أَنَّ الْمَنْسُوخَةَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا، وَالنَّاسِخَةُ هِيَ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَهَا وَالْأَخْذَ بِهَا وَأَمَّا النَّسْخُ الثَّانِي: فَأَنْ تُرْفَعَ الْآيَةُ الْمَنْسُوخَةُ بَعْدَ نُزُولِهَا، فَتَكُونُ خَارِجَةً مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَمِنْ ثُبُوتِ الْخَطِّ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ عِدَّةٌ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
17 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ وَيُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ، فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا، كَانَتْ مَعَهُ سُورَةٌ، فَقَامَ يَقْرَؤُهَا مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَامَ آخَرُ يَقْرَؤُهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَامَ آخَرُ يَقْرَؤُهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحُوا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُمْتُ الْبَارِحَةَ لِأَقْرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا، أَوْ قَالَ: نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ» وَزَادَ عُقَيْلٌ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَابْنُ الْمُسَيِّبُ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّسْخَ هُوَ رَفْعُ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُهُ الْآخَرُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ، قَالَ:
18 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: صَلَّى رَسُولُ. . . . مَوْضِعُهُ، فَهَذَا هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي كَلَامِ الْعَوَامِ، وَلَهُ مَعَ هَذَا شَاهِدٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
19 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عُرْبًا هَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
20 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] قَالَ: الزَّبُورُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ، وَالذِّكْرُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي نُسِخَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْكُتُبُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا مَعْنَى لِلنَّسْخِ فِيهِمَا إِلَّا الِاكْتِتَابُ مِنْ شَيْءٍ فِي آخَرَ سِوَاهُ، وَإِيَّاهُ أَرَادَ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قَالَ: هُوَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ.

.بَابُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَمَعْرِفَةِ مَا فِيهَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
21 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَقَالَ: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَهْلَ الْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143] قَالَ: يَعْنِي تَحْوِيلَهَا عَنْ أَهْلِ الشَّكِّ {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] قَالَ: يَعْنِي الصَّادِقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
22 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . قَالَ: وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] قَالَ: وَالسُّفَهَاءُ: الْيَهُودُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
23 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ، أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: «كُنَّا نَغْدُوا إِلَى السُّوقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَنُصَلِّي فِيهِ، فَمَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ، فَجَلَسْتُ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: تَعَالَ نَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَنَكُونَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّاهَا، قَالَ: فَتَوَارَيْنَا فَصَلَّيْنَاهُمَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ فَأَمَّا نَسْخُهَا فِي السُّنَّةِ.
24 - فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ صَالِحٍ الْحِمْصِيَّ حَدَّثَنَا، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَيَّنُونَ وَقْتَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا حَضَرَتْ أَتَوْهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُدْرِكُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يُدْرِكُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا عِنْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَنْ يَأْتُوا النَّاسَ فِي دُورِهِمْ، فَيُؤْذِنُونَهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا عِنْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُومُوا عَلَى الْآطَامِ، فَيُؤْذِنُوا النَّاسَ بِصَلَاتِهِمْ»، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْمُومًا، وَانْصَرَفْنَا مَهْمُومِينَ بِهَمِّهِ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى رُؤْيَا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ قَامَ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَافْتَتَحَ الْأَذَانَ، فَثَنَّاهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، ثُمَّ جَلَسَ جِلْسَةً، ثُمَّ قَامَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ: قَدِ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدِ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «رَأَيْتَ خَيْرًا عَلِّمْهُنَّ بِلَالًا، فَلْيَكُنْ هُوَ الَّذِي يُنَادِي بِهِنَّ» قَالَ: وَكُنَّا نَأْتِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ أَشَارَ إِلَيْهِ مَنْ مَرَّ بِهِ: سُبِقْتَ بِكَذَا، فَكُنَّا بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، فَجِئْتُ وَقَدْ سُبِقْتُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إِلَيَّ بَعْضُ مَنْ مَرَرْتُ بِهِ: سُبِقْتَ بِكَذَا وَكَذَا، فَقُلْتُ: لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا دَخَلْتُ مَعَهُ وَكُنْتُ مَعَهُ فِيهَا، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قُمْتُ أَقْضِي مَا سَبَقَنِي بِهِ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا»، فَقَالُوا: مُعَاذٌ، فَقَالَ: «إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ فَاقْتَدُوا»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْإِمَامِ وَهُوَ فِي شَيْءٍ قَدْ سَبَقَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ، فَلْيَكُنْ فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، فَلْيَقُمْ، فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
25 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ نُخْرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَيَرُدَّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَلَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
27 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
28 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى حَالِهَا، أَوْ قَالَ: وَأُقِرَّتِ الرَّكْعَتَانِ عَلَى هَيْئَتِهِمَا».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: فَمَا حَمَلَ عَائِشَةَ عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ: تَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِمِنًى، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِمِنًى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اتَّخَذَ أَهْلًا بِمَكَّةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: أَنَا خَلِيفَةٌ فَحَيْثُمَا كُنْتُ فَهُوَ عَمَلِي، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ، فَظَنَّ أَنَّ الْفَرِيضَةَ رَكْعَتَيْنِ، فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ السَّنَةَ كُلَّهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، فَحَيْثُمَا كَانَتْ فَهِيَ مَعَ وَلَدِهَا كَأَنَّهَا مُقِيمَةٌ فِي أَهْلِهَا.

.بَابُ الزَّكَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ :

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِ آيَاتٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، إِحْدَاهُنَّ الَّتِي فِي النِّسَاءِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}، وَالْأُخْرَى الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ، قَوْلُهُ: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ فِي الْقُرْآنِ سِوَى الزَّكَاةِ، فَقَدْ تَكَلَّمَتْ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، فَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ.
29 - فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ}، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى لَهُمْ بِشَيْءٍ أُنْفِذَ لَهُمْ وَصِيَّتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَضَخُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا قَالَ وَلِيُّهُمْ: لَسْتُ أَمْلِكُ هَذَا الْمَالَ وَلَيْسَ هُوَ لِي إِنَّمَا هُوَ لِصِغَارٍ. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
30 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ أَنَّهُ قَسَمَ مِيرَاثَ أَيْتَامٍ، فَأَمَرَ بِشَاةٍ، فَاشْتُرِيَتْ مِنَ الْمَالِ، وَبِطَعَامٍ فَصُنِعَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَالِي، ثُمَّ تَلَا: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ اللَّيْثِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ قَسَمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: عَمِلَ بِالْكِتَابِ، هِيَ لَمْ تُنْسَخْ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
32 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ يُعْمَلُ بِهَا، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَقَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ:
33 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَسَمَ لِي أَبُو مُوسَى بِهَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
34 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ بِمَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَذْهَبُ الَّذِينَ رَأَوْهَا مُحْكَمَةً، وَقَدْ قَالَ فِيهَا آخَرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
35 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
36 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَارَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: نَسَخَتْهَا الْفَرَائِضُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
37 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَسَخَهَا الْمِيرَاثُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فِي آيَةِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا آيَةُ الْأَنْعَامِ:
38 - فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: هُوَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ، وَالثِّمَارِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
39 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَقُّهُ زَكَاتُهُ الْمَفْرُوضَةُ يَوْمَ يُكَالُ أَوْ يُعْلَمُ كَيْلُهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
40 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: إِذَا حَصَدَ زَرْعَهُ أَلْقَى لَهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَدَّ نَخْلَهُ أَلْقَى لَهُمْ مِنَ الشَّمَارِيخِ، فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا تَأْوِيلُ الَّذِينَ رَأَوَا الْآيَةَ مُحْكَمَةً إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ رَأَيَاهَا الزَّكَاةَ نَفْسَهَا فِي الْأَرْضِ، وَرَآهَا مُجَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، إِلَّا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
41 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
42 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ، وَنَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ، وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
43 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ نَفَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
44 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ الَّذِينَ رَأَوْهَا مَنْسُوخَةً، إِلَّا أَنَّهُمْ عَمُّوا بِالنَّسْخِ كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مَا خَلَا الزَّكَاةَ، وَقَوْلُ الَّذِينَ رَأَوْا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي الصَّدَقَةِ مُحْكَمَةً قَائِمَةً، أَشَدُّ عِنْدِي مُوَافَقَةً لِلْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِنْ قَوْلِ الْآخَرِينَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
45 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ وَعَنْ حَصَادِ اللَّيْلِ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَتَأَوَّلْتِ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِلْفِرَارِ بِهِ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاكِينِ نَهَارًا، فَكَأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ الْآنَ فِيهِ حَقًّا غَيْرَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْخَوْفِ عَلَى النَّاسِ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ لَيْلًا، وَالتَّأْوِيلُ عِنْدِي هُوَ الْأَوَّلُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
46 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ، أَوْ قَالَ إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، وَأَهْلٍ، وَوَلَدٍ، وَحَاضِرَةٍ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أُنْفِقُ، وَكَيْفَ أَصْنَعُ، فَقَالَ: «تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِكَ، فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ تُطَهِّرُكَ، وَتَصِلُ أَقَارِبَكَ، وَتَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ، وَالْجَارِ، وَالْمِسْكِينِ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ إِيَّاهُ بِإِعْطَاءِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ ذِكْرِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ سَمَّاهُ حَقًّا، فَقَالَ: «تَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ، وَالْجَارِ، وَالْمِسْكِينِ»، وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
47 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عَبِيدَةَ، عَنْ قَزَعَةَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ يَا قَزَعَةُ.
أَخْبرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
48 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ وَسُئِلَ: هَلْ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ قَالَ: نَعَمْ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] إِلَى آخِرِهَا.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
50 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ حِينَ نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ وَأُمِرُوا بِالْعَمَلِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا التَّأْوِيلُ وَهَذِهِ الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تُوجِبُ كُلَّ حَقٍّ مُسَمًّى فِي الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ.