فصل: تفسير الآيات (16- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (7):

{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)}
قوله تعالى: {يَا زَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى} فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء:
أحدها: إجابة دعائه وهي كرامة.
الثاني: إعطاؤه الولد وهو قوة.
الثالث: أن يفرد بتسميته. فدل ذلك على أمرين:
أحدهما: اختصاصه به. الثاني: على اصطفائه له. قال مقاتل سماه يحيى لأنه صبي بين أب شيخ وأم عجوز.
{لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيَّاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أي لم تلد مثله العواقر، قاله ابن عباس. فيكون المعنى لم نجعل له مثلاً ولا نظيراً.
الثاني: أنه لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً، قاله مجاهد.
الثالث: أي لم يسم قبله باسمه أحد، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (8- 9):

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)}
قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} أي ولد.
{وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} أي لا تلد وفي تسميتها عاقراً وجهان:
أحدهما: لأنها تصير إذا لم تلد كأنها تعقر النسل أي تقطعه.
الثاني: لأن في رحمها عقراً يفسد المني، ولم يقل ذلك عن شك بعد الوحي ولكن على وجه الاستخبار: أتعيدنا شابين؟ أو ترزقنا الولد شيخين؟
{وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتيّاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني سناً، قاله قتادة. الثاني: أنه نحول العظم، قاله ابن جريج.
الثالث: أنه الذي غيره طول الزمان إلى اليبس والجفاف، قاله ابن عيسى قال الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعذر ** من كان في الزمان عتياً

قال قتادة: كان له بضع وسبعون سنة وقال مقاتل خمس وتسعون سنة. وقرأ ابن عباس: {عِسِيّاً} وهي كذلك في مصحف أبي من قولهم للشيخ إذا كبر: قد عسا وعتا ومعناهما واحد.

.تفسير الآيات (10- 11):

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}
قوله تعالى: {اجْعَل لِّي ءَايَةً} أي علامة وفيها وجهان:
أحدهما: أنه سأل الله آية تدله على البشرى بيحيى منه لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه ذلك، قاله الضحاك.
الثاني: سأله آية تدله على أن امرأته قد حملت.
{قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} فيه وجهان:
أحدهما: أنه اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض وكان إذا أراد أن يذكر الله انطلق لسانه وإذا أراد أن يكلم الناس اعتقل، وكانت هذه الآية، قاله ابن عباس.
الثاني: اعتقل من غير خرس، قاله قتادة والسدي.
{سَوِيّاً} فيه تأويلان:
أحدهما: صحيحاً من غير خرس، قاله قتادة.
الثاني: ثلاث ليال متتابعات، قاله عطية، فيكون السوي على الوجه الأول راجعاً إلى لسانه، وعلى الثاني إلى الليالي.
قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ} قال ابن جريج أشرف على قومه من المحراب. وفي {الْمِحْرَابِ} وجهان:
أحدهما: أنه مصلاة، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة.
وفي تسميته محراباً وجهان:
أحدهما: أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته.
الثاني: أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه ومنعاً منه.
{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيّاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أوصى إليهم، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أشار إليهم بيده، قاله الكلبي.
الثالث: كتب على الأرض. والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير:
كأن أخا اليهود يخط وحياً ** بكافٍ من منازلها ولام

{أَنَ سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} أي صلواْ بكرة وعشياً، قاله الحسن وقتادة، وقيل للصلاة تسبيح لما فيها من التسبيح.

.تفسير الآيات (12- 15):

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}
قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} وفي قائله قولان:
أحدهما: أنه قول زكريا ليحيى حين نشأ.
الثاني: قول الله ليحيى حين بلغ.
وفي هذا {الْكِتَابَ} قولان:
أحدهما: صحف إبراهيم.
الثاني: التوراة.
{بِقُوَّةٍ} فيه وجهان:
أحدهما: بجد واجتهاد، قاله مجاهد.
الثاني: العمل بما فيه من أمر والكف عما فيه من نهي، قاله زيد بن أسلم.
{وَءَاتَينَاهُ الْحُكُمَ صَبِيّاً} فيه أربعة أوجه:
أحدها: اللب، قاله الحسن.
الثاني: الفهم، قاله مقاتل.
الثالث: الأحكام والمعرفة بها.
الرابع: الحكمة. قال معمر: إن الصبيان قالوا ليحيى إذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقت، فأنزل الله {وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}. قاله مقاتل وكان ابن ثلاث سنين.
قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} فيه ستة تأويلات:
أحدها: رحمة من عندنا، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض

أي رحمتك وإحسانك.
الثاني: تعطفاً، قاله مجاهد.
الثالث: محبة، قاله عكرمة.
الرابع: بركة، قاله ابن جبير.
الخامس: تعظيماً.
السادس: يعني آتينا تحنناً على العباد.
ويحتمل سابعاً: أن يكون معناه رفقاً ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة {وَزَكَاةً} فيها هنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج.
الثاني: زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنساناً.
الثالث: يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة. {وَكَانَ تَقِيّاً} فيه وجهان:
أحدهما مطيعاً لله، قاله الكلبي. الثاني: باراً بوالديه، قاله مقاتل.

.تفسير الآيات (16- 21):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}
قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} يعني في القرآن {إِذ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} فيه وجهان:
أحدهما: انفردت، قاله قتادة.
الثاني: اتخذت.
{مَكَاناً شَرْقِيّاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ناحية المشرق، قاله الأخفش ولذلك اتخذت النصارى المشرق قبلة.
الثاني: مشرقة داره التي تظلها الشمس، قاله عطية.
الثالث: مكاناً شاسعاً بعيداً، قاله قتادة.
قوله تعالى: {فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: حجاباً من الجدران، قاله السدي.
الثاني: حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً، قاله ابن عباس.
الثالث: حجاباً من الناس، وهو محتمل، وفيه وجهان:
أحدهما: أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة.
الثاني: أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها.
{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} الآية: فيه قولان:
أحدهما: يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً.
الثاني: أنه جبريل، قاله الحسن وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن منبه.
وفي تسميته له روحاً وجهان:
أحدهما: لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له.
الثاني: لأنه تحيا به الأرواح.
واختلفوا في سبب حملها على قولين:
أحدهما: أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ، قاله ابن جريج، منه قول أميه بن أبي الصلت:
فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها ** فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم

الثاني: أنه ما كان إلا أن حملت فولدته، قاله ابن عباس.
واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل: أحدها: تسعة أشهر، قاله الكلبي. الثاني: تسعة أشهر. حكى لي ذلك أبو القاسم الصيمري.
الثالث: يوماً واحداً.
الرابع: ثمانية أشهر، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه.
قوله تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} لأن مريم خافت جبريل على نفسها حين دنا فقالت {إِنِّي أَعُوذُ} أي أمتنع {بِالرَّحْمَنِ مِنكَ} فاستغاثت بالله في امتناعها منه.
فإن قيل: فلم قالت {إن كُنتَ تَقِيّاً} والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي؟
ففيه وجهان: أحدهما: أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه، قاله أبو وائل.
الثاني: أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قاله بن عباس.

.تفسير الآيات (22- 23):

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
قوله تعالى: {فَأجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه ألجأها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومنه قول الشاعر:
إذ شددنا شدة صادقة ** فأجأناكم إلى سفح الجبل

الثاني: معناه فجأها المخاض كقول زهير:
وجارٍ سارَ معتمداً إلينا ** أجاءته المخافة والرجاء.

وفي قراءة ابن مسعود {فَأَوَاهَا}
{قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً قاله السدي.
الثاني: لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها.
الثالث: لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء، قاله جعفر بن محمد رحمهما الله.
{وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: لم أخلق ولم أكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الثاني: لا أعرف ولا يدرى من أنا، قاله قتادة.
الثالث: النسي المنسي هو السقط، قاله الربيع، وأبو العالية.
الرابع: هو الحيضة الملقاة، قاله عكرمة، بمعنى خرق الحيض.
الخامس: معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي. والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز:
كالنسي ملقى بالجهاد البسبس....